تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

من السفن والمخر صوت هبوب الريح ، أو تجري بريح واحدة مقبلة ومدبرة ، أو تجري معترضة ، أو المواخر : المواقد.

(وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦))

(وَعَلاماتٍ) معالم الطرق بالنهار. (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) بالليل ، أو النجوم منها ما يهتدى به ومنها ما هو علامة لا يهتدى بها ، أو الجبال.

(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨))

(لا تُحْصُوها) لا تحفظوها ، أو لا تشكروها.

(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦))

(فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ) هدمه من أساسه ، أو مثل ضربه الله تعالى لاستئصالهم.

(السَّقْفُ) أتاهم من السماء التي هي سقفهم ، أو سقطت أعالي بيوتهم وهم تحتها فلذلك قال : (مِنْ فَوْقِهِمْ) إذ لا يكون فوقهم إلا وهم تحته. وهم نمروذ بن كنعان وقومه ، أو بختنصر وأصحابه ، أو المقتسمين المذكورين في سورة الحجر.

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨))

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) قيل نزلت فيمن أسلم بمكة ولم يهاجر فأخرجتهم قريش إلى بدر فقتلوا.

(تَتَوَفَّاهُمُ) تقبض أرواحهم. (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) بالمقام بمكة وترك الهجرة. (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) في خروجهم معهم. (مِنْ سُوءٍ) كفر.

(بَلى) عملكم أعمال الكفار ، والسّلم : الصلح ، أو الاستسلام ، أو الخضوع.

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢))

(طَيِّبِينَ) صالحين.

(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١))

(ظُلِمُوا) ظلمهم أهل مكة بإخراجهم إلى الحبشة بعد العذاب والإبعاد.

(حَسَنَةً) نزول المدينة ، أو الرزق الحسن نزلت في أبي جندل بن سهيل ، أو في بلال وعمار وخباب بن الأرت عذبوا حتى قالوا ما أراده الكفار فلما خلوهم هاجروا.

٣٤١

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣))

(الذِّكْرِ) العلماء بأخبار القرون الخالية يعلمون أن الله تعالى ما بعث رسولا إلا من رجال الأمة ولم يبعث ملكا أو أهل الكتاب خاصة ، أو أهل القرآن.

(بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤))

(إِلَيْكَ الذِّكْرَ) القرآن ، أو العلم.

(أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦))

(تَقَلُّبِهِمْ) سفرهم.

(أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧))

(تَخَوُّفٍ) تنقص يهلك واحدا بعد واحد فيخافون الفناء ، أو على تقريع وتوبيخ بما قدموه من ذنوبهم ، أو يهلك قرية فتخاف القرية الأخرى.

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨))

(يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) يرجع ، والفيء : الرجوع وبه سمى الظل بعد الزوال لرجوعه ، أو يتميل ، أو يدور ، أو يتحول.

(الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) تارة جهة اليمين وتارة إلى جهة الشمال ، أو اليمين أول النهار والشمال آخره.

(سُجَّداً) ظل كل شيء سجوده ، أو سجود الظل بسجود شخصه ، أو سجود الظلال كسجود الأشخاص تسجد خاضعة لله.

(داخِرُونَ) صاغرون خاضعون.

(يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠))

(رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) عذاب ربهم لأنه ينزل من فوقهم من السماء ، أو قدرته التي هي فوق قدرتهم.

(وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (٥٢))

(الدِّينُ) الإخلاص ، أو الطاعة.

(واصِباً) واجبا ، أو خالصا أو دائما ، عذاب واصب : دائم.

(وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣))

٣٤٢

(الضُّرُّ) القحط ، أو الفقر.

(تَجْئَرُونَ) تضرعون بالدعاء ، أو تضجون وهو الصياح من جؤار الثور وهو صياحه.

(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨))

(مُسْوَدًّا) أسود اللون عند الجمهور ، أو متغير اللون بسواد أو غيره.

(كَظِيمٌ) حزين ، أو كظم غيظه فلا يظهره ، أو مغموم انطبق فوه من الغم ، من الكظامة وهو شدّ فم القربة.

(يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩))

(هُونٍ) الهوان بلغة قريش ، أو القليل بلغة تميم.

(يَدُسُّهُ) يريد المؤودة.

(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢))

(ما يَكْرَهُونَ) البنات.

(الْحُسْنى) البنين ، أو أجزاء الحسنى.

(لا جَرَمَ) حقا أو قطعا ، أو اقتضى فعلهم أن لهم النار أو بلى إن لهم النار.

(مُفْرَطُونَ) منسيون ، أو مضيعون ، أو مبعدون في النار ، أو متروكون فيها أو مقدمون إليها ومنه «أنا فرطكم على الحوض» (١) أي متقدمكم ، (مُفْرَطُونَ) مسرفون في الذنوب من الإفراط فيها ، (مُفْرَطُونَ) في الواجب.

(وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧))

(سَكَراً) السكر : الخمر ، والرزق الحسن : التمر والرطب الزبيب ، نزلت قبل تحريم الخمر ، أو السكر : ما حرم من شرابه ، والرزق الحسن : ما حل من ثمرته ، أو السكر : النبيذ ، والرزق الحسن : التمر والزبيب ، أو السكر : الخل بلغة الحبشة والرزق الحسن : الطعام ، أو السكر ما طعم من الطعام وحل شربه من ثمار النخيل والأعناب وهو الرزق الحسن.

وجعلت عيب الأكرمين سكرا

أي جلعت ذمهم طعما

__________________

(١) أخرجه البخاري (٥ / ٢٤٠٨ ، رقم ٦٢١٧) ، ومسلم (٤ / ١٧٩٢ ، رقم ٢٢٨٩) ، وابن حبان (١٤ / ٣٥٧ ، رقم ٦٤٤٥) ، وأحمد (٤ / ٣١٣ ، رقم ١٨٨٣٠).

٣٤٣

(وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨))

(وَأَوْحى) ألهمها ، أو سخرها أو جعله في غرائزها بما يخفي مثله على غيرها.

(يَعْرِشُونَ) يبنون ، أو الكروم.

(ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩))

(ذُلُلاً) مذللة ، أو مطيعة ، أو لا يتوعر عليها مكان تسلكه ، أو الذلل صفة للنحل بانقيادها إلى أصحابها وذهابها حيث ذهبوا.

(مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) لاختلاف أغذيته. (فِيهِ شِفاءٌ) الضمير للقرآن ، أو للعسل.

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠))

(أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أوضعه وأنقصه عند الجمهور ، أو الهرم ، أو ثمانون سنة ، أو خمس وسبعون.

(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١))

(فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) السادة على العبيد ، أو الأحرار بعضهم على بعض عند الجمهور.

(فِي الرِّزْقِ) بالغنى والفقر والضيق والسعة.

(فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) لما لم يشركهم عبيدهم في أموالهم لم يجز أن يشاركوا الله تعالى في ملكه ، أو هم وعبيدهم سواء في أن الله تعالى رزق الجميع ، وأن أحدا لا يقدر على رزق عبده إلا أن يرزقه الله تعالى إياه كما لا يقدر على رزق نفسه.

(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢))

(مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) خلق حواء من آدم.

(وَحَفَدَةً) أصهار الرجل على بناته ، أو أولاد الأولاد ، أو بنو زوجة الرجل من غيره ، أو الأعوان ، أو الخدم ، والحفدة جمع حافد وهو المسرع في العمل ، نسعى ونحفد : نسرع إلى العمل بطاعتك.

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ

٣٤٤

يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٧٥))

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً) مثل للكافر والمؤمن ، فالكافر لا يقدر على شيء من الخير ، والزرق الحسن مما عند المؤمن من الخير ، أو مثل للأوثان التي لا تملك شيئا تعبد دون الله تعالى الذي يملك كل شيء.

(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦))

(رَجُلَيْنِ) مثل لله تعالى وللوثن الأبكم الذي لا يقدر على شيء ، والذي يأمر بالعدل هو الله عزوجل ، أو الأبكم : الكافر ، والذي يأمر بالعدل المؤمن ، أو الأبكم غلام لعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كان يعرض عليه الإسلام فيأبى والذي يأمر بالعدل عثمان رضي الله تعالى عنه.

(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٧٧))

(وَما أَمْرُ السَّاعَةِ) سألت قريش الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الساعة استهزاء فنزل (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يريد قيام الساعة وسميت ساعة لأنها جزء من يوم القيامة وأجزاء اليوم ساعاته.

(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (٨١))

(مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً) الشجر. (أَكْناناً) يستكن فيها جمع كن.

(سَرابِيلَ) ثياب الكتان والقطن والصوف ، والتي تقي الناس : دروع الحرب ، ذكر الجبال والحر ولم يذكر السهل والبرد لغلبة الجبال والحر على بلادهم دون البرد والسهل ، فمنّ عليهم بما يختص بهم ، أو اكتفى بذكر الجبال والحر عن ذكر السهل والبرد فالمنة فيهما آكد.

(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (٨٣))

(نِعْمَتَ اللهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعرفون نبوته ثم يكذبونه ، أو نعمه المذكورة في هذه السورة ثم ينكرونها بقولهم : ورثناها عن آبائنا ، أو إنكارها قولهم : لولا فلان لما أصبت كذا وكذا ، أو معرفتهم : اعترافهم أن الله رزقهم وأنكارهم قولهم : رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا ، قال الكلبي

٣٤٥

تسمى هذه السورة سورة النعم لتعديد النعم فيها.

(وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) أراد جميعهم ، أو فيهم من حكم بكفره تبعا كالصبيان والمجانين فذكر المكلفين.

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠))

(بِالْعَدْلِ) شهادة التوحيد.

(وَالْإِحْسانِ) الصبر على طاعته في أمره ونهيه سرا وجهرا.

(وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) صلة الرحم ، والفحشاء : الزنا. والمنكر : القبائح ، والبغي : الكبر والظلم ، أو العدل : القضاء بالحق ، والإحسان : التفضل بالإنعام ، وإيتاء ذي القربى : صلة الأرحام ، والفحشاء : ما يسر من القبائح ، والمنكر : ما يظهر منها فينكر ، والبغي ما يتطاول به من ظلم وغيره ، أو العدل استواء السريرة والعلانية في العمل لله ، والإحسان فضل السريرة على العلانية ، والمنكر والبغي فضل العلانية على السريرة.

(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٩١))

(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) نزلت في بيعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الإسلام أو في الحلف الواقع في الجاهلية بين أهل الشرك والإسلام فجاء الإسلام بالوفاء به ، أو في كل يمين منعقدة يجب الوفاء بها ما لم تدع ضرورة إلى الحنث ، وقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «فليأت الذي هو خير» (١) محمول على الضرورة دون المباح ، وأهل الحجاز يقولون : وكدت توكيدا ، وأهل نجد أكدت تأكيدا.

(وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢))

(كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) امرأة حمقاء بمكة كانت تغزل الصوف ثم تنقضه بعد إبرامه.

__________________

(١) أخرجه مسلم (٣ / ١٢٧١ ، رقم ١٦٥٠) ، والترمذي (٤ / ١٠٧ ، رقم ١٥٣٠) وقال : حسن صحيح. ومالك (٢ / ٤٧٨ ، رقم ١٠١٧) ، وأحمد (٢ / ٣٦١ ، رقم ٨٧١٩) ، وابن حبان (١٠ / ١٩٠ ، رقم ٤٣٤٩) جميعا عن أبي هريرة.

وأخرجه مسلم (٣ / ١٢٧٣ ، رقم ١٦٥١) ، والنسائي (٧ / ١١ ، رقم ٣٧٨٦) ، وابن ماجه (١ / ٦٨١ ، رقم ٢١٠٨) ، والطيالسي (ص ١٣٨ ، رقم ١٠٢٧) ، وأحمد (٤ / ٢٥٦ ، رقم ١٨٢٧٧) ، وابن حبان (١٠ / ١٨٦ ، رقم ٤٣٤٥) جميعا عن عدى بن حاتم.

٣٤٦

فشبه ناقض العهد بها في السفه والجهل تنفيرا من ذلك.

(غَزْلَها) عبّر عن الحبل بالغزل ، أو أراد الغزل حقيقة.

(قُوَّةٍ) إبرام ، أو القوة : ما غزل على طاقة ولم تثن.

(أَنْكاثاً) أنقاضا واحدها نكث ، وكل شيء نقض بعد الفتل فهو أنكاث.

(دَخَلاً) غرورا ، أو دغلا وخديعة ، أو غلا وغشا ، أو أن يكون داخل القلب من الغدر غير ما في الظاهر من الوفاء ، أو الغدر والخيانة.

(أَرْبى) أكثر عددا وأزيد مددا فتغدر بالأقل.

(مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧))

(حَياةً طَيِّبَةً) بالرزق الحلال ، أو القناعة ، أو الإيمان بالله تعالى والعمل بطاعته ، أو السعادة ، أو الجنة.

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨))

(قَرَأْتَ) أردت ، أو إذا كنت قارئا فاستعذ ، أو تقديره فإذا استعذت بالله فاقرأ على التقديم والتأخير.

(إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩))

(سُلْطانٌ) قدره على حملهم على ذنب لا يغفر ، أو حجة على ما يدعوهم إليه من المعصية ، أو لا سلطان له عليهم لاستعاذتهم بالله تعالى لقوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) [الأعراف : ٢٠٠] ، أو لا سلطان له عليهم بحال لقوله سبحانه وتعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ) [الحجر : ٤٢].

(إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠))

(بِهِ مُشْرِكُونَ) بالله ، أو أشركوا الشيطان في أعمالهم ، أو لأجل الشيطان وطاعته أشركوا.

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١))

(بَدَّلْنا) نسخناها حكما وتلاوة ، أو حكما دون التلاوة.

(لا يَعْلَمُونَ) جواز النسخ والله تعالى أعلم بالمصلحة فيما ينزله ناسخا ومنسوخا.

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣))

٣٤٧

(بَشَرٌ) بلعام فتى بمكة كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدخل عليه ليعلمه فاتهموا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه يتعلم منه ، أو يعيش عبد بني الحضرمي كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلقنه القرآن ، أو غلامان صيقلان لبني الحضرمي من أهل عين التمر كانا يقرآن التوراة فربما جلس إليهما الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو سلمان الفارسي.

(يُلْحِدُونَ) يميلون ، أو يعرضون به. والعرب يعبّرون عن الكلام باللسان.

(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦))

(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ) نزلت في عمار وأبويه ياسر وسمية ، أو في بلال وصهيب وخباب أظهروا الكفر وقلوبهم مطمئنة بالإيمان.

(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢))

(قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً) مكة ، وسمي الجوع والخوف لباسا ، لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس ، بلغ بهم القحط أن أكلوا القد والعلهز وهو الوبر يخلط بالدم والقراد ثم يؤكل ، أو المدينة آمنت بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم كفرت بعده بقتل عثمان رضي الله تعالى عنه وما حدث فيها من الفتن قالته حفصة ، أو كل مدينة كانت على هذه الصفة من سائر القرى.

(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩))

(بِجَهالَةٍ) أنه سوء ، أو بغلبة الشهوة مع العلم بأنه سوء.

(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠))

(أُمَّةً) إماما يؤتم به ، أو معلما للخير ، أو أمة يقتدى به سمي بذلك لقيام الأمة به.

(قانِتاً) مطيعا ، أو دائما على العبادة.

(حَنِيفاً) مخلصا ، أو حاجا ، أو مستقيما على طريق الحق.

(وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢))

(حَسَنَةً) نبوة ، أو لسان صدق ، أو كل أهل الأديان يتولونه ويرضونه ، أو ثناء الله تعالى عليه.

٣٤٨

(ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣))

(اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) في الإسلام والبراءة من الأوثان ، أو في جميع ملته إلا ما أمر بتركه.

(إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤))

(اخْتَلَفُوا فِيهِ) فقال بعضهم : السبت أعظم الأيام حرمة ، لأن الله تعالى فرغ من خلق الأشياء فيه ، أو قال بعضهم : الأحد أفضل ، لأن الله تعالى ابتدأ الخلق فيه ، أو عدلوا عما أمروا به من تعظيم الجمعة تغليبا لحرمة السبت أو الأحد.

(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥))

(سَبِيلِ رَبِّكَ) الإسلام.

(بِالْحِكْمَةِ) بالقرآن.

(وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) القرآن في لين من القول ، أو بما فيه من الأمر والنهي.

(وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦))

(وَإِنْ عاقَبْتُمْ) نزلت في قريش لما مثلوا بقتلى أحد ثم نسخت بقوله تعالى (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) [النحل : ١٢٧] أو هي محكمة ، أو نزلت في كل مظلوم أن يقتص بقدر ظلامته.

(وَاصْبِرْ) عن المعاقبة بمثل ما عاقبوا به قتلى أحد من المثلة.

(إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨))

(اتَّقَوْا) المحرمات ، وأحسنوا بالفرائض والطاعات.

سورة الإسراء (١)

(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١))

__________________

(١) سميت السورة الكريمة سورة الإسراء لتلك المعجزة الباهرة معجزة الإسراء التي خصّ الله تعالى بها نبيه الكريم ، وهي سورة مكية ، ما عدا الآيات (٢٦ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٥٧) ، ومن الآية (٧٣ : ٨٠) فمدنية ، وقد نزلت بعد سورة القصص ، وقد بدأت السورة بأسلوب ثناء ، تبدأ بالتسبيح ، وسورة الإسراء من السور المكية التي تهتم بشئون العقيدة شأنها كشأن سائر السور المكية من العناية بأصول الدين الوحدانية والرسالة والبعث ولكن العنصر البارز في هذه السورة الكريمة هو شخصية الرسول وما أيّده الله به من المعجزات الباهرة والحجج القاطعة الدّالّة على صدقه عليه الصلاة والسّلام.

٣٤٩

(سُبْحانَ) : تنزيه الله تعالى من السوء ، أو براءة الله تعالى من السوء. وهو تعظيم لا يصلح لغير الله. أخذ من السبح في التعظيم وهو الجري فيه ، وقيل هو هنا تعجيب أي اعجبوا للذي أسرى ، لما كان مشاهدة العجب سببا للتسبيح صار التسبيح تعجبا. ويطلق التسبيح على الصلاة ، وعلى الاستثناء (لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) [القلم : ٢٨] ، وعلى النور سبحات وجهه ، وعلى التنزيه ، سئل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن التسبيح فقال : «إنزاه الله تعالى على السوء».

(بِعَبْدِهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والسرى سير الليل.

(الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الحرم كله ، أو المسجد نفسه ، سرت روحه وجسده فصلى في بيت المقدس بالأنبياء ثم عرج إلى السماء ثم رجع إلى المسجد الحرام فصلى به الصبح آخر ليلته ، أو لم يدخل القدس ولم ينزل عن البراق حتى عرج به ثم عاد إلى مكة ، أو أسرى بروحه دون جسده فكانت رؤيا من الله تعالى صادقة.

(الْأَقْصَى) لبعده من المسجد الحرام.

(بارَكْنا) بالثمار ومجرى الأنهار ، أو بمن جعل حوله من الأنبياء والصالحين.

(مِنْ آياتِنا) عجائبنا ، أو من أريهم من الأنبياء حتى وصفهم واحدا واحدا.

(السَّمِيعُ) لتصديقهم بالإسراء وتكذيبهم.

(الْبَصِيرُ) بما فعل من الإسراء والمعراج.

(وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢))

(وَكِيلاً) : ، شريكا ، أو ربا يتوكلون عليه في أمورهم ، أو كفيلا بأمورهم.

(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣))

(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا) : هم موسى وبنو إسرائيل :

(شَكُوراً) نوح يحمد ربه على الطعام ، أو لا يستجد ثوبا إلا حمد الله على لبسه.

(وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤))

(وَقَضَيْنا) أخبرنا.

(لَتُفْسِدُنَّ) بقتل الناس وأخذ أموالهم وتخريب ديارهم.

«عُلُوًّا» : بالاستطالة والغلبة.

(فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ

٣٥٠

الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥))

(بَعَثْنا) خلينا بينكم وبينهم خذلانا بظلمكم ، أو أمرناهم بقتالكم.

(عِباداً) جالوت إلى أن قتله داود ، أو بختنصر ، أو سنحاريب أو العمالقة وكانوا كفارا ، أو قوم من أهل فارس يتحسسون أخبارهم.

(فَجاسُوا) مشوا وترددوا بين الدور والمساكن ، أو قتلوهم بين الدور والمساكن قال :

ومنا الذي لاقى بسيف محمد

فجاس به الأعداء عرض العساكر

أو طلبوا ، أو نزلوا.

(ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦))

(الْكَرَّةَ :) الظفر بهم بقتل جالوت ، أو غزو ملك بابل فاستنقذوا ما بيده من الأسرى والأموال ، أو أطلق لهم ملك بابل الأسرى والأموال.

(وَأَمْدَدْناكُمْ) جدد عليهم النعمة فبقوا بها مائة وعشرين سنة ، وبعث فيهم أنبياء.

(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧))

(لِأَنْفُسِكُمْ) : ثواب إحسانكم.

(وَإِنْ أَسَأْتُمْ) عاد العقاب عليكم ، رغّب في الإحسان وحذر من الإساءة.

«وَعْدُ الْآخِرَةِ» : بعث عليهم بختنصر ، أو انطياخوس الرومي ملك نينوي.

(الْمَسْجِدَ) : بيت المقدس. يتبروا : يهلكوا ويدمروا ، أو يهدموا ويخربوا.

(عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨))

(يَرْحَمَكُمْ) : مما حل بكم من النقمة.

(وَإِنْ عُدْتُمْ) إلى الفساد عدنا إلى الانتقام ، فعادوا فبعث عليهم المؤمنون يذلونهم بالجزية والمحاربة إلى القيامة.

(حَصِيراً) فراشا من الحصير المفترش أو حبسنا من الحصر ، والملك حصير لاحتجابه.

(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩))

٣٥١

(لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) شهادة التوحيد ، أو أوامره ونواهيه. وأقوم : أصوب.

(وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١))

(وَيَدْعُ الْإِنْسانُ) إذا ضجر وغضب على نفسه وولده بالهلاك ، ولو أجيب كما يجاب في دعاء الخير لهلك ، أو يطلب النفع عاجلا بالضرر آجلا.

(عَجُولاً) بدعائه على نفسه وولده عند ضجره ، أو أراد آدم نفخت الروح فيه فبلغت سرته فأراد أن ينهض عجلا.

(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢))

(فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) ظلمة الليل التي لا تبصر فيها المرئيات كما لا يبصر ما انمحى من الكتابة ، أو اللطخة السوداء في القمر ليكون ضوءه أقل من ضوء الشمس ليتميز الليل من النهار.

(آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) الشمس مضيئة للإبصار ، أو أهله بصراء فيه.

(وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣))

(طائِرَهُ» :) عمله من الخير أو الشر.

(فِي عُنُقِهِ) لأنه كالطوق أو حظه ونصيبه طار سهم فلان بكذا خرج نصيبه وسهمه منه.

(اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤))

(كِتابَكَ) كتابه : طائره الذي في عنقه.

(حَسِيباً) شاهدا ، أو حاكما عليها بعملها من خير أو شر. ولقد أنصفك من جعلك حسيبا على نفسك بعملك.

(مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥))

«وَلا تَزِرُ» : لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ، أو لا يجوز أن يعصي لمعصية غيره.

(مُعَذِّبِينَ) : في الدنيا والآخرة على شرائع الدين حتى نبعث رسولا مبينا ، أو على شيء من المعاصي حتى نبعث رسولا داعيا.

(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها

٣٥٢

تَدْمِيراً (١٦))

(أَرَدْنا) صلة تقديره إذا أهلكنا ، أو حكمنا لهلاك قرية.

(أَمَرْنا مُتْرَفِيها) بالطاعة.

(فَفَسَقُوا) بالمخالفة.

(أَمَرْنا) جعلناهم أمراء مسلطين. «آمرنا» كثرّنا عددهم ، أمر القوم كثروا وإذا كثروا احتاجوا إلى أمراء.

(مُتْرَفِيها) الجبارون ، أو الرؤساء.

(وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧))

(الْقُرُونِ) مدة القرن مائة وعشرون سنة ، أو مائة سنة ، أو أربعون سنة.

(كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠))

(هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ) نمد البر والفاجر.

(مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) في الدنيا.

(مَحْظُوراً) منقوصا ، أو ممنوعا.

(وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (٢٣))

(وَقَضى) أمر قال الضحاك : كانت في المصحف.

(وَوَصَّى) فألصق الكاتب الواو بالصاد فصارت وقضى قلت : هذا هوس.

(فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) إذا رأيت بهما الأذى أو أمطت عنهما الخلاء فلا تضجر كما لم يضجرا في صغرك لما أماطاه عنك ، (أُفٍّ) : كل ما غلظ وقبح من الكلام أو استقذار للنتن وتغير الرائحة ، أو كلمة دالة على التبرم والضجر. ويقولون : أف وتف فالأف وسخ الأظفار والتف ما رفعته بيدك من الأرض من شيء حقير.

(كَرِيماً) لينا ، أو حسنا. نزلت والتي بعدها في سعد بن أبي وقاص.

(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥))

(لِلْأَوَّابِينَ) المسبحون ، أو المطيعون ، أو مصلو الضحى ، أو المصلون بين المغرب والعشاء ، أو التائبون من الذنوب ، أو التائب مرة بعد أخرى كلما أذنب بادر التوبة.

٣٥٣

(وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦))

(الْقُرْبى) قرابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أمر الولاة بدفع حصتهم من الفيء والغنيمة ، أو قرابة المرء من قبل أبويه يدفع له نفقته الواجبة ، أو الوصية لهم عند الوفاة.

(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨))

(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ) عمن سألك من هؤلاء.

(ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ) طلبا لرزق الله.

(فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) عدهم خيرا ورد عليهم جميلا ، أو إن أعرضت حذرا أن ينفقوا ذلك في المعصية فمنعته (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ) له (مَيْسُوراً) لينا سهلا قاله ابن زيد.

(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١))

(وَلا تَقْتُلُوا) يريد وأد البنات خوف الفقر.

(خِطْأً) : العدول عن الصواب تعمدا والخطأ : العدول عنه سهوا ، أو الخطء : ما فيه إثم والخطأ : ما لا إثم فيه.

(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣))

(بِالْحَقِّ) بما يستحق به القتل.

(سُلْطاناً) بالقود ، أو بالتخيير بين القود والدية والعفو.

(فَلا يُسْرِفْ) يقتل غير القاتل ، أو يقتل الجماعة بالواحد.

(إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) إن الولي ، أو القتيل كان منصورا بقتل قاتله.

(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤))

(بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) التجارة بماله ، أو حفظ أصله وتثمير فرعه.

(أَشُدَّهُ) ثماني عشرة سنة ، أو الاحتلام والعقل والرشد.

(بِالْعَهْدِ) العقود بين المتعاقدين ، أو الوصية بمال اليتيم ، أو كل ما أمر الله به ونهي عنه.

(مَسْؤُلاً) عنه الذي عهد به ، أو تسأل العهد لما نقضت كما تسأل الموؤودة بأي ذنب قتلت.

٣٥٤

(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥))

(بِالْقِسْطاسِ) : القبان ، أو الميزان صغيرا أو كبيرا ، وهو العدل بالرومية.

(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦))

(وَلا تَقْفُ) : لا تقل ، أو لا ترم أحدا بما لا تعلم ، أو من القيافة وهو اتباع الأثر كأنه يتبع قفا المتقدم.

(وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧))

(مَرَحاً) شدة الفرح ، أو الخيلاء في المشي ، أو التكبر فيه ، أو البطر والأشر ، أو تجاوز الإنسان قدره.

(لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) من تحت قدمك.

(وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ) بتطاولك ، زجره عن التطاول الذي لا يدرك به غرضا ، أو يريد كما أنك لا تخرق الأرض ولا تبلغ الجبال طولا فلذلك لا تبلغ ما تريده ، بكبرك وعجبك إياسا له من بلوغ إرادته.

(تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤))

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ) حي إلا يسبح دون ما ليس بحي ، أو كل شيء حي أو غيره حتى صرير الباب. أو تسبيحها ما ظهر فيها من آثار الصنعة وبديع القدرة فكل من رآه سبح وقدس.

(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥))

(حِجاباً مَسْتُوراً) شبههم في إعراضهم بمن بينهم وبينه حجاب ، أو نزلت في قوم كانوا يؤذونه إذا قرأ ليلا فحال الله تعالى بينهم وبين أذاه.

(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧))

(وَإِذْ هُمْ نَجْوى) : كان جماعة من قريش منهم الوليد بن المغيرة يتناجون بما ينفر الناس عن اتباع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنجواهم قولهم : إنه ساحر أو مجنون أو يأتي بأساطير الأولين.

٣٥٥

(مَسْحُوراً) سحر فاختلط عليه أمره ، أو مخدوعا ، أو له سحر يعنون يأكل ويشرب فهو مثلكم وليس بملك.

(وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩))

(وَرُفاتاً) ترابا ، أو ما أرفت من العظام مثل الفتات.

(قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠))

(حِجارَةً) إن عجبتم من إنشائكم لحما ودما فكونوا حجارة أو حديدا إن قدرتم ، أو لو كنتم حجارة أو حديدا لم تفوتوا الله تعالى إذا أرادكم إلا أنه أخرجه مخرج الأمر أبلغ إلزاما.

(أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١))

(مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) السماوات والأرض والجبال ، أو الموت ، أو البعث لأنه أكبر شيء عندهم ، أو جميع ما تستعظمونه من خلق الله تعالى فإن الله يميتكم ثم يحييكم.

(فَسَيُنْغِضُونَ) يحركون رؤوسهم استهزاء.

(يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢))

(يَدْعُوكُمْ) الله للخروج إلى أرض المحشر بكلام يسمعه جميع العباد ، أو يسمعون الصيحة فتكون داعية إلى اجتماعهم في أرض القيامة.

(بِحَمْدِهِ) فتستجيبون حامدين بألسنتكم ، أو على ما يقتضي حمده من أفعالكم.

(لَبِثْتُمْ) في الدنيا لطول لبث الآخرة ، أو احتقروا أمر الدنيا لما عاينوا القيامة ، أو لما يرون من سرعة الرجوع يظنون قلة لبثهم في القبور ، أو عبّر بذلك عن تقريب الوقت لقول الحسن رضي الله تعالى عنه كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل.

(وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣))

(الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : تصديق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأن الشيطان ينزغ في تكذيبه ، أو امتثال الأوامر والنواهي ، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو أن يرد خيرا على من شتمه ، قيل نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه شتمه بعض كفار قريش فهمّ به.

(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤))

٣٥٦

(يَرْحَمْكُمْ) بالهدى.

(يُعَذِّبْكُمْ) بالضلال ، أو بالتوبة ويعذبكم بالإصرار ، أو بإنجائكم من عدوكم ويعذبكم بتسليطهم عليكم.

(وَكِيلاً) يمنعهم من الكفر ، أو كفيلا لهم يؤخذ بهم.

(أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧))

(أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) نزلت فيمن عبد الجن فأسلم الجن ابتغاء الوسيلة وبقي الإنس على كفرهم ، أو الملائكة عبدها قبائل من العرب ، أو عزير وعيسى وأمه وهم المعنيون بقوله : (ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) [الإسراء : ٥٦].

(وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠))

(أَحاطَ) علم ، أو عصمك منهم أن يقتلوك حتى تبلغ الرسالة أو أحاطت بهم قدرته فهم في قبضته.

(فِتْنَةً لِلنَّاسِ) لما أخبرهم أنه أسري به إلى بيت المقدس رؤيا عين ارتد جماعة من المسلمين افتتانا بذلك ، أو رأى في النوم أنه يدخل مكة فلما رجع عام الحديبية افتتن قوم برجوعه ، أو رأى قوما ينزون على منابره نزوان القردة فساءه ذلك قاله سهل بن سعد.

(وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) شجرة الزقوم طعام الأثيم. افتتنوا بها فقال أبو جهل وشيعته : النار تأكل الشجر فكيف تنبته ، أو هي الكشوث الذي يلتوي على الشجر.

(قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢))

(لَأَحْتَنِكَنَّ) لأستولين عليهم ، أو لأضلنهم ، أو لأستأصلنهم بالإغواء ، أو لأستميلنهم ، أو لأقودنهم إلى العصيان كما تقاد الدابة بحنكها إذا شد فيه حبل يجذبها ، أو لأقتطعنهم إلى المعاصي.

(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤))

(وَاسْتَفْزِزْ) استخف واستنزل.

(بِصَوْتِكَ) الغناء واللهو ، أو بدعائك إلى المعصية.

(وَأَجْلِبْ) الجلب السوق بجلبة من السائق.

٣٥٧

(بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) : كل راكب وماشي في المعصية.

(وَشارِكْهُمْ) في الأموال التي أخذوها بغير حلها ، أو أنفقوها في المعاصي ، أو ما حرموه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ، أو ما ذبحوه لآلهتهم.

(وَالْأَوْلادِ) يريد أولاد الزنا ، أو قتل الموؤودة ، أو صبغة أولادهم في الكفر حتى هودوهم ونصروهم أو تسميتهم بعبيد الآلهة كعبد الحارث وعبد شمس وعبد العزى وعبد اللات.

(رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦))

(يُزْجِي) يسوق ويسير.

(أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨))

(حاصِباً) حجارة من السماء ، أو الحاصب الريح لرميها بالحصباء والقاصف الريح التي تقصف الشجر.

(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠))

(كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ :) بالإنعام عليهم ، أو بأن جعلنا منهم خير أمة أخرجت للناس ، أو بأكلهم الطعام بأيديهم وغيرهم بتناوله بفمه.

(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١))

(بِإِمامِهِمْ) : نبيهم ، أو كتابهم المنزل عليهم ، أو بكتب أعمالهم من خير أو شر ، أو بمن اقتدوا به في الدنيا.

(وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣))

(وَإِنْ كادُوا) كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يطوف فمنعوه أن يستلم الحجر حتى يلم بآلهتهم فحدث نفسه فقال : «ما عليّ إذ ألم بها بعد أن يدعوني أستلم الحجر والله يعلم أني كاره» ، فأبى الله ذلك فنزلت ، أو قالت ثقيف : أجلنا سنة حتى نأخذ ما يهدى لآلهتنا فإذا أخذناه كسرنا الآلهة وأسلمنا فهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإجابتهم فنزلت.

(إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥))

٣٥٨

(ضِعْفَ الْحَياةِ) ضعف عذاب الحياة.

(وَضِعْفَ) عذاب الممات أو ضعف عذاب الدنيا وضعف عذاب الآخرة. فلما نزلت قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين».

(وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦))

(لَيَسْتَفِزُّونَكَ) يقتلونك ، أو يزعجونك باستخفاف ، أراد اليهود إخراجه من المدينة فقالوا : أرض الأنبياء الشام وليست هذه أرض الأنبياء ، أو أرادت قريش إخراجه من مكة قبل هجرته ، أو أرادوا إخراجه من جزيرة العرب كلها لأنهم قد أخرجوه من مكة.

(خِلافَكَ) وخلافك بعد.

(إِلَّا قَلِيلاً) ما بين إخراجهم له إلى أن قلتوا ببدر إن جعلناهم قريشا ، أو ما بين ذلك وقتل بني قريظة وإجلاء بني النضير إن جعلناهم اليهود.

(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨))

(لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) غروبها يريد صلاة المغرب ، أو زوالها يريد صلاة الظهر

والعين تدلك بالراحة عند الغروب لترى الشمس وعند الزوال لشدة شعاعها.

(غَسَقِ اللَّيْلِ) ظهور ظلامه ، أو دنوه وإقباله يريد المغرب ، أو العصر.

(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) سمى الصلاة قرآنا لتأكد القراءة في الصلاة. أو أقم القراءة في صلاة الفجر.

(مَشْهُوداً) تشهده ملائكة الليل والنهار.

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩))

(فَتَهَجَّدْ) الهجود النوم ، والتهجد السهر بعد النوم.

(نافِلَةً لَكَ) فضيلة لك ولغيرك كفارة ، أو مكتوبة عليك مستحبة لغيرك ، أو حضضه بالترغيب فيها لحيازة فضلها لكرامته عليه.

(مَحْمُوداً) الشفاعة للناس في القيامة ، أو إجلاسه على العرش يوم القيامة ، أو إعطاؤه لواء الحمد يومئذ.

(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠))

٣٥٩

(مُدْخَلَ صِدْقٍ) دخول المدينة لما هاجر.

(مُخْرَجَ صِدْقٍ) من مكة للهجرة ، أو أدخلني الجنة وأخرجني من مكة إلى المدينة ، أو مدخل فيما أرسلتني به من النبوة وأخرجني منه بتبليغ الرسالة مخرج صدق ، أو أدخلني مكة وأخرجني منها آمنا ، أو أدخلني في قبري وأخرجني منه ، أو أدخلني في طاعتك وأخرجني من معصيتك ، أو أدخلني في الإسلام وأخرجني من الدنيا.

(سُلْطاناً) ملكا عزيزا أقهر به العصاة ، أو حجة بينة.

(وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١))

(الْحَقُّ) القرآن.

(الْباطِلُ) الشيطان ، أو الحق : الجهاد ، والباطل : الشرك.

(زَهُوقاً) ذاهبا ، ولما دخل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكعبة أمر بثوب فبل بالماء وجعل يضرب به تلك التصاوير ويمحوها ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ..) الآية.

(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣))

(الشَّرُّ) الفقر ، أو السقم.

(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤))

(شاكِلَتِهِ) حدته ، أو طبيعته ، أو نيته ، أو دينه ، أو أخلاقه.

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥))

(الرُّوحِ) جبريل عليه‌السلام ، أو ملك له سبعون ألف وجه بكل وجه سبعون ألف لسان ، يسبح الله تعالى بجميع ذلك قاله علي رضي الله تعالى عنه ، أو القرآن (رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى : ٥٢] ، أو روح الحيوان ، سأله عنها قوم من اليهود إذ كان في كتابهم أنه إن أجاب عن الروح فليس بنبي.

(قَلِيلاً) في معلومات الله ، أو قليلا بحسب ما تدعو إليه الحاجة حالا فحالا.

(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠))

(تَفْجُرَ) تشقق ، الفجر لانشقاقه عن عمود الصبح ، والفجور شق الحق بالخروج إلى الفساد.

(يَنْبُوعاً) عينا تنبع منها الماء طلبوا الجنان والعيون ببلدهم إذ لم يكن ذلك ببلدهم.

(أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ

٣٦٠