تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

(سُوْءاً) عذابا. (والٍ) ملجأ ، أو ناصر.

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢))

(خَوْفاً) من صواعقه.

(وَطَمَعاً) في نزول غيثه ، أو خوفا للمسافر من أذيته وطمعا للمقيم في بركته.

(الثِّقالَ) بالماء.

(وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣))

(الرَّعْدُ) الصوت المسموع ، أو ملك والصوت المسموع تسبيحه.

(خِيفَتِهِ) الضمير لله تعالى ، أو للرعد.

(الصَّواعِقَ) نزلت في رجل أنكر القرآن وكذب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذته صاعقة ، أو في أربد لما هم بقتل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع عامر بن الطفيل فيبست يده على سيفه ثم انصرف فأحرقته صاعقة فقال أخوه لبيد :

أخشى على أربد الحتوف ولا

أرهب نوء السّماك والأسد

فجعني البرق والصواعق بالفا

رس يوم الكريهة النجد

أو نزلت في يهودي قال للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرني عن ربك من أي شيء هو من لؤلؤ أو ياقوت فجاءت صاعقة فأحرقته.

(يُجادِلُونَ) قول اليهودي ، أو جدال أربد لما همّ بقتل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(الْمِحالِ) العداوة ، أو الحقد ، أو القوة ، أو الغضب أو الحيلة أو الحول ، أو الهلاك بالمحل وهو القحط ، أو الأخذ أو الانتقام.

(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (١٤))

(دَعْوَةُ الْحَقِّ) لا إله إلا الله ، أو الله هو الحق فدعاؤه دعوة الحق ، أو الإخلاص في الدعاء.

(لا يَسْتَجِيبُونَ) لا يجيبون دعاءهم ولا يسمعون نداءهم والعرب يمثلون كل من سعى فيما لا يدركه بالقابض على الماء قال :

فأصبحت مما كان بيني وبينها

من الود مثل القابض الماء باليد

(كَباسِطِ) الظمآن يدعو الماء ليبلغ إلى فيه ، أو يرى خياله في الماء وقد بسط كفيه فيه.

٣٢١

(لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) لكذب ظنه وسوء توهمه ، أو كباسط كفيه ليقبض عليه فلا يحصل في كفه منه شيء.

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥))

(طَوْعاً) المؤمن.

(وَكَرْهاً) الكافر ، أو طوعا من أسلم راغبا وكرها من أسلم بالسيف راهبا.

(وَظِلالُهُمْ) يسجد ظل المؤمن معه طائعا وظل الكافر كارها.

(وَالْآصالِ) جمع أصل وأصل جمع أصيل وهو العشي ما بين العصر والمغرب.

(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦))

(لا يَمْلِكُونَ) إذ لم يملكوا لأنفسهم جلب نفع ولا دفع ضر فأولى أن لا يملكوا ذلك لغيرهم.

(الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) المؤمن والكافر. (الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) الضلالة والهدى.

(فَتَشابَهَ) لما لم تخلق آلهتهم خلقا يشتبه عليهم بخلق الله فلم اشتبه عليهم حتى عبدوها كعبادة الله؟

(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ)

(مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧))

(بِقَدَرِها) الكبير بقدره والصغير بقدره. (رابِياً) مرتفعا. (حِلْيَةٍ) الذهب والفضة.

(أَوْ مَتاعٍ) الصفر والنحاس. (زَبَدٌ) خبث كزبد الماء الذي لا ينتفع به.

(جُفاءً) منتشفا ، أو جافيا على وجه الأرض ، أو ممحقا ومن قرأ.

«جفالا» أخذه من قولهم : انجفلت القدر إذا قذفت بزبدها. شبه الله تعالى الحق بالماء وما خلص من المعادن فإنهما يبقيان للانتفاع بهما ، وشبه الباطل بزبد الماء وخبث الحديد الذاهبين غير منتفع بهما.

(لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ

٣٢٢

جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨))

(الْحُسْنى) الحياة والرزق ، أو الجنة مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(سُوءُ الْحِسابِ) المؤاخذة بكل ذنب فلا يعفى عن شيء من ذنوبهم ، أو المناقشة بالأعمال ، أو التقريع والتوبيخ عند الحساب.

(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١))

(ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) الرحم. (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) في قطعها.

(وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) في المعاقبة عليها. أو الإيمان بالنبيين والكتب كلها.

(وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) فيما أمرهم بوصله.

(وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) في تركه ، أو صلة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاله.

(وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢))

(بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) يدفعون المنكر بالمعروف ، أو الشر بالخير ، أو سفاهة الجاهل بالحلم ، أو الذنب بالتوبة ، أو المعصية بالطاعة.

(سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤))

(بِما صَبَرْتُمْ) على الفقر ، أو الجهاد في سبيل الله ، أو على ملازمة الطاعة وترك المعصية ، أو عن فضول الدنيا ، أو عما تحبونه حين فقدتموه.

(فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الجنة عن الدنيا ، أو الجنة من النار.

(اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (٢٦))

(مَتاعٌ) قليل ذاهب ، أو كزاد الراكب.

(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨))

(بِذِكْرِ اللهِ) بأفواههم ، أو بنعمه عليهم ، أو بوعده لهم ، أو بالقرآن.

(الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩))

(طُوبى) اسم للجنة ، أو لشجرة فيها ، أو اسم الجنة بالحبشية ، أو حسنى لهم ، أو نعم ما لهم ، أو خير ، أو غبطة ، أو فرح وقرة عين ، أو العيش الطيب ، أو طوبى فعلى من الطيب كالفضلى من الأفضل.

٣٢٣

(كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (٣٠))

(بِالرَّحْمنِ) لما قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية للكاتب : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، قالوا ما ندري ما الرحمن ، ولكن اكتب باسمك اللهم ، أو قالوا بلغنا أن الذي يعلمك ما تقول رجل من أهل اليمامة يقال له الرحمن وإنا والله لن نؤمن به أبدا فنزلت.

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وإن اختلفت أسماؤه فهو واحد.

(مَتابِ) توبتي.

(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٣١))

(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) لما قالوا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن سرّك أن نتبعك فسير جبالنا تتسع أرضنا فإنها ضيقة ، وقرب لنا الشام فإنا نتجر إليها ، وأخرج لنا الموتى من القبور نكلمهم ، أنزلها الله تعالى.

(سُيِّرَتْ) أخرت. (قُطِّعَتْ) قربت. (كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) أحيوا ، جوابه :

«لكان هذا القرآن» فحذف للعلم به. (يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) من إيمان هؤلاء المشركين ، أو من حصول ما سألوه لأنهم لما طلبوا ذلك اشرأب المسلمون إليه ، أو بيأس : يعلم ، قال :

ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه

وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا

أو ييأس قبل هي لغة جرهم.

(لَهَدَى النَّاسَ) إلى الإيمان ، أو الجنة.

(قارِعَةٌ) تقرعهم من العذاب والبلاء ، أو سرايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(أَوْ تَحُلُّ) أنت يا محمد ، أو القارعة. (وَعْدُ اللهِ) القيامة ، أو فتح مكة.

(أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣))

(بِظاهِرٍ) بباطل ، أو ظن ، أو كذب ، أو بالقرآن قاله السدي.

٣٢٤

(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥))

(مَثَلُ الْجَنَّةِ) شبهها أو نعتها إذ لا مثل لها.

(أُكُلُها دائِمٌ) ثمرتها لا تنقطع ، أو لذتها في الأفواه باقية قاله إبراهيم التيمي.

(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦))

(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) الصحابة ، أو مؤمنو أهل الكتاب ، أو اليهود والنصارى فرحوا بما في القرآن من تصديق كتبهم.

(مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) قريش ، أو اليهود والنصارى والمجوس.

(بَعْضَهُ) عرفوا صدق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنكروا تصديقه ، أو عرفوا نعته وأنكروا نبوته.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨))

(أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) أي هم كسائر البشر فلم أنكروا نبوتك وأنت كمن تقدم ، أو نهاه بذلك عن التبتل ، أو عاب اليهود الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكثرة الأزواج فأخبرهم بأن ذلك سنة الرسل عليه الصلاة والسّلام.

(أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ) لما سألت قريش تسيير الجبال وغير ذلك نزلت. (لِكُلِّ أَجَلٍ) لكل قضاء قضاه الله تعالى.

(كِتابٌ) كتبه فيه ، أو لكل أجل من آجال الخلق كتاب عن الله ، أو لكل كتاب نزل من السماء أجل على التقديم والتأخير.

(يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩))

(يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) من أمور الخلق فيغيرها إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يغيران ، أو له كتابان أحدهما أم الكتاب لا يمحو منه شيئا ، والثاني يمحو منه ما يشاء ويثبت كلما أراد أن ينسخ ما يشاء من أحكام كتابه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه ، أو يمحو ما جاء أجله ويثبت من لم يأت أجله ، أو يمحو ما يشاء من الذنوب بالمغفرة ويثبت ما يشاء فلا يغفره ، أو يختم للرجل بالشقاء فيمحو ما سلف من طاعته أو يمحو بخاتمته من السعادة ما تقدم من معصيته أم الكتاب حلاله وحرامه ، أو جملة الكتاب ، أو علم الله تعالى بما خلق وما هو خالق ، أو الذكر ، أو الكتاب الذي لا يبدل ، أو أصل الكتاب في اللوح المحفوظ.

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ

٣٢٥

سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١))

(نَنْقُصُها) بالفتوح على المسلمين من بلاد المشركين ، أو بخرابها بعد عمارتها ، أو بنقصان بركتها وبمحق ثمرتها أو بموت فقهائها وخيارها.

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣))

(شَهِيداً) بصدقي وكذبكم.

(وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) ابن سلام وسلمان وتميم الداري ، أو جبريل عليه‌السلام ، أو الله عزوجل عن الحسن رضي الله تعالى عنه وكان يقرأ (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) ويقول : هذه السورة مكية وهؤلاء أسلموا بالمدينة.

سورة إبراهيم (١)

(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١))

(الظُّلُماتِ) الضلالة والكفر ، و (النُّورِ) الإيمان والهدى.

(بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بأمره. آمن بعيسى قوم وكفر به آخرون فلما بعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم آمن به من كفر بعيسى وكفر به الذين آمنوا بعيسى فنزلت.

(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣))

(يَسْتَحِبُّونَ) يختارون ، أو يستبدلون. (سَبِيلِ اللهِ) دينه.

__________________

(١) سميت سورة إبراهيم تخليدا لمآثر أبو الأنبياء وإمام الحنفاء الخليل إبراهيم عليه‌السلام الذي حطم الأصنام ، وحمل راية التوحيد ، وجاء بالحنيفية السمحة ، ودين الإسلام الذي بعث به خاتم المرسلين ، وقد قصّ علينا القرآن الكريم دعواته المباركات بعد انتهائه من بناء البيت العتيق وكلها دعوات إلى الإيمان والتوحيد ، والسورة مكية ، ما عدا الآيتان (٢٨ ، ٢٩) فمدنيتان ، وقد نزلت بعد سورة نوح ، وتناولت السورة الكريمة موضوع العقيدة في أصولها الكبيرة الإيمان بالله والإيمان بالرسالة والإيمان بالبعث والجزاء" ويكاد يكون محور السورة الرئيسي الرسالة والرسول فقد تناولت دعوة الرسل الكرام بشيء من التفصيل وبيّنت وظيفة الرسول ووضحت معنى وحدة الرسالات السماوية فالأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين جاءوا لتشييد صرح الإيمان وتعريف الناس بالإله الحق الذي تعنو له الوجوه وإخراج البشرية من الظلمات إلى النور فدعوتهم واحدة وهدفهم واحد وإن كان بينهم اختلاف في الفروع.

٣٢٦

(وَيَبْغُونَها عِوَجاً) العوج بالكسر في الأرض والدين وكل ما لم يكن قائما وبالفتح كل ما كان قائما كالرمح والحائط.

(وَيَبْغُونَها) يرجون بمكة دينا غير الإسلام ، أو يقصدون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم هلاكا.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥))

(بِآياتِنا) التسع ، أو بالحجج والبراهين.

(وَذَكِّرْهُمْ) عظهم بما سلف لهم في الأيام الماضية ، أو بالأيام التي انتقم فيها بالقرون الأول ، أو بنعم الله لأنها تسمى بالأيام.

وأيام لنا غر طوال.

(صَبَّارٍ شَكُورٍ) كثير الصبر والشكر إذا ابتلي صبر وإذا أعطي شكر ، وأخذ الشعبي من هذه الآية أن الصبر نصف الإيمان والشكر نصفه.

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦))

(بَلاءٌ) نعمة ، أو شدة بلية ، أو اختبار وامتحان.

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧))

(تَأَذَّنَ) قال ، أو أعلم. (شَكَرْتُمْ) نعمتي. (لَأَزِيدَنَّكُمْ) من أفضالي أو طاعتي.

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩))

(بِالْبَيِّناتِ) الحجج.

(فَرَدُّوا) عضوا الأصابع غيظا على الرسل ، أو كذبوهم بأفواهم ، أو عجبوا لما سمعوا كتاب الله تعالى ووضعوا أيديهم في أفواهم ، أو أشاروا بذلك إلى رسولهم لما ادعى الرسالة بأن يسكت تكذيبا له وردا لقوله ، أو وضعوا أيديهم على أفواه الرسل ردا لقولهم ، أو الأيدي النعم ردوها بأفواههم جحودا ، أو عبّر بذلك عن ترك قبولهم للحق يقال لمن أمسك عن الجواب : رد يده في فيه.

(قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا

٣٢٧

كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠))

(أَفِي اللهِ) أفي توحيده ، أو طاعته.

(مِنْ ذُنُوبِكُمْ) من زائدة ، أو يجعل المغفرة بدلا من ذنوبكم.

(وَيُؤَخِّرَكُمْ) إلى الموت فلا يعذبكم في الدنيا.

(وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤))

(مَقامِي) مقامه بين يدي. (وَعِيدِ) عذابي أو زواجر القرآن.

(وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥))

(وَاسْتَفْتَحُوا) الرسل بطلب النصر ، أو الكفار استفتحوا بالبلاء. (جَبَّارٍ) متكبر.

(عَنِيدٍ) معاند للحق ، أو بعيد عنه.

(مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦))

(مِنْ وَرائِهِ) من بعد هلاكه جهنم ، أو أمامه جهنم.

(يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧))

(مِنْ كُلِّ مَكانٍ) من جسده لشدة آلامه ، أو يأتيه أسباب الموت عن يمين وشمال وفوق وتحت وقدام وخلف ، أو تأتيه شدائد الموت من كل مكان.

(وَمِنْ وَرائِهِ) فيه الوجهان المذكوران. (عَذابٌ غَلِيظٌ) الخلود في النار.

(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨))

(مَثَلُ) أعمال.

(الَّذِينَ كَفَرُوا) في حبوطها وبطلانها وأنه لا يحصل منها على شيء بالرماد المذكور.

(عاصِفٍ) شديدة وصف اليوم بالعصوف لوقوعه فيه كما يقال يوم حار ويوم بارد أو أراد عاصف الريح فحذف لتقدم ذكر الريح ، أو العصوف من صفة الريح المذكورة فلما جاء بعد اليوم أتبع إعرابه.

(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١))

(وَبَرَزُوا لِلَّهِ) ظهروا بين يديه في القيامة ، والضعفاء : الأتباع والذين استكبروا : قادتهم.

٣٢٨

(تَبَعاً) في الكفر. (مُغْنُونَ) دافعون ، أغنى عنه دفع عنه الأذى وأغناه أوصل إليه نفع.

(لَوْ هَدانَا اللهُ) إلى الإيمان لهديناكم إليه ، أو إلى الجنة لهديناكم إليها ، أو لو نجّانا من العذاب لنجيناكم منه.

(مَحِيصٍ) ملجأ ومنجى يقول بعضهم لبعض : إن قوما جزعوا وبكوا ففازوا فيجزعون ويبكون ، ثم يقولون : إن قوما صبروا في الدنيا ففازوا فيصبرون فعند ذلك يقولون : (سَواءٌ عَلَيْنا) .. الآية.

(وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢))

(وَقالَ الشَّيْطانُ) يقوم إبليس خطيبا يوم القيامة فيسمعه الخلائق جميعا. (قُضِيَ الْأَمْرُ) بحصول أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. (وَعْدَ الْحَقِّ) الجنة والنار والبعث والثواب والعقاب.

(وَوَعَدْتُكُمْ) بأن لا بعث ولا ثواب ولا عقاب. (بِمُصْرِخِيَّ) بمنجي أو بمغيثي.

(إِنِّي كَفَرْتُ) قبلكم. (بِما أَشْرَكْتُمُونِ) من بعدي لأن كفره قبل كفرهم.

(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣))

(تَحِيَّتُهُمْ) ملكهم دائم السّلام ، ومنه التحيات لله أي الملك ، أو التحية المعرفوة إذا تلاقوا سلموا بها.

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤))

(كَلِمَةً طَيِّبَةً) الإيمان ، أو المؤمن. (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) النخلة قاله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو شجرة في الجنة.

(ثابِتٌ) في الأرض. (وَفَرْعُها) نحو السماء.

(تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥))

(أُكُلَها) ثمرها.

(حِينٍ) عبارة عن الوقت في اللغة. يراد بها ها هنا سنة لأنها تحمل في السنة مرة ، أو

٣٢٩

ثمانية أشهر لأنها مدة الحمل ظاهرا وباطنا ، أو ستة أشهر لأنها مدة الحمل ظاهرا ، أو أربعة أشهر لأنها مدة صلاحها وبروزها من طلعها إلى جذاذها ، أو شهرين لأنها مدة صلاحها إلى جفافها ، أو غدوة وعشية لأنه وقت اجتنائها ، شبه ثبوت الكلمة في الأرض بثبوت النخلة في الأرض فإذا ظهرت عرجت إلى السماء كما تعلو النخلة نحو السماء فكلما ذكرت نفعت كما أن النخلة إذا أثمرت نفعت.

(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦))

(كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) الكفر ، أو الكافر. (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) الحنظل أو الأكشوث ، أو شجرة لم تخلق.

(اجْتُثَّتْ) اقتلعت من أصلها. (قَرارٍ) ثبوت ، أو أصل. شبه الكلمة الخبيثة التي ليس لها أصل يبقى ولا ثمرة حلوة بأنه ليس لها عمل في الأرض يبقى ولا ذكر في السماء يرقى.

(يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ (٢٧))

(يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) يديمهم على القول الثابت.

(بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) الشهادتان ، أو العمل الصالح.

(فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) زمن الحياة.

(وَفِي الْآخِرَةِ) عند المساءلة في القبر ، أو الحياة الدنيا : مساءلة القبر والآخرة : مسائلة القيامة.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨))

(الَّذِينَ بَدَّلُوا) قريش بدلوا نعمة إرسال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم كفرا به وجحودا ، أو نزلت في بني أمية وبني مخزوم ، فأما بنو أمية فمتعوا إلى حين ، وأما بنو مخزوم فأهلكوا يوم بدر ، أو هم قادة المشركين يوم بدر ، أو جبلة بن الأيهم وتابعوه من العرب الذي لحقوا بالروم ، أو عامة في جميع المشركين.

(دارَ الْبَوارِ) جهنم ، أو يوم بدر ، والبوار : الهلاك.

(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١))

(سِرًّا وَعَلانِيَةً) خفية وجهرة عند الأكثرين ، أو السر : التطوع والعلانية : الفرض.

(لا بَيْعٌ) لا فدية في العاصي ، ولا شفاعة للكفار ، أو لا تباع الذنوب ولا تشترى الجنة.

٣٣٠

(خِلالٌ) مصدر خاللت خلالا كقاتلت قتالا ، أو جمع خلة كقلة وقلال أي لا مودة بين الكفار لتقاطعهم.

(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧))

(بَيْتِكَ) الذي لا يملكه غيرك. (الْمُحَرَّمِ) ، لأنه يحرم فيه ما يباح في غيره. (أَفْئِدَةً) جمع فؤاد وهو القلب ، أو جمع وفود.

(تَهْوِي) تحن ، أو تهواهم ، أو تنزل عليهم. طلب ذلك ليميلوا إلى سكناها فتصير بلدا محرما ، أو ليحجوا قال : لو لا أنه قال : من الناس لحجه اليهود والنصارى وفارس والروم.

(مِنَ الثَّمَراتِ) أجابه بما في الطائف من الثمار وما يجلب إليهم من الأمصار.

(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣))

(مُهْطِعِينَ) مسرعين أهطع إهطاعا أسرع ، أو الدائم النظر لا يطرق ، أو المطرق لا يرفع رأسه.

(مُقْنِعِي) ناكسي بلغة قريش أو رافعي ، إقناع الرأس رفعه. (طَرْفُهُمْ) الطرف : النظر وبه سميت العين لأنه بها يكون.

(هَواءٌ) خالية من الخير ، أو تردد في أجوافهم ليس لها مكان تستقر به فكأنها تهوي ، أو زالت عن أماكنها فبلغت الحناجر فلا تنفصل ولا تعود.

(وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤))

(زَوالٍ) عن الدنيا إلى الآخرة ، أو زوال عن العذاب.

(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦))

(مَكْرَهُمْ) الشرك ، أو بالعتو والتجبر ، وهي فيمن تجبر في ملكه وصعد مع النسرين في الهواء ، قاله علي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما.

(وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) يحفظه ليجازيهم عليه ، أو يعلمه فلا يخفى عنه.

(لِتَزُولَ) وما كان مكرهم لتزول منه الجبال احتقارا لمكرهم.

(لِتَزُولَ) وكاد أن يزيلها تعظيما لمكرهم ، والجبال : جبال الأرض ، أو الإسلام والقرآن لأنه في ثبوته كالجبال.

٣٣١

(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨))

(تُبَدَّلُ الْأَرْضُ) بأرض بيضاء كالفضة لم تعمل عليها خطيئة ، أو بأرض من فضة بيضاء ، أو هي هذه الأرض تبدل صورتها ويطهر دنسها.

(وَالسَّماواتُ) تبدل بغيرها كالأرض فتصير جنانا ، والبحار نارا ، أو بجعل السماوات ذهبا والأرض فضة ، قاله علي رضي الله تعالى عنه ، أو بتناثر نجومها وتكوير شمسها ، أو طيها كطي السجل ، أو انشقاقها.

(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩))

(الْأَصْفادِ) الأغلال ، أو القيود والصفد العطاء ، لأنه يقيد المودة.

(سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠))

(سَرابِيلُهُمْ) جمع سربال وهو القميص. (قَطِرانٍ) الذي تهنأ به الإبل الإسراع النار إليها ، أو النحاس الحامي.

سورة الحجر (١)

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١))

(الْكِتابِ) القرآن ، أو التوراة والإنجيل.

(رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢))

(رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ) إذا رأوا المسلمين دخلوا الجنة أن يكونوا أسلموا ، ربما ها هنا للتكثير.

(ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥))

(ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ) رسولها وكتابها فتعذب قبلهما ، ولا يستأخر الرسول والكتاب عنهم.

(ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨))

__________________

(١) سميت السورة سورة الحجر لأن الله تعالى ذكر ما حدث لقوم صالح وهم قبيلة ثمود وديارهم بالحجر بين المدينة والشام فقد كانوا أشداء ينحتون الجبال ليسكنوها وكأنهم مخلدون في هذه الحياة لا يعتريهم موت ولا فناء فبينما هم آمنون مطمئنون جاءتهم صيحة العذاب في وقت الصباح ، وهي سورة مكية ما عدا الآية (٨٧) فمدنية ، وقد نزلت بعد سورة يوسف ، ويدور محور السورة حول مصارع الطغاة والمكذبين لرسل الله في شتى الأزمان والعصور ولهذا ابتدأت السورة بالإنذار والتهديد ملفعا بظل من التهويل والوعيد رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.

٣٣٢

(إِلَّا بِالْحَقِّ) القرآن ، أو الرسالة ، أو بالقضاء عند الموت بقبض أرواحهم ، أو العذاب إن لم يؤمنوا.

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩))

(الذِّكْرَ) القرآن. (وَإِنَّا لَهُ) لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(لَحافِظُونَ) ممن أراده بسوء ، أو للقرآن حتى يجزى به يوم القيامة أو بحفظه من زيادة الشيطان فيه باطلا ، أو نقصه منه حقا.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠))

(شِيَعِ) أمم ، أو القرى ، أو جمع شيعة ، والشيعة : الفرقة المتآلفة المتفقة الكلمة ، مأخوذ من الشياع وهو الحطب الصغار يوقد بها الكبار ، فهو عون للنار.

(كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢))

(نَسْلُكُهُ) الاستهزاء ، أو التكذيب ، أو نسلك القرآن في قلوبهم وإن لم يؤمنوا به ، أو إذا كذبوا به سلكنا في قلوبهم أن لا يؤمنوا به.

(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣))

(سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) بالعذاب ، أو بألا يؤمنوا برسلهم إذا عاندوا والسنة : الطريقة.

(وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤))

(يَعْرُجُونَ) المشركون ، أو الملائكة وهم يرونهم.

(لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥))

(سُكِّرَتْ) سدت ، أو عميت ، أو أخذت ، أو غشيت وغطيت ، أو حبست.

(مَسْحُورُونَ) سحرنا فلا نبصر ، أو معللون ، أو مفسدون.

(وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦))

(بُرُوجاً) قصورا فيها الحرس ، أو منازل الشمس والقمر ، أو الكواكب العظام أي السبعة السيارة ، أو النجوم ، أو البروج الاثنا عشر ، وأصله الظهور برجت المرأة أظهرت محاسنها.

(وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧))

(رَجِيمٍ) ملعون ، أو مرجوم بقول أو فعل.

(إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨))

(اسْتَرَقَ السَّمْعَ) بأخبار الأرض دون الوحي فإنه محفوظ منهم. ويسترقون السمع من الملائكة في السماء ، أو في الهواء عند نزولهم من السماء.

(فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ) قبل سماعه ، أو بعد سماعه فيجرحهم ويحرقهم ويخبلهم ولا يقتل ، أو

٣٣٣

يقتلهم قبل إلقائه إلى الجن فلا يصل إلى أخبار السماء إلا الأنبياء ، ولذلك انقطعت الكهانة ، أو يقتلهم بعد إلقائه إلى الجن ولذلك ما يعودون لاستراقه ، ولو لم يصل لقطعوا الاستراق. والشهب نجوم يرجمون بها ثم تعود إلى أماكنها ، أو نور يمتد بشدة ضيائه فيحرقهم ولا يعود كما إذا أحرقت النار لم تعد.

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩))

(مَدَدْناها) بسطناها من مكة لأنها أم القرى.

(مَوْزُونٍ) بقدر معلوم عبّر عنه بالوزن ، لأنه آلة لمعرفة المقادير ، أو أراد الأشياء التي توزن في أسواقها ، أو مقسوم ، أو معدود.

(وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠))

(مَعايِشَ) ملابس ، أو التصرف في أسباب الرزق مدة الحياة ، أو المطاعم والمشارب التي يعيشون بها.

(وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) الدواب والأنعام ، أو الوحش.

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١))

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ) من أرزاق الخلق. (إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) المطر المنزل من المساء إذ به نبات كل شيء.

(بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ما عام بأمطر من عام ولكن الله تعالى يقسمه حيث يشاء فيمطر قوما ويحرم آخرين.

(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢))

(لَواقِحَ) السحاب حتى يمطر ، كل الرياح لواقح والجنوب ألقح ، أو لواقح للشجر حتى يثمر.

(وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤))

(الْمُسْتَقْدِمِينَ) الذين خلقوا.

(الْمُسْتَأْخِرِينَ) من لم يخلق ، أو من مات ومن لم يمت ، أو أول الخلق وآخره ، أو من تقدم أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمستأخر من أمته ، أو المستقدمين في الخير والمستأخرين عنه ، أو في صفوف الحرب والمستأخرين فيها ، كانت امرأة من أحسن الناس تصلي خلف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيقدم بعضهم لئلا يراها ويتأخر بعضهم إلى الصف المؤخر فإذا ركع نظر إليها من تحت

٣٣٤

إبطه فنزلت.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦))

(الْإِنْسانَ) آدم عليه الصلاة والسّلام.

(صَلْصالٍ) طين يابس لم تصبه نار ، إذا نقر صل فسمعت له صلصلة ، وهي الصوت الشديد المسموع من غير الحيوان كالقعقعة في الثواب ، أو طين خلط برمل ، أو منتن ، صل اللحم وأصل أنتن.

(حَمَإٍ) جمع حمأة وهي الطين الأسود المتغير.

(مَسْنُونٍ) منتن متغير ، أو أسن الماء تغير ، أو منصوب قائم من قولهم : وجه مسنون ، أو المصبوب ، سن الماء على وجهه صبه عليه أو الذي يحك بعضه بعضا ، سننت الحجر بالحجر حككت أحدهما بالآخر ومنه سن الحديد لحكه به ، أو الرطب ، أو المخلص سن سيفك أي : أجله.

(وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧))

(وَالْجَانَّ) إبليس ، أو الجن ، أو أبو الجن. (مِنْ قَبْلُ) آدم.

(نارِ السَّمُومِ) لهب النار ، أو نار الشمس ، أو حر السموم ، والسموم الريح الحارة.

(إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨))

(الْمَعْلُومِ) عند الله تعالى وحده ، أو النفخة الأولى بينها وبين النفخة الثانية أربعون سنة هي مدة موته ، وأراد بسؤاله الإنظار أن لا يموت فلم يجبه إلى ذلك ، وأنظره إلى النفخة الأولى تعظيما لبلائه وتعريفا أنه لا يضر بفعله غير نفسه. ولم يكرمه بتكليمه بل كلمه بذلك على لسان رسول ، أو كلمه تغليظا ووعيدا لا إكراما وتقريبا.

(قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩))

(أَغْوَيْتَنِي) أضللتني ، أو خيبتني من رحمتك ، أو نسبتني إلى الإغواء.

(إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠))

(الْمُخْلَصِينَ) لعباداتهم من الفساد والرياء ، سأل الحواريون عيسى عليه الصلاة والسّلام عن المخلص ، فقال : الذي يعمل لله ولا يحب أن يحمده الناس.

(قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١))

(هذا صِراطٌ) يستقيم بصاحبه حتى يهجم به على الجنة ، أو صراط إليّ ، أو تهديد ووعيد كقولك لمن تتوعده : على طريقك ، أو هذا صراط على استقامته بالبيان والبرهان.

(ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (٤٦))

٣٣٥

(بِسَلامٍ) بسلامة من النار ، أو بسلامة تصحبكم من كل آفة.

(آمِنِينَ) من الخروج منها ، أو الموت ، أو الخوف والمرض.

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧))

(وَنَزَعْنا) بالإسلام. (ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) الجاهلية ، أو نزعنا في الآخرة ما فيها من غل الدنيا وروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (سُرُرٍ) جمع أسرة ، أو سرور.

(مُتَقابِلِينَ) بوجوههم لا يصرفون أبصارهم تواصلا وتحابيا ، أو متقابلين بالمحبة والمودة لا يتفاضلون فيها ولا يختلفون ، أو متقابلين في المنزلة لا يفضل بعضهم بعضا لاتفاقهم على الطاعة أو استوائهم في الجزاء ، أو متقابلين في الزيارة والتواصل ، أو أقبلوا على أزواجهم بالمودة وأقبلن عليهم ، قيل نزلت في العشرة ، قال علي رضي الله تعالى عنه : إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير منهم.

(قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣))

(لا تَوْجَلْ) لا تخف.

(بِغُلامٍ عَلِيمٍ) في كبره وهو إسحاق لقوله تعالى (فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) [هود : ٧١].

(عَلِيمٍ) حليم ، أو عالم عند الجمهور.

(قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤))

(أَبَشَّرْتُمُونِي) تعجب.

(فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) تعجبا من قولهم ، أو استفهم هل بشروه بأمر الله تعالى ليكون أسكن لقلبه.

(قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥))

(الْقانِطِينَ) الآيسين من الولد.

(إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩))

(آلَ لُوطٍ) أتباعه وناصروه.

(إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠))

(قَدَّرْنا) قضينا ، أو كتبنا.

(الْغابِرِينَ) الباقين في العذاب ، أو الماضين فيه.

(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥))

٣٣٦

(بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) ببعضه ، أو آخره ، أو ظلمته.

(وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦))

(وَقَضَيْنا) أوحينا. (دابِرَ هؤُلاءِ) آخرهم ، أو أصلهم.

(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢))

(لَعَمْرُكَ) وعيشك ، أو وحياتك ، وما أقسم الله تعالى بحياة غيره ، أو وعملك.

(سَكْرَتِهِمْ) ضلالهم ، أو غفلتهم. (يَعْمَهُونَ) يترددون ، أو يتمادون ، أو يلعبون ، أو يمضون.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥))

(لِلْمُتَوَسِّمِينَ) للمتفرسين ، أو المعتبرين ، أو المتفكرين ، أو الناظرين أو المتبصرين ، أو الذي يتوسمون الأمور فيعلمون أن الذي أهلك قوم لوط قادر على إهلاك الكفار.

(وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦))

(لَبِسَبِيلٍ) لهلاك ، أو لبطريق معلم.

(وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (٧٨))

(لَظالِمِينَ) بتكذيبهم شعيبا ، أرسل إلى مدين فأهلكوا بالصيحة وإلى أصحاب الأيكة فاحترقوا بنار الظلة ، الأيكة : الغيضة ، أو الشجر الملتف كان أكثر شجرهم الدوم وهو المقل ، أو الأيكة اسم البلد وليكة اسم المدينة كبكة من مكة.

(فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٩))

(وَإِنَّهُما) أصحاب الأيكة وقوم لوط.

(لَبِإِمامٍ) لبطريق واضح. سمي الطريق إماما لأن سالكه يأتم به حتى يصل إلى مقصده ، أو لفي كتاب مستبين ، سمي إماما لتقدمه على سائر الكتب ، وقال مؤرج : هو الكتاب بلغة حمير.

(وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠))

(الْحِجْرِ) الوادي ، أو مدينة ثمود ، أو أرض بين الشام والحجاز وأصحابه ثمود.

(وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢))

(آمِنِينَ) أن تسقط عليهم بيوتهم ، أو من خرابها ، أو من العذاب ، أو الموت.

(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥))

(الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) الإعراض من غير جزع ، أو العفو بغير توبيخ ولا تعنيف ، ثم نسخ

٣٣٧

صفحه عن حق الله تعالى بآية السيف ، فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بعد ذلك : «لقد أتيتكم بالذبح وبعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراعة» ، أو أمر بالصفح عنهم في حق نفسه فيما بينه وبينهم.

(وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧))

(سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) السبع المثاني : الفاتحة ، لأنها تثنى كلما قرأ القرآن وصلى ، أو السبع الطوال ، البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، ويونس ، سميت مثاني لما تردد فيها من الأمثال والخبر والعبر ، أو لأنها تجاوز المائة الأولى إلى المائة الثانية ، أو المثاني القرآن كله ، أو معانيه السبعة أمر ونهي وتبشير وإنذار وضرب أمثال وتعديد نعم وأنباء قرون.

(لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨))

(أَزْواجاً) أشباها ، أو أصنافا ، أو الأغنياء.

(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) بما أنعمت عليهم في الدنيا أو بما يصيرون إليه من كفرهم.

(وَاخْفِضْ) عبّر به عن الخضوع ، أو عن إلانة الجانب ، نزل بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضيف فلم يكن عنده ما يصلحه فأرسل إلى يهودي يستسلف منه دقيقا إلى هلال رجب ، فأبى إلا برهن ، فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني لأمين في السماء أمين في الأرض ولو أسلفني لأديت إليه» فنزلت (لا تَمُدَّنَّ).

(كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠))

(الْمُقْتَسِمِينَ) اليهود والنصارى اقتسموا القرآن أعضاء أي أجزاء فآمنوا ببعض منها وكفروا ببعض ، أو اقتسموه استهزاء به فقال بعضهم : هذه السورة لي ، وقال بعضهم : هذه لي ، أو اقتسموا كتبهم فآمن بعضهم ببعضها وكفر ببعضها وكفر آخرون بما آمن به أولئك وآمنوا بما كفروا به ، أو قوم صالح تقاسموا على قتله ، قاله ابن زيد ، أو قوم من قريش اقتسموا طرق مكة لينفروا على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من يرد من القبائل بأنه ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون حتى لا يؤمنوا به فنزل عليهم عذاب فأهلكهم ، أو قوم من قريش اقتسموا القرآن فجعلوا بعضه شعرا وبعضه سحرا وبعضه كهانة وبعضه أساطير الأولين ، أو قوم اقتسموا أيمانا تحالفوا عليها.

(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١))

(عِضِينَ) فرقا بعضه شعرا وبعضه سحرا وبعضه أساطير الأولين ، جعلوه أعضاء كما تعضى الجزور ، وعضين جمع عضو من عضيت الشيء تعضية إذا فرقته. وليس دين الله تعالى

٣٣٨

بالمعضى ، أي المفرق أو العضين جمع عضة وهو البهت لأنهم بهتوا كتاب الله تعالى فيما رموه به ، عضهت الرجل أعضهه عضها بهته ، وقال : إن العضيهة ليست فعل أحرار. أو العضه : السحر بلسان قريش ومنه «لعن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم العاضهة والمستعضهة» أراد الساحرة والمتسحرة ، أو لما ذكر في القرآن الذباب والبعوض والعنكبوت والنمل قال أحدهم : أنا صاحب البعوض ، وقال آخر : أنا صاحب الذباب وقال آخر أنا صاحب النمل استهزاء منهم بالقرآن.

(عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣))

(عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) يعبدون ، أو ما عملوا فيما علموا ، أو عما عبدوا وما أجابوا الرسل.

(فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤))

(فَاصْدَعْ) فامض ، أو أظهر ، أو اجهر بالقرآن في الصلاة ، أو أعلن بالوحي حتى يبلغهم ، أو افرق به بين الحق والباطل ، أو فرق القول فيهم مجتمعين وفرادى.

(وَأَعْرِضْ) منسوخ بآية السيف ، أو أعرض عن الاهتمام باستهزائهم.

(إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥))

(الْمُسْتَهْزِئِينَ) خمسة : الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأبو زمعة والأسود بن عبد يغوث والحارث بن غيطلة أهلكهم الله تعالى قبل بدر لاستهزائهم برسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧))

(صَدْرُكَ) قلبك لأنه محل القلب. (بِما يَقُولُونَ) من الاستهزاء ، أو التكذيب بالحق.

(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨))

(السَّاجِدِينَ) المصلين.

(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩))

(الْيَقِينُ) الحق الذي لا ريب فيه ، أو الموت الذي لا محيد عنه.

٣٣٩

سورة النحل (١)

(أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١))

(أَتى) دنا ، أو سيأتي ، أو على حقيقة إتيانه في ثبوته واستقراره.

(أَمْرُ اللهِ) القيامة ، أو وعيد المشركين ، أو فرائض الله تعالى وأحكامه.

(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (٢))

(بِالرُّوحِ) الوحي ، أو كلام الله تعالى ، أو الحق الواجب الاتباع ، أو أرواح الخلق لا ينزل ملك إلا معه روح قاله مجاهد.

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤))

(خَصِيمٌ) محتج في الخصومة. ذكر ذلك تعريفا لقدرته ، أو لنعمته ، أو لقبح ما ضيعه من شكر النعمة بمخاصمته في الكفر ، قيل نزلت في أبي بن خلف الجمحي أخذ عظاما نخرة فذراها وقال أنعاد إذا صرنا كذا؟

(وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥))

(دِفْءٌ) لباس ، أو ما استدفأت به من أصوافها وأوبارها وأشعارها. (وَمَنافِعُ) الركوب والعمل. (تَأْكُلُونَ) اللحم واللبن.

(وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨))

(ما لا تَعْلَمُونَ) من الخلق عند الجمهور ، أو نهر تحت العرش.

(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤))

(مَواخِرَ) تشق الماء عن يمين وشمال ، والمخر : شق الماء وتحريكه ، أو ما تمخر الريح

__________________

(١) سميت هذه السورة سورة النحل لاشتمالها على تلك العبرة البليغة التي تشير إلى عجيب صنع الخالق وتدل على الألوهية بهذا الصنع العجيب ، وهي سورة مكية ، ما عدا من الآية (١٢٦) إلى الآية (١٢٨) فمدنية ، وقد نزلت بعد سورة الكهف ، وسورة النحل من السور المكية التي تعالج موضوعات العقيدة الكبرى الألوهية والوحي والبعث والنشور وإلى جانب ذلك تتحدث عن دلائل القدرة والوحدانية في ذلك العالم الفسيح في السموات والأرض والبحار والجبال والسهول والوديان والماء الهاطل والنبات النامي والفلك التي تجري في البحر والنجوم التي يهتدي بها السالكون في ظلمات الليل إلى آخر تلك المشاهد التي يراها الإنسان في حياته ويدركها بسمعه وبصره وهي صور حية مشاهدة دالة على وحدانية الله جل وعلا وناطقة بآثار قدرته التي أبدع بها الكائنات.

٣٤٠