مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-04-1
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٨٨
ثمّ أنّ الإيحاء لم يقتصر على الأنبياء والمرسلين ، وعلى من ذكرناهم من النساء ، فقد أوحى الله تعالى إلى كُلّ من :
١ ـ النحل ، قال تعالى : ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ... ) (١).
٢ ـ الحواريون ـ أصحاب عيسى عليهالسلام ـ قال تعالى : ( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي ... ) (٢).
٣ ـ السماوات ، قال تعالى : ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا ... ) (٣).
٤ ـ الأرض ، قال تعالى : ( بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) (٤).
ويظهر من خلال هذه الآيات القرآنية وآيات أُخرى : أنّ الوحي ليس مختصّ بالأنبياء والرسل فقط ، بل هو يتعدّى إلى أولياء الله تعالى ، نعم الوحي هنا في هذه الآيات ، المفهوم منه غير الوحي في إبلاغ الرسالات إلى الأنبياء ، بل هو شأن آخر من الوحي.
فالوحي لغة : الإعلام الخفي السريع ، واصطلاحاً : الطريقة الخاصّة التي يتّصل بها الله تعالى برسله وأنبيائه لإعلامهم ألوان الهداية والعلم ، وإنّما جاء تعبير الوحي عن هذه الطريقة باعتبارها خفية عن الآخرين ، ولذا عبّر الله تعالى عن اتصاله برسوله الكريم بالوحي.
قال تعالى : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ... ) (٥).
____________
١ ـ النحل : ٦٨.
٢ ـ المائدة : ١١١.
٣ ـ فصلت : ١٢.
٤ ـ الزلزلة : ٥.
٥ ـ النساء : ١٦٣.
وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (١).
وهذه الآية الأخيرة حدّدت معنى الوحي الذي يختصّ بالأنبياء والمرسلين ، أمّا الآيات الأُخرى المتقدّمة الذكر ، فلها معاني آخر للوحي ، والذي نقول به : إنّ فاطمة الزهراء عليهاالسلام إنّما كانت محدّثة من قبل الملائكة بنحو من أنحاء الوحي ، الذي بيّنته الآيات الآنفة الذكر ، فلا محالة أن تكون قد حدّثت من قبل الملائكة كما دلّ القرآن على إمكان وقوع ذلك.
ولا أدري ، لماذا تقوم قيامة البعض إذا قلنا بأنّ الزهراء عليهاالسلام يوحي لها ، وقد أوحى الله تعالى إلى السماوات والأرض والحشرات وهي لا تعقل ، فما وجه نفي الوحي عن الزهراء عليهاالسلام وهي بشر ، بل أفضل البشر قاطبة؟
فإنّ من أوحى لأحجار وحشرات لقادر على أن يُوحي لأفضل بريّته بعد رسوله صلىاللهعليهوآله.
وإذا رجعت إلى مرويّات أهل السنّة لرأيت العجب العجاب في نزول الوحي على محبّيهم ، فلنلق نظرة على كتب الحديث والسيرة والتاريخ عندهم ، لنرى كيف يدعى تحدّث الملائكة مع الكثير من رجالهم :
١ ـ أخرج البخاري عن أبي هريرة ، ومسلم عن عائشة : أنّ عمر بن الخطّاب كان من المحدّثين (٢).
وقد حاول شرّاح البخاري أن يأوّلوه بأنّ المراد أنّه من الملهمين ، أو من الذين يلقى في روعهم ، أو يظنّون فيصيبون الحقّ ، فكأنّه حدث ... ، وهو كما ترى تأويل لا يساعد عليه ظاهر اللفظ.
____________
١ ـ الشورى : ٥١.
٢ ـ أُنظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٠٠ ، صحيح مسلم ٧ / ١١٥ ، مسند أحمد ٢ / ٣٣٩ ، مسند الحميدي ١ / ١٢٣ ، كتاب السنّة : ٥٦٩ ، كنز العمّال ١١ / ٥٧٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٤ / ٩٤ ، سير أعلام النبلاء ١٩ / ٥٤٦ ، تأويل مختلف الحديث : ١٥٢ ، الجامع لأحكام القرآن ١٣ / ١٧٤ ، تاريخ ابن خلدون ١ / ١١٠ ، تهذيب الكمال ٢١ / ٣٢٤.
٢ ـ ممّن أُدّعي أنّ الملائكة تحدّثهم ، عمران بن الحصين الخزاعي ـ المتوفّى سنة ٥٢ هـ ـ قالوا : « كانت الملائكة تسلم عليه حتّى اكتوى بالنار فلم يسمعهم عامّاً ، ثمّ أكرمه الله بردّ ذلك » (١).
٣ ـ ومنهم أبو المعالي الصالح ـ المتوفّى سنة ٤٢٧ هـ ـ رووا أنّه كلّمته الملائكة في صورة طائر (٢).
٤ ـ أبو يحيى الناقد ـ المتوفّى سنة ٢٨٥ هـ ـ رووا أنّه كلّمته الحوراء (٣).
وأمثال هذه المرويّات في كتب أهل السنّة غير قليل ، ولم يستنكر ذلك أحد ، ولم يتّهم أصحابها بالغلوّ.
ومن الجدير بالذكر : أنّ الوحي له أساليب وأغراض متعدّدة ، ولا تلازم بين الوحي والنبوّة ، وإن كان كُلّ نبيّ لابدّ أن يُوحى إليه ، وكذلك لا تلازم بين الوحي والقرآن ، فبالنسبة للرسول صلىاللهعليهوآله لم يكن كُلّ ما نزل عليه من الوحي قرآناً ، فهناك الأحاديث القدسية ، وهناك تفسير القرآن وتأويله ، والإخبار بالموضوعات الخارجية ، وأمثال ذلك ، وكُلّها ليست قرآناً.
فاتّضح أنّ تحديث الملائكة للزهراء عليهاالسلام لم يكن من الوحي النبوي ، ولا من الوحي القرآني ، وممّا يدلّ على عدم الملازمة بين تحديث الملائكة والنبوّة : ما رواه صاحب بصائر الدرجات ، عن حمران بن أعين قال : قال لي أبو جعفر عليهالسلام : « إنّ علياً كان محدّثاً » ، فخرجت إلى أصحابي فقلت لهم : جئتكم بعجيبة! قالوا : ما هي؟ قلت : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : « كان علياً محدّثاً » ، قالوا : ما صنعت شيئاً إلاّ سألته : من يحدّثه؟ فرجعت إليه فقلت له : إنّي حدّثت أصحابي بما حدّثتني قالوا : ما صنعت شيئاً إلاّ سألته من يحدّثه؟
____________
١ ـ أُنظر : الطبقات الكبرى ٤ / ٢٨٨ و ٧ / ١١ ، المعجم الكبير ١٨ / ١٠٧ ، شرح نهج البلاغة ١ / ٩٤.
٢ ـ أُنظر : صفة الصفوة ٢ / ٧٠١.
٣ ـ تاريخ بغداد ٨ / ٤٦٣.
فقال لي : « يحدّثه ملك » ، قلت : فنقول : إنّه نبيّ؟ قال : فحرّك يده هكذا ثمّ قال : « أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أو ما أبلغتكم أنّه قال وفيكم مثله » (١).
ومن الروايات الدالّة على نزول الملائكة على الزهراء عليهاالسلام.
١ ـ عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليهالسلام : « إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله خمسة وسبعين يوماً ، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرائيل عليهالسلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها ، وكان علي عليهالسلام يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة » (٢).
٢ ـ عن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله ، وإنّما هو شيء ألقي إليها بعد موت أبيها صلوات الله عليهما » (٣).
٣ ـ عن حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « إنّ الله تبارك وتعالى لمّا قبض نبيّه صلىاللهعليهوآله ، دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ ، فأرسل الله إليها ملكاً يسلّي غمّها ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال لها : إذا أحسست بذلك فسمعت الصوت فقولي لي ، فأعلمته ، فجعل يكتب كُلّما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفاً » (٤).
٤ ـ عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر محمّد بن علي عليهمالسلام عن مصحف فاطمة عليهاالسلام ، فقال : « أنزل عليها بعد موت أبيها » ، قلت : ففيه شيء من القرآن؟ فقال : « ما فيه شيء من القرآن » (٥).
____________
١ ـ بصائر الدرجات : ٣٤١.
٢ ـ المصدر السابق : ١٧٤.
٣ ـ المصدر السابق : ١٧٩.
٤ ـ المصدر السابق : ١٧٧.
٥ ـ المصدر السابق : ١٠٥.
٥ ـ عن إسحاق بن جعفر بن محمّد بن عيسى بن زيد بن علي قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « إنّما سمّيت فاطمة محدّثة ، لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها ، كما تنادي مريم بنت عمران ، فتقول : يا فاطمة ، إنّ الله اصطفاك وطهّرك ، واصطفاك على نساء العالمين ، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين ـ إشارة إلى آية ٤٢ من آل عمران ـ فتحدّثهم ويحدّثونها.
فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا : إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها ، وإنّ الله عزّ وجلّ جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها ، وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين » (١).
٦ ـ عن إسماعيل بن بشّار قال : « حدّثنا علي بن جعفر الحضرمي بمصر منذ ثلاثين سنة قال : حدّثنا سليمان قال : محمّد بن أبي بكر لمّا قرأ : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ ) (٢) ولا محدّث ، وهل يحدّث الملائكة إلاّ الأنبياء؟ قال : إنّ مريم لم تكن نبية وكانت محدّثة ، وأُمّ موسى بن عمران كانت محدّثة ، ولم تكن نبية ، وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشّروها بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، ولم تكن نبية ، وفاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله كانت محدّثة ، ولم تكن نبية » (٣).
والمحدّث من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ، ولا رؤية صورة ، أو يلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، أو ينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره ، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه.
____________
١ ـ علل الشرائع ١ / ١٨٢.
٢ ـ الحجّ : ٥٢.
٣ ـ علل الشرائع ١ / ١٨٣.
والنتيجة : أنّ الوحي كان ينزل على الزهراء عليهاالسلام ، لا وحي نبوي ، أي يدلّ على نبوّتها ، ولا وحي قرآني ، أي أنّه يحمل لها آيات قرآنية ، بل وحي يوحى لها ، كما أوحي إلى مريم وسارة وأُمّ موسى.
( عبد الله ـ البحرين ـ سنّي )
معنى : ولولا فاطمة لما خلقتكما :
س : أنا من أهل السنّة ، ولديّ سؤال أرجو منكم الإجابة عليه : تقولون أنّ الله عزّ وجلّ قال لرسوله صلىاللهعليهوآله : « لولاك يا محمّد لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما » فكيف يكون ذلك؟
هل أنّ علياً وفاطمة أفضل من رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ لذلك لولاهما لما خلق الله رسوله ، وإلاّ فما هو المقصود بذلك الكلام؟ أرجو منكم الإجابة بالتفصيل.
ج : إنّ فهم هذا الحديث يتوقّف على فهم معنى الإمامة عند الشيعة الاثني عشرية ، والالتفات إلى حقيقة الإمامة عندهم ، فإذا فهمت معنى الإمامة عندهم ، عند ذلك تستطيع فهم الحديث ، فلذلك نقول : تعتقد الشيعة أنّ الإمامة رئاسة عامّة على الدين والدنيا ، ومنصب إلهي يختاره ويعيّنه الله تعالى بسابق علمه ، ويأمر النبيّ صلىاللهعليهوآله بأن يعلم الناس به ، ويأمرهم باتباعه ، ووظيفة الإمام مكمّلة لوظيفة النبيّ ، فالنبيّ هو الذي يأتي بشريعة ويبلّغها إلى الناس ، والإمام من بعده يصبح قيّم على الرسالة ، ويكون ناظراً عليها وعلى الأُمّة ، وحفظ الدين من التحريف والتبديل.
وبما أنّ الدين الإسلامي الحنيف رسالة خالدة ، وشريعة دائمة على مرّ الأزمان والدهور ، فلابدّ فيها من وجود إمام بعد النبيّ يكمل المسيرة النبوية ، ويحفظ الشريعة الربّانية ، هذا مفهوم الإمامة بشكل مجمل عند الشيعة الاثني عشرية.
وكُلّ ما تقدّم كان من الناحية الكُلّية ، وتحديد معنى الإمامة بشكل عام ، أمّا في مقام التطبيق الخارجي ، فالشيعة الإمامية تعتقد بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله
نصّب إماماً من بعده ، وذلك الإمام هو علي بن أبي طالب عليهالسلام لأدلّة كثيرة ذكرت في محلّها : كحديث الثقلين ، والكساء ، والغدير ، وغيرها الكثير.
ومن تلك الأدلّة على إمامة علي عليهالسلام قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) (١) ، فعن أبي هريرة قال : « لمّا كان يوم غدير خم ، وهو يوم ثماني عشر من ذي الحجّة قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، فنزل الله اليوم أكملت لكم دينكم » (٢).
وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٣).
فقد أخرج الحاكم الحسكاني والقندوزي الحنفي والسيوطي وابن عساكر وغيرهم أنّها نزلت في شأن علي عليهالسلام بغدير خم (٤) ، إلى غير ذلك من الأدلّة الكثيرة.
إذا عرفت معنى الإمامة عند الشيعة ، وعرفت أنّ الإمام هو علي بن أبي طالب ، وولده الأحد عشر ، ستعرف معنى الحديث : فالله لم يخلق الوجود إلاّ للنبيّ محمّد صلىاللهعليهوآله ، والله خلق الكون لأجل إيصاله إلى الغاية المطلوبة منه ، كما قال : ( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) (٥) ، فهو خلقه لأجل أن يوصله إلى كماله المطلوب منه.
____________
١ ـ المائدة : ٣.
٢ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٢٥٩ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٠٤ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ١٥.
٣ ـ المائدة : ٦٧.
٤ ـ أسباب نزول القرآن : ١٣٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٣٩ و ٢٤٩ و ٢٥٦ و ٣٥٣ و ٤٠٢ و ٢ / ٣٩١ و ٤٥١ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٨ ، فتح القدير ٢ / ٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٧ ، المناقب : ٧ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٥٩ و ٢ / ٢٤٩ و ٢٨٥.
٥ ـ طه : ٤٨.
وبما أنّ أفضل الموجودات هو الإنسان ، وخلق الله تعالى الإنسان لأجل أن يوصله إلى كماله اللائق به ، أو قل : هي معرفة ربّه وعبادته ، كما في قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (١) ، وهذه العبادة تحتاج إلى معلّم ومرشد يبيّنها ، ويكون عارف بها ، أو قل : يحتاج الإنسان إلى واسطة بين عالم الغيب وبينه ، والواسطة هو النبيّ صلىاللهعليهوآله الذي هو أشرف الكائنات ، وهو المبين للرسالة السماوية ، فلولاه لما خلق الكائنات ، لأنّ الكائنات خلقت لأجل غاية ، وهذه الغاية لا تحصل إلاّ بالنبيّ صلىاللهعليهوآله ، وبما أنّ الإمامة هي واسطة ومكمّلة للنبوّة كما بيّنّا لك ذلك.
فإذاً النبوّة تحتاج إلى الإمامة ، وبما أنّ الإمام هو علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فيكون معنى قوله : « ولولا علي لما خلقتك » أي : أنّ الغاية لا تحصل إلاّ بك وبعلي ، والهدف لا يكمل إلاّ بكما ، فأحدكما مكمّل لدور الآخر.
وليس يعني ذلك أنّ علياً أفضل من النبيّ ، لأنّه ورد في آية المباهلة أنّ علياً نفس النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وورد في أحاديث أُخرى : أنّ الله خلق آدم لأجل هؤلاء الخمسة ـ كما في حديث الكساء ـ فإنّ هذا توهّم باطل ، بل المقصود بالحديث هو التوقّف في الدور الذي تلعبه الإمامة ، إذ كما أنّ الناس بحاجة إلى النبوّة هم بحاجةٍ إلى الإمامة.
وقوله : « لولا فاطمة لما خلقتكما » يصبح واضحاً ، لأنّ فاطمة عليهاالسلام هي أُمّ الأئمّة الأحد عشر بعد الإمام علي ، وبما أنّ الإمامة هي المكمّلة لدور النبوّة ، وبما أنّ فاطمة هي أُمّ الأئمّة عليهمالسلام ، فلذلك لولاها لما حصلت الغاية والمطلوب من خلق الموجودات وجميع الكائنات ، فهي أُمّ إحدى عشر إماماً ، والإمامة هي المكمّلة لمسيرة النبوّة ، وتقدّم أنّه لولا النبوّة لما خلق الكون ، وفاطمة عليهاالسلام هي أُمّ الإمام المهدي الثاني عشر ، الذي يصلح العالم ، ويقيم العدل الإلهي ، فهو
____________
١ ـ الذاريات : ٥٦.
الموعود من الله بإصلاح الأرض ومن عليها ، وهذا الوعد الإلهي يتحقّق على يده ، وهذا المهدي أُمّه فاطمة.
فالحديث لا يعطي الأفضلية ، ولا يفهم منه ذلك لمن عرف معنى الإمامة ، ولمن لاحظ بقية الروايات ، بل المقصود بالحديث ما ذكرناه ، والثابت عند الشيعة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أفضل الكائنات على الإطلاق.
( أُمّ أحمد ـ البحرين ـ .... )
تفسير : السرّ المستودع فيها :
س : ما المقصود بـ : « اللهم صلّي على فاطمة وأبيها ، وبعلها وبنيها ، والسرّ المستودع فيها » ، فما المقصود بالسرّ المستودع فيها؟
ج : لم يرد نصّ خاصّ يفسّر لنا معنى « السرّ المستودع فيها ».
نعم ، يمكن أن يقال في معناه عدّة احتمالات :
١ ـ إشارة إلى الأئمّة من ولدها عليهمالسلام.
٢ ـ إشارة إلى ولدها المحسن ، الذي أسقطته اليد الظالمة ، وصار شعاراً لمظلومية الإمامة ، ودليلاً على أحقّية أهل البيت عليهمالسلام بالإمامة.
٣ ـ إشارة إلى الإمام المهدي المنتظر عليهالسلام ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعدما مُلئت ظلماً وجوراً ، وأنّه من ذرّيتها.
٤ ـ إشارة إلى مظلوميتها.
٥ ـ إشارة إلى كونها حلقة وصل بين النبوّة والإمامة ، وبما أنّ الإمامة هي استمرار للنبوّة ، فلولا حلقة الوصل لما استمرت النبوّة بالإمامة.
( رباب ـ ... ـ ..... )
معنى : السرّ المستودع فيها :
س : أُودّ أن اسأل ما معنى : « اللهم إنّي أسألك بحقّ الزهراء وأبيها ، والسرّ المستودع فيها » ، ما معنى السرّ المستودع فيها؟ وما هو هذا السرّ؟
ج : الذي يقوى في النظر أنّ السر المذكور هو الميزة الفريدة التي أودعها الله تعالى في نشأة سيّدة نساء العالمين الزهراء عليهاالسلام ، وهي كونها الحلقة الوسيطة بين النبوّة والإمامة ، فبما أنّها بضعة النبيّ صلىاللهعليهوآله تكويناً ، وبتصريح الرسول صلىاللهعليهوآله ـ كما ورد في روايات كثيرة ـ تحمل في وجودها أسرار النبوّة ومميّزاتها.
ومن جانب آخر أصبحت عليهاالسلام تحتضن الإمامة ، بما أنّها كانت بجانب أمير المؤمنين عليهالسلام ، تربّي ولديها الإمامين الحسن والحسين عليهماالسلام ، فهي أصبحت تعتبر أُمّاً للأئمّة المعصومين عليهمالسلام.
وبالجملة : فهي بنت الرسول صلىاللهعليهوآله ، وزوجة الإمام علي عليهالسلام ، وأُمّ الأئمّة عليهمالسلام ، وهذه صفة لا نظير لها في الخلق ، وبهذا الاعتبار لا يبعد التوسّل والتمسّك بهذا السرّ المخزون في ذاتها ، في التقرّب إلى الله تعالى ، والعلم عند الله.
( أبو علي البحراني ـ ... ـ ..... )
مصادر ضربها وإسقاط جنينها :
س : هل صحيح ما نسمعه من بعض الشيوخ والمحاضرين ، الذين يروون أنّ فاطمة الزهراء عليهاالسلام قد ضربت من قبل الخليفة الثاني ، وأسقطت حملها أيضاً ، ما صحّة هذه الرواية؟ وهل هي من كتب الإمامية ، أو من كتب السنّة؟ دمتم للخير.
ج : لقد نقلت كتب الفريقين ـ قديماً وحديثاً ـ ما جرى على سيّدتنا فاطمة الزهراء عليهاالسلام من مأساة وظلامات ـ بعد رحيل رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى الرفيق الأعلى ـ أدّت بها إلى استشهادها عليهاالسلام.
من تلك الظلامات التي تسأل عن وجودها ، هو ضربها ، وإسقاط جنينها عليهاالسلام ، فنذكر لك بعض المصادر التي ذكرت ضربها عليهاالسلام ، وعليك بالمراجعة (١).
ونذكر لك بعض المصادر التي ذكرت إسقاط جنينها عليهاالسلام ، وعليك بالمراجعة (١).
( عبد المنعم ـ البحرين ـ .... )
مظلوميتها ثابتة :
س : هل قضية ضرب الزهراء مثبتة حقّاً وبالنصّ الأكيد؟ أرجو منكم الردّ سريعاً ، وذلك لاختلاج السؤال في ذهني.
ج : إنّ الله تعالى خلق الإنسان وعرّفه طريق الخير من الشر ، ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (٢) ليختار أيّ الطريقين ( إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (٣) ، وبالاختيار هذا الذي وهبه الله لعبده يستحقّ العبد الثواب أو العقاب ، ولولا الاختيار هذا لبطل الأجر.
وإنّ الله تعالى ـ وإتماماً للحجّة ـ جعل الأنبياء والأوصياء والأئمّة ليكونوا حجّة الله على الخلق ، فالنبيّ صلىاللهعليهوآله أخبر بكُلّ ما يجري على أهل بيته ، بالأخصّ ابنته الزهراء عليهاالسلام.
____________
١ ـ الهداية الكبرى : ١٧٩ و ٤٠٧ ، تفسير العيّاشي ٢ / ٣٠٨ ، تفسير نور الثقلين ٣ / ٢٠٠ ، الاحتجاج ١ / ١٠٩ ، بيت الأحزان : ١٢٣.
٢ ـ الاحتجاج ١ / ١٠٩ ، إقبال الأعمال ٣ / ١٦٦ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ١٧٦ ، بشارة المصطفى : ٣٠٧ ، كتاب سليم بن قيس : ١٥٣ ، تلخيص الشافي ٣ / ١٥٦ ، إثبات الهداة ٢ / ٣٧٠ ، بحار الأنوار ٢٨ / ٢٨٣ و ٩٧ / ٢٠٠ ، مرآة العقول ٥ / ٣٢٠.
٣ ـ البلد : ١٠.
٤ ـ الإنسان : ٣.
وحتّى النبيّ صلىاللهعليهوآله لاقى الكثير من التعدّي والأذى من قومه ، فصبر وصابر حتّى استطاع أن يوصل هذا الدين إلى الأرض المعمورة ، ويتمّ الحجّة على الناس.
ثمّ إنّ الإمام علي وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وسائر الأئمّة المعصومين عليهمالسلام ظُلموا وقُتلوا ، وتحمّلوا أنواع الأذى لأجل الدفاع عن الدين وبقائه.
فكُلّ هذه المظلومية ثابتة بنصوص بلغت بعضها حدّ التواتر ، وبذلك نعلم عظمة أهل البيت عليهمالسلام في صبرهم ، وتحمّلهم أنواع الظلم ، وسقيهم بدمائهم شجرة الإسلام ، التي منع النواصب عنها الماء.
( نوح الحاج ـ لبنان ـ .... )
لها خادمة لا ينافي زهدها :
س : السيّدة الزهراء عليهاالسلام كانت قمّة الزهد دون شكّ ، لكن الإشكال هو : كيف كانت لها خادمة اسمها فضة؟
ج : إنّ فاطمة الزهراء عليهاالسلام كانت المثل العليا لكافّة الصفات الحسنة والمكرمات الأخلاقية ، كما تصرّح بها نصوص الحديث والتاريخ والسيرة.
وأمّا في موضوع السؤال ، فإنّ الروايات المتضافرة دالّة على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قد منحها ، وعلّمها التسبيحة التي نسبت فيما بعد إليها ، بدلاً من الاستعانة بخادمة في البيت (١).
وأمّا ما جاء من وجود خادمة لها عليهاالسلام اسمها فضّة ، فهذا قد حدث متأخّراً بعد ما تحسّن وضع المسلمين نوعاً ما ، بسبب كثرة الفتوحات والغنائم ، فأتحفها الرسول صلىاللهعليهوآله فضّة ، لتستعين بها على بعض الأشغال في البيت ، حتّى تتفرّغ لعبادتها أكثر.
____________
١ ـ شرح الأخبار ٣ / ٦٧ ، من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٢٠ ، علل الشرائع ٢ / ٣٦٦.
ثمّ هناك نقطة هامّة يجب الانتباه إليها ـ وهي مطّردة في حياة المعصومين عليهمالسلام جميعاً ـ وهي : أنّهم كانوا يربّون أشخاصاً في بيوتهم تحت عنوان الخادم ، والغلام والعبد والأمة وغيرها ، وهؤلاء بدورهم كانوا يبثّون علوم ومعارف أهل البيت عليهمالسلام بين الناس ، وهذا ما نشاهده في بعض الأحاديث المذكورة ، والكلمات المنقولة عن فضّة مثلاً.
وعليه ، فتواجد الخادمة في بيت فاطمة عليهاالسلام ، قد كان من أجل تربيتها وتثقيفها أوّلاً وبالذات ، كما حدث كذلك.
( محمّد الزين ـ البحرين ـ .... )
مظلوميتها من أساسيات المذهب لا من المسائل التاريخية :
س : ما رأي أكثر الفقهاء في مسألة ضرب السيّدة الزهراء عليهاالسلام؟ هل يعتبر من أساسيات المذهب؟ أم أنّه مجرد مسألة تاريخية؟ ودمتم في خدمة الإسلام.
ج : لا يخفى على أحد أنّ من أهمّ أركان التشيّع :
١ ـ التولّي والولاية ، وهو عبارة عن موالاة أولياء الله واتباعهم ، وجعلهم القدوة في كُلّ الأُمور.
٢ ـ التبرّي والبراءة من أعداء الله ، سواء في ذلك بالعلن أو الخفية ، بالجنان واللسان.
فلا يصدق على أحد أنّه شيعي إذا أخلّ بأحد هذين ، إذ لا يمكن للولاء أن يتمّ من دون التبرّي ، ولأجل التبرّي والبراءة في الفكر الشيعي لقّب الشيعة بالروافض ، ولأجل هذا نشاهد أنّ المؤرّخين ينعتون من كان يروي من علماء أهل السنّة روايات في فضائل أهل البيت : « شيعي بلا رفض » أو « يتشيّع بلا رفض ».
ومن أهمّ المصاديق التي يبتني عليه التبرّي ، هو مظلومية أهل البيت عليهمالسلام عموماً ، ومظلومية الزهراء عليهاالسلام خصوصاً.
فالذين يشككّون ـ أيّاً من كان ـ في مظلومية أهل البيت عليهمالسلام ، ومظلومية الزهراء عليهاالسلام ، هم الذين في قلوبهم مرض ، يريدون أن يجعلوا التشيّع في الولاء فقط من دون تبرّي ، وذلك لأغراض أضمروها في قلوبهم.
وبعد هذا كُلّه ، يمكن للقارئ العزيز أن يشخّص هو بنفسه أنّ مظلومية أهل البيت عليهمالسلام عموماً ، ومظلومية الزهراء عليهاالسلام خصوصاً ، هل هي من أساسيات المذهب ، أم أنّها مجرد مسائل تاريخية؟
( أُمّ حسين ـ البحرين ـ .... )
قولها « خير للمرأة أن لا ترى رجلاً » لا يعارض خطبتها في المسجد :
س : في متابعتي لحياة السيّدة الزهراء عليهاالسلام ، وجدت أنّها تقول : « خير للمرأة أن لا ترى رجلاً ، ولا يراها رجل » في حين أنّها عليهاالسلام قد ذهبت مع ثلّة من نساء بني هاشم إلى مسجد الرسول صلىاللهعليهوآله ، لمطالبة أبي بكر بفدك ، وهو جالس مع جماعة من المهاجرين والأنصار ، وألقت خطبتها الشهيرة ، في حين أنّنا نعلم أيضاً أنّ صوت المرأة عورة ، أليس هناك تناقض في ذلك؟ مع شكري الجزيل.
ج : قول الزهراء عليهاالسلام فيما هو الخير للمرأة : « أن لا ترى رجلاً ، ولا يراها رجل » (١) هو بمعنى الأفضل والأحسن للمرأة أن لا ترى رجلاً ، ولا يراها رجل ، وذلك في الأوقات والحالات الطبيعية العادية ، وأمّا في الأوقات والحالات الضرورية ، التي تتطلّبها مقتضيات الحياة فلا ، كخروجها لصلة أرحامها ، أو ذهابها إلى الطبيب لمعالجتها ، وغير ذلك.
بل قد يتوجّب عليها الخروج بسبب الحفاظ على الدين وضرورياته ، ولا ضرورة أوجب من الدفاع عن الإمامة ، وعن مظلومية إمام اغتصبت فيه الخلافة ، كما فعلته الزهراء عليهاالسلام ، وذلك لتبيين الحقائق للأُمّة الإسلامية ، وعليه فلا تناقض في ذلك.
____________
١ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ١١٩.
( حسين قرقور ـ البحرين ـ .... )
سبب خروجها لباب دارها عند هجوم القوم :
س : من الآداب الإسلامية ، إذا جاء أحد لزيارة أحد البيوت يخرج الرجل إلى استقبال الزائر ، فلماذا لم يخرج الإمام علي عليهالسلام يوم هجوم القوم على الزهراء؟ وهو جالس في المنزل؟ أليس على الإمام عليهالسلام هو الذي يخرج ليستقبلهم بدل الزهراء؟
أو لماذا لم يخرج أحد الصحابة الذين كانوا مع الإمام علي عليهالسلام في ذلك الوقت لاستقبالهم؟ لماذا تذهب امرأة لمقابلة رجال.
ج : أوّلاً : لم يأت القوم إلى بيت الزهراء عليهاالسلام زيارة ، وإنّما كان هجوماً كما ذكرتم ، حيث جاء جماعة للحرب على صورة همجية بصياح وعربدة.
وثانياً : خروج الزهراء عليهاالسلام لهم كان من باب أن يرتدع القوم من الهجوم على بيت بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، لأنّ المخاطب لهم من وراء الباب هو بنت نبيّهم ، التي قال في حقّها رسول الله صلىاللهعليهوآله : « فإنّما هي بضعة منّي ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها » (١).
فهل ارتدع القوم ورجعوا؟! أم أنّ عمر لمّا أمر بإحراق البيت ، قيل له : إنّ فيها فاطمة؟ فقال : وإن!! (٢) ، وإن في شخوص الزهراء خلف الباب ، ومحاججتها مع القوم ، هو إتمام الحجّة عليهم ، وعلى جميع المسلمين ، ولكن أين مَن له قلب؟! وأين من يلقي السمع وهو شهيد؟!
____________
١ ـ صحيح البخاري ٦ / ١٥٨ ، مسند أحمد ٤ / ٥ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٦٠ ، المستدرك ٣ / ١٥٩ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٧ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ١٣٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٥٣ و ٤٧٨ ، الآحاد والمثاني ٥ / ٣٦٢ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٤٠٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٣ / ١٥٦.
٢ ـ الإمامة والسياسة ١ / ٣٠.
( أحمد ـ السعودية ـ .... )
كان علي في بيتها عند هجوم القوم :
س : هل كان الإمام علي عليهالسلام موجود في البيت عندما ضربت فاطمة الزهراء عليهاالسلام؟
ج : ذكرت الأخبار وجود الإمام علي عليهالسلام والحسنين عليهماالسلام في الدار ، حين هجوم القوم على دار الزهراء عليهاالسلام ، وعصرها ما بين الحائط والباب ، وأضافت بعض الأخبار وجود الزبير وفضّة أيضاً (١).
هذا وقد استفاد البعض من وجود الإمام علي عليهالسلام في الدار لإثارة بعض الشبهات لتكذيب ما ورد من المآسي على الزهراء عليهاالسلام.
من تلك الشبهات : أنّ وجوده عليهالسلام في الدار ، وعدم نصرته للزهراء عليهاالسلام ينافي الشجاعة.
قال ابن روزبهان عن حديث الإحراق : « لو صحّ هذا دلّ على عجزه ، حاشاه عن ذلك ، فإنّ غاية عجز الرجل أن يحرق هو وأهل بيته ، وامرأته في داره ، وهو لا يقدر على الدفع ... ».
وقد أجاب عن هذه الشبهة أحد علماء الزيدية ـ وهو ابن حمزة ـ في كتابه الشافي ما نصّه : « أنّا قد بيّنا أنّه لا عار عليه في أن يغلب ، إذ ليست الغلبة دلالة حقّ ، ولا باطل ، ولا على جبن ، وهو إمام معصوم بالنصّ ، لا يفعل بالعصبية ، وإنّما يفعل بالأمر ، وقد أُمر بالصبر ، فكان يصبر امتثالاً لأمر الله تعالى ، وأمر رسوله صلىاللهعليهوآله ، لا يقدم غضباً ولا يحجم جبناً ... » (٢).
بالإضافة إلى هذا الردّ ، فقد كان المهاجمون على دار الزهراء عليهاالسلام يريدون استدراج الإمام علي عليهالسلام لمعركة ، يتضرّر من خلالها الإسلام ، فشجاعة علي عليهالسلام هنا هي بصبره على الأذى ، وعدم استجابته للاستفزاز الذي مارسوه ضدّه عليهالسلام.
____________
١ ـ الأمالي للشيخ المفيد : ٤٩ ، الاحتجاج ١ / ٢٣٧.
٢ ـ الشافي ٤ / ٢٠٠.
ومن تلك الشبهات أيضاً : أنّ وجوده عليهالسلام في الدار ، وتركه زوجته تبادر لفتح الباب يتنافى مع الغيرة والحمية.
ونقول في الجواب :
أوّلاً : أنّه لاشكّ في أنّ علياً عليهالسلام هو إمام الغياري ، وهو صاحب النجدة والحمية.
وثانياً : المهاجمون هم الذين اعتدوا ، وفعلوا ما يخالف الدين والشرع ، والغيرة والحمية ، وحتّى العرف الجاهلي ، أمّا الإمام علي عليهالسلام فلم يصدر منه شيء من ذلك ، بل هو قد عمل بتكليفه ، حتّى ولو كلّفه ذلك روحه التي بين جنبيه.
وثالثاً : لقد كان النبيّ صلىاللهعليهوآله يأمر بعض زوجاته ـ كأُمّ أيمن ـ بأن تجيب من كان يطرق عليه الباب حين يتقضي الأمر ذلك ، وهل هناك أغير من رسول الله صلىاللهعليهوآله؟
وأخيراً : فإنّ مثول بنت الرسول وراء الباب ، ومحاججتها معهم ، كُلّ ذلك إتماماً للحجّة ، لكي يرجع القوم إلى الحقّ ، ويعرفوا طريقه ، ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (١).
( .... ـ البحرين ـ .... )
وصية النبيّ لعلي تشمل السكوت عند ضربها :
س : ما هو مدلول وصية الرسول صلىاللهعليهوآله إلى الإمام علي عليهالسلام؟ فالبعض يقول : إنّها خاصّة بالخلافة ، وليس فيها ما يشير إلى وصيّته بالسكوت عند ضرب الزهراء عليهاالسلام.
ج : إنّ الوصية المذكورة لم تنقل إلينا بتمامها وتفاصيلها ، وإنّما وردت مقاطع منها في نصوص مختلفة ، تدلّ بالمجموع على أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام بالصبر على غدر الأعداء ، وتهاون البعض وغير ذلك.
____________
١ ـ الأنفال : ٤٢.
ومن ضمن الأُمور المنصوصة في هذه الوصية هو : الصبر على انتهاك الحرمة ، وقد وردت نصوص أُخرى تخبر عن المظالم التي سوف تقع على أهل البيت عليهاالسلام عموماً ، والزهراء عليهاالسلام خصوصاً (١).
فمن مجموع هذه الأخبار ، نستنتج أنّ الإمام عليهالسلام كان مأموراً بالصبر ، حتّى بالنسبة للمظالم التي وردت على فاطمة الزهراء عليهاالسلام.
( علي الشهراني ـ البحرين ـ ٢٣ سنة ـ طالب )
السبب في عدم دفاع الإمام علي عنها :
س : يجادلونا أهل السنّة ويقولون لنا : ما هي الأدلّة أنّ عمر كسر ضلع فاطمة؟ وأسقط جنينها؟ وأحرق بيتها؟ وطبعاً أنا ما عندي شكّ ، ولا تزحزحني أباطيلهم ، نعم هم الذين هجموا على فاطمة الزهراء عليهاالسلام.
ويقولون لنا : لماذا الإمام علي ما دافع وقتلهم وهم في بيته؟ أنا الذي أعرفه من وصية من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، نرجو منكم ما حكمة هذه الوصية وفلسفتها ، ونريد منكم غير الوصية من الإثباتات؟
وشكراً لكم ، وطيّب الله أنفاسكم ، وجعلكم ذخراً للأُمّة الإسلامية.
ج : الأدلّة على كسر ضلع الزهراء عليهاالسلام ، وإسقاط جنينها ، ولطمها على خدّها ، وإحراق باب دارها ، وعصرها بين الحائط والباب ، هي النصوص المتواترة التي نقلتها كتب الفريقين ، بل بعض أهل السنّة لم يسكتوا عن نقلها حتّى من أشدّها رزية ومصيبة ، منهم :
١ ـ الذهبي : « إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن » (٢).
٢ ـ ابن قتيبة : « إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي » (٣).
____________
١ ـ الصراط المستقيم ٢ / ٩٢.
٢ ـ سير أعلام النبلاء ١٥ / ٥٧٨.
٣ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ١٣٣ عن المعارف لابن قتيبة.
٣ ـ الشهرستاني : « إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها » (١).
٤ ـ المسعودي : « وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتّى أسقطت محسناً » (٢).
٥ ـ الصفدي : « إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسن من بطنها » (٣).
والسبب في عدم دفاع الإمام علي عليهالسلام عن هجوم القوم على بيته ، هو :
١ ـ قيّدته عليهالسلام وصية من أخيه رسول الله صلىاللهعليهوآله بالصبر على ما يلاقيه من القوم للحفاظ على بيضة الإسلام ، فصبر عليهالسلام امتثالاً لأمر الله تعالى ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وتحمّل أنواع الأذى في هذا السبيل.
٢ ـ إنّ الظروف آنذاك ما كانت تسمح للإمام عليهالسلام عن أنّ يدافع ويحارب القوم وذلك :
أ ـ لقلّة الناصر ، فقد صرّح عليهالسلام في خطبه بهذه النقطة.
ب ـ لضياع الدين الإسلامي الأصيل ، فإنّه عليهالسلام ذكر في كلامه مع الزهراء عليهاالسلام بأنّ مواجهة القوم تؤدّي إلى رفع الشهادة الثانية من الأذان ، وتشويه وتزييف الحقائق ، ولم يكن عليهالسلام ليفرط في دينه في سبيل شيء آخر.
٣ ـ أراد عليهالسلام يكشف لمجتمعه وللأجيال القادمة حقيقة القوم في التزامهم لمبادئ الدين الإسلامي.
هذا ولا يخفى ما للوصية من حكم لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، ولعلّ من أبرزها هو امتحان الأُمّة في مدى تمسّكها بالثقل الثاني الذي أوصى به رسول الله صلىاللهعليهوآله في حديث الثقلين.
____________
١ ـ الملل والنحل ١ / ٥٧.
٢ ـ إثبات الوصية : ١٤٦.
٣ ـ الوافي بالوفيات ٦ / ١٥.
( يوسف ـ الجزائر ـ سنّي ـ ٢٥ سنة )
قبرها مجهول :
س : أخبرني شيخ شيعي : أنّ قبر فاطمة الزهراء غير معلوم لأنّها أوصت بأن لا يُعرف ، بينما أخبرني أحد مشايخ الصوفية : أنّ قبرها موجود في البقيع ، وأنّه قد زاره ، وفسّر وصيتها ، أي أن لا توضع على القبر علامة.
بينما وجدت في كتاب دلائل الخيرات للشيخ سليمان الجزولي : أنّ قبرها موجود بجوار الروضة الشريفة ، فما وجه الصواب في هذه المسألة الخلافية؟
ج : الحقّ ما أخبرك به الشيخ الشيعي ، من أنّ قبرها غير معلوم ، لأنّها أوصت بأن تدفن ليلاً ، وأن لا يشهد أحد من أعداء الله جنازتها ، ولا دفنها ، ولا الصلاة عليها.
وأمّا الروايات التي تقول أنّ قبرها في البقيع ، فذلك لأنّ الصحابة توقّعوا قبرها في البقيع ، فذهبوا فوجدوا فيه أربعين قبراً جدداً ، لأنّ الإمام قد رشّ أربعين قبراً في البقيع ، ولا يعني هذا أنّ القبر بالبقيع ، لاحتمال كونه في غير البقيع ، كما تخبر بعض الأخبار الأُخرى بذلك.
أمّا كون قبرها في الروضة ، فهو أحد الاحتمالات على ما فهم من حديث الرسول صلىاللهعليهوآله : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » ، وذلك بأنّ الروضة هي قبر فاطمة عليهاالسلام على ما توضّحه بعض الروايات عن المعصومين عليهمالسلام.
وأمّا ما في البقيع فهو قبر فاطمة بنت أسد أُمّ الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، يزوره بعض أهل السنّة على أنّه قبر فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، ولكن الحقائق التاريخية تثبت أنّه لفاطمة بنت أسد.
( أبو علي ـ السعودية ـ .... )
خطبتها في مصادر أهل السنّة :
س : هل وردت في كتب القوم إشارات لخطبة سيّدتنا ومولاتنا الزهراء عليهاالسلام؟ نرجو تزويدنا بالمصادر ، وفّقكم الله لكُلّ خير.