مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-04-1
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٨٨
الغناء والموسيقى :
( محمّد سلمان الغافلي ـ السعودية ـ .... )
نصوص التحريم :
س : ما هي الأدلّة التي تدلّ على تحريم الأغاني من القرآن الكريم ، والسنّة النبوية؟
ج : إنّ الأدلّة الدالّة على التحريم من القرآن الكريم هي :
١ ـ قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (١).
حيث فسّرت الأخبار ـ من العامّة والخاصّة ـ لهو الحديث بالغناء ، فعن الإمام الصادق عليهالسلام قال في تفسير هذه الآية : « منه الغنا » (٢).
وسئل عليهالسلام عن الغناء فقال : « لا تدخلوا بيوتاً الله معرض عن أهلها » (٣) ، وقال عليهالسلام : « الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله ، وهو ممّا قال الله : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ ) » (٤).
٢ ـ قوله تعالى : ( اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) (٥).
____________
١ ـ لقمان : ٦.
٢ ـ تفسير نور الثقلين ٤ / ١٩٣.
٣ ـ الكافي ٦ / ٤٣٤.
٤ ـ الكافي ٦ / ٤٣٣ ، دعائم الإسلام ٢ / ٢٠٧.
٥ ـ الحجّ : ٣٠.
حيث فسّرت الأخبار قول الزور بالكذب ، وروي أصحابنا أنّه يدخل فيه الغناء (١).
٣ ـ قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) (٢).
حيث فسّرت الزور باللهو الباطل كالغناء ونحوه ، أي الذين لا يحضرون مجالس الباطل (٣).
وعن مسعدة بن زياد قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام ، فقال له رجل : بأبي أنت وأُمّي إنّي أدخل كنيفاً لي ، ولي جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربنّ بالعود ، فربما أطلت الجلوس استماعاً منّي لهن.
فقال : « لا تفعل » ؛ فقال الرجل : والله ما آتيهن إنّما هو سماع اسمعه بإذني ، فقال عليهالسلام : « لله أنت أمّا سمعت الله عزّ وجلّ يقول : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (٤) ... » (٥).
وسُئل الإمام الصادق عليهالسلام عن بيع الجواري المغنّيات؟ فقال عليهالسلام : « شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن كفر ، واستماعهن نفاق » (٦).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « كان إبليس أوّل من تغنّى » (٧).
وعن صفوان بن أُمية قال : كنّا عند رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فجاءه عمرو قرة ، فقال : يا رسول الله ، قد كتبت عليّ الشقوة ، فلا أراني أرزق إلاّ من دفي بكفّي ، فتأذن لي في الغناء من غير فاحشة.
____________
١ ـ التبيان ٧ / ٣١٢ ، مجمع البيان ٧ / ١٤٨.
٢ ـ الفرقان : ٧٢.
٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٥ / ٢٤٤.
٤ ـ الإسراء : ٣٦.
٥ ـ الكافي ٦ / ٤٣٢.
٦ ـ المصدر السابق ٥ / ١٢٠.
٧ ـ تفسير العيّاشي ١ / ٤٠.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لا آذن لك ولا كرامة ، كذبت يا عدوّ الله لقد رزقك الله حلالاً طيّباً ، فاخترت ما حرّم الله من رزقه مكان ما أحلّ الله من حلاله ، ولو كنت تقدّمت إليك لفعلت بك ، قم عنّي ، وتب إلى الله ، أمّا أنّك إن نلت بعد التقدمة شيئاً ضربتك ضرباً وجيعاً » (١).
٤ ـ قوله تعالى ينذر فيه أُمّة محمّد صلىاللهعليهوآله : ( وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ) (٢).
قال عكرمة عن ابن عباس : « هو الغناء بلغة حِميَر ، يقال : سمّد لنا : أي غنّ لنا » (٣).
٥ ـ خطاب الله تعالى لإبليس : ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) (٤).
قال ابن عباس ومجاهد : « إنّه الغناء والمزامير واللهو » (٥).
وقد جاء في السنّة الشريفة عنه صلىاللهعليهوآله : « ما رفع أحد صوته بغناء إلاّ بعث الله تعالى إليه شيطانان يجلسان على منكبيه ، يضربان بإعقابهما على صدره حتّى يمسك » (٦).
( .... ـ السعودية ـ ٢٧ سنة ـ بكالوريوس )
حرمتهما عقلاً :
س : أُؤمن بأنّ الأغاني حرام ، لكنّني لست مقتنعة للأسف ، وكُلّما قرأت كلاماً لا أشعر بأنّه يقنعني أترك الغناء فقط لأنّه حرام ، ولكنّني لا اقتنع بذلك ، فلهو الحديث قد لا يكون غناء ، واضرب برجلك قد لا يكون المقصود به غناء ، فما الدليل العقلي للحرمة؟
____________
١ ـ المعجم الكبير ٨ / ٥١ ، مسند الشاميين ٤ / ٣٩٠ ، كنز العمّال ١٥ / ٢٢٢.
٢ ـ النجم : ٦١.
٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٢٣.
٤ ـ الإسراء : ٦٤.
٥ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٢٨٨.
٦ ـ فتح القدير ٤ / ٢٣٦ ، مجمع الزوائد ٨ / ١١٩ ، المعجم الكبير ٨ / ٢٠٤ ، الدرّ المنثور ٥ / ١٥٩.
لو فكّرنا أنّ الله حرّم الغناء لمضارّ كثيرة ، لكن أين تلك المضارّ؟ تجعل الأعصاب مشدودة؟ لا أشعر بذلك!
تسيء الأخلاق؟ من أراد أن تسوء أخلاقه ساءت دون غناء ، وقد أكون اسمع الغناء بسبب سوء نفسيتي ، فابحث عن شيء يؤنسني ويجعلني أفضل ، ومع العلم أنّي ملتزمة بالصلاة والحمد لله ، وبقراءة القرآن ، ولست مستمعة مدمنة على الغناء ، وقد ابتعدت عنه ما يقارب السنتين إلاّ في الأعياد؟ لكنّني أرى الفتيات أفضل نفسية منّي ، وخصوصاً عندما تحرّك فيهم الغناء النشاط ، وأراهم يرقصن سعيدين.
أعلم أنّ الغناء حرام ، لكن هل تستطيع إقناعي بمحادثة عقلي مباشرة ، بعيداً عن الأحاديث والآيات؟ قد يكون لك القدرة على ذلك ، ولكن تذكّر لو سمحت أن تحادثني برفق ، لأنّي أنفر بشدّة من الأسلوب القاسي ، احترامي وشكري.
ج : أُختي الكريمة ، أرجو النظر في هذه الآيات الكريمة بدّقة وتأمّل ، لا لتحكي حكماً شرعياً ـ لأنّك ارتأيتي عدم الاستدلال بالآيات والأحاديث ـ وإنّما لأنّها تحكي وتوضّح حكماً عقلياً ، وحقيقة واقعية في معنى الإيمان والإسلام ، والطاعة والتقوى ، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى باللهِ وَكِيلًا مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ... ) (١).
فهذه الآيات الكريمة تبيّن فلسفة الطاعات والمعاصي والحلال والحرام ، بأنّها متضادّة متنافية متناقضة ، لا يمكن أن تجتمع في قلب واحد وتستقرّ به ، فالآيات تبيّن حقائق منها : إتباع ما يوحى ـ كالواجبات مثل قراءة القرآن ـ وعدم طاعة الكافرين والمنافقين ـ وإحدى مصاديقها المحرّمات مثل الغناء ـ وهذا كُلّه
____________
١ ـ الأحزاب : ١ ـ ٤.
يحتاج إلى تقوى في النفس من الله تعالى أوّلاً ، وتحتاج ثانياً إلى التوكّل على الله لطلب العفو ، لأنّ النفس تميل عادة إلى الراحة والشهوات والمعاصي ، ولا تميل إلى بذل الجهد والتكلّف والصبر والحرمان والطاعات ، فتحتاج النفس إلى مجاهدة ومصابرة وترويض.
كما أشار النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى صعوبة ذلك ، فقال للصحابة عندما رجعوا من الجهاد والمعركة : « مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر ، وبقي عليهم الجهاد الأكبر » ، قيل يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال : « جهاد النفس » (١).
ونستطيع تشبيه الطاعات بالنور والمعاصي بالظلام ، ونسأل هل يمكن أن يجتمع النور بالظلمة في مكان؟ أبداً ، وكذلك القلب فإنّه لا يستطيع الإنسان أن يحبّ ويدخل في قلبه القرآن ، ثمّ يحبّ ويملأ قلبه الغناء ، كما قال تعالى : ( مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ... ) ، والله الهادي إلى سواء السبيل.
( ... ـ ... ـ ..... )
تعريف الغناء وروايات في تحريمه :
س : الرجاء بيان الغناء ، وذكر الروايات الواردة في تحريمه , وشكراً لسعيكم.
ج : الغناء بالمد ككساء قيل : هو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ، فلا يحرم بدون الوصفين ، أعني الترجيع والإطراب ، والطرب : خفّة تعتريه تسرّه أو تحزنه.
وردّه بعضهم إلى العرف ، فما سُمّي فيه غناء يحرم وإن لم يطرب ، ولا خلاف في تحريمه ، ولا فرق في ظاهر كلام الأصحاب ، بل صريح جملة منهم ، في كون ذلك في قرآن أو دعاء أو شعر أو غيرها.
____________
١ ـ الكافي ٥ / ١٢ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ٥٥٣ ، معاني الأخبار : ١٦٠.
استجابة لطلبكم نذكر بعض الروايات التي وردت في تحريم الغناء :
١ ـ عن عبد الله بن أبي بكر قال : قمت إلى متوضأ لي ، فسمعت جارية لجار لي تغنّي وتضرب ، فبقيت ساعة أسمع ، قال : ثمّ خرجت ، فلمّا أن كان الليل دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام ، فحين استقبلني قال : « الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، اجتنبوا قول الزور ».
قال : فما زال يقول : « الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا » ، قال : فضاق بي المجلس ، وعلمت أنّه يعنيني ، فلمّا أن خرجت قلت لمولاه معتب : والله ما عنى غيري (١).
٢ ـ عن سعيد بن محمّد الطاهري عن أبيه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سأله رجل عن بيع جواري المغنّيات؟ فقال : « شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن كفر ، واستماعهن نفاق » (٢).
٣ ـ عن نصر بن قابوس قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « المغنّية ملعونة ، ملعون من أكل من كسبها » (٣).
٤ ـ عن إبراهيم ابن أبي البلاد قال : أوصى إسحاق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنّيات أن نبيعهن ونحمل ثمنهن إلى أبي الحسن عليهالسلام ، قال إبراهيم : فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم ، وحملت الثمن إليه ، فقلت له : إنّ مولى لك يقال له : إسحاق بن عمر أوصى عند موته ببيع جوار له مغنّيات ، وحمل الثمن إليك ، وقد بعتهن ، وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال : « لا حاجة لي فيه إنّ هذا سحت ، وتعليمهن كفر ، والاستماع منهن نفاق ، وثمنهن سحت » (٤).
____________
١ ـ الأمالي للشيخ الطوسي : ٧٢٠.
٢ ـ الكافي ٥ / ١٢٠.
٣ ـ الاستبصار ٣ / ٦١.
٤ ـ الكافي ٥ / ١٢٠.
٥ ـ عن زيد الشحّام قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : « بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ، ولا تجاب فيه الدعوة ، ولا يدخله الملك » (١).
٦ ـ عن أبي أُسامة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « الغناء غشّ النفاق » (٢).
٧ ـ عن يونس قال : سألت الخراساني عليهالسلام عن الغناء وقلت : إنّ العباسي ذكر عنك أنّك ترخّص في الغناء ، فقال : « كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء ، فقلت : إنّ رجلاً أتى أبا جعفر عليهالسلام فسأله عن الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟ قال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت » (٣).
٨ ـ عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن قول الزور ، قال : « منه قول الرجل للذي يغنّي : أحسنت » (٤).
٩ ـ قال الإمام الصادق عليهالسلام : « شرّ الأصوات : الغناء » (٥).
١٠ ـ عن الحسن بن هارون قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « الغناء يورث النفاق ويعقب الفقر » (٦).
١١ ـ عن عنبسة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « استماع الغناء واللهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع » (٧).
____________
١ ـ المصدر السابق ٦ / ٤٣٣.
٢ ـ وسائل الشيعة ١٧ / ٣٠٥.
٣ ـ الكافي ٦ / ٤٣٥.
٤ ـ وسائل الشيعة ١٧ / ٣٠٩.
٥ ـ المقنع : ٤٥٦.
٦ ـ الخصال : ٢٤.
٧ ـ الكافي ٦ / ٤٣٤.
الغيبة :
( أبو جعفر ـ البحرين ـ .... )
الدليل العقلي على غيبة الحجّة :
س : هل توجد أدلّة عقلية تكشف عن أسباب غيبة الإمام المنتظر ( أرواحنا لمقدمه الفداء )؟
ج : إنّ الله تعالى وعد ـ ووعده الحقّ ـ بأن يُظهر دين الإسلام على وجه الكرة الأرضية بقوله : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (١).
وهذا الوعد لم يتحقّق في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولا في زمن الأئمّة عليهمالسلام ، فهنا العقل يحكم بأنّ مثل هذا المشرّع الحكيم لابدّ وأن يجعل للثاني عشر من الأئمّة عليهمالسلام أمراً يحقّق به ما وعد ، وبما أن الإمام الثاني عشر كان مطالباً من قبل الحكم الجائر في زمانه ليقتل ـ ولا يتحقّق وعد الله تعالى ـ فالله تعالى كان مخيّراً بين أمرين : بين أن يميته ثمّ يحييه حياة ثانية في الدنيا ، وبين أن يطيل عمره ، وحيث أنّ الإمامة الإلهية ليست فائدتها منحصرة في بيان الأحكام ، بل إنّ وجود الإمام عليهالسلام واسطة لنزول الرحمة الإلهية على الخلق ، فاقتضت الحكمة الإلهية أن تكون لهذا الإمام حياة طويلة في الغيبة ، حتّى لا يبتلى بما
____________
١ ـ التوبة : ٣٣.
ابتلي به آباؤه الطاهرون ، من تعقيب وسجن ، ثمّ استشهاد على يد الظالم ، وأن هذه الحياة في الغيبة تمتد إلى حين يأذن الله تعالى بحكمه ولطفه أن يظهره بعد غيبته ، وبه يظهر دينه على الدين كُلّه ، وهذا كُلّه ممّا يدركه العقل.
( .... ـ الكويت ـ .... )
كيفية الانتفاع بالإمام المهدي في غيبته :
س : أرجو من سماحتكم توضيح هذه النقطة : كيف يكون مولانا المهدي عليهالسلام حجّة الله على الخلق؟ وهو غائب ، وأدام الله التوفيق لكم.
ج : قد سُئل النبيّ صلىاللهعليهوآله عن كيفية الانتفاع بالإمام المهدي عليهالسلام في غيبته فقال : « إي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس ، وإن تجلّلها السحاب » (١).
وقال الإمام الصادق عليهالسلام ـ بعد أن سُئل عن كيفية انتفاع الناس بالحجّة الغائب المستور ـ : « كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب » (٢).
وروي أنّه خرج من الناحية المقدّسة إلى إسحاق بن يعقوب ، على يد محمّد بن عثمان : « وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب » (٣).
فيمكن أن يقال : إنّ الشبه بين الإمام المهدي عليهالسلام وبين الشمس المجلّلة بالسحاب ، من عدّة وجوه :
١ ـ الإمام المهدي عليهالسلام كالشمس في عموم النفع ، فنور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه.
____________
١ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٢٥٣ ، كفاية الأثر : ٥٤.
٢ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٢٥٣ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٢٠٧.
٣ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٥ ، الاحتجاج ٢ / ٢٨٤.
٢ ـ إنّ منكر وجوده عليهالسلام كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.
٣ ـ إنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ، ينتظرون في كُلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيّام غيبته عليهالسلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كُلّ وقت وزمان ، ولا ييأسون منه.
٤ ـ إنّ الشمس قد تخرج من السحاب على البعض دون الآخر ، فكذلك يمكن أن يظهر في غيبته لبعض الخلق دون البعض.
٥ ـ إنّ شعاع الشمس يدخل البيوت بقدر ما فيها من النوافذ ، وبقدر ما يرتفع عنها الموانع ، فكذلك الخلق إنّما ينتفعون بأنوار هدايته بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم ، من الشهوات النفسية والعلائق الجسمانية ، والالتزام بأوامر الله ، والتجنّب عن معاصيه ، إلى أن ينتهي الأمر حيث يكون بمنزلة مَن هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.
جعلنا الله وإيّاكم من المتمسّكين بولايتهم ، ورفع عنّا وعنكم كُلّ شكّ وشبهة.
( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )
الحيرة الموجودة لا تنفي وجود حكمتها :
س : حينما نستدلّ على الإمامة نقول : بأنّهم وجدوا لحفظ الأُمّة الإسلامية من التيه ، إذ لولا وجودهم لما عرفنا التفسير الصحيح للقرآن ، ولا الأحكام ، والعقائد الصحيحة.
السؤال هو : كيف يمكن التوفيق بين هذا وبين غيبة الإمام الحجّة عليهالسلام؟ إذ أنّ الغيبة جعلتنا نحتار بين الحلال والحرام ، وليس هناك من يمحو هذه الحيرة مائة بالمائة؟ فالنتيجة هي : أنّ الحكمة من وجودهم عليهمالسلام ليست لرفع الحيرة ، وإنّما لشيء آخر ، فكيف تحلّون هذا الإشكال؟
ج : إنّ مصلحة وجود الأئمّة عليهمالسلام لا تنحصر في الجانب التشريعي ، بل وإنّهم بما لديهم من قدرات وصلاحيّات ، لهم التصرّف في الجانب التكويني أيضاً ، فعليه فحكمة وجود الإمام الغائب ترتبط إلى حدّ كبير بمقام وساطته في الفيض الإلهي للوجود ـ كما قرّر في محلّه ـ.
ثمّ إنّ الغيبة بما هي معلولة لعدم التجاوب المطلوب من جانب الناس لخطّ الإمامة ، فكافّة آثارها السلبية ـ إن وجدت ـ فهي حصيلة هذا التخاذل والقعود عن الحقّ.
وبعبارة أوضح : إنّ الحيرة الموجودة لا تنفي وجود الحكمة في الأصل ، بل وإنّ كُلّ الآثار السيّئة في هذه الفترة ترجع بالنتيجة إلى الناس أنفسهم ، كضوء الشمس المستتر أحياناً بالغيم ، إذ إنّ وجود الضوء ومصلحته لا يخالجه أيّ شكّ ، وأمّا عدم وصوله إلينا فعلّته وجود الغيم ، وهنا لا يصحّ لنا أن ننكر حكمة وجود الشمس الممتنعة الضوء بالغيم ، بل وإنكارنا يجب أن ينصب دائماً على المانع في جميع المجالات.
مضافاً إلى أنّ الله تعالى ومن منطلق محبّته لعباده ، وإيصال المنافع لهم دائماً ، قد رتّب مصالح في هذه الغيبة ، حتّى لا يخسر المؤمنون في هذه الفترة بالمرّة ، فمنها : توطيد المحبّة الولائية في نفوسهم ، حتّى يتمهّد الطريق في المستقبل القريب ـ إن شاء الله ـ لحكم الإمام عليهالسلام.
ومنها : اجتياز المراحل الصعبة في الامتحان الإلهي ، وثمّ إعطاء درجات الإيمان لهم.
ومنها : ترويضهم في هذه الفترة لمواجهة المشاكل والأُمور الصعاب بأنفسهم ، حتّى تترقّى قابلياتهم ، ويؤهّلوا لمرحلة تثبيت الحكم الإسلامي ، إلى آخر ما هنالك من مصالح كُلّية وجزئية جاءت جابرة إلى حدّ ما خسارة الناس من غيبة إمامهم عليهالسلام.
( منصور جواد ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )
عدم خلو الأرض من حجّة لا تناقض الغيبة :
س : لقد ورد في كثير من الروايات : عدم خلو الأرض من حجّة ، وأنّه لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها.
وسؤالي هو : ألا يعتبر غياب الإمام المهدي هو تناقض صريح مع ما ورد؟
ج : لا تناقض بين الحديث وغيبة الإمام المهدي عليهالسلام ، لأنّ معنى الحديث : أنّ الأرض لا تخلو من وجود حجّة لله تعالى ، ولولا وجوده لساخت الأرض ، ومن المعلوم أنّ الإمام المهدي عليهالسلام موجود حيّ يعيش على الأرض ، لكنّه غائب عن أنظارنا ، وعدم ظهوره لا يدلّ على عدم وجوده.
( عبد الأمير ـ البحرين ـ .... )
أسباب غيبة الإمام المهدي :
س : ما هي الأسباب والحكم من غيبة الإمام المهدي عليهالسلام؟
ج : إنّ غيبة الإمام المنتظر عليهالسلام كانت ضرورية لابدّ للإمام منها ، نذكر لك بعض الأسباب التي حتمت غيابه عليهالسلام :
١ ـ الخوف عليه من العباسيين :
لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم ، وتولّيهم لزمام السلطة في ظلم العلويين وإرهاقهم ، فصبّوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم ، وقتلوهم تحت كُلّ حجرٍ ومدرٍ ، ولم يرعوا أيّة حرمة لرسول الله صلىاللهعليهوآله في عترته وبنيه ، ففرض الإقامة الجبرية على الإمام علي الهادي ، ونجله الإمام الحسن العسكري عليهماالسلام في سامراء ، وإحاطتهما بقوى مكثّفة من الأمن ـ رجالاً ونساءً ـ هي لأجل التعرّف على ولادة الإمام المنتظر عليهالسلام لإلقاء القبض عليه ، وتصفيته جسدياً ، فقد أرعبتهم وملأت قلوبهم فزعاً ما تواترت به الأخبار عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وعن أوصيائه الأئمّة الطاهرين : أنّ الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأنّه هو
الذي يقيم العدل ، وينشر الحقّ ، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس ، وهو الذي يقضي على جميع أنواع الظلم ، ويزيل حكم الظالمين ، فلذا فرضوا الرقابة على أبيه وجدّه ، وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمام عليهالسلام ، وألقوا القبض على بعض نساء الإمام الذين يظنّ أو يشتبه في حملهن.
فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمام عليهالسلام ، وعدم ظهوره للناس ، فعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : « إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره » ، قلت : ولَمِ؟ فقال عليهالسلام : « يخاف » ، وأومئ بيده إلى بطنه ، قال رزارة : يعني القتل (١).
ويقول الشيخ الطوسي : « لا علّة تمنع من ظهوره عليهالسلام إلاّ خوفه على نفسه من القتل ، لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار » (٢).
٢ ـ الامتحان والاختبار :
وثمّة سبب آخر علّل به غيبة الإمام عليهالسلام ، وهو امتحان العباد واختبارهم ، وتمحيصهم ، فقد ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : « أمّا والله ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم ، ولتمحصن حتّى يقال : مات أو هلك ، بأيّ وادٍ سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه » (٣).
ولقد جرت سنّة الله تعالى في عباده امتحانهم ، وابتلاءهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون ، قال تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (٤) ، وقال تعالى : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) (٥).
____________
١ ـ علل الشرائع ١ / ٢٤٦ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨١.
٢ ـ الغيبة للشيخ الطوسي : ٣٢٩.
٣ ـ الإمامة والتبصرة : ١٢٥ ، الكافي ١ / ٣٣٦ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ١٩١.
٤ ـ الملك : ٢.
٥ ـ العنكبوت : ٢.
وغيبة الإمام عليهالسلام من موارد الامتحان ، فلا يؤمن بها إلاّ من خلص إيمانه ، وصفت نفسه ، وصدّق بما جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوآله والأئمّة الهداة المهديين من حجبه عن الناس ، وغيبته مدّة غير محدّدة ، أو أنّ ظهوره بيد الله تعالى ، وليس لأحدٍ من الخلق رأي في ذلك ، وإن مثله كمثل الساعة فإنّها آتية لا ريب فيها.
٣ ـ الغيبة من أسرار الله تعالى :
وعُلّلت غيبة الإمام المنتظر عليهالسلام بأنّها من أسرار الله تعالى ، التي لم يطّلع عليها أحد من الخلق ، فقد ورد عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « إنّما مثله كمثل الساعة ، ثقلت في السماوات والأرض ، لا تأتيكم إلاّ بغتة » (١).
٤ ـ عدم بيعته لظالم :
ومن الأسباب التي ذكرت لاختفاء الإمام عليهالسلام أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم ، فعن علي بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه ، عن الإمام الرضا عليهالسلام أنّه قال : « كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه » ، قلت له : ولم ذلك يا بن رسول الله؟ قال عليهالسلام : « لأنّ إمامهم يغيب عنهم » ، فقلت : ولِمَ؟ « لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف » (٢).
وأعلن الإمام المهدي عليهالسلام ذلك بقوله : « إنّه لم يكن لأحد من آبائي عليهمالسلام إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي » (٣).
هذه بعض الأسباب التي علّلت بها غيبة الإمام المنتظر عليهالسلام ، وأكبر الظنّ أنّ الله تعالى قد أخفى ظهور وليّه المصلح العظيم لأسباب أُخرى أيضاً لا نعلمها إلاّ بعد ظهوره عليهالسلام.
____________
١ ـ كفاية الأثر : ١٦٨ و ٢٥٠ ، ينابيع المودّة ٣ / ٣١٠.
٢ ـ علل الشرائع ١ / ٢٤٥ ، عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٤٧.
٣ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٥ ، الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٩٢.
( فاطمة حسن ـ .... ـ .... )
تعقيب على الجواب السابق :
قد يقول قائل : ما العلّة وما فائدة الإمام المنتظر في استمرار وجوده غائباً؟ وعدم ظهوره ليصلح ما أفسده الناس ، وما جرفوه من حكم الإسلام.
الجواب : قد ورد في جواب الإمام الحجّة عليهالسلام لإسحاق بن يعقوب ، كما في توقيعه الشريف : « وأمّا علّة ما وقع مِن الغيبة ، فإنّ الله عزَّ وجلّ يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (١) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد مِن الطواغيت في عنقي.
وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمان أهل السماء ، فأغلقوا أبواب السؤال عمَّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم ، والسلام عليكم يا إسحاق بن يعقوب وَعلى مَن اتبع الهدى » (٢).
فالعلّة في غيبة الإمام وفائدتها أُمور :
١ ـ الغيبة سرّ مِن أسرار الله فلا تتكلّفوه ، كما ذكر الإمام عليهالسلام واستشهد بالآية.
٢ ـ غيبته إنّما وقعت لئلا يكون في عنقه بيعة لطاغية.
٣ ـ إنّ مثل وجوده ونفعه للمجتمع كمثل وجود الشمس ، فإنّ غيبته لا تمنع مِن الاستفادة بوجوده الشريف.
٤ ـ الإمام الحجّة أمان لأهل الأرض بوجوده ودعائه وبركاته.
____________
١ ـ المائدة : ١٠١.
٢ ـ الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٩٢ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٥.
٥ ـ طلبه الدعاء له بالفرج ، لأنّ تضرّع المؤمنين إلى الله بتعجيل فرجه له تأثير عند الله بتقريب ظهوره.
٦ ـ إنّ لله حكم وأسرار فيها ما هو جلي ، ومنها ما هو خفي ، قد أخفاها لمصالح تعود للعباد ، وأمر المهدي عليهالسلام في غيبته كذلك.
٧ ـ إنّ وجود المهدي حجّة لله قائمة في الأرض يحفظ الله به البلاد والعباد.
٨ ـ قد يكون المانع مِن ظهوره هم الناس أنفسهم ، لعدم وجود أنصار له.
٩ ـ إنّ تأخير ظهوره قد يكون لإعطاء فرصة ومهلة للرجوع إلى الله تعالى.
١٠ ـ إنّ الحجّة المنتظر بوجوده يحفظ الله التوازن في المجتمع البشري ، كما تحفظ الجاذبية التوازن في المجموعة الكونية.
جعلنا الله وإيّاكم محلّ رضاه ، وجمعنا به العليّ القدير عاجلاً غير آجل ، إنّه سميع مجيب.
وعلى كُلّ واحد ـ أينما كان ـ أن يجعل ارتباطه بالله تعالى شفّافاً ، واضحاً ، قوياً ومتكاملاً.
نسألكم الدعاء.
( يوسف ـ الكويت ـ .... )
غيبة المهدي لا تنفي مصلحة وجوب وجوده :
س : الإخوة القائمين على هذا المركز : تحية طيّبة ، وشكراً على هذه الجهود الجبّارة ، التي تقومون بها لترويج مذهب أهل البيت عليهمالسلام.
قد يثير البعض شبهة حول الأدلّة العقلية التي نستدلّ بها في إثبات الإمامة ، من خلال الاحتجاج بغيبة مولانا صاحب الأمر عليهالسلام ، وكمثال على ذلك : حينما نمرّ بذكر الأدلّة التي ساقها أهل البيت عليهمالسلام وأصحابهم الكرام في إثبات الإمامة ، وأنّها ضرورة عقلية ، في باب الاضطرار إلى الحجّة من كتاب الحجّة في أُصول الكافي : نرى أنّ الأئمّة عليهمالسلام وأصحابهم ، قد احتجّوا بأنّه لابدّ للناس من إمام يكون حجّة بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ويكون سفيراً لله تعالى يدلّ الناس على
منافعهم ومصالحهم ، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم ، وأنّه لابدّ للناس من إمام يردّون إليه شكّهم وحيرتهم.
وبما أنّ الإمام المهدي عليهالسلام غائب ، فلا يمكنه القيام بتلك الوظائف ، أي أنّه لا يدلّ الناس على مصالحهم ، ولا يستطيع الناس ردّ حيرتهم وشكّهم إليه ، بل يردّونها إلى العلماء ، وهنا لا يختلف الشيعة عن السنّة ، فهم أيضاً يردّون مسائلهم إلى علمائهم.
وبالنتيجة ، لا يمكن الاعتماد على هذه الأدلّة العقلية في إثبات الإمامة ، إذ لو اعتمدنا عليها لأبطلنا إمامة الإمام المهدي عليهالسلام ، ولو قلنا بإمامته ـ مع غيبته ـ فلا يصحّ الاستدلال بتلك الأدلّة السابقة.
أرجو أن أجد لديكم الإجابة الشافية للردّ على هذه الشبهة.
ج : إنّ الأدلّة العقلية التي أشرتم إليها هي صحيحة لا محيص منها ـ كما ذكر في محلّه ـ ولكن يجب التنبّه إلى مفادها ، فهي تأخذ على عاتقها إثبات وجود الإمام في الكون ؛ وهذا أعمّ من الإمام الحاضر والغائب ، فعلى سبيل المثال : دليل الاحتجاج بوجود الإمام عليهالسلام يستنتج منه وجوده فقط لا وجوده الحضوري ؛ فالغيبة لا تنفي مصلحة وجوب وجود الإمام عليهالسلام ، والإمامة والهداية لا تنحصر بحال الحضور ، فمثلاً الهداية التكوينية لا علاقة لها بالحضور أو الغيبة ، بل ترتبط بمجرّد وجود الإمام عليهالسلام.
نعم ، إنّ صفة الغيبة تضع عراقيل في طريق الاتّصال بالحجّة عليهالسلام ، من جهة عدم بسط يده وعلمه وإمامته الظاهرية ؛ وهذا وإن كان مورداً للقبول عند كافّة الشيعة ، إلاّ أنّه لمّا لم تكن العلّة في الغيبة من جهته عليهالسلام ، فالمسؤولية في هذا المجال تبقى على عاتق الناس.
وبعبارة أوضح : لو كانت المصالح تقتضي ـ ومنها تلقّي الوسط العام من المجتمع قبول الإمام عليهالسلام ـ لما استمرّت الغيبة طوال هذه الفترة المديدة ، وهذا معنى كلام بعض العلماء : « وجوده لطف ، وتصرّفه لطف آخر ، وعدمه منّا ».
( حيدر ـ .... ـ .... )
لا يطرأ عليها البداء :
س : شكراً على الإجابة.
لقد اطلعت على أسباب الغيبة ، وسؤالي فقط : هل يمكن اعتبار الغيبة من أُمور البداء؟ حفظكم الله ورعاكم.
ج : إنّ أصل مسألة الإمام المهدي عليهالسلام وغيبته وظهوره ، من المبادئ التي لا يطرأ عليها البداء.
نعم قد يحصل في بعض الخصوصيات ، من طول فترة الغيبة أو قصرها ، وعلائم الظهور وفقاً للمصلحة الإلهية.
وقد وردت رواية في هذا المجال تؤكّد وتصرّح بهذا الموضوع ، عن أبي هاشم الجعفري قال : كنّا عند أبي جعفر محمّد بن علي الرضا عليهماالسلام ، فجرى ذكر السفياني ، وما جاء في الرواية من أنّ أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفر عليهالسلام : هل يبدو لله في المحتوم؟
قال عليهالسلام : « نعم » ، قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم! قال عليهالسلام : « إنّ القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد » (١) ، وفيها إشارة إلى الآية ( إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) (٢).
( جاسم محمّد علي ـ الكويت ـ .... )
شبهات وردود حول مسألة السرداب :
س : أُريد توضيحاً كاملاً عن مسألة السرداب ، والإجابة على الشبهات المثارة حوله ، وشكراً لكم.
____________
١ ـ الغيبة للنعماني : ٣٠٣.
٢ ـ آل عمران : ٩ ، الرعد : ٣٣.
ج : كان الإمام المهدي عليهالسلام خلال الفترة الأُولى من حياته ، يعيش في بيت أبيه الإمام العسكري عليهالسلام ، وكان يتستّر عن عيون الحكّام وجواسيسهم ، ويلجأ أحياناً إلى مخبأ في البيت ، يسمّونه « السرداب » ، وكان السرداب ـ ولا يزال حتّى اليوم ـ يستعمل في بيوت العراق للوقاية من حرّ الصيف اللاهب.
فإذا اشتدّ الطلب عليه ، أو حوصر بيته ، كان يخرج من البيت محاطاً بعناية الله ورعايته ، ويغيب مدّة يحضر فيها المواسم الدينية ، أو يزور مجالس أصحابه الأوفياء ، يحلّ مشاكلهم ، ويقضي حوائجهم ، من حيث لا يعرفه إلاّ الصفوة المخلصون منهم.
وحين بدأت غيبته الكبرى عليهالسلام ، خرج من بيت أبيه في سامرّاء إلى أرض الله الواسعة ، يعيش مع الناس ، ويقاسي ما يقاسون ، ويحضر مواسم الحجّ وغيرها من المناسبات ، دون أن يعرفه أحد ، حسب التخطيط الإلهي ، والمصلحة الإسلامية العامّة ، الأمر الذي هو سرّ من سرّ الله ، وغيب من غيبه ، كما قال الإمام الصادق عليهالسلام.
وقد استغلّ الحاقدون زيارات المؤمنين لمرقد الإمامين الهادي والعسكري عليهماالسلام في سامرّاء ، واتّهموهم بالقول بأنّهم يعتقدون أنّ الإمام المهدي عليهالسلام دخل السرداب وما زال فيه ، وهذا لاشكّ افتراء رخيص ، وادّعاء باطل.
فقد عرفنا أنّ الإمام المهدي عليهالسلام ، غادر بيت أبيه نهائياً ، ليعيش كما يعيش غيره من الناس ، وذلك حتّى يحين وقت المهمّة التي ادّخره الله لها ، فيظهر ليحقّ الحقّ ويزهق الباطل ، ويملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً ، تسليماً بقول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، ومصداقاً لوعد ربّ العالمين ، بأن يرث المؤمنون الأرض وما عليها.
وعلينا نحن إلى ذلك الوقت ـ وقت ظهوره الشريف ـ أن نجنّد أنفسنا لنكون من أعوانه وأنصاره ، وذلك بأن نتقيّد بتعاليم رسالة جدّه المصطفى صلىاللهعليهوآله ، وأن نكون من أُمّة تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتأبى الظلم وتحارب