مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-04-1
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٨٨
ج : إنّ لمولاتنا الزهراء البتول عليهاالسلام أكثر من خطبة ، والظاهر أنّ مرادك هو خطبتها في مسجد النبيّ صلىاللهعليهوآله بعد منع فدك عنها ، وبعد ما جرى عليها ، والتي تقول فيها : « وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي ، ولا رحم بيننا ، أفخصّكم الله بآية أخرج أبي صلىاللهعليهوآله منها؟ أم هل تقولون إنّ أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟ ... ».
فقد ذكرت هذه الخطبة الشريفة ، أو بعضاً منها ، عدّة مصادر من أهل السنّة ، نذكر لك بعضها : السقيفة للجوهري ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ، جواهر المطالب لابن الدمشقي الشافعي ، بلاغات النساء لابن طيفور ، تاريخ اليعقوبي (١).
( سارة ـ الجزائر ـ سنية )
ما هو لوحها :
س : يشرّفني أن أتواصل مع حضرتكم ، في البداية لي ثقة كبيرة في الشيعة وفي صدقهم ، وأرجو أن تجيبوا عليّ بكُلّ صدق ، لقد أعطاني أحد أقربائي كتاباً يتحدّث عن عقائد الشيعة ، والذي كان يحمل عقائد ليست في المستوى المطلوب ، لهذا أرجو أن تردّوا على سؤالي : ما هو لوح فاطمة؟
ج : لوح فاطمة عليهاالسلام لوح شاهده جابر بن عبد الله الأنصاري عند دخوله على فاطمة لتهنأتها بولادة ابنها الحسن عليهالسلام ، فيه اسم النبيّ ووالدته ، وأسماء الأئمّة الاثني عشر عليهمالسلام الذين نعتقد بإمامتهم ، وأسماء أمّهاتهم ، قد أهداه الله إلى رسوله صلىاللهعليهوآله فأهداه إلى فاطمة عليهالسلام (٢).
____________
١ ـ السقيفة : ١٤٤ ، شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٥١ ، جواهر المطالب ١ / ١٦٠ ، بلاغات النساء : ١٤ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٢٧.
٢ ـ أُنظر : الكافي ١ / ٨.
( سيّد جعفر سيّد محمّد ـ البحرين ـ .... )
العوامل التي أغضبتها :
س : أُريد معرفة الأسباب التي دفعت البعض إلى إغضاب فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وتعريضها للظلم من خلال ذكر ثلاثة أدلّة تاريخية تتعلّق بالأحداث التي أعقبت وفاة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، ثمّ ما هو السبب الذي دعا الإمام علي عليهالسلام للغضّ عن حقّه وسكوته عمّا كان يجري آنذاك؟ وشاكرين لكم حسن الإجابة.
ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل ، هو مردّد بين احتمالين هما :
١ ـ أن يكون المقصود لماذا غضبت الزهراء عليهاالسلام؟ أو ما هي العوامل التي جعلت الزهراء عليهاالسلام تغضب؟
٢ ـ أن يكون المقصود ما هي الأسباب التي جعلت البعض يغضب الزهراء عليهاالسلام؟ فإن كان المقصود هو الأوّل ، فأسباب غضب الزهراء عليهاالسلام واضحة ، فإنّ مخالفة وصية النبيّ صلىاللهعليهوآله بل وصية الله سبحانه في تصدّي أمير المؤمنين عليهالسلام للخلافة من بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله هو الذي أثار غضبها ، وكيف لا تغضب للحقّ وتسكت عن تنفيذ وصية الله سبحانه ، والنبيّ صلىاللهعليهوآله؟! ثمّ لماذا يُجبر أمير المؤمنين عليهالسلام على البيعة للبعض ، ويُسحب إلى المسجد؟! ولماذا أيضاً غصب فدك ظلماً وعدواناً؟!
إنّ هذه بعض العوامل التي جعلت الزهراء عليهاالسلام تغضب ـ هذا إذا كان المقصود هو الأوّل.
وأمّا إذا كان المقصود هو الثاني ، فلعلّ الجواب أوضح ، إذ هم أرادوا الخلافة والمنصب لأنفسهم لا لغيرهم ، وهذا لا يمكن أن يتحقّق لهم إلاّ بمخالفة وصية النبيّ صلىاللهعليهوآله في حقّ أمير المؤمنين عليهالسلام ، وإلاّ بغصب فدك ، وإلاّ بسحب أمير المؤمنين عليهالسلام إلى المسجد وإجباره على البيعة ـ هذا بالنسبة إلى السؤال الأوّل.
وأمّا السؤال الثاني ، فالذي دعا أمير المؤمنين عليهالسلام إلى أن يسكت أمران :
١ ـ قلّة الناصر.
٢ ـ إنّ الإسلام حديث الوجود والولادة ، فلو وقف الإمام عليهالسلام وحارب كان ذلك تهديداً جدّياً له ، فخوفاً على الوليد الجديد سكت عليهالسلام عن حقّه.
( .... السعودية ـ ٣٠ سنة ـ خرّيج ثانوية )
الهجوم على دارها بعد خطبتها :
س : سؤالي حول الأحداث التي وقعت بعد وفاه الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، وخصوصاً المتعلّق منها ببضعته الزهراء البتول عليهاالسلام ، حيث يصعب ترتيب الأحداث ترتيباً متسلسلاً ، فمثلاً من حيث النظرة الأوّلية يصعب معرفة هل كان حرق الدار وعصر البتول وإسقاط الجنين كان قبل الخطبة الفدكية أم بعدها؟
وهل هناك تعرّض آخر لها عليهاالسلام من قبل ذلك الملعون بعد أخذها ورقة بفدك من صاحبه؟ ومتى كانت بيعة أمير المؤمنين عليهالسلام للقوم إن وقعت؟ وما هو وجه الارتباط بين البيعة ووفاة الزهراء؟ فهل يمكن أن ترشدونا في هذا المجال؟ خدمة للزهراء وأبيها وبعلها وبنيها.
ج : من خلال متابعة الأحداث التي جرت على الزهراء عليهاالسلام يتبيّن أنّ حرق الدار ، وإسقاط الجنين كان بعد الخطبة الفدكية ، وذلك لأنّ الزهراء عليهاالسلام مرضت بعد تلك الحادثة الأليمة ، ولازمت الفراش ، هذا بالإضافة إلى أنّها رفضت التحدّث مع أبي بكر وعمر بعد تلك الحادثة ، ورفضت أوّلاً دخول أبي بكر وعمر لعيادتها والحديث معهما.
والروايات تذكر أنّها تعرّضت للأذى بعد تمزيق الصحيفة ، بالإضافة إلى الأذى الذي حصل عند الباب.
وهناك اختلاف في بيعة الإمام عليهالسلام ، فقسم من الروايات تذكر أنّ البيعة حصلت بعد الهجوم على الدار ، وأخذهم لعلي عليهالسلام كرهاً إلى البيعة ، وحصلت
بمسح يده وهي مضمومة على كفّ أبي بكر ، واكتفى القوم بذلك ، وقسم آخر من الروايات تقول : إنّ البيعة لم تحصل إلاّ بعد وفاة الزهراء عليهاالسلام.
( عبد الله ـ الكويت ـ ٢١ سنة ـ طالب جامعة )
بكاؤها على أبيها :
س : ما صحّة هذا الكلام حول الحزن الهادئ؟ وهل يمكنكم إيراد الروايات التي تقول إنّها كانت تبكي على أبيها؟ وهل بكائها على أبيها منقصة لها؟
الحزن الرسالي : إنّنا نسمع الكثير من الناس الذين حاصروا الزهراء عليهاالسلام في دائرة الحزن إلى حدّ الجزع ، يقولون : إنّها كانت تبكي في الليل والنهار ، وكان أهل المدينة يضجّون من بكائها حتّى قالوا لعلي : إمّا أن تبكي أباها ليلاً أو نهاراً!! أيّ كلام هو هذا الكلام؟!
إنّ الزهراء عليهاالسلام أعظم وأعظم من ذلك ، ولاسيّما أنّنا نقرأ في حديث عن الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام في تفسير الآية الكريمة : ( وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ) (١) ، قال : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لفاطمة : إذا أنا متّ فلا تخمشي عليّ وجهاً ، ولا ترخي عليّ شعراً ، ولا تنادي بالويل ، ولا تقيمن عليّ نائحة » ، قال : ثمّ قال : « هذا هو المعروف » (٢).
كان حزنها حزناً رسالياً ، كانت تذهب إلى قبر رسول الله وقبور الشهداء ولا تزيد عن القول : « ها هنا كان رسول الله » ، لتذكّر الناس كي لا ينسوا رسول الله في مسجده ، وفي مواقعه التي كان يتجوّل فيها ، وكانت تأخذ الحسن والحسين إلى قبر جدّهما وتحدّثهما عن حركة أبيها هنا وهناك.
كان حزنها حزناً رسالياً هادئاً منفتحاً على الرسالة في تذكّرها لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، لأنّ التذكر لرسول الله صلىاللهعليهوآله كان يحمل الانفتاح على الإسلام
____________
١ ـ الممتحنة : ١٢.
٢ ـ وسائل الشيعة ٣ / ٢٧٢.
كُلّه ، وفي كتاب الكافي يقول بعض الرواة عن أمير المؤمنين عليهالسلام وهو يعظ الناس : « مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم » ، ويستشهد الإمام علي عليهالسلام في هذا الخطّ بالزهراء عليهاالسلام فقال : « فإنّ فاطمة لمّا قُبض أبوها صلىاللهعليهوآله أسعدتها بنات هاشم ـ على طريقة النساء عند الموت ـ فقالت : اتركن التعداد ـ أي لا تعددن الآلام والأحزان ـ وعليكن بالدعاء » (١).
هكذا كانت الزهراء عليهاالسلام تفهم قضية الاحتفال بمناسبة الموت ، حتّى لو كان الميت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، لذلك فإنّ هؤلاء الذين يتحدّثون بهذه الطريقة عن الزهراء عليهاالسلام في جزعها يسيئون إليها ، باعتبار وصية رسول الله صلىاللهعليهوآله ووعي الزهراء وعصمتها ، فالزهراء لم تكن في موقع الإمامة ، ولكنّها كانت في موقع العصمة ، لأنّها أوّلاً كانت من أهل هذا البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وهذا دليل عصمة علي والحسن والحسين وفاطمة.
وثانياً : لأنّها كانت سيّدة نساء أهل الجنّة ، ولا يمكن إلاّ أن تكون معصومة.
وثالثاً : لأنّنا لو درسنا كُلّ حياة الزهراء لرأيناها تمثّل العصمة كُلّها ، ولهذا لم تخطئ في حياتها لا في قول ولا في فعل ، كانت لا تقول إلاّ حقّاً ، ولا تتصرّف إلاّ بالحقّ ، سواء مع الذين يلتقون معها أو مع الذين لا يلتقون معها.
وكانت قمّة احتجاجها على الواقع المنحرف أنّها قالت لعلي عليهالسلام : « ادفني ليلاً » ، لا تدع هؤلاء يحضرون جنازتي ، ودُفنت ليلاً ، واختلف الناس في موضع قبرها ، وهناك أحاديث عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام أنّها دُفنت في بيتها ، وعندما وُسّع المسجد دخل بيتها وقبرها في المسجد ، ولعل الحديث : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » (٢) ، يشير إلى الزهراء عليهاالسلام ، وهناك رواية تقول إنّها دُفنت في البقيع.
الزهراء عليهاالسلام الطاهرة ، الصدّيقة ، المعصومة ، التي كانت تمثّل التجسيد الحيّ لكُلّ القيم الروحية والإنسانية ، كانت قوية في مواقع القوّة للدفاع عن
____________
١ ـ الكافي ٣ / ٢١٧.
٢ ـ من لا يحضره الفقيه ٢ / ٥٦٨.
الحقّ ، وكانت عابدة ترتفع صلواتها إلى الله ، ومعلّمة تعطي العلم للنساء ، وكانت تعيش مسؤوليتها في البيت والمجتمع مع أبيها وزوجها ، فسلام الله عليها حين وُلدت ، وحين انتقلت إلى رحاب ربّها ، وعندما تُبعث حية.
علينا أنّ نجعل منها القدوة ـ رجالاً ونساءً ـ لأنّها من خير من يُقتدى به ، كانت حبيبة رسول الله وتلميذته ورفيقته ، وقد قال أمير الشعراء أحمد شوقي وهو يتحدّث عن الزهراء عليهاالسلام :
ما تمنّى غيرها نسلاً ومن |
|
يلد الزهراء يزهد في سواها |
ج : لقد وردت روايات صحيحة تخبرنا عن بكاء سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليهاالسلام على أبيها رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد وفاته ، ويستفاد أيضاً من هذه الروايات شدّة تأثّرها وحزنها لفراق أبيها صلىاللهعليهوآله ، وكذلك للأحداث المؤلمة التي جرت بعد وفاته مباشرة.
ومن ذلك ما رواه الشيخ المفيد قدسسره بسنده عن عبد الله بن محمّد بن سليمان الهاشمي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن زينب بنت علي بن أبي طالب عليهمالسلام قالت : « لمّا اجتمع رأي أبي بكر على منع فاطمة عليهاالسلام فدك والعوالي ، وآيست من إجابته لها عدلت إلى قبر أبيها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فألقت نفسها عليه ، وشكت إليه ما فعله القوم بها ، وبكت حتّى بلّت تربته بدموعها وندبته ، ثمّ قالت في آخر ندبتها :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة |
|
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب |
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها |
|
وأختل قومك فأشهدهم فقد نكبوا |
إلى قولها :
فقد لقينا الذي لم يلقه أحد |
|
من البرية لا عجم ولا عرب |
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت |
|
لنا العيون بتهمال له سكب » (١) |
وكذلك روى الشيخ القمّي قدسسره بسند صحيح عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال : « لمّا بويع لأبي بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك فأخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله منها ، فجاءت فاطمة عليهاالسلام إلى أبي بكر ... فخرجت فاطمة عليهاالسلام من عندهما باكية حزينة ... ودخلت فاطمة إلى المسجد ، وطافت بقبر أبيها عليهالسلام وهي تبكي » (٢) ، ثمّ أنشدت أبياتاً مقاربة لما أورده الشيخ المفيد.
وروى الشيخ الكليني قدسسره بسندين صحيحين عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سمعته يقول : « عاشت فاطمة عليهاالسلام بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً لم تر كاشرة ولا ضاحكة ، تأتي قبور الشهداء في كُلّ جمعة مرّتين : الاثنين والخميس ، فتقول : هاهنا كان رسول الله صلىاللهعليهوآله ، هاهنا كان المشركون » (٣).
والكشر كما نعرف هو بدو الأسنان عند التبسّم ، ومن هنا نعرف أيّ حزن وألم عاشته الزهراء عليهاالسلام في تلك الأيّام بعد وفاة أبيها رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وفي الرواية الصحيحة الأُولى عن الشيخ المفيد ورد قولها عليهاالسلام في أبيات الشعر : سوف نبكيك ما عشنا وما بقيت.
ومن المعلوم أنّ الزهراء عليهاالسلام عاشت على أكثر الروايات ستة أشهر بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فإذا عددنا المواقف التي جاء فيها ذكر لبكاء الزهراء من يوم وفاته صلىاللهعليهوآله ، وأخذ فدك والهجوم على بيتها وخطبها في المسجد ، والدوران على بيوت الأنصار وغيرها ، وأخذنا نسبة بينها وبين أيّامها القلائل التي عاشت فيها بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، يظهر لنا أنّ القول بكثرة بكائها بعد أبيها صلىاللهعليهوآله لا يخرج عن الصواب.
____________
١ ـ الأمالي للشيخ المفيد : ٤٠.
٢ ـ تفسير القمّي ٢ / ١٥٥.
٣ ـ الكافي ٣ / ٢٢٨.
وأنّ الروايات المصرّحة بذلك الواردة عن طريق أئمّة أهل البيت عليهمالسلام يمكن الاعتماد عليها والاطمئنان بها ، وإن لم تكن ترقى إلى درجة الصحّة ، ولذا جعلها علمائنا مورداً للقبول على أنّا لا نتعامل مع الروايات التاريخية كما نتعامل مع روايات الأحكام ، فلاحظ.
ولا يتنافى هذا البكاء والحزن المتواصل من سيّدة النساء عليهاالسلام مع الشرع ، كما يريد البعض أن يوحي بذلك ، فقد ذكر القرآن الكريم شدّة تأثّر يعقوب عليهالسلام لفراق ابنه يوسف عليهالسلام الذي كان يعلم بعدم موته ، ولكنّه يجهل مكانه ، قال تعالى : ( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) (١).
وقد ذكر المفسّرون أنّه أُصيب بالعمى نتيجة هذا الحزن وشدّة البكاء المتواصل ، وعن الإمام الصادق عليهالسلام قال : « بكى علي بن الحسين على أبيه حسين بن علي عشرين سنة ، أو أربعين سنة ، وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى على الحسين ، حتّى قال له مولى له : جعلت فداك يا بن رسول الله إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين ، قال عليهالسلام : ( إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) » (٢).
وروى ابن قولويه قدسسره : إنّه لما كثر بكاؤه عليهالسلام قال له مولاه : أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال : « ويحك والله شكى يعقوب عليهالسلام إلى ربّه في أقل ممّا رأيت حتى قال : ( يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ) ، إنّه فقد ابنا واحداً ، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي » (٣).
فلماذا لم يكن حزن الإمام السجّاد عليهالسلام رسالياً كما يسمّيه هذا المدّعي؟ ولماذا لا يتنافى هذا البكاء مع مسؤوليات الإمام عليهالسلام؟ ويعقوب النبيّ عليهالسلام ، ولماذا لا يكتب في حزنهما مثلما كتب هنا!؟
____________
١ ـ يوسف : ٨٤.
٢ ـ كامل الزيارات : ٢١٣.
٣ ـ نفس المصدر السابق.
وقد ورد عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه وقف على قبر رسول الله صلىاللهعليهوآله ساعة دفنه فقال : « إنّ الصبر لجميل إلاّ عنك ، وأنّ الجزع لقبيح إلاّ عليك » (١).
وعليه ، فإنّ بكاء الزهراء عليهاالسلام على أبيها رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ وفي الوقت الذي تزامنت فيه تلك الأحداث الجسام من غصب الخلافة ، وغصب الإرث ، وكشف البيت الطاهر ، والاستخفاف بحرمة الدين وأهله ـ كان بكاءً على الرسالة ، والدين القويم ، والحقوق المضيّعة ، بل هو بكاء على الملايين من المسلمين الذين سيكونون ضحايا هذه المظالم ، وتبعات هذه الأحداث.
والزهراء عليهاالسلام تعلم بتلك الأُمور ، وما ستؤول إليه ، لذا كان البكاء عند الزهراء عليهاالسلام يتجاوز معناه العاطفي المحدود إلى معان أُخرى من الاستنهاض والثورة على الظالمين ، وبعث رسالة إلى أعماق التاريخ أن لا يغفلوا عن أحداث هذه الفترة التي غيّرت وجه الدنيا بانحرافها وميلها عن الحقّ ، فقد كان البكاء هو الوسيلة الوحيدة المتخذة أمام الزهراء عليهاالسلام لإعلان الحقّ ورفض الباطل ، واستمراره ليلاً ونهاراً هو استمرار المطالبة بالحقّ واستمرار رفض الباطل.
ومن هناك أدرك الخصوم المعاني التي يختزنها بكاء الزهراء عليهاالسلام ، لذا قاموا بالتحريض عليه ، مع أنّه من المستحبّات البكاء على سيّد المرسلين صلىاللهعليهوآله ، والزهراء عليهاالسلام حين بكت على رسول الله صلىاللهعليهوآله وطال حزنها ، وأظهرت هذا الحزن لم تخالف وصية رسول الله ، فهي : لم تخمش عليه وجهاً ، ولم ترخ عليه شعراً ، ولم تناد بالويل ، ولم تقم عليه نائحة ... إنّما كان بكاؤها بكاء الثائرين ... كما يمثّل بكاء شيعة أهل البيت عليهمالسلام على الحسين عليهالسلام ، وتواصل هذا البكاء لقرون متمادية ، وحثّ أئمّة أهل البيت عليهمالسلام عليه ، كما ورد في الأحاديث الصحيحة المعتبرة ، ثورتهم ورفضهم للظلم والظالمين ، ومن هنا جاءت قوّة منعه من قبل سلاطين الجور وأئمّة الضلال.
____________
١ ـ شرح نهج البلاغة ١٩ / ١٩٥.
ومن هذا يظهر سخف ما رتّب على الفرض من أنّ بكائها كان ينافي العصمة ، أو يخلّ بالمسؤولية ، أو أنّها كانت إلى حدّ الجزع ـ وإن كان في قبح الجزع في مثل هذا المورد كلام ولنا في يعقوب أُسوة ـ وأنّ حزنها كان هادئاً ، وإن الحزن الهادئ هو الرسالي وغيره فلا ، وغير ذلك ممّا يحتويه هذا الكلام الإنشائي ، فهو كُلّه مبنيّ على فكرة باخت في عقل قائلها ، سببها عدم إدراك حقيقي لمعنى بكاء الزهراء ودوافع منعها ، فإذا وعينا ذلك سنجد أنّ كُلّ ما قيل سينهار كالرماد ، وإليك قول القائل : وكانت قمّة احتجاجها على الواقع المنحرف أنّها قالت لعلي عليهالسلام : « ادفني ليلاً ... ».
يا الله أين هذا من خطبتها الصريحة بكفرهم في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ وأين هو من مطالبة الأنصار بالثورة يوم كانت تدور عليهم وتطالبهم بالوفاء ببيعة الغدير ، ألمثل الزهراء يقال إنّ قمّة احتجاجها أن تطالب بدفنها ليلاً!
فدك :
( خالد جاسم ـ سنغافورة ـ .... )
غصبها :
س : ما هو دليلكم على أنّ أرض فاطمة الزهراء عليهاالسلام مغصوبة؟
ج : لحق الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله بالرفيق الأعلى ، مخلّفاً من الورثة بنته الوحيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وزوجات عدّة.
وكانت فدك ممّا أفاء الله به على رسوله ـ عام خيبر ـ نحلها الرسول صلىاللهعليهوآله ابنته الزهراء عليهاالسلام ، وكانت يدها على فدك يوم وفاة أبيها.
ولمّا استولى أبو بكر على أريكة الخلافة ، ابتزّ فدكاً من فاطمة عليهاالسلام واستولى عليها ، فادّعت فاطمة عليهاالسلام على أبي بكر ، وطالبت نحلة أبيها ـ لكون هذه الأرض ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فكان ملكاً خاصّاً لرسول الله صلىاللهعليهوآله ـ وأشهدت زوجها أمير المؤمنين علياً عليهالسلام ، وابنيها الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ، وأُمّ أيمن حاضنة رسول الله صلىاللهعليهوآله على أنّ أباها نحلها فدكاً.
فردّ أبو بكر دعواها ، وردّ شهاداتهم لها ، فوجدت فاطمة عليهاالسلام على أبي بكر فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت.
هذا ما نقلته الأخبار في كتب الفريقين ، فتكون دليلاً على غصبها.
( محمّد ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )
السكوت عنها :
س : لماذا لم يرجع الإمام علي عليهالسلام فدكاً أيّام خلافته؟
ج : إنّ المطالبة بفدك في فكرتها الأساسية هي للإشارة إلى غصب حقوق أهل البيت عليهمالسلام على وجه العموم ، وليس فقط فيها مطالبات مالية ، حتّى ترتفع بردّها إلى أهلها.
فالزهراء عليهاالسلام والأئمّة عليهمالسلام ، عندما كانوا يشيرون إلى مسألة فدك ، كانوا يريدون التصريح والتلويح بالمظالم التي أوردتها الزمرة الغاصبة في سبيل الحصول على الحكم.
ويدلّ على ما قلنا : أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام صرّح في أيّام خلافته : بأنّ الجانب الاقتصادي من فدك ، ليس بحدٍّ أن يكون حافزاً وباعثاً لاعتراض أهل البيت عليهمالسلام في مطالبته : « وما أصنع بفدكٍ وغير فدك » (١).
وورد في بعض الروايات : بأنّ سيرة أهل البيت عليهمالسلام هي : أن لا يسترجعوا ما أخذ منهم غصباً وعدواناً (٢).
فنرى أنّ فيها إشارة واضحة لإبقاء صوت مظلوميتهم على طول التاريخ ، وحقّانيتهم في الإمامة ، وزعامة الدين والدنيا ، كما هو الحال في اختفاء مرقد الزهراء عليهاالسلام ، واختلاف تاريخ استشهادها.
( أحمد ـ السعودية ـ .... )
من ردّها إلى أهل البيت :
س : أودّ معرفة جميع من غصب فدك فاطمة الزهراء عليهاالسلام؟ وجميع من قام بردّها إلى أهل البيت عليهمالسلام؟ من يوم غصبها على يد أبي بكر.
____________
١ ـ شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٠٨.
٢ ـ بحار الأنوار ٢٩ / ٣٩٥.
ج : كانت فدك ملكاً لرسول الله صلىاللهعليهوآله لأنّها ممّا لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، ثمّ قدّمها لابنته الزهراء عليهاالسلام ، وبقيت عندها حتّى توفّي أبوها صلىاللهعليهوآله ، فانتزعها الخليفة الأوّل ، ولمّا ولي معاوية ، أقطعها مروان بن الحكم (١) ، ثمّ صفت لعمر بن عبد العزيز بن مروان ، فلما تولّى الحكم ردّ فدك على ولد فاطمة عليهاالسلام ، ثمّ انتزعها يزيد بن عبد الملك من أولاد فاطمة عليهاالسلام ، فصارت في أيدي بني مروان حتّى انقضت دولتهم (٢).
فلمّا قام أبو العباس السفّاح بالأمر ، ردّها على عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ثمّ قبضها أبو جعفر المنصور في خلافته ، وردّها المهدي بن المنصور على الفاطميين ، ثمّ قبضها موسى بن المهدي من أيديهم ، ولم تزل في أيدي العباسيين حتّى تولّى المأمون فردّها على الفاطميين سنة ٢١٠ هـ.
ولمّا بويع المتوكّل انتزعها من الفاطميين ، وأقطعها عبد الله بن عمر البازيار ، وينتهي آخر عهد الفاطميين بفدك بخلافة المتوكّل ، ومنحه إيّاها عبد الله بن عمر البازيار.
( أحمد ـ الإمارات ـ .... )
لم يرجعها علي أيّام خلافته :
س : هل قام الإمام علي عليهالسلام بإرجاع فدك إلى الحسن والحسين بعد تولّيه الخلافة؟ ولماذا؟
ج : صرّحت عدّة روايات بعدم إرجاع الإمام علي عليهالسلام لفدك أيّام حكومته ، كما صرّحت بالعلّة التي من أجلها لم يسترجع الإمام عليهالسلام فدكاً ، ومن تلك الروايات :
____________
١ ـ فتوح البلدان ١ / ٣٧.
٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢١٦.
١ ـ عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : قلت له : لِم لَم يأخذ أمير المؤمنين عليهالسلام فدكاً لمّا ولي الناس ، ولأيّ علّة تركها؟
فقال : « لأنّ الظالم والمظلوم قد كانا قدما على الله عزّ وجلّ ، وأثاب الله المظلوم ، وعاقب الظالم ، فكره أن يسترجع شيئاً قد عاقب الله عليه غاصبه ، وأثاب عليه المغصوب » (١).
٢ ـ عن إبراهيم الكرخي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام ، فقلت له : لأيّ علّة ترك أمير المؤمنين فدكاً لمّا ولي الناس؟ فقال : « للاقتداء برسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا فتح مكّة ، وقد باع عقيل ابن أبي طالب داره ، فقيل له : يا رسول الله ألا ترجع إلى دارك؟
فقال صلىاللهعليهوآله وهل ترك عقيل لنا داراً ، إنّا أهل بيت لا نسترجع شيئاً يؤخذ منّا ظلماً ، فلذلك لم يسترجع فدكاً لمّا ولي » (٢).
٣ ـ عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن أبيه عن الإمام الكاظم عليهالسلام قال : سألته عن أمير المؤمنين عليهالسلام لِم لَم يسترجع فدكاً لمّا ولي الناس؟ فقال : « لأنّا أهل بيت لا نأخذ حقوقنا ممّن ظلمنا ، إلاّ هو ـ يعني إلاّ الله ـ ونحن أولياء المؤمنين ، إنّما نحكم لهم ، ونأخذ حقوقهم ممّن ظلمهم ، ولا نأخذ لأنفسنا » (٣).
( محمّد ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )
المراد من الإرث المعنى اللغوي لا الفقهي :
س : هل جاء حديث : « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث » في مصادر الشيعة؟
ج : لم يذكر هذا الحديث في مصادرنا الخاصّة ، ولكن الموجود هو بهذه العبارة : عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : « إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذلك أنّ
____________
١ ـ علل الشرائع ١ / ١٥٤.
٢ ـ المصدر السابق ١ / ١٥٥.
٣ ـ نفس المصدر السابق.
الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنّما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ شيئاً منها فقد أخذ حظّاً وافراً ... » (١).
وأمّا معناه فهو : أنّ الأنبياء عليهمالسلام لم يخلّفوا بالنسبة للأُمّة شيئاً من الأموال ، بل إنّهم ورّثوهم العلم والأحاديث.
ويظهر من هذا المعنى ، أنّ كلمة الإرث في هذه الروايات ، قد استعملت في معناها العرفي واللغوي ، لا معناها الاصطلاحي والفقهي ، ويدلّ على هذا التخريج عدّة وجوه :
منها : إنّ الحمل على المعنى الفقهي من الإرث يتعارض مع ظهور الآيات (٢) ، كما ذكرته الزهراء عليهاالسلام في خطبتها المعروفة ، ردّاً على غاصبي فدك ، إذ فيها ما يدلّ على أنّ التوريث المصطلح كان ساري المفعول حتّى عند الأنبياء ، ولم تكن أموالهم بحيث يكون الناس فيها شرع سواء.
ومنها : إنّ القرائن الموجودة في تلك الروايات فيها دلالة واضحة إلى أنّ المراد هو المعنى اللغوي ـ لا الفقهي ـ فمثلاً : هل في الواقع الخارجي لم يبق الأنبياء عليهمالسلام حتّى درهماً واحداً من الأموال لتركتهم؟! وهذا ما ينفيه التاريخ والنقل.
ومنها : إنّ عبارة : « إنّما أورثوا أحاديث » أو « ورّثوا العلم » تدلّ على ما ذكرنا ، من أنّ النفي في صدر الروايات يكون بالنظر إلى الأُمّة لا إلى الورثة العاديين ؛ إذ هل يعقل أن تكون الأحاديث النبوية حصص إرثية؟!
ومنها : إنّ عبارة : « فمن أخذ شيئاً ... » تدلّ على إطلاق الآخذ أيّاً من كان ؛ وهذا أيضاً يدلّ على أنّ التوريث المستعمل في هذه الروايات ليس من باب الوراثة المصطلحة الفقهية ، وإلاّ فهل يعقل عدم تعيين الوارث في إرثٍ ما ، وتعليقه على نحو البدلية بعبارة : « فمن أخذ »؟!
____________
١ ـ بصائر الدرجات : ٣٠ ، الكافي ١ / ٣٢ ، الاختصاص : ٤.
٢ ـ أُنظر : مريم : ٦ ، النمل : ١٦.
وأخيراً : فإنّ الرواية المزعومة عند المخالفين تشتمل على تتمّة وهي : « ما تركناه صدقة » ، وأنت ترى أنّ الروايات الشيعية بأكملها خالية عن هذه العبارة ، بل وفيما تحتويها من ذكر الأحاديث والعلم ـ كميراث للنبوّة ـ متعارضة مع ما ادعّوه ، إذ من البديهي أنّ الأحاديث والعلم ليست صدقة.
وعليه ، فالعبارة المذكورة واضحة البطلان ، ومن ثمّ فاستدلال القوم دفاعاً عن غصب حقّ الزهراء عليهاالسلام مردود ، إذ أنّ مجهودهم العلمي يبتني على ورود هذه العبارة في الروايات ، وهو منتفٍ قطعاً كما ذكرنا.
فرق ومذاهب :
( سمير ـ سوريا ـ ٢٥ سنة )
العلاقة بين العلوية والنصيرية :
س : هل العلوية هم نفسهم النصيرية؟ وكيف كانت علاقة الأئمّة عليهمالسلام مع مؤسّس النصيرية؟
ج : قال الشيخ السبحاني حول النصيرية ما نصّه :
« الكتابة عن النصيرية كسائر الفرق الشيعية أمر صعب ، لاسيّما وأنّهم اضطروا إلى التخفّي والانطواء على أنفسهم ، وعاشوا في ظل التقية ، ومن يتصفّح التاريخ يجد أنّه لا مندوحة لهم من التكتّم والتحفّظ في عقائدهم ، فمعاجم الفرق مليئة بذمّهم وتفسيقهم وتكفيرهم ، وقد أخذ بعضهم عن بعض ، ولا يمكن الاعتماد على ما نقلوه عنهم ، إلاّ بالرجوع إلى كتب تلك الفرقة ، أو التعايش معهم في أوطانهم ، حتّى ينجلي الحقّ ، ليقف الإنسان على مكامن عقائدهم ، وخفايا أُصولهم ... » (١).
ثمّ قال تحت عنوان : النصيرية فرقة بائدة :
« إذا كانت النصيرية هي التي عرّفها أصحاب المعاجم وغيرهم ، فهذه الفرقة قد بادت ، لا تجد أحداً يتبنّى أفكارها بين المسلمين ، إلاّ إذا كان مغفّلاً أو مغرضاً ، وربّما تكون بعض هذه النسب ، ممّا لا أصل له في الواقع ، وإنّما
____________
١ ـ بحوث في الملل والنحل ٨ / ٣٩٧.
اتهمت بها بعض فرق الشيعة من قبل أعدائهم ، فإنّ خصومهم من العباسيين شنّوا حملة شعواء ، ودعايات مزيّفة ومضلّلة ضدّهم ، حتّى يجد الباحث أنّ الكتّاب والمؤلّفين المدعومين من قبل السلطات ، لا يألون جهداً في اتهامهم بأرخص التهم في العقيدة والعمل ، حتّى صارت حقائق راهنة في حقّ هؤلاء ، وتبعهم غير واحد من أصحابنا ، لحسن ظنّهم بما كتب حولهم » (١).
وقال تحت عنوان : العلويون وأصل التسمية بالنصيرية :
« إنّ هناك أقلاماً مغرضة ، حاولت أن تنسب العلويين المنتشرين في الشام والعراق وتركيا وإيران إلى فرقة النصيرية البائدة ، اعتماداً على أُمور ينكرها العلويون اليوم قاطبة.
وأظنّ أنّ السبب في ذلك هو جور السلطات الظالمة التي أخذت تشوّه صحيفة العلويين وتسودّها ، فأقامت فيهم السيف والقتل ، والفتك والتشريد ، ولم تكتفِ بل أخذت بالافتراء عليهم ، لتنفّر الناس من الاختلاط بهم ، وأنّهم زمرة وحشية هجمية ، ممّا زاد في انكماش هذه الطائفة على نفسها ، لذا نجد من المناسب الكتابة عنهم حسب ما كتبوه عن أنفسهم.
أمّا سبب تسمية العلويين بالنصيرية ، لأَنّه لما فتحت جهات بعلبك وحمص ، استمد أبو عبيدة الجرّاح نجدة ، فأتاه من العراق خالد بن الوليد ، ومن مصر عمرو بن العاص ، وأتاه من المدينة جماعة من أتباع علي عليهالسلام ، وهم ممّن حضروا بيعة غدير خم ، وهم من الأنصار ، وعددهم يزيد عن أربعمائة وخمسين ، فسمّيت هذه القوّة الصغيرة نصيرية ، إذ كان من قواعد الجهاد تمليك الأَرض التي يفتحها الجيش لذلك الجيش نفسه ، فقد سمّيت الأراضي التي امتلكها جماعة النصيرية : جبل النصيرية ، وهو عبارة عن جهات جبل الحلو ، وبعض قضاء العمرانية المعروف الآن ، ثمّ أصبح هذا الاسم علماً خاصّاً لكُلّ جبال العلويين من جبل لبنان إلى إنطاكية.
____________
١ ـ المصدر السابق ٨ / ٤٠٢.
وهذا الرأي أقرب إلى الصواب ، ذلك أنّ المؤرّخين الصليبيّين أطلقوا على هذا الجبل اسم النصيرة ، ويبدو أنّ هذا الاسم قد حرّف إلى نصيرية ، والذي يعزّز القناعة بصحّة هذا الرأي هو : أنّ إطلاق اسم نصيرية على هذا الجبل ، لم يظهر إلاّ أثناء الحملات الصليبية ، أي بعد عام ٤٩٨ هـ ، وإذا كان معنى ذلك أنّ اسم نصيرية قد تغلّب على اسم الجبل في زمن الشهرستاني » (١).
وقال السيّد عبد الحسين مهدي العسكري : « والنصيرية تنسب إلى أبي شعيب محمّد بن نصير النميري ، عاش في القرن الثالث الهجري ، وعاصر ثلاثة من الأئمّة عشر عليهمالسلام ، وهم : علي الهادي ، والحسن العسكري ، ومحمّد المهدي.
زعم ابن نصير أنّه الباب إلى الإمام الحسن ، والحجّة من بعده ، فتبعه طائفة من الشيعة ، سمّوا النصيرية ، ولكن ابن نصير لم يكتف بذلك ، وإنّما ادعى النبوّة والرسالة ، وغلا في حقّ الأئمّة ، فنسبهم إلى الألوهية ، ولمّا بلغت مقالته الإمام الحسن العسكري عليهالسلام تبرّأ منه ، ولعنه وحذّر أتباعه من فتنته » (٢).
( خالد ـ الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي )
الطائفة اليزيدية :
س : أُودّ أن أعرف شيئاً عن الطائفة اليزيدية؟ ومن هو مؤسّسها؟
ج : إنّ مجمل القول في الطائفة اليزيدية كما يلي :
١ ـ هذه الطائفة تنحدر من أصل كردي ، ويسكن معظم معتنقيها في كردستان العراق ـ حوالي مدينة الموصل ـ كما أنّ نشأتهم كانت هناك.
٢ ـ مؤسّسو هذه الفرقة كانوا ينتمون إلى العائلة الأُموية ، فزرعوا في قلوب مواليهم محبّة الأُمويين ، وبما أنّ المجتمع الإسلامي المحيط بهم كان يتبرّأ من
____________
١ ـ المصدر السابق ٨ / ٤٠٤.
٢ ـ العلويون أو النصيرية : ٧.
بني أُمية ، وعلى الخصوص من يزيد بن معاوية ، لما صنعه بأهل البيت عليهمالسلام ، قاومت هذه الفرقة الضالّة فكرة اللعن والبراءة ، بل وتصدّت لها ، وأظهرت ولائها ليزيد ، واستمرت في هذا النهج الباطل حتّى اعتقدت فيه التأليه ، أو ما يقاربه مضموناً.
٣ ـ ومن منطلق عدم جواز اللعن ، استحوذ عليهم الشيطان ، فاعتبروه أوّل الموحّدين ، لرفضه السجود لغير الله عزّ وجلّ ، بل وتمادوا في غيّهم ، وأعطوه صفة الربوبية ، تحت عناوين مختلفة ، فعبدوه ، وإن أنكر رجال دينهم هذا المعنى ، ولكن الذي يظهر من سلوك معتنقيهم هو ما ذكرناه.
٤ ـ يذهب أكثر المحقّقين على أنّ المعتنقين الأوائل من هذه الطائفة كانوا على دين المجوس ، وعلى ضوء هذه النظرية ، يمكن تفسير بعض معتقدات اليزيدية ، بأنّها رواسب ذلك الدين السابق لهم ، وعلى سبيل المثال ، يعتقدون بمنشأ الخير « الله » ، ومصدر الشرّ « الشيطان » ، وهذه هي عقيدة المجوس بالضبط.
ثمّ يختلفون معهم ، بأنّ المجوس يرون انتصار الحقّ على الباطل ـ أي الرحمن على الشيطان ـ في منتهى الأمر ، ولكن اليزيدية لا ترى هذه النتيجة حتمية الوقوع ، وعليه تتقرّب بل تعبد الشيطان خوفاً من سطوته وشرّه ، ولا تهتمّ لعبادة الرحمن ، لأنّه مصدر الخير ، فلا يعاقب أحداً على عدم عبادته!!
٥ ـ تدّعي هذه الفرقة بوجود كتابين سماويين لها : الجلوه ومصحف رشد ، ومن خلال فقرات وعبارات هذين الكتابين ، يتّضح جلياً أنّهما من صنع بعض المنحرفين ، ولا علاقة لهما بوحي السماء ، ففيهما أباطيل تضحك الثكلى ، ويشتملان على مخالفات واضحة للعقل السليم ، والنقل المتّفق عليه عند جميع الأديان السماوية.
٦ ـ وأخيراً : إنّ هذه الطائفة ليست لها أيّ منطق للتبليغ والدفاع عن معتقداتها ، بل تحتكر هذا الدين الباطل لنفسها ، فمن الصعب الحصول على كافّة أقوالها