تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

الظَّالِمِينَ (١٠٧))

(عُثِرَ) اطلع على أنهما كذبا وخانا ، عبّر عنهما بالإثم لحدوثه عنهما. (اسْتَحَقَّا) الشاهدان ، أو الوصيان. (فَآخَرانِ) من الورثة. (يَقُومانِ مَقامَهُما) في اليمين.

(الْأَوْلَيانِ) بالميت من الورثة ، أو الأوليان بالشهادة من المسلمين : نزلت بسبب خروج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بدّاء فمات السهمي بأرض لا مسلم بها فلما قدما تركته فقدوا جام فضة مخوص بالذهب ، فأحلفهما الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم وجد الجام بمكة فقالوا : اشتريناه من تيم وعدي بن بداء ، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وأن الجام لصاحبهم ، وفيهم نزلت الآيتان ، وهم منسوختان عند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، قال ابن زيد : لم يكن الإسلام إلا بالمدينة فجازت شهادة أهل الكتاب واليوم طبق الإسلام الأرض ، أو محكمة عند الحسن.

(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩))

(لا عِلْمَ لَنا) ذهلوا عن الجواب للهول ثم أجابوا لما ثابت عقولهم ، أو لا علم لنا إلا ما علمتنا ، أو لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا ، أو لا علم لنا ببواطن أممنا فإن الجزاء على ذلك يقع قاله الحسن ، أو.

(ما ذا أُجِبْتُمْ) بمعنى ما ذا علموا بعدكم.

(عَلَّامُ الْغُيُوبِ) للمبالغة ، أو لتكثير المعلوم ، وسؤاله بذلك مع علمه إنما كان ليعلمهم ما لم يعلموه من كفر أممهم ، ونفاقهم ، وكذبهم عليهم من بعدهم أو ليفضحهم بذلك على رؤوس الأشهاد.

(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١١٠))

(اذْكُرْ نِعْمَتِي) ذكره بها وإن كان لها ذاكرا ليتلو على الأمم ما خصه به من الكرامات والمعجزات ، أو ليؤكد حجته ، ويرد به جاحده.

(أَيَّدْتُكَ) قويتك من الأيد ، ليدفع عنه ظلم اليهود والكافرين به ، أو قوّاه على أمر دينه.

١٨١

(بِرُوحِ الْقُدُسِ) جبريل عليه‌السلام والقدس هو الله تعالى. (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) تعرفهم بنبوتك ، ولم يتكلم في المهد من الأنبياء غيره ، وبعث إليهم لما ولد وكان كلامه معجزة له ، وكلمهم كهلا بالدعاء إلى الله تعالى وإلى الصلاة ، والزكاة ، وذلك لما صار ابن ثلاثين سنة ثم رفع.

(الْكِتابَ) الخط ، أو جنس الكتب. (وَالْحِكْمَةَ) العلم بما في تلك الكتب ، أو جميع ما يحتاج إليه في دينه ودنياه.

(تَخْلُقُ) تصور. (فَتَنْفُخُ فِيها) الروح ، والروح : جسم تولى نفخها في الجسم المسيح ، أو جبريل عليهما‌السلام.

(فَتَكُونُ طَيْراً) تصير بعد النفخ لحما ودما ، ويحيا بإذن الله لا بفعل المسيح.

(وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) تدعو بإبرائهما ، وبإحياء الموتى فأجيب دعاءك ، نسبه إليه لحصوله بدعائه ، ويجوز أن يكون إخراجهم من قبورهم فعلا للمسيح عليه الصلاة والسّلام بعد إحياء الله تعالى لهم ، قال ابن الكلبي : والذين أحياهم رجلان وامرأة.

(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١))

(أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) ألهمتهم كالوحي إلى النحل ، أو ألقيت إليهم بما أريتهم من آياتي أن يؤمنوا بي وبك فكان إيمانهم إنعاما عليهم وعليه لكونهم أنصاره.

(إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢))

(يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله ، أو هل تستطيع سؤال ربك.

يستطيع : يقدر ، أو يفعل ، أو يجيبك ويطيعك.

(مائِدَةً) المائدة ما عليها طعام فإن لم يكن فهي خوان سميت مائدة ، لأنها تميد ما عليها أي تعطيه.

(اتَّقُوا اللهَ) معاصيه ، أو أن تسألوا الأنبياء الآيات عنتا ، أو طلبا لاستزادتها.

(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي مصدقين بهم أغناكم دلائل صدقهم عن آيات أخر.

(قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣))

(نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها) لعلهم طلبوا ذلك لحاجة بهم ، أو لأجل البركة.

(وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) تحتمل بإرسالك ، أو بأنه قد جعلنا من أعوانك.

١٨٢

(وَنَعْلَمَ) علما لم يكن لنا بناء على أنّ سؤالهم كان قبل استحكام معرفتهم ، أو نزداد علما ويقينا إلى علمنا ويقيننا.

(قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤))

(اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ) سأل ذلك لإظهار صدقه عند من جعله قبل استحكام المعرفة ، أو تفضل بالسؤال بعد معرفتهم.

(عِيداً) نتخذ يوم إنزالها عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا ، أو عائدة من الله تعالى علينا وبرهانا لنا ولمن بعدنا ، أو نأكل منها أوّلنا وآخرنا.

(وَآيَةً مِنْكَ) على صدق أنبيائك ، أو على توحيدك.

(وَارْزُقْنا) ذلك من عندك ، أو الشكر على إجابة دعوتنا.

(قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (١١٥))

(إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) لما شرط عليهم العذاب إن كفروا بها استعفوا منها فلم تنزل ، قاله الحسن أو نزلت تحقيقا للوعد ، وكان عليها ثمار الجنة ، أو خبز ولحم ، أو سبعة أرغفة ، وسبع جفان ، أو سمكة فيها طعم كل طعام ، أو كل طعام إلّا اللحم ، أمروا أن يأكلوا ولا يخونوا ولا يدخروا فخانوا وادخروا فرفعت ، قال مجاهد : ضربت مثلا للناس لئلا يقترحوا الآيات على الأنبياء.

(عَذاباً) بالمسخ ، أو عذابا لا يعذب به غيرهم ، لأنهم رأوا من الآيات ما لم يره غيرهم ، وذلك العذاب في الدنيا ، أو في الآخرة.

(الْعالَمِينَ) عالمي زمانهم ، أو جميع الخلق ، فيعذبون بجنس لا يعذب به غيرهم.

(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١١٦))

(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى) قاله لما رفعه إلى السماء في الدنيا ، أو بقوله يوم القيامة فيكون إذ بمعنى إذا وهذا أصح لقوله : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائده : ١١٩].

(أَأَنْتَ قُلْتَ) سؤال توبيخ لقومه ، أو ليعرف المسيح عليه الصلاة والسّلام أنهم غيروا وقالوا عليه ما لم يقل.

(إِلهَيْنِ) لما قالوا إنها ولدت الإله لزمهم أن يقولوا بإلاهيتها للبعضية فصاروا بمثابة

١٨٣

القائل بإلاهيتها.

سورة الأنعام (١)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢) وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (٣) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٥) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٦) وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨))

(الْحَمْدُ لِلَّهِ) خبر بمعنى الأمر ، وهو أولى من قوله : احمدوا. لما فيه من تعليم اللفظ ، ولأن البرهان يشهد للخبر دون الأمر.

(السَّماواتِ) جمعها تفخيما لها ، لأن الجمع يقتضي التفخيم (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ)

__________________

(١) سورة الأنعام مكية ما عدا الآيات (٢٠ ، ٢٣ ، ٩١ ، ٩٣ ، ١١٤ ، ١٤١ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣) فمدنية ، وهي من السور الطول ، عدد آياتها ١٦٥ آية ، نزلت بعد سورة الحجر ، وتبدأ السورة بأحد أساليب الثناء وهو الحمد لله.

سميت السورة بهذا الاسم لورود ذكر الأنعام فيها (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) ولأن أكثر أحكامها الموضحة لجهالات المشركين تقربا بها إلى أصنامهم مذكورة فيها ، ومن خصائصها ما روى عن ابن عباس أنه قال : نزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة واحدة حولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح.

ويدور محور السورة حول العقيدة وأصول الإيمان ، وقد تناولت القضايا الكبرى الأساسية لأصول العقيدة والإيمان وهذه القضايا يمكن تلخيصها فيما يلى : قضية الألوهية ، قضية الوحي والرسالة ، قضية البعث والجزاء.

فضل السورة : عن ابن عباس قال : أنزلت سورة الأنعام بمكة معها موكب من الملائكة يشيعونها قد طبقوا ما بين السماء والأرض لهم زجل بالتسبيح حتى كادت الأرض أن ترتج من زجلهم بالتسبيح ارتجاجا فلما سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زجلهم بالتسبيح رعب من ذلك فخرّ ساجدا حتى أنزلت عليه بمكة.

وعن أسماء بنت زيد قالت نزلت سورة الأنعام على النبي أن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة.

١٨٤

[الحجر : ٩] قدّم السموات والظلمات في الذكر لتقدم خلقهما على خلق الأرض والنور.

(يَعْدِلُونَ) به الأصنام ، أو إلها لم يخلق كخلقه.

(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩))

(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً) لصورناه بصورة رجل ، لأنهم لا يقدرون على رؤية الملك على صورته.

(ما يَلْبِسُونَ) ما يخلطون ، أو يشبهون ، قال الزجاج : كما يشبهون على ضعفائهم.

(وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣))

(سَكَنَ) من السكنى ، أو السكون خص السكون لأن الإنعام به أبلغ من الإنعام بالحركة.

(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤))

(فاطِرِ) خالق ومبتدىء ، ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : «كنت لا أدري ما فاطر حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها أي ابتدأتها» أصل الفطر : الشق (مِنْ فُطُورٍ) [الملك : ٣] شقوق.

(يُطْعِمُ) يرزق ولا يرزق. (أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) من هذه الأمة.

(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨))

(فَوْقَ عِبادِهِ) أي القاهر لعباده ، وفوق : صله ، أو علا على عباده بقهره لهم (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح : ١٠] أعلى من أيديهم قوة.

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩))

(أَيُّ شَيْءٍ) نزلت لما قالوا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من يشهد لك بالنبوّة فشهد الله تعالى له بالنبوّة ، أو أمره أن يشهد عليهم بتبليغ الرسالة ، فقال لهم ذلك ليشهده عليهم.

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠))

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) القرآن ، أو التوراة ، والإنجيل.

(يَعْرِفُونَهُ) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصفته في كتبهم ، أو يعرفون القرآن الدال على صحة نبوّته.

(خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) غبنوها وأهلكوها بالكفر ، أو خسروا منازلهم وأزواجهم في الجنة ،

١٨٥

إذ لكلّ منازل وأزواج في الجنة ، فإن آمن فهي له ، وإن كفر فهي لمن آمن من أهلهم ، وهذا معنى (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) [المؤمنون : ١١].

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣))

(فِتْنَتُهُمْ) معذرتهم سماها بذلك لحدوثها عن الفتنة ، أو عاقبة فتنتهم وهي الشرك ، أو بليتهم التي ألزمتهم الحجة وزادتهم لائمة.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥))

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) يستمعون قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صلاته ليلا ، ليعرفوا مكانه فيؤذوه ، فصرفوا عنه بالنوم وإلقاء الوقر ، والأكنة : الأغطية ، واحدها كنان ، كننت الشيء غطيته ، وأكننته في نفسي أخفيته ، والوقر : الثقل.

(كُلَّ آيَةٍ) كل علامة معجزة لا يؤمنوا بها لحسدهم وبغضهم.

(يُجادِلُونَكَ) بقولهم أساطير الأولين التي سطروها في كتبهم ، أو قالوا : كيف تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل ربكم ، قاله ابن عباس ، رضي الله تعالى عنهما.

(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦))

(يَنْهَوْنَ) عن اتباع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويتباعدون فرارا منه ، أو ينهون عن العمل بالقرآن ويتباعدون عن سماعه لئلا يسبق إلى قلوبهم العلم بصحته ، أو ينهون عن أذى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويتباعدون عن اتباعه ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في أبي طالب نهى عن أذى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويتباعد عن الإيمان به مع علمه بصحته ، قال :

ودعوتني وزعمت أنك ناصحي

فلقد صدقت وكنت ثم أمينا

وعرضت دينا قد علمت بأنه

من خير أديان البرية دينا

لو لا الذمامة أو أحاذر سبّة

لوجدتني سمحا بذاك مبينا

(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧))

(وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) عاينوها ومن عاين الشيء وقف عليه ، أو وقفوا فوقها ، أو عرفوها بدخولها ومن عرف شيئا وقف عليه ، أو حبسوا عليها.

١٨٦

(بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٢٨))

(ما كانُوا يُخْفُونَ) وبال ما أخفوه ، أو ما أخفاه بعضهم من بعض ، أو بدا للأتباع ما أخفاه الرؤساء.

(لَكاذِبُونَ) فيما أخبروا به من الإيمان لو ردوا ، أو خبر مستأنف يعود إلى ما تقدّم.

(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٣٢))

(لَعِبٌ وَلَهْوٌ) ما أمر الدنيا والعمل لها إلا لعب ولهو بخلاف العمل للآخرة ، أو ما أهل الدنيا إلا أهل لعب ولهو لاشتغالهم بها عما هو أولى منها ، أو هم كأهل اللعب لانقطاع لذتهم وفنائها بخلاف الآخرة فإن لذاتها دائمة.

(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٣٣))

(لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) من تكذيبك والكفر بي.

(لا يُكَذِّبُونَكَ) بحجة بل بهتا وعنادا لا يضرك ، أو لا يكذبونك لعلمهم بصدقك ولكن يكذبون ما جئت به ، أو لا يكذبونك سرا بل علانية لعداوتهم لك ، أو لا يكذبونك لأنك مبلغ وإنما يكذبون ما جئت به.

(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤))

(نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) في صبرهم ونصرهم.

(وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥))

(إِعْراضُهُمْ) عن سماع القرآن ، أو عن اتباعك. (نَفَقاً) سربا ، وهو المسلك النافذ مأخوذ من نافقاء اليربوع.

(سُلَّماً) مصعدا ، أو درجا ، أو سببا. (فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) أفضل من آيتك فافعل فحذف الجواب.

(مِنَ الْجاهِلِينَ) لا تجزع في مواطن الصبر فتشبه الجاهلين.

(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقالُوا لَوْ لا

١٨٧

نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٧) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤))

(الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) طلبا للحق ، أو يعقلون ، والاستجابة القبول والجواب يكون قبولا وغير قبول.

(وَالْمَوْتى) الكفار ، أو الذين فقدوا الحياة.

(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠))

(خَزائِنُ اللهِ) من الرزق فلا أقدر على إغناء ولا إفقار ، أو خزائن العذاب لأنه لما خوّفهم به استعجلوه استهزاء.

(وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) في نزول العذاب ، أو جميع الغيوب.

(إِنِّي مَلَكٌ) تفضيل للملك ، أي لا أدّعي منزلة ليست لي ، أو لست ملكا في السماء فأعلم الغيب الذي تشاهده الملائكة ولا يعلمه البشر ، فلا تفضيل فيه للملك على النبيّ.

(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢))

(وَلا تَطْرُدِ) نزلت لما جاء الملأ من قريش فوجدوا عند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمارا وصهيبا وخبابا وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أجميعن فقالوا اطرد عنا موالينا وحلفاءنا ، فلعلك إن طردتهم أن نتبعك ، فقال عمر رضي الله تعالى عنه : لو فعلت ذلك حتى ننظر ما يصيرون ، فهمّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك ، ونزل في الملأ (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) [الأنعام : ٥٣] فاعتذر عمر رضي الله تعالى عنه عن مقالته ، فأنزل (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ٥٤].

(يَدْعُونَ) الصلوات الخمس ، أو ذكر الله تعالى أو عبادته ، أو تعلم القرآن.

١٨٨

(يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) يريدون طاعته بقصدهم الوجه الذي وجههم إليه ، أو يريدونه بدعائهم ، وقد يعبّر عن الشيء بالوجه كقولهم : هذا وجه الصواب.

(حِسابِهِمْ) حساب عملهم بالثواب والعقاب ، وما من حساب عملك عليهم شيء ، كل مؤاخذ بحساب عمله دون غيره ، أو ما عليك من حساب رزق هم وفقرهم من شيء.

(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣))

(فَتَنَّا) اختبرناهم باختلاف في الأرزاق والأخلاق ، أو بتكليف ما فيه مشقة على النفس مع قدرتها عليه.

(مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ) باللطف في إيمانهم ، أو بما ذكره من شكرهم على طاعته.

(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤))

(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) ضعفاء المسلمين ، وما كان من شأن عمر رضي الله تعالى عنه.

(فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) مني ، أو من الله تعالى قاله الحسن والسّلام : جمع السلامة ، أو هو الله ذو السّلام.

(كَتَبَ) أوجب ، أو كتب في اللوح المحفوظ.

(بِجَهالَةٍ) بخطيئة ، أو ما جهل كراهة عاقبته.

(قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧))

(بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) معجز القرآن ، أو الحق الذي بان له.

(وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) بربكم ، أو بالبينة.

(تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) من العذاب ، أو من اقتراح الآيات ، لأنه طلب الشيء في غير وقته.

(الْحُكْمُ) في الثواب والعقاب ، أو في تمييز الحق من الباطل.

(يَقُصُّ الْحَقَّ) يتممه.

(يَقُصُّ) يخبر.

(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠))

(يَتَوَفَّاكُمْ) بالنوم.

١٨٩

(جَرَحْتُمْ) كسبتم بجواركم ، جوارح الطير : كواسبها. (يَبْعَثُكُمْ) في النهار باليقظة.

(أَجَلٌ مُسَمًّى) استكمال العمر. (مَرْجِعُكُمْ) بالبعث.

(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١))

(الْقاهِرُ) الأقدر ، فوقهم : في القهر كما يقال فوقه في العلم إذا كان أعلم ، أو علا بقهره.

(حَفَظَةً) الملائكة.

(لا يُفَرِّطُونَ) لا يؤخرون ، أو لا يضيعون.

(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢))

(رُدُّوا) ردتهم الملائكة الذين يتوفونهم ، أو ردّهم الله بالبعث والنشور ، أي ردّهم إلى تدبيره وحده ، لأنه دبرهم عند النشأة وحده ، ثم مكنهم من التصرف فدبروا أنفسهم ، ثم ردّهم إلى تدبيره وحده بموتهم ، فكان ذلك ردّا إلى الحالة الأولى ، أو ردّوا إلى الموضع الذي لا يملك الحكم عليهم فيه إلا الله.

(أَلا لَهُ الْحُكْمُ) بين عباده يوم القيامة وحده ، أو له الحكم مطلقا لأن من سواه يحكم بأمره فصار حكما له.

(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥))

(مِنْ فَوْقِكُمْ) أئمة السوء.

(أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) عبيد السوء قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو من فوقهم : الرجم ، ومن تحتهم : الخسف ، أو من فوقهم : الطوفان ، ومن تحتهم : الريح.

(يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) الأهواء المختلفة ، أو الفتن والاختلاف.

(بَأْسَ بَعْضٍ) بالحروب والقتل ، نزلت في المشركين ، أو في المسلمين وشق نزولها على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «إني سألت ربي أن يجيرني من أربع فأجارني من خصلتين ، ولم يجرني من خصلتين ، سألته أن لا يهلك أمتي بعذاب من فوقهم كما فعل بقوم نوح عليه الصلاة والسّلام وبقوم لوط ، فأجابني ، وسألته أن لا يهلك أمتي بعذاب من تحت أرجلهم كما فعل بقارون فأجابني ، وسألته أن لا يفرقهم شيعا فلم يجبني ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فلم يجبني» ، ونزل (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) [العنكبوت : ١ ، ٢].

١٩٠

(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦))

(وَكَذَّبَ بِهِ) بالقرآن ، أو بتصريف الآيات. (وَهُوَ الْحَقُّ) أي ما كذبوا به ، والفرق بينه وبين الصواب : أنّ الصواب لا يدرك إلا بطلب ، والحق قد يدرك بغير طلب.

(بِوَكِيلٍ) بحفيظ أمنعكم من الكفر ، أو بحفيظ لأعمالكم حتى أجازيكم عليها ، أو لا آخذكم بالإيمان إجبارا كما يأخذ الوكيل بالشيء.

(لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧))

(لِكُلِّ نَبَإٍ) أخبر الله تعالى به من وعد أو وعيد مستقر في المستقبل أو الماضي أو الحاضر ، أو مستقر في الدنيا أو الآخرة ، أو هو وعيد للكفار بما ينزل بهم في الآخرة ، أو وعيد بما يحلّ بهم في الدنيا.

(وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩))

(وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ) الله في أمره ونهيه من حساب استهزاء الكفار وتكذيبهم مأثم لكن عليهم تذكرهم بالله وآياته لعلهم يتقون الاستهزاء والتكذيب ، أو ما على الذين يتّقون من تشديد الحساب والغلظة ما على الكفار ، لأن محاسبتهم ذكرى وتخفيف ، ومحاسبة الكفار غلظة وتشديد ، لعلهم يتقون إذا علموا ذلك ، أو ما على الذين يتّقون فيما فعلوه من ردّ وصد حساب ولكن اعدلوا إلى تذكيرهم بالقول قبل الفعل لعلهم يتقون.

(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠))

(وَذَرِ الَّذِينَ) منسوخة ، أو محكمة على جهة التهديد ، كقوله (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ) [المدثر : ١١].

(دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) استهزاؤهم بالقرآن إذا سمعوه ، أو لكل قوم عيد يلهون فيه إلا المسلمون فإن أعيادهم صلاة وتكبير وبرّ وخير.

(أَنْ تُبْسَلَ) تسلم ، أو تحبس ، أو تفضح ، أو تؤخذ بما كسبت أو تجزى ، أو ترتهن ، أسد باسل : يرتهن الفريسة بحيث لا تفلت ، وأصل الإبسال : التحريم ، شراب بسيل : حرام. قال :

بكرت تلومك بعد وهن في الندى

بسل عليك ملامتي وعتابي

١٩١

(وَإِنْ تَعْدِلْ) تفتد بكل مال ، أو بالإسلام والتوبة.

(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٧١))

(أَنَدْعُوا) أنطلب النجاح ، أو أنعبد.

(اسْتَهْوَتْهُ) دعته إلى قصدها واتباعها ، كقوله (تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [إبراهيم : ٣٧] أي تقصدهم وتتبعهم ، أو تأمره بالهوى ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في أبي بكر وامرأته لما دعوا ابنهما عبد الرحمن أن يأتيهما إلى الإسلام.

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (٧٣))

(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) بالحكمة ، أو الإحسان إلى العباد ، أو بكلمة الحق ، أو نفس خلقهما حق.

(كُنْ فَيَكُونُ) يقول ليوم القيامة كن فيكون لا يثني إليه القول مرة أخرى ، أو يقول للسماوات كوني قرنا ينفخ فيه لقيام الساعة فتكون صورا كالقرن وتبدل سماء أخرى.

(الصُّورِ) قرن ينفخ فيه للإفناء والإعادة ، أو جمع صورة ينفخ فيها أرواحها.

(عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي الذي خلق السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ، أو الذي ينفخ في الصور عالم الغيب.

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٧٤))

(آزَرَ) اسم أبي إبراهيم عليه الصلاة والسّلام كان من أهل كوثى قرية من سواد الكوفة ، أو آزر ليس باسم بل سب وعيب معناه : معوج ، كأنه عابه باعوجاجه عن الحق ، وضاع حق أبوته بتضييعه حق الله تعالى ، أو آزر اسم صنم وكان اسم أبيه تارح.

(وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥))

(وَكَذلِكَ) ذا إشارة لما قرب ، وذاك لما بعد ، وذلك لتفخيم شأن ما بعد.

(مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) آياتهما ، أو خلقهما ، أو ملكها ، والملكوت : الملك نبطي ، أو عربي ، ملك وملكوت : كرهبة ورهبوت ، ورحمة ورحموت ، وقالوا : رهبوت خير من رحموت أي ترهب خير من أن ترحم ، أو الشمس والقمر والنجوم ، أو ملكوت

١٩٢

السّماوات الشمس والقمر والنجوم ، وملكوت الأرض الجبال والثمار والشجر.

(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦))

(جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) ستره ، الجن والجنين لاستتارهما ، والجنة والجنون والمجن لسترها.

(رَأى كَوْكَباً) قيل هو الزهرة طلعت عشاء.

(هذا رَبِّي) في ظني ، قاله حال استدلاله ، أو اعتقد أنه ربه ، أو قال ذلك وهو طفل ، لأن أمه جعلته في غار حذرا عليه من نمروذ فلما خرج قال : ذلك قبل قيام الحجة عليه ، لأنه في حال لا يصح منه كفر ولا إيمان ، ولا يجوز أن يقع من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين شرك بعد البلوغ ، أو قاله على وجه التوبيخ والإنكار الذي يكون مع ألف الاستفهام أو أنكر بذلك عبادته الأصنام إذ كانت الكواكب لم تضعها يد بشر ولم تعبد لزوالها فالأصنام التي هي دونها أجدر.

(لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) حب الربّ المعبود ، أفل : غاب.

(فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧))

(بازِغاً) طالعا بزغ : طلع.

(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢))

(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا) من قول الله تعالى ، أو من قول إبراهيم عليه الصلاة والسّلام ، أو من قول قومه قامت به الحجة عليهم.

(بِظُلْمٍ) بشرك لما نزلت شق على المسلمين ، وقالوا : أينا لم يظلم نفسه ، فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ليس كما تظنون ، وإنما هو كقول لقمان لابنه (لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣].

أو المراد جميع أنواع الظلم فعلى هذا هي عامة ، أو خاصة بإبراهيم عليه الصلاة والسّلام وحده ، قاله علي رضي الله تعالى عنه ، أو خاصة فيمن هاجر إلى المدينة.

(وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣))

(حُجَّتُنا) قوله فأي الفريقين أحقّ بالأمن؟ عبادة إله واحد أو آلهة شتى ، فقالوا : عبادة إله واحد فأقرّوا على أنفسهم ، أو قالوا له : ألا تخاف أن تخبلك آلهتنا؟ فقال : أما تخافون أن

١٩٣

تخبلكم بجمعكم الصغير مع الكبير في العبادة؟ أو قال لهم : أتعبدون ما لا يملك لكم ضرّا ولا نفعا أم من يملك الضرّ والنفع؟ فقالوا : ما لك الضرّ والنفع أحق. وهذه الحجة استنبطها بفكره ، أو أمره بها ربه.

(أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩))

(فَإِنْ يَكْفُرْ بِها) قريش.

(فَقَدْ وَكَّلْنا بِها) الأنصار ، أو إن يكفر بها أهل مكة فقد وكلنا أهل المدينة ، أو إن يكفر بها قريش فقد وكلنا بها الملائكة ، أو الأنبياء الثمانية عشر المذكورين من قبل (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) [الأنعام : ٨٤] ، أو جميع المؤمنين.

(وَكَّلْنا بِها) أقمنا لحفظها ونصرها يعني الكتب والشرائع.

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١))

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ما عظموه حقّ عظمته ، أو ما عرفوه حقّ معرفته ، أو ما آمنوا أنه على كلّ شيء قدير. (إِذْ قالُوا) قريش ، أو اليهود فردّ عليهم بقول. (مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى) لاعترافهم به.

(وَتُخْفُونَ كَثِيراً) نبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢))

(مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب ، أو من البعث.

(أُمَّ الْقُرى) أهل أم القرى مكة لاجتماع الناس إليها كاجتماع الأولاد إلى الأم ، أو لأنها أول بيت وضع فكأن القوى نشأت عنها ، أو لأنها معظمة كالأم قاله الزجاج.

(وَمَنْ حَوْلَها) أهل الأرض كلها قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(يُؤْمِنُونَ بِهِ) بالكتاب ، أو بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن لا يؤمن به من أهل الكتاب فلا يعتد بإيمانه بالآخرة.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ

١٩٤

وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣))

(مِمَّنِ افْتَرى) نزلت في مسيلمة ، أو فيه وفي العنسي.

(وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ) مسيلمة ، أو مسيلمة والعنسي ، أو عبد الله بن سعد بن أبي السرح كان يكتب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا قال له : غفور رحيم ، كتب سميع عليم ، أو عزيز حليم ، فيقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم هما سواء حتى أملى عليه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ) [المؤمنون : ١٢] إلى قوله (خَلْقاً آخَرَ) [المؤمنون : ١٤] ، فقال ابن أبي السرح : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) تعجبا من تفصيل خلق الإنسان ، فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم هكذا أنزلت ، فشك وارتدّ.

(باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) بالعذاب ، أو لقبض الأرواح. (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) من العذاب ، أو من الأجساد.

(الْهُونِ) الهوان ، والهون : الرفق.

(وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤))

(خَوَّلْناكُمْ) التخويل : تمليك المال.

(شُفَعاءَكُمُ) آلهتكم ، أو الملائكة الذين اعتقدتم شفاعتهم.

(فِيكُمْ شُرَكاءُ) شفعاء ، أو يتحملون عنكم تحمل الشريك عن شريكه.

(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥))

(فالِقُ) الحبة عن السنبلة ، والنواة عن النخلة ، أو خالق أو هو الشقاق الدائر فيها.

(يُخْرِجُ الْحَيَّ) السنبلة الحية من الحبة الميتة والنخلة الحية من النواة الميتة ، والحبة والنواة الميتتين من السنبلة والنخلة الحيتين ، أو الإنسان من النطفة والنطفة من الإنسان ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.

(تُؤْفَكُونَ) تصرفون عن الحق.

(فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦))

(الْإِصْباحِ) الصبح ، أو إضاءة الفجر ، أو خالق نور النهار ، أو ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(سَكَناً) يسكن فيه كل متحرك بالنهار ، أو لأن كل حي يأوي إلى مسكنه.

١٩٥

(حُسْباناً) يجريان بحساب أدوار يرجعان بها إلى زيادة ونقصان ، أو جعلهما ضياء قاله قتادة ، كأنه أخذه من قوله تعالى (حُسْباناً مِنَ السَّماءِ) [الكهف : ٤٠] قال : نارا.

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨))

(فَمُسْتَقَرٌّ) في الأرض ، (وَمُسْتَوْدَعٌ) في الأصلاب ، أو مستقر في الرحم ، ومستودع في القبر ، أو مستقر في الرحم ، ومستودع في صلب الرجل ، أو مستقر في الدنيا ومستودع في الآخرة ، أو مستقر في الأرض ومستودع في الذر ، أو المستقر ما خلق ، والمستودع ما لم يخلق ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩))

(نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) رزق كل شيء من الحيوان ، أو نبات كل شيء من الثمار.

(خَضِراً) زرعا خضرا. (مُتَراكِباً) سنبلا تراكب حبه. (قِنْوانٌ) جمع قنو وهو الطلع ، أو العذق. (دانِيَةٌ) من مجتنيها لقصرها ، أو قرب بعضها من بعض. (مُشْتَبِهاً) ورقه مختلفا ثمره ، أو (مُشْتَبِهاً) لونه ، مختلفا طعمه.

(ثَمَرِهِ) الثّمر جمع ثمار ، والثّمر جمع ثمرة ، أو الثّمر المال ، والثمر ثمر النخل ، قرىء بهما.

(وَيَنْعِهِ) نضجه وبلوغه.

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠))

(شُرَكاءَ الْجِنَّ) قولهم :

«الملائكة بنات الله» سماهم الله جنا ، لاستتارهم ، أو أطاعوا الشياطين في عبادة الأوثان حتى جعلوهم شركاء لله في العبادة.

(وَخَرَقُوا) كذبوا ، أو خلقوا ، الخرق والخلق واحد.

(بَنِينَ) المسيح وعزير.

(وَبَناتٍ) الملائكة جعلهم مشركو العرب بنات الله.

(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣))

١٩٦

(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) لا تحيط به ، أو لا تراه ، أو لا تدركه في الدنيا وتدركه في الآخرة ، أو لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة وتدركه أبصار المؤمنين ، أو لا تدركه بهذه الأبصار بل لا بدّ من خلق حاسّة سادسة لأوليائه يدركونه بها.

(وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥))

(نُصَرِّفُ الْآياتِ) بتصريف الآية في معان متغايرة مبالغة في الإعجاز ومباينة لكلام البشر ، أو بأن يتلو بعضها بعضا فلا ينقطع التنزيل ، أو اختلاف ما نضمنها من الوعد والوعيد والأمر والنهي. (وَلِيَقُولُوا) ولئلا يقولوا.

(دَرَسْتَ) قرأت وتعلمت ، قالته قريش ، ودارست : ذاكرت وقارأت ، ودرست : انمحت وتقادمت ، ودرست تليت ، وقرئت ودرس محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتلا ، فهذه خمس قراءات.

(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨))

(وَلا تَسُبُّوا) الأصنام فيسبوا من أمركم بسبها ، أو يحملهم الغيظ على سبّ معبودكم كما سببتم معبودهم.

(كَذلِكَ زَيَّنَّا) كما زينا لكم الطاعة كذلك زينا لمن تقدمكم من المؤمنين الطاعة ، أو كما أوضحنا لكم الحجج كذلك أوضحناها لمن تقدّم ، أو شبهنا لأهل كل دين عملهم بالشبهات ابتلاء حين عموا عن الرشد.

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩))

(لَئِنْ جاءَتْهُمْ) لما نزل (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً) [الشعراء : ٤] قالوا : للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنزلها حتى نؤمن بها إن كنت من الصادقين ، فقال المؤمنون : أنزلها عليهم يا رسول الله ليؤمنوا ، فنزلت هذه ، أو أقسم المستهزئون إن جاءتهم آية اقترحوها ليؤمنن بها وهي أن يحول الصفا ذهبا ، أو قولهم (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ) [الإسراء : ٩٠] إلى قوله : (نَقْرَؤُهُ) [الإسراء : ٩٣] ولا يجب على الله إجابتهم إلى اقتراحهم إذا علم أنهم لا يؤمنون ، وإن علم ففي الوجوب قولان.

(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠))

(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ) في النار في الآخرة ، أو الدنيا بالحيرة.

(أَوَّلَ مَرَّةٍ) جاءتهم الآيات ، أو أول أحوالهم في الدنيا كلها.

١٩٧

(وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١))

(قُبُلاً) جهرة ومعاينة ، (قُبُلاً) : جمع قبيل وهو الكفيل أي كفلاء ، أو قبيلة قبيلة وصنفا صنفا ، أو مقابلة.

(إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أن يعينهم ، أو يجبرهم.

(يَجْهَلُونَ) في اقتراحهم الآيات ، أو يجلهون أن المقترح لو جاء لم يؤمنوا به.

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١١٢))

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا) لمن قبلك من الأنبياء أعداء كما جعلنا لك أعداء ، أو جعلنا للأنبياء أعداء كما جعلنا لغيرهم من الناس أعداء ، جعلنا : حكمنا بأنهم أعداء ، أو مكنّاهم من العداوة فلم نمنعهم منها.

(شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) مردتهم ، أو شياطين الإنس الذين مع الإنس وشياطين الجن الذين مع الجنّ ، أو شياطين الإنس كفارهم ، وشياطين الجن كفارهم.

(يُوحِي بَعْضُهُمْ) يوسوس ، أو يشر ، (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا) [مريم : ١١] أشار.

(زُخْرُفَ الْقَوْلِ) ما زينوه من شبه الكفر ، وارتكاب المعاصي.

(وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣))

(وَلِتَصْغى) تميل تقديره ليغرّوهم غرورا.

(وَلِتَصْغى) ، أو اللام للأمر ، ومعناها الخبر ، قلت للتهديد أحسن.

(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤))

(أَبْتَغِي حَكَماً) لا يجوز لأحد أن يعدل عن حكمه حتى أعدل عنه ، أو لا يجوز لأحد أن يحكم مع الله حتى أحاكم إليه ، والحكم من له أهلية الحكم ولا يحكم إلّا بالحق ، والحاكم قد يكون من غير أهله فيحكم بغير الحق.

(مُفَصَّلاً) تفصيل آياته لتمتاز معانيه ، أو تفصيل الصادق من الكاذب ، أو تفصيل الحق من الباطل والهدى من الضلال ، أو تفصيل الأمر من النهي ، أو المستحب من المحظور والحلال من الحرام.

١٩٨

(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥))

(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) القرآن تمت حججه ودلائله ، أو تمام أحكامه وأوامره ، أو تمام إنذاره بالوعد والوعيد ، أو تمام كلامه واستكمال سوره.

(صِدْقاً) فيما أخبر به. (وَعَدْلاً) فيما قضاه.

(وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠))

(ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) سره وعلانيته ، أو ظاهره : ما حرم من النكاح ذوات المحارم ، وباطنه : الزنا ، أو ظاهره : ذوات الرايات من الزواني ، وباطنه : ذوات الأخدان ، كانوا يستحلون الزنا سرا ، أو ظاهره : الطواف بالبيت عراة ، وباطنه : الزنا.

(وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١))

(مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) الميتة ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أو ذبائح كانوا يذبحونها لأوثانهم ، أو ما لم يسم الله عليه عند ذبحه ، ولا يحرم أكله بتركها ، أو يحرم ، أو إن تركها عامدا حرم وإن تركها ناسيا فلا يحرم.

(لَفِسْقٌ) معصية ، أو كفر.

(وَإِنَّ الشَّياطِينَ) قوم من أهل فارس بعثوا إلى قريش أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم يزعمون أنهم يتبعون أمر الله تعالى ولا يأكلون ما ذبح الله يعنون الميتة ويأكلون ما ذبحوه لأنفسهم ، أو الشياطين قالوا ذلك لقريش ، أو اليهود قالوا ذلك للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) في استحلال الميتة (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ).

(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢))

(مَيْتاً) كافرا. (فَأَحْيَيْناهُ) بالإيمان. (نُوراً يَمْشِي بِهِ) القرآن ، أو العلم الهادي إلى الرشد.

(الظُّلُماتِ) الكفر ، أو الجهل شبه بالظلمة لتحيّر الجاهل كتحيّر ذي الظلمة ، وهي عامة في كل مؤمن وكافر ، أو نزلت في عمر وأبي جهل ، أو في عمار وأبي جهل.

(وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا

١٩٩

يَمْكُرُونَ (١٢٤))

(صَغارٌ) ذل ، لأنه يصغر إلى الإنسان نفسه عند الله في الآخرة فحذف أو أنفتهم من الحق صغار عند الله وإن كان عندهم عزا وتكبرا.

(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥))

(أَنْ يَهْدِيَهُ) إلى أدلة الحق ، أو إلى نيل الثواب والكرامة. (يَشْرَحْ) يوسع. (ضَيِّقاً) لا يتسع لدخول الإسلام إليه. (حَرَجاً) شديدا لا يثبت فيه.

(أَنْ يُضِلَّهُ) عن أدلة الحق ، أو عن نيل الثواب والكرامة.

(يَصَّعَّدُ) كأنما كلف صعود السماء لامتناعه عليه وبعده منه أو لا يجد مسلكا لضيق المسالك عليه إلا صعودا إلى السماء يعجز عنه ، أو كأن قلبه يصعد إلى السماء لمشقته عليه وصعوبته ، أو كأن قلبه بالنفور عنه صاعدا إلى السماء.

(الرِّجْسَ) العذاب ، أو الشيطان ، أو ما لا خير فيه ، أو النجس.

(وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦))

(صِراطُ رَبِّكَ) الإسلام ، أو بيان القرآن.

(لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧))

(دارُ السَّلامِ) الجنة دار السلامة من الآفات ، أو السّلام اسم الله تعالى فالجنة داره.

(عِنْدَ رَبِّهِمْ) في الآخرة ، لأنها أخص به ، أولهم عنده أن ينزلهم دار السّلام.

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨))

(اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) بإغوائكم لهم ، أو استكثرتم من إغواء الإنس.

(اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) في التعاون والتعاضد أو فيما زينوه من اتباع الهوى وارتكاب المعاصي ، أو التعوّذ بهم (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ) [الجن : ٦].

(أَجَلَنَا) الموت ، أو الحشر.

(مَثْواكُمْ) منزل إقامتكم.

(إِلَّا ما شاءَ اللهُ) من بعثهم في القبور إلى مصيرهم إلى النار ، أو إلا ما شاء الله من تجديد جلودهم وتصريفهم في أنواع العذاب وتركهم على حالهم الأول فيكون استثناء في

٢٠٠