مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-04-1
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٨٨
وكذلك تقديم النبيّ صلىاللهعليهوآله المتأخّرين بانتظارهم حتّى اجتمعوا ، وإرجاع المتقدّمين الذين أسرعوا بالسير ، وجمعهم في تلك البقعة ، وفي ذلك الوقت الحارّ ، وقت الظهيرة الشديد الحرّ ، وخصوصاً أنّهم قد قضوا مناسكهم وهم مسافرون ، وتنتظرهم مسافات شاسعة للوصول إلى ديارهم وأهليهم.
فما هو ذلك الأمر المهمّ ، الذي يستوجب كُلّ هذا من جمع كبير ، وحشد مؤمن راجع من شعيرة عظيمة تمحي الذنوب ، وترجع العبد إلى ربّه كالثوب الأبيض ، وتهيأه لتحمّل أمر صعب القبول على النفس الأمارة بالسوء؟
فأوضح رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد ذلك بخطبته البليغة ما يريد أن يزفّ من بشرى وعيد للمؤمنين ، مع خوفه وإشفاقه على الآخرين ، الذين سيغيّرون ويحدثون في الدين من بعده صلىاللهعليهوآله ، كما صرّح بذلك في مناسبات أُخر.
٢ ـ القرائن المقالية : وهي ابتداء النبيّ صلىاللهعليهوآله بقوله : « يوشك أن يأتيني رسول ربّي عزّ وجلّ فأُجيب ».
فهذه قرينة واضحة لكُلّ عاقل ، بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله يريد أن يوصي أُمّته وصية موته ، وأمر الأُمّة من بعده ، وقوله صلىاللهعليهوآله : « وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله فيه الهدى والنور ... وأهل بيتي » (١) ففيها دلالة على ترك البديل له صلىاللهعليهوآله ، والممثّل الشرعي من بعده.
وقوله صلىاللهعليهوآله : « أذكركم الله في أهل بيتي » تأكيد عميق منه صلىاللهعليهوآله ، بعد أن أكّد ذلك ثلاث مرّات بالتكرار ، للتأكيد على هذا الأمر العظيم الثقيل ، الذي يتوقّع عدم قبوله من أكثرهم.
وأمّا في الرواية الأُخرى ، ففي بدايتها يشهدهم النبيّ صلىاللهعليهوآله بقوله : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم »؟ قالوا : بلى ، فأكّد ثانياً ، وقال : « ألست أولى
____________
١ ـ صحيح مسلم ٧ / ١٢٣ ، سنن الدارمي ٢ / ٤٣٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٣٠ و ١١٤ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٧.
بكُلّ مؤمن من نفسه »؟ قالوا : بلى ، بعد الإقرار منهم له صلىاللهعليهوآله ، بأنّه أولى بالتصرّف بهم من أنفسهم ، وله الولاية العظمى عليهم ، أتبع ذلك بقوله : « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه » (١) ، فهذا تفريع على ذلك الإقرار وتلك المقدّمة.
وأمّا عدم قول النبيّ صلىاللهعليهوآله أولى صراحة فلأنّه إمام البلغاء ، فلو استخدم هذا اللفظ فسوف يقول : « من كنت أولاه فعلي أولاه » ، وهذا لا يجوز في اللغة العربية ، وكذلك أنّ لفظة « أولى » مبنية على أفعل التفضيل ـ الذي فيه مشاركة وزيادة ـ فتعني أنّ علياً أولى من ولي آخر ، ولا يوجد هناك ولي آخر في ذلك الوقت ، لأنّ الإمام والقائد يجب أن يكون واحداً للزمان الواحد ، وهذا بديهي ومسلّم من الجميع.
وعليه ، فإنّ علياً عليهالسلام الولي الوحيد بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ، وإنّما تفيد الحصر والقصر.
ولو أردت قرائن أُخر ، وروايات شتّى ، وأقوال لعلماء أهل السنّة ، وحتّى الصحابة بمعنى الولاية وقصدها من النبيّ صلىاللهعليهوآله لزدناك.
( أُمّ محمّد ـ الكويت ـ ٤٠ سنة ـ جامعية )
عصم النبيّ فيه من القتل والتكذيب :
س : من المؤكّد أنّ العصمة الموعودة من الله تعالى لنبيّه الكريم في آية ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٣) لا تشير إلى خوف من النبيّ على نفسه ، وإنّما
____________
١ ـ مسند أحمد ٤ / ٢٨١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٣ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٢١ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٩ و ٧ / ٣٨٥ ، المناقب : ١٥٥ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٧ ، ينابيع المودّة ١ / ٩٨.
٢ ـ المائدة : ٥٥.
٣ ـ المائدة : ٦٧.
خوف من التكذيب وعدم نفاذ هذا الأمر ، فكيف استطاع عمر بن الخطّاب أن يمنعه بقوله : إنّه ليهجر؟
ج : إنّ الروايات الواردة في تفسير هذه الآية عن أهل البيت عليهمالسلام ، وكذلك أقوال المفسّرين من الإمامية وغيرهم ، تشير إلى أنّ العصمة التي وعد الله نبيّه صلىاللهعليهوآله في هذه الآية ، تدور بين أمرين ؛ إمّا العصمة من القتل ، أو العصمة من التكذيب حين تبليغ ما أمر الله عزّ وجلّ بتبليغه ، وكلاهما قد وفى الله سبحانه بهما لنبيّه صلىاللهعليهوآله.
ففي حديث طويل عن ابن عباس : فانزل الله تبارك وتعالى عليه : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « تهديد بعد وعيد ، لأمضين أمر الله عزّ وجلّ ، فإن يتّهموني ويكذّبوني فهو أهون عليَّ من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة » (١).
وفي شرح أُصول الكافي للمولى المازندراني : قوله : ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) من ولاية علي عليهالسلام ، ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) ، لأنّ الولاية أصل الدين وسائر الشرائع فروع وتوابع لها ، وعدم تبليغ الأصل موجب لعدم تبليغ الفرع قطعاً ، ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) قد وفى الله تعالى بما وعده ، حيث أنّهم عن آخرهم قبلوا منه ذلك وصدّقوه يومئذ ، وحيّوه بأحسن تحية وباركوه (٢).
وعن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا : أمر الله محمّداً صلىاللهعليهوآله أن ينصب علياً للناس فيخبرهم بولايته ، فتخوّف رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يقولوا : حابى ابن عمّه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله إليه الآية (٣).
____________
١ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٤٣٦.
٢ ـ شرح أُصول الكافي ٦ / ١١٩.
٣ ـ مجمع البيان ٣ / ٣٨٢.
وفي المصدر ذاته : وقد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام أنّ الله أوحى إلى نبيّه صلىاللهعليهوآله أن يستخلف علياً عليهالسلام فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما أمره بأدائه (١).
وقد وردت بعض الأقوال في تفسير هذه الآية بالعصمة من القتل (٢).
ومن خلال ذلك نعلم أنَّ العصمة للنبي صلىاللهعليهوآله تحقّقت بشقّيها ـ سواء الخشية من القتل أو الخشية من التكذيب ـ حيث سلم النبيّ صلىاللهعليهوآله من المنافقين والحاقدين من أن يعتدوا عليه لتنصيب علي عليهالسلام.
وهو في هذا الموقف يشابه موقف موسى عليهالسلام حيث توقّف عن التبليغ خشية القتل ، كما حكى الله تعالى عنه : ( رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ) (٣) ، وقد قتل علياً عليهالسلام من قريش نفوساً كثيرة.
وأيضاً تحقّق له أمر تصديقهم له ، وتسليمهم لعلي عليهالسلام بإمرة المؤمنين ، والولاية في وقتها في أحاديث مشهورة متضافرة نقلت وقائع تلك الحادثة ، وهذا لا ينافي حصول المعارضة بعد ذلك ، لأنّ الذي يفهم من الآية وحسب ظاهرها أنّ العصمة كانت في آن التبليغ بولاية علي عليهالسلام ، وقد تحقّق ذلك للنبي صلىاللهعليهوآله.
( فايز الزبيدي ـ اليمن ـ ٤٠ سنة )
أمر التبليغ بولاية علي كانت فيه :
س : عندما أرسل الرسول صلىاللهعليهوآله الرسائل إلى قيصر الروم وملك فارس ، يدعوهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ، لم يذكر فيها الإمام علي عليهالسلام إذ قال
____________
١ ـ المصدر السابق ٣ / ٣٨٣.
٢ ـ أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٨ ، الأم ٤ / ١٦٨ ، بحار الأنوار ٨٩ / ١٦٤ ، الخرائج والجرائح ٣ / ١٠٤٥.
٣ ـ القصص : ٣٣.
فيما معناه : « أن تشهد أنّ لا اله إلاّ الله محمّد رسول الله » ولم يضف : « علي ولي الله » ، لماذا؟
ج : من المعلوم لديكم أنّ أحكام الشريعة المقدّسة قد نزلت بالتدرّج ، ولم تنزل دفعة واحدة ، فإنّك تجد مثلاً أنّ النطق بالشهادتين في أوّل الدعوة مدعاة لعصمة المال والدم ، كما ورد في الأحاديث الشريفة المتضافرة : ( لا أزال أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوها فقد عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على الله » (١).
ثمّ بعد نزول الفرائض وتوسّع الأحكام ، قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « من شهد أن لا إله إلاّ الله ، واستقبل قبلتنا ، وصلّى صلاتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فهو المسلم ، له ما للمسلم ، وعليه ما على المسلم » (٢).
لذا فالرسائل التي بعثها النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآله إلى رؤساء البلدان في أوّل الدعوة كانت وفق هذا السياق ، وهو إعلان التوحيد الذي أراده الله سبحانه ، بأن لا يشرك به عباده شيئاً ، والإقرار بنبوّة نبيّه محمّد صلىاللهعليهوآله ، الذي يعني التسليم بكُلّ ما سيبلّغه النبيّ صلىاللهعليهوآله للأُمّة ، ومنها ولاية علي عليهالسلام التي نزل أمر الله سبحانه للنبيّ صلىاللهعليهوآله بالتبليغ بها في آخر الدعوة ، كما هو المعلوم في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٣).
وقد جمع النبيّ صلىاللهعليهوآله أصحابه في ذلك الموقع الذي يقال له غدير خم في حادثة مشهورة معروفة ، ليخبرهم بأمر الله في التبليغ بولاية علي عليهالسلام ، وبعد التبليغ بولايته عليهالسلام نزل قوله تعالى : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا » (٤).
____________
١ ـ الأُم ٦ / ٤ و ١٧٠ ، المصنّف للصنعاني ١٠ / ١٧٢ ، السنن الكبرى للنسائي ٢ / ٢٨٠ ، المعجم الأوسط ٦ / ٢١٥ و ٢٩٩ ، المعجم الكبير ٢٠ / ٦٣.
٢ ـ صحيح البخاري ١ / ١٠٣ سنن النسائي ٧ / ٧٦ ، السنن الكبرى للنسائي ٢ / ٢٨٠.
٣ ـ المائدة : ٦٧.
٤ ـ المائدة : ٣.
نعم ورد التبليغ بولاية علي عليهالسلام وخلافته بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله في موارد خاصّة ـ لا على نحو التبليغ العام كما جرى في غدير خم ـ كما في يوم الدار عند نزول قوله تعالى : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (١) ، حيث قال : النبيّ صلىاللهعليهوآله آخذاً بيد علي عليهالسلام : « إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا » (٢).
ولعلّ للتأخّر في الإبلاغ العام بولاية علي عليهالسلام أسباب كثيرة ، فيها موقع سيف علي عليهالسلام في الذود عن حمى الرسالة ، ووتره لكُلّ القبائل العربية بقتل أبنائها في الحروب التي واجهوا بها النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولخصائصه النفسية وقربه الشديد من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، حيث جعله موضع حسد البعض وتحاملهم عليه.
لذا نجد النبيّ صلىاللهعليهوآله يخشى التبليغ بأمر الولاية بشكل عام ، والله سبحانه قد علم من نبيّه صلىاللهعليهوآله هذه الخشية ، فأخبره سبحانه بأنّه سيعصمه من الناس من حيث القتل والتكذيب عند التبليغ ، وقد وفى سبحانه لنبيّه صلىاللهعليهوآله بما وعده عليه ، حيث سلّم جميع الحاضرين في يوم غدير خم على الإمام علي عليهالسلام بالولاية.
وقد اشتهر قول عمر في تلك الواقعة : هنيأً يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كُلّ مؤمن ومؤمنة (٣).
____________
١ ـ الشعراء : ٢١٣.
٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٩ ، تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٦٣ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢١١ ، جواهر المطالب ١ / ٨٠ ، جامع البيان ١٩ / ١٤٩ ، شواهد التنزيل ١ / ٤٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ٣٦٤ ، السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٤٥٩ ، كنز العمّال ١٣ / ١٣٣.
٣ ـ مسند أحمد ٤ / ٢٨١ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ ، شرح نهج البلاغة ٥ / ٨ ، نظم درر السمطين : ١٠٩ ، كنز العمّال ١٣ / ١٣٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٢٢ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٩ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٧ ، جواهر المطالب ١ / ٨٤.
الغسل :
( حسن أحمد الملاّح ـ البحرين ـ .... )
كيفية تغسيل الميت التالف :
س : نرجو التفضّل بإفادتنا حول كيفية إجراء غسل الميت في الحالات التالية :
١ ـ إذا تعرّض الإنسان لحرق أدّى لتفحّم الجثّة ، أو شبه التفحّم ، مع فقدان أعضاء التيمّم ، وعدم إمكان صبّ الماء بالطريقة المتعارفة في عملية الغسل ، خشية الضرر على الجثّة.
٢ ـ في حالة تعرّض الجثّة إلى التعجّن أو ما شابه ـ كما في حالات الكوارث من الطيران أو السيّارات ـ بحيث يختلط العظم باللحم والأحشاء ، ممّا لا يبقي الجثّة على صورتها الطبيعية ، بل يحوّلها إلى كومة من الخليط اللحمي ، أجارنا الله وإيّاكم والمؤمنين والمؤمنات من سوء هذا الأمر.
أفيدونا مأجورين.
ج : لقد ثبت في الفقه الإسلامي وأُصوله : إنّ لكُلّ موضوع حكماً ، وأنّ الحكم تابع للموضوع ، ومع فقد الموضوع يسقط الحكم ، كما أنّ مع تغيّر الموضوع يتغيّر الحكم ، وسقوط الحكم الشرعي إنّما يكون بواحدة من هذه الأُمور :
إمّا بالطاعة ، كمن يتوجّه إليه حكم الصلاة فصلّى ، فإنّ حكم وجوب الصلاة يسقط عنه ، وكذلك يسقط بالمعصية ، كمن لم يصلّ في وقتها
معصيةً ، فإنّه يسقط عنه حكم الأداء ، ويبقى عليه حكم القضاء ، وقد أثم بترك الأداء لو كان متعمّداً.
وممّا يوجب سقوط الحكم أيضاً فقدان الموضوع ، كوجوب غسل الميت لو كان الميت موجوداً ، ومع عدمه ـ كما لو أكله الحيوان ، أو أخذه السيل ـ فإنّه يسقط الغسل أو التكفين ، ومفروض المسألة : لو كان يمكن غسله ولو بصبّ الماء عليه فإنّه يلزم ذلك ، أمّا لو كان بنحو لا يمكن حتّى صبّ الماء عليه ، فهو بحكم المفقود ، فيلزم سقوط الغسل عنه حينئذٍ.
وعن الإمام علي بن الحسين ، أو عن الإمام الصادق عليهمالسلام قال : « المجدور والكسير والذي به القروح يصبّ عليه الماء صبّاً » (١).
وعن الإمام علي عليهالسلام أنّه سُئل عن رجل يحترق بالنار ، فأمرهم أن يصبّوا عليه الماء صبّاً ، وأن يصلّى عليه (٢).
وعن الإمام علي عليهالسلام أيضاً قال : « إنّ قوماً أتوا رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا : يا رسول الله ، مات صاحب لنا وهو مجدور ، فإن غسلناه انسلخ ، فقال : يمّموه » (٣).
وطبقاً لهذه الروايات الشريفة ، إن أمكن صبّ الماء عليه فليصب ، وإلاّ فيتيمّم ، إن كانت أعضاء التيمّم سالمة ويمكن تيمّمه ، وإلاّ فإنّه يسقط الحكم الشرعي ، أي وجوب الغسل بزوال الموضوع ، أو عدم التمكّن منه.
وجاء في كتاب العروة الوثقى : « القطعة المبانة من الميت ، إن لم يكن فيها عظم ، لا يجب غسلها ولا غيره ، بل تلفّ في خرقة وتدفن ، وإن كان فيها عظم ، وكان غير الصدر تغسل ، وتلفّ في خرقة وتدفن ، وإن كان الأحوط تكفينها بقدر ما بقي من محلّ القطعات الثلاث ، وكذا إن كان عظماً مجرّداً.
____________
١ ـ تهذيب الأحكام ١ / ٣٣٣.
٢ ـ الكافي ٣ / ٢١٣ ، تهذيب الأحكام ١ / ٣٣٣.
٣ ـ تهذيب الأحكام ١ / ٣٣٣.
وأمّا إذا كانت مشتملة على الصدر ، وكذا الصدر وحده ، فتغسل وتكفّن ويصلّى عليها وتدفن ، وكذا بعض الصدر ، إذا كان مشتملاً على القلب ، بل وكذا عظم الصدر ، وإن لم يكن معه لحم.
وفي الكفن يجوز الاقتصار على الثوب واللفّافة ، إلاّ إذا كان محلّ المئزر أيضاً موجوداً ، والأحوط القطعات الثلاثة مطلقاً ، ويجب حنوطها أيضاً » (١).
إن بقي جميع عظام الميّت بلا لحم ، وجب إجراء جميع الأعمال (٢).
نقول : ولمّا كانت بعض هذه الموارد مورد احتياط واختلاف بين الفقهاء ، فالمفروض أن تسأل من تقلّده ، وترجع إليه في الفتوى.
( .... ـ البحرين ـ ١٨ سنة )
عندنا يختلف عن الغسل عند أهل السنّة :
س : هل يوجد اختلاف في الغسل بيننا وبين أهل السنّة ، كما هو موجود في الوضوء؟
ج : واجبات الغسل عندنا هي :
أوّلاً : النية ، ثانياً : غسل تمام البشرة ، ثالثاً : الترتيب بين أعضاء الغسل أي بين الرأس والطرفين ، وبين الشقّ الأيمن والأيسر ، رابعاً : تطهير تمام البدن من كُلّ نجاسة.
بينما نجد واجبات الغسل عند أهل السنّة تختلف حسب اختلاف المذاهب :
فقد اتفق الأئمّة الأربعة على أنّ تعميم الجسد كُلّه بالماء فرض ، واختلفوا في داخل الفم والأنف ، فقال الحنابلة والحنفية : إنّه من البدن ، فالمضمضة الاستنشاق فرض عندهما في الغسل ، أمّا الشافعية والمالكية فقد قالوا : إنّ الفرض هو غسل الظاهر فقط ، فلا تجب المضمضة والاستنشاق في الغسل.
____________
١ ـ العروة الوثقى ٢ / ٤٦.
٢ ـ نفس المصدر السابق.
واتفقوا على ضرورة إيصال الماء إلى كُلّ ما يمكن إيصاله إليه من أجزاء البدن ، واتفقوا على إزالة كُلّ حائل يمنع وصول الماء إلى ما تحته ، إلاّ أنّ الحنفية قد اغتفروا للصناع ما يلصق برؤوس أناملهم تحت الأظافر ، إذا كان يتعذّر عليهم إزالته دفعاً للحرج.
واتفقت الشافعية والمالكية على أنّ النية فرض ، وأمّا الحنابلة يقولون : إنّ النية شرط لا فرض ، والحنفية يقولون : إنّها سنّة.
( .... ـ ٢٤ سنة ـ طالب جامعة )
الإمام عليهالسلام يحتاج إليه :
س : هل الإمام المعصوم عليهالسلام يحتاج إلى غسل؟ وإذا كان الجواب بنعم ، فما معنى طهارتهم في قوله تعالى : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١)؟
ج : إنّ حكم الغسل جار للمعصوم وغيره ، فالإمام عليهالسلام يغتسل ويغسّل غسل الميت ، ولهذا ورد أنّ الإمام لا يغسّله إلاّ إمام مثله (٢).
وأمّا المقصود من الطهارة للإمام عليهالسلام في قوله تعالى : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) هو : الطهارة من الآفات والمعاصي والذنوب.
فعن رسول الله صلىاللهعليهوآله : « فأنا وأهل بيتي مطهّرون من الآفات والذنوب » (٣).
____________
١ ـ الأحزاب : ٣٣.
٢ ـ الكافي ١ / ٣٨٥ ، الخرائج والجرائح ١ / ٢٦٤.
٣ ـ تفسير فرات الكوفي : ٣٤٠.
الغلوّ :
( ... ـ .... ـ سنّي )
لا غلوّ في حبّ علي وما قاله :
س : أُودّ أن أفهم مدى الغلوّ في الإمام علي؟ وكيف أنّ الإمام علي روح من الرسول صلىاللهعليهوآله؟ وكيف أنّ الإمام علي ( كرّم الله وجه ) قال : « أنا عبد من عبيد الرسول »؟
ج : نودّ إعلامك : أنّ الغلوّ بمعنى تجاوز الشيء حدّه ، لذا نهي عن الغلوّ في قوله تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحقّ ) (١) ، لأنّ النصارى قالوا : إنّ المسيح ابن الله ، وهذا غلوّ في حقّ عيسى كونه ابن الله ، وغلوّ في حقّ الله تعالى لأنّهم نسبوا له ولداً ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
ثمّ إذا كان قصدك من الغلوّ في الإمام علي عليهالسلام هو الحبّ الذي تكنّه الشيعة له ، فهذا لا يعدّ غلوّاً ، فإنّ الشيعة قد تبعت بذلك الله تعالى ورسوله ، ولم تتجاوز ذلك أبداً ، ففي حديث الراية ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله ، يفتح الله عليه » ، فإذا نحن بعليٍ وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ففتح الله عليه (٢).
____________
١ ـ المائدة : ٧٧.
٢ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، مسند أحمد ٥ / ٣٣٣ ، صحيح البخاري ٤ / ٢٠ و ٢٠٧ و ٥ / ٧٦ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٣٦٢ ، مجمع الزوائد ٦ / ١٥٠ ، مسند أبي داود : ٣٢٠ ، كتاب
وعن عوف بن أبي عثمان النهدي قال : قال رجل لسلمان : ما أشدّ حبّك لعلي! قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني » (١).
وهكذا ورد في علي بن أبي طالب كُلّ خير ، وفي موالاته كُلّ نجاة ، فهل حبّه الذي فرضه النبيّ صلىاللهعليهوآله علينا يعدّ غلوّاً وتجاوزاً ، أعيذك بالله أن تجعل ما فعله النبيّ صلىاللهعليهوآله غلوّاً وغير الحقّ ، وهكذا هو تعاملنا مع علي عليهالسلام لا يتجاوز ما أمرنا النبيّ صلىاللهعليهوآله في حبّه وولايته.
وأيضاً في قوله تعالى : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (٢) فعن ابن عباس قال : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ ) يعني يحبّ الله ، ( وَرَسُولَهُ ) يعني محمّداً ، ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) يعني ويحبّ علي بن أبي طالب ، ( فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) يعني شيعة الله ، وشيعة محمّد ، وشيعة علي هم الغالبون ، يعني العالون على جميع العباد ، الظاهرون على المخالفين لهم.
قال ابن عباس : فبدأ الله في هذه الآية بنفسه ، ثمّ ثنّى بمحمّد ، ثمّ ثلّث بعلي ، ثمّ قال : فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « رحم الله علياً ، اللهم أدر الحقّ معه حيث دار ».
____________
السنّة : ٥٩٤ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٦ و ١٠٨ و ١٧٣ ، خصائص أمير المؤمنين : ٤٩ و ٥٦ و ٦١ ، المعجم الكبير ٧ / ٣١ و ١٨ / ٢٣٧ ، دلائل النبوّة : ١٢٤ ، شرح نهج البلاغة ١١ / ٢٣٤ و ١٣ / ١٨٦ ، نظم درر السمطين : ٩٨ ، كنز العمّال ١٠ / ٤٦٨ و ١٣ / ١٦٢ ، فيض القدير ٦ / ٤٦٥ ، شواهد التنزيل ٢ / ٣٦ ، الثقات ٢ / ١٢ و ٢٦٧ ، الكامل في التاريخ ٥ / ٥٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٨٢ و ٨٨ و ٩٧ و ١١٨ و ١٢٣ ، تهذيب الكمال ٢٠ / ٤٨٥ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٦ ، الإصابة ٤ / ٤٦٦ ، أنساب الأشراف : ٩٣ ، الجوهرة : ٦٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٦ ، البداية والنهاية ٤ / ٢١١ و ٧ / ٢٥١ و ٣٧٢ ، السيرة النبوية لابن هشام ٣ / ٧٩٧ ، المناقب : ١٠٨ و ١٧٠ و ١٩٩ ، السيرة النبوية لابن كثير ٣ / ٣٥١ ، سبل الهدى والرشاد ٢ / ٣٢ و ١٠ / ٦٢ ، ينابيع المودّة ١ / ١٥٣ و ٢ / ٢٣١ و ٣٩٠ ، النهاية في غريب الحديث ٢ / ١٤٠ ، لسان العرب ١٠ / ٤٣٠ و ١٤ / ٣٥٢ ، تاج العروس ٧ / ١٣٣.
١ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٠ ، المناقب : ٧٠.
٢ ـ المائدة : ٥٦.
قال ابن مؤمن ـ من علماء أهل السنّة ـ : « لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي » (١).
فإذا كان الأمر في علي هكذا ، فهل هذا غلوّ؟ وهل تقول الشيعة غير هذا في علي عليهالسلام ، فهذه مرويّات أهل السنّة تؤكّد ما تذهب إليه الشيعة ، وما تعتقده في علي ، فهل هذا يعدّ غلوّاً فيه؟!
وما ذكرته من السؤال : كيف أنّ الإمام علي عليهالسلام روح من الرسول صلىاللهعليهوآله؟ فإنا نؤكّد أنّ المقصود من الروح في سؤالك تعني به إمّا قبل الخلقة ، وإمّا بعد الخلقة :
أمّا قبل الخلقة : فإنّ حديث النورانية يؤكّد أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله وعلي عليهالسلام كانا نوراً واحداً ، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور إلى جزئين ، فجزء رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وجزء علي عليهالسلام ، وهذا الحديث قد تواتر عند علماء أهل السنّة ، كما تواتر عند علماء الشيعة ، فعن سلمان المحمّدي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزأين ، فجزء أنا ، وجزء علي بن أبي طالب » (٢).
هذا بعض ما رواه علماء أهل السنّة في أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله وعلي عليهالسلام كانا نوراً واحداً ، ثمّ قسّم إلى نورين : أحدهما النبيّ صلىاللهعليهوآله والآخر علي عليهالسلام ، ممّا يعني أنّهما روح واحدة في أصل خلقتهما ، وهي ما تعنيه أحاديث النور الواحد الآنفة الذكر.
أمّا بعد الخلقة : فإنّ القرآن قد نصّ على ذلك في قوله تعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا
____________
١ ـ شواهد التنزيل ١ / ٢٤٦.
٢ ـ نظم درر السمطين : ٧ و ٧٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٦٧ ، جواهر المطالب ١ / ٦١ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٧ و ٢ / ٣٠٧ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٧١ ، المناقب : ١٤٥ ، الرياض النضرة ٣ / ١٠٣.
وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) (١) ، فعن جابر : ( وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) رسول الله وعلي ، ( أَبْنَاءنَا ) الحسن والحسين ، ( وَنِسَاءنَا ) فاطمة (٢).
وعن ابن عباس قال : نزلت في رسول الله وعلي ( وَأَنفُسَنَا ) (٣) ، وقال الشعبي : ( وَأَنفُسَنَا ) علي بن أبي طالب (٤).
والخطاب كان موجّهاً من النبيّ صلىاللهعليهوآله للنصارى بقوله : ( وَأَنفُسَنَا ) ، يعني نفس النبيّ الذي هو علي ، لأنّ الضمير « نا » وهو ضمير المتكلّم يرجع إلى علي ، فعلي عليهالسلام نفس النبيّ صلىاللهعليهوآله بمقتضى سياق الآية.
هذا ما أمكننا ذكره في هذه العجالة ، ومنه ثبت أنّ علياً نفس النبيّ ، أي روحه كما عبّرت في سؤالك.
وعن حبشي بن جنادة السلولي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « علي منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي » (٥).
وقوله صلىاللهعليهوآله : « علي منّي وأنا منه » يعني أنّ « من » التي تفيد التبعيض ، تؤكّد أنّ علياً من النبيّ ، أي امتداد له وهو نفسه ، وليس في ذلك دعوى تدّعيها الشيعة دون ما تستند إلى نصوصٍ صريحة صحيحة.
____________
١ ـ آل عمران : ٦١.
٢ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٣٩ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٣٧٩.
٣ ـ شواهد التنزيل ١ / ١٦٠.
٤ ـ أسباب نزول الآيات : ٦٨.
٥ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٥٢ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٥ ، الآحاد والمثاني ٣ / ١٨٣ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٢٨ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٠ ، المعجم الكبير ٤ / ١٦ ، نظم درر السمطين : ٧٩ ، الجامع الصغير ٢ / ١٧٧ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٣ ، كشف الخفاء ١ / ٢٠٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٣١٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٤٥ ، تهذيب الكمال ٥ / ٣٥٠ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ٢١٢ ، الجوهرة : ٦٣ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٣٢ و ٧ / ٣٩٤ ، ينابيع المودّة ٢ / ٧٨ و ٩٦ و ٣ / ١٤٣ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٣٥٦.
على أنّ كلامنا هذا يؤكّده أبو بكر في حقّ علي عليهالسلام ومنزلته ، فعن ابن السمّاك : أنّ أبا بكر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « لا يجوز أحد الصراط إلاّ من كتب له علي الجواز » (١).
أمّا قولك : إنّ علياً عليهالسلام قال : « أنا عبد من عبيد الرسول » ، فهذا لا ينافي عبودية علي لله تعالى ، فعلي عبد لله ، ورسول الله عبد لله تعالى ، ومعنى قوله : « أنا عبد من عبيد محمّد » ، يعني أنا تابع من أتباعه ، ومطيع له ، وهو بمعنى قولك : إنّ زيد عبد لعمرو ، أي أنّ عمرو له حقّ الطاعة على زيد ، ولا يعني أن تريد يعبد عمرواً ، فالعبد هنا تابع لسيّده ومطيع له ، وهذا منتهى إخلاص علي للنبي صلىاللهعليهوآله ، فهو يقرّ له بالطاعة والاتباع ، وليس كما تتصوّر أنّ ذلك يعني العبودية المطلقة ، فالعبودية المطلقة لله تعالى وحده لا يشاركه فيه أحد ، ومن قال خلاف ذلك فهو كافر مشرك.
( هادي محمّد ـ الكويت ـ .... )
ليس في خطبتي البيان والطتنجية غلوّ :
السؤال : هل لخطبة البيان والطتنجية سند؟ وإذا كان لها سند ألا تفيد الغلوّ؟ شكراً لمساعيكم.
ج : كثيراً ما يتساءل عن خطبة البيان والخطبة الطتنجية سنداً ودلالةً ، بل كُلّ ما هناك من ألفاظ وصفات إلهية نسبت للمعصومين عليهمالسلام ممّا تفيد الغلوّ ، بل الشرك والكفر ، لو أُريد منها معانيها الظاهرية أمثال قولهم عليهمالسلام : « نحن الأوّل ، والآخر ، والظاهر ، والباطن » وإلى غير ذلك.
فنقول وبالله التوفيق : إنّ الأُمّة المحمّدية قد خصّت من دون الأُمم بفضيلة الإسناد ، وفُضّلت على سائر الشرائع بنعمة الاستناد والاتصال بالمعصومين عليهمالسلام
____________
١ ـ ذخائر العقبى : ٧١ ، ينابيع المودّة ٢ / ٤٠٤ و ٣ / ٢٣٠ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٣٦٩ ، الرياض النضرة ٣ / ١١٨.
بالرجال الثقات والممدوحين ، وعليه فكُلّ خبر ما لم يكن مسنداً متّصلاً لا قيمة له ولا حجّية ، من أيّ أحد صدر ، ولأيّ شخص نُسب ، وما أرسل منه أو رفع ، أو وقف له أحكامه الخاصّة به ، مذكورة في محلّها ، وعليه :
أوّلاً : لم يذكر لأمثال هذه الخطب سنداً معتبراً ، بل قد نجده أرسل ـ بالمعنى الأعم ـ مع أنّا نجد غالب كلمات أمير المؤمنين عليهالسلام وخطبه مسندة في مواطن ، وإن كانت مرسلة في النهج وغيره.
ثانياً : صرف وجود خطبة أو رواية في كتاب ـ مهما كان ـ لا يكفي على مذهب الإمامية للحجّية ، ما لم يقرن بقرائن خاصّة مذكورة في محلّها ، وهذا ما يسمّى بالوجادة ، التي لا حجّية فيها ولا سندية لها في نفسها.
ثالثاً : إنّ إعراض العلماء موهن للخبر ، بل قد يسقطه عن الحجّية ، خصوصاً وهو في مرأى ومسمع منهم ، وأيضاً عدم وجوده في كتب الأُصول « لأُم » عند الطائفة ، وعدم درجه فيها مضعّف له.
رابعاً : وجود طائفة كبيرة من أخبار العرض ـ الأخبار العلاجية ـ وما ورد عنهم عليهمالسلام مستفيضاً من قولهم عن الحديث : « ما خالف كتاب الله فهو : زخرف : لم نقله : وأضربه عرض الجدار ، و... » ، وهي أحاديث لا تحصى كثرةً ، كما لنا أحاديث جمّة في إسقاط كُلّ حديث خالف العقول ، أو لزم منه الشرك والكفر ، إلاّ إذا أمكن تأويله أو حمله على محمل صحيح ، هذا بشكل عام ، وهي فائدة تنفع في موارد متعدّدة ، ومقامات أُخرى.
وأمّا ما يخصّ المقام فنقول :
أوّلاً : لقد نُسب للسيّد الخوئي قدسسره في خصوص خطبة البيان كون ألفاظها ركيكة ، وأنّها ليست بعربية فصيحة ، وأنّها مخالفة للسان أهل البيت عليهمالسلام ، وهو كلام إنّما يتمّ عند أهل الفن خاصّة ، وفيه مجال للرّد والإبرام ، خصوصاً مع كون « حديثنا صعب مستصعب » ، وقولهم عليهمالسلام : « ردّوه إلينا » ، كما ويخشى من تعميمه في مواطن أُخرى من غير من هو أهل لذلك.
ثانياً : وجود روايات صريحة صحيحة كثيرة مقابل هذه الأخبار الشاذّة النادرة ، وهذا كافٍ لإسقاطها عن الحجّية.
ثالثاً : إنّها مخالفة للعقل ، ولا يمكن القول بظاهرها من موحّد ، إلى غير ذلك من الوجوه الكثيرة ، التي لا غرض لنا هنا بإحصائها ، إذ لا نجد ثمّة ضرورة في ذلك.
والحاصل : إنّ عمدة الإشكال هنا أنّا لهم مع قوله تعالى : ( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ... ) (١) ، وقوله عزّ من قائل : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقوله عزّ اسمه : ( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) (٣) وغيرها مثلاً وما أكثرها ، فكيف يردّ التعبير عنهم عليهمالسلام أمثال هذه الألفاظ التي يستشمّ منها الغلوّ والكفر ، والعياذ بالله.
ولبّ الجواب عليه ـ فضلاً عمّا سلف ـ هو : إنّه وردت في كتبنا روايات كثيرة عنهم عليهمالسلام صحيحة ، عندما ذكروا هذه الألفاظ فيها فسّروها لنا ، وقالوا : نقصد منها كذا ، فلو فسّرت بغير هذا من أيّ كان ، أو أخذ بظواهرها ، لكان ردّاً عليهم عليهمالسلام ، ولابدّ من الأخذ بتأويلهم وبما فسّروه ، وإلاّ لكان باطلاً لم يقصدوه ولا يريدوه ، بل تقوّل عليهم وافتراء ، مثال ذلك :
أ ـ قوله صلىاللهعليهوآله : « أنا الأوّل والآخر » ، ثمّ فسّره بقوله : « أوّل في النبوّة ، وآخر في البعثة » (٤).
ب ـ سئل أمير المؤمنين عليهالسلام : كيف أصبحت؟ فقال : « أصبحت وأنا الصدّيق الأوّل الأكبر ، والفاروق الأعظم ، وأنا وصيّ خير البشر ، وأنا الأوّل وأنا
____________
١ ـ النجم : ٤٣ ـ ٤٤.
٢ ـ الحديد : ٣.
٣ ـ البقرة : ٢٥٨.
٤ ـ إعلام الورى ١ / ٥١ ، كشف الغمّة ١ / ١٣.
الآخر ، وأنا الباطن وأنا الظاهر ، وأنا بكُلّ شيء عليم ، وأنا عين الله ، وأنا جنب الله ، وأنا أمين الله على المرسلين ، بنا عبد الله ، ونحن خزّان الله في أرضه وسمائه ، وأنا أُحيي وأنا أُميت ، وأنا حيّ لا أموت ».
فتعجّب الإعرابي من قوله ، فقال عليهالسلام : « أنا الأوّل ؛ أوّل من آمن برسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأنا الآخر ؛ آخر من نظر فيه لمّا كان في لحده ، وأنا الظاهر فظاهر الإسلام ، وأنا الباطن بطين من العلم ، وأنا بكُلّ شيء عليم ؛ فإنّي عليم بكُلّ شيء أخبر الله به نبيّه فأخبرني به ، فأمّا عين الله ؛ فأنا عينه على المؤمنين والكفرة ، وأمّا جنب الله ؛ فأن تقول نفس : يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله ، ومن فرّط فيّ فقد فرّط في الله ، ولم يخبر لنبيّ نبوّة حتّى يأخذ خاتماً من محمّد صلىاللهعليهوآله ، فلذلك سمّي خاتم النبيين محمّد سيّد النبيين ، فأنا سيّد الوصيين.
وأمّا خزّان الله في أرضه ؛ فقد علمنا ما علمّنا رسول الله صلىاللهعليهوآله بقول صادق ، وأنا أُحيي ؛ أُحيي سنّة رسول الله ، وأنا أُميت ؛ أُميت البدعة ، وأنا حيّ لا أموت لقوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ... ) » (١).
ج ـ روي أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام كان قاعداً في المسجد ، وعنده جماعة ، فقالوا له : حدّثنا يا أمير المؤمنين ، فقال لهم : « ويحكم إنّ كلامي صعب مستصعب ، لا يعقله إلاّ العالمون » ، قالوا : لابدّ من أن تحدّثنا ، قال : « قوموا بنا » ، فدخل الدار.
فقال : « أنا الذي علوت فقهرت ، أنا الذي أُحيي وأُميت ، أنا الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن » ، فغضبوا وقالوا : كفر!! وقاموا.
فقال علي عليهالسلام للباب : « يا باب استمسك عليهم »! فاستمسك عليهم الباب ، فقال : « ألم أقل لكم إنّ كلامي صعب مستصعب ، لا يعقله إلاّ العالمون؟!
____________
١ ـ آل عمران : ١٦٩ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٠٥.
تعالوا أفسّر لكم ، أمّا قولي : أنا الذي علوت فقهرت ، فأنا الذي علوتكم بهذا السيف فقهرتكم حتّى آمنتم بالله ورسوله ، وأمّا قولي : أنا أُحيي وأُميت ؛ فأنا أُحيي السنّة وأُميت البدعة.
أمّا قولي : أنا الأوّل ؛ فأنا أوّل من آمن بالله وأسلم ، وأمّا قولي : أنا الآخر ؛ فأنا آخر من سجّى على النبيّ صلىاللهعليهوآله ثوبه ودفنه ، وأمّا قولي : أنا الظاهر والباطن ، فأنا عندي علم الظاهر والباطن ».
قالوا : فرّجت عنا فرّج الله عنك (١).
د ـ عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « قال أمير المؤمنين عليهالسلام : أنا وجه الله ، أنا جنب الله ، وأنا الأوّل ، وأنا الآخر ، وأنا الظاهر ، وأنا الباطن ، وأنا وارث الأرض ، وأنا سبيل الله ، وبه عزمت عليه ».
قال معروف بن خربوذ : ولها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلوّ (٢).
وعلّق عليه العلاّمة المجلسي قدسسره بقوله : « وبه عزمت عليه ، أي بالله أقسمت على الله عند سؤال الحوائج عنه » (٣).
( .... ـ البحرين ـ .... )
ليس عندنا غلوّ :
س : يطلقون علينا ألفاظ كالرافضة والغلاة ، فما معنى الغلوّ لغة واصطلاحاً؟ وهل ينطبق علينا الغلوّ واقعاً؟
ج : إنّ الغلوّ لغة هو : مجاوزة الحدّ ، قال ابن منظور : « وغلا في الدين ، والأمر يغلو غلوّاً : جاوز حدّه ... التهذيب : قال بعضهم : غلوت في الأمر غلوّاً وغلانية وغلانيا إذا جاوزت فيه الحدّ ، وأفرطت فيه » (٤).
____________
١ ـ الاختصاص : ١٦٣.
٢ ـ اختيار معرفة الرجال ٢ / ٤٧١.
٣ ـ بحار الأنوار ٣٩ / ٣٤٩.
٤ ـ لسان العرب ١٥ / ١٣٢.
فالغلوّ : هو الارتفاع والتجاوز للحدّ ، وهو في كُلّ شيء بحسبه.
أمّا الغلوّ اصطلاحاً هو : تجاوز أشخاص البشر عن مقاماتها من حدّ العبودية إلى مقام الربوبية ، كما فعل أهل الكتاب بأنبيائهم ، كما في قوله تعالى : ( لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ) (١) ، وهذا وارد بحقّ النصارى في عيسى عليهالسلام ، حين رفعوه من مقام النبوّة إلى مقام الربوبية والأُلوهية.
والغالي في الإسلام : الذي يقول في محمّد وآله عليهمالسلام بما لا يقولون : كأنّ يدّعي فيهم النبوّة والأُلوهية ، كالغلاة الذين قالوا بأُلوهية الإمام علي عليهالسلام ، فحكم فيهم بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الأئمّة عليهمالسلام عليهم بالإكفار ، والخروج عن الإسلام.
أمّا نحن الشيعة الإمامية الإنثا عشرية فلا ندّعي في أئمّتنا عليهمالسلام شيئاً من ذلك ، بل نقول فيهم كما قال الإمام علي عليهالسلام : « لا تتجاوزوا بنا العبودية ، ثمّ قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا ... » (٢).
لذا تجدنا نقول في زيارتهم عليهمالسلام : السلام على عباد الله المكرمين ، السلام على عباد الله المخلصين.
____________
١ ـ المائدة : ٧٧.
٢ ـ الاحتجاج ٢ / ٢٣٣.