من هو الصدّيق ؟ ومن هي الصدّيقة ؟

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-397-135-X
الصفحات: ١٧٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

إذاً الصدّيقية هي إحدى الصفات ومميّزات الاصطفاء ، فهي تكون أولاً للأنبياء والمرسلين ، ثم للأوصياء والصالحين ، لما مرَّ عليك في الآيات السابقة ، ولقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) ، (١) وهذا التخصيص بعد البيان يشير إلى أن الكاذبين من الذين آمنوا لا يمكن أن يكونوا صدّيقين ، بل المعنيُّ بهذه الآية هم آل البيت لكونهم صادقين وصدّيقين حسبما يأتي تفصيله.

روى ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ).

( مِّنَ النَّبِيِّينَ ) يعني محمدا ( وَالصِّدِّيقِينَ ) يعني علياً ، وكان أوّل من صدّقه ، ( وَالشُّهَدَاءِ ) يعني علياً وجعفراً ، وحمزة والحسن والحسين عليهم‌السلام.

ثمّ قال :

النبيّون كلهم صدّيقون ، وليس كل صدّيق نبياً ، والصدّيقون كلهم صالحون ، وليس كل صالح صدّيقاً ، ولا كل صدّيق شهيد.

وقد كان أمير المؤمنين صدّيقاً ، شهيداً ، صالحاً ، فاستحق ما في الاثنين من وصف سوى النبوة.

وكان أبو ذر يحدث شيئاً فكذبوه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أظلت الخضراء [ على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ] فدخل وقتئذ علي عليه‌السلام فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا أن هذا الرجل المقبل فإنّه الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم. (٢)

_______________________________________

١. سورة الحديد : ١٩.

٢. المناقب لابن شهرآشوب ٣ : ٨٩ ـ ٩٠.

٢١

وبما أنّ الرسول المصطفى هو الصادق الأمين ، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، فكل ما يقوله عن الآخرين هو الحق ، فيكون تلقيبه للآخرين بالألقاب غير متأتٍّ عن أحاسيس وعواطف ، بل لما يحمله الآخرون من صفات وممّا لا يمكن إنكاره هو إن الإسلام انتشر وفق عاملين أساسين :

أحدهما : أموال خديجة.

وثانيهما : سيف أمير المؤمنين علي.

وبما أنّ هاتين الشخصيتين كانتا أول من آمن بمحمد بن عبدالله وصدّقه في رسالته وبذلا الغالي والنفيس في نشر دعوته ، نرى الرسول الأمين قد لقب أولهما بالصدّيقة ، والثاني بالصدّيق ، لكثرة تصديقهما لرسول الله في كل قولٍ وفعل ، أي أن مصداقية الصدّيقية تؤخذ من فم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بناءً على كمالاتهم الذاتية وسيرتهم ، ولا يمكن إطلاق الألفاظ جزافاً بعيداً عن الذات والسيرة ، وهذا أقل ما يقال.

فقد جاء في تاريخ دمشق : عن الضحاك ومجاهد ، عن ابن عمر قال :

نزل جبرئيل على رسول الله بما أرسل به ، وجلس يحدث رسول الله إذ مرت خديجة بنت خويلد ، فقال جبرئيل : من هذه يا محمد ؟

قال : « هذه صدّيقة أُمتي ».

قال جبرئيل : معي إليها رسالة من الرب : تبارك وتعالى يقرئها السلام ويبشرها ببيت في الجنة من قصب بعيد من اللهب لا نصب فيه ولا صخب قالت : الله السلام ومنه السـلام والسـلام عليكما ورحمـة الله وبـركاته على رسول الله ، ما ذلك البيت الذي من قصب ؟ قال : لـؤلـؤة جوفاء بين بيت مريـم بنت عمران وبيت آسية بنت مزاحم وهما من أزواجي يوم القيامة. (١)

_______________________________________

١. تاريخ دمشق ٧ : ١١٨ وعنه في البداية والنهاية ٢ : ٦٢ ، وقد روي هذا الخبر في كتب الفريقين

٢٢

وهذا السلام من الربّ الجليل يُعلم أفضلية خديجة على من سواها من نساء النبيّ وهو مشعر بمرتبتها العالية ، لأنّ إبلاغ السلام لا يأتي إلّا للمعصوم أو من بلغ مرتبة العصمة كسلمان وأبو ذر وعمار ، نعم انهم حكوا هذا السلام لآخرين لكن التحقيق والبحث في سيرتهم يثبت عدم صحة تلك النقول.

قال العسقلاني في فتح الباري وعند شرحه لهذا المقطع : « فقالت : هو السلام وعن جبرائيل السلام وعليك يا رسول الله السلام » :

قال العلماء : في هذه القصة دليل على وفور فقهها ، لأنّها لم تقل « وعليه السلام » كما وقع لبعض الصحابة ... فعرفت خديجة لصحة فهمها أن الله لا يردّ عليه السلام كما يرد على المخلوقين. (١)

وروى الحاكم النيسابوري بإسناده عن أنس : أنّ النبي قال : « حسبك من نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسيه امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ». (٢)

وفي سنن الترمذي عن عبدالله بن جعفر قال : سمعت علي بن أبي طالب

_______________________________________

بأسانيد وأشكال متعددة ، فقد رواه البخاري عن أبي هريرة في صحيحه ٤ : ٢٣١ / كتاب بدء الخلق / باب تزويج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله خديجة (رض) وفيه إشارة مقتضبة ، وفي سيرة ابن هشام ١ : ١٥٩ عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، وفيه : الله السلام ، ومنه السلام ، وعلى جبرائيل السلام.

ورواه الدولابي في الذرية الطاهرة : ٣٦ عنه ، ووالحاكم في مستدركه ٣ : ١٨٦ ، عن أنس ، وفيه : إنّ الله هو السلام ، وعليك السلام ، ورحمة الله وبركاته ، قال : حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وفي المعجم الكبير ٢٣ : ١٥ ، والسنن الكبرى للنسائي ٥ : ٩٤ / ٨٣٥٩ ، عن أنس أيضاً وعنه في الإصابة ٨ : ١٠٢ ، وفيه : إن الله هو السلام ، وعلى جبرائيل السلام ، وعليك السلام.

وفي تفسير العياشي ٢ : ٢٧٩ / ١٢ عن أبي سعيد الخدري ، وعنه في بحار الأنوار ١٦ : ٧.

١. فتح الباري ٧ : ١٠٥.

٢. المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٧ ورواه الترمذي ٥ : ٣٦٧ رقم ٣٩٨١ في أبواب المناقب ، مسند أحمد ٣ : ١٣٥ ، أخبار اصبهان ٢ : ١١٧.

٢٣

يقول : سمعت رسول الله يقول : خير نسائها خديجة بنت خويلد ، وخير نسائها مريم بنت عمران. (١) وكانت السيدة خديجة وزيرة صدق للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة. (٣)

وجاء في فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (٤) وتاريخ دمشق (٥) وغيرهما (٦) بالإسناد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبيه ، قال : قال رسول الله : « الصدّيقون ثلاثة : حبيب بن موسى النجار ـ مؤمن آل ياسين ـ الذي قال : ( يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) ، وحزقيل ـ مؤمن آل فرعون ـ الذي قال : ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا ) ، وعلي بن أبي طالب الثالث وهو أفضلهم ».

وفي سنن ابن ماجة بسنده عن عبّاد بن عبدالله ، قال : قال علي : أنا عبدالله وأخو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كذّاب ، صليت قبل الناس بسبع سنين. في الزوائد. هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات ، رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال وقال : صحيح على شرط الشيخين. (٧)

_______________________________________

١. سنن الترمذي ٥ : ٣٦٧ ح ٣٩٨٠ فضل خديجة ، مسند أحمد ١ : ١١٦ ، صحيح البخاري ٤ : ١٣٨ بتقديم وتأخير.

٢. البداية والنهاية ٣ : ١٥٧ ، فتح البارى ٧ : ١٤٨ ، والذرية الطاهرة للدولابي : ٤٠ ، اسدالغابة ٥ : ٤٣٩.

٣. مجمع الزوائد ٩٧ : ٢١٨ ، فتح البارى ٧ : ١٠٠ ، المعجم الكبير ٢٢ : ٤٤٨ ، اسدالغابة ٥ : ٤٣٤ ، تاريخ دمشق ٣ : ١٣١ ، البداية والنهاية : ٣٢٩ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ : ٦٠٨.

٤. فضائل الصحابة ٢ : ٦٥٥ و ٢٦٧.

٥. تاريخ دمشق لابن عساكر ٤٢ : ٤٣ و ٣١٣.

٦. الفردوس بماثور الخطاب ٢ : ٤٢١ ، فيض القدير ٤ : ٢٣٨ ، كنز العمال ١١ : ٦٠١ ، شرح النهج ٩ : ١٧٢ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٨٦ ، الجامع الصغير ٢ : ١١٥ ، الدرالمنثور ٥ : ٢٦٢ وشذّ القرطبي في تفسيره ١٥ : ٣٠٦ عن جميع المحدثين والمفسرين فذكر أن الثالث هو أبو بكر لا علي.

٧. سنن ابن ماجة ١ : ٤٤ ، مصباح الزجاجة ١ : ٢٢ ، السيرة النبوية لابن كثير ١ : ٤٣١ ، المستدرك

٢٤

وعن معاذة العدوية ، قالت : سمعت علياً رضي الله عنه يخطب على المنبر وهو يقول : أنا الصدّيق الأكبر ، آمنتُ قبلَ أن يُؤمن أبو بكر ، وأسلمتُ قبل أن يُسلم. (١)

وفي الإصابة لابن حجر وأسد الغابة لابن الأثير عن أبي ليلى الغفاري ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « سيكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالتزموا علي بن أبي طالب ، فإنه أول من آمن بي ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأُمة ، وهو يعسوب المؤمنين ». (٢)

وفي تاريخ دمشق بإسناده عن ابن عباس أنه قال : « ستكون فتنة فمن أدركها منكم فعليه بخصلتين : كتاب الله وعلي بن أبي طالب ، فإني سمعت رسول الله يقول وهو آخذ بيد علي : هذا أول من آمن بي ، وأول من يصافحني ، وهو فاروق هذه الأُمة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو بابي الذي أوتى منه ، وهو خليفتي من بعدي ». (٣)

وعن أبي سخيلة قال : حججت أنا وسلمان ، فنزلنا بأبي ذر ، فكنّا عنده ماشاء الله ، فلما حان منا خفوف ، قلت : يا أبا ذر إني أرى أموراً قد حدثت ، وإني خائف

_______________________________________

للحاكم ٣ : ١١١ ، المصنف لابن أبى شيبة ٧ : ٤٩٨ ، الآحاد والمثاني للضحاك ١ : ١٤٨ ، السنة لابن أبي عاصم ٥٨٤ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ : ١٠٦ ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ٤٦ ، تاريخ الطبري ٢ : ٥٦ ، تهذيب الكمال ٢٢ : ٥١٤ ، شرح النهج ١٣ : ٢٠٠ ، وفيه : وفي غير رواية الطبري أنا الصدّيق الأكبر وأنا الفاروق الأول أسلمت قبل إسلام أبي بكر ، وصليت قبل صلاته بسبع سنين ؛ كأنّه عليه‌السلام لم يرتضِ أن يذكر عمر ولا رآه أهلاً للمقايسة بينه وبينه ، وذلك لأن إسلام عمر كان متأخراً.

١. الآحاد والمثاني للضحاك ١ : ١٥١ ، التاريخ الكبير للبخاري ٤ : ٢٣ ، تاريخ دمشق ١ : ٦٢ الرقم ٨٨. ٤٢ : ٣٣ ، المعارف لابن قتيبة في إسلام أبي بكر : ٧٣ أنساب الأشراف ٢ : ١٤٦ الرقم : ١٤٦ ، مناقب آل أبي طالب ١ : ٢٨٩ ، شرح نهج البلاغة ١٣ : ٢٤٠ ، كنز العمال ١٣ : ١٦٤ الرقم ٣٦٤٩٧ ، سمط النجوم العوالي ٢ : ٤٧٦ الرقم ٨ وغيرها.

٢. الإصابة ٧ : ٢٩٣ ، أُسد الغابة ٥ : ٢٨٧ ، ونحوه عن ابن عباس انظر اليقين لابن طاووس : ٥٠٠.

٣. تاريخ دمشق ٤٢ : ٤٢ و ٤٣ ونحوه عن أبي ذر انظر ص ٤١ من المجلد ٤٢.

٢٥

أن يكون في الناس اختلاف ، فإن كان ذلك فما تأمرني ؟ قال : الزم كتاب الله عزوجل وعلي بن أبي طالب ، فأشهد أني سمعت رسول الله يقول : علي أول من آمن بي ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو الفاروق يفرق بين الحق والباطل. (١)

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه قال لعلي عليه‌السلام : « أُوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا : أُوتيتَ صهراً مثلك ولم أُوت أنا مثلي ، وأُوتيت زوجةً صدّيقة مثل ابنتي ولم أُوتَ مثلها زوجةً ، وأُوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أُوت من صلبي مثلهما ، ولكنكم مني وأنا منكم ». (٢)

وهذا الحديث واضح الدلالة للغاية في أنّ السيّدة البتول ، فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، صدّيقة ؛ إذ قد مر عليك أنّ خديجة سلام الله عليها صدّيقة بنص النبوة ، والحديث أعلاه ينص على أنّ فاطمة أفضل منها ، فالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ولم أوتَ مثلها ـ أي مثل فاطمة ـ زوجة ، ومجموع ذلك يكشف لنا أنّ مرتبة الصدّيقية ليست واحدة بل هي مراتب ، لخديجة مرتبة ، ولفاطمة الزهراء مرتبة أعلى منها.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث طويل : « يا علي ، إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك ، فأنفذها فهي الصادقة الصدّيقة ، ثم ضمها إليه وقبَّل رأسها ، وقال : فداك أبوك يا فاطمة ». (٣)

وعن مفضَّل بن عمر قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : من غسَّل فاطمة عليها‌السلام ؟ قال : ذاك أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكأنّما استضقت ذلك من قوله ، فقال لي : كأنك ضقت مما أخبرتك به ؟! فقلت : قد كان ذلك جعلت فداك ، فقال : لا تضيقنّ فإنها صدّيقة

_______________________________________

١. تاريخ دمشق ٤١ : ٤٢ ، المعجم الكبير ٦ : ٢٦٩ ، مجمع الزوائد للهيثمى ٩ : ١٠٢.

٢. الرياض النضرة ٢ : ٢٠٢ كما في الغدير ٢ : ٣٠٥.

٣. كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد : ١٢٠ ، بحار الأنوار ٢ : ٤٩١.

٢٦

لم يكن يغسلها إلا صدّيق ، أما علمت أنّ مريم لم يغسلها إلا عيسى ؟ (١)

وعن علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن عليه‌السلام قال : إن فاطمة عليها‌السلام صدّيقة شهيدة. (٢)

فالصدّيقة الكبرى خديجة سلام الله عليها أنجبت من الصادق الأمين ـ محمّد بن عبد الله ـ الصدّيقة فاطمـة الزهـراء ، وقد زُوّجت سلام الله عليها من الصدّيق علي بن أبي طالب. فكانا هما عليهما السلام ملتقى الانـوار ومجـمع البحـرين.

وقد مرّ عليك أن الإمام عليّاً والصدّيقة خديجة الكبرى هما اللذان صدّقا بالرسول حينما كذبه الناس ، وقد أكد رسول الله لعائشة ذلك حينما غارت من خديجة ، بقولها :

ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت ، قد أبدلك الله خيراً منها ، (٣) فتغير وجه رسول الله تغيّراً لم أره تغـيّر عند شـيء قط إلّا عند نزول الوحي أو عند المخـيلة حتى يعلم رحمة أو عـذاباً ، (٤) فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تقولي ذلك ، فقد صدقتنـي إذ كذبَـني النـاس ، (٥) إلى آخـر الخبر.

وجاء عن الصحابة والتابعين في تفسير قوله تعالى ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ) بأن ( الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ) هو رسول الله ، والذي ( صَدَّقَ بِهِ )

_______________________________________

١. الكافي ١ : ٤٥٩ / ح ٢٤ ، ٣ : ١٥٩ / ح ١٣ ، علل الشرائع : ١٨٤ / ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٤٠ / ح ١٤٢٢ ، الاستبصار ١ : ١٩٩ / ح ١٥٧٠٣.

٢. الكافي ١ : ٤٥٨ / ح ١٢ ، ومرآة العقول ٥ : ٣١٥ وفيه كلام للمجلسي على أن الصدّيقة تعني العصمة فراجع.

٣. صحيح البخاري ٤ : ٢٣١ كتاب بدء الخلق / باب تزويج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خديجة وفضلها ، صحيح مسلم ٧ : ١٣٤ مستدرك الحاكم ٤ : ٢٨٦ ، مسند ابن راهويه ٢ : ٥٨٧ ، صحيح بن حبان ١٥ : ٤٦٨ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ١١٧.

٤. مسند أحمد ٦ : ١٥ ، ١٥٤ ، البداية والنهاية ٣ : ١٥٨.

٥. المعجم الكبير ١٢ : ٢٣ ، الإفصاح للمفيد : ٢١٧ ، التعجب للكراجكي : ٣٧.

٢٧

علي بن أبي طالب. (١)

وعن علي بن أبي طالب عليه‌السلام في قوله تعالى ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ) قال : الصدق ولايتنا أهل البيت. (٢)

فاتباع الاتجاه الحاكم لم يرق لهم إطلاق هذا اللقب على فاطمة وخديجة وعلي ، فجدّوا لتحريف هذه الحقيقة إلى آخرين ، فلقبوا أبا بكر بالصدّيق وعائشة بالصدّيقة وفسروا قوله تعالى ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) أي كونوا مع أبي بكر وعمر (٣) !!!! وضعفوا ـ أو أعرضوا عمداً عن ـ الأخبار الناصّة على أنّ الإمام عليّاً هو الصدّيق.

فنحن نريد هنا أن نسلط بعض الضوء على سيرة أبي بكر وعائشة ، لنرى هل حقاً أنهما كانا يحملان صفات وسمات الصدّيق والصدّيقة ؟ أم أنها أعطيت لهما طبقاً لقناعات وظروف لاحقة ؟

_______________________________________

١. وقد روى هذا المعنى ابن عباس كما في شواهد التنزيل ٢ : ١٨٠ آية ١٤٠ ، ح ٨١٣ و ٨١٤.

وأبو هريرة كما في الدر المنثور ٥ : ٣٢٨.

وأبو الطفيل كما في شواهد التنزيل ٢ : ١٨١ آية ١٤٠ ح ٨١٥.

وأبو الأسود كما في البحر المحيط ٧ : ٤١١.

ومجاهد كما في البحر المحيط ٧ : ٤١١ ، تفسير القرطبي ١٥ : ٢٥٦ ، وشواهد التنزيل ٢ : ١٨٠ آيه ١٤٠ ح٨١٠ و ٨١١ و ٨١٢ ، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ٢٦٩ ح ٣١٧ وترجمة الإمام أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٥٩ ، ٣٦٠.

٢. الامالي للطوسي : ٣٦٤ ، المجلس ١٣ ح ١٧ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٨٨ ، البحار ٢٤ : ٣٧ ، الزمر ١١.

٣. تفسير الطبري ١١ : ٨٤ ، زاد المسير لابن الجوزي ٣ : ٣٤٩ ، تفسير القرطبي ٨ : ٢٨٨ ، الدر المنثور ٣ : ٢٨٩ ، فتح القدير ٢ : ٤١٤ ، تاريخ دمشق ٣٠ : ٣١٠ ، ٣٣٧. ٤٢ : ٣٦١.

٤. انظر ضعفاء العقيلي ٢ : ١٣٠ ، ١٣٧ ، الكامل لابن عدي ٣ : ٢٧٤ ، الموضوعات لابن الجوزي ١ : ٣٤١ ، فانهم ضعفوا هذا الخبر اتباعاً لعمر الذي هدد الإمام عليّاً إن لم يبايع ، فقال عليه‌السلام : إذا تقتلون عبدالله وأخا رسوله فقال عمر : أما عبدالله فنعم ، وأما أخو رسوله فلا.

٢٨

عائشة والصدّيقيّة

فالصدّيق إن لم يكن نبياً أو وصياً يجب عليه أن يكون ممن صدّق الرسالة بكل وجـوده وآمن برسالة السـماء إيمان قلب وعقيدة ، لا أن يكون مشككاً في الرسالة ، كما في كلام الصدّيقة عائشة !! حيث أنها وبعد تشكيكها بعدالة الرسول قالت : ألست تزعم أنك رسول الله ؟ فلطمها أبوها في وجهها. (١)

وقالت مرّة أُخرى للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : اتق الله ولا تقل إلّا حقّاً ، فرفع أبو بكر يده فرشم أنفها وقال : أنتِ لا أُم لكِ يا بنة أُم رومان تقولين الحق أنت وأبوكِ ، ولا يقولها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. (٢)

والصدّيقة هي التي لا تكذب بتاتاً ـ حتى على ضرتها ـ وذلك لا يتماشى مع ما جاء في الاستيعاب لابن عبد البر والإصابة لابن حجر من : أن رسول الله تزوج أسماء بنت النعمان ، فقالت حفصة لعائشة أو عائشة لحفصة : اخضبيها أنت ، وأنا أُمشطها ، ففعلن ، ثم قالت إحداهما لأسماء : إن النبي يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول : أعوذ بالله منك.

فلما دخل رسول الله عليها وأرخى الستر مد يده إليها ، فقالت : أعوذ بالله منك ، فتلّ بكمه على وجهه (٣) واستتر ، وقال : عُذتِ معاذاً ، ثلاث مرات ، ثم ألحقها بأهلها. (٤)

_______________________________________

١. مسند أبي يعلى ٨ : ١٣٠ / ح ٤٦٧٠ ، مجمع الزوائد ٤ : ٣٢٢ ، المطالب العالية لابن حجر ٨ : ١٨٨ / باب كيد النساء / ح ١٥٩٩.

٢. سبل الهدى والرشاد ١١ : ١٧٣ عن ابن عساكر بسنده عن عائشة ، وانظر عين العبرة : ٤٥ والطرائف : ٤٩٢ عن إحياء العلوم للغزالي ٢ : ٤٣.

٣. أي أرخى بكمه على وجهه.

٤. الاستيعاب ٤ : ١٧٨٥ ، ت ٣٢٣٢ ، الإصابة ٨ : ٢٠ ت ١٠٨١٥ ، المستدرك للحاكم ٤ : ٣٦ ، الطبقات

٢٩

ألا تعدّ مثل هكذا ممارسات من عائشة ضمن الأعمال البعيدة عن حريم الصادقين ، لان فيها تفريقاً بين المرء وزوجه.

ولا أدري كيف يقبل المسلم أن تكون عائشة هي الصدّيقة وهو يعلم بنزول سورة التحريم في شأنها ، وأنها هي التي ألزمت رسول الله أن يحرم على نفسه ما أحل الله له فيما هو مطروح.

وكيف بصدّيقة كعائشة أن تتظاهر مع حفصة على النبي حتى أنزل سبحانه وتعالى فيهما قوله : ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ). (١)

وقد سأل ابن عباس عمر بن الخطاب بقوله : من المرأتان المتظاهرتان على رسول الله ؟ فما قضى كلامه حتى قال : عائشة وحفصة.(٢)

وقد عيّر عثمان عائشة بذلك ، فقد أخر عثمان عن عائشة بعض أرزاقها فغضبت ، ثم قالت : يا عثمان أكلت أمانتك ، وضيعت الرعية ، وسلطت عليهم الأشرار من أهل بيتك ، والله لولا الصلوات الخمس لمشى إليك أقوام ذوو بصائر يذبحونك كما يذبح الجمل ، فقال عثمان : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ) (٣) ... الآية.

_______________________________________

٨ : ١٤٥ ، المحبر : ٩٥ ، المنتخب من ذيل المذيل : ١٠٦.

١. التحريم : ٣ ـ ٤.

٢. تفسير الطبري ٢٨ : ٢٠٧ ح ٢٦٦٧٨ ، صحيح البخاري ٦ : ٦٩ ، تفسير سورة التحريم الباب ٣ و ٤ و ج ٧ : ٤٦ كتاب اللباس ، باب ما كان يتجوز رسول الله من اللباس والزنية ، صحيح مسلم ٤ : ١٩٠ ـ ١٩٢ ، كتاب الطلاق ، باب في الإيلاء واعتزال النساء ، مسند أحمد ١ : ٤٨.

٣. المحصول للرازي ٤ : ٣٤٣ ، الفتوح ٢ : ٤٢١.

٣٠

بل كيف بصدّيقة تتنابز بالألقاب (١) وتغتاب مؤمنة (٢). قال الطبرسي في تفسير قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ) نزل في نساء النبيّ يسخرن من أم سلمة عن أنس. وابن عباس : ان أم سلمة ربطت حقويها بسبنّية (٣) وسدلت طرفها ، وكانت تجرّ ، فقالت عائشة لحفصة : انظري ما تجر خلفها ، كأنه لسان كلب. (٤)

وقيل : إنّها عيرتها بالقصر ، وأشارت بيدها أنها قصيرة.

بل هل يعقل بصدّيقة أن تتطبع بطبائع غير مشروعة وقبيحة كالحسد. جاء في سنن الترمذي عن عائشة أنها قالت : ما حسدت امرأة ما حسدت خديجة ، وما تزوجني رسول الله إلّا بعد ما ماتت ، وذلك إن الله بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. (٥) بل لِمَ يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ؟! فلو كانت عائشة هي الصدّيقة حقا فهل يمكن أن يعدها رسول الله مع بقية زوجاته ويقول عنهن ( إنكن صويحبات يوسف ). (٦) بل كيف بعائشة الصدَّيقة !! تعترض على ما نزل من قبل رب العالمين ( تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ

_______________________________________

١. قال سبحانه وتعالى : ( وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ ) الحجرات : ١١.

٢. قال سبحانه وتعالى ( وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ) الحجرات : ١٢.

٣. السبنية : ضرب من الثياب ، تتخذ من مشاقة الكتان. منسوب إلى موضع بناحية المغرب يقال له : سبن.

٤. الكشاف ٤ : ٣٧٣ ، تفسير القرطبي ١٦ : ٣٢٦ ، زاد المسير ٧ : ١٨٢ ، تفسير بحر المحيط ٨ : ١١٢.

٥. سنن الترمذي ٥ : ٣٦٦ ح ٣٩٧٩ فضل خديجة.

٦. إحياء علوم الدين ٤ : ٤٧ ، المسترشد في الإمامة : ١٤١ وجاء عن صحيح البخاري ١ : ١٦٥ ، كتاب الإذن ، باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة ، وصحيح مسلم ٢ : ٢٥ ، كتاب الصلاة ، باب تقديم الجماعة من يصلي بهم ، وسنن الدارمي ١ : ٣٩ ، باب في وفاة النبي ، بلفظ « وصواحب يوسف ».

٣١

مَن تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ ) (١) وتقول متهكـمـة لـرسـول الله : والله ما أرى ربّـك إلا يسـارع لك في هـواك. (٢)

وهل حقا أن رسـول الله كان يتّبع هواه أو أنّ الباري سبحانه كان يسارع للنبي في هـواه !! ألم يكن في كلامها ازدراء بالرسول والرسالة ، وهل هذه هي المعرفة الحقّة المرجوّة من الصدّيقة ؟! بل هل أن رب محمد يختلف عن رب عائشـة حتى تخاطبه وتقول : ما أرى ربّك إلّا يسـارع لك في هواك.

وهل الصدّيقة يؤثر فيها الهوى وتغلب عليها غيرة النساء ، فتكتم الحق وتخبر بغير الصدق ؟!

إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أرسل عائشة لتنظر إلى امرأة أراد أن يخطبها ، فذهبت ثم رجعت فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله ما رأيتِ ؟

قالت : ما رأيتُ طائلاً.

قال لها رسول الله : لقد رأيتِ خالاً بخدها اقشعرت منه ذؤابتك.

فقالت : ما دونك سر ، ومن يستطيع أن يكتمك. (٣)

كانت هذه صورة إجمالية عن الصدّيقة عائشة ، وأراها كافية في رسم شخصيتها والوقوف على التمايز بينها وبين فاطمة الزهراء أو خديجة الكبرى. وقد يكون في الخبر الآتي ما يجسم نفسية عائشة والفرق بينها وبين فاطمة وخديجة :

_______________________________________

١. الأحزاب : ٥١.

٢. صحيح مسلم ٥ : ١٧٤ ، كتاب الرضاع ، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها ، صحيح البخاري ٦ : ٢٤ ، كتاب التفسير ، تفسير سورة الأحزاب ، وفي كتاب النكاح ، باب هل للمرأة أن تهب نفسها ٦ : ١٢٨ ، تفسير الطبري ٢٢ : ٣٣ ، تفسير ابن كثير ٣ : ٥٠٨.

٣. تاريخ بغداد ١ : ٣١٧ ، تاريخ دمشق ٥١ : ٣٦ ، ذكر أخبار إصفهان ٢ : ١٨٨ ، كنز العمال ١٢ : ٤١٨ ح ٣٥٤٦٠ ، وانظر طبقات ابن سعد ٨ : ١٦١ ، سبل الهدى والرشاد ١١ : ٢٣٥.

٣٢

فقد جاء في تاريخ دمشق : إنّ عائشة زوج النبي رأت النبي يقطع اللحم لفاطمة وابنيها ، فقالت : يا رسول الله لابنة الحمراء [ تعني بها خديجة ] أوحش من رأيته تقطع اللحم ، فغضب النبي ، فترك عائشة لا يكلمها ، وإن أُم رومان كلمته فقالت : يا رسول الله ان عائشة بُنيَّة فلا تؤاخذها ، فقال : وتدرين ما قالت ؟ إنها قالت كذا وكذا في خديجة ، وقد فُضِّلت خديجة على نساء أُمتي كما فُضِّلت مريم على نساء العالمين. (١)

وفي سنن الترمذي عن عائشة أنها قالت : ما غرت على أحد من أزواج النبي ما غـرت على خديجـة ، وما بي أن أكون أدركتها ، وما ذاك إلّا لكثرة ذكر رسول الله لها وإن كان ليذبح الشـاة فيتتبع بها صدايق خديجة فيهديها لهن. (٢)

أبو بكر والصديقيّة

والآن لنقف هنيئة عند أبي بكر لنرى هل أنه حقاً هو الصدّيق ، أم أن الصدّيق ، علي بن أبي طالب ؟ بعيداً عن كل الخلفيات التي يحملها كل طرف ، أي لندرس شخصية الاثنين من خلال أقوالهما وأفعالهما لا من خلال أقوال أتباعهما.

إذ من المعلوم بأنّ الصدق مقابل الكذب ، فلو كانت الصدّيقة فاطمة هي المحقة في قولها ، فيكون الصدّيق أبو بكر كاذباً ، وكذا إن كان عليٌ محقاً فيلزم أن يكون الطرف الآخر مبطلاً.

_______________________________________

١. تاريخ دمشق ٧٠ : ١١٤.

٢. سنن الترمذي ٣ : ٢٤٩ / ٢٠٨٦ ، ٥ : ٣٦٦ / ٣٩٧٧ ، وانظر مسند أحمد ٦ : ٢٧٩ ، وصحيح البخاري ٤ : ٢٣٠ / كتاب بدء الخلق / باب تزويج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خديجة وفضلها (رض) ، الطرائف : ٢٩١ ، وفتح الباري ٧ : ١٠٢ وقد علق قائلا : وفيه ثبوت الغيرة وأنها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلاً عمن دونهن !

٣٣

والآن مع بعض تلك الفقرات والنماذج من كلمات ومواقف أئمة النهجين لنعرف من هو الصادق ومن هو الكاذب في تلك الأمور المختلف فيها ، ثم نعرّج بعد ذلك على الصدّيق لنعرف أيّهما هو الأحق بالاتصاف بهذه الصفة وفقاً للمعطيات :

النموذج الأوّل :

هناك فقرة من خطبة السيدة فاطمة الزهراء وهي تخاطب القوم ، تقول فيها :

وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) أفلا تعلمون ؟ بلى تجلّى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته. أيّها المسلمون أأغلب على إرثيه ؟! يا ابن أبي قحافة ! أفي كتاب الله أن ترث أباك ، ولا أرث أبي ؟! ( لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ).

أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) ، وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا عليهما السلام إذ قال : ( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) ، وقال : ( وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ ) ، وقال : ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ) ، وقال : ( إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) ، وزعمتم أن لا حظوة لي ، ولا إِرث من أبي ولا رحم بيننا !

أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي ؟ أم هل تقولون : أهل ملتين لا يتوارثان ، أو لست أنا وأبي من ملة واحدة ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذ تندمون ( لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ).

٣٤

وهذا النص صريح ولا يحتاج إلى مزيد تفسير وتحليل ، فالصدّيقة فاطمة الزهراء كذّبت الصدّيق أبا بكر بقولها : يا ابن أبي قحافة ! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ، ( لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ).

وكذا في كلامها بأنّ أبا بكر وأنصاره زعموا أن لا حظوة ولا إِرث لها من أبيها جريا مع أحكام الجاهلية ، وهو ما يخالف عمومات القران في الوصية والإرث ، فكيف بأبي بكر يرث أباه ، والزهراء لا ترث أباها ؟ أفخصهم الله بآية أخرج منها النبي محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أم يقولون أهل ملتين لا يتوارثان ؟ أو أنهم يريدون أن يقولوا بأنّ الزهراء ليست بابنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والعياذ بالله.

لان العقول لا تصدق أن يكون الرسول قد بين هذا الحكم لغير الوارث وتركه البيان للوارث ؟

بل كيف تصدّق العقول تخصيص الكتاب بالخبر الواحد الذي لم يصدّقه علي وفاطمة سلام الله عليهما ؟

وكيف تصدّق العقول تخصيص الكتاب بالخبر الواحد الذي لم يصح الأخذ بعموم ظاهره ، لمخالفته لما ثبت من سيرة الأنبياء الماضين صلوات الله على نبينا وآله عليهم ؟

هذا وإن الزهراء بكلامها قررت ترك القوم العمل بكتاب الله ، لأنّ كلمة ( ورث ) عامة وتدل على المال كما هو المشاهد في عدة آيات ولم تقيد بقيد إضافي ، لكنهم صرفوا الإرث إلى وراثة الحكمة والنبوة دون الأموال ؛ تقديماً للمجاز على الحقيقة ، مع العلم بأنّ وراثة النبوة والعلم لا تعني إبطال الميراث المالي ، بل وراثة النبوة ملازمة للوراثة المالية ، وهذه الوراثة ملازمة لأهلها من الأزل عند بارئها و ( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ).

٣٥

قال الرازي في تفسيره : إنّ المراد بالميراث في الموضعين هو وراثة المال ، وهذا قول ابن عباس والحسن والضحاك. (١)

وقال الزمخشري في الكشاف : ورث سليمان عن أبيه ألف فرس. (٢)

وقال البغوي في معالم التنزيل في تفسير الآية من سورة مريم ، قال الحسن : معناه يرث مالي. (٣)

ونحن لو تأمّلنا في استدلال الصدّيق الأكبر علي ، والصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء ، والعباس عم النبي ، لرأيناهم يستدلون على خطأ أبي بكر وسقم دعواه إلزاماً له بما ألزم به نفسه حينما نهى الناس عن التحديث عن النبي قائلاً : بيننا وبينكم كتاب الله ، (٤) أي أنهم استدلوا بعمومات القرآن في الإرث والوصية على خطئه ، لكنه رجع هو إلى ما نهاهم عنه من الحديث عن رسول الله ، حيث استدل بالحديث مقابل آيات القرآن ، وهي مُفارَقَةٌ تحتاج إلى تأمل.

النموذج الثاني :

تكذيب الزهراء أبا بكر فيما نقله عن رسول الله : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ) بالعمومات القرآنية السابقة وسيرة الخليفة نفسه.

إذ لو صح كلام أبي بكر فكيف صح له أن يدفع آلة رسول الله ودابته وحذاءه إلى علي بن أبي طالب ، (٥) ويمكّن زوجاته من التصرف في حجراتهن كما يتصرف

_______________________________________

١. التفسير الكبير ٢١ : ١٥٦.

٢. الكشاف ٤ : ٩٣.

٣. تفسير البغوي ٣ : ١٨٩.

٤. تذكرة الحفاظ ١ : ٣ ، توجيه النظر للجزائري ١ : ٦٠.

٥. شرح النهج ١٦ : ٢١٤ وانظر صحيح البخاري ٥ : ١١٤ ـ ١١٥ كتاب المغازي ـ حديث بني النضير ـ صحيح مسلم ٣ : ١٣٧٧ ـ ١٣٧٩ كتاب الجهاد والسير باب حكم القيء.

٣٦

المالك في ملكه ؟ حتى وصل الأمر به إلى أن يستأذن عائشة في الدفن في حجرتها ، في حين نراه قد انتزع فدك من الزهراء بدعوى عدم ملكيتها لها ؟

بل هل يجوز للنبي أن يموت ولا يُعلِم ابنته وصهره بأنْ ليس لهما حق في إرثه ؟ وكيف به يُعلِم الآخرين ويخبرهم ولا يُعلم صهره وابنته ـ أصحاب الحق ـ هذا الحكم الخاص بهم لو فرض وجوده ؟

ثمّ إن كان أبو بكر على ثقة من حديثه ، فلِمَ ناقضه بكتاب كتبه لفاطمة بفدك ؟ (١) لكنّ عمر أخذ الكتاب فشقه.

فأبو بكر بادّعائه هذا على رسول الله نسب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلغاء قانون الإرث للأنبياء ، وهذا يخالف الثابت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله من أنّه مكلّف كغيره من الناس بالفرائض والتكاليف ، وأنّ تعاليم السماء تجري عليه كما تجري على غيره من بني الإنسان ، ولم يثبت أن ذلك من مختصاته ، ولأجل ذلك رمتِ الزهراء أبا بكر بالكذب.

النموذج الثالث :

تكذيب أبا بكر ـ وفي نص آخر عمر ـ لعلي بن أبي طالب بعد أن هدّدوه بالقتل إن لم يبايع أبا بكر ، فقال علي : إذا تقتلون عبدالله وأخا رسوله ، فقال عمر : أما عبدالله فنعم ، وأما أخو رسوله فلا. (٢)

لا أدري كيف ينكر الخليفة !! مؤاخاة علي مع رسول الله مرتين : الأولى في مكة قبل الهجرة بين المهاجرين خاصة ، والثانية في المدينة بعد الهجرة بخمسة أشهر حيت آخى بين المهاجرين والأنصار ، وفي كلتا المرّتين كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يصطفي لنفسه علياً

_______________________________________

١. شرح النهج ١٦ : ٢٧٤ ، الاحتجاج ١ : ١٢٢ ، وانظر تهذيب الأحكام ٤ : ١٤٨ ، تفسير القمي ٢ : ١٥٥ ، السيرة الحلبية ٣ : ٤٨٨.

٢. الإمامة والسياسة ١ : ٢٠ ، تحقيق الزيني ، الاحتجاج للطبرسي ١ : ١٠٩.

٣٧

فيتخذه من دونهم أخاً ، ويقول لعلي : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، (١) هذا ناهيك عن أنّ عليّاً هو نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بنص آية المباهلة ( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي في تبوك : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ووارثي. (٢)

كان صلى‌الله‌عليه‌وآله قد جعله أخاً ووصياً وخليفة من بعده في نأنأة الإسلام حين نزل قوله تعالى : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) حيث دعاهم إلى دار عمه ـ أبي طالب ـ وهم يومئذٍ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، وقام خطيبا فيهم ، وقال :

يا بني عبد المطلب ، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ! إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؟ فنكل القوم عنها غير علي ـ وكان أصغرهم ـ فأخذ رسول الله برقبته وقال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاستمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تَسمع لابنك وتطيع. (٣)

ولما زفّتْ سيدة النساء لعلي عليه‌السلام قال النبي : يا أم أيمن ادعي لي أخي ، فقالت : هو أخوك وتنكحه ؟ قال : نعم يا أم أيمن ، فدعت عليا فجاء ... الخبر. (٤)

_______________________________________

١. سنن الترمذي ٥ : ٣٠٠ ح ٣٨٠٤ ، حديث حسن غريب ، مستدرك الحاكم ١٤٣.

٢. صحيح مسلم ٧ : ١٢٠ كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل علي ، مسند أبي يعلى ١ : ٢٨٦ ح ٣٤٤ ، صحيح ابن حبان ١٥ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ ، مناقب علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) ، الآحاد والمثاني ٥ : ١٧٠ / ٢٧٠٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٢١ : ٤١٥ ، ٤٢ : ٥٣.

٣. تاريخ الطبري ٢ : ٦٣ ، سيرة ابن كثير ١ : ٤٥٨ ـ ٤٥٩ ، كنز العمال ١٣ : ١٣٣ / ٣٦٤١٩ ، عن ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم.

٤. مستدرك الحاكم ٣ : ١٥٩ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ : ١٤٢ ح ٨٥٠٩.

٣٨

وقد خاطبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من مرة بالأخوة ، فمرة قال : أنت أخي وصاحبي في الجنة. (١)

وأُخرى : أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبرئ ذمتي. (٢)

وثالثة : هذا أخي وابن عمي وصهري وأبو ولدي (٣).

ورابعة : ادعوا لي أخي ، فدعوا علياً ، فقال : ادن مني ، فدنا منه وأسنده إليه فلم يزل كذلك وهو يكلّمه حتى فاضت نفسه الزكية. (٤)

وخامسة : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مكتوب على باب الجنة « لا اله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي أخو رسول الله » ، (٥) وسادسة ، وسابعة ، ووو ... .

وقد أوحى الله ـ ليلة مبيت الإمام عليّ على فراش رسول الله ـ إلى جبرئيل وميكائيل : إني آخيت بينكما وجعلت عُمر أحدكما أطول من عُمر الآخر ، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟ فاختار كلاهما الحياة ، فأوحى الله إليهما : ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب ؟! آخيتُ بينه وبين محمّد فبات على فراشه ليفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه ، فنزلا ، فكان جبرئيل ... الخبر. (٦)

_______________________________________

١. تاريخ بغداد ١٢ : ٢٦٣ ، وفيه : يا علي أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة ، وهو كذلك في تاريخ دمشق ٤٢ : ٦١.

٢. المعجم الكبير ١٢ : ٣٢١ وفيه : فمن أحبك في حياة مني فقد قضى بحبه ، ومن أحبك بعدي ولم يرك ختم الله له بالأمن ، وأمنه يوم الفزع الأكبر ، ومن مات وهو يبغضك يا علي ، مات ميتة جاهلية يحاسبه الله بما عمل في الإسلام ، وعنه في مجمع الزوائد ٩ : ١٢١ ، وكنز العمال ١١ : ٦١١ / ٣٢٩٥٥.

٣. كنز العمال ٥ : ٢٩١ / ١٢٩١٤ ، ١١ : ٦٠٩ / ٣٢٩٤٧ عن الشيرازي في الألقاب ، وابن النجار ـ عن ابن عمر ، وانظر مسند أحمد ٥ : ٢٠٤ ، ومستدرك الحاكم ٣ : ٢١٧ ، المعجم الكبير ١ : ١٦٠ ح ٣٧٨.

٤. طبقات ابن سعد ٢ : ٢٦٣.

٥. المعجم الأوسط ٥ : ٣٤٣ ، تاريخ بغداد ٧ : ٣٩٨ ، فيض القدير ٤ : ٤٦٨ ح ٥٥٨٩ ، ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر : ١٨٦ ح ١٦٧.

٦. أسد الغابة ٤ : ٢٥ ، جواهر المطالب ١ : ٢١٧ ، شواهد التنزيل ١ : ١٢٣ ح ١٣٣.

٣٩

هذا وإن الإمام عليّاً كان قد استشهد بهذه المواخاة عدّة مرات ، فمّما قاله عليه‌السلام يوم الشورى لعثمان وعبدالرحمن وسعد والزبير وطلحة :

أُنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله بينه وبينه إذ آخى رسول بين المسلمين غيري ؟ قالوا : اللهم لا. (١)

وقال علي عليه‌السلام للوليد يوم بدر لما برز لقتاله حيث ، قال له الوليد : من أنت ؟ قال علي : أنا عبدالله وأخو رسوله. (١)

وقد أشارت السيدة فاطمة الزهراء في خطبتها المشهورة إلى هذه الاخوّة بقولها عليها‌السلام :

قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأَ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله ، سيد أولياء الله ، مشمّراً ناصحاً ، مجداً كادحاً ، وأنتم في رفاهية من العيش ، وادعون فاكهون آمنون ، تتربصون بنا الدوائر ، وتتوكفون الأخبار ، وتنكصون عند النزال ، وتفرون عند القتال ... . (٢)

ولما سمع أبو بكر حجة الزهراء تأثّر بكلامها ، فجاء ليطيّب خاطرها ، معترفاً بأنّ عليّاً هو أخ الرسول دون الأخلّاء فقال :

يا ابنة رسول الله ، لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً ، رؤوفاً رحيماً ، وعلى الكافرين عذاباً أليماً ، وعقاباً عظيماً ، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء ، وأخاً لبعلك دون الأخلّاء ، آثره على كل حميم ، وساعده في كل أمر جسيم ، لا يحبكم إلا سعيد ، ولا يبغضكم إلا شقي ؛ فأنتم عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الطيبون ، والخيرة

_______________________________________

١. الاستيعاب ٣ : ١٠٩٨.

٢. طبقات ابن سعد : ٢ : ٢٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٦٠.

٣. أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد ١٦ : ٢٥ ، وجواهر المطالب ١ : ١٥٦.

٤٠