لمحات من المعاد

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-829-7
الصفحات: ١٦٤

وقال السيّد شبّر :

(فالقول بالمعاد الجسماني ممّا اتّفق عليه جميع المليّين ، وهو من ضروريّات الدين ... وقد نفاه أكثر ملاحدة الفلاسفة تمسّكاً بامتناع اعادة المعدوم ، ولم يقيموا دليلاً على ذلك ولا برهاناً شافياً هنالك ، بل تمسّكوا تارة في مثل هذا المطلب العظيم والأمر الجسيم في مقابلة الآيات القرآنيّة والأحاديث المتواترة المعصوميّة بالبداهة ، وتارة بشبهات واهية أوهن من بيت العنكبوت ، وانه لأوهن البيوت ...

القول بالمعاد الجسماني والروحاني معاً أقوى المذاهب ، وهو الذي دلّت عليه الآيات القرآنيّة ، والأحاديث المعصوميّة ، وأيّدته المؤيّدات العقليّة) (١).

وقال الشيخ كاشف الغطاء الكبير في تعداد المعارف التي هي من اُصول الاسلام ومن أنكر واحداً منها عرف بالكفر بين الأنام :

(الثالث : المعاد الجسماني ، ويجب العلم بأنّه تعالى يعيد الأبدان بعد الخراب ، ويعيدها هيئتها الاُولى بعد أن صارت إلى التراب ، ويُحلّ بها الأرواح على نحو ما كانت ، ويضمّها إليها بعد ما انفصلت وبانت) (٢).

فتلاحظ أنّ الوفاق والاجماع على المعاد صريح في كلمات علمائنا الأمجاد ، اتّفاقاً من جميع الديّانين ، واجماعاً من كلّ المسلمين ، بحيث قال الرازي في محكي كتاب نهاية العقول :

(نعلم باضطرار اجماع الأنبياء من أوّلهم إلى آخرهم على اثبات المعاد البدني فوجب القطع بهذا المعاد) (٣).

٤ ـ دليل العقل :

__________________

(١) حقّ اليقين : ج ٢ ، ص ٢٧ و٣٨.

(٢) كشف الغطاء : ص ٣.

(٣) حكاه في حقّ اليقين : ج ٢ ، ص ٣٦.

٢١

مضافاً إلى الأدلّة السالفة القطعيّة يحكم العقل أيضاً في أحكامه اللزوميّة بيوم المعاد وقيامة العباد لوجوه ذكرنا بعضها في مبحث العقائد (١) وهي :

أولاً : أن الكون كما نراه ونجده مبنى على أساس العدل ونظم العدالة ، وبالعدل قامت السماوات والأرض.

ومضافاً إلى كون قيام السماوات والأرض على نظام العدل والحق أمراً وجدانيّاً عقليّاً يستفاد هذا النظام من بعض الأحاديث الشريفة أيضاً.

ففي الحديث النبوي :

«بِالعَدلِ قامَتِ السموات وَالأَرض» (٢).

وفي الحديث العلوي :

«فانّ الحقّ به قامَتِ السموات وَالأرض» (٣).

وما من خلل يخالف العدل إذا وقع في الكون إلاّ وظهرت مساويه ، وبدت مفاسده.

وعلى هذا النظام الأساسي يُلزم العقل باستقرار العدل بمعاقبة المجرم ، وإثابة المحسن.

ومن المعلوم أنّه لا تحصل هذه الحقيقة ، ولم يتحقّق هذا الحق في هذا العالم بالبداهة ...

فلابدّ وأن يتشكّل عالمٌ يُقضى فيه بالعدل ، ويحكم فيه بالانصاف ، فينتصف من الظالم ، ويُنتصر للمظلوم.

ولولاه لذهبت حقوق العباد ، وضاعت الدماء بالفساد وهو ظلمٌ لا يقبله العقل في جزء حقير وزمانٍ يسير في هذا الكون ، فكيف بمرّ الأجيال في الأزمنة الطوال ، على ظهر

__________________

(١) العقائد الحقّة : ص ٤٠٠.

(٢) عوالي اللئالي : ج ٤ ، ص ١٠٣.

(٣) نهج السعادة : ج ٤ ، ص ٢٢١.

٢٢

جميع الأرض البسيطة ، وبالنسبة إلى جميع الخلق والخليقة.

لذلك يحكم العقل على أساس العدل بتحقّق يوم الفصل.

ثانياً : أن الحكمة الالهيّة البالغة تقضي بيوم المعاد ومجازاة العباد ، وإلاّ لكان التكليف وعناء الكلفة عبثاً ، وكان إرسال الأنبياء لغواً ، وكان الوعد والوعيد باطلاً ، وحاشا الحكيم العليم عن ذلك أبداً.

فلابدّ وأن يتحقّق العود والرجوع هنالك باقتضاء الحكمة ، حتّى لا يلزم العبث واللغو والبطلان.

فيحكم العقل على أساس حكمة الله الحكيم بتحقّق ذلك اليوم العظيم لمجازات التكاليف وانجاز مواعيد الأنبياء ، وقد كان إكتساب الطاعة والعصيان بالجسم والروح معاً ، فلابدّ بحكم العقل من رجوع كليهما معاداً.

ثالثاً : أنّه لو لم يكن ذلك اليوم الخالد ولم يظهر الفرق بين المطيع والعاصي في الجزاء لتساوي الأنبياء النبلاء مع أشقى العصاة الأشقياء ، ولتعادل جبابرة الكافرين مع كبار المؤمنين ، واستوى البر والفاجر ، وتوازن الظلم والعدل والحق مع الباطل والنور مع الظلمة.

وهذا شيء قبيح ، مخالفٌ للحق الصريح ، فيحكم العقل باستحالته على الله تعالى ، والحكيم المولى.

وعليه فالعقل حاكم على أساس الحسن وعدم استلزام القبح بضروريّة يوم الحشر للانسان ، وقيام المعاد والميزان ، لتمييز الحق وإبطال الباطل ، وتمييز المطيع عن العاصي.

رابعاً : انّ الوجدان الذاتي يدرك بكلّ وضوح أنّ الانسان لم يخلق للحياة الحيوانيّة والأكل والشرب والتمتع والتلذّذ في العالم الدنيا فحسب ..

فقد زوّد بالعقل الحكيم الذي يوصل الانسان إلى أعلى مستويات الكمال ، ولا يقف

٢٣

على حدّ ، إلى أن يصل إلى ما قال خالقه سبحانه وتعالى : (وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ) (١).

وإلاّ لكان اعطاؤه العقل لغواً ، تعالى الحكيم عن ذلك فمقتضى الحكمة الالهيّة بالحكومة العقليّة أن لا تختم حياة الانسان بالحياة الدنيويّة فقط ، بل لابدّ من الحياة الاخرى والوصول إلى الدرجات العلى ، والحياة الفضلى.

خامساً : أنّ الفطرة الانسانيّة بنفسها تقضى بمجازاة الظالم ، ومؤاخذة الجاني الغاشم ..

حتّى فطرة الملحدين ومنكري ربّ العالمين ، لذلك تراهم يعاقبون السارق ويؤاخذون المتجاوز ، ويدعون إلى تشكيل أجهزة قضائيّة ، ومحاكم عدليّة للجزاء والانتصاف وتلاحظ أن كلّ انسان ـ إلاّ من شذّ ـ يشعر لأبديّة الجزاء في ضميره ووجدانه.

فيحسّ بهالة من السرور والاطمئنان اذا وفّق لعمل صالح ، وفي قباله يحسّ بكابوسٍ من الغم واللوم إذا ارتكب قبيحاً أو جناية ...

وما ذلك إلاّ لفطريّة الجزاء ، ووجدانيّة المجازات.

فحقانيّة يوم القيامة ثابتة بمنطق العقل ووحي الفطرة ، مضافاّ إلى ما تقدّم من الأدلّة.

وقد عرفت أنّ اكتساب المحاسن والطاعات ، والمعاصي والسيّئات يكون بالبدن والروح معاً ، وفيجب عود كليهما جزاءً.

ومن أجلى الحقائق ما يدركه الانسان من كمال الارتباط بين الروح والبدن في حياته العمليّة ومشاعره الوجدانيّة من كلّ حركة وسكون وفعل وترك ، فينبغي تعلّق الثواب والعقاب بكليهما.

لذلك فالعقل حاكم بالمعاد الانساني .. الجسماني والروحاني معاً.

علماً بأنّه لا يوجد أيّ إشكالٍ رادع ، ولا محالٍ مانع عن عود الأجسام في بعثة الأنام.

وهذا برهان وجداني ودليل عقلي على يوم المعاد ، بلا ريب ولا اشكال.

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ٤٢.

٢٤

والشبهات التي ألقاها بعض الملحدين هي تخيّلات باطلة مقابل حكم العقل السليم ، بل هي معارضته لكلام القادر الحكيم.

والشبهات هذه هي كما يلي نذكرها مع جوابها :

الشبهة الأُولى : ما ذكره منكروا المعاد الجسماني من الفلاسفة بأنّ الانسان يصير بموته معدوماً ، والمعدوم يستحيل اعادته بواسطة انعدامه ، فلا يمكن عود الانسان بجسمه.

والجواب : انّ هذه الشبهة غفلة عن حقيقة الموت والمعاد ، وخلطٌ بين الموت والانعدام.

فانّ الموت في الحقيقة ليس انعداماً لأجزاء الانسان ، بل هو تفريق لأجزائه ، وتشتيت لأعضائه.

والمعاد ليس اعادة المعدوم ، بل هو اعادة تلك الأجزاء المتفرّقة والأعضاء المتشتّتة ، ونفخ للروح الباقي في ذلك الجزء الأصلي من الجسم الذي لا يفنى ولا ينعدم ، كما يرشد إليه حديث الامام الصادق عليه السلام المتقدّم :

«لا يَبْقَى لَهُ لَحْمٌ وَلا عَظْمٌ إلّا طِينَتُهُ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا ، فَإِنَّهَا لا تُبْلَى ، تَبْقَى فِي الْقَبْرِ مُسْتَدِيرَةً حَتَّى يُخْلَقَ مِنْهَا كَمَا خُلِقَ أَوَّلَ مَرَّةٍ» (١).

وأمّا قوله تعالى في سورة الرحمن ، الآية ٢٦ : (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) فليس معنى الفناء الانعدام ، بل هو بمعنى الهلاك وعدم البقاء كما يشهد له قوله تعالى بعد ذلك في قباله : (وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ).

ويشهد له أيضاً قوله عزّ اسمه في سورة القصص ، الآية ٨٨ : (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ).

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٥١ ، ح ٧.

٢٥

فلا انعدام في أصل البدن ، ولا في روحه ، ولا استحالة في الاعادة بجمع أجزاء البدن ونفخ الروح فيها بقدرة الله تعالى العالم بكلّ جزء والمحيط بكلّ شيء.

ويرشدنا إلى كون الموت تفريقاً لا انعداماً والاحياء جمعاً للأجزاء لا اعادة للمعدوم نفس البيان القرآني في قضيّة سيّدنا إبراهيم الخليل عليه السلام قال عزّ اسمه في سورة البقرة ، الآية ٢٦٠ : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا).

فإنّ من المعلوم انّ الأحياء الذي بيّنه الله تعالى لابراهيم الذي سأل عن كيفيّته كان نفخ الصور بعد تفريق أجزاء الطيور لا انعدامها.

ويرشدنا إلى بقاء الروح وعدم فناءه حديث الامام الصادق عليه السلام المتقدّم : «بَلْ هُوَ بَاقٍ إِلَى وَقْتٍ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ» (١).

وحتّى قد بيّنت الأحاديث الشريفة محل بقاء تلك الأرواح وموطن اقامتها كما في حديث عبدالله بن سنان عن الامام الصادق عليه السلام في بيان أنهار الجنّة ، جاء في الحديث :

«إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا تُوُفِّيَ صَارَتْ رُوحُهُ إِلَى هَذَا النَّهَرِ وَرَعَتْ فِي رِيَاضِهِ وَشَرِبَتْ مِنْ شَرَابِهِ وَإَنَّ عَدُوَّنَا إِذَا تُوُفِّيَ صَارَتْ رُوحُهُ إِلَى وَادِي بَرَهُوتَ (٢) فَأُخْلِدَتْ فِي عَذَابِهِ

__________________

(١) الاحتجاج : ج ٢ ، ص ٩٧.

(٢) وادي السلام : هو الوادي المبارك في ظهر الكوفة ، في النجف الأشرف ويستفاد من بعض الأحاديث انّه يمتدّ من ظهر الكوفة إلى مرقد أميرالمؤمنين عليه السلام الذي كان يقول : «اللّهمّ اجعل قبري به» [لاحظ تاريخ النجف الأشرف : ج ، ص ٣٨].

وادي برهوت : هو وادٍ منخفض في حضرموت باليمن الجنوبي ، يعرف بوادي حضرموت ، يبعد عنه ٢٠٠ كيلومتراً ، ويمتدّ هذا الوادي إلى مسافة ٣٢٠ كيلومتراً كما في الموسوعة العربيّة

٢٦

وَأُطْعِمَتْ مِنْ زَقُّومِهِ وَأُسْقِيَتْ مِنْ حَمِيمِهِ فَاسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي» (١).

فالأرواح اذاً لا تفنى بل هي باقية بعد الموت كما صرّحت به الأحاديث المتظافرة ، واستقرت عليه العقيدة الحقّة.

قال الشيخ الصدوق (٢).

(واعتقادنا فيها ـ الأرواح ـ أنها خُلقت للبقاء ، ولم تُخلق للفناء ، لقول النبي صلى الله عليه وآله : «وما خُلقتم للفناء ، بل خُلقتم للبقاء ، وإنّما تنتقلون من دار إلى دار ...» فهي باقية ، منها منعّمة ، ومنها معذّبة ، إلى أن يردّها الله تعالى بقدرته إلى أبدانها).

وقال العلّامة المجلسي (٣).

(اعلم أنّ الذي ظهر من الآيات الكثيرة والأخبار المستفيضة والبراهين القاطعة هو أنّ النفس باقية بعد الموت ، إمّا معذّبة إن كان ممّن محض الكفر ، أو منعّمة إن كان ممّن محض الايمان ، أو يُلهى عنه إن كان من المستضعفين).

وقال السيّد شبّر (٤).

(الموت عبارة عن خروج الروح عن هذا البدن ومفارقتها إيّاه ، وجسم الروح في نهاية اللطافة والشفافيّة كأجسام الملائكة وسائر الأجساد السماويّة ، تبقى محفوظة

__________________

الميسرة : ص ٧٢٦.

وذكر في معجم البلدان : ج ١ ، ص ٤٠٥ : أن في وادي برهوت بئراً ماؤها أسود حكى الأصمعي عن بعض أهل حضرموت : انا نجد في ناحية برهوت الرائحة المنتنة الفظيعة جدا ، فيأتينا بعد ذلك أن عظيماً من عظماء الكفار مات ، فنرى أن تلك الرائحة منه ، وعن ابن عيينة أنّه أخبرني من أمسى ببرهوت انه سمع منه أصواتاً وضجيجاً.

(١) بحار الأنوار : ج ٦ ، ص ٢٨٧.

(٢) الاعتقادات : ص ٤٧.

(٣) البحار : ج ٦ ، ص ٢٧٠.

(٤) حقّ اليقين : ج ٢ ، ص ٤٨.

٢٧

بقدرة الله تعالى).

فبقاء الروح ممّا لا ينبغي الشكّ فيه ، وسيأتي الدليل عليه كتاباً وسنّةً واجماعاً بل حتّى العقل والوجدان يشهد ببقائه ، وحيويته ، وتصرّفاته كما ثبت في العلم الحديث ، ولمسته المقابلات الروحيّة بين الأحياء وبين الأموات على الصعيد الروحي ، ممّا تلاحظ جملةً منه في كتاب (مردگان) ص٣٧ و٤٩ ، فراجع.

وغير خفيّ أنّ اعادة تلك الأرواح إلى أبدانها بالرغم من تشتّت البدن ولزوم جمع أعضائه ليس من العسير على الله تعالى الذي أنشأها أوّل مرّة وهو بكلّ خلق عليم.

وقد أبان الله تعالى قدرته المطلقة في الأحياء والاماتة في آيات كتاب الكريم : فهو الذي الأرض جميعاً قبضته والسماوات مطويّة بيمينه ، ولا يخفى عليه شيء وهو قادر على كلّ شيء.

الشبهة الثانية : شبهة الآكل والمأكول ، أي أن المأكول صار جزءاً لبدن الآكل فكيف يحشر؟

والجواب : أنه تندفع هذه الشبهة من حديث الكافي المتقدّم : المصرّح ببقاء الطينة الأصليّة المستديرة التي خُلق منها.

حيث يستفاد بقاء الجسم الاوّلى الصغير ، ولا تصير جزء مستحيلاً لبدن الآكل بل تبقى حتّى لو أكلت وبلى جسم الآكل في التراب ، وحتّى لو انتقل إلى بدن آخر ...

فتبعث تلك الطينة الأصليّة ، ويعيدها الله تعالى إلى خلقتها الأوليّة المأكولة.

كما أنّ نفس الآكل يحشر بخلقته الأصليّة ، عارياً عن تلك الطينة ، لتميّز الأجزاء وعود كلّ جزء إلى أصله ، بقدرة الله تعالى العالم المحيط بكلّ شيء علماً.

الشبهة الثالثة : بأيّ جسم يُحشر الانسان ، حيث قد تبدّل الجسم في حياته ، وتغيّر في جزئيّاته على مرّ الأعوام التي عاش فيها؟

والجواب : أنّ جميع أطوار الجسم تتلخّص في الجسم الأخير الذي يموت به الانسان

٢٨

ويُدفن في قبره ، ويصير تراباً في قبره للأخير من جسمه ، مع أنّ كلّ تراب بدن في أطوار بدنه محفوظ في الأرض غير خارج عنه ، فيجتمع جميع أتربته ، ويعود تراب كلّ جسم إلى قالبه ، كما صرّح به حديث الاحتجاج المتقدّم الذي ورد فيه (فيجتمع تراب كلّ قالب إلى قالبه).

ولا استحالة لهذا الجمع في الأسباب والوسائل العاديّة كالمغناطيس الذي يجمع برادة الحديد المنتشرة في الأرض ، فكيف بقدرة الله تعالى القادر على كلّ شيء والعالم بكلّ جزء.

الشبهة الرابعة : كيف تسع الأرض حشر الجميع مع كثرة الوجودات الانسانيّة والحيوانيّة ، في الأزمنة الطويلة ، ومحدوديّة الأرض؟

الجواب : قوله عزّ اسمه في سورة الانشقاق ، الآية ٣ ـ ٤.

(وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ).

فانّ في امتداد الأرض وتوسيعها بقدرة الله تعالى وانبساطها حينئذٍ أكبر امكان وكفاية لحشر جميع الخلق بأبدانهم وأرواحهم.

فمسألة المعاد الجسماني حق بلا ريب ، ولا شبهة فيه ولا اشكال.

٢٩

(٢)

مراحل القيامة

الدنيا على مرّ أيّامها وتطاول قرونها لابدّ وأن تنتهي يوماً ، وتسجّل ختاماً ، نحو عالمٍ ينتظرنا وآخرة في قبالنا ، لا مفرّ منه لكلّ شخص ، ولا محيص عنه لكلّ فرد.

«أّيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الدُّنْيَا دَارُ مَجَازٍ وَالْآخِرَةُ دَارُ قَرَارٍ فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ ، وَلا تَهْتِكُوا أَسْتَارَكُمْ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَسْرَارَكُمْ ، وَأَخْرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ ، فَفِيهَا اخْتُبِرْتُمْ وَلِغَيْرِهَا خُلِقْتُم» (١).

والمراحل التي ينتقل فيها الانسان من دار الدنيا إلى عالم الاُخرى مراحل كثيرة تبتدأ بموته ، وتنتهي بغاية عاقبته : الجنّة أو الجحيم ، والخلود المقيم.

ونختار من هذه المراحل عنونة أربعة عشر مرحلة نذكرها وما يناسبها ، ونستعين الله تعالى في بيانها وهي :

* الموت ، ويوم الموت لكلّ فردٍ هو آخر يوم من دنياه وأوّل يوم من آخرته وقيامته.

* البرزخ.

* القبر.

* أشراط الساعة.

* نفخ الصور وفناء الدنيا.

* البعث والحشر.

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٠٣.

٣٠

* الميزان.

* الحساب.

* الأعمال.

* الوسيلة.

* الحوض.

* الشفاعة.

* الصراط.

* الجنّة والنار ، وهي النهاية الخالدة ، ومصير يوم القيامة.

٣١

(١)

الموت

وهي الحقيقة الثابتة التي يدركها الوجدان بالعيان ، وتستغني عن إقامة الدليل والبرهان.

وقد خلقه الله تعالى كما خلق الحياة فكان مخلوقاً من مخلوقاته كما يفيده قوله عزّ اسمه في سورة الملك ، الآية ٢ :

(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).

وفي حديث الامام الباقر عليه السلام في الكافي :

«الْحَيَاةُ وَالْمَوْتَ خَلْقَانِ مِنْ خَلْقِ اللهِ فَإذَا جَاءَ الْمَوْتُ فَدَخَلَ فِي الْإنْسَانِ لَمْ يَدْخُلْ فِي شَيْءٍ إلّا وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ الْحَيَاةُ» (١).

وهو يتحقّق بفعل الله تعالى القاهر لعباده ، والذي يتوفّى الأنفس حين موتها.

ويتنفّذ بواسطة ملك الموت وأعوانه كما في قوله تعالى :

(قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (٢).

قال في تصحيح الاعتقادات :

«الموت هو يضادّ الحياة ، يبطل معه النمو ، ويستحيل معه الاحساس ، وهو يحلّ محل الحياة فينفيها» (٣).

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٥٩ ، ح ٣٤.

(٢) سورة السجدة ، الآية ١١.

(٣) تصحيح الاعتقادات : ص ٩٤.

٣٢

وقال في حقّ اليقين :

«يجب الاقرار بأنّ كلّ حيّ سوى الله يموت» (١).

وصف الموت

جاء وصف الموت وبيانه في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ... من ذلك :

حديث الامام العسكري عن آبائه الكرام عليهم السلام : قيل للصادق عليه السلام : صف لنا الموت؟

قال عليه السلام :

«لِلْمُؤمِنِ كَأَطْيَبِ رِيحٍ يَشَمُّهُ فَيَنْعَسُ لِطِيبِهِ وَيَنْقَطِعُ التَّعَبُ والْأَلَمُ كُلُّهُ عَنْهُ وَلِلْكَافِرِ كَلَسْعِ الْأَفَاعِيِّ وَلَدْغِ الْعَقَارِبِ أَوْ أَشَدَّ.

قِيلَ : فَإِنَّ قَوْماً يَقُولُونَ : إٍنَّهُ أَشَدُّ مِنْ نَشْرٍ بِالْمَنَاشِيرِ! وَقَرْضٍ بِالْمَقَارِيضِ! وَرَضْخٍ بِالْأَحْجَارِ! وَتَدْوِيرِ قُطْبِ الْأَرْحِيَةِ عَلَى الْأَحْدَاقِ.

قَالَ : كَذَلِكَ هُوَ عَلَى بَعْضِ الْكَافِرِينَ وَالْفَاجِرِينَ ، أَلا تَرَوْنَ مِنْهُمْ مَنْ يُعَايِنُ تِلْكَ الشَّدَائِدَ؟ فَذَلِكُمُ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا لا مِنْ عَذَابِ الآْخِرَةِ فَإِنَّهُ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا.

قِيلَ : فَمَا بَالُنَا نَرَى كافِراً يَسْهُلُ عَلَيْهِ النَّزْعُ فَيَنْطَفِئُ وَهُوَ يُحَدِّثُ وَيَضْحَكُ وَيَتَكَلَّمُ ، وَفِي الْمُؤْمِنِينَ أَيْضاً مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ ، وَفِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ مَنْ يُقَاسِي عِنْدَ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ هَذِهِ الشَّدَائِدَ؟

فَقَالَ : مَا كَانَ مِنْ رَاحَةٍ لِلْمُؤْمِنِينَ هُنَاكَ فَهُوَ عَاجِلُ ثَوَابِهِ ، وَمَا كَانَ مِن شَدِيدَةٍ فَتَمْحِيصُهُ مِنْ ذُنُوبِهِ لِيَرِدَ الْآخِرَةَ نَقِيّاً ، نَظِيفاّ ، مُسْتَحِقّاً لِثَوَابِ الْأَبَدِ ، لا مَانِعَ لَهُ دُونَهُ ؛ وَمَا كَانَ مِنْ سٌهُولَةٍ هُنَاكَ عَلَى الْكَافِرِ فَلِيُوَفَّى أَجْرَ حَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا لِيَرِدَ الْآخِرَةَ وَلَيْسَ لَهُ إِلاّ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعَذَابِ.

__________________

(١) حقّ اليقين : ج ٢ ، ص ٥٥.

٣٣

وَمَا كَانَ مِنْ شِدَّةٍ عَلَى الْكَافِرِ هُنَاكَ فَهٌوَ ابْتِدَاءُ عَذَابِ اللهِ لَهُ بَعْدَ نَفَادِ حَسَنَاتِهِ ذَلِكُمْ بِأَنَّ اللهَ عَدْلٌ لا يَجُورُ» (١).

حكمة الموت

المحيا والممات امتحانٌ للانسان لأعماله وأفعاله وأقواله فلا ينبغي أن تكون الحياة هنا أبديّة مع كونها امتحانية.

وكفى بمقدار حياة الانسان وقتاً كافياً للامتحان.

وبالموت ينتقل الانسان إلى العالم الأمثل ، وإلى عالم الجزاء.

١ ـ قال تعالى :

(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (٢).

وجاء الحديث في تفسيره عن الامام الرضا عليه السلام :

«ليبلوكُم بتكليف طاعَتِهِ وَعِبادتِهِ» (٣).

٢ ـ حديث الامام الصادق عليه السلام :

«إِنَّ قَوْماً فِيمَا مَضَى قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ : ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَرْفَعُ عَنَّا الْمَوْتَ فَدَعَا لَهُمْ ، فَرَفَعَ اللهُ عَنْهُمُ الْمَوْتَ ، فَكَثُرُوا حَتَّى ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْمَنَازِلُ ، وَكَثُرَ النَّسْلُ ، وَيُصْبِحُ الرَّجُلُ يُطْعِمُ أَبَاهُ وَجَدَّهُ وَأُمَّهُ وَجَدَّ جَدِّهِ وَيُوَضِّيهِمْ ـ أي يطهّرهم عن الأدناس والأرجاس ـ وَيَتَعَاهَدُهُمْ ، فَشَغَلُوا عَنْ طَلَبِ الْمَعَاشِ.

فَقَالُوا : سَلْ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَرُدَّنَا إِلَى حَالِنَا الَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا.

__________________

(١) عيون الأخبار : ج ١ ، ص ٢١٣ ، ح ٩.

(٢) سورة المُلك ، الآية ٢.

(٣) كنز الدقائق : ج ١٣ ، ص ٣٥١.

٣٤

فَسَأَلَ نَبِيُّهُمْ رَبَّهُ ، فَرَدَّهُمْ إِلَى حَالِهِمْ» (١).

٣ ـ قال النبي صلى الله عليه وآله :

«لَوْ لا ثَلاثةٌ فِي ابْنِ آدَمَ مَا طَأْطَأَ رِأْسَهُ شَيْءٌ الْمَرَضُ ، وَالْمَوْتُ ، وَالْفَقْرُ ، وَكُلُّهُنَّ فِيهِ وَإِنَّهُ لَمَعَهُنَّ وَثَّابٌ» (٢).

الاستعداد للموت

لا شكّ في أنّ سفر الموت يحتاج إلى إعداد عُدّة ، واستعداد وأهبّة.

فانّ الموت وإن كان سهلاً على المؤمن وراحة له إلاّ أنّه انتقال إلى عالم جديد له ، غريب عليه ، صعب لديه ، عالم وحشة وشدّة ولهذا عبّر عنه القرآن الكريم بالسكرة بقوله تعالى : (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (٣).

فتحتاج إلى عُدّة وذخيرة ، فما هي الذخيرة لذلك العالم؟

هذا ما تلاحظ بيانه في الأحاديث الشريفة التالية :

١ ـ حديث الامام الصادق عليه السلام : أنّه قال أميرالمؤمنين عليه السلام :

«ما أنْزَلَ الموتَ حقّ مَنزِلَتِهِ مَن عدّ غَداً مِن أجَلِهِ» (٤).

٢ ـ حديث عبدالأعلى مولى آل سام قال :

قلت لأبي عبدالله عليه السلام : قول الله عزّوجلّ : (إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً) (٥).

قال : «ما هو عندك؟».

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٦٠ ، ح ٣٦.

(٢) البحار : ج ٦ ، ص ١١٨ ، ح ٥.

(٣) سورة ق ، الآية ١٩.

(٤) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٥٩ ، ح ٣٠.

(٥) سورة مريم ، الآية ٨٤.

٣٥

قلت : عدد الأيّام.

قال عليه السلام : «إنّ الآباء والأُمّهات يحصُون ذلك ، ولكنّه عدد الأنفاس» (١).

٣ ـ حديث الدرّة الباهرة : قيل لأميرالمؤمنين عليه السلام ما الاستعداد للموت؟

فقال :

«أَدَاءُ الْفَرَئِضِ ، وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ ، وَالاشْتِمَالُ عَلَى الْمَكَارِمِ ، ثُمَّ لا يُبَلِي أَوَقَعَ عَلَى الْمَوْتِ ، أَمْ وَقَعَ الْمَوْتُ عَلَيْهِ.

وَاللهِ مَا يُبَالِي ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوَقَعَ عَلَى الْمَوْتِ أَمْ وَقَعَ الْمَوْتُ عَلَيْهِ» (٢).

٤ ـ وصيّة لقمان لابنه جاء فيها :

«يَا بُنَيَّ تَعَلَّمْتَ سَبْعَةَ آلافٍ مِنَ الْحِكْمَةِ فَاحْفَظْ مِنْهَا أَرْبَعاً ، وَمَرَّ مَعِي إِلَى الْجَنَّةِ :

أَحْكِمْ سَفِينَتَكَ فَإِنَّ بَحْرَكَ عَمِيقٌ.

وَخَفِّفْ حِمْلَكَ فَإِنَّ الْعَقَبَةَ كَئُودٌ.

وَأَكْثِرِ الزَّادَ فَإِنَّ السَّفَرَ بَعِيدٌ.

وَأَخْلِصِ الْعَمَلَ فَإِنَّ النَّاقِدَ بَصِيرٌ» (٣).

وعليك بكتاب أميرالمؤمنينُّ الجليل إلى محمّد بن أبي بكر وأهل مصر فان فيه الدستور الكامل للاستعداد للموت (٤).

والأحاديث الشريفة في هذا المقام كثيرة جدّاً.

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٥٩ ، ح ٣٣.

(٢) البحار : ج ٦ ، ص ١٣٧ ، ب ٤ ، ح ٤٣.

(٣) الاختصاص : ص ٣٤١.

(٤) الغارات : ج ١ ، ص ٢٣٧.

٣٦

سكرات الموت

لا شكّ أنّ الموت للمؤمن المطيع راحة ولذّة ، ولكن لغيره غمرات وسكرات لا يتحمّل ألمه.

١ ـ ففي حديث الامام الصادق عليه السلام :

«إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْثَقَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَلَوْ لا ذَلِكَ مَا اسْتَقَرَّ» (١).

٢ ـ حديث الامام الصادق عليه السلام :

«أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيه اشْتَكَى عَيْنُهُ ، فَعَادَهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ فَإِذَا هُوَ يَصِيحُ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى اللهٌ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَجَزَعاً أَمْ وَجَعاً؟

فَقَالَ : يَا رَسوُلَ اللهِ مَا وَجِعْتُ وَجَعاً قَطُّ أَشّدَّ مِنْهُ.

فَقَالَ : يَا عَلِيُّ إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ إِذَا نَزَلَ لِقَبْضِ رُوحِ الْكَافِرِ نَزَلَ مَعَهُ سَفُّودٌ مِنْ نَارٍ فَيَنْزِعُ رُوحَهُ بِهِ ، فَتَصِيحُ جَهَنَّمُ.

فَاسْتَوَى عَلَيُّ عَلَيهِ السلام جَالِساً ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ أَعِدْ عَلَيَّ حّدِيثَكَ ، فَلَقَدْ أَنْسَانِي وَجَعِي مَا قُلْتَ ...

ثُمَّ قَالَ : هَلْ يُصِيبُ ذَلِكَ ، أَحَداً مِنْ أُمَّتِكَ؟

قَالَ : نَعَمْ حَاكِمُ جَائِرٌ ، وَآكِلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْماً ، وَشَاهِدُ زُورٍ» (٢).

لكن الموت للمؤمن المطيع لا سكرات فيه بل هو كشرب الماء البارد في اليوم الحار ، فيه لذّة للشارب.

٣ ـ ففي حديث كنز الفوائد عن أميرالمؤمنين عليه السلام انه قال :

__________________

(١) البحار : ج ٦ ، ص ١٦٦ ، ح ٣٧.

(٢) البحار : ج ٦ ، ص ١٧٠ ، ح ٤٦.

٣٧

«كُنْتُ سَاجِداً أُدْعُو رَبِّي بِدُعَاءِ الْخَيْرَاتِ فِي سَجْدَتِي ، فَغَلَبَنِي عَيْنِي ، فَرَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي وَأَقْلَقَتْنِي.

رَأَيْتُ رَسسُولَ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَائِماً وَهُوَ يَقُولُ :

يَا أَبَا الْحَسَنِ طَالَتْ غَيْبَتُكَ ، فَقَدْ اشْتَقْتُ إِلَى رُؤْيَاكَ ، وَقَدْ أَنْجَزَ لِي رَبِّي مَا وَعَدَنِي فِيك.

فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهٍ وَمَا الَّذِي أَنْجَزَ لَكَ فِيَّ؟

قَالَ : أَنْجَزَ لِي فِيكَ وَفِي زَوْجَتِكَ وَابْنَيْكَ وَذُرِّيَّتِكَ فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي عِلِّيِّينَ.

قُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولِ اللهِ فَشِيعَتُنَا؟

قَالَ : شِيعَتُنَا مَعَنَا ، وَقُصُورُهُمْ بِحِذَاءِ قُصُورِنَا ، وَمَنَازِلُهُمْ مُقَابِلَ مَنَازِلِنَا.

قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا لِشِيعَتِنَا فِي الدُّنْيَا؟

قَالَ : الْأَمْنُ وَالْعَافِيَةُ.

قُلْتُ : فَمَا لَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ؟

قَالَ : يَحْكُمُ الرَّجُلُ فِي نَفْسِهِ ، وَيُؤْمَرُ مَلَكُ الْمَوْتِ بِطَاعَتِهِ.

قُلْتُ : فَمَا لِذَلِكَ حَدٌّ يُعْرَفُ.

قَالَ : بَلَى إِنَّ أَشَدَّ شِيعَتِنَا لَنَا حُبّاً يَكُونُ خَرُوجُ نَفْسِهِ كَشُرْبِ أَحَدِكُمْ فِي يَوْمِ الصَّيْفِ الْمَاءَ الْبَارِدَ الَّذِي يَنْتَقِعُ بِهِ الْقُلُوب ...» (١).

ملك الموت

١ ـ في حديث الامام الصادق عليه السلام :

قيل لملك الموت عليه السلام : كيف تقبض الأرواح وبعضها في المغرب وبعضها في المشرق في ساعةٍ واحدةٍ؟

__________________

(١) البحار : ج ٦ ، ص ١٦٦ ، ح ٣٠.

٣٨

فقال : أدعوها فتجيبني ...

قال : فقال ملك الموت عليه السلام : إن الدنيا بين يدي كالقصعة بين يدي أحدكم يتناول منها ما شاء ، والدنيا عندي كالدرهم في كف أحدكم يقلبه كيف يشاء» (١).

٢ ـ عن اسباط بن سالم قال :

«قلت لأبي عبدالله عليه السلام : جعلت فداك يعلم ملك الموت يقبض من يقبض؟

قال : لا ، إنما هي صكاك ، تنزل من السماء ، اقبض نفس فلان بن فلان» (٢).

٣ ـ في حديث الامام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله :

«أن ملك الموت يتصفح الناس في كل يوم خمس مرات عند مواقيت الصلاة ، فإن كان ممن يواظب عليها عند مواقيتها لقّنه شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ونحى عنه ملك الموت إبليس» (٣).

لقاء الموت

١ ـ عن الامام الباقر عليه السلام قال :

«أتى النبي صلى الله عليه وآله رجل فقال : ما لي لا أحب الموت؟

فقال له : ألك مال؟

قال : نعم.

قال : فقدمته؟

قال : لا.

__________________

(١) الفقيه : ج ١ ، ص ١٣٤ ، ح ٣٥٤.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٥٥ ، ح ٢١.

(٣) الكافي : ج ٣ ، ص ١٣٦ ، ح ٢.

٣٩

قال : فمن ثم لا تحب الموت» (١).

٢ ـ عن الامام الصادق ، عن أبيه ، عن جدّه عليه السلام قال :

«سئل أميرالمؤمنين عليه السلام بما ذا أحببت لقاء الله؟

قال : لما رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه علمت أن الذي أكرمني بهذا ليس ينساني فأحببت لقاءه» (٢).

٣ ـ في الحديث :

«جاء رجل إلى أبي ذر فقال :

يا أبا ذر! ما لنا نكره الموت؟

فقال : لأنكم عمرتم الدنيا ، وأخربتم الآخرة ، فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب.

قال له : فكيف ترى قدومنا على الله؟

فقال ـ أبو ذر ـ : أما المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسيء منكم فكالآبق يرد على مولاه.

قال : فكيف ترى حالنا عند الله؟

قال ـ أبو ذر ـ : اعرضوا أعمالكم على الكتاب ، إن الله يقول : (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ).

قال : فقال الرجل : فأين رحمة الله؟

قال ـ أبو ذر ـ : رحمة الله قريب من المحسنين (٣).

__________________

(١) البحار : ج ٦ ، ص ١٢٧ ، ب ٤ ، ح ٩.

(٢) البحار : ج ٦ ، ص ١٢٧ ، ب ٤ ، ح ١١.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٥٨ ، ح ٢٠.

٤٠