السّقيفة امّ الفتن

الدكتور جواد جعفر الخليلي

السّقيفة امّ الفتن

المؤلف:

الدكتور جواد جعفر الخليلي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الإرشاد للطباعة والنشر
المطبعة: الإرشاد للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ١٢٠

يضمه من المهاجرين والانصار ، والجميع في غفلة عنه رغم قربهم منه.

وعمر هو الذي جاء دار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيه جميع بني هاشم ونخبة الصحبة مجتمعين ، فلم يخبر أحدا منهم ولم يخبر باقي أهل المدينة والجيش ، ثم بعدها التظاهر في الطرق والأسواق لجلب انتباه العامة وغيرهم بانتخاب خليفة بغية تأييدهم البيعة لأبي بكر ، وهل كانت المدينة سوى إحدى مدن الحجاز واليمن والجزيرة العربية والجميع في غفلة عن هذا.

انظر إلى هذا التحدي ، وكيف استنكر الجميع ذلك ، الجيش وأميره أسامة والزبير وطلحة وباقي الصحابة وبنو هاشم الذين كانوا قائمين على تجهيز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكيف استغرب أبو سفيان العائد بالأموال التي جلبها من مكة وحواليها ، وتحريضه بني هاشم للقيام والوثبة ضد الغاصبين ، ولم يسكت حتى أعطيت له تلك الأموال رشوة ووعود له بحصة في الملك ، أي انتخاب هذا الذي سيقت له الأمة بالخديعة والقهر والرشوة والمكر والفتك؟ وإن صح الاجماع وهم يطلبون رضاء الأمة ، فلماذا يعهد أبو بكر بالخلافة بعده لعمر وهو في مرض موته الذي بلغ به درجة الإغماء ودون أن يستشير أي فرد في ذلك ، هذا رغم معارضة صريحة من أقرب الصحابة ، كاعتراض طلحة يوم خاطب أبا بكر قائلا : ماذا تقول لربك إذا سألك الله وأنت تولي على أمة محمد فظا غليظا ، وأما الشورى ففيها الفضيحة والاعتداء المنكر والبؤرة المنشئة للفتن التي فتكت بأمة محمد والتي سنشرحها في محلها.

وقد أحلوا حرام الله وحرموا حلاله وجعلوها سنة ، كما عطلوا سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحاديثه حتى نسيت بحجة أن عندنا القرآن! كلمة حق يراد بها باطل ، كأنهم أعلم من الله ورسوله بالنصوص والسنن.

٦١

كيف يتركون سنن الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تثبت وتسجل ، وهي تخالف أعمالهم وإمارتهم وتتناقض مع مسالكهم ، فلا بد من منعها حتى تنسى ، ويقضي الزمن على رواتها ومحديثها والحفاظ موتا ، وبعد ذلك تصبح الفرصة سانحة لتغيير وتبديل وتزييف ما يشاؤون ، وتهيئة الوسائل لأعداء آل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولهذا أصبحت أعمالهم المنكرة منهجا وسننا كأنها من الله ومن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل صارت تنسب لهم الكرامات ، تلك التي تتبرأ منهم ، بل ابعد عنهم بعد السماء من الارض.

ثانيا ـ أبو بكر أكبر سنا :

أما الثانية التي أرادوا بها تبرئة موقفهم والتمويه على العامة فهي قولهم إن أبا بكر أكبر سنا. وكجواب مقعن وقاطع أقول : فلماذا أمر عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسامة بن زيد بن حارثه الذي كان آنذاك أصغر من علي عليه‌السلام ولما يبلغ العشرين؟ ولماذا لم نجده ولا مرة واحدة يؤمر على جيش (سوى في خيبر وعاد مدحورا وفارا) ، ولم يسند له أمر مهم كإلقاء سورة البراءة على أهل مكة إلا وعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واسترد منه ذلك قبل إنجازه ، ليعرف الجميع أنه غير صالح لأمثال ذلك ، ولم نجده يعطى سلطة وإدارة ، بينما يترك علي عليه‌السلام محل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة ويقول له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينبغي أن نتركها إلا وأنا أو أنت فيها ، وذلك في غزوة تبوك التي أمر فيها عليا عليه‌السلام على المدينة وجعله خليفة عنه ، لأن المنافقين أرادوا القيام قائلا : «أنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي».

ولا ننسى إرسال علي عليه‌السلام إلى اليمن ، ونصبه وصيا وخليفة يوم الدار ، ويوم غدير خم ، فهل نجد مثل ذلك لأبي بكر وغيره.

وإذا كان السن هو المناط فإن أبا قحافة هو أكبر سنا من ابنه ، بل هناك الكثير

٦٢

من المسلمين ومن الصحابة بل ومن الصحابة المقربين من هو أكبر سنا من أبي بكر سيأتي ذكرهم فيما يلي ، هذا إذا قلت إن العلم والحنكة والسابقة والحسب والتقوى والشجاعة والنصيحة والخلق السامي والبر والاحسان كلها لا تساوي السن!!.

فقد بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمر أبي بكر ٣٨ سنة وأسلم أبو بكر وعمره ٤٥ سنة في حين إن عليا عليه‌السلام منذ البعثة وهو صبي آمن وصلى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع سنين قبل أن يسلم أبو بكر ، بل نصبه الله ورسوله خليفة ووصيا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ يوم الدار ، ومدة إسلام أبي بكر على هذا ثمانية عشر سنة لم تذكر له خلالها كرامة غير السن ليحتج بها ، ولو كانت لتمسك بها شيعته وأعوانه وأعداء آل البيت ، حتى لم يذكر أنه أبدى شجاعة وتضحية في إحدى الحروب ، لذاترى البعض يحتجون بهذه المنقصة فيجعلونها له فضيلة : بأن عليا وتر أكثر القوم بينما أبو بكر لم يتر أحدا لذا رضيه القوم ، فانظر إلى هذا المنطق المعوج وهل إن عليا عليه‌السلام وتر القوم أو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر الله؟ وإنما علي عليه‌السلام هو المصدع بالأمر ، ونكرر أن أبا بكر مرت عليه ٤٥ سنة وهو مشرك يسرح فيما يتخبط فيه غيره من مشركي قريش ، ورغم أنه أسلم بعد هذا فقد كانت تكتنفه عادات الجاهلية الظاهرية والباطنية ، فنراه يحضر نوادي الخمرة والقمار ، ورغم أن القرآن قد صرح بأن الخمرة إثم كان يشربها أبو بكر وعمر ويسكران حتى نزلت الآية الثانية ومنعت الصلاة في حالة السكر حتى يعلموا ما يقولون ، وكان أبو بكر وعمر يحضران نادي الشرب ، هم وجماعة مر ذكرهم ويعاقرونها ، وفي الآية الأخيرة التي حرم بها الخمرة كانوا قد شربوها وسكروا حتى دخل عليهم الصحابي ونهاهم وقال إنها حرمت فأجاب عمر : انتهينا انتهينا ، وإن أبو بكر هو الذي أغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما شربها ورثى قتلى قريش في معركة بدر حتى غضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ويوم قال عمر انتهينا انتهينا كان بعد فتح مكة ، ومنه يظهر أن القوم استمروا على شربها ، ولم يتركها عمر ، واستعمل النبيذ حتى زمن

٦٣

خلافته وكان مدمنا ، ورغم أنه كان يقيم الحد على الغير فهو كان يجيزها لنفسه باعتبارها لا تسكره لانه معتاد ، واحيانا كان يخففها بالماء ، فانظر التناقض في أعمالهم من إقامة الحد على الغير واستباحتها لأنفسهم ، وترى التظاهر وحب الذات يبلغ أقصاه حينما يجدد الحدعلى ابنه عبد الرحمن ، وقد شهد عمرو بن العاص واليه أنه أقام الحد عليه ، فيطلب إرساله على قتب من مصر إلى المدينة وهو مريض فجدد الحد عليه فمات. (١) أما سن ابى بكر عند وفاته فقد كان ٦٣ سنة وكان أبوه حيا ، وإذا كنا نفضل الفرد حسب السن فأبوه أحق بالخلافة ، وهناك جماعة كبيرة من المسلمين هم أكبر من أبي بكر سنا وأشرف حسبا ، منهم اماناة بن قيس الكندي من شيبان ، وقيل إنه عاش ثلثمائه وعشرين سنة ، وأمد بن أبد الحضرمي (كما جاء في ج ١ ص ٦٢ للإصابة) ، وأنس بن مدرك ، وأبو سفيان الخثعمي ، (ج ١ ص ٧٢ للإصابة) وجعد ابن قيس المرادي ، (ح ١ ص ٢٣٥ للاصابة) وحسان بن ثابت (ص ٣٢٦ منه) ، وحكيم بن حزام الأسدي ابن أخ خديجة الكبرى زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، (ص ٣٤٥ منه) وحنيفة بن جبير بن بكر التميمي (٣٥٩ منه) وحويطب ابن عبد العزى المعامري (ص ٣٦٤ منه) وجيدة بن معاوية العامري ، (ص ٣٦٥ منه) وخنابة بن كعب العيسي ، (ص ٤٦٣ ، منه) وخويلد بن مرة الهذلي ، (ص ٤٦٥ منه) وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وكان أسن من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، (ص ٥٠٦ منه) وسعيد بن يربوع القرشي المخزومي ، (ج ٢ ص ٥٢ منه) وسلمة السلمي وأبو عبد الله سلمان الفارسي ، (ج ٢ ص ٦٢ منه) وأبو سفيان الأموي ، (ج ٢ ص ١٧٩ منه) وحرمة ابن أنس أبو قيس الأوسي ، (ص ١٨٣ منه) وحرمة بن مالك الأنصاري ، (ص ١٨٣ منه) وطارق بن المرقع الكناني ، (ص ٢٢١ منه) والطفيل بن زيد الحارثي ، (ص ٢٢٤ منه) وعاصم بن عدي العجلاني ، ص ٤٦ منه) والعباس بن عبد المطلب عم

__________________

(١) راجع شكاية عبد الرحمن من موسوعتنا «كتاب عمر».

٦٤

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، (ص ٢٧١ منه) وعبد الله بن الحارث بن أمية ، (ص ٢٩١ منه) وعدي بن حاتم الطائي ، (ص ٤٦٨ منه) وعدي بن وداع الدوسي ، (ص ٤٧٢ منه) وعمر بن المسبح ، (ح ٣ ص ١٦ منه) وفضالة بن زيد العدواني ، (ص ٢١٤ منه) وقباث بن شيم ، (ص ٢٢١ منه) وقردة بن نفاثة السلولي ، (ص ٢٣١ منه) ولبيد بن ربيعة بن عامر الكلابي الجعفري ، (ص ٣٢٦ منه) واللجاج الغطفاني ، (ص ٣٢٨ منه) والمستوغر بن ربيع بن كعب ، (ص ٤٩٢ منه) ومعاوية بن نور البطاني (، ج ١ ص ١٥٦ منه) ومنقذ ابن عمر الأنصاري ، (أسد الغابة) والنابغة الجعدي ، (ح ٣ ص ٥٣٨ للاصابة) ونوفل ابن الحرث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيرهم.

كما تجد تراجمهم في المعارف لابن قتيبة ، ومعجم سفراء المرزباني ، واستيعاب أبي عمر ، وأسد الغابة لابن الأثير ، وتاريخ ابن كثير ، وإصابة ابن حجر ، ومرآة الجنان لليافعي ، والشذرات الذهبية لابن العمار الحنبلي.

فهل ترى بعد هذا فضلا لسن أبي بكر حتى يتسنم الخلافة ويحتج هو وغيره بالأفضلية لأنه أسن.

ثالثا ـ كلمة عمر

أما كلمة عمر بأن النبوة والملك لا يجتمعان ، في أهل بيت واحد ، فما كانت إلا حسدا وحقدا ، فمن أين جاء بها وقد قال الله تعالى (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) (١) ، فإنك تجد بموجب هذه الآية أن استدلال عمر باطل وأنه كان حسدا ومكرا.

أليست الخلافة جزءا متصلا بالنبوة ومن مستلزماتها منطقا ، وكيف أجمعت

__________________

(١) النساء ، ٥٧.

٦٥

عليه الأمة بعد عثمان ، أم كيف ناقض عمر قوله وأدخل عليا في الشورى ، وما قولهم في حديث الثقلين ، وغدير خم وآية الولاية والآيات الحجة الأخر ، والأحاديث النبوية الحجة المسندة وكحديث سفينة نوح وحديث المنزلة .. وغيرها.

الفاروق علي

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ستكون من بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب ، إنه أول من يراني وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو معي في السماء العليا وهو الفاروق بين الحق والباطل».

رواه البلخي الحنفي باب ١٦ في ينابيع المودة ، وأبي جعفر أحمد بن عبد الله الشافعي إمام الحرم الشريف عن الفردوس الديلمي ، والهمداني الشافعي في المودة السادسة من مودة القربى ، والحافظ في الأمالي ، والكنجي في الباب ٤٤ من كفاية الطالب في ثلاث أحاديث متشابهة المعنى ، مع اختلاف اللفظ عن أبي عباس وأبي ليلى الغفاري وأبي ذر الغفاري.

الفاروق والصديق الأكبر

وأشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام قائلا : «هذا أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الأكبر ، وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل».

أخرجه محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول ، والطبري في الكبير ، والبيهقي في السنن ، ونور الدين المالكي في الفصول المهمة ، والحاكم في المستدرك ، وأبو نعيم في الحلية ، وابن عساكر في تاريخه ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والطبراني في الأوسط ، ومحب الدين الطبري في الرياض ، والحمويني في الفرائد ، والسيوطي في الدر المنثور عن ابن عباس وسليمان وأبي ذر وحذيفة.

٦٦

يعسوب المؤمنين :

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي عليه‌السلام إنه : «يعسوب المؤمنين ، وهو بابي التى أوتى منه ، وخليفتي من بعدي».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي ، فإن جبرئيل أمرني بالذي قلت لكم من الله عز وجل»

أخرجه الحافظ أبو نعيم في ج ١ ص ٦٣ في الحلية بإسناده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

طاعة علي طاعة الله :

وحدث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمار قائلا : «يا عمار إن سلك الناس كلهم واديا وسلك علي واديا فاسلك وادي علي وخل عن الناس ، يا عمار علي لا يردك عن هدى ولا يدلك على ردى ، يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله».

أخرجه الحافظ أبو نعيم في الحلية ، وأبو طلحة في مطالب السؤول ، والبلاذري في تاريخه ، والبلخي الحنفي في ينابيع المودة باب ٤٣ ، والجمويتي ، ومير سيد علي الهمداني الشافعي في المودة الخامسة من مودة القربى ، والديلمي في الفردوس نقلا عن أبي أيوب الأنصاري حينما اعترض عليه لماذا تركت أبا بكر وأخذت جانب علي عليه‌السلام.

امتناع أجل الصحابة عن البيعة

ونعود لنورد أن عليا الذي بايعه بالولاية في غدير خم جمع غفير من أجل

٦٧

الصحابة مثل الزبير ، وطلحة ، وسلمان الفارسي ، وأبي ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وعمار بن ياسر ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وبريدة الأسلمي ، وأبي بن كعب ، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، وأبو الهيثم ابن التيهان ، وسهل بن حنيف ، وعثمان بن حنيف ذي الشهادتين ، وأبي ايوب الأنصاري ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وحذيفة بن اليمان ، وسعد بن عبادة ، وقيس بن سعد ، وعبد الله بن عباس ، وزيد بن أرقم ، والبراء بن عازب ، هؤلاء وطائفة من الخزرج سموا بالروافض لرفضهم بيعة أبي بكر ، ذكرهم ابن حجر العسقلاني ، والبلاذري في تاريخه ، ومحمد خاوند شاه في روضة الصفا ، وابن عبد البر في الاستيعاب وغيرهم.

كما امتنع علي عليه‌السلام وبنو هاشم عن البيعة وأجبروهم عليها وهددوهم بالقتل ، وقد ثبت ان بيعة علي عليه‌السلام رغم تهديده جرت بعد وفاة الصديقة الطاهرة بضعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما ذكر ذلك البخاري ج ٣ ص ٣٧ في صحيحه في باب غزوة خيبر ، ومسلم بن حجاج ج ٥ ص ١٥٤ من صحيحه أيضا في باب قول النبي لا نورث ، كما نقل عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري ص ١٤ : البعض قال في وفاة فاطمة عليها‌السلام إنها ماتت بعد ٧٥ يوما من وفاة أبيها ، ومنهم ابن قتيبة ، والأغلب قالوا إنها توفيت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها حيث بايع علي عليه‌السلام وبنو هاشم ، وقال المسعودي في مروج الذهب ج ١ ص ٤١٤ : «ولم يبايعه أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة» ، ومن روى بيعة علي عليه‌السلام بعد ستة أشهر من الثقات ابراهيم بن معد الثقفي ، كما ذكر ذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، كما نقل بن أبي الحديد في ج ٢ ص ١٨ لشرح النهج عن الزهري عن عائشة : «فلم يبايعه على ستة أشهر ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي عليه‌السلام» : وأيد ذلك أحمد بن أعثم الكوفي الشافعي في الفتوح ، والحميدي في الجمع بين الصحيحين عن نافع عن الزهري.

ولم يبايع علي عليه‌السلام الا قسرا أو بعد أن هددوه مرارا ، ومنها هجومهم على داره

٦٨

وفي الدار فاطمة والحسن والحسين عليه‌السلام والزبير وجمع من الصحابة ، وقد أمر أبو بكر عمر وخالد بن الوليد وجماعة بجلبهم للبيعة ، فجمع عمر الحطب على باب الدار وهددهم بالحرق ، ومنهم من قال انه اشعل النار ، وثبت أنه ضغط الزهراء عليها‌السلام بين الحائط والباب حتى أسقطت محسنا.

فأما الذين رووا الأولى وهو جمع الحطب وتهديدهم بالحرق وأخذ علي عليه‌السلام حاسر الرأس حافي القدمين هو ومن معه إلى أبي بكر ، فهم :

البلاذري أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي المتوفى سنة ٢٧٩ هجري في تاريخه ، وعز الدين ابن أبي الحديد المعتزلي ، ومحمد بن جرير الطبري ، وابن خزابة في الغرر عن زيد ابن أسلم ، وابن عبد ربه ج ٣ ص ٦٣ في العقد الفريد ، وأيضا ابن أبي الحديد المعتزلي ج ١ ص ١٣٤ في شرح نهج البلاغة طبع مصر من كتاب السقيفة ٢ للجوهري حول سقيفة بني ساعدة ، وقد شرحها شرحا مسهبا وفيها محاجة علي عليه‌السلام وفاطمة عليها‌السلام حول أحقيتهما بالأمر ومطالبتهما لمبايعة علي عليه‌السلام ، وأن عليا رغم التهديد لم يبايع وعاد ولازم الدار ، كما أخرج ذلك محمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة بن عمر الباهلي الدينوري ص ١٣ ج ١ في تاريخ الخلفاء الراشدين ودولة بني أمية المعروف بالإمامة والسياسة طبع مصر ، وقد أسهب في بحثه ، ومما قال :

«إن أبا بكر فقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا ، بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها ، فقيل له : يا أبا حفص إن فيها فاطمة ،

فقال : وإن ، فخرجوا فبايعوا إلا عليا ... الخ».

وقيل : إن فاطمة خرجت وصرخت «يا أبة يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من

٦٩

ابن الخطاب وابن أبي قحافة» وهي باكية ، وعندما سمع القوم صوتها وبكاءها عادوا سوى عمر ومعه جماعة ، وأخذوا عليا قهرا إلى أبي بكر ، وطلبوا منه البيعة

فقال : وإن لم أبايع ، فقالوا : إذن والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك ، وكل ذلك بمرأى ومسمع من أبي بكر وهو ساكت ، حتى خاطبه عمر وقال :

ألسنا عملنا ذلك بأمرك ، فأجاب : مادامت فاطمة في الوجود فإني لا أكرهه ، فعاد علي عليه‌السلام إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باكيا ، وألقى بنفسه على القبر وقال : «يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني» ، وكانت فاطمة تدعو عليهما في كل صلاة حتى ماتت وهي غضبى عليهما .. وما أشبه ذلك اليوم بهذه الأيام حينما تجتمع جماعة من الانتهازيين لسلب حرية دولة وأخذ زمام الأمور بيدهم ، فيرغمون الناس بعد التسلط على الحكم على الخضوع ويقتلون ويفتكون بالشبهة والظن! ..

أخرج ذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة وهو ثقه ، ونقل عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٢ ص ١٩ طبع مصر ، وخلاصة قولهم تأييد ما مر ، وأن اجتماع الصحابة في دار علي عليه‌السلام كان احتجاجا على أبي بكر وعمر لأن البيعة كانت بدون مشورة الصحابة ، وأخرجه الجوهري عن سلمة بن عبد الرحمن ، وروى ذلك أبو وليد محب الدين محمد بن محمد بن الشحنة الحنفي في كتابه «روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر» في شرح السقيفة ، وأخرجه الطبري ص ٤٤٣ في تاريخه ، والمؤرخ المعروف ابن شحنة ص ١١٢ ح ١١ في حاشية الكامل لابن الأثير حول قصة السقيفة.

عمر يهجم على دار فاطمة عليها‌السلام ويضرم فيه النار ويسبب إجهاضها عليها‌السلام

أورد جماعة من أجل العلماء المعترف بهم من السنة والشيعة ، كأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي صاحب مروج الذهب في كتابه إثبات الوصية قوله :

٧٠

«فهجموا عليه وأحرقوا بابه واستخرجوا منه عليا كرها وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى اسقطت محسنا» ، كما أخرج ابن أبي الحديد ذلك في نهج البلاغة ص ٣٥١ ج ٣ «عندما نقلت لأستاذي أبي جعفر النقيب شيخ المعتزلة عندما أخبروا رسول الله أن هبار ابن أسود حمل على هودج زينب بنت رسول الله وأن زينبا أسقطت جنينها خوفا أهدر رسول الله دمه ، لهذا قال أبو جعفر «لو كان رسول الله حيا لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها» ، وكانت زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زوجة ابن خالتها أبي العاص بن ربيع بن عبد العزى ، حيث أسر في معركة بدر وافتدته ومما افتدته به قلادتها وطلب منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن سمح له بالعودة أن يرسل زينبا إليه لأنها لا تحل له ، فأرسلها مع زيد بن حارثة الذي عينه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتصدى لها أبو سفيان وجماعة معه وهجم علها هبار وروعها برمحه حتى أسقطت.

فإذا كان تأثر رسول الله من أجل زينب بهذه الدرجة ، فماذا كان يعمل من أجل حبيبته سيدة النساء فاطمة عليها‌السلام التي قالها عنها

«انها بضعة مني من أحبها فقد أحبني ومن أبغضها فقد أبغضني».

ونقل صلاح الدين جليل بن أبيك الصفدي في الوافي بالوفيات ضمن حرف الالف كلمات وعقائد إبراهيم بن سيار بن هاني البصري المعروف بالنظام المعتزلي ، إلى أن قال النظام : «إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها».

وهكذا تجد مما أخرجه البلاذري والطبري وابن خزابه وابن عبد ربه والجوهري والمسعودي والنظام وابن أبي الحديد وابن قتيبة وابن شحنة والحافظ إبراهيم وغيرهم ، أن عليا وبني هاشم وأخص الصحابة إنما بايعوا بعد التهديد وبعد إجبارهم قسرا ، وأن أبا بكر وعمر بالغا في الظلم والقسر لأخذ البيعة.

٧١

ولقد حاول البعض تبرئة الصحابة المخالفين لحدود الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأوردوا خبرا وأسندوه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو : «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» ، وقد رأينا مخالفة سعد بن عبادة وجماعة الخزرج لأبي بكر وعمر ، وكذا علي عليه‌السلام والهاشميي وجماعة من الصحابة ، ولا ننسى بيعة طلحة والزبير لعلي عليه‌السلام ثم نكثهم البيعة ومحاربتهم إياه في حرب الجمل ، وقتلهم الألوف بل عشرات الألوف ظلما وعدوانا ولا ننسى قيام معاوية وعمرو ابن العاص والمغيرة بن شعبة ضد علي عليه‌السلام وإشعال حرب صفين وغيرها ، ولا ننسى فتك معاوية بن أبي سفيان بصحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقتلهم ، أمعاوية من النجوم؟ أهؤلاء كلهم نجوم فمن هو الباغي ، وبمن نقتدي؟ وهل يجوز لنا إلا الانضمام إلى جهة ولدة قبال الأخرى ، كما جاء في الآية الشريفة «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفي إلى أمر الله ...» (١) ، إذن لا يجوز أن نقول إن الفريقين الظالم والمظلوم والقاتل والمقتول على حق ، هذا ما نجده في الآية ، وهذا ما يحكم به العقل ، وخلاف ذلك ما لا يقبله من أعطي سمة من المنطق السليم.

ثم نعود إلى من روى هذا الحديث ، فنرى القاضي عياض ج ٢ ص ٩١ في شرح الشفاء قد نقل هذا الحديث عن الدارقطني في الفضائل وعن عبد البر عن طريقه وقال :

إنه لا عبرة بإسناده ، كما نقل عن عبد الحميد في مسنده عن عبد الله بن عمران البزاز ينكر هذا الحديث. وقال البيهقي :

رغم شهرة الخبر فإن أسناده ضعيفة ، إذ إن في إسناده الحارث بن غضين هو

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ٩.

٧٢

مجهول الحال ، وحمزة ابن أبي حمزة النصيري كذاب ، كما قال ابن حزم : إنه حديث موضوع وباطل وكذب.

نعم إننا نقبل الحديث من الصحابة المتقين الذين ساروا طبق حدود الله وسنن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا نقبل الصحابة على علاتهم ، حيث نشاهد المنكرات والموبقات من كثير فنهم فكيف نجعلهم قدوة لنا دون رعاية أعمالهم؟

فشرب الخمرة والموبقات مما لا يقبله العقل السليم!

الأترى أن جماعة من الصحابة رغم نزول الآيات في تحريم الخمر شربوها في نواديهم ، راجع ص ٣٠ ج ١٠ من فتح الباري لابن حجر حيث روى أن أبا طلحة زيد بن سهل أحدث ناديا للشرب في داره ، ودعا عشرة من الصحابة لمجلسه هذا ، وعاقرها الجميع وشربوها ، ورثى أبو بكر مشركي قريش المقتولين في معركة بدر ، وكان يضم المجلس : أبا بكر بن أبي قحافة ، عمر بن الخطاب ، أبا عبيدة الجراح ، أبي بن كعب ، سهل بن بيضاء ، أبا أيوب الأنصاري ، أبا طلحة وهو صاحب الدعوة وصاحب الدار ، أبا دجانة سماك ابن خرشة ، أبا بكر بن شغوب ، أنس بن مالك وكان الساقي وعمره ١٨ سنة.

أخرجه البيهقي ص ٢٩ ج ٨ في سننه عن أنس نفسه ، أنه قال : أني كنت أصغر الجميع سنا وكنت الساقي ، ونقل الخبر هذا أهم رجال الصحاح وهم.

١ ـ محمد بن إسماعيل البخاري في تفسيره آية الخمر في سورة المائدة في صحيحه.

٢ ـ مسلم بن حجاج في كتاب الأشربة باب تحريم الخمر في صحيحه.

٣ ـ الإمام أحمد بن حنبل ص ١٨١ ـ ٢٢٧ ج ٣ في مسنده.

٤ ـ ابن كثير ص ٩٣ و ٩٤ ح ٢ في تفسيره.

٧٣

٥ ـ جلال الدين السيوطي ص ٣٢١ ج ٢ في الدر المنثور.

٦ ـ الطبري ص ٢٤ ح ٧ في تفسيره.

٧ ـ ابن حجر العسقلاني في الإصابة ص ٢٢ ج ٤ ، وص ٣٠ ج ١٠ فتح الباري.

٨ ـ بدر الدين الحنفي ح ١٠ ص ٨٤ ، عمدة القاري.

٩ ـ البيهقي في سننه ص ٢٨٦ و ٢٩٠.

١٠ ـ روى البزار ، وابن حجر وابن مردويه أن أبا بكر شرب الخمر ورثى قتلى بدر ، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأراد ضربه بما في يده ، فقال : أعوذ بالله من غضب الله ورسوله وأقسم أن لا يشربها ، وعندها نزلت آخر آية للتحريم الآية ٩١ من سورة المائدة : (يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) ، ولقد ثبت أن أبا بكر وعمر نقضا البيعة والعهد الذي أخذه عليهم الله رسوله كرارا ، خالفوا الآبات الواردة ، مثل قوله تعالى (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) (١) ، وقوله تعالى : (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) (٢).

نقض العهد وتولية الدبر

وتنص هذه الآية أن نقض العهد من كبائر الذنوب ، خصوصا إذا حدث ذلك من صحابي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلأنكى من ذلك نقض تلك البيعة التي تجاوزت حقوق الفرد وتعلقت بحقوق المجتمع العام بل وجميع المجتمعات البشرية ، ذلك النقض

__________________

(١) سورة النحل ، ٩١.

(٢) سورة الرعد ، الآية ٢٥.

٧٤

للعهد العظيم الذي أخذ منهم في غدير خم ، وقد مر تفصيله في الجزء الأول من الموسوعة ، إذ بايعوا عليا وهنؤوه ، وأشهد عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشهد على عمر جبرئيل حين قال له : لا ينقضها إلا منافق (١) وستري.

ومثلها ما عاهدوا عليه الله أن يجاهدوا الكفار ولا يولون الادبار ، وكل منهم ولى دبره في خيبر وأحد وحنين ، وكانوا يتوقون الدخول في المعركة ، أخص منهم أبا بكر وعمر ، فقد اتخذ أبو بكر من سنه وأمور أخرى عذرا للدخول في عريش رسول

__________________

(١) الرضوي : قال سيدنا السيد رضا الصدر (طاب ثراه) تحت عنوان : حديث جبرئيل مع عمر بن الخطاب.

قال عمر بن الخطاب : نصب رسول الله عليا فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، واخذل من خذله ، وانصر من نصره. اللهم أنت شهيدي عليهم.

وكان في جنبي شاب حسن الوجه ، طيب الريح فقال لي :

يا عمر لقد عقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقدا لا يحله إلا منافق فاحذر أن تحله.

فأخبرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك وقلت :

إنك قلت حيث قلت في علي كان في جنبي شاب حسن الوجه ، طيب الريح قال : لي كذا وكذا.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس من ولد آدم لكنه جبرئيل أراد أن يؤكد عليكم ما قلته.

يوم الإنسانية الطبعة الثانية عام ١٤١٩ إصرار مكتبة النجاح ـ طهران ، عن مودة القربى ، للسيد الهمداني ، المودة الخامسة الواردة في ينابيع المودة ص ٢٤٩ ، ط استانبول.

ثم قال سيدنا الصدر : ومما يلفت النظر في مكاشفة ابن الخطاب وحديث جبرئيل معه بإخبار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول جبرئيل له : من أحل هذا العقد فهو منافق.

فبذلك يمكن معرفة كثير من المنافقين ممن لقب بالصحابي بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ثم إن مخاطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمر بضمير الجمع بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يؤكد عليكم» ، يفيد : أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عارفا بأن المقصود بخطاب جبرئيل ليس رجلا واحدا بل هناك عدة يرون مخالفة النص ويدخلون في المؤامرة ..

لماذا وقعت هذه المكاشفة لعمر دون غيره ممن يشترك معه في المؤامرة؟

ويمكن الجواب عن هذا السؤال : بأن ابن الخطاب هو الذي شيد أركان الخلافة لنفسه ولمن سبقه. ولمن خلفه بعده فهو الحلقة الرئيسية في خلافة الخلفاء الثلاثة ومن بعدهم ...

٧٥

الله (راجع عيون الأثر ح ١ ص ٢٥٨) تخلصا من القتال في بدر ناسيا أن مقام الرسالة لا يساويه مقام آخر ، وأن بقاء رسول الله إنما هو إحياء الإسلام ، ولا أثر في قتله أو قتل صحابي آخر غيره ، ونسيا حين انهزما في خيبر وأحد وحنين ما أنزل الله من آياته البينات ، ومنها : (ومن يولهم يومئذ دبره ، إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) (١).

ولم يذكر لنا التاريخ أي تضحية بذلوها في أي حرب ، أو رأي صائب قدموه ، كما أشار الصحابي سلمان الفارسي رحمهم‌الله في حرب الخندق بحفر الخندق ، وقد برهن عمر رغم عدم مساعدته في الرأي والعمل انه كان في كثير من الأحيان يثير غضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لشكوكه المتوالية ، ومنها اعتراضه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلح الحديبية ، وكان مبعث ذلك الاعتراض إنما هي شكوكه في النبوة كما جاهر بها ، وكما اعترض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : إنك وعدتنا بفتح مكة ولم تفتحها ، فأجابه : هل عينت وقتا ، فقال : لا ، فقال : له سوف نفتحها.

ونسى عمر وصاحبه أبو بكر أن أفعال وأقوال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما هي من وحي الله وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال شيئا إلا وصدق بقوله كما قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (٢).

وقد صرح المفسرون أن المقصود من الصادقين إنما هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام ، ومن المفسرين والحفاظ من قال : إنما الصادقون هم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي والأئمة من عترتهم عليهم‌السلام ، ومنهم الخطيب الخوارزمي في المناقب ، والشيخ سليمان البلخي الحنفي في الباب ٣٩ في ينابيع المودة ، والحمويني ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الباب ٦٢ من كفاية الطالب ، كما نقل الجميع من تاريخ محدث الشام.

__________________

(١) الانفال : ١٦.

(٢) سورة التوبة ، الآية ١١٩.

٧٦

ونعود لإثبات نقضهم لحديث الغدير بالنصوص المسندة بالإضافة إلى ما مر ، فالذي اتفق عليه الشيعة والسنة إن يوم الثامن عشر من ذي الحجة في حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة حين العودة من مكة في غدير خم ، حيث دعا رسول الله المتقدمين والمتأخرين وأوقف الباقين ، فكان الجميع عددا بين ١٠٠ ـ ٢٠٠ الف نفر كما رواه الإمام الثعلبي في تفسيره ، والسبط ابن الجوزي في التذكره وغيرهم ، وعند اجتماعهم صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أقتاب الإبل وخطب خطبة طويلة وأسهب فيها في مدح علي ، وسرد كثيرا من الآيات الواردة فيه ، معرفا إياهم مقامه السامي عند الله ، ثم قال : معاشر الناس ألست أولى بكم من أنفسكم ـ الآية الكريمة (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (١) ـ ، فأجابوا : بلى ، فقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، وعندها رفع يديه ودعا : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، ثم أمر أن تنصب لعلي خيمة ، وأمر عليا عليه‌السلام أن يجلس فيها وأمر الجميع أن يدخلوا عليه ويبايعوه بالخلافة وبالإمامة وبالإمارة ، وأخبرهم بأنه مأمور من الله أن يأخذ البيعة لعلي عليه‌السلام ، وأول من بايعه ذلك اليوم عمر وأبو بكر ثم عثمان ثم طلحة ثم الزبير ، وظلوا مستمرين في البيعة ثلاثة أيام متوالية رجالا ونساء حتى زوجات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أخرج وأثبت ذلك أجل علماء العامة من السنة والجماعة والشيعة ، ونذكر أدناه أسماء بعضهم :

١ ـ الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن علي النسائي في الخصائص العلوية والسنن.

٢ ـ شهاب الدين أحمد بن حجر المكي في الصواعق المحرقة ، وكتاب المنح الملكية ، وبالأخص ص ٢٥ الباب الأول من الصواعق ، وقد قال إنه حديث صحيح لا مرية فيه ، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد ، وطرقه كثيرة جدا.

__________________

(١) سورة الاحزاب ، الآية ٦.

٧٧

٣ ـ الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري في المستدرك.

٤ ـ محمد بن يزيد الحافظ ابن ماجه القزويني في السنن.

٥ ـ الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير مفاتيح الغيب.

٦ ـ الإمام الثعلبي في تفسير كشف البيان.

٧ ـ النيسابوري في أسباب النزول.

٨ ـ محمد بن جرير الطبري في التفسير الكبير.

٩ ـ أبو نعيم فيما نزل من القرآن في علي عليه‌السلام وفي حلية الأولياء.

١٠ ـ محمد بن إسماعيل البخاري ص ٣٧٥ ح ١ في أول تاريخه.

١١ ـ مسلم بن حجاج النيسابوري ص ٣٢٥ ج ٢ في صحيحه.

١٢ ـ أبو داود السجستاني.

١٣ ـ محمد بن عيسى الترمذي في السنن.

١٤ ـ ابن عقده في كتاب الولاية.

١٥ ـ ابن كثير في تاريخه.

١٦ ـ الإمام أحمد بن حنبل ص ٢٨١ و ٣٧١ ح ٤ من مسنده.

١٧ ـ أبو حامد محمد بن محمد حجة الإسلام الغزالي في سر العالمين.

١٨ ـ ابن عبد البر في الاستيعاب.

١٩ ـ ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول.

٢٠ ـ ابن المغازلي في المناقب.

٢١ ـ الصباغ في الفصول المهمة ص ٢٤.

٢٢ ـ حسين بن مسعود البغوي في مصابيح السنة.

٢٣ ـ خطيب خوارزم في المناقب.

٢٤ ـ مجد الدين ابن الأثير في جامع الأصول.

٧٨

٢٥ ـ البلخي الحنفي في ينابيع المودة باب ٤.

٢٦ ـ الطبراني في الأوسط.

٢٧ ـ الجزري ابن الأثير في أسد الغابة.

٢٨ ـ سبط ابن الجوزي ص ١٧ في التذكرة.

٢٩ ـ ابن عبد ربه في العقد الفريد.

٣٠ ـ العلامة السمهوري في جواهر العقدين.

٣١ ـ ابن تيمية في منهاج السنة.

٣٢ ـ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري وتهذيب التهذيب.

٣٣ ـ جار الله الزمخشري في ربيع الأبرار.

٣٤ ـ السجستاني في كتاب الدراية.

٣٥ ـ الحسكاني في دعاة الهدى.

٣٦ ـ رز ين بن معاوية العبدري في الجمع بين الصحاح الستة.

٣٧ ـ الإمام الفخر الرازي في كتاب الأربعين ، وقد قال : أجمعت الأمة على هذا الحديث.

٣٨ ـ القبايي في الأحاديث المتواترة.

٣٩ ـ السيوطي في تاريخ الخلفاء.

٤٠ ـ الهمداني في مودة القربى.

٤١ ـ أبو الفتح النطنزي في الخصائص العلوية.

٤٢ ـ الخواجة بارشا في فصل الخطاب.

٤٣ ـ نظام الدين النيسابوري في تفسير غرائب القرآن.

٤٤ ـ السيد شريف الحنفي الجرجاني في شرح المواقف.

٤٥ ـ أبو الخير الدمشقي في أسنى المطالب.

٧٩

٤٦ ـ الكنجي في كفاية الطالب ، الباب الأول.

٤٧ ـ النووي في تهذيب الأسماء واللغات.

٤٨ ـ الحمويني في الفرائد.

٤٩ ـ روزبهان في إبطال الباطل.

٥٠ ـ في السراج المنير.

٥١ الشهرستاني في الملل والنحل.

٥٢ ـ الخطيب البغدادي في تاريخه.

٥٣ ـ ابن عساكر في التاريخ الكبير.

٥٤ ـ ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة.

٥٥ ـ السمناني في العروة الوثقى.

٥٦ ـ المتقي الهندي في كنز العمال.

٥٧ ـ ابن خلدون في مقدمة تاريخه.

وإذا راجعت ما ذكرناه عن الغدير في الجزء الأول عن موسوعتنا ، تجد أكثر مما ذكرناه مفصلا ، وقد وضع الطبري كتابا مستقلا في الغدير باسم كتاب الولاية ، وروى الحديث عن ٧٥ طريقا ، ولابن عقدة أيضا كتاب الولاية أخرجه عن طريق ١٢٥ صحابي مع تحقيقات وافية ، كما لابن الحداد الحافظ أبي القاسم الحسكاني في كتاب الولاية شرح الغدير مفصلا مع نزول الآيات (١).

__________________

(١) الرضوي : قال أبو ريحان محمد بن أحمد البيروني المتوفى عام ٤٤٠ ه‍ :

اليوم الثامن عشر (من شهر ذي الحجة) يسمى غدير خم وهو اسم مرحلة نزل بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند منصرفه من حجة الوداع ، وجمع القتب ، والرحال ، وعلاها آخذا بعضد علي ابن أبي طالب عليه‌السلام وقال : «أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى

قال : من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله وأدر الحق معه حينما دار. اللهم هل بلغت ثلاثا». (الآثار الباقية عن =

٨٠