السّقيفة امّ الفتن

الدكتور جواد جعفر الخليلي

السّقيفة امّ الفتن

المؤلف:

الدكتور جواد جعفر الخليلي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الإرشاد للطباعة والنشر
المطبعة: الإرشاد للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ١٢٠

بأسناده في الجزء الأول من الموسوعة ، وهو الذي اعترف بأنه «لو وليها أبو الحسن لأقامهم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم» بألفاظ مختلفة ، فقال له ابنه عبد الله قبيل وفاته وقبل تشكيل الشورى : «ما منعك أن تستخلفه» ، فيجيبه عمر : «لا أريد أن أتحملها حيا وميتا» ، فكيف أعطاها لعثمان وقد قال لابنه أنه سيوليها بني أمية وانهم سيتصرفون في رقاب الناس وأموالهم حتى يثوروا ويقتلوه؟

ذلك ما تنبأ به عمر لعثمان! إذ كان مطمئنا من مكانة معاوية ، وقد سبق أن قال عن معاوية أنه كسرى العرب ، وقد هدد به رجال الشورى عندما قال لا تتنازعوا فإن معاوية وعمر بن العاص لكم بالمرصاد ، فكيف حق له تشكيل الشورى ، بعد أن تنبأ بكل ذلك؟

وهو يعرف أن بني أمية أولاد الطلقاء ، ولم يعطهم حقا من الولاية حينما قال إن الحق للبدريين وبعدهم الأحديين ، وبعد من يليهم ، فكيف لم يعط عليا وآل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم السابقون؟

وفي مقدمتهم علي عليه‌السلام الذي له اليد الطولى في الجهاد وقتل المشركين سواء في بدر وأحد والخندق وخيبر وحنين ، فإن له السهم الأوفى في بدر واحد ، وكل السهم في يوم الخندق بقتل عمر بن ود العامري ، واليد البيضاء في فتح خيبر ، وله النصيب الأكثر في حرب حنين ، ومع ذلك ليس له نصيب رغم تضحياته وجهوده العظيمة في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعهد عمر وهو القائل «لولا علي لهلك عمر» وعمر الذي قال : لو وليها الأصلع لأقامكم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم ، فكيف ساغ له أن يحرمه حتى حقه في فدك وحقه في الخمس؟

وبعدها يقدمها عمدا ومع سبق الاصرار لبني أمية وقد تنبأ بأعمالهم ، فإذا بعثمان يتصرف في بيت المال ورقاب المسلمين كما يأتي ذكره ، ويولى عليهم من يصلي

١٠١

بالمسلمين سكرانا ويثبت جرمه ، وإذا بالمسلمين يهرعون إليه ويفزعون من كل حدب وصوب ، وإذا به لا يرضى ويزيد ظلما ويخون المسلمين ويحادد الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عملا ، وينفي ويهين ويضرب أقرب الصحابة ويغصب ويقتل ، وإذا بمعاوية وعمرو بن العاص تصل بها تبعات عمر إلى حرب خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنص وأمير المؤمنين بالإجماع ، ثم يستولي على الحكم فيفعل ما يشاء بأموال المسلمين ، ورقاب المسلمين فيسلب ويغتصب ويقهر ويقتل صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته ويبتدع سب خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد كل صلاة وفي كل عيد ، وإذا به وبخلفائه من بعده يسخرون من أحكام الله وحدوده وسنن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذا الظلم والتعدي والجور والقتل والغارة والهدم واستباحة مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبيت الله الحرام وأعراض المسلمين ، وإذا بهم يبدلون الحقائق ويزيفون ويغيرون ويضعون مئات الألوف من الأحاديث والروايات الكاذبة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لآل أمية ولأبي بكر وعمر وعثمان وشيعتهم ، وينسبون لهم الفضائل والكرامات ويضعون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته وأخيه عليه‌السلام وخليفته بما يشوه سمعتهم وفضائلهم.

ولا زال التعصب الأعمى والجهل المطبق يعم العوام ، أما العلماء والكتاب فهم يعرفون ذلك ولكن غلبت عليهم القوة وأعمت بصيرتهم وتغلب عليهم الباطل واتبعوا كل شيطان مريد ، ولو صغوا لنداء الحق واستغاثة المظلومين ، ولو أنهم استمعوا القول فاتبعوا أحسنه ، لهداهم الله إلى الصراط المستقيم ، وعجبا منهم وهم يدعون الاسلام ويعلمون أن رسولهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير الرسل وذريته خير الذراري ووصيه علي عليه‌السلام خير الأوصياء ، ذلك الذي قام الإسلام بسيفه ، ذلك الفاتح المنصور في كل حرب ، مفخرة الاسلام ومعجزته في الحرب والسلم ، الذي نزلت فيه الآيات البينات ، وفاضت فضائله وكراماته ، ذلك الذي ـ على حد قول افلاطون ـ لأصالته ،

١٠٢

لحكمته ، لعلمه ، لسابقته ، لتجاربه ، لتضحياته ، لإخلاصه ، لتقواه ، لبره وإحسانه ، وللنصوص الإلهية والنبوية النازلة على ولايته وإمامته ، كان لزاما على الأمة اتباعه ، ذلك الذي لم تدنسه الجاهلية والشرك ، ذلك الذي حطم بيديه الأوثان ، ويلكم كيف تحكمون!!؟ اهذا يقارن مع من ولد من آباء مشركين وقضى أكثر حياته في الجاهلية والشرك والدنس وكاد للإسلام والمسلمين ولله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن خفى على من كان في صدر الاسلام ، فلا يخفى علينا ولا على جميع الحاضرين وكل العالمين ، واني لأعود للعقل والتجربة والمقاييس المنطقية والأدبية حينما يقول : الكلام صفة المتكلم ، والعمل صفة العامل ، وأوضاع الدولة صفة المسيطر ، والنتائج الحاصلة هي نتيجة البذور ، فمن زرع لا يحصد إلا ما زرع ، وعلى قدر ما سقى وحرث وتعب ، وهيهات ان تجني السكر من الحنظل أو العكس ، فمن ولى آل أمية وابن النابغة ـ عمرو بن العاص ـ والمغيرة بن شعبة الفاجر الزاني؟ ومن قرب خالدا بن الوليد ، الفاجر الزاني والقاتل الفتاك بالمسلمين والمستضعفين؟ ومن سماه بسيف الله؟ ومن قرب الكفرة والمنافقين والطلقاء والفاسقين وأبعد خيرة آل البيت والصحابة المقربين؟ ومن بدأ بتحدي حدود الله وسنن نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت نتيجة أعماله التفرقة والشقاق والضعف؟ ومن سلب بضعة المصطفى نحلتها وآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقهم من الخمس.

أيها القارئ الكريم! من هيأ الملك لآل أمية وآل مروان ، ومن جاء بهم؟ أليست مكيدة؟ وقد علمنا أنه ليس هناك انتخاب إلا انتخاب مصطنع ، أم كان أبو بكر وعمر وعثمان تقدموا على علي عليه‌السلام بسابقتهم وعلمهم وحكمتهم ، وقدرتهم الإدارية وتجاربهم وأصالتهم على حد قول افلاطون؟ أم تقدموا على علي عليه‌السلام وجلسوا مكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتبار القانون الطبيعي لمماثلتهم ومجانستهم جسما أوروحا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يلتحم القلب بالقلب أو الكلية بالكلية ، وعضلة مماثلة

١٠٣

مكان عضلة ، فمن كان أحق بالأمر ، أعلي عليه‌السلام أم هؤلاء؟ ألم يعرف هؤلاء فحوى آية المباهلة (١) وأن عليا نفس رسول الله؟ وفي سورة الطهارة قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (٢)؟ فكلاهما ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيه عليه‌السلام ـ طاهران أبعد الله عنهما الرجس ، وكلاهما أحب خلق الله إلى الله ،

__________________

(١) الرضوي : وجاء في تفسير الفخر الرزاي ، في تفسير آية المباهلة :

الإجماع دل على أن محمدا عليه‌السلام كان أفضل من سائر الأنبياء عليه‌السلام فيلزم أن يكون علي أفضل من سائر الأنبياء ، فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية ...

ويؤيد الاستدلال بهذا ، الحديث المقبول عند الموافق والمخالف ، وهو قوله عليه‌السلام : «من أراد أن يرى آدم في علمه ، ونوحا في طاعته ، وإبراهيم في خلته ، وموسى في هيبته ، وعيسى في صفوته فلينظر إلى علي بن ابي طالب رضي‌الله‌عنه» (أخرج هذا الحديث محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ص ١٢٢).

فالحديث دل على أنه اجتمع فيه ما كان متفرقا فيهم ، وذلك يدل على أن عليا رضي‌الله‌عنه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..

وكان نفس محمد أفضل من الصحابة رضوان الله عليهم ، فوجب أن يكون نفس علي أفضل أيضا من سائر الصحابة (تفسير الفخر الرازي : ٨ / ٩٠ ط دار الفكر بيروت).

وإليك بعض المصادر التي تذكر أن المقصود من قوله تعالى : «وأنفسنا» هو : علي بن ابي طالب عليه‌السلام ، أنظر :

جامع البيان في تفسير القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري آل عمران : ٦١ ، الجواهر في تفسير القرآن للشيخ جوهري طنطاوي آية المباهلة آل عمران : ٦١ ، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود آية المباهلة ، تفسير القرآن الكريم للشيخ محمد مصطفى المراغي آية المباهلة ، تفسير الكشاف للزمخشري آل عمران : ٦١ ، آية المباهلة ، تفسير النيسابوري ، تفسير القاسمي (محاسن التأويل) آية المباهلة ، تفسير الخازن ، تفسير النسقي (مدارك التنزيل) آل عمران : ٦١ ، تفسير روح المعاني للآلوسي ، تفسير القرآن الكريم لابن كثير الدمشقي آية المباهلة ، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للفخر الرازي آل عمران : ٦١ ، آية المباهلة ، تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور للشيخ جلال الدين السيوطي ، آل عمران : ٦١ ، أنوار التنزيل للبيضاوي ، غرائب القرآن للنيسابوري آل عمران : ٦١.

(٢) الأحزاب : ٣٣.

١٠٤

وكلاهما حسب آية الولاية لهم حق الولاية. ألم يقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث المنزلة «علي مني بمنزلة هارون من موسى»؟ «وأن مثل أهلى بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق»؟ ألم يقل «أنا مدينة العلم وعلي بابها»؟ ألم يقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أن لحم علي لحمي ودمه دمي»؟ ألم يقل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي»؟ ألم يقل «مبغض علي منافق» ، وفي أخرى فاسق وفي أخرى كافر؟ ـ راجع كتابنا الأول والثاني من هذه الموسوعة وأسنادها عن علي عليه‌السلام وعترته ـ ، ألم تنزل الآيات البينات في فضل علي وأهل بيته عليه‌السلام ومنها قوله تعالى (لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (١)؟ فمن هم ذوو القربى غير فاطمة والحسن والحسين وأبوهما ، راجع التفاسير.

فأي حدود الله ، وسنن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأوامره ونواهيه في علي وأهل بيته عليه‌السلام اتبعوها؟ رغم كل ما مر وكل ما ذكرناه من آيات واحاديث مسندة ومسلمة في علي عليه‌السلام وأهل بيته ، فإذا جعلنا ذلك مقياسا وقاعدة وأنهم قد قاموا واستمروا وماتوا على خلاف ذلك ، فما حكمنا عليهم بعد ذلك؟ وقد رأينا نتائج أعمالهم من صدر الاسلام إلى يومنا هذا ، وما مر على الأمة الإسلامية من الخلاف والشقاق والنفاق والضعف والخذلان ، أليست كلها من مصدر تلك الفتنة؟ أم الفتن التي أسس أساسها على خلاف ما أمر الله ورسوله ، وقد قال الله تعالى : (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) (٢).

وإني لاتساءل : إذا لم تقم تلك الفتنة ويغصب بها حق علي وذريته ، ـ ذرية عليه‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ هل كان يؤول الأمر إلى آل أمية وآل معيط وآل مروان الطلقاء والطرداء من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكان يقتل عثمان؟ وهل كانت تقوم الحروب

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) الاعراف : ٥٨.

١٠٥

بين المسلمين كحرب الجمل وصفين والنهروان والحروب الطواحن الأخرى داخل الأمة الإسلامية؟ هل كانت تحدث المجازر في زمن معاوية من قتل الصحابة وذبح أبناء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشيعتهم وسب علي وآل البيت عليهم‌السلام؟ إذا لم يغتصب حق علي وآل البيت : أكان يجد معاوية ويزيد من بعده الفرصة السانحة للاتكاء على منبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أريكة الحكم ثم الفتك بآل بيت الرسالة عليهم‌السلام وفي كربلاء وقتل عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة البررة ، وبالنتيجة حرق خيام آل البيت عليهم‌السلام وسلب وسبي ذراريهم وأراملهم من الكوفة إلى الشام كأنهم خوارج أو مشركون؟.

أكانت تباح على يد يزيد مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقتل الأبرياء وتهتك الأعراض فيها وتهدم الدور؟ ، أكانت تضرب مكة المكرمة وهي كعبتهم وقبلتهم؟ وبعدها فضائح مروان ابن الحكم طريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أيجلس على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويصبح خليفته وبعده عبد الملك ابنه وعماله الفساق كالحجاج وغيرهم وفتكهم بالمؤمنين ومحبي آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده أولاده كالوليد ذلك الفاجر الذي حرق القرآن؟ ألم يكن قيام بني العباس وفتكهم بالعلويين نتيجة لذلك الغصب الأول من أبي بكر وعمر وعثمان؟ ألم تكن هذه التفرقات والمشاكسات والمخالفات وقيام المذاهب المتعددة والفرق المختلفة في الإسلام إلا بسبب سوء ادارة الدولة بعد ذلك الغصب وتلك الفتنة الكبرى؟ حقا (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) (١) حقا أن أول ظالم في الاسلام كان ذلك الذي بذر بذرة الظلم فأعطت نتيجتها متعاقبة على مر الأحقاب ، الشقاق والنفاق والظلم والفساد.

ونعود لنقول لو سار القوم على ما كان في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وساروا طبق اوامر الله ، واتبعوا حدوده وآياته النازلة في علي عليه‌السلام ، واتبعوا من ولاه الله

__________________

(١) الأعراف : ٥٨.

١٠٦

ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطهره الله من الرجس كما خصته بذلك الآيه وزوجته واولاده وحدهم على حد سواء ، ومن له حق الخلافة والولاية وحده لا غيره بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحكم القرآن في آية الولاية وغيرها ، واتبعوا اولى الأمر وهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واتبعوا اوامر الله وسنن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي وعترته عليه‌السلام كما جاء في آية المودة في القربى وحديث المنزلة وحديث الثقلين وحديث السفينة وحديث يوم الدار وحديث يوم الغدير. ولو أنهم لم ينقضوا ولايته وبيعته عليه‌السلام في ذلك اليوم العصيب الذي أشهد به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم الله فقال : اللهم انت شهيدي عليهم ، وقال : اللهم اشهد أني بلغت ، وشهد جبرئيل على بيعة عمر لعلي عليه‌السلام وحذره من المخالفة وقال له : لا ينقضها إلا منافق (١) ، ولو أنهم لم يتخلفوا عن جيش أسامة ، ولو أن عمر وجماعته في السقيفة لم يكيدوا للإسلام ولم يعارض عمر يوم طلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدواة والبياض ، فقال : إن الرجل ـ يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ليجهر ، ولو أنهم لم يدبروا الفتنة ولم يقوموا بها في سقيفة بني ساعدة ، ولو أنهم وهم يعرفون الحق اتبعوه وأيدوا عليا واستمروا على بيعته ولم يعادوه ويعاندوه ، ولم يغتصبوا فدكا من الزهراء بضعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد غصبهم مقام الخلافة ، ولو أنهم لم يصروا على المخالفة والعداوة بصورة مستمرة ، ولو أنهم لم يبعدوا الصالحين عن الولايات ويرسلوا الظالمين من أعداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمثال بني أمية وخالدا وعمرو بن العاص والمغيرة ابن شعبة ، ...!!

نعم .. لو أنهم اتبعوا من كان يقيمهم على المحجة البيضاء ، والصراط المستقيم لأكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم ، ولو أنهم اتبعوا الحق والحقيقة في نشر أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتطبيق سننه القويمة منذ البدء ، لما عمت الأكاذيب والموضوعات والمزيفات التي وضعها شيعتهم والتي هيؤوها لهم بعد منع الحديث ،

__________________

(١) تجد الأسانيد في الجزء الأول والثاني من موسوعتنا هذه.

١٠٧

ولو أنهم قصدوا بالفتح تعميم العدالة والحكمة والعلم والمساواة لما فتكوا بأهل العلم من الصحابة أو إبعادهم ، ولما أمر عمر ولاته بحرق كتب العلم والأدب والفلسفة والفنون من نتاج أدمغة المفكرين من العلماء والأدباء والفنانين والكتاب خلال آلاف السنين في الإسكندرية وبلاد الروم وبلاد فارس ، بل لجهل الخليفة بمقام العلم وجهل عماله (١) ..

وماذا يعمل علي عليه‌السلام ولا حكم لمن لا يطاع ...

هذا وهم يعلمون مقامه العلمي وفضله ، ولكن الأنانية والحسد والحقد والغيرة وما يحملونه من غرائز متأصلة تمنعهم من مشورته أكثر الأوقات ، ولطالما شاوروه في أمور عندما أعيتهم الحيلة حينما وجه لهم اليهود والنصارى اسئلة محرجة فاضطروا لمشورته ، أو اتفق وحضر مجلسهم وعدل المعوج من أعمالهم ، ويشهد على صحة ذلك حينما قال عمر كرارا ومرارا (لولا علي لهلك عمر).

وهل عرفوا له حقه ومقامه العلمي ، وهل سألوه وهو يعلن لهم : «سلوني قبل أن تفقدوني» ، ويقول : «هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله» ، وهو يوضح لهم أنه أعلم بالسماء مما في الأرض ، وأنه يعلم تأويل القرآن وكل آية وفيما نزلت ، ويعلم متشابهه ومحكمه ، وقد وجدوا من علمه أنه لم يرد سائلا إلا علمه على قدر ادراكه ، وقد برهنت أقواله وأعماله على الحقيقة ، فهذا نهج البلاغة وما فيه شاهد على مقامه العلمي والأدبي ، كما شهدت أعماله ، وأين منه من يسأل عن (القدر) فيعجز عن جوابه ، وكيف هدد أبو بكر السائل حينما سأله عن القدر ، فيتحامل على السائل ويهدده حتى لا يتجاسر غيره على السؤال (٢) ، وهو يعرف فحوى الآية (وأما السائل فلا تنهر) وعجز عن تفسير الكلالة ولم يعرف معنى الأب في الآية (وفاكهة

__________________

(١) راجع بذلك الكتاب الرابع من موسوعتنا في حرق كتب العلم وشكاية أهل العلم عليه.

(٢) راجع كتابنا الثالث في أبي بكر.

١٠٨

وأبا) وهو القائل ـ أقيلوني فلست بخيركم ، وأين منه عمر (١) أيضا ، إذ كان عندما يعييه الجواب يهوى على السائل بالدرة ، وحبس سائلا سأله عن آية قرآنية بعد ان أوجعه ضربا وهو من أشراف قومه وكل يوم يأتي به ويوجعه ضربا ، وبعدها نفاه إلى ولاية تحت نفوذ عامله وأمره بتكرار الضرب وعدم قبول شهادته حتى مات وكلاهما عجز عن تفسير كثير مما سئلا عنه ، ولقد كان عمر يعجز عن الإجابة عن أكثر الأشياء وكانت أكثر عماله وأحكامه تخالف الشريعة ، وكان يضطر أكثر الأحيان للاعتراف بعجزه حتى أمام النساء ، حتى قال في إحداها : (حتى ربات الخدور أفقه منك يا عمر) (٢).

فمن كان أكثر عمره مشركا وليس له في الحروب سطوة وفي العلم حظوة وفي المنطق حكمة وفي العمل قدرة أيساوي من أجمعت على أفضليته الأمة ونص عليه الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ أو أن يطعن فيه ، حتى عمر نفسه؟ الذي قال فيه كرارا : (لولا علي لهلك عمر) ، وقال فيه : (لو وليها الأصلع لسلك بكم السبيل) ، أويساوي من تراه في نهج البلاغة كيف ينتخب ولاته وكيف يدربهم وكيف يوصيهم ، وكيف يكون قدوة لغيره ، حتى اعترف به ألد اعداءه؟ (وسيأتي ما صرح به معاوية وعمرو بن العاص فيه).

وقد رأينا كيف امتدحه القرآن ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكيف كانت سيرته عليه‌السلام في جميع حياته ، وكيف امتنع من تعيين معاوية ، ولم يرض على ابقائه واليا على الشام ولو لأمد قصير ، كما أشار عليه ابن عمه عبد الله بن عباس ، وكيف يرضى علي عليه‌السلام أن يولى فاجرا فاسقا منافقا ، مثل معاوية أو عمرو بن العاص أو المغيرة بن شعبة وأضرابهم ، وكيف اجتمع اقطاب الفسق والفجور ضده ، وقد رأيناه كيف انتصر في حرب الجمل وكاد أن يتغلب على معاوية لولا ضربة أشقى الاشقياء ابن ملجم.

__________________

(١) و (٢) راجع كتابنا الرابع من الموسوعة.

١٠٩

وقد رأيناه من قبل كيف فتح للاسلام بسيفه ورأيه ، وكيف كان عضدا وساعدا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذابا عنه ، ولم نجد له نكسة طول مدة حياته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سيان منها عندما كان معه في الحروب أو تلك التي كان فيها وحده ، فمنها يوم استخلفه في المدينة ، ومنها يوم تركه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكة ليوفي دينه ويرد الأمانات وينفذ أوامره ، ومنها تسييره إلى اليمن ، في حين قد خاب غيره ، ومنها يوم نصبه أمير لواء في خيبر ...

نعم .. في جميعها كان النصر له ، وأما بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد كان قد أعمله بوقوع الفتن ، وأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر والتجلد وعدم القيام المسلح مهما جاروا عليه ، ومهما تجاوزوا في الفتنة والجور والتعدي ، وكأنهم علموا بتلك الوصية فقالوا للبعضهم : (إن الرجل موصى) ، وإلا من كان يجسر بالتجاوز على حريمه وهو الأبي الضيم ، فتحرق باب بيته ويكسر ضلع عقيلته الزهراء عليها‌السلام سيدة نساء العالمين ويسقط جنينها وتضرب؟ ومن كان يستطيع أن يقوده صبرا من داره إلى أبي بكر ، حاسر الرأس حافي القدمين ، وهو يقول : أنا عبد الله واخو رسوله ، ويجبرونه على البيعة لابي بكر ، وهو أميره الذي بايعه هو وعمر بالأمس وهنآه بالولاية والخلافة والإمارة من قبل؟ من كان يستطيع بدون دليل أن يغصب نحلة فاطمة عليها‌السلام؟

ولو لم تستمر العجلة العظيمة التي سيرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للفتح ، وبعث في نفوس العرب القدرة الروحية والإيمان بالفتوح ، وما أنزل إليه من الآيات التي بشر فيها الصابرين وهدد فيها المتخلفين والفارين ، ورأى العرب بأم أعينهم الفتوح المستمرة في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما عكسته من صور التضحية لما سارت تلك العجلة بتلك السرعة في الشرق والغرب ، ففتحوا بلاد كسرى وقيصر واستولوا على حضارتهم الواسعة وخزائنهم الجامعة وأملاكهم الشاسعة.

فماذا كانت نتيجتهم؟! وماذا استفادوا وفادوا؟ ونحن نعلم أن هذه البلاد

١١٠

المفتوحة كانت مليئة بالحضارات العريقة والعلوم والحكمة والفنون الأنيقة ، وفيها الثقافات والمدنيات الرائقة والمكتاب الشائقة المليئة بالكتب ، وعندهم الأنظمة والدوائر المنظمة ، ولديها أصول الحياة الاجتماعية والصناعات والفنون وعندهم المؤسسات التعليمية والمنشآت الفنية ، والاسلام جاءهم بقوة الإيمان والوحدانية وتوحيد الكلمة والمساواة والعدالة والأخلاق السامية والمباني الإنسانية ، وحقوق الانسان التي جمعها بآية واحدة أسندتها آيات أخرى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبث الفضائل والبر والإحسان والرأفة والإخوة والاصلاح ، واتباع أصول المنطق الصحيح والعقل السليم في مسالكهم ومناهجهم ، وأن يكون الخلفاء والقادة قدوة صالحة للرعية ، ولا يكون بغيتهم إلا الخدمة العامة والخاصة للفرد والمجتمع ، وخلق روح الوفاق والوئام وبث روح الإصلاح والسلام ، وتربية الصغار والكبار على مكارم الأخلاق والفضائل والدين الحنيف والابتعاد عن الأغراض الشخصية والأحقاد النفسية ، وعدم التجاوز على الأنفس والاموال إلا في حدود كتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتشويق أهل العلم والإيمان وذوي المنطق السليم والعقل الصائب وأهل البر والاحسان ، وإبعاد أهل النفاق والفسق والفجور وشل أيديهم عن بث الفساد ، وترويج المعرفة والعلم والحكمة والعمل الصالح المثمر ، والقول الفصل چوالعدل ، وتقريب الصلحاء وإبعاد الطلحاء ، وتولية القضاة الذين يحكمهم الشرع الإسلامي الحنيف ، المستكملين للعقل والعلم والإيمان والعدالة والحسب والنسب ، وإن لا يبتعد لحظة عن مشورة العقل والعقلاء.

فهل نجد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أية دولة اتبعث ذلك سوى في عهد علي أمير المؤمنين عليه‌السلام وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين ، أعلم العلماء وأعدل الحكام وأحكم الحكماء وأقضى القضاة وأتقى الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأزكاهم وأسبقهم إيمانا وأشجعهم جنانا وانصفهم وأبرهم ، وأكثرهم إخلاصا ورأفة على الضعفاء ، وهو بعد

١١١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع ما يحمله من القوة الجمسية والروحية والعلمية ، لم يزل شابا (١).

فلو ولي هو عليه‌السلام الخلافة ، كيف كان ينصب القضاة والولاة ، وكيف كان يثبت العدالة والمساواة الحقيقة ، وكيف كان يحفظ مقام العلم والعلماء والحكمة والحكماء والايمان والمؤمنين ، وكيف كان يقوم طول حياته بما يجلب للإنسانية من السعادة ويشملها بالخيرات الروحية والجسمية ، وكيف كان يبث العلم والعمل ، وإن شئت فعد إلى نهج البلاغة لترى آراءه الاجتماعية وقضاءه وسياسته ، واسبر عهد مالك الأشتر ورسائله لعماله وبنيه وخطبه العظيمة ، ثم عد إلى عمله تراه عاملا ومزارعا وقاضيا وواليا ومحاربا مجاهدا ، يواسي الفقير واليتيم والأسير لوجه الله ، فهو يريد أن يعيش كعيشة أقل افراد حكومته ليتحسس باذواقهم وادوائهم واحساسهم وأنفاسهم ، ويوصي بذلك عماله.

يتساوى عنده القوي والضعيف ، والغني والفقير ، والأبيض والأسود ، والعربي والعجمي ، والقريب والبعيد ، لا يفرق بين الأفراد ساعة العدالة من أية ملة ومذهب ودين ولون وجنس ، لا يعرض بلدا إلا على مستحقه بالعدل والانصاف وإلى أقصى ما أمر به الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هكذا انتخب ولاته ، فمن مثله وكيف ستكون الأمة في عهده المديد لو ساعدها الحظ وتولى الأمر ، كيف كان يسود السلام والوئام والخير والرفاه الكرة الأرضية بعد أن يعمها الإسلام؟ وكيف لا يعم؟ ونحن نرى تأخر الاسلام إنما كان بسبب عدم اتباع الشرع وحدود الله ، فنرى اختلاف أمراء بني أمية

__________________

(١) يقول : الكاتب المصري الاستاذ صالح الورداني :

إن مكانة الإمام علي عليه‌السلام كانت ساطعة سطوع الشمس بحيث لم يتمكن القوم من حجبها عن أعين المسلمين بتأويلاتهم ، وتبريراتهم. وقد كنت واحدا من هؤلاء الذين سطعت عليهم شمس الحقيقة فأضاءت لي الطريق نحو الصراط المستقيم خط آل البيت عليه‌السلام محطما من طريقي جميع القواعد والأغلال التي صنعها القوم لتكبيل العقل ، وحجب الحقائق. (الخدعة : ص ١٥٠ ط بيروت).

١١٢

في الغرب يوقف تقدمهم في اوربا ، واختلافات بني العباس وضعفهم وعدم تمسكهم بالأصول أخرهم في الشرق.

هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد في زمن عمر كيف يحكم الخليفة (١) بحرق الكتب العلمية والأدبية والفنية والحكمية والأنظمة والقوانين في الأسكندرية (٢) وفارس وكل البلاد التي فتحها المسلمون ، فيعيد البشر القهقرى إلى الوراء آلاف السنين ، إذ قد أحرق نتاج أفكار فحول العلماء والحكماء والأدباء والفنانين ، ومن جهة أخرى أوقف المعارف الإسلامية بوقف تدوين الحديث والسنة ، وبعد القضاء على الصحابة في الحروب وغيرها ترك مجال الدس والتزييف والوضع بيد أبناء الطلقاء والمنافقين الذين أيد الخليفة الأول والثاني والثالث سلطانهم ، أولئك الذين لما يدخل الايمان في قلوبهم ، وهل يستطيع غير ذلك؟ ففاقد الشئ لا يعطيه ، فالخليفة قضى أكثر حياته مشركا ولم تكن له أثرة من العلم والحكمة والشجاعة والتقوى والسابقة والأصالة العائلية ، نعم فاقد الشئ لا يعطيه ، فكيف تريد أن يعم العلم والعدالة والحق والمعرفة والتقوى والأصالة إلا ممن يحملها ويعيرها وزنا؟ فهل يرجى من امثال أولئك الأمراء بعد السقيفة خيرا؟ هل ترجى غير هذه النتائج السائدة إلى اليوم؟ إننا لا نستطيع أبدا أن ننسب النتائج الحاصلة للمسلمين إلا لتخلفهم منذ يوم السقيفة واغتصاب الحكم من أهله.

إننا جميعا نقدر أعمال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونعرف حق المعرفة بما أوصى ، ونعير أهمية عظمي لعلي عليه‌السلام وأهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بيد أن موضوعات وأكاذيب ومزيفات كتلك التي وضعت في زمن بني أمية لا زالت تخالجنا رغم أنها تنافي المنطق السليم ، وتنافي الواقع. ونريد بعد هذا أن نوفق بين علي عليه‌السلام وأبي بكر وعمر وعثمان ،

__________________

(١) راجع أسناد ذلك في فصله من موسوعتنا (كتاب عمر).

(٢) احراق عمر مكتبة الاسكندرية.

١١٣

ونريد أن نقول إن الزهراء عليها‌السلام حين طالبت بفدك قالت حقا ، وبالوقت نفسه نقول إن أبا بكر قال حقا واجتهد صدقا ، ونريد أيضا أن نوفق بين قول عمر في خالد أنه قتل مسلما ونزا على زوجته ـ حينما نذكر مالك ابن نويرة ـ وقول أبي بكر إن خالدا اجتهد واخطأ ، وأعطاه وسام سيف الله على الرغم من أنه كرر تلك الجرائم بمراى ومسمع منه (١).

ونريد أن نوفق بين كلمة عمر يوم قام بفتنته ساعة طلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مريض البياض والدواة ليكتب للأمة عهدا لن يضلوا بعده فقال متحديا مقام الرسالة : أن الرجل ليهجر (٢) ونتناسى أن أبا بكر عهد في مرض موته إلى عمر وهو

__________________

(١) راجع هذا الكتاب في فصل مالك ابن نويرة.

(٢) اخرج ابن سعد عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس كان يقول : يوم الخميس ، وما يوم الخميس ، قال : وكأني انظر الى دموع ابن عباس على حدة كأنها اللؤلؤ ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إيتوني بالكتف والدواة ، أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا. قال : فقالوا : إنما يهجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (الطبقات : ٢ ق ٢ / ٣٧).

وقال الإمام الغزالي في باب ترتيب الخلافة :

ولما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال قبل وفاته : «إيتوني بدواة وبياض لأزيل لكم إشكال الأمر ، وأذكر لكم من المستحق لها من بعدي». قال عمر رضي‌الله‌عنه دعوا الرجل فإنه ليهجر ... سر العالمين وكشف ما في الدارين مخطوط ، انظر فهرست دار الكتب المصرية : ١ / ٣١٦. (مسند احمد : ٣ / ٣٤٣).

المؤلف ـ وأورد هذا الحديث سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص ٦٥ واخرجه ابن سعد عن ابن عباس ... فقال من كان عنده :

إن نبى الله يهجر قال : فقيل له :

ألا نأتيك بما طلبت ، قال : أو بعد ماذا ، قال : فلم يدع (الطبقات : ٢ ق ٢ / ٣٦ ط ليدن).

وأخرج أحمد ، عن جابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده ، قال : فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها. (مسند أحمد : ٣ / ٣١٦).

وأخرج البخاري ، عن ابن عباس .. قال : فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحديث.

١١٤

أشد حالا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

نراكم تتناسون غدير خم وقد ورد فيه في من التواتر أكثر مما ورد في القرآن ، ونراكم تتجاهلون فضائل علي عليه‌السلام وكراماته وأوامر الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ولايته على المؤمنين ، وتتخبطون خبط عشواء للربط بينها وبين أعمال الخلفاء (الراشدين!) المزيفة الموضوعة في زمن بني أمية ، ونراكم تتجاهلون حديث المنزله وحديث الثقلين ، وحديث سفينة نوح وأحاديث الغدير وتتجاهلون آيات المباهلة والطهارة والولاية ومئات الآيات الأخرى في علي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولايته ، وتريدون رد ما يدلكم عليه العقل لاتباع علي وآل محمد عليهم‌السلام ، فيعود عليكم الشيطان والنفس الأمارة ويحرفكم عن الصراط المستقيم ، ألم يقل الله في كتابه (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) (١) و (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (٢) ،

__________________

= وجاء في (النهاية في غريب الحديث : ٥ / ٢٤٦) بعده وجاء في صحيح مسلم : إن رسول الله يهجر (صحيح مسلم : ٣ / ١٢٥٩ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، مسند أحمد : ١ / ٣٣٥). أخرج البخاري في صحيحه : ٦ / ١١ : عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه : لما حضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي البيت رجال ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ، فقال بعضهم : إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ، ومنهم من يقول غير ذلك ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قوموا.

قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول :

إن الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم.

(صحيح البخاري : ٢ / ١٧٨ بحاشية السندي ط عيسى البابي) قال الفيومي : هجر المريض في كلامه هجرا خلط وهذى. والهجر بالضم : الفحش. (مصباح المنير ص ٦٣٤).

وقال ابن الأثير : الهجر بالضم. هو الخنا والقبيح من القول .. ومنه حديث مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما شأنه. أهجر؟ .. والقائل كان عمر.

(١) الزمر : ١٧ ـ ١٨.

(٢) الزمر : ٩.

١١٥

(أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدى إلا أن يهدى) (١).

وهل يستوي السابقون والمتأخرون؟ هل يستوي المجاهدون والمكافحون والثابتون والذابون والفائزون بالهاربين والمدبرين؟ هل يستوي أحباء الله مع أعدائه؟ هل يتسوي من أطاع الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأجرى حدوده وأقام سننه مع من أوقف حدوده وبدل نصوصه؟ مالكم كيف تحكمون؟ هل يستوي من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويوقر العلماء والحكماء والمؤمنين ويبعد أعداء الله والمنافقين ، مع من يعمل العكس والضد. وإن أنكرت فالتاريخ أعظم شاهد على ما نقول!!.

وبعد لو كانت الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد أهلها لسادت السعادة كما ساد الشقاء الآن ولكان العالم اليوم وحدة إسلامية سعيدة ، وكانت الأرض جنانا وأمانا.

لقد شاهدتم سيرة علي عليه‌السلام زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزمن الخلفاء الراشدين (!) ، فوجدتموه حقا الصديق العادل النقي المخلص لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووجدتم سيرته زمن خلافته ، ورأيتم عماله كيف كانوا من خيرة القوم ونخبة النخبة ، ورأيتم أقواله المقرونة بأفعاله ووصياياه المأثورة. وها إنى أقدم نبذا منها : أدناه ، الدالة على عدالته وإنصافه وبره وألطافه ، حيث قال لولاته :

«وأنصفوا الناس من أنفسكم ، واصبروا لحوائجهم ، فإنكم خزان الرعية ، ولا تحسموا أحدا عن حاجته وتحبسوه من طلبته ولا تبيعن للناس في الخراج كسوة شتاء ولا صيف ، ولا دابة يعملون عليها ، ولا عبدا ، ولا تضربن أحدا سوطا لمكان درهم».

وتجده أدناه كيف يدير ويربي ولاته وعمالهم ، ويراعيهم ويراقبهم ، حيث

__________________

(١) يونس : ٣٥.

١١٦

يقول لأحد ولاته :

«انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا ، ولا تولهم محاباة وأثرة فإنهم جماع من شعب الجور والخيانة ، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام ، فإنهم أكثر أخلاقا وأصح أعراضا ، وأقل في المطامع إسرافا ، وأبلغ في عواقب الأمور نظرا ، ثم اسبغ عليهم الأرزاق ، فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم ، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم ، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك ، ثم تفقد أعمالهم ، وابعث العيون من أهل الصدق عليهم ، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوه لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية».

وقد أوصى بعدم كشف معايب الناس بل القيام بإصلاحها وسترها حيث بلغ بوصيته قوله :

«وليكن أبعد رعيتك منك وأشقاهم عندك أطلبهم لمعايب الناس ، فإن في الناس عيوبا ، الوالي أحق من سترها فلا تكشفن عما غاب عنك منها فإنما عليك تطهير ما ظهر منها». ترى كيف يحرص على أدق المعاني التي جاء بها الإسلام ، ويربي ولاته وعماله عليها ويقيم لهم أدق النصائح والآراء الحكيمة ، ويقودهم إلى النهج القويم من الابتعاد عن مواضع الضعف والخيانة ، ومصادر الشرور والفجور ، فيقول :

«ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ، ويعدك الفقر. ولا جبانا يضعفك عن الأمور ، ولا حريصا يزن لك الشره بالجور ، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله».

ونراه يوصى بالابتعاد عن الأشرار والآثمين والظلمة وعدم الاستعانة بهم

١١٧

على إدارة الأمور ، فيقول : «إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا ، ومن تركهم في الآثام ، فلا يكونن لك بطانة ، فانهم أعوان الأثمة وإخوان الظلمة ، وأنت واجد فيهم خير الخلق ممن له مثل آرائهم ونفاذهم وليس عليه اصارهم وأوزارهم» ،

وأما زهده فحدث عنه ولا حرج.

وأكتفى بإحالتك إلى نهج البلاغة ومن شرح ذلك كابن أبي الحديد :

(والوا استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غداقا * لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا * قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا * إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا * حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا *) (١).

(أرأيت من اتخذ الهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا) (٢) (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) (٣).

(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) (٤).

(وبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) (٥) صدق الله العلي العظيم.

__________________

(١) الجن : ١٦ ـ ٢٤.

(٢) الفرقان : ٤٣.

(٣) الفرقان : ٤٤.

(٤) الكهف : ٢٩.

(٥) الزمر : ١٧ ـ ١٨.

١١٨

المحتويات

نبذة عن المؤلف.................................................................. ٥

كلمة المعلق..................................................................... ٧

كلمة المؤلف.................................................................... ٩

الحكومات وأنواعها في العالم وأنواع الانتخابات..................................... ١٥

كيف بدأت الحكومات؟........................................................ ١٧

أنواع الحكومات في العالم........................................................ ٢٣

الملكية الديمقراطية............................................................... ٢٣

جمهورية ديمقراطية............................................................... ٢٤

الحكومة الشيوعية.............................................................. ٢٤

الفاشستية..................................................................... ٢٥

الإسلام....................................................................... ٢٥

أفلاطون...................................................................... ٢٧

المقارنة بين جمهورية أفلاطون والاسلام............................................. ٣٢

حكومة الطبيعة أو الفطرة........................................................ ٣٣

الإنسان....................................................................... ٣٤

أهمية أجهزة البدن.............................................................. ٣٦

حكومة الطبيعة................................................................. ٣٨

١١٩

علم التربية..................................................................... ٤٧

اللائحة الأولى.................................................................. ٥٣

اللائحة الثانية.................................................................. ٥٥

أولا ـ الإجماع على خلافة أبى بكر :............................................... ٥٥

ثانيا ـ أبو بكر أكبر سنا :....................................................... ٦٢

ثالثا ـ كلمة عمر................................................................ ٦٥

الفاروق علي................................................................... ٦٦

الفاروق والصديق الأكبر........................................................ ٦٦

يعسوب المؤمنين :.............................................................. ٦٧

طاعة علي طاعة الله :.......................................................... ٦٧

امتناع أجل الصحابة عن البيعة................................................... ٦٧

عمر يهجم على دار فاطمة عليها السلام ويضرم فيه النار ويسبب إجهاضها عليها السلام ٧٠

نقض العهد وتولية الدبر......................................................... ٧٤

المقايسة بين عهد رسول الله وعهدهم.............................................. ٨٨

المحتويات..................................................................... ١١٩

١٢٠