السّقيفة امّ الفتن

الدكتور جواد جعفر الخليلي

السّقيفة امّ الفتن

المؤلف:

الدكتور جواد جعفر الخليلي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الإرشاد للطباعة والنشر
المطبعة: الإرشاد للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ١٢٠

__________________

= القرون الخالية ص ٣٣٤ ، ط ألمانيا ، عام ١٩٢٣ م).

وانظر صحيح الترمذي : ٥ / ٦٣٣ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٣ ، فضل علي بن أبي طالب رقم الحديث ١٦٦ ـ ١٦٧ ، مستدرك الصحيحين : ٣ / ١١٠ ، مسند الإمام أحمد بن حنبل : ١ / ١١٨ ـ ١٥٢ ، الدر المنثور : ٢ / ٢٥٩ ـ ٢٩٣ ، تفسير الفخر الرازي : ١١ / ١٤٠ ط دار الفكر بيروت ، تاريخ بغداد : ٨ / ٢٩٠ ، خصائص النسائي ص ٢٢ ، كنز العمال : ١١ / ٦٠٢ ط مؤسسة الرسالة بيروت ، رقم الحديث ٣٢٩٠٤ ، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر : ٢ / ٥٠٩ ، أسد الغابة في معرفة الصحابة : ٤ / ٢٨ ، مجمع الزوائد للهيثمي : ٩ / ١٠٣ ـ ١٠٨ ، تلخيص المستدرك : ٣ / ١١٠ ـ ١١٦ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٦٩ ، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للمحب الطبري : ٦٧ ـ ٦٨ ، فيض القدير : ٤ / ٣٥٧ ـ ٦ / ٢١٧.

وروى جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي : عن علي عليه‌السلام ، قال :

عممني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم بعمامة فسدل نمرقها على منكبي وقال : إن الله أمدني يوم بدر ، وحنين بملائكة معممين هذه العمامة.

وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمم علي بن أبي طالب عمامته السحابة ، وأرخاها من بين يديه ومن خلفه ، ثم قال : أقبل فأقبل ، ثم قال : أدبر فأدبر ، فقال : هكذا جاءتني الملائكة ، ثم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله.

قال حسان بن ثابت إئذن لي أن أقول أبياتا تسمعها ، فقال :قل على بركة الله ، فقام حسان فقال :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم وأسمع بالنبي مناديا

فقال فمن مولاكم ونبيكم

فقالوا : ولم يبدوا هناك التعاميا

(نظم در السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين ص ١١٠ ـ ١١١ ط العراق).

وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني في ترجمة اسفنديار بن الموفق الواعظ :

إسفنديار بن الموفق بن محمد بن يحيى بن أبي الفضل الواعظ ، روى عن أبي الفتح البطي ، ومحمد بن سليمان ، وروح بن أحمد الحديثي ، وقرأ الروايات على أبي الفتح بن رزيق ، وأتقن العربية ، وولى ديوان الرسائل ، روى عنه الديثي ، وابن التجار وقال :

لما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (من كنت مولاه فعلي مولاه) تغير وجه أبي بكر وعمر ، فنزلت : (فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفرواه). الملك : ٢٧ =

٨١

وأظهر الصحابي الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أنه أكثر الصحابة اهتماما يوم الغدير ، وأخذ بيد علي عليه‌السلام وقال له : بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، روى هذا الحديث مسلم ، وهو متواتر عند الفريقين الشيعة والسنة ، وأيده أشهر الحفاظ والكتاب كالمير سيد علي الهمداني الشافعي في المودة الخامسة من كتاب مودة القربى ، ونقل جماعة من الصحابة عن عمر أنه قال :

نصب رسول الله عليا علما ، وعرفه فيها مولى ، قائلا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بعد الدعاء : اللهم أنت شهيدي عليهم ، وفي نفس الوقت كان هناك شاب جميل صبيح الوجه تفوح منه نكهة طيبة قال لي : «لقد عقد رسول الله عقدا لا يحله إلا منافق فاحذر أن تحله».

فأخبرت رسول الله عن الشاب وعن حديثه فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه ليس من ولد

__________________

= لسان الميزان : ١ / ٣٨٧ ط حيدر آباد دكن ـ الهند عام ١٣٣٠ هجري ، وانظر فيض القدير ، شرح الجامع الصغير للمناوي : ٦ / ٢١٧ ـ ٢١٨ ط مصر.

قال الزمخشري : أي ساءت وجوههم بأن علتها الكآبة وغشيه الكسوف والقترة وكلحوا وكما يكون وجه من يقاد إلى القتل ، أو يعرض على بعض العذاب. (تفسير الكشاف : ٤ / ١٣٩ سورة الملك).

وقال علي بن محمد البغدادي المعروف بالخازن في تفسير هذه الآية : (فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا) أي اسودت وعلتها الكآبة ، والمعنى : قبحت وجوههم بالسواد.

(تفسير الخازن : ٤ / ٢٩٢ معالم التنزيل للبغوي : ٥ / ٤٢٣).

وقال محمد جمال القاسمي في تفسير قوله تعالى : (سيئت وجوه الذين كفروا) أي ظهر عليها آثار الاستياء من الكآبة والغم ، والانكسار والحزن. (محاسن التأويل : ١٦ / ٢٤٩).

وقال أحمد مصطفى المراغي في تفسير هذه الآية :

ساءهم ذلك وعلت وجوههم الكآبة والحزن ، وغشيها القترة ، والسواد إذ جاءهم من أمر الله ما لم يكونوا يحتسبون. (تفسير المراغي : ٢٩ / ٢٣).

وقال محمد بن علي الصابوني في تفسير هذه الآية :

(سيئت وجوه الذين كفروا) أي ظهرت على وجوههم آثار الاستياء فعلتها الكآبة ، والغم والحزن ، وغشيها الذل والانكسار. انظر : صفوة التفاسير : ٣ / ٤٢١.

٨٢

آدم لكنه جبرئيل أراد أن يؤكد عليكم ما قلته في علي عليه‌السلام (١).

بعد هذا كله أيسوغ لأحد ، أخص منهم أبا بكر وعمر أن ينقضوا هذا العهد ولم يمض عليه سوى ثمانين يوما ، وبعدها صب المصائب على علي وآل البيت عليه‌السلام. وهاك كلمة حجة الإسلام الغزالي أبي حامد محمد بن محمد ونص ما أورده في كتاب سر العالمين ، قال :

«أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث عن خطبة يوم الغدير باتفاق الجميع ، وهو يقول من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر : بخ بخ لك يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. هذا تسليم ورضا وتحكيم. ثم بعد هذا غلب الهوى لحب الرياسة وحمل عمود الخلافة وعقود البنود وخفقان الهوى في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار ، سقاهم

__________________

(١) الرضوي ، وأنظر ينابيع اعودة ١ / ٢٤٩ ط استانبول عام ١٣٠٢. تقدم قبل صفحات فراجه ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنين علي عليه‌السلام :

«إتق الضغائن التي في صدور قوم اخبرني جبرئيل أنهم يظلمونك من بعدي ، وان ذلك الظلم عظيم لا يزول». المحب الطبري : الرياض البصرة ٢ / ١٠ ط مصر.

واورد هذا الحديث القندوزي الحنفي بهذا اللفظ :

«اتق الضغائن التي في صدور قوم لا تظهرها إلا بعد موتي اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون» ، وبكى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال :

اخبرني جبرائيل إنهم يظلمونك بعدي وإن ذلك الظلم لا يزول بالكلية عن عترتنا حتى إذا قام قائمهم ، وعلت كلمتهم ، واجتمعت الأمة على مودتهم والشاني لهم قليلا ، والكاره لهم ذليلا ، والمادح لهم كثيرا وذلك حين تغير البلاد ، وضعف العباد حين اليأس من الفرج ، فعند ذلك يظهر القائم مع اصحابه فيهم يظهر الله الحق ، ويخمد الباطل بأسيافهم ، ويتبعهم الناس راغبا إليهم ، وخائفا منهم ، أبشروا بالفرج فإن وعد الله حق لا يخلف ، وقضاءه لا يرد وهو الحكيم الخبير ، وإن فتح الله قريب. اللهم انهم اهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، اللهم اكلأهم وارعهم ، وكن لهم وانصرهم واعزهم ولا تذلهم ، واخلفني فيهم إنك على ما تشاء قدير». ينابيع المودة ١ / ١٣٥ ط استانبول.

٨٣

كاس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأول فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئسما يشترون! ، ولما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال قبل وفاته : أئتوني بدواة وبياض لأزيل عليكم إشكال الأمر وأذكر لكم من المستحق لها بعدي ، قال عمر : دعو الرجل فإنه يهجر وقيل يهذو ، فإذا بطل تعلقكم بتأويل النصوص فعدتم إلى الإجماع ، وهذا منقوض أيضا ، فإن العباس وأولاده وعليا وزوجته وأولاده لم يحضروا حلقة البيعة ، وخالفكم أصحاب السقيفة في مبايعة الخزرجي ثم خالفهم الأنصار».

ولقد كانت كلمة الحجة الغزالي ثقيلة جدا على بعض المتعصبين والنواصب ، فحاولوا بشتى الوسائل محوها فقالوا ان كتاب سر العالمين ليس للغزالي ، بيد أنه ثبت أنه للغزالي وأيده أبرز علماء ومحدثي العامة كيوسف سبط ابن الجوزي البحاثة المدقق في نقل الرواية والأحاديث والأسناد وهو في غاية الضبط ، وفي الوقت نفسه فهو متعصب في أمر الجماعة ، ومع هذا تراه في ص ٣٦ من كتابه تذكرة خواص الأمة استشهد بكتاب سر العالمين ونقل نفس العبارات التي ذكرناها اعلاه وصدقها دون إبداء شئ.

ولقد ثبت أن كثيرا من علماء العامة يعرفون كثيرا من الحقائق بيد أنهم يخشون بيانها خوف المغرضين وتحريك العامة ، ولقد حدث أن بعض العلماء الأعلام المنصفين من أهل السنة أظهروا بعض الحقائق فلاقوا الأمرين من المتعصبين والعوام ، فكانت عاقبة أمرهم القتل والهتك والتشريد ، ونذكر منهم : الحافظ ابن عقدة أبا العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، وقد وثقه الذهبي واليافعي وقالوا إنه يحفظ ثلثمائة ألف حديث مع أسنادها ، وكان ثقة وصادقا ، بيد أنه كان يقول حقائق عن الشيخين في القرن الثالث لا ترضى الدولة في ذلك الوقت عنها ، والعامة مأخوذ على أمرهم ، ولذا رغم كونه من أبرز علماء العامة اتهموه بالرافضية ، وقد قال

٨٤

عنه الذهبي والرافعي وابن كثير : إن هذا الشيخ كان يجلس في جامع براثا ويحدث الناس بمثالب الشيخين ، ولذا تركت رواياته ، وإلا فلا كلام لأحد في صدقه وثقته.

كما امتدحه الخطيب البغدادي في تاريخه ، بيد أنه بعد مدحه قال : إنه كان خرج مثالب الشيخين وكان رافضيا. هكذاترى كيف يتصدى العامة حتى لعلمائهم وأجلة أئمتهم كحجة الاسلام الغزالي وابن عقدة والنسائي ويرمونهم بالرافضية لمحض أنهم كشفوا الحقائق ونطقوا بالحق ، ومثلهم المؤرخ الشهير الطبري في القرن الثالث رغم أنه مفخرة العلم والأدب ، ولما مات في سن الثمانين دفنوه ليلا في داره لمنع وقوع خطر ، كما نرى قتل النسائي في الشام وهو أحد أئمة الصحاح ، لأنه ما إن سمع سب وشتم أمير المؤمنين على عليه‌السلام على المنابر حتى أراد أن يوضح بعض الحقائق ، فصعد المنبر وذكر بعض فضائل علي عليه‌السلام وأظهر بعض الحقائق ، فهجموا عليه وأوجعوه ضربا ، فمات من ذلك.

وأما نقض العهد من الصحابة أخص منهم أبا بكر وعمر في خيبر وأحد والحديبية وحنين (راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ٣٨٩ و ٣٩) ، فقد نزلت آيات تنهي عن الفرار ، وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العهود والمواثيق عليهم ، فحاربوا وهربوا ولم يقف دون فرارهم وصد المشركين سوى علي عليه‌السلام (راجع نفس المصدر لابن أبي الحديد) ، وقد نسوا أو تناسوا الآية الشريفة : (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) (١) ، انظر إلى العقاب العظيم الذي أعده الله لمن يولي دبره في الحرب ، وقد ثبت ذلك في حق كثير من الصحابة ، وإذا دققنا وتأملنا بإنصاف لعلمنا أن الفرار من قلة الإيمان وعدم الإخلاص للدين ، وهو أحد الموارد الفارقة التي يمحص بها الله

__________________

(١) الانفال : ١٦.

٨٥

عباده في تقواهم ودرجة إيمانهم وإخلاصهم ، وبعد أن قال تعالى (كل نفس ذائقة الموت) (١) ، قال : (وإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) (٢).

ولتوضيح ذلك يستطيع القارئ الكريم أن يراجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج ٤ ص ٤٥٤ ـ ٤٦٢) وفيه جواب الزيدي على اعتراض أبي المعالي الجويني عما يخص الصحابة الذي نقله أبو جعفر النقيب ، ليرى كيف أن الصحابة تكفر وتفسق وتلعن وتسب بعضها بعضا ، وما نقله ابن أبي الحديد حول صلح الحديبية وآثاره السيئة على الصحابة الذين فروا أخص منهم عمر ، وكيف أن المنقذ الوحيد لهم من يد المشركين كان على عليه‌السلام.

ولكي أثبت أن السقيفة كانت أم الفتن ومنبع ظلم ، تلتها مظالم إلى اليوم ، وأنها لم تكن فيها لاصفة إجماعية ولا بعض إجماعية ، بل قامت على أكتاف أفراد رجال ونساء لا يعدون العشرة فيهم مكر وخداع ، وتلاها قتل وجور وسلب ونهب وسبي وكل ما يتصوره المرء من المظالم ، وتلا الغصب غصب مكرر على مر العصور والأحقاب ، والقسر قسر متكرر بدأ بإجبار علي عليه‌السلام وبني هاشم والصحابة المقربين على البيعة ، وغصب نحلة فاطمة الزهراء عليها‌السلام بضعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الطاهرة فدك ، وما تلا ذلك من اعتراضات علي وفاطمة وبنيهم عليهم‌السلام وصحابتهم (رض) ، أقدم نبذة من خطبة الزهراء عليها‌السلام التي خطبتها على أثر غصبهم منصب الخلافة ، وبعدها أعمال القسر والظلم ، وهي تذكرهم بأمجاد أبيها وبعلها ، وأعمالهم وما كانوا عليه قبل الاسلام ، حيث تقول :

«وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب ، ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون الورق ، أذلة خاسئين ، تخافون

__________________

(١) آل عمران : ١٨٥.

(٢) النحل : ٦١.

٨٦

أن يتخطفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد التي واللتيا ، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ، أو نجم قرن للشيطان فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهوتها فلا ينكفئ حتى يطأ صحافها بأخمصه ويخمد لهيبها بسيفه ، مكدودا في ذات الله ، مجتهدا في أمر الله ، قريبا من رسول الله ، سيد أولياء الله ، مشمرا ، ناصحا ، مجدا ، كادحا ، وأنتم في رفاهية من العيش ، وادعون ، فاكهون ، آمنون» تعني الهيئة الحاكمة.

فانظر إلى هذه المناظرة الحقيقية الناصعة ، فهيهات تجد مثلها ومثل هذه الحقيقة في السابقة والإخلاص والتقوى والقرابة والثقة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقدرة الفذة والتضحية المتناهية التي وجدت عند علي عليه‌السلام ، وعلى نقيضها عندهم. فمن أحق منه بالخلافة ومن أجدر منه بالأمامة؟

ثم توجه خطابها الى السلطة الحاكمة :

«تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الأخبار» وهي تعني تآمرهم على آل البيت عليهما‌السلام ، وقد مرت بنا التدابير التي اتخذوها قبل وبعد بعثة أسامة ، ولعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتخلفين ، وموقف عمر من طلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القلم والقرطاس ، وبعدها ليلة السقيفة

ثم نراها تسترسل في خطبتها لائمة إياهم على تحديهم ونقضهم العهد وأثره ، ومنذرة إياهم عاقبة فعلهم ، بقولها : «فوسمتم غير إبلكم وأوردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل ، والرسول لما يقبر ، ابتدارا زعمتم خوف الفتنة ، ألا في الفتنة سقطوا ، وإن جنهم لمحيطة بالكافرين ، أما لعمر الله لقد لقحت فنظرة ريثما تحلب ، ثم احتلبوها طلاع القعب دما عبيطا ، هناك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما أسس الأولون ، ثم طيبوا عن أنفسكم نفسا وأبشروا بسيف

٨٧

صارم وهرج شامل واستبداد من الظالمين ، يدع فيأكم زهيدا وجمعكم حصيدا ، فيا حسرة عليكم».

وهكذا تعلن الزهراء عليها‌السلام وتفضح خططهم ، وتفند دعواهم من أنهم عملوا ما عملوا خوف الفتنة بل هي الفتنة ، ثم تعلن ارتدادهم بقولها «وإن جنهم لمحيطة بالكافرين» ، وتعلن استبدادهم وبعده خسرانهم ومنقلبهم ، وقد أقامت الحجة ، وأثبتت غصبهم لحقوق آل البيت عليهما‌السلام في غاياتهم الوضيعة ونتائجهم المريعة ، وما سيلقونه يوم الجزاء من الأهوال الفظيعة من مركز العدل والقضاء الفصل.

المقايسة بين عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعهدهم

عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عهد القرآن ونزوله ، عهد الدعوة إلى المنطق السليم والفكرة الحرة الطليقة ، العهد الذي ضرب فيه الضربة القاصمة على أيدي المشركين والظالمين ، العهد الذي قضى فيه على العصبيات القومية والجهر بالسوء والفسق ودعا إلى الفضيلة النفسية ، العهد الذي قال فيه القرآن كلمته العظمى وأقام فيه المقايس لرفع قيم الأشخاص أمام الله ، أمام الإنسانية والجامعة البشرية ، حيث قال عز من قائل (إن أكرمكم عند الله اتقاكم) (١).

هناك تساوى فيه الخلائق أجمعين ، ومحا فيه الإسلام كل الآثار الجاهلية ، من بغض وحقد وحسد وسلطة وعبودية وخضوع لأي سلطة وفرد سوى الله ومن نصبه الله ، وكانت القيم الإنسانية على قدر التقوى ، تلك التقوى التي وضعها الله في قرآنه المجيد ، ومن جهة أخرى كان للسابقى للدعوة الاسلامية القربى والمقام الأجل ، حيث قال عز وجل (السابقون السابقون. أولئك المقربون) (٢) ، وبعدها على قدر

__________________

(١) الحجرات : ١٣.

(٢) الواقعة : ١٠.

٨٨

عمل الخير والمعروف فقال تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (١).

وانتقلت المقاييس من الصفات المادية إلى المعنويات ، فلاترى قيمة للغني على الفقير أمام القضاء ، ولا تجد قيمة لزعماء الجاهلية على المستضعفين ، ولا تجد فضلا لأبيض على أسود ولا لعربي على عجمي ولا لقريب على بعيد ولا لرجل على امرأة ، فالجميع متساوون أمام العدالة ، ولهم حق الدفاع عن أنفسهم وأموالهم ، ومتى قالوا كلمتي الشهادة بالوحدانية والنبوة فهم في أمان الله.

نعم قضى الاسلام على جميع العادات والأخلاق البذيئة والمنازعات والتعصبات والفروق الجاهلية ، كما قضى على جميع الأنظمة والقواعد البالية ، ومحا الأحقاد والمشاحنات والمطالبات المالية والدموية والعرضية وكل ما كان من أعراف ونواميس الجاهلية ، وأقام مقاييس إنسانية معنوية منطقية فطرية وحدود إلهية جاء بها القرآن الكريم وسنها النبي العظيم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقوم جميعها على الدليل والبرهان ، فلا ظلم ولا اعتداء ولا هتك ولا تجاوز لمقاصد شخصية وفوارق وفواصل ذاتية وأنانية ، فلا حد إلا بنص ولا تعزير إلا بجرم خالف فيه الفرد شرع الله وشرع رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا اجتهاد أمام النص ، ولا اجتهاد في حكم إلا من بالغ عاقل عالم عادل مؤمن ذكر طاهر المولد كرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من نص عليه الله ورسوله.

فيه رفع الله قيمة النفس الانسانية فقال (من قتل نفسا بغير أو فساد في الألف فكأنما قتل الناس جميعا) (٢) ، ذلك العهد الذي جعل فيه لمكارم الأخلاق والبر والاحسان المقام الجليل في كل شئ فقال : (فأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا

__________________

(١) الزلزلة : ٨.

(٢) المائدة : ٣٢.

٨٩

تنهر * وأما بنعمة ربك فحدث) (١) ومن هو السائل ، نعم كل سائل أكان عن مال أو غير مال ، السائل عن طريق أو حديث وطلب آخر ، وفيه امتدح إكرام المسكين واليتيم والأسير ، فقال : (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) (٢) ، وفيه مئات آالاف القواعد والأصول الإنسانية في جميع المجالات الاجتماعية والأخلاقية العامة والخاصة ، فقال : (يا أيها الذين آمنو لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) (٣) ، وقال تعالى : (قول معروف مغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) (٤) ، وقوله تعالى : (ولا تمش في الأرض مرحا ...) (٥) ، وقوله تعالى : (واقصد في مشيك واغضض من صوتك ..) (٦) ، وفيه رفع شأن العلم ، فقال تعالى : (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (٧) ، وقوله تعالى (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ...) (٨) ، وفيه حذر الأفراد من التجاوز على حدود الله ، وحدود رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال عز من قائل :

(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (٩).

(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) (١٠).

__________________

(١) الضحى : ٩ ـ ١١.

(٢) الانسان : ٨.

(٣) البقرة : ٢٦٤.

(٤) البقرة : ٢٦٣.

(٥) لقمان : ١٨.

(٦) لقمان : ١٩.

(٧) الزمر : ٩.

(٨) الحمد : ٦٠.

(٩) المائدة : ٤٥.

(١٠) الزمر : ١٨.

٩٠

(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) (١).

وفيه تهذيب الأخلاق وتهذيب النفس والإصغاء إلى وحى العقل السليم كقوله تعالى : (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) (٢) ، وقوله في صفات المؤمنين وفي تهذيب النفس والأصول الأخلاقية الرفيعة : (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ...) (٣).

وهل أستطيع أن أدرج مجمل ما جاء به القرآن والرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الوريقات ، وهو الهادي والقدوة والبشير والنذير ، ولا يساويه في سلوكه لإتمام دينه إلا من هو نفسه في آية المباهلة ، ومن زكاه الله معه في آية الطهارة ، حيث قال في الأولى : (وأنفسنا وأنفسكم ...) (٤) فكان بذلك يقصد نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الطاهرة الزكية ونفس علي عليه‌السلام وحقا إنه نفسه ، وقد مر في فصله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طالما عبر عن ذلك وقال عن علي عليه‌السلام ، «لحمه لحمي ودمه دمي ، هو مني وأنا منه من أحبه أحبني ومن أبغضه أبغضني ومن أطاعه أطاعني ، أحب خلق الله لله ورسوله وأحبهم لله ولرسوله» ، والذي قرنت ولايته في آية الولاية بولاية الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله سبحانه : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (٥).

وهو الذي نزلت فيه آية الإبلاغ : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك

__________________

(١) الزمر ١٨.

(٢) الزمر ١٨.

(٣) الفرقان : ٦٣.

(٤) آل عمران : ٦١.

(٥) المائدة : ٥٥.

٩١

وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) (١).

وفي فضله عليه‌السلام وعلو منزلته وجلال قدره نزلت الآيات البالغات ، وفيه وفي آله نزلت : (قل لا اسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (٢).

وهم أولوا الأمر الذين فرض الله طاعتهم في الآية (أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر ...) (٣) راجع بذلك التفاسير.

ذلك هو العصر الذهبي للإنسانية الذي وضعت فيه مجمل الأصول والنصوص الإنسانية والاجتماعية ونزل فيه القرآن والسنن النبوية ، والعصر الذي قال فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام «إني قاتلت على تنزيل القرآن كما تقاتل على تأويله» ، وفيه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أنا مدينة العلم وعلي بابها» ، وفيه نصب عليا منذ صباه علما وطلب إطاعته يوم الدار ، واستمر الإعلان عن هذه الوصية والخلافة في كل مناسبة ، ومنها : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» (٤) ، كما قال للصحابة «إن عليا مني بمنزلة

__________________

(١) المائدة : ٦٧.

(٢) الشورى : ٢٢.

(٣) النساء : ٥٩.

(٤) الرضوي : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) ، بعض مصادره :

صحيح البخاري : ٢ / ٣٠٠ بحاشية السندي ط عيسى البابي الحلبي ، باب مناقب علي بن أبي طالب ، صحيح البخاري : ٤ / ٢٠٨ ط استانبول ، صحيح مسلم : ٤ / ١٨٧٠ كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل علي ، صحيح الترمذي : ٥ / ٣٧٣٠ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٤٣ رقم الحديث ١١٥ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، مستدرك الصحيحين : ٣ / ١٣٣ خصائص النسائي ص ١٧ ، طبقات ابن سعد : ٣ / ٢٣ ـ ٢٤ ط بيروت ، حلية الأولياء : ٧ / ١٩٤ ـ ١٩٥ ـ ١٩٦ ، كنز العمال : ١١ / ٥٩٩ ـ ٦٠٣ ـ ٦٠٦ ط مؤسسة الرسالة بيروت ، الرياض النضرة للمحب الطبري : ٣ / ١٠٥ ط بيروت ، أسد الغابة : ٤ / ٢٧ ، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر : ٢ / ٥٠٧ ط مصر ، ذخائر العقبى ص ٦٣ ـ ٦٤ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٦٨ ، مجمع الزوائد لأبي بكر ابن حجر الهيثمي : ٩ / ١١٠ ـ ١١١ ، جامع الأصول لابن الأثير : ٩ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩.

٩٢

هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» ، وقال عن علي وعن ذريته عليه‌السلام «إن مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق».

وفي غدير خم نصبه علما. وفي خيبر أشاد به وبحبه لله ولرسوله وبحب الله ورسوله له ، كما صح ذلك في حديث الطائر المشوي (١). ولطالما وصى الصحابة أفرادا وجماعات على اتباعه ، فقال : «مبغض علي منافق» ، وفي آخر : فاسق ، وفي حديث ثالث : كافر ، وفيه عليه‌السلام قال : «إنه يعسوب الدين وولي المؤمنين وقائد الغر المحجلين» ، و ... ، وفيه وفي ذريته قال : «اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا».

وهكذا ترى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته أقام وأشاد البناء بالقرآن ، وهداهم بعده ، وأوضح السبيل باتباع علي وذريته ، وقد حذرهم الفتنة ، وحذرهم التفرقة والارتداد ، وصرح أن هناك من يرتد بعد موته ، وصرح أنهم يظلمون عليا وأهل بيته عليهم‌السلام وحذر من ذلك وأوصى باتباع علي عليه‌السلام عند وقوع الاختلاف ، وأيد وأكد ذلك مرارا وكرارا بألفاظ متعددة.

وبعد هذا كله ، فماذا أراد الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه التوجيهات؟ بهذه الأوامر والنواهي؟ وقد ذكرنا شيئا عن عهد الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والجميع يعلم كيف كان القوم قبل الاسلام ، أذلاء ضعفاء وكيف بلغوا أوج العزة والقوة في عهده ، ويكفينا أن نستعيد خطبة سيدة النساء فاطمة الزهراء عليهما‌السلام على المهاجرين والأنصار ، وعلى نساء الصحابة بعد موت أبيها ، إذ ذكرتهم بما كانوا عليه من الخسة والذلة وكيف

__________________

(١) الرضوي : حديث الطير ، وهذه بعض مصادره :

صحيح الترمذي : ٥ / ٦٣٧ ، المستدرك على الصحيحين للحاكم : ٣ / ١٣٠ ، تلخيص المستدرك : ٣ / ١٣٠ ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ١ / ٥٦ ، أسد الغابة لابن الأثير : ٤ / ٣٠ ، ذخائر العقبى ص ٦١ ، الرياض النضرة : ٣ / ١٠٣ ، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ١ / ١٢٥ ـ ١٢٦ ، فتح القدير للشوكاني ٤ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨ رقم الحديث ٥٥٩٧.

٩٣

أصبحوا بفضل أبيها وابن عمها ، وأعادت على مسامعهم أعماله الجبارة ، ولولاهما لما قام للإسلام قائمة وذكرتهم بتوصياته ، وذكرتهم بما يلحقهم من الخسران ان تمادوا في غيهم وانقلابهم ، ولكن هيهات هيهات (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا).

وقد قعد لهم الشيطان وأغواهم وأزلهم عن الصراط المستقيم ، واتبعوا غير سبيل المؤمنين ، وقالوا إنما عملوا ذلك خوف الفتنة ، فأجابتهم عليها‌السلام ألا أنهم في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين.

وقد حذرتهم عاقبة الأمر في الدنيا وفي الاخرة ، ولا عذر بأن القوم قد غرتهم ظواهر الأمور وكانوا مأخوذين من على أمرهم لجهلهم ولضعفهم ، بعد أن ظهرت النتائج وتحققت الأسباب وجاهروا وصرحوا بكل ما خالفوا فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل خالفوا الله ، وها إني أسرد ثانية ما بدأوا فيه وما إليه إنتهوا ، وبعدها أقول آها وألف آه ، لو سارت الأمور على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو أصغوا إلى أوامر ونواهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمت السعادة البشر ولأكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم على حد قول الزهراء الطاهرة عليها‌السلام وزوجها الكريم عليه‌السلام وأبيها العظيم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذه نتيجة أعمالهم منذ مرض سيد المرسلين وخاتمهم ، وهو الذي أخبرهم بمرض موته في حجة الوداع ، وأنه قد دعي فأجاب ، وأنها آخر حجة يحجها ، وتلك خطبته العصماء في غدير خم ، وإقامة علي عليه‌السلام علما لهم ، وهو ومنذ بدء الدعوة الاسلامية كظله ، فكان في كل فرصة ومناسبة يجاهر بخلافته من بعده وأنه وصيه وأخوه (١) وخليفته

__________________

(١) الرضوي : حديث المؤاخاة بين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين الإمام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، وهذه بعض مصادره :

الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر : ٢ / ٥٠٧ ط مصر ، البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي : ٧ / ٣٤٨ حديث المؤاخاة ، إحياء العلوم لأبي حامد الغزالي : ٢ / ١٧٣ الباب الثالث في حق المسلم والرحم ، ط دار القلم بيروت ، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير : ٢ / ٢٢١ ط مصر ، إسعاف الراغبين للصبان ص ١٤٩ ـ ١٥٥ بهامش نور الأبصار للشبلنجي =

٩٤

__________________

= ط مصر عام ١٣٢١ ه‍ ، الاستيعاب لمعرفة الأصحاب لابن عبد البر : ٣ / ١١٠٣ تحقيق على محمد البجاوي ط مصر نهضة مصر ، أسمى المطالب للجزري الدمشقي ص ٦٢ ط بيروت ـ لبنان.

الأعلام للزركلي : ٤ / ٢٩٥ ط سابعة عام ١٩٨٦ م بيروت دار العلم للملايين ، الإمام جعفر الصادق للأستاذ عبد الحليم الجندي ص ٢٠ ط مصر عام ١٩٧٧ توفيق عويضة ، تاريخ الامم والملوك لابن جرير الطبري : ٢ / ٢١٧ الطبعة الأولى مطبعة الحسينية بمصر ، تاريخ الخلفاء للشيخ عبد الرحمن السيوطي ص ١٦٦ ـ ١٧٠ تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص ٣٠ مؤسسة أهل البيت بيروت عام ١٤٠١ ه‍ ، ترجمة الامام علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق لابن عساكر : ١ / ١١٧ ـ ١٢٥ ط بيروت ، تلخيص المستدرك للذهبي : ٣ / ١٤ ط حيدر آباد ـ الهند ، جامع الأصول لابن الأثير الجزري : ٩ / ٤٦٨ ط مصر ، جريدة السياسة المصرية ملحق عدد ٢٧٥ صادر في ١٩ مارس عام ١٩٣٢ م بالقاهرة ، حلية الاولياء لأبي نعيم الأصبهاني : ٧ / ٢٥٦ ط مؤسسة الخانجي بالقاهرة ، حياة محمد ، لمحمد حسين هيكل ص ١٠٤ الطبعة الاولى غير المحرفة ط عام ١٩٥٤ م بمصر ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ١٨ ـ ١٩ ط مصر عام ١٣٤٨ ه‍ ، ذخائر العقبى للمحب الطبري : ص ٦٥ ط حسام الدين صاحب مكتبة القدسي بالقاهرة ، الرياض النضرة لمحب الطبري : ٣ / ١١١ ـ ١١٣ ط دار الندوة بيروت ـ لبنان ، السنن لابن ماجة القزويني : ١ / ٤٤ ط مصر تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، سنن الترمذي لأبي عيسى محمد : ٥ / ٦٣٦ تحقيق ابراهيم عطوة عوض ط مصر ، السيرة النبوية لابن هشام : ٢ / ٥٠٥ تحقيق مصطفى السقا طبع بمصر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ٢٨٤ ـ ٣٩٩ و ٢ / ٦١ ـ ٤٢٩ و ٣ / ٢٥٩ ـ ٢٦١ الطبعة الاولى عيسى البابي بمصر ، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني : ١ / ٢٧٤ ط بيروت ، الشرف المؤبد لآل محمد للنبهاني : ص ٦٢ ط بيروت عام ١٣٠٩ ه‍ ، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي : ١ / ٥٠ و ٣ / ٣٨٣ ط القاهرة ، الطبقات الكبرى لابن سعد : ٣ / ١٤ ط ليدن ، الطبقات : ٣ / ٢٢ ط بيروت ، على عليه‌السلام وحقوق الإنسان جورج جرداق : ١ / ٦٠ ط بيروت ، على بن أبي طالب ، عبد الكريم الخطيب ص ١١٠ ط مصر عام ١٩٦٩ ط دار الفكر العربي ، فرائد السمطين للحمويني الشافعي : ١ / ١١١ ـ ١٢١ ط بيروت ، فيض القدير لمحمد بن عبد الرؤف المناوي : ٤ / ٣٥٥ طبعة مصر ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي : ص ١٦٨ ـ ١٩٣ ـ ٢٣٨ ط دار إحياء التراث ـ بيروت ، كنوز الحقائق للمناوي : ١ / ٥١ بهامش الجامع الصغير للسيوطي ط. القاهرة ، =

٩٥

وحبيبه ومقر علمه ، وإمامهم وأميرهم وهاديهم من بعده ، وكم حذرهم من التخلف عنه بالضلال ، وأنه مقياس المؤمن والمنافق والمسلم والكافر.

وإذا بهم عصبة من الرجال ، يتقدمهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ، وسالم مولى أبي حذيفة ، ومن النساء عائشة وحفصة ، يترقبون الفرص ويتحينون الظروف داخل وخارج بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد برهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرارا وامرارا على تخلفهم وفرارهم في أشد الوقائع والحروب وأن لاخير فيهم ، وأنهم في السلم ذوو ألسنة حداد ، ألا تكفينا بدر وأحد والاحزاب والحديبة وخيبر وحنين ، وفرارهم ولواذهم مرة بالعريش وأخرى بالجبال وثالثة بإرجاع جميع الجيش في خيبر ، وفي كل مرة كان علي عليه‌السلام هو العاصم والمنقذ ، حيث تراهم في صلح الحديبية وعمر قام وقد ازبدت شد قاه وأعلن بأنهم يريدون الحرب وأن المصالحة ذلة لهم ، وبدأ يعترض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويشك برسالته ، فأذن لهم بالحرب بعد أن بين لهم ضعفهم ، فإذا بهم جميعا يدبرون والأعداء وراءهم يتعقبونهم ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشاهد ذلك فيقول لعلي عليه‌السلام رد القوم ، فسل على عليه‌السلام حسامه حتى إذا ما أبصره المشركون عادوا ، ويوم الخندق وقد برز إليهم عمر وبن ود العامري بعد أن عبر

__________________

= كنز العمال للمتقي الهندي : ١١ / ٥٩٨ رقم الحديث ٣٢٨٧٩ ط مؤسسة الرسالة ـ بيروت ، مجمع الزوائد ، منبع الفوائد لابن حجر الهيثمي : ٩ / ١١١ ـ ١١٢ ط مصر ، مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري : ٣ / ١٤ ، مسند الإمام أحمد بن حنبل : ١ / ١٥٩ ـ ٢٣٠ ط مصر ، معجم المؤلفين للأستاذ عمر رضا كحالة : ٧ / ١١٢ ط بيروت ، مناقب علي بن أبي طالب للمغازلي ص ٣٧ ـ ٣٩ ، منتخب كنز العمال للمتقي الهندي : ٥ / ٣٢ ـ ٤٦ ـ ١١٧ ط مصر ، معجم الشيوخ لابن الأعرابي : (مخطوط) الورقة ١٧ كما في ترجمة الامام علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق لابن عساكر ، نزل الأبرار للبدخشي : ص ٦٥ ط بومباي ـ الهند ، نظم درر السمطين للزرندي ص ٩٤ ط ـ العراق ، نور الأبصار للشيخ مؤمن الشبلنجي : ص ٥ ط مصر ، وفيات الأعيان لابن خلكان : ٥ / ٣٢١ ط مصر ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : ١ / ٥٦ ط استانبول ١٣٠١ ه‍.

٩٦

الخندق وكان وحده يكفى ليقضي عليهم لولا أبو الحسن عليه‌السلام وقد رد علي عليه‌السلام القوم بضربته التي أنهت فكانت ضربته تساوي عبادة الثقلين ـ على حدقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ، ويوم حينن إذ بلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنون سوى علي عليه‌السلام وحده الذاب ، وعمه العباس اللازم بزمام فرس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثلاثة أو خمسة آخرون من بني هاشم يحيطون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى شاء الله أن ينصرهم ، وفي كل مرة يبرهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ضعفهم ، ويبرهنون بالاعتراض على جهلهم ، وتراهم في آخر حملة يؤمر عليهم شابا لم يبلغ العشرين من العمر وهو أسامة ، ليبرهن على قلة حنكتهم وتدبيرهم ، فاعترضوا وأصروا ، فخطبهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمرهم بالاسراع في الحملة ولعن من تأخر عن جيش أسامة ، وقد ظهر فيما بعد ، إنما كانت مدبرة من حزب يضم رجالا ونساء ، النساء تراقب بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحاله وتتجسس للرجال وتبعث لهم بالأخبار بين الفينة والفينة.

ورغم لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمن تأخر ، تأخروا ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تخفى عليه نواياهم ومكائدهم ، ولا يخفى عليه انقلابهم ، فأراد أن يبرهن على سوء نواياهم فطلب دواة وبياض ليكتب لهم عهدا لن يضلوا بعده أبدا ، هنا كشر الشيطان عن وجهه المملوء بالحقد والحسد والمكيدة والخيانة على لسان أحد تلك العصبة المتآمرة فقال كلمته التي ألقى بها الفتنة : إن الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله ، وما كاد يقولها حتى تلقفها أعوانه وأحدثوا ضوضاء أباحوا بها عن نواياهم الكمينة وأغراضهم الدفينة ، كما صرح بعدها عمر صراحة في زمن خلافته لابن عباس (إنما أراد رسول الله أن يكتب عهد كتابة إلى علي فمنعته»! (١) ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ، لا يفرق عليه القول في حالة الصحة والمرض لأنه إنما ينطق عن الله ، وإنما خالفوا الله في أوامره ونواهيه ، وقد ظلوا طريق الهداية والصراط المستقيم ، وهل

__________________

(١) انظر : سر العالمين للحجة الغزالي ، وتذكرة خواص الأمة للسبط ابن الجوزي.

٩٧

هجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما أراد أن لا يضلوا؟! أم هجر أبو بكر حينما أراد كتابة العهد فأغمي عليه حتى أتم العهد عثمان لعمر ، فكان جزاءه أن كتب عمر له العهد باسم الشورى ، وقدمها لقمة سائغة لبني أمية حينما ثبت أقدامهم منذ عهد أبي بكر بتوليته لأبناء أبي سفيان في أرض الشام ولابن النابغة في مصر ولأزنى ثقيف المغيرة ابن شعبة وأضرابهم ، في حين قد منع الحديث بقوله : عندنا كلام الله ، كلمة حق أراد بها الباطل.

نعم أراد بها ترك الحديث ، .. ترك سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفضائل ذريته والأحاديث النازلة فيهم عليهم‌السلام وما جاء في علي عليه‌السلام من الوصاية والفضائل ، وما يمكن أن يفضح خططهم لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أوضح كل شئ بعده ، فأبو بكر لقب خالد بسيف الله عندما قتل مالك بن نويرة وأفراد عشيرته المسلمين ونزا على زوجته وأراد عمر حده ، مع أنه قد ثبت له أن مالكا وجماعته كانوا مسلمين إذ أعطى الدية لاخيه ، وبرأ خالدا بأنه اجتهد فأخطأ ، وظل يستمر بمثل تلك الاجتهادات والأخطاء على مرأى من الخليفة أبي بكر ، هكذا يتلاعبون بمقدرات الاسلام ، وهو الذي قال فيه عمر : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة (١) وقى الله المسلمين

__________________

(١) الرضوي : قال ابن الأثير : حديث عمر : إن بيعة أبي بكر كان فلتة.

أراد بالفلتة : الفجأة ومثل هذه البيعة جديرة بأن تكون مهيجة للشر والفتنة ... والفلتة كل شئ فعله من غير روية. (النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ / ٤٦٧).

وقال ابن أبي الحديد :

إن الشيعة لم تسلم لعمر : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة.

قال محمد بن هاني المغربي :

ولكن امرا كان ابرم بينهم

وإن قال قوم فلتة غير مبرم

زعموها فلتة فاجية لا

ورب البيت والقصر المشيد

إنما كانت أمورا نسجت

بينهم أسبابها نسج البرود

(شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٧ ط أولى بمصر ، وانظر فتح الباري لابن حجر العسقلاني : =

٩٨

__________________

= ٥ / ١٦ ـ ٧ / ٥٥ ط دار المعرفة بيروت ، كنز العمال : ١٢ / ٦٨٠ رقم الحديث : ٣٦٠٤٤ ط. مؤسسة الرسالة بيروت).

وقال الأستاذ أحمد حسين يعقوب المحامي تحت عنوان :

أسوأ وداع لأعظم إمام عرفته البشرية :

لم يصدف طوال التاريخ البشري أن يدعو ولي الأمر سواء كان خليفة ، أو ملكا وهو مريض بالقسوة والجلافة التي عومل بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يصدف ان اعترض المسلمون خليفة إذا أراد أن يكتب توجيهاته النهائية ، أو يستخلف من بعده بل على العكس قال ابن خلدون في مقدمته :

إن الخليفة ينظر للناس حال حياته ويتبع ذلك ان ينظر لهم بعد وفاته ، ويقيم لهم من يتولى أمورهم. (راجع : مقدمة ابن خلدون ص ١٧٧ ، وكتابنا الخطط السياسية ص ٣٨٢).

لقد مرض أبو بكر مرضا شديدا قبل أن يموت ، وقبل وفاته بقليل دعا عثمان ليكتب له توجيهاته النهائية ، وأصغى المسلمون لأبي بكر ونفذوا توجيهاته النهائية بدقة ، وعاملوه بكل الاحترام ، والتوقير ، ولم يقل أحد منهم إن أبا بكر قد هجر ، ولا قالوا : إن المرض قد اشتد به ، ولا قالوا : حسبنا كتاب الله. (راجع : تاريخ الطبري : ٣ / ٤٢٩ ، وسيرة عمر لابن الجوزي ص ٣٧ ، وتاريخ ابن خلدون : ٢ / ٨٥ ، وكتابنا : النظام السياسي ص ١٥٩).

وعندما كتب أبو بكر توجيهاته النهائية كان عمر يقول : أيها الناس : اسمعوا ، وأطيعوا قول خليفة رسول الله .. (راجع : تاريخ الطبري : ١ / ١٣٨).

مقارنة بين موقف عمر ، وحزبه من أبي بكر وموقفهم من رسول الله!!

فهل لأبي بكر قيمة وقداسة عند عمر وحزبه أكثر من قيمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقداسته!!!؟ أجب كما يحلو لك فإنه الواقع المر. ثم انظر إلى موقف المسلمين عند طعن عمر ، وأراد أن يكتب توجيهاته النهائية وقد اشتد به المرض أكثر مما اشتد برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (راجع : الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ١ / ٢١ ـ ٢٢ والطبقات لابن سعد : ٢ / ٣٦٤ وكتابنا : الخطط السياسية ص ٣٦٧ ـ ٣٦٨).

ومع هذا كتب عمر توجيهاته ، وعهد لستة نظريا ، وعهد لعثمان عمليا ، وأمر بضرب عنق من يخالف تعليماته النهائية. (راجع : الطبقات لابن سعد : ٣ / ٢٤٧ وأنساب الأشراف : ٥ / ١٨ ، وتاريخ الطبري : ٥ / ٣٣).

وصارت توجيهات أبي بكر وعمر شرعا سياسيا نافذا لم يقل أحد إن عمر قد هجر!! =

٩٩

شرها ، فاثبت بطلان خلافة أبي بكر وجميع أعماله ومنها عهده لعمر ، عمر هذا الذي قال عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه يهجر يثبت بعدها خلافته بعهد أبي بكر الذي هو نفسه قد فند بيعته (إذ ما بني على الباطل باطل)!! وقال فلتة وقى الله المسلمين شرها. لا والله لقد شمل شرها المسلمين من صدر الاسلام حتى يومنا هذا ، ولا ننسى أن أبا بكر هو الذي اعترف بقصوره إذ قال (اقيلوني بيعتكم فلست بخيركم)! ، أليس هذا تلاعبا وقد ثبت أن ليس في الواقع بيعة وإنما هي مكيدة ، وإنما اراد أثبات انها بيعة حتى وإن أدى ذلك لإثبات غلطهم وخطأهم بقوله (لست بخيركم) ، فهو يعترف أن هناك من هو أفضل منه ، وهو الذي اعترض عليه الصحابة على لسان صحابي من العشرة المبشرة على حد قولهم ـ طلحة بن عبد الله ابن عم أبي بكر ـ بقوله لأبي بكر : «ماذا تقول لربك إذا لقيته وأنت تخلف على أمة محمد فظا غليظا».

وأبو بكر وعمر اللذان يعجزان عن حل المشاكل وأسئلة اليهود والنصارى فيكون لها علي عليه‌السلام ويعترفان بفضله ومكانته ، ورغم ذلك يغتصبان مجلسه من الخلافة ، أليس عمر الذي قال مرارا ومن عدة طرق وبألفاظ مختلفة «لولا علي لهلك عمر» ، «قصرت النساء أن يلدن مثل أبي الحسن» ، «لا أبقاني الله بعد علي» وأمثال ذلك ، وهو الذي اعترف بأن عليا مولاه يقصد به يوم الغدير ، وقد مر ذلك بأسانيده ، وهو الذي اعترف بحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «مبغض علي منافق» وقد مر ذكر ذلك

__________________

= ولم يقل أحد : حسبنا كتاب الله إنما عومل عمر بكل التقديس والاحترام ، ونقلت توجيهاته النهائية حرفيا كأنها كتاب منزل من عند الله وأكثر فهل لأبي بكر وعمر قداسة عند المسلمين أكثر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبأي كتاب قد أنزل بأنهما أولى بالاحترام والطاعة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟!!.

أجب كما يحلو لك فإنك لن تغير الحقيقة المرة!! (الوجيز في الإمامة والولاية ص ١٧٠ ـ ١٧١ «مخطوط»).

١٠٠