ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها - ج ٢

الكسندر أداموف

ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها - ج ٢

المؤلف:

الكسندر أداموف


المترجم: الدكتور هاشم صالح التكريتي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ميسلون للنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٣
  الجزء ١ الجزء ٢

في ١٩٠٠ و ٥٠٠ شامي في ١٩٠٧ و ٣٣٠ شامياً في ١٩١٠. اما «الكارة» الواحدة من الخضراوي فقد كان سعرها في السنوات المذكورة ٢٦٠ و ٣٦٠ و ٢٥٠ شامياً على التوالي في حين كانت «الكارة» الواحدة من الساير تباع في السنوات المذكورة أيضاً بـ ١٦٠ و ٢٥٠ و ٢٣٠ شامياً على التوالي. واذا حولنا هذه القيمة إلى العملة الروسية يكون البود الواحد من النوع الاول قد بيع في السنوات المذكورة بروبل واحد و ١٢ كوبيكا وروبل واحدة و ٩٠ كوبيكا وروبل واحد و ٢٣ كوبيكا على التوالي ، ومن النوع الثاني بـ ٩٧ كوبيكا و ٩٣ كوبيكا و ٨٥ كوبيكا على التوالي. ان تذبذب الاسعار بهذا الشكل مرتبط بسوء المحصول أو جودته في السنة المعينة وكذل بحقيقة ان الكثير من مصدري التمور كانوا يبيعون بضاعتهم في سوق لندن قبل ان ينضج التمر بفترة طويلة فيقعون بذلك تحت رحمة منتجي التمر الذين يرفعون الاسعار واثقين من ان عملاءهم الذين صرفوا أموالاً على شراء الصناديق وأجروا البواخر سيوافقون على جميع شروطهم.

والي جانب ذلك فأن المنافسة المتزايدة في سوق البصرة ادت إلى ان يصبح مالكو بساتين النخيل سادة الوضع الآن بعد ان كانوا في السنوات السابقة يجهدون للحصول على مشترين وذلك لان المشترين انفسهم يسلفونهم النقود على الحاصل قبل ٨ - ٩ أشهر من الموسم لالشيء الا لكي يؤمنوا لأنفسهم الحصول على الكمية المطلوبة من التمور الامر الذي يمكن منتجي التمور من تحديد السعر الذي يريدونه. ولم تؤد الجهود التي بذلها كبار تجار التمور في البصرة للقضاء على هذا التذبذب الحاد في الاسعار إلى اية نتائج ايجابية حتى الان. فالاجتماعات التقليدية التي يعقدها جميع ذوي العلاقة في كل سنة بعد انتهاء جمع حاصل التمور لتسعيرها بالاستناد إلى اسعارها في اسواق لندن وامريكا ، فقدت أي معنى لها ، كما

٣٠١

فشلت ايضاً محاولات تجار الجملة لانشاء جمعية خاصة بهم.

وتقوم الشركات التجارية الاوربية التي تغلغلت في العراق بالاضافة إلى مشاركتها في تجارة التمور مباشرة ، بالمشاركة في هذه التجارة بشكل غير مباشر ايضاً. ويتمثل ذلك بتوفيرها البواخر اللازمة لهذه التجارة ذلك ان كل شركة من هذه الشركات تمثل احدى شركات الملاحة. وفي السابق عندما كانت صادرات التمور تتجه كلياً إلى لندن وتنقل على بواخر بريطانية فقط كانت الشركات الانجليزية ذات تأثير حاسم فيما يتعلق بتعيين اوقات نقل التمر وفي تحديد اجور الشحن على السواء. وعلى هذا الاساس كانت الدفعة الاولى من التمر تنقل عادة في اواسط أيلول في الوقت الذي يحصل فيه اول ارتفاع لمناسيب المياه فوق الحاجز القائم في مصب شط العرب وذلك لتمكين البواخر من اجتياز هذا الحاجز وهي محملة بالبضاعة. وتكون الدفعة الثانية تبعاً لذلك في الاول من تشرين الاول عادة والثالثة في الخامس عشر منه ، علماً بأن اياً من تجار التمور لم يكن يستطيع ان يرسل بضاعته قبل هذه المواعيد ، الامر الذي يؤدي إلى ان يستفيد الجميع بشكل متساوٍ من طرح حاصل الموسم الجديد لاول مرة. اما اجور الشحن فان الشركات البريطانية كانت تقررها تبعاً للدفعات المذكورة علماً بان اعلى الاجور كانت تقع في الدفعة الاولى ثم تنخفض بالتدريج إلى الدفعة الرابعة التي تقع في نهاية تشرين الاول. ومع عدم وجود المنافسة الاجنبية فان اجور الشحن كانت عالية جداً اذ تصل إلى ٣٠ شلناً عن كل طن ينقل إلى لندن وسبعة وثلاثين شلناً ونصف الشلن عن كل طن ينقل إلى امريكا و ٤٠ شلناً عن كل طن ينقل إلى اسطنبول. وقد ادت المنافسة الجدية المتأتية من امريكا في استهلاك تمور البصرة إلى التعجيل في فترات النقل ، لان السوق الامريكي كان يطالب بالحصول على

٣٠٢

التمر بشكل مبكر دون ان يأخذ بنظر الاعتبار حلول موسم التمر بل وحتى قبل ان ينضج التمر. اما دخول بواخر شركة اللويد النمساوية والشركة الروسية للملاحة البخارية والتجارة والشركات الالمانية «هامبورغ ـ امريكا» إلى ميناء البصرة في موسم جني التمور ، فكان يؤدي إلى هبوط حاد في اجور الشحن فقد تحتم على ثلاث شركات انجليزية في ١٩٠٦ أن تخفض اسعار نقل التمور إلى عشرة شلنات للطن الواحد من أجل ان تعيق تأجير السفن الاجنبية. على اية حال لقد حصلت في مسألة تصدير التمور تغييرات جذرية هزت النفوذ الاستثنائي الذي كانت تتمتع به بريطانيا في السابق.

اما الحبوب التي تشترك في تصديرها ولايات البصرة وبغداد والموصل فأنها تحتل من حيث القيمة المركز الاول بين صادرات العراق وتتألف من الحنطة والشعير والرز المنقى والفول والفاصوليا والحمص والذرة والسمسم. وتصدر ولاية البصرة بالدرجة الاول الرز الذي يأتي من سنجق العمارة والحنطة والشعير والعدس التي ينتجها سنجق المنتفق ولاسيما الشعير فأنها تأتي من ولاية بغداد التي تعتبر مناطق. السماوة والحلة والدغارة والديوانية الواقعة على الفرات اكثر مناطقها انتاجاً للحبوب. اما ولاية الموصل فأن مشاركتها تظهر في تقديمها للحنطة التي تأتي من القنطرة الواقعة على الفرات اكثر مناطقها انتاجاً للحبوب. اما ولاية الموصل فأن مشاركتها تظهر في تقديمها للحنطة التي تأتي من القنطرة الواقعة على الزاب الصغير ومن السليمانية وكركوك وأربيل وهي مناطق تشتهر بجودة الحاصل لدرجة غير اعتيادية.

ترجع اول محاولة لتصدير الحنطة العراقية على ما يذكر المفوّض الوسيط الروسي العقيد تشيركوف (١) إلى عام ١٨٤٦ ففي تلك السنة ارسل

__________________

(١) تشيركوف ، المصدر السابق ، ص ١٥.

٣٠٣

التاجر لنج الذي كان قد استقر في بغداد كمية من الحنطة إلى لندن مدفوعاً بسوء المحصول في بريطانيا فحصل من هذه العملية على ربح صافٍ مقداره ٥٠% ومع ذلك فأن تصدير الحبوب من مابين النهرين إلى اوربا لم يبدأ بشكل منتظم الا بعد ان افتتحت قناة السويس ، فقد كانت الحبوب قبل ذلك ترسل إلى الهند وموانيء الخليج والبحر الاحمر فقط. لقد اصبح رخص النقل البحري عن طريق القناة التي بناها دي ليسبس القوة التي فتحت امام منتجات الزراعة العراقية الطريق إلى الاسواق الاوربية فلم تلبث الحبوب العراقية أن أمنت لنفسها سوقاً ثابتاً ودائماً للبيع هناك ، يشهد على ذلك بشكل جلي الجدول ادناه الذي يتضمن كميات الحبوب المصدرة في العشرين سنة الاخيرة (١٨٩١ - ١٩١٠) بالاطنان :

٣٠٤

المادة ١٨٩١ ١٨٩٢ ١٨٩٣ ١٨٩٤ ١٨٩٥ ١٨٩٦ ١٨٩٧ ١٨٩٨ ١٨٩٩ ١٩٠٠

الحنطة ٥٥٣٤٤ ٢٣٥٢٤ ١٣٢٢٣ ٢٣٠٦٦ ٥٦٨١٨ ٢٩٣٢٨ ١٢٣٢ ٩٧٨ ٢٢٨٠ ٦٨٤٨

الشعير ٣٨٠٦٥ ٣١٣٢٧ ٣٩١٧٨ ٣٨٩٣٠ ٥٦٦٦٣ ٣٨٧٣٤ ٢٣٠٤ ٢٧٥٥ ٣٨٩٣٦ ٨١٨٥٤

الرز المنقي وغير منقي ٣٥٩٨ ١٤٨٥٩ ٧٧٨٦ ١٢٩٤٣ ٦٣٥٥ ٦١٨ ٦٩٣ ٨٤ ٣٩٥٥ ٧٣٦٢

حبوب اخرى ٦٩٧٦ ٨٧١٠ ١١٩٢٢ ٧٨٢٥ ١٤٦٧٤ ١٠٧٤٠ ٩٩١٣ ٧٧٥٨ ١٣٦٨٤ ٢٢٧٦٨

المادة ١٩٠١ ١٩٠٢ ١٩٠٣ ١٩٠٤ ١٩٠٥ ١٩٠٦ ١٩٠٧ ١٩٠٨ ١٩٠٩ ١٩١٠

الحنطة ٥٨٤٠ ١٥٢٩ ٥٧٦٢ ١٠٧٣٧ ١٣٨١٩ ٢٤٠٠٠ ٣١٢٩٧ ٣٠١٣٦ ١٣٣٠ ٨٣٦٣

الشعير ٤٧٢٧٦ ١٥٤٤٢ ٤٩٤٩٧ ٤٢١٣٩ ٤٥٢١٢ ٣٧٣٠٠ ٧١٠١٣ ٥٢٩٩٦ ١١٠٣٨ ٢٧٦١٩

الرز المنقي وغير منقي ٣٦٤٣ ١٢٠٥ ٥٩٣٠ ٢٨٤٨ ٢٠٤٥ ١٣٨٩٨ ٢٦٤٨٨ ١٧١٢٣ ٩١٦٠ ١٦٥١٤

حبوب اخرى ١٨٩٩٩ ١٣٢٠٠ ١٧٤٨٠ ١٦٩٥٢ ٢٢٥٢٨ ٢١١٩٥ ١٤١٢٦ ٢٥٣٣٨ ١٤١٥٦ ١١٠١٧

٣٠٥

ويستحيل علينا ونحن نقارن الارقام السنوية للتصدير ان لا نستنتج بان الصادرات تسير ببطء ولكن باطراد نحو الارتفاعات على الرغم من وجود اسباب كثيرة تشكل عقبات جسمية امام تطورها. ويكاد يكون وضع الزراعة العراقية غير المرضي اهم هذه الاسباب ، فالزراعة في العراق تحتاج بسبب عدم كفاية الامطار إلى الري الاصطناعي وهو امر لا يمكن تامينه لها دون مصاريف هائلة تنفق على احياء شبكة قنوات الري القديمة ومع ان سوء المحصول يؤلف في الوقت الحاضر ، رغم كل شيء ظاهرة نادرة فان ارتفاع مناسيب المياه في دجلة والفرات يؤلف بالنسبة الى المزارعين كارثة لا تقل عن ذلك ، لان هذا الارتفاع يتحول في بعض سنوات كما حصل مثلاً في ١٨٩٦ وفي ١٩٠٨ إلى فيضانات حقيقية تدمر جزءاً كبيراً من المحصول. وكانت الحكومة في السنوات كهذه تضطر إلى منع تصدير الحبوب وهذا ما يفسر الانخفاض الشديد في تصدير الحبوب في السنوات التي تعقب الكوارث التي تصيب الزراعة المحلية.

والسبب الهم الثاني التقليل من صادرات الحبوب في العراق هو تراكم الترسبات في قاع نهر الفرات الذي يؤلف الشريان الرئيس لنقل الحبوب من منطقة الفرات الاوسط التي تشتهر بانتاجها ، ذلك أن اخفض مستوى للمياه في الفرات وفي شط الحي الذي يصب فيه يتزامن مع نهاية موسم حصاد الشعير والحنطة بحيث لا يصبحان جاهزين للنقل إلى البصرة قبل شهر تشرين الثاني. ولهذا فأن القسم الاغلب من المحصول يتكدس إلى ان يصبح الفرات صالحاً للملاحة تماماً في شباط من السنة التالية علماً بأن الحاصل يبقى ـ بسبب عدم وجود مستودعات ـ مطروحاً في العراء لا يغطى الا بحصران لا تحفظه بالطبع من التلف الذي تسببه له امطار الشتاء. وينطبق هذا الوضع ايضاً على نقل الحبوب في نهر دجلة الذي يقع اوطأ

٣٠٦

مستوى للمياه فيه في شهري آب وايلول ، ولهذا فأن نقل الحبوب إلى البصرة بواسطته لايبدأ الا في اواخر الخريف ويستمر حتى نيسان التالي.

وتعد الانتفاضات التي تقوم بها القبائل العربية المتنقلة على ضفاف الفرات ودجلة من الاسباب العريضة التي تعيق نمو تصدير الحبوب كما حصل مثلاً في ١٩٠٨ و ١٩٠٩ و ١٩١٠ عندما توقف نقل الحبوب إلى البصرة تقريباً بسبب مهاجمة الثوار للسفن النهرية. واخيراً يتحتم ان نشير إلى ظرف آخر يمكن ان ينعكس سلبياً على تصدير الحبوب اذا لم تتخذ التدابير اللازمة لمعالجته ونعني خلط الحاصل بمختلف الشوائب كالرمل وقطع الطين وما اشبه ذلك الحوض الادنى لدجلة والفرات. لقد لوحظ سوء الاستغلال هذا لاول مرة في ١٩٠٢ وأخذ يزداد منذ ذلك الوقت بحيث وصلت نسبة الشوائب في بعض دفعات الحبوب في الفترة الاخيرة إلى ٠٢٠ / ٠ حتى ان تجار الحبوب المحليين تعرضوا إلى اللوم في جدة.

ويعد الطلب المستمر على الحبوب العراقية في موانيء الخليج الفارسي والبحر الاحمر من الظروف الملائمة لزيادة تصدير الحبوب من العراق ، وتكون جدة في هذا المجال باعتبارها ميناء لمكة ولا ينتج الحبوب ، معتمدة على العراق على الدوام. والشيء نفسه يمكن ان يقال عن الهند حيث المجاعات الدائمة التي تضطرها إلى التوسع في استيراد الحبوب من البصرة ومن الظروف التي لا تقل أثراً عن ذلك في المساعدة على زيادة تصدير الحبوب توسع دائرة البلدان المستهلكة في اوربا نفسها وقد تمثل ذلك بالمانيا وبلجيكا اللتين بدأ تصدير حبوب العراق اليهما من ١٩٠٥ علماً بأن التصدير بلجيكا مباشرة بواسطة بواخر الخط الألماني قد ازداد في ١٩١٠ إلى أربعة أطنان و ٣٩ كغم من الشعير و ٩٢ طناً من الحنطة وثمانية أطنان و ٨٠٨ كغم من الرز غير المنقى.

٣٠٧

اما فيما يتعلق بالجهات التي تذهب اليها انواع الحبوب العراقية المصدرة فهي على النحو التالي : ـ يصدر الرز والدخن والبقول والذرة والحنطة والشعير إلى موانيء الخليج الفارسي والبحر الاحمر ، وتستهلك الهند في المقام الاول الرز والذرة والعدس والفول ، في حين يصدر الشعير والحنطة والرز غير المنقى إلى بريطانيا ، ويؤلف الرز غير المنقى والسمسم مواد الطلب الرئيسة في فرنسا. والرز العراقي لا يمتاز بنوعيته الجيدة فضلاً عن ان تنقيته التي تجري بدوات يدوية في العمارة وبواسطة محطتين بخاريتين في البصرة لا تتسم بالاتقان ، ولهذا فأنه يصدر إلى اوربا لغايات صناعية ولتقطير الكحول فقط. اما اصناف الحبوب الاخرى فان نوعيتها مرضية بحيث يعد بيعها في اوربا مضموناً تماماً سيما الشعير والحنطة بل ان الدخن الذي بدأ تصديره إلى اوربا في ١٩٠٢ استطاع ان يجد بسرعة طلباً متناميا عليه.

تتركز تجارة الحبوب مع موانيء الهند والخليج الفارسي والبحر الاحمر بيد الشركات التي يملكها الاهالي في بغداد والبصرة. اما تصدير الحبوب إلى اوربا فتقوم به بالدرجة الاول البيوت التجارية الاوربية التي استقرت في البصرة وفي مقدمتها البريطانية بالطبع. ويجري شراء الحبوب اما مباشرة من المستودعات الموجودة في البصرة والتي يطلق على الواحد منها اسم «علوة» أو من الزرّاع والشيوخ في اماكنهم ، وفي هذه الحالة الاخيرة يلتزم اولئك الزراع والشيوخ بايصال الحبوب على حسابهم الخاص إلى المكان الذي تسلم فيه إلى المشتري (١). اما نقل الحبوب إلى البصرة فيجري في العادة بواسطة السفن الشراعية ، وذلك بسبب انخفاض اجور

__________________

(١) مجموعة التقارير القنصلية لسنة ١٩٠٥ ، اصدار ١ ص ١١.

٣٠٨

النقل فيها وكذلك بسبب امكانية نقل الحبوب عليها دون ان تُعّبأ باكياس ، رغم ان بواخر الشركة النهرية البريطانية منها والعثمانية كانت تقوم بهذه المهمة عن طيب خاطر سيما في الحالات التي كان فيها تجار الحبوب لايترددون امام ارتفاع اجور الشحن ، لرغبتهم ، في سرعة ايصال البضاعة إلى البصرة. اما سفن المحيطات فأنها لا تنقل الحبوب إلا عندما لا تجد حمولة اخرى غيرها ويحدث ذلك في العادة في موسم الصيف الراكد ، والسبب في ذلك هو ان اجور نقل الحبوب منخفضة بالمقارنة مع الخدمات الاخرى ولذلك فأنها لا تعتبر حمولة مرغوبة. وفي ١٨٩٥ غيرت شركات البواخر البريطانية مقاييس الحمولة بالنسبة إلى الحبوب فجعلت الطن الواحد منها يساوي ١٨ هندردريتاً (١) بدلاً من عشرين هندوردويتاً كما كان في السابق وذلك لكي تعوّض عن هذا الطريق عن الخسارة التي تصيبها من نقل هذا الحاصل.

وادى اتساع تصدير الحبوب إلى ان ترتفع اسعارها المحلية بشدة في الفترة الاخيرة ، ويمكن ان نحكم على ذلك من الاحصاءات التالية : - لقد كان سعر الجملة للطن الواحد في البصرة في ١٨٩٨ هو ٦١ روبلاً و ٤٤ كوبيكا للحنطة و ٣٠ روبلاً و ٧٢ كوبيكا للشعير و ٣٩ روبلاً و ٣٦ كوبيكا للرز المنقى و ٢٥ روبلاً و ٩٢ كوبيكا للرز غير منقى و ٣٥ روبلاً و ٣٦ كوبيكا للعدس والذرة و ٨٠ روبلاً و ١٠ كوبيكات للسمسم ، وقد ارتفعت هذه الاسعار في ١٩٠٧ أي بعد ذلك بعشر سنوات فاصبحت ١١ روبلاً و ٥٢ كوبيكا للطن الواحد من الحنطة والرز المنقى والسمسم و ٨ روبلات و

__________________

(١) الهندردويت وحدة للوزن تساوي مائة باوند في الولايات المتحدة الامريكية و ١١٢ باونداً في بريطانيا. (المترجم).

٣٠٩

٦٤ كوبيكات للطن الواحد من الشعير وروبلين و ٨٨ كوبيكا للطن الواحد من الرز غير المنقى و ٢١ روبلاً و ٦٠ كوبيكا للطن الواحد من الرز غير المنقى و ٢١ روبلاً و ٦٠ كوبيكا للطن الواحد من العدس والذرة.

وقبل ان تنتقل من المنتجات الزراعية إلى بحث مواد التصدير من المنتجات الحيوانية المختلفة لابد لنا ان نضيف إلى ماذكرناه في الفصل الثالث من كتابنا هذا (١) بضعة اسطر حول تصدير الخيول من البصرة إلى الهند. لقد انخفض هذا التصدير بشدة رغم ان الضريبة التي كانت عليه ومقدارها ٤٣ روبلاً على الرأس الواحد قد الغيت في ١٩٠٢ ، وكان السبب في هذا الانخفاض هو المنافسة الشديدة التي جابهتها الخيول الاسترالية. وهكذا فقط هبط عدد الخيول المصدرة من البصرة من ٢٦٣٠ رأساً في الفترة من ١٨٩١ - ١٩٠٠ إلى ١٩٥٨ رأساً في العقد التالي أي من ١٩٠١ حتى نهاية ١٩١٠.

يعد الصوف دون شك اكثر صادرات المنتجات الحيوانية قيمة. ومع ذلك لم يصبح بيعه في الاسواق الاوربية منتظماً الا بعد افتتاح قناة السويس شأنه في ذلك شان خامات العراق الاخرى ، اما قبل فأن تصريفه يجري في الصحراء حيث يباع للعرب المنتقلين الذين كانوا يصنعون منه الخيام والعباءات والمفارش واحزمة السروج وغير ذلك من الاشياء التي يحتاجها الرُحّل. واخذت فارس تسهم بدرجة لا يستهان بها في تصدير الصوف بعد ان انتظم وصوله إلى اوربا (اثر افتتاح قناة السويس) فاخذ الصوف يرد إلى اوربا لامن اقاليم فارسي الغربية فقط بل من منطقة الكارون ايضاً. غير ان تصدير صوف الكارون عن طريق البصرة توقف بعد ان فتح نهر الكارون

__________________

(١) انظر الجزء الاول ص ١٦٨ - ١٧١. (المترجم)

٣١٠

للملاحة الاجنبية في ١٨٨٨ وبعد تأسيس البيوت التجارية البريطانية في الاحواز وشوشتر والمحمرة. اما بشأن الصوف القادم من غرب فارس فأن تصديره عن طريق البصرة تقلص بشكل كبير ايضاً أبتداً من ١٩٠٠ عندما الغيت ال «راهداري» أي ضريبة الطرق الداخلية لان ملتزمي الصوف اصبحوا بسبب ذلك يفضلون ارساله إلى مراكز السجاد الايرانية مثل سلطان آباد بدلاً من تصديره إلى اميركا. وهذا هو في الواقع السر الكامن وراء الظاهرة التي تبدو غير مفهومة لاول وهلة ونعني ظاهرة هبوط كميات الصوف المصدرة عن طريق البصرة بحيث انخفضت هذه الكمية من معدل سنوي مقداره ٣٨٥٣٠ بالة في العقد الاخير من القرن الماضي إلى ٣١٦٠٠ بالة في المعدل في العقد الاول من القرن الحالي. ولكي نوضح كميات الصوف العراقي المصدر وحده نورد أدناه احصائيات للسنوات ١٩٠١ - ١٩١٠ أي للفترة التي هبط فيها تصدير الصوف من فارس إلى حده الادنى.

السنة ١٩٠١ ١٩٠٢ ١٩٣٠ ١٩٠٤ ١٩٠٥

بالة ٣١٧٩٥ ٢٨٩٨٩ ٤٣٠٤٨ ٣٠٤١٧ ٣٨٦٥١

السنة ١٩٠٦ ١٩٠٧ ١٩٠٨ ١٩٠٩ ١٩١٠

بالة ٣٩٧٢٦ ٢٨٠٥٦ ١٧٦٢٤ ٤١١٤٦ ٣٦٢٢٣

ان مصدر الصوف العراقي الذي يرسل إلى الاسواق الخارجية هو ولايات العراق الثلاثة : البصرة وبغداد والموصل علماً أن الاثنتين الاولى والثانية تصدر ان نوعاً من الصوف يعرف في التجار باسم «العربي» بينما تصدر الموصل بالاساس النوع الذي يطلق عليه اسم «العواسي». اما

٣١١

الصوف من النوع «الكردي» فأنه يأتي كما يظهر من اسمه من كردستان سيما مناطق كركوك والسليمانية كما انه يجلب ايضاً من منطقة الحدود العثمانية ـ الفارسية. وبما ان نوعي «العواسي» و «الكردي» يأتيان من المنطقة الواقعة إلى الشمال من بغداد ، فأن القسم الاغلب من الصوف ينقل إلى تلك المدينة لغرض كبسه في المكابس الهدروليكية واليدوية القائمة فيها ولهذا اصبحت اهمية بغداد التي تمر عبرها ثلاثة ارباع كمية الصوف المصدر تفوق اهمية البصرة بالنسبة لهذه المادة من مواد التصدير.

كان الصوف المصدر يتوزع حتى الفترة الاخيرة بين لندن التي تشتري نصفه وفرنسا وامريكا اللتين تقتسمان فيما بينهما النصف الاخر. وترسل إلى امريكا الانواع الدنيا من الصوف أي «العواسي» و «الكردي» فقط اذ كانت تفرض عليها ضريبة مقدارها ٤ سنتات عن كل باوند انجليزي وقد زيدت الضريبة في ١٩٠٣ فاصبحت سبعة سنتات عن كل باوند إنجليزي. اما النوع الجيد أي «العربي» فقد فرضت عليه ابتداءً من ١٨٩٧ ضريبة عالية مقدارها ١١ سنتاً عن كل باوند انجليزي زيدت في ١٩٠٣ إلى ٢١ سنتاً ، وابتداءً من ١٩٠٥ زاد عدد الاقطار التي تستهلك صوف مابين النهرين ، فبالاضافة إلى لندن التي اشترت نصف كمية الصوف المصدرة في تلك السنة توزع النفص الاخر بين مارسيليا وبريمن وبوسطن وفيلدليفيا وهامبورغ ويوكوهاما التي ارسلت اليها للمرة الاولى ٤٠٠ بالة ازدادت في السنة الثالية أي في ١٩٠٦ إلى ٨١٤ بالة. وفي الوقت نفسه اصبحت المانيا التي كانت حتى هذا الوقت تحصل على صوف مابين النهرين عن طريق لندن ، تشترك مباشرة في تصديره من العراق وذلك بفضل خط السفن البخارية المباشر الذي اقامته في ١٩٠٦ بين هامبورغ والبصرة. وقد ازدادت اسعار الصوف العراقية المحلية بدرجة ملحوظة

٣١٢

بسبب زيادة الطلب عليه في الخارج فاذا ما كان سعر المن ومقداره اثنتا عشر حقة أي سبعة وثلاثون باونداً روسياً ونصف الباوند من الصوف من نوع «العواسي» هو ٨ روبلات و ٧٠ كوبيكا ، ومن النوع «الكردي» هو ٨ روبلات و ٢٠ كوبيكا في بداية القرن الحالي ، فان هذا السعر قد ارتفع ١٩١٠ فاصبح بالنسبة للنوع الاول ٩ روبلات و ٨٤ كوبيكا وللنوع الثاني ٩ روبلات و ٣٦ كوبيكا. اما النوع «العربي» فأنه وحده الذي ظلت اسعاره دون تغيير اذ ان المن الواحد منه يباع : ٧ روبلات و ٧٠ كوبيكا.

اما شعر الماعز المعروف في العراق باسم «المرعز» فيجلب من كردستان حيث يتم الحصول عليه من الماعز من نوع الانغورا. وتحتكر بضعة شركات مسيحية في بغداد التجارة به وهي تجارة مربحة لان الطلب على الشعر مستمر في لندن التي يجري تصديره اليها باجمعه تقريباً. وقد ازدادت كمية الشعر المصدر في القرن الاخير من القرن التاسع عشر إلى ٢٤٤٠ بالة للفترة من ١٩٠١ إلى ١٩١٠ علماً بأن متوسط سعر شعر الماعز في بغداد هو ١٦ كوبيكا للباوند الواحد من الشعر الاسود و ١٣ كوبيكا للباوند الواحد من الشعر الاصفر.

والمادة المهمة التالية من مواد التصدير هي الجلود المدبوغة التي تحتل بغداد ايضاً باعتبارها مركزاً للدباغة في العراق المحل الاوّل في تصديرها ، حتى ان الجلود غير المدبوغة تنقل اليها من البصرة نظرا لطلب الكبير على الجلود المدبوغة في اوربا. ولهذا فأن ولاية البصرة لا تسهم الا بثلاثة اعشار الكمية المصدرة. فهي تقدم الجلود غير المدبوغة فقط في حين تقدم بغداد سبعة اعشار الكمية المصدرة من الجلود المدبوغة وغير المدبوغة ، علماً بأن عشر الكمية هو عبارة عن ترانسيت من فارس التي تصدر جلود الماعز بشكلها غير المدبوغ بالاساس إلى جانب كمية اقل من

٣١٣

جلد الماعز المدبوغ.

وتنقسم الجلود المدبوغة المصدرة إلى الخارج من حيث النوعية إلى ثلاثة انواع هي : ـ

١ ـ فراء الحملان ويصدر بالدرجة الاولى إلى روسيا.

٢ ـ جلود الغنام والماعز والابقار بشكلها المدبوغ وغير المدبوغ وتصدر إلى اوربا.

٣ ـ جلود الجاموس المدبوغة وغير المدبوغة وتصدر إلى فارس.

وتتركز تجارة فراء الحملان (١) بالدرجة الاولى في ثلاثة اماكن من ولاية بغداد وهي بلدة الكاظمية التي تبعد عن بغداد بمسافة سبعة فرستات وكربلاء والنجف حيث يتجمع في هذه المدن في شهر كانون الثاني من كل عام مشترو الجملة مع بضائعهم في ختام جولة يطوفون خلالها مضارب البدو من العرب ، وتستمر عملية بيعهم لجلود الحملان الصغار للتجار المصدرين حتى شهر نيسان. وهؤلاء المصدرون هم اما الشركات المحلية وهي فارسية بالاس أو من تجارنا المسلمين من منطقة ماورا القفقاس الذين كثيراً ما يسافرون بانفسهم إلى العراق أو ـ وهذا هو الاغلب ـ يرسلون إلى هناك وكلاء لهم يثقون بهم. وتختلف نوعية وكلفة فراء الحملان العراقية اختلافاً كبيراً ، ففي تجارة الجملة تعد فراء الحملان الكويتية الأفضل وتكون اغلى من غيرها اذ يتراوح ما بين ٥٨ و ١٠٠ روبل لكل مائة منها وتأتي بعدها من حيث النوعية فراء الحملان القادمة من منطقة السماوة وبعدها فراء النجف وكربلاء والحلة ثم الفراء القادمة من سنجق العمارة ومنطقة الدليم واخيراً تأتي فراء بغداد والفراء القادمة من

__________________

(١) مجموعة التقارير القنصلية لسنة ١٩٠٤ ، اصدر ١ ص ١١ مابعدها.

٣١٤

منطقة الحدود العثمانية - الفارسية ، ويتراوح متوسط سعر هذه الانواع مابين ٣٠ و ٦٠ روبلاً لكل حسب النوعية.

على اية حال يختلف فراء الحملان العراقي في نوعيته لدرجة ملحوظة عن فراء بخارى والقرم وكذلك عن الفراء الفارسي القادم من شيراز وقم ولكن يتفوق في جودته على فراء شوشتر ودزفول. وتتذبذب صادرات فراء الحملان كثيراً من سنة لاخرى تبعاً لملاءمة الظروف المناخية أو عدم ملاءمتها لمربي الماشية في السنة العنية فعندما يزيد العشب في المراعي يجري الاحتفاظ بالحملان لتربيتها فتتقلص كمية الفراء الواردة إلى السوق ، اما في حالة احتباس المطر أو حلول البرد وما يؤدي اليه من انعدام الشعب فيذبح القسم الاغلب من الحملان المولودة حديثاً كما حصل مثلاً في عام ١٨٩٨ عندما ورد إلى السوق ما يقرب من مليون جلد ، وقد تكرر ذلك ولو بدرجة اقل في ١٩٠٥. والى جانب روسيا هناك طلب على فراء الحملان العراقي في المانيا وفرنسا واسطنبول وفي الموانيء السورية. غير ان الكمية التي تذهب إلى هناك اقل مما يذهب إلى السوق الموسمي في نيزجورد. ويمكن ان نحكم على مقدار مايباع في هذه الاخيرة من الارقام التالية التي تبين الكميات التي صدرت اليها في السنوات الخمس من ١٨٩٩ إلى ١٩٠٣ (١).

في ١٨٩٩

٢٨٨٧٥٠

جلداً

في ١٩٠٠

١٧٠٨٠٠

جلد

في ١٩٠١

٢٠٠٢٠٠

جلد

في ١٩٠٢

٢٥٦٩٠٠

جلد

__________________

(١) مجموعة تقارير القنصلية لسنة ١٩٠٤ ، اصدار ١ ص ١٤.

٣١٥

في ١٩٠٣

٣٢١٦٥٠

جلداً

وتنقل هذه الكميات من بغداد إلى رشت عن طريق خانقين وكرمانشاه وهمدان وقزوين بواسطة القوافل التي تبدأ بالمسير اعتباراً من شهر نيسان وتستمر حتى نهاية حزيران ، علماً بأن كلفة نقل الحمل الواحد أي حزمتين من فراء الحملان تبلغ في فارس وحدها ٣٥ روبلاً و ٢٠ كوبيكا في المتوسط.

اما تصدير الجلود والجلود المدبوغة إلى اوربا الغربية فقد كان في العشرين سنة الاخيرة (من ١٨٩١ إلى ١٩١٠) على النحو التالي حسب ما جاء في التقارير التجارية للقناصل البريطانية في البصرة : -

واذا استخرجنا من هذه الارقام المعدل لكل عشر سنوات على حدة سيظهر لنا ان تصدير الجلود والجلود المدبوغة قد ازداد من ٥٣٦٥ بالة في العقد الاخير من القرن التاسع عشر إلى ٩٠٢٠ بالة في العقد الاول من القرن العشرين ، أي انه تضاعف تقريباً ، وقد ارتفع تبعاً لذلك سعر الانواع التي يكثر عليها الطلب في اوربا وتعني جلود الابقار بشكلها غير المدبوغ التي تصدر بالدرجة الاولى إلى فرنسا.

٣١٦

أ السنة ١٨٩١ ١٨٩٢ ١٨٩٣ ١٨٩٤ ١٨٩٥ ١٨٩٦ ١٨٩٧ ١٨٩٨ ١٨٩٩ ١٩٠٠

بالة ٣١٢٨ ٢٢٠٦ ١٨٦٨ ٢٠٤٥ ٢٧٥١ ٥١٧٦٩ ٥٣٨٤ ٩١٠٢ ٩٢٣٢ ١١١٥٠

ب السنة ١٩٠١ ١٩٠٢ ١٩٠٣ ١٩٠٤ ١٩٠٥ ١٩٠٦ ١٩٠٧ ١٩٠٨ ١٩٠٩ ١٩١٠

بالة ٤٥٣٤ ٩٥٢١ ٩٥٥٧ ١٠٤٤٢ ١١٩٠٧ ١٢٠٤٨ ٨٤٧١ ٥٢٤٨ ٩٤٢٩ ٩٠٤٣

٣١٧

والمانيا حيث ارتفع سعر المن الذي يحوي ستّ حقق أي ١٨ باوندا روسياً في السنوات العشر الاخيرة من ٣ روبلات و ٦٠ كوبيكا إلى ٤ روبلات و ٤٨ كوبيكا اما جلود الماعز غير المدبوغة التي كانت تستهلكها مرسيليا ولندن وهامبورغ فقد ارتفع سعر الجلود الكبير منها في ١٩١٠ فاصبح روبلاً واحداً وستة كوبيكات بدلاً من السعر السابق ومقداره ٨٠ كوبيكا. هذا في الوقت الذي وصل فيه جلد الحمل الذي يتراوح عمره ما بين نصف شهر أربعة اشهر إلى روبل واحد وعشرين كوبيكا للجلد الواحد بدلاً من السعر السابق ومقداره ٧٠ كوبيكا وكانت جلود الحملان هذه تصدر الى النمسا والمانيا. كذلك ارتفعت اسعار جلد الماعز المدبوغ الذي يسمي محلياً «السختيان» والذي يصدر بالدرجة الأولى إلى بريطانيا ومنها إلى النمسا والمانيا وكذلك جلد الغنم المدبوغ الذي يسمى «ميش» والذي يصدر إلى تلك الاقطار ايضاً ، غير ان هذا الارتفاع لم يكن كبيراً فقد ارتفع سعر الحقة الواحدة ومقدارها ثلاثة باوندات روسية من روبل و ٢٠ كوبيكا إلى روبل و ٤٠ كوبيكا بالنسبة إلى الاول في حين ارتفع سعر الجلد من جلود الغنم المدبوغ من ٤٠ كوبيكا إلى ٤٨ كوبيكا.

بقي علينا لكي ننتهي من الحديث عن تصدير الجلود والجلود المدبوغة من العراق الجنوبي ان نذكر بان جلود الجاموس لاتجد طلباً عليها في اوربا وذلك لعدم ملاءمتها لصنع نعال الاحذية لانها لا تتحمل الرطوبة ولهذا فأن كل ما يصدر منها مقداره ٧٠٠٠ جلد الجاموسة الكبيرة وبين روبلين و ٨ روبلات لجلد الجاموسة الصغيرة.

وتشمل صادرات العراق بالاضافة إلى المنتجات الزراعية والحيوانية التي ذكرناها على عرق السوس والصمغ والعفص وهي مواد تنتجها تربة ما بين النهرين ولاتكون ثمرة لجهد الانسان الزراعي وانما يجري الحصول

٣١٨

عليها من النباتات التي تنمو هناك بشكل طبيعي.

ينمو نبات Glycyrrhiza glabra أي جذر عرق السوس بشكل طبيعي وبكثرة في جميع انحاء العراق الجنوبي ولم يكن يستغل في هذه المنطقة باي شكل من اشكال الاستغلال إلى ان قامت شركة Zerlendi et Essayie (١) وهي شركة نصفها اوربي ونصفها محلي استقرت في البصرة بتصدير هذه الجذور في ثمانينيات القرن الماضي إلى امريكا حيث كانوا هناك يخلطونه بالتبغ. وقد حصلت هذه الشركة على ارباح كبيرة من تصدير هذه المادة ، نظراً لقلة التكاليف التي تدفعها إلى البدو الذين يجمعون هذه المادة وبسبب رخض النقل النهري في دجلة والفرات. غير ان فائدة هذه التجارة لم تخف على الاهالي فاخذوا يمارسون تصدير عرق السوس ويتوسعون في ذلك بالتدريج فادى ذلك إلى تنافس حاد في ما بينهم ومن ثم إلى هبوط مردود هذه التجارة. والواقع ان الحصول على هذه المادة اصبح يكلف اكثر من السابق فقد تحتم نقله من مناطق ابعد بسبب نفاده تماماً من ضفاف الانهار كما ان المنافسة ادت إلى ارتفاع الاجور وان المصدرين كانوا مضطرين لغرض تأمين اليد العاملة إلى ان يدفعوا للبدو مقدمة على الحساب عالية نسبياً. وفي الوقت نفسه كانت نوعية عرق السوق تسوء بالتدريج لان العمال بعد اصبحوا يتسلمون اجورهم مقدماً أخذوا يصمون آذانهم عن صوت ضمائرهم اكثر فاكثر عند جلب الجذور التي غالباً ما كان يظهر انها لا تصلح الا لان تكون حطباً. وقد ادى تصدير عرق السوس الرديء إلى امريكا إلى هبوط اسعاره هناك بشكل حاد وقد ظهر ذلك واضحاً بشكل خاص في ١٩٠٠ عندما اعتبر ٠٣٠ / ٠ من الوارد منه إلى

__________________

(١) زرلندي وعيسوي. (المترجم).

٣١٩

هناك غير صالح للاستعمال ولم يستطع المصدرون العراقيون الا بالكاد تغطية مصاريف جمع عرق السوس ونقله إلى الولايات المتحدة. وكانت النتيجة ان ورود عرق السوس حدا بالشركات الامريكية التي يهمها الامر ان ترسل إلى العراق وكيلاً خاصاً لها. وقد زاد من ضرورة هذا الاجراء ان البيت التجاري (Hotzand C) (١) في البصرة الذي كان يعمل في تصدير عرق السوس بكميات كبيرة كان قد اغلق في سنة ١٩٠٣ بالذات. وقد استطاع المندوب الامريكي رغم الصعوبات الكبيرة التي واجهته ان يجعل التصدير يستقيم مرة اخرى ويمكن الحكم على ذلك من الجدول ادناه الذي يبين الكميات المصدرة من عرق السوس في السنوات من ١٨٩١ إلى ١٩١٠ :

__________________

(١) هونز وشركاؤه (المترجم).

٣٢٠