تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

جن ، أو حكيم.

(مِنْ أَهْلِها) ابن عمها ، أو شهادة القميص المقدود لو كان مقدودا من قبل لدل على الطلب لكنه قد من دبر فدل على الهرب.

(فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨))

(كَيْدِكُنَّ) كذبها ، أو إرادتها السوء ، قاله الزوج ، أو الشاهد.

(يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩))

(أَعْرِضْ عَنْ هذا) الأمر تسلية له إذ لا إثم فيه ، أو عن هذا القول تصديقا له في براءته قاله الزوج ، لأنه لم يكن غيورا ، أو سلبه الله تعالى الغيره إبقاء على يوسف حفظا له من بادرته ، وأمر زوجته بالإقلاع عن مثل ذلك بالاستغفار.

(الْخاطِئِينَ) خطىء إذا قصد الذنب وأخطأ إذا لم يقصده وكذلك الصواب والصوب.

لعمرك أنما خطئي وصوبي

عليّ وإنما أهلكت مالي

(وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠))

(نِسْوَةٌ) أربع ، امرأة الحاجب ، وامرأة الساقي ، وامرأة الخباز ، وامرأة القهرمان ، أو الخامسة امرأة السجان.

(فِي الْمَدِينَةِ) مصر ، أو عين شمس. (تُراوِدُ فَتاها) برّأن يوسف وذممنها وطعنّ فيها.

(شَغَفَها) ولج حبه شغاف قلبها وهو حجابه ، أو غلافه : جلدة رقيقة بيضاء تكون عليه وتسمى لباس القلب ، أو باطن القلب ، أو حبته ، أو داء يكون في الجوف ، أو الذعر والفزع الحادث عن شدة الحب ، والشغف : الحب القاتل والشعف دونه ، أو الشغف الجنون والشعف الحب.

(ضَلالٍ) عن الرشد ، أو محبة شديدة.

(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١))

(بِمَكْرِهِنَّ) إنكارهن ، أو أسرّت إليهن حبها له فأذعنه.

(وَأَعْتَدَتْ) من الإعتاد ، أو العدوان.

(مُتَّكَأً) مجلسا ، أو النمارق والوسائد التي يتكأ عليها ، أو الطعام من قولهم : اتكأنا عند

٣٠١

فلان أي طعمنا عنده لأنهم كانوا يعدون المتكأ للمدعو إلى الطعام فسمي به الطعام توسعا والمراد به هنا البزماورد ، أو الأترج «والمتك» مجفف الأترج ، أو كل ما يحز بالسكين ، أو عام في كل الطعام.

(أَكْبَرْنَهُ) أعظمنه ، أو وجدن شبابه في الحسن والجمال كبيرا ، أو حضن ، والمرأة إذا جزعت أو خارت حاضت والإكبار الحيض ، قال :

نأتي النساء على أطهارهن ولا

نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا

(وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) حتى بانت ، أو جرحنها حتى دميت.

(حاشَ لِلَّهِ) معاذ الله أو سبحان الله. مأخوذ من المراقبة ، ما أحاشي في هذا الأمر أحدا أني ما أراقبه ، أو من قولهم : كنت في حشا فلان أي ناحيته ، فحاشى فلانا أي أعزله في حشا وهو الناحية.

(بَشَراً) أهل للمباشرة ، أو من جملة البشر لما علمن من عفته إذ لو كان بشرا لأطاعها ، أو شبهنه بالملائكة حسنا وجمالا.

(كَرِيمٌ) مبالغة في تفضيله في جنس الملائكة.

(قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣))

(أَصْبُ) أتابع ، أو أميل ، قال :

إلى هند صبا قلبي

وهند مثلها يصبى

(ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦))

(حِينٍ) هنا ستة أشهر ، أو سبع سنين ، أو زمان غير محدود ، قالت لزوجها : قد فضحني هذا العبد العبراني ، وقال : إني راودته عن نفسي فإما أن تطلقني حتى أعتذر وإما أن تحبسه كما حبستني فحبسه.

(فَتَيانِ) عبدان والعبد يسمى فتى صغيرا كان أو كبيرا ، كان أحدهما على طعام الملك الأكبر الوليد بن الريان والآخر ساقية فاتّهما بسمه ، فلما دخلا معه سألاه عن علمه فقال : عابر ، فسألاه عن رؤياهما صدقا منهما ، أو كذبا ليجربا علمه فلما أجابهما قالا : كنا نلعب فقال : (قُضِيَ الْأَمْرُ ..) الآية [يوسف : ٤١] ، أو كان المصلوب كاذبا والآخر صادقا.

٣٠٢

(خَمْراً) عنبا سماه بما يؤول إليه ، أو أهل عمان يسمون العنب خمرا.

(الْمُحْسِنِينَ) قالوه لأنه كان يعود مريضهم ويعزي حزينهم ويوسع على من ضاق مكانه منهم ، أو كان يأمرهم بالصبر ويعدهم بالأجر ، أو كان لا يرد عذر معتذر ويقضي حق غيره ولا يقضي حق نفسه ، أو ممن أحسن العلم ، أو نراك من المحسنين إن نبأتنا بتأويل هذه الرؤيا.

(قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧))

(تُرْزَقانِهِ) لا يأتيكما في النوم إلا نبأتكما بتأويله في اليقظة قبل إتيانه ، أو لا يأتيكما في اليقظة إلا أخبرتكما به لأنه كان يخبر عن الغيب كعيسى ، أو كان الملك إذا أراد قتل إنسان أرسل إليه طعاما معروفا فكره يوسف تعبيرها لئلا يحزنه فوعده بتأويلها عند وصول الطعام إليه فلما ألح عليه عبّرها له ، قاله ابن جريج.

(ذلِكُما) تأويل الرؤيا ، وعدل عن العبارة إلى قوله : (تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ) لما مكان في عبارتها من الكراهة ، ورغبهما في طاعة الله تعالى.

(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨))

(فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا) بالنبوة. (وَعَلَى النَّاسِ) بأن بعثنا إليهم.

(ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠))

(الْقَيِّمُ) المستقيم ، أو الحساب البيّن ، أو القضاء الحق.

(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١))

(قُضِيَ الْأَمْرُ) السؤال والجواب. أو استقصى التأويل ، ويجوز أن يكون قوله ذلك عن وحي.

(وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢))

(ظَنَّ) تيقن ، أو على بابه لأن عبارة الرؤيا ظن فلم يقطع بها ، أو لم يقطع بصدقها فكان ظنه لشكه في صدقهما.

٣٠٣

(رَبِّكَ) سيدك الوليد بن الريان رجاء للخلاص بذكره عنده.

(فَأَنْساهُ) الضمير للساقي نسي ذكر يوسف عند ربه ، سيده ، أو ليوسف نسي ذكر الله تعالى بالاستغاثة به ، قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رحم الله يوسف لو لا الكلمة التي قال اذكرني عند ربك ما لبث في السجن ما لبث» قال : عوقب بطول السجن بضع سنين بكلمته ولو ذكر ربه لخلصه. وكانت مدة لبثه في السجن سبع سنين ، أو ثنتي عشرة سنة ، أو أربع عشرة سنة ، والبضع منها مدة عقوبته على الكلمة لا مدة الحبس كله ، قبل لبث سبعا عقوبة بعد الخمس. والبضع من ثلاث إلى سبع ، أو تسع ، أو عشر ، أو إلى الخمس حكاه الزجاج ، ولا يذكر البضع إلا مع العشر أو العشرين إلى التسعين ولا يذكر بعد المائة ، قاله الفراء ، ورأى الملك الأكبر الوليد رؤياه لطفا بيوسف ليخرج من السجن ونذيرا بالجدب ليتأهبوا له.

(قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤))

(أَضْغاثُ) أخلاط ، أو ألوان ، أو أهاويل ، أو أكاذيب ، أو شبهة أحلام ، أبو عبيدة : الأضغاث ما لا تأويل له من الرؤيا ، قال :

كضغث حلم غرّ منه حالمه

والضغث حزمة الحشيش المجموع بعضه إلى بعض ، وقيل ما ملأ الكف. والأحلام في النوم مأخوذة من الحلم وهو الأناة والسكون ، لأن النوم حال أناة وسكون ، ويجوز أن يكونوا صرفوا عن عبارتها لطفا بيوسف ليكون سببا في خلاصه.

(وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥))

(أُمَّةٍ) حين ، أو نسيان. أو أمة من الناس ، قال الحسن رضي الله تعالى عنه ألقوه في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة ، وعاش بعد جمع شمله ثلاثا وعشرين سنة.

(فَأَرْسِلُونِ) لم يكن السجن في المدينة فانطلق إليه وذلك بعد أربع سنين من فراقه.

(يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦))

(سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) بقر الخصب سمان وسنابله خضر ، وبقر الجدب عجاف وسنابلها يابسات فعبّر ذلك بالسنين.

(النَّاسِ) الملك وقومه ، ويحتمل أنه عبّر بالناس عن الملك تعظيما له.

(قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧))

٣٠٤

(دَأَباً) تباعا ، أو العادة المألوفة في الزراعة. (تَزْرَعُونَ) خبر أو أمر لأنه نبي يأمر بالمصالح.

(فَذَرُوهُ) أمر لأن ما في السنبل مدخر لا يؤكل.

(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨))

(شِدادٌ) على أهلها لجدبها ، كان يوسف يضع طعام اثنين فيقربه إلى رجل فيأكل نصفه ويدع نصفا ، فقربه إليه يوما فأكله كله فقال يوسف هذا أول يوم من السبع الشداد.

(قَدَّمْتُمْ) ادخرتم لهن.

(تُحْصِنُونَ) تدخرون ، أو تخزنون في الحصون.

(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩))

(يُغاثُ النَّاسُ) بنزول الغيب ، أو بالخصب.

(يَعْصِرُونَ) العنب والزيتون من خصب الثمار ، أو يحلبون الماشية من خصب المرعى ، أو يعصرون السحاب بنزول الغيث وكثرة المطر (مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) [النبأ : ١٤] أو ينجون من العصرة وهي النجاة ، قاله أبو عبيدة والزجاج ، أو يحبسون ويفضلون. وليس هذا من تأويل الرؤيا وإنما هو خبر أطلعه الله تعالى عليه علما لنبوته.

(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠))

(ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) توقف عن الخروج لئلا يراه الملك خائنا ولا مذنبا. قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رحم الله يوسف أن كان ذا أناة لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إليّ لخرجت سريعا».

(ما بالُ النِّسْوَةِ) سأل عنهن دونها إرادة أن لا يبتذلها بالذكر ، أو لأنهن شاهدات عليه. (إِنَّ رَبِّي) الله تعالى أو سيده العزيز.

(قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١))

(راوَدْتُنَّ) راودنه على طاعتها فيما طلبت منه ، أو راودته وحدها فجمعهن احتشاما.

(ما عَلِمْنا) شهدن على نفي علمهن لأنه نفى.

(حَصْحَصَ الْحَقُّ) وضح وبان ، وفيه زيادة تضعيف مثل كبو وكبكبوا قاله الزجاج ، مأخوذ من حص شعره إذا استأصل قطعه ، والحصة من الأرض قطعة منها ، فحصحص الحق

٣٠٥

انقطع عن الباطل بظهوره وبيانه.

(أَنَا راوَدْتُهُ) برأه الله تعالى عند الملك بشهادة النسوة وبإقرار امرأة العزيز واعترافها بذلك توبة بما قرفته به.

(ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢))

(ذلِكَ لِيَعْلَمَ) يوسف أني لم أكذب عليه الآن في غيبته.

(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣))

(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) لأن راودته ، لأن النفس باعثة على السوء إذا غلبت الشهوة ، قالته امرأة العزيز ، أو قال يوسف بعد ظهور صدقه.

(ذلِكَ لِيَعْلَمَ) العزيز أني لم أخنه في زوجته ، فقالت امرأة العزيز : ولا حين حللت السراويل ، فقال : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ،) أو غمزه جبريل عليه‌السلام فقال : ولا حين هممت ، فقال : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) أو قال الملك الذي مع يوسف : اذكر ما هممت به ، فقال : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) قاله الحسن رضي الله تعالى عنه ، أو قال العزيز.

(ذلِكَ لِيَعْلَمَ) يوسف. (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) وأغفل عن مجازاته على أمانته.

(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) من سوء الظن به.

(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤))

(أَسْتَخْلِصْهُ) لما علم الملك الأكبر أمانته طلب استخدامه في خاص خدمته.

(مَكِينٌ) وجيه ، أو متمكن في الرفعة والمنزلة. (أَمِينٌ) آمن لا يخاف العواقب ، أو ثقة مأمون ، أو حافظ. (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) استدل بكلامه على عقله ، وبعفته على أمانته.

(قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥))

(خَزائِنِ) الأموال ، أو الطعام ، أو الخزائن : الرجال ، لأن الأقوال والأفعال مخزونة فيهم ، وهذا تعمق مخالف للظاهر ، وهذا مجوز لطلب الولاية لمن هو أهل لها ، فإن كان المولى ظالما جاز تقلد الولاية منهم إذا عمل الوالي بالحق لأن يوسف قبل من فرعون ، أو لا يجوز ذلك لما فيه من تولي الظالمين ومعونتهم بالتزكية وتنفيذ أعمالهم ، وإنما قبل يوسف من الملك ولاية ملكه الخاص به ، أو كان فرعون يوسف صالحا وكان فرعون موسى طاغيا ، والأصح أن ما جاز لأهله توليه من غير اجتهاد في تنفيذه جازت ولايته من الظالم كالزكوات المنصوصة ، وما لا يجوز أن ينفردوا به كأموال الفيء لا يجوز توليه من الظالم ، وما يجوز أن

٣٠٦

يتولاه أهله وللاجتهاد فيه مدخل كالقضاء فإن كان حكما بين متراضيين أو توسطا بين مجبورين جاز ، وإن كان إلزام إجبار لم يجز.

(حَفِيظٌ) لما استودعتني.

(عَلِيمٌ) بما وليتني ، أو (حَفِيظٌ) بالكتاب ، (عَلِيمٌ) بالحساب ، وهو أول من كتب في القراطيس ، أو (حَفِيظٌ) للحساب (عَلِيمٌ) بالألسن أو (حَفِيظٌ) بما وليتني ، (عَلِيمٌ) بسني المجاعة ، فيه دليل على جواز تزكية النفس عند حاجة تدعو إلى ذلك.

(وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦))

(مَكَّنَّا لِيُوسُفَ) استخلفه الوليد على عمل أطيفر وعزله ، قال مجاهد : وأسلم على يده ، قال : ملك بعد سنة ونصف. ثم مات أطيفر فزوجه الملك بامرأته راعيل فوجدها يوسف عذراء ، وولدت له ولدين ، أفرائيم وميشا ، ومن زعم أنها زليخا قال لم يتزوجها يوسف ، ولما رأته في موكبه بكت ثم قالت الحمد لله الذي جعل الملوك بالمعصية عبيدا والحمد لله الذي جعل العبيد بالطاعة ملوكا فضمها إليه فكانت من عياله حتى ماتت ولم يتزوجها.

(يَتَبَوَّأُ) يتخذ من أرض مصر منزلا حيث شاء ، أو يصنع في الدنيا ما يشاء لتفويض الأمر إليه.

(بِرَحْمَتِنا) نعمة الدنيا. (وَلا نُضِيعُ) ثواب.

(الْمُحْسِنِينَ) في الآخرة ، أو كلاهما في الدنيا ، أو كلاهما في الآخرة ، ونال يوسف ذلك ثوابا على بلواه ، أو تفضلا من الله تعالى وثوابه باق في الآخرة بحاله.

(وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧))

(وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) من أجر الدنيا لأنه دائم وأجر الدنيا منقطع ، أو خير ليوسف من التشاغل بملك الدنيا لما فيه من التبعة.

(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨))

(فَعَرَفَهُمْ) من غير تعريف ، أو ما عرفهم حتى تعرفوا إليه ، أو عرفهم بلسانهم العبراني ، قال : لما عبر أبوهم بهم فلسطين فنزل وراء النهر سموا عبرانيين. وجاءوا ليمتاروا في سني القحط التي ذكرها يوسف في عبارته فدخلوا عليه لأنه كان يتولى بيع الطعام لعزته.

(مُنْكِرُونَ) لانهم فارقوه صغيرا فكبر ، وفقيرا فاستغنى ، وباعوه عبدا فصار ملكا.

(وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩))

٣٠٧

(بِجَهازِهِمْ) كال لكل واحد منهم بعيرا بعدتهم.

(ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ) خلا بهم وقال قد ارتبت بكم وأخشى أن تكونوا عيونا فأخبروني من أنتم؟ فذكروا حالهم وحال أبيهم وأخوتهم يوسف وبنيامين ، فقال : أئتوني بهذا الأخ يظهر أنه يستبرىء بذلك أحوالهم ، أو ذكروا له أنه أحب إلى أبيهم منهم فأظهر لهم محبة رؤيته.

(الْمُنْزِلِينَ) المضيفين من النزل وهو الطعام ، أو خير من نزلتم عليه من المنزل وهو الدار ، وطلب منهم رهينة حتى يرجعوا فرهنوا شمعون ، واختاره لأنه كان يوم الجب أجملهم قولا ورأيا.

(قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١))

(سَنُراوِدُ) المراودة : الاجتهاد في الطلب مأخوذ من الإرادة.

(لَفاعِلُونَ) العود بأخيهم ، أو المراودة وطلب أخاه وإن كان فيه إحزان أبيه لجواز أن يكون أمر بذلك ابتلاء ومحنة أو لتتضاعف له المسرة برجوع الابنين ، أو ليتنبه أبوه على حاله ، أو ليقدم سرور أخيه بلقائه قبل إخوته لميله إليه.

(وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢))

«لفتيته» الذين كالوا الطعام ، أو غلمانه. (بِضاعَتَهُمْ) الورق التي اشتروا بها الطعام ، أو ثمانية جرب فيها سويق المقل.

(فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣))

(رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ) بالعربات من فلسطين ، أو بالأولاج من ناحية الشعب أسفل من حسمى ، وكانوا بادية أهل إبل وشاء.

(مُنِعَ) سيمنع. (نَكْتَلْ) أي إن أرسلته أمكننا أن نعود فنكتال.

(قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤))

(هَلْ آمَنُكُمْ) لما ضمنوا حفظ يوسف وأضاعوه قال لهم ذلك في حق أخيه.

(وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥))

(ما نَبْغِي) استفهام أي ما نبغي بعد هذا الذي عاملنا به أو ما نبغي بالكذب فيما

٣٠٨

أخبرناك به عن الملك.

(كَيْلَ بَعِيرٍ) الذي نحمل عليه أخانا ، أو كان يوسف قسّط الطعام فلا يعطي لأحد أكثر من بعير.

(يَسِيرٌ) لا يقنعنا ، أو يسير على من يكتله لنا.

(قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦))

(مَوْثِقاً) إشهادهم الله على أنفسهم ، أو حلفهم بالله ، أو كفيل يكفل.

(يُحاطَ بِكُمْ) يهلك جميعكم ، أو تغلبوا على أمركم.

(وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧))

(لا تَدْخُلُوا) مصر من باب من أبوابها عند الجمهور ، أو عبّر عن الطريق بالباب فأراد طريقا من طرقها خشي عليهم العين لجمالهم ، أو خاف عليهم الملك أن يرى عددهم وقوتهم فيبطش بهم حسدا.

(وَما أُغْنِي عَنْكُمْ) من شيء أحذره أشار بالرأي أولا ، وفوض إلى الله أخيرا.

(وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨))

(حاجَةً) سكون نفسه بالوصية لحذره العين.

(لَذُو عِلْمٍ) متيقن وعدنا ، أو حافظ لوصيتنا ، أو عامل بما علم.

(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩))

(أَنَا أَخُوكَ) مكان أخيك الهالك ، أو أخوك يوسف.

(فَلا تَبْتَئِسْ) لا تحزن ، أو لا تيأس.

(يَعْمَلُونَ) بك وبأخيك فيما مضى ، أو باستبدادهم دونك بمال أبيك.

(فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠))

(بِجَهازِهِمْ) الطعام وحمل البعير لأخيهم.

(السِّقايَةَ) والصواع واحد ، وكل شيء يشرب فيه فهو صواع ، قال :

٣٠٩

نشرب الخمر بالصواع جهارا

وترى المتك بيننا مستعارا

وكان إناء الملك الذي يشرب فيه من فضة ، أو ذهب ، كال به طعامهم مبالغة في إكرامهم ، أو هو المكوك العادي الذي تلتقي طرفاه.

(أَذَّنَ) نادى مناد.

(الْعِيرُ) الرفقة ، أو الإبل المرحولة المركوبة.

(لَسارِقُونَ) جعل السقاية في رحل أخيه عصيان ، فعله الكيّال ولم يأمر به يوسف ، أو فعله يوسف فلما فقد الكيال السقاية ظن أنهم سرقوها فقال :

(إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) ، أو كانت خطيئة ليوسف جوزي عليه بقولهم : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ) [يوسف : ٧٧] أو كان النداء بأمر يوسف وعني بالسرقة سرقتهم ليوسف من أبيه وذلك صدق ، لأنهم كالسارق لخيانتهم لأبيهم.

(قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢))

(صُواعَ) الصواع والصاع واحد ، وكانت مشربة للملك أو كالمكوك يكال به.

(بَعِيرٍ) جمل عند الجمهور ، أو حمار في لغة. بذله المنادي عن نفسه لقوله :

(وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) ، أو بذله عن الملك من الطعام الملك ويجوز أن يكون الحمل معلوما عندهم كالوسق فيكون جعلا معلوما ، ويمكن أن يكون مجهولا.

(قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣))

(لَقَدْ عَلِمْتُمْ) ذكروا ذلك لأنهم عرفوا أمانتهم بردهم البضاعة التي وجدوها في رحالهم. (لِنُفْسِدَ) لنسرق.

(قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥))

(جَزاؤُهُ) جزاء من سرق أن يسترق كذلك يجزى السارق بالاسترقاق ، كان هذا دين يعقوب.

(فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦))

(اسْتَخْرَجَها) الضمير للسرقة ، أو للسقاية ، أو الصاع يذكر ويؤنث قاله الزجاج.

(كِدْنا) صنعنا ، أو دبرنا ، أو أردنا.

كادت وكدت وتلك خير إرادة

لو عاد من لهو الصبابة ما مضى

٣١٠

(دِينِ الْمَلِكِ) سلطانه ، أو قضاؤه ، أو عادته ، كان الملك يضاعف غرم السارق ولا يسترقه.

(إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أن يسترق السارق ، أو أن يجعل ليوسف عذرا فيما فعل.

(دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) بالتقوى ، أو بإجابة الدعاء ، أو بمكابدة النفس وقهر الشهوة ، أو بالتوفيق والعصمة ، أو بالعمل.

(وَفَوْقَ كُلِّ) عالم من هو أعلم منه حتى ينتهي إلى الله تعالى فيوسف أعلم من إخوته وفوقه من هو أعلم منه ، أو أراد تعظيم العلم أن يحاط به ، أو أن يستصغر العالم نفسه ولا يعجب بعلمه وعرض أخاه لتهمة السرقة إذ لم يجد سبيلا إلى أخذه إلا بها ، أو كان أخوه يعلم الحال فلم يقع منه موقعا ، أو أشار بذلك إلى سرقة تقدمت منهم ، أو نبه بجعل بضاعتهم في رحالهم على المخرج من جعل الصواع في رحل أخيهم فتزول بذلك التهمة.

(قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧))

(سَرَقَ أَخٌ لَهُ) كلمة أجراها الله على ألسنتهم عقوبة ليوسف ، أو أرادوا أنه جذبه عرق أخيه يوسف في السرقة لأنه كان من أبويه ، والاشتراك في النسب يوجب الاشتراك في الأخلاق ، وكان يوسف سرق صنما لجده أبي أمه فكسره وألقاه في الطريق. أو كان مع إخوته على طعام فأخذ عرقا فخبأه فعيّروه بذلك ، أو كان يسرق من طعام المائدة للمساكين ، أو كذبوا عليه في ذلك ، أو كانت منطقة إسحاق للكبير من ولده وكانت عند عمة يوسف لأنها الكبرى فلما أراد يعقوب أخذ يوسف من كفالتها جعلت المنطقة في ثوبه ثم أظهرت ضياعها واتهمته بها فصارت في حكمهم أحق به ، وفعلت ذلك لشدة ميلها إليه.

(فَأَسَرَّها) قولهم : (إِنْ يَسْرِقْ ،) أو قوله : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً).

(شَرٌّ مَكاناً) بظلم أخيكم. وعقوق أبيكم ، أو شر منزلة عند الله ممن نسبتموه إلى هذه السرقة.

(تَصِفُونَ) تقولون ، أو تكذبون.

(قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨))

(شَيْخاً كَبِيراً) في السن ، أو القدر. (مَكانَهُ) عبدا بدله.

(مِنَ الْمُحْسِنِينَ) في هذا إن فعلته ، أو بإكرامنا وتوفية كيلنا ورد بضاعتنا.

(قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩))

٣١١

(لَظالِمُونَ) إن أخذنا بريئا بسقيم ، أو حكمنا عليكم بغير حكم أبيكم في إرقاق السارق.

(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠))

(اسْتَيْأَسُوا) من رد أخيهم عليهم ، أو تيقنوا أنه لا يرد.

(خَلَصُوا نَجِيًّا) انفردوا يتناجون ويتشاورون لا يختلط بهم غيرهم.

(كَبِيرُهُمْ) في العقل والعلم شمعون الذي ارتهنه يوسف لما رجعوا إلى إبيهم ، أو في السن روبين ابن خالة يوسف ، أو في الرأي والتمييز يهوذا.

(مَوْثِقاً) عند إنفاذ ابنه معكم.

(فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) ضيعتموه.

(فَلَنْ أَبْرَحَ) أرض مصر حتى يأذن لي أبي بالرجوع ، أو يحكم الله لي بالخروج منها عند الجمهور ، أو بالسيف والمحاربة لأنهم هموا بذلك.

(ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١))

(وَما شَهِدْنا) بأن السارق يسترق إلا بما علمنا ، أو ما شهدنا عندك بسرقته إلا بما علمنا من وجود السرقة في رحله.

(لِلْغَيْبِ) من سرقته ، أو استرقاقه.

(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢))

(الْقَرْيَةَ) مصر سل أهلها ، أو سلها نفسها لتنطق وإن كانت جمادا.

(وَالْعِيرَ) القافلة وتسمى بها الإبل تشبيها ، أو الحمير سل أهلها أو سلها فإن الله تعالى ينطقها معجزة لك.

(قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣))

(سَوَّلَتْ) زينت ، أو سهلت. (أَمْراً) قولكم إنه سرق.

(بِهِمْ جَمِيعاً) يوسف وبنيامين والأخ المتخلف بمصر.

(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤))

٣١٢

(يا أَسَفى) يا حزنا ، أو يا جزعا شكا إلى الله ولم يشك منه ، أو أضمر الدعاء تقديره يا رب ارحم أسفي.

(وَابْيَضَّتْ) ضعف بصره لبياض حصل فيه من كثرة بكائه ، أو ذهب بصره.

(كَظِيمٌ) بالكمد ، أو مخفي حزنه ، كظم غيظه : أخفاه.

(قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥))

(تَفْتَؤُا) لا تزال.

(حَرَضاً) هرما أو دنفا من المرض وهو ما دون الموت ، أو فاسد العقل ، وأصل الحرض فساد الجسم والعقل بمرض أو عشق ، قال :

إني امرؤ لج بي حب فأحرضني

حتى بليت وحتى شفني السقم

(الْهالِكِينَ) الميتين اتفاقا.

(قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦))

(بَثِّي) همي ، أو حاجتي ، والبث تفريق لهم بإظهار ما في النفس.

(ما لا تَعْلَمُونَ) صدق رؤيا يوسف وأني أسجد له ، أو أحست نفسه لما أخبروه بدعاء الملك وقال : لعله يوسف ، وقال : لا يكون في الأرض صديق إلا نبي. دخل على يعقوب رجل فقال ما بلغ بك ما أرى ، قال : طول الزمان وكثرة الأحزان فأوحى الله تعالى إليه يا يعقوب تشكوني فقال : خطيئة أخطأتها فاغفرها لي ، فكان بعد ذلك يقول إنما أشكو بثي وحزني إلى الله.

(يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧))

(فَتَحَسَّسُوا) استعلموا وتعرفوا ، أخذ من طلب الشيء بالحس.

(رَوْحِ اللهِ) فرجه ، أو رحمته من الريح التي تأتي بالنفع. أمرهم بذلك ، لأنه تنبه على يوسف برد البضاعة واحتباس أخيه وإظهار الكرامة ، وسأل يعقوب ملك الموت هل قبضت روح يوسف قال : لا.

(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨))

(مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) استعطفوه ليرد أخاهم ، أو ليوفي كيلهم ويحابيهم.

(الْعَزِيزُ) الملك ، أو كان اسما لكل من ملك مصر.

٣١٣

(بِبِضاعَةٍ) صوف وسمن أو حبة الخضراء والصنوبر ، أو خلق الحبل والغرارة ، أو دراهم.

(مُزْجاةٍ) رديئة ، أو كاسدة ، أو قليلة ، وأصل الإزجاء السوق بالدفع.

(فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) الذي قد كان كاله لأخيهم ، أو مثل الكيل الأول ، لا ، بضاعتهم الثانية أقل.

(وَتَصَدَّقْ) تفضل بما بين سعر الجياد والرديئة ، لأن الصدقة محرمة على الأنبياء ، أو تصدق بالزيادة على حقنا ولا تحرم الصدقة إلا على محمد وآله لا غير ، أو برد أخينا ، أو تجوز عنا. وكره مجاهد أن يقال في الدعاء : اللهم تصدق عليّ ، لأن الصدقة لمن يبتغي الثواب.

(قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩))

(هَلْ عَلِمْتُمْ) قد علمتم ك (هَلْ أَتى) [الإنسان : ١] لما قالوا مسنا وأهلنا الضر رق لهم فقال : (هَلْ عَلِمْتُمْ).

(جاهِلُونَ) جهل الصغر ، أو جهل المعاصي.

(قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٩٠)

(مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالسلامة ثم بالكرامة. (مَنْ يَتَّقِ) الزنا. (وَيَصْبِرْ) على الغربة ، أو يتقي الله ويصبر على بلائه.

(لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) في الدنيا أو الآخرة.

(قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١))

(آثَرَكَ) فضلك ، من الإيثار : وهو إرادة تفضيل أحد النفسين على الآخر ، وإنما قالوا.

(لَخاطِئِينَ) وإن كانوا إذ ذاك صغارا لأنهم خطئوا بعد البلوغ بإخفاء صنعهم.

(قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢))

(لا تَثْرِيبَ) لا تعيير ، أو لا تأنيب. أو لا إباء عليكم في قبولكم.

(اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣))

(بَصِيراً) من العمى ولو لا أن الله أعلمه بأنه يبصر بعد العمى لم يعلم يوسف أنه يرجع إليه بصره ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه أو مستبصرا بأمري لأنه إذا شم القميص عرفني قال أخوه يهوذا : أنا حملت إلى أبيك قميصك بدم كذب فأحزنته فأنا أحمل القميص الآن لأسره ويعود إليه بصره فحمله.

٣١٤

(بِأَهْلِكُمْ) ليتخذوا مصر دارا.

(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤))

(فَصَلَتِ) خرجت من مصر إلى الشام. قال : أبوهم لأولاد بنيه لأن بنيه كانوا غيّبا.

(تُفَنِّدُونِ) تسفهون أو تكذبون ، وجد ريح القميص من مسافة عشرة أيام ، أو ثمانية أيام ، أو ستة أيام.

(قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥))

(ضَلالِكَ) خطئك ، أو جنونك قال الحسن رضي الله تعالى عنه : وهذا عقوق. أو في محبتك.

(فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦))

(الْبَشِيرُ) يهوذا ، سمي بذلك لأنه جاءه ببشارة. (بَصِيراً) من العمى ، أو بخبر يوسف.

(ما لا تَعْلَمُونَ) من صحة رؤيا يوسف ، أو قول ملك الموت ما قبضت روحه ، أو من بلوى الأنبياء بالمحن ونزول الفرج ونيل الثواب.

(قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧))

(اسْتَغْفِرْ) طلبوا أن يحللهم لما أدخلوا عليه من آلام الحزن ، أو لأنه نبي تجاب دعوته ، أقام يعقوب وبنوه عشرين سنة يطلبون التوبة لإخوة يوسف فيما فعلوه بيوسف لا يقبل ذلك منهم حتى لقي جبريل عليه‌السلام يعقوب عليه الصلاة والسّلام فعلمه هذا الدعاء ، يا رجاء المؤمنين لا تخيب رجائي ، ويا غوث المؤمنين أغثني ، ويا عون المؤمنين أعني ، ويا حبيب التوابين تب علي. فاستجيب له.

(قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨))

(سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ) أخره إلى صلاة الليل ، أو السّحر أو ليلة الجمعة مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو دافعهم بالتأخير ، قال عطاء : طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ ألا ترى قول يوسف (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ..) الآية [يوسف : ٩٢] وقول يعقوب (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ.)

(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ (٩٩))

(فَلَمَّا دَخَلُوا) خرج يوسف وأهله والملك الأكبر واستقبلوا يعقوب على يوم من مصر فقال لهم : ادخلوا مصر آمنين من فرعون ، أو من الجدب والقحط. أو لم يجتمعوا به

٣١٥

إلا بعد دخولهم عليه بمصر فقوله : ادخلوا أي استوطنوا مصر إن شاء الله استيطانكم ، أو الاستثناء متعلق بقوله : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) دخلوا مصر وهم ثلاثة وتسعون ما بين رجل وامرأة ، وخرجوا مع موسى وهم ستمائة وتسعون ألفا أو دخلوا وهم اثنان وسبعون ، وخرجوا منها مع موسى وهم ستمائة ألف.

(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠))

(أَبَوَيْهِ) أبوه وأمه ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه وابن إسحاق ، أو أبوه وخالته وكانت أمه قد ماتت في نفاسها بأخيه بنيامين.

(الْعَرْشِ) السرير. (سُجَّداً) سجدوا له بأمر الله تعالى تحقيقا لرؤياه ، أو كان السجود تحية من قبلنا وأعطيت هذه الأمة السّلام تحية أهل الجنة.

(تَأْوِيلُ رُءْيايَ) كان بين رؤياه وتأويلها ثمانون سنة ، أو أربعون ، أو ستة وثلاثون ، أو اثنان وعشرون ، أو ثماني عشر ، ورؤيا الأنبياء لا تكون إلا صادقة ، وإنما أمره يعقوب بكتامنها لأنه رآها صغيرا فلم تكن كرؤيا الأنبياء ، أو خاف طول المدة مع مكابدة البلوى وخشي تعجيل الأذى بكيد الإخوة.

(مِنَ السِّجْنِ) شكر على الإخراج من السجن ولم يذكر الجب لئلا يكون معرضا بتوبيخ إخوته بعد قوله : (لا تَثْرِيبَ) أو لأنه ما تخوفه في السجن من المعرة لم يكن في الجب فكانت النعمة فيه أتم ، أو لأنه انتقل من بلوى السجن إلى نعمة الملك بخلاف الجب فإنه انتقل منه إلى الرق.

(مِنَ الْبَدْوِ) كانوا بادية بأرض كنعان أهل مواشي أو جاءوا في البادية وكانوا أهل مدن بفلسطين ، أو ناحية حران من أهل الجزيرة قاله الحسن رضي الله تعالى عنه.

(نَزَغَ) حرش وأفسد.

(لَطِيفٌ) لطف بيوسف بإخراجه من السجن ومجيء أهله من البدو ، ونزع عن قلبه نزغ الشيطان.

(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١))

(مِنَ الْمُلْكِ) لأنه كان على مصر من قبل فرعون. (تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) عبار الرؤيا ،

٣١٦

أو الإخبار عن حوادث الزمان.

(مُسْلِماً) مخلصا للطاعة ، أو على ملة الإسلام ، قال السدي : كان أول نبي تمنى الموت ولما لقي البشير يعقوب قال : على أي دين خلفت يوسف قال على الإسلام قال الآن تمت النعمة.

(بِالصَّالِحِينَ) أهل الجنة.

(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢))

(ذلِكَ) قصة يوسف وإخوته من أخبار الغيب. (لَدَيْهِمْ) مع إخوة يوسف. (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) في إلقائه في الجب.

(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦))

(مُشْرِكُونَ) يقولون : الله ربنا وآلهتنا ترزقنا ، أو المنافق يؤمن بظاهره ويكفر بباطنه ، أو قول الرجل لو لا الله وفلان لهلك فلان.

(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨))

(سَبِيلِي) دعوتي ، أو سنتي. (بَصِيرَةٍ) هدى ، أو حق.

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩))

(مِنْ أَهْلِ الْقُرى) الأمصار دون البوادي لأنهم أعلم وأحكم. ولم يبعث الله تعالى نبيا من البادية قط ولا من النساء ولا من الجن.

(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠))

(اسْتَيْأَسَ) من تصديق قومهم ، أو من تعذيبهم. (وَظَنُّوا) ظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ، أو تيقن الرسل أن قومهم قد كذبوهم.

(جاءَهُمْ نَصْرُنا) جاء الرسل نصر الله ، أو جاء قومهم عذاب الله. (فَنُجِّيَ) الأنبياء ومن آمن معهم.

(لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١))

٣١٧

(قَصَصِهِمْ) قصص يوسف وإخوته اعتبار للعقلاء بنقل يوسف من الجب والسجن والذل والرق إلى العز والملك والنبوة فالذي فعل ذلك قادر على نصر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإعزاز دينه وإهلاك عدوه.

(ما كانَ) القرآن.

(حَدِيثاً) يختلق.

(وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من التوراة والإنجيل وسائر الكتب ، أو ما كان القصص المذكور حديثا يختلق ولكن تصديق الذي بين يديه من الكتب.

سورة الرعد (١)

(المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١))

(آياتُ الْكِتابِ) الزبور ، أو التوراة والإنجيل ، أو القرآن.

(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢))

(بِغَيْرِ عَمَدٍ) لها عمد لا ترى ، أو لا عمد لها.

(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣))

(رَواسِيَ) جبالا ثوابت ، واحدها راسية لأن الأرض ترسو بها.

(وَأَنْهاراً) ينتفع بها شربا وإنباتا ومغيضا للأمطار ، ومسالك للفلك.

(زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أحدهما ذكر وأنثى كفحال النخل وإناثها ، وكذلك كل النبات وإن خفي. والزوج الآخر حلو وحامض ، أو عذب وملح ، أو أبيض وأسود ، أو أحمر وأصفر فإن كل جنس من الثمار نوعان فكل ثمرة ذات نوعين زوجين فصارت أربعة أنواع.

__________________

(١) سميت سورة الرعد لتلك الظاهرة الكونية العجيبة التي تتجلى فيها قدرة الله وسلطانه فالماء جعله الله سبب الحياة وأنزله بقدرته من السحاب والسحاب جمع الله فيه بين الرحمة والعذاب فهو يحمل المطر ويحمل الصواعق وفي الماء الإحياء وفي الصواعق الإفناء وجمع النقيضين من العجائب كما قال القائل جمع النقيضين من أسرار قدرته هذا السحاب به ماء وبه نار فما أجلّ وأعظم قدرة الله ، وهي سورة مدنية ، نزلت بعد سورة محمد ، تتناول السورة المقاصد الأساسية للسور المدنية من تقرير الوحدانية والرسالة والبعث والجزاء ودفع الشبه التي يثيرها المشركون.

٣١٨

(يُغْشِي) ظلمة الليل ضوء النهار ، ويغشي ضوء النهار ظلمة الليل.

(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤))

(مُتَجاوِراتٌ) في المدى مختلفات عذية تنبت وسبخة لا تنبت.

(صِنْوانٌ) مجتمع وغيره مفترق ، أو صنوان نخلات أصلها واحد وغيرها أصولها شتى ، أو الصنوان الأشكال وغيره المختلف ، أو الصنوان الفسيل يقطع من أمهاته فهو معروف وغيره ما ينبت من النوى فهو مجهول حتى يعرف ، وأصل النخل الغريب من هذا.

(وَنُفَضِّلُ) فمنه الحلو والحامض والأحمر والأصفر القليل والكثير.

(إِنَّ فِي) اختلافها.

(لَآياتٍ) على عظم قدرته. أو ضربه مثلا لبني آدم أصلهم واحد واختلفوا في الخير والشر والإيمان والكفر كالثمار المسقية بماء واحد.

(وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥))

(وَإِنْ تَعْجَبْ) من تكذيبهم لك فأعجب منه تكذيبهم بالبعث ، ذكر ذلك ليعجب رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والتعجب تغير النفس بما خفيت أسبابه ولا يجوز ذلك على الله عزوجل.

(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦))

(بِالسَّيِّئَةِ) بالعقوبة قبل العافية ، أو الشر قبل الخير ، أو الكفر قبل الإجابة.

(الْمَثُلاتُ) الأمثال المضروبة لمن تقدم ، أو العقوبات التي مثل الله بها من مضى من الأمم. وهي جمع مثلة.

(عَلى ظُلْمِهِمْ) يغفر الظالم السالف للتوبة في المستأنف ، أو يعفو عن تعجيل العذاب مع ظلمهم بتعجيل العصيان ، أو يغفر لهم بالإنظار توقعا للتوبة ، ولما نزلت قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحدا العيش ، ولو لا وعيده عقابه لاتكل كل أحد».

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧))

(هادٍ) الله ، أو نبي ، أو قادة ، أو دعاة ، أو عمل ، أو سابق يسبقهم إلى الهدى.

(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ

٣١٩

بِمِقْدارٍ (٨))

(ما تَحْمِلُ) من ذكر أو أنثى. (وَما تَغِيضُ) بالسقط الناقص.

(وَما تَزْدادُ) بالولد التام ، أو بالوضع لأقل من تسعة أشهر (وَما تَزْدادُ) بالوضع لأكثر من التسعة ، قال الضحاك حملتني أمي سنتين ووضعتني وقد خرجت سني ، أو بانقطاع الحيض مدة الحمل غذاء للولد (وَما تَزْدادُ) بدم النفاس بعد الوضع ، أو بظهور الحيض على الحمل ، لأنه ينقص الولد (وَما تَزْدادُ) في مقابلة أيام الحيض من أيام الحمل ، لأنها كلما حاضت على حملها يوما زادت في طهرها يوما حتى يستكمل حملها تسعة أشهر طهرا قاله عكرمة وقتادة.

(وَكُلُّ شَيْءٍ) من الرزق والأجل (عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ).

(سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠))

(سَواءٌ مِنْكُمْ) في علمه. (مَنْ أَسَرَّ) خيرا أو شرا ، أو جهر بهما.

(مُسْتَخْفٍ) بعمله في ظلمة الليل ومن أظهره بضوء النهار ، أو يرى ما أخفاه الليل كما يرى ما أظهره النهار ، والسارب : المنصرف الذاهب ، من السارب في المرعى وهو بالعشي ، والروح بالغداة.

(لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١))

(مُعَقِّباتٌ) ملاكة الليل والنهار يتعاقبون صعودا ونزولا ، اثنان بالنهار واثنان بالليل يجتمعون عند صلاة الفجر ، أو حراس الأمراء يتعاقبون الحرس ، أو ما يتعاقب من أوامر الله وقضائه في عبادة.

(مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) أمامه وورائه ، أو هداه وضلاله.

(يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) بأمر الله ، أو تقديره معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، أو معاقبته من الحرس يحفظونه عند نفسه من أمر الله ولا راد لأمره ولا دافع لقضائه ، أو يحفظونه حتى يأتي أمر الله فيكفوا ، أو أمر الله : الجن والهوام المؤذي تحفظه الملائكة منه ما لم يأت قدر ، أو يحفظونه من أمر الله وهو الموت ما لم يأت أجل وهي عامة في جميع الخلائق عند الجمهور ، أو خاصة في الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أزمع عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة على قتله فمنعه الله تعالى ونزلت.

٣٢٠