تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

(وَلِلرَّسُولِ) افتتاح كلام أيضا ولا شيء له من ذلك فيقسم الخمس على أربعة ، أو للرسول الخمس عند الجمهور ، ويكون سهمه للخليفة بعده ، أو يورث عنه ، أو يرد على السهام الباقية فيقسم الخمس على أربعة ، أو يصرف إلى الكراع والسلاح فعله أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ، أو إلى المصالح العامة.

(وَلِذِي الْقُرْبى) بنو هاشم ، أو قريش ، أو بنو هاشم وبنو المطلب ، وهو باق لهم أبدا ، أو لقرابة الخليفة القائم بأمور الأمة ، أو للإمام وضعه حيث شاء ، أو يرد سهمهم وسهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على باقي السهام فتكون ثلاثة.

(وَالْيَتامى) من مات أبوه من الأطفال بخلاف البهائم فإنه من ماتت أمه ، ويشترط الإسلام والحاجة ، ويختص بأيتام أهل الفيء أو يعم.

(وَابْنِ السَّبِيلِ) المسافر المسلم المحتاج من أهل الفيء ، أو يعم.

(الْفُرْقانِ) يوم بدر فرق فيه بين الحق والباطل.

(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢))

(بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) شفير الوادي الأدنى إلى المدينة. (الْقُصْوى) الأقصى منها إلى مكة.

(وَالرَّكْبُ) عير أبي سفيان أسفل الوادي على شط البحر بثلاثة أميال.

(وَلَوْ تَواعَدْتُمْ) ثم بلغكم كثرتهم لتأخرتم ونقضتم الميعاد ، أو لو تواعدتم من غير معونة من الله تعالى لاختلفتم في الميعاد بالقواطع والعوائق ، أو لو تواعدتم أن تتفقوا مجتمعين لاختلفتم بالتقدم والتأخر والزيادة والنقصان من غير قصد لذلك.

(لِيَهْلِكَ) ليقتل منهم ببدر من قتل عن حجة ، وليبقى منهم من بقي عن قدره ، أو ليكفر من قريش بعد الحجة من كفر ببيان ما وعدوا ، ويؤمن من آمن بعد العلم بصحة إيمانهم.

(إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣))

(فِي مَنامِكَ) موضع النوم وهي العين فرأى قلتهم عيانا ، أو ألقى عليه النوم فرأى قتلهم في نومه ، قاله الجمهور : وكان ذلك لطفا بهم.

(لَفَشِلْتُمْ) لجبنتم وانهزمتم ، أو لاختلفتم في لقائهم ، أو الكف عنهم.

(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦))

٢٤١

(فَتَفْشَلُوا) هو التقاعد عن القتال جبنا.

(رِيحُكُمْ) قوتكم ، أو دولتكم ، أو الريح المرسلة لنصر أولياء الله وخذلان أعدائه ، قاله قتادة.

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧))

(كَالَّذِينَ خَرَجُوا) قريش لحماية العير فنجا بها أبو سفيان ، فقال أبو جهل : لا نرجع حتى نرد بدرا وننحر جزورا ونشرب خمرا وتعزف علينا القينات فكان من أمرهم ما كان.

(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨))

(زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ) ظهر لهم في صورة سراقة بن جعشم من بني كنانة.

(نَكَصَ) هرب ذليلا خازيا.

(ما لا تَرَوْنَ) من إمداد الملائكة.

(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩))

(وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) المشركون ، أو قوم تكلموا بالإسلام وهم بمكة ، أو قوم مرتابون لم يظهروا عداوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخلاف المنافقين ، والمرض في القلب : هو الشك.

(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠))

(يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا) عند قبض أرواحهم. (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ) يوم القيامة ، أو القتل ببدر.

(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧))

(تَثْقَفَنَّهُمْ) تصادفهم ، أو تظفر بهم. (فَشَرِّدْ) أنذر ، أو نكّل ، أو بدّد.

(وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨))

(خِيانَةً) في نقض العهد. (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) ألق إليهم عهدهم كي لا ينسبوك إلى الغدر بهم ، والنبذ : الإلقاء.

(عَلى سَواءٍ) مهل ، أو مجاهرة بما تفعل بهم ، أو على استواء في العلم به حتى لا

٢٤٢

يسبقوك إلى فعل ما يردونه بك ، أو عدل من غير تحيف ، أو وسط. قيل : نزلت في بني قريظة.

(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠))

(قُوَّةٍ) السلاح ، أو التظافر واتفاق الكلمة ، أو الثقة بالله تعالى والرغبة إليه ، أو الرمي مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو ذكور الخيل.

(رِباطِ الْخَيْلِ) إناثها ، أو رباطها : الذكور والإناث عند الجمهور.

(عَدُوًّا لِلَّهِ) بالكفر.

(وَعَدُوَّكُمْ) بالمباينة ، أو عدو الله : هو عدوكم ، لأن عدو الله تعالى عدو لأوليائه.

(لا تَعْلَمُونَهُمُ) بنو قريظة ، أو المنافقون ، أو أهل فارس ، أو الشياطين ، أو من لا تعرفون عداوته على العموم.

(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١))

(لِلسَّلْمِ) المواعدة ، أو إن توقفوا عن الحرب مسالمة فتوقف عنها مسالمة ، أو إن أظهروا الإسلام فاقبله وإن لم تعلم بواطنهم ، عامة في كل من سأل الموادعة ثم نسختها آية السيف أو خاصة بالكتابيين يبذلون الجزية ، أو في معيّنين سألوا الموادعة فأمر بإجابتهم.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤))

(حَسْبُكَ اللهُ) أن تتوكل عليه ، والمؤمنون : أن تقاتل بهم ، أو حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين الله ، قيل : نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥))

(عِشْرُونَ) أمروا يوم بدر أن لا يفر أحدهم عن عشرة فشقّ عليهم فنسخ بقوله تعالى (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) [الأنفال : ٦٦] ، أو وعدوا أن ينصر كل رجل على عشرة.

(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧))

(ما كانَ لِنَبِيٍّ) أن يفادي ، نزلت لما استقر رأي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد مشاورة أصحابه على

٢٤٣

أخذ الفداء بالمال عن كل أسير من أسرى بدر أربعة آلاف درهم ، فنزلت إنكارا لما فعلوه.

(يُثْخِنَ) بالغلبة والاستيلاء ، أو بكثرة القتل ليعزّ به المسلمون ويذل الكفرة.

(عَرَضَ الدُّنْيا) سماه بذلك لقلة بقائه. (يُرِيدُ الْآخِرَةَ) العمل بما يوجب ثوابها.

(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨))

(أَخَذْتُمْ) من الفداء.

(لَوْ لا كِتابٌ) سبق لأهل بدر أن لا يعذبوا لمسهم في أخذ الفداء عذاب عظيم ، أو سبق في إحلال الغنائم لمسهم في تعجلها من أهل بدر عذاب عظيم ، أو سبق بأن لا يعذب من أتى عملا على جهالة ، أو الكتاب القرآن المقتضي لغفران الصغائر ، ولما شاور الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر رضي الله تعالى عنه قال : قومك وعشيرتك فاستبقتم لعل الله تعالى أن يهديهم ، وقال عمر رضي الله تعالى عنه : أعداء الله تعالى ورسوله كذبوك وأخرجوك فاضرب أعناقهم ، فمال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، وأخذ الفداء ليقوى به المسلمون ، وقال : أنتم عالة يعني للمهاجرين فلما نزلت هذه الآية قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه : «لو عذبنا في هذا الأمر يا عمر لما نجا غيرك» ثم ، أحل الغنائم ، بقوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ) [الانفال : ٦٩]

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠))

(يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) لما أسر العباس يوم بدر أخذ منه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فداء نفسه وابني أخيه عقيل ونوفل ، قال : يا رسول الله كنت مسلما وأخرجت مكرها ولقد تركتني فقيرا أتكفف الناس ، فقال : فأين الأواقي التي دفعتها سرا لأم الفضل عند خروجك؟

فقال : إن الله تعالى ليزيدنا ثقة بنبوتك ، قال العباس : فصدق الله تعالى وعده فيما أتاني ، وإن لي لعشرين مملوكا يضرب كل مملوك منهم بعشرين ألفا في التجارة ، فقد أعطاني الله تعالى خيرا مم أخذ من يوم بدر.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢))

(آمَنُوا) بالله. (وَهاجَرُوا) من ديارهم في طاعته. (وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ) بإنفاقها. (وَأَنْفُسِهِمْ) بالقتال ، أراد المهاجرين مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة. (وَالَّذِينَ آوَوْا)

٢٤٤

المهاجرين في منازلهم. (وَنَصَرُوا) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمهاجرين معه ، يريد الأنصار.

(أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أعوان بعض عند الجمهور أو أولى بميراث بعض ، جعل الله تعالى الميراث للمهاجرين والأنصار دون الأرحام.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ) من ميراثهم من شيء.

(حَتَّى يُهاجِرُوا). فعملوا بذلك حتى نسخت بقوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) [الأنفال : ٧٥] يعني في الميراث ، فصار الميراث لذوي الأرحام.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣))

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ) أنصار بعض ، أو بعضهم وارث بعض.

(إِلَّا تَفْعَلُوهُ) إلا تتناصروا أيها المؤمنون. (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ) بغلبة الكفرة. (وَفَسادٌ كَبِيرٌ) بضعف الإيمان ، أو إلا تتوارثوا بالإسلام والهجرة. (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ) باختلاف الكلمة. (وَفَسادٌ كَبِيرٌ) بتقوية الخارج عن الجماعة.

سورة التوبة (١)

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١))

__________________

(١) لم تبدأ السورة بالبسملة ويطلق عليها سورة براءة وقد نزلت عام (٩ ه‍) ونزلت بعد غزوة تبوك ، وسميت سورة التوبة بهذا الاسم لما فيها من توبة الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم وعلى الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك. وهي سورة مدنية ما عدا الآيتان (١٢٨ ، ١٢٩) فمكيتان. وقد نزلت بعد سورة المائدة.

وهذه السورة الكريمة من السور المدنية التي تعني بجانب التشريع وهي من أواخر ما نزل على رسول الله فقد روى البخاري عن البراء بن عازب : أن آخر سورة نزلت سورة براءة وروى الحافظ ابن كثير أن أول هذه السورة نزلت على رسول الله عند مرجعه من غزوة تبوك وبعث أبا بكر الصديق أميرا على الحج تلك السنة ليقيم للناس مناسكهم فلما قفل أتبعه بعلي بن أبي طالب ليكون مبلّغا عن رسول الله ما فيها من الأحكام نزلت في السنة التاسعة من الهجرة وهي السنة التي خرج فيها رسول الله لغزو الروم واشتهرت بين الغزوات النبوية ب" غزوة تبوك" وكانت في حر شديد وسفر بعيد حين طابت الثمار وأخلد الناس إلى نعيم الحياة فكانت ابتلاء لإيمان المؤمنين وامتحانا لصدقهم وإخلاصهم لدين الله وتمييزا بينهم وبين المنافقين ولهذه السورة الكريمة هدفان أساسيان إلى جانب الأحكام الأخرى هما أولا : بيان القانون الإسلامي في معاملة المشركين وأهل الكتاب. ثانيا : إظهار ما كانت عليه النفوس حينما استنفرهم الرسول لغزو الروم.

وعن ابن عباس قال : سألت علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لم لم تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال : لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان وبراءة نزلت بالسيف.

٢٤٥

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) انقطاع للعصمة منهما ، أو انقضاء عهدهما.

(فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢))

(فَسِيحُوا) أمان.

(فِي الْأَرْضِ) تصرفوا كيف شئتم ، أو سافروا حيث أردتم ، والسياحة : السير على مهل ، أو البعد على وجل.

(أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) أمان لمن له عهد مطلق ، أو أقل من الأربعة ، ومن لا أمان له فهو حربي ، أو من كان له عهد أكثر من الأربعة حط إليها ، ومن كان دونها رفع إليها ومن لا عهد له فله أمان خمسين ليلة من يوم النحر إلى سلخ المحرم لقوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ،) أو الأربعة لجميع الكفار من كان له عهد ، أو لم يكن ، أو هي أمان لمن لا عهد له ، ومن له عهد فأمانه إلى مدة عهده. وأول المدة يوم الحج الأكبر يوم النحر إلى انقضاء العاشر من ربيع الآخر ، أو شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، أو أولها يوم العشرين من ذي القعدة وآخرها يوم العشرين من ربيع الأول لأن الحج وقع تلك السنة في ذلك اليوم من ذي القعدة لأجل النسيء كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أقره حتى نزل تحريم النسيء ، فقال : «ألا إن الزمان قد استدار».

(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣))

(وَأَذانٌ) قصص ، أو نداء بالأمن يسمع بالأذن ، أو إعلام عند الكافة.

(يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) يوم عرفة خطب فيه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «هذا يوم الحج الأكبر» ، أو النحر ، وهو مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو أيام الحج كلها كيوم صفين ويوم الجمل عبّر باليوم عن الأيام.

(الْأَكْبَرِ) القران والأصغر الإفراد ، أو الأكبر الحج والأصغر العمرة ، أو سمي به لأنه اجتمع فيه حج المسلمين والمشركين ووافق عيد اليهود والنصارى ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه.

(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥))

٢٤٦

(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) رجب وذو القعده وذو الحجة والمحرم عند الجمهور ، أو أشهر السياحة عشرون من ذي الحجة إلى العشر من ربيع الآخر ، قاله الحسن رضي الله عنه.

(وَجَدْتُمُوهُمْ) في حل أو حرم ، أو في أشهر الحرم وغيرها. (وَخُذُوهُمْ) الواو بمعنى أو خذوهم أو تقديره : «فخذوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم» مقدم ومؤخر.

(وَاحْصُرُوهُمْ) بالاسترقاق ، أو بالفداء.

(كُلَّ مَرْصَدٍ) اطلبوهم في كل مكان ، فالقتل إذا وجدوا والطلب إذا بعدوا ، أو افعلوا بهم كل ما أرصده الله لهم من قتل أو

استرقاق أو منّ ، أو فداء.

(تابُوا) أسلموا.

(وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أدّوها ، أو اعترفوا بها.

(وَآتَوُا الزَّكاةَ) اعترفوا بها لا غير إذ لا يقتل تاركها لا بل تؤخذ منه قهرا.

(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦))

(اسْتَجارَكَ) استعانك ، أو استأمنك.

(كَلامَ اللهِ) القرآن كله ، أو براءة خاصة ليعرف ما فيها من أحكام العهد والسيرة مع الكفار.

(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧))

(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ) خزاعة ، أو بنو ضمرة ، أو قريش ، أو قوم من بكر بن كنانة.

(فَمَا اسْتَقامُوا) دوموا على عهدهم ما داموا عليه.

(كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨))

(يَظْهَرُوا) يقووا عليكم بالظفر. (لا يَرْقُبُوا) لا يخافوا ، أو لا يراعوا. (إِلًّا) عهدا ، أو قرابة ، قال :

فأقسم إنّ إلك من قريش

أو جوارا ، أو يمينا ، أو هم اسم لله عزوجل.

(ذِمَّةً) عهدا ، أو جوارا ، أو التذمم ممن لا عهد له.

(وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) بنقض العهد ، أو فاسق في دينه وإن كان دينهم فسقا.

٢٤٧

(اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩))

(بِآياتِ اللهِ) دلائله وحججه ، أو التوراة التي فيها صفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(قَلِيلاً) ، لأنه حرام ، أو لأنه من عرض الدنيا وبقاؤها قليل نزلت في الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان على طعامه ، أو في قوم اليهود عاهدوا ثم نقضوا.

(وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢))

(نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) نقضوا العهد الذي عقدوه بأيمانهم.

(أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) رؤساء المشركين ، أو زعماء قريش ، أو الذين هموا بإخراج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(لا أَيْمانَ لَهُمْ) بارة و (لا أَيْمانَ) من الأمان ، أو التصديق.

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦))

(وَلِيجَةً) خيانة ، أو بطانة ، أو دخولا في ولاية المشركين ، ولج في كذا : دخل فيه.

(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧))

(يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) بالزيارة والدخول إليه ، أو بالكفر ، لأنّ المسجد إنما يعمر بالإيمان.

(شاهِدِينَ) لما دلت أموالهم وأفعالهم على كفرهم تنزل ذلك منزلة شهادتهم على أنفسهم ، أو شهدوا على رسولهم بالكفر لأنهم كذبوه وكفروه وهو من أنفسهم ، أو إذا سئل اليهودي ما أنت يقول : يهودي ، وكذلك النصارى والمشركون وكلهم كفرة وإن لم يقروا بالكفر.

(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨))

(مَساجِدَ اللهِ) مواضع السجود من المصلي ، أو البيوت المتخذة للصلوات.

(فَعَسى أُولئِكَ) كل عسى من الله واجبة ، أو ذكره ليكونوا على خوف ورجاء.

(أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩))

(سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ) بسدانته والقيام به ، لما فضلت قريش ذلك على

٢٤٨

الإيمان بالله تعالى نزلت ، أو نزلت في العباس صاحب السقاية ، وشيبة بن عثمان صاحب السدانة ، وحاجب الكعبة ، لما أسرا ببدر عيرهما المهاجرون بالكفر والإقامة بمكة فقالا نحن أفضل أجرا منكم بعمارة المسجد وحجب الكعبة وسقي الحاج.

(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤))

(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ) نزلت في قوم أسلموا بمكة ولم يهاجروا ميلا إلى ما ذكر في هذه الآية.

(اقْتَرَفْتُمُوها) اكتسبتموها.

(وَتِجارَةٌ) أموال التجارة تكسد سوقها وينقص سعرها ، أو البنات الأيامى يكسدن على أبائهن فلا يخطبن.

(بِأَمْرِهِ) بعقوبة عاجلة أو آجلة ، أو بفتح مكة.

(ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦))

(سَكِينَتَهُ) الوقار ، أو الطمأنينة ، أو الرحمة.

(جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) الملائكة ، أو بتكثيرهم في أعين أعدائهم ، وهو محتمل.

(وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالخوف ، أو بالقتل والسبي.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨))

(نَجَسٌ) نجاسة الأبدان كالكلب والخنزير ، قاله عمر بن عبد العزيز والحسن رضي الله تعالى عنهما وأوجب الوضوء على من صافحهم ، أو لأنهم لا يغتسلون من الجنابة فصاروا كالأنجاس ، أو عبّر عن اجتنابنا لهم ومنعهم من المساجد بالنجس كما يفعل ذلك بالأنجاس ، أو نجاستهم خبث ظواهرهم بالكفر وبواطنهم بالعدواة.

(الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) الحرم كله.

(عامِهِمْ هذا) سنة تسع ، أو سنة عشر ، ويمنع منه الحربي والذمي عند الجمهور ، أو يمنعون إلا الذمي والعبد المملوك لمسلم.

(عَيْلَةً) فقرا وفاقة ، أو ضيعة من يقوته من عياله.

٢٤٩

(يُغْنِيكُمُ اللهُ) تعالى بالمطر في النبات ، أو بالجزية المأخوذة منهم ، أو عام في كل ما يغني.

(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩))

(الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) دخل فيه أهل الكتاب وإن آمنوا باليوم الآخر إذ لا يعتد بإيمانهم فصار كالمعدوم ، أو ذمهم ذم من لا يؤمن به.

(وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ) بنسخه من شرائعهم ، أو ما حرمه وأحله لهم.

(دِينَ الْحَقِّ) الإسلام عند الجمهور ، أو العمل بما في التوراة من اتباع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والحق هنا هو الله.

(مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا) من أبناء الذين أوتوا ، أو الذي أوتوه بين أظهرهم.

(يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) يضمنوها ، أو يدفعوها ، والجزية مجملة ، أو عامة تجري على العموم إلا ما خصه الدليل.

(عَنْ يَدٍ) غنى وقدرة ، أو لا يقابلها جزاء ، أو لنا عليهم يد نأخذها لما فيه من حقن دمائهم ، أو يؤدونها بأيديهم دون رسلهم كما يفعل المتكبرون.

(صاغِرُونَ) قياما وآخذها جالس ، أو يمشوا بها كارهين ، أو أذلاء مقهورين ، أو دفعها هو الصغار ، أو إجراء أحكام الإسلام عليهم.

(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠))

(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) لمّا حرق بختنصر التوراة ولم يبق بأيديهم شيء منها ولم يكونوا يحفظونها ساءهم ذلك وسألوا الله ردها فقذفها في قلب عزير فقرأها عليهم فعرفوا ، فلذلك قالوا : إنه ابن الله. وكان ذلك قول جميعهم ، أو قول طائفة من سلفهم ، أو من معاصري الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنحاص وحده ، أو جماعة سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى ، وشاس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، وأضيف إلى جميعهم لمّا لم ينكروه.

(وَقالَتِ النَّصارى) بأجمعهم. (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) لأنه ولد من غير أب ، أو لأنه أحيا الموتى ، وأبرأ من الأسقام.

(بِأَفْواهِهِمْ) لما لم يكن عليه دليل قيده بأفواهم لا يتجاوزها.

(يُضاهِؤُنَ) يشابهون ، والتي لم تحض ضهياء لشبهها بالرجل. يضاهون بقولهم عبدة

٢٥٠

الأوثان وفي اللات والعزى ومناة وأن الملائكة بنات الله ، أو ضاهت النصارى بقولهم المسيح ابن الله قول اليهود عزير ابن الله ، أو ضاهوا في تقليد أسلافهم من تقدمهم.

(قاتَلَهُمُ اللهُ) لعنهم ، أو قتلهم ، أو هو كالمقاتل لهم بما أعده من عذابهم وأبانه من عداوتهم.

(يُؤْفَكُونَ) يصرفون عن الحق إلى الإفك وهو الكذب.

(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١))

(أَحْبارَهُمْ) جمع حبر ، لتجبيره المعاني ، وهو التحسين بالبيان عنها ، والرهبان : جمع راهب ، من رهبة الله وخشيته ، وكثر استعماله في نسّاك النصارى.

(أَرْباباً) آلهة يطيعونهم فيما حرموه وأحلوه دون العبادة وهو مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢))

(نُورَ اللهِ) القرآن والإسلام ، أو دلائله التي يهتدى بها كما يهتدى بالنور.

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣))

(بِالْهُدى) الهدى البيان.

(وَدِينِ الْحَقِّ) الإسلام ، أو كلاهما واحد ، أو الهدى الدليل ، ودين الحق المدلول ، أو بالهدى إلى دين الحق.

(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) عند نزول عيسى عليه‌السلام فلا يعبد الله تعالى إلا بالإسلام ، أو يطلعه على شرائع الدين كله ، أو يظهر دلائله وحججه ، أو يرعب المشركين من أهله ، أو لما أسلمت قريش انقطعت رحلتاهم إلى الشام واليمن لتباينهم في الدين فذكروا ذلك للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت.

(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ) في الشام واليمن وقد أظهره الله تعالى أو الظهور : الاستعلاء ، والإسلام أعلى الأديان كلها.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤))

(بِالْباطِلِ) جميع الوجوه المحرمة ، أو الرّشا في الحكم.

٢٥١

(يَكْنِزُونَ) الكنز الذي توعد عليه كل ما لم تؤدّ زكاته مدفونا أو غير مدفون ، أو ما زاد على أربعة آلاف درهم أديت زكاته أو لم تؤدّ ، والأربعة آلاف فما دونها ليست بكنز ، قاله علي رضي الله تعالى عنه ، أو ما فضل من المال عن الحاجة ، ولما نزلت قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تبا للذهب والفضة» ، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه : إن أصحابك قد شق عليهم وقالوا فأي المال نتخذ فقال : «لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا ، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على دينه» (١) ومات رجل من أهل الصّفة فوجد في مئزره دينار ، فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كية» ومات آخر فوجد في مئزره ديناران ، فقال «كيتان» والكنز في اللغة كل مجموع بعضه إلى بعض ظاهرا كان أو مدفونا ، ومنه كنز التمر.

(وَلا يُنْفِقُونَها) الكنوز ، أو الفضة اكتفى بذكر أحدهما ، قال :

إن شرخ الشباب والشعر الأسود

ما لم يعاص كان جنونا

ولم يقل : يعاصيا.

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٣٧))

(حُرُمٌ) لعظم انتهاك الحرمات فيها. (الدِّينُ الْقَيِّمُ) الحساب المستقيم ، أو القضاء الحق.

(فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) بالمعاصي في الاثني عشر ، أو في الأربعة ، أو فلا تظلموها في الأربعة بعد تحريم الله تعالى لها ، أو لا تظلموها بترك قتل عدوكم فيها.

(النَّسِيءُ) كانوا يؤخرون السنة أحد عشر يوما حتى يجعلوا المحرم صفرا أو كانوا يؤخرون الحج في كل سنتين شهرا ، قال مجاهد : حج المشركون في ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين ثم حجوا في صفر عامين ثم في ذي القعدة عامين الثاني منهما حجة أبي بكر ، ثم حج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قابل في ذي الحجة ، وقال : «إن الزمان قد استدار كهيئته» وكان ينادي بالنسيء في الموسم بنو كنانة قال شاعرهم :

ألسنا الناسئين على معد

شهور الحل نجعلها حراما

__________________

(١) أخرجه البيهقى في شعب الإيمان (١ / ٤١٩ ، رقم ٥٩٠).

٢٥٢

وأول من نسأ الشهور سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة ، أو القلمس الأكبر ، وهو عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث ، وآخر من نسأها إلى أن نزل تحريمها سنة عشر أبو ثمامة جنادة بن عوف ، وكان ينادي إذا نسأها في كل عام إلا إن أبا ثمامة لا يحاب ولا يعاب.

(لِيُواطِؤُا) ليوافقوا عدة الأربعة فيحرموا أربعة كما حرم الله تعالى أربعة.

(سُوءُ أَعْمالِهِمْ) من تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم ، أو الربا.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨))

(انْفِرُوا) لما دعوا إلى غزوة تبوك تثاقلوا ، فنزلت.

(الْأَرْضِ) الإقامة بأوطانكم وأرضكم ، دعوا إلى ذلك في شدة الحر وإدراك الثمار ، أو اطمأنوا إلى الدنيا فسماها أرضا.

(أَرَضِيتُمْ) بمنافع الدنيا بدلا من ثواب الآخرة.

(إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩))

(عَذاباً أَلِيماً) احتباس القطر ، ولا تضروا الله بترك النفير ، أو لا تضروا الرسول ، لأن الله تعالى تكفل بنصره.

(إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠))

(إِلَّا تَنْصُرُوهُ) إن لا تنصروا الرسول بالنفير معه فقد نصره الله بالملائكة ، أو بإرشاده إلى الهجرة حتى أغناه من إعانتكم.

(أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من مكة أعلمهم أنه غني عن نصرهم ، دخل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه الغار فأقاما فيه ثلاثا وجعل الله تعالى على بابه ثمامة وهي شجيرة صغيرة ، وألهمت العنكبوت فنسجت على بابه ، ولما ألم الحزن قلب أبي بكر رضي الله تعالى عنه بما تخيله من وهن الدين بعد الرسل صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا بالنصر عليهم».

(سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو أبو بكر رضي الله تعالى عنه ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد علم أنه منصور ، والسكينة الرحمة ، أو الطمأنينة ، أو الوقار ، أو شيء سكن الله تعالى به قلوبهم.

٢٥٣

(بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) الملائكة ، أو الثقة بوعده واليقين بنصره وتأييده بإخفاء أثره في الغار لما طلب ، أو بمنعهم من التعرض له لما هاجر.

(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١))

(خِفافاً وَثِقالاً) شبابا وشيوخا ، أو فقراء وأغنياء ، أو مشاغيل وغير مشاغيل ، أو نشاطا وغير نشاط ، أو ركبانا ومشاة ، أو ذا ضيعة وغير ذي ضعية ، أو ذوي عيال وغير ذوي عيال ، أو أصحاء ومرضى ، أو خفة النفير وثقله ، أو خفافا إلى الطاعة ثقالا عن المخالفة.

(وَجاهِدُوا) الجهاد بالنفس فرض كفاية متعين عند هجوم العدو. وبالمال بالزاد والراحلة إذا قدر بنفسه ، وإن عجز لزمه بذل المال بدلا عن نفسه ، أو لا يلزمه ذلك عند الجمهور ، لأن المال تابع للنفس.

(خَيْرٌ لَكُمْ) الجهاد خير من القعود المباح ، أو الخير في الجهاد لا في تركه.

(تَعْلَمُونَ) صدق وعد الله تعالى بثواب الجهاد ، أو أن الخير في الجهاد.

(لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢))

(لَوْ كانَ) الذي دعوا إليه. (عَرَضاً) غنيمة ، أو أمرا سهلا. (قاصِداً) سهلا مقتصدا.

(لَاتَّبَعُوكَ) في الخروج.

(الشُّقَّةُ) القطعة من الأرض يشق ركوبها لبعده.

(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦))

(عُدَّةً) صحة عزم ونشاط نفس ، أو الزاد والراحلة ونفقة الحاضرين من الأهل.

(كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) لوقوع الفشل بتخاذلهم كابن أبي ، والجد بن قيس.

(وَقِيلَ اقْعُدُوا) قاله بعضهم لبعض ، أو قاله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم غضبا عليهم لعلمه بذلك منهم.

(الْقاعِدِينَ) بغير عذر ، أو بعذر كالنساء والصبيان.

(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧))

٢٥٤

(خَبالاً) فسادا ، أو اضطرابا استثناء منقطع ، لأن المسلمين لم يكونوا في خبال فيزدادوا منه.

(وَلَأَوْضَعُوا) الإيضاع : سرعة السير ، والخلال : الفرج ، المعنى ولأسرعوا في اختلالكم ، أو لأوقعوا الخلف بينكم.

(الْفِتْنَةَ) الكفر ، أو اختلاف الكلمة وتفريق الجماعة.

(سَمَّاعُونَ) مطيعون ، أو عيون منكم ينقلون أخباركم إليهم ، أو عيون منهم ينقلون أخباركم إلى المشركين.

(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨))

(ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ) الاختلاف وتفريق الكلمة.

(وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) بمعاونتهم ظاهرا وممالأة المشركين باطنا ، أو قالوا بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، أو توقعوا الدوائر وانتظروا الفرص ، أو حلفهم لو استطعنا لخرجنا.

(جاءَ الْحَقُّ) النصر. (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) دينه. (وَهُمْ كارِهُونَ) لهما.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩))

(وَلا تَفْتِنِّي) لا تكسبني الإثم بمخالفتي في القعود ، أو لا تصرفني عن شغلي ، أو نزلت في الجد بن قيس قال : ائذن لى ولا تفتنّى ببنات الأصفر فإني مستهتر بالنساء.

(فِي الْفِتْنَةِ) جهنم ، أو محبة النفاق والشقاق.

(إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠))

(حَسَنَةٌ) نصر ، أو النصر ببدر ، والمصيبة : النكبة يوم أحد.

(أَمْرَنا) حذرنا وسلمنا.

(فَرِحُونَ) بمصيبتك وسلامتهم.

(قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١))

(كَتَبَ اللهُ لَنا) في اللوح المحفوظ من خير ، أو شر ، وليس ذلك بأفعالنا فنذم أو نحمد ، أو ما كتب لنا في نصرنا في العاقبة وإعزاز الدين بنا.

(مَوْلانا) مالكنا وحافظنا وناصرنا.

٢٥٥

(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) في معونته وتدبيره.

(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢))

(الْحُسْنَيَيْنِ) النصر والشهادة في النصر ظهور الدين وفي الشهادة الجنة.

(فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥))

(أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) في الحياة الدنيا.

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها) في الآخرة ، فيه تقديم وتأخير ، أو يعذبهم بالزكاة فيها ، أو بمصائبهم فيهما ، أو بسبي الأبناء وغنيمة الأموال ، يعني المشركين ، أو يعذبهم بجمعها وحفظها والبخل بها والحزن عليها.

(وَتَزْهَقَ) تهلك ، (وَزَهَقَ الْباطِلُ) [الإسراء : ٨١].

(لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧))

(مَلْجَأً) حرزا ، أو حصنا ، أو موضعا حزنا من الجبل ، أو مهربا.

(مَغاراتٍ) غارات في الجبال ، أو مدخل يستر من دخله.

(مُدَّخَلاً) سربا في الأرض ، أو المدخل الضيق الذي يدخل فيه بشدة.

(لَوَلَّوْا إِلَيْهِ) هربا من القتال ، وخذلانا للمؤمنين.

(يَجْمَحُونَ) يهربون ، أو يسرعون.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨))

(يَلْمِزُكَ) يغتابك ، أو يعيبك ، نزلت في ثعلبة بن حاطب كان يتكلم بالنفاق ويقول : إنما يعطي محمد من شاء فإن أعطي رضي وإن لم يعط سخط ، أو في ذي الخويصرة لما أتى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقسم قسما فقال : اعدل يا محمد فقال : «ويلك فمن يعدل إن لم أعدل» ، فاستأذن عمر رضي الله تعالى عنه في ضرب عنقه ، فقال : «دعه» فنزلت.

(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠))

(لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) الفقير المحتاج العفيف عن السؤال ، والمسكين المحتاج السائل ، أو الفقير المحتاج الزّمن ، والمسكين المحتاج الصحيح ، أو الفقراء هم المهاجرون ، والمساكين غير المهاجرين ، أو الفقراء من المسلمين والمساكين من أهل الكتاب ، أو الفقير الذي

٢٥٦

لا شيء له لانكسار فقاره بالحاجة والمسكين له ما لا يكفيه لكن يسكن إليه ، أو الفقير له ما لا يكفيه والمسكين لا شيء له يسكن إليه.

(وَالْعامِلِينَ) السعاة لهم ثمنها ، أو أجر مثلهم.

(وَالْمُؤَلَّفَةِ) كفار ومسلمون ، فالمسلمون منهم ضعيف النية في الإسلام فيتألف تقوية لنيته كعيينة بن بدر والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس ، ومنهم من حسن إسلامه لكنه يعطى تألفا لعشيرته من المشركين كعدي بن حاتم ، والمشركون منهم من يقصد أذى المسلمين فيتألف بالعطاء دفعا لأذاه كعامر بن الطفيل ، ومنهم من يميل إلى الإسلام فيتألف بالعطاء ليؤمن كصفوان بن أمية ، فهذه أربعة أصناف ، وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطي هؤلاء ، وبعد هل يعطون؟ فيه قولان : لأن الله تعالى قد أعز الدين (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩].

(الرِّقابِ) المكاتبون ، أو عبيد يشترون ويعتقون.

(وَالْغارِمِينَ) من لزمه غرم دين.

(سَبِيلِ اللهِ) الغزاة الفقراء والأغنياء.

(وَابْنِ السَّبِيلِ) المسافر لا يجد نفقة سفره وإن كان غنيا في بلده ، قاله جمهور ، أو الضيف.

(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١))

(أُذُنٌ) يصغي إلى كل أحد فيسمع قوله ، كان المنافقون يقولون فيه ما لا يجوز ثم عابوه بأنه أذن يسمع جميع ما يقال له ، أو عابوه ، فقال أحدهم : كفوا فإني أخاف أن يبلغه فيعاقبنا ، فقالوا : هو أذن إذا جئناه وحلفنا له صدقنا فنسبوه إلى قبول العذر في الحق والباطل.

(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣))

(يُحادِدِ) يخالف ، أو يجاوز حدودهما ، أو يعاديهما مأخوذ من حد السلاح لاستعماله في المعاداة.

(جَهَنَّمَ) لبعد قعرها ، بئر جهنم بعيدة القعر.

(يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤))

٢٥٧

(يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ) خبر ، أو أمر بصيغة الخبر. (بِما فِي قُلُوبِهِمْ) من النفاق ، أو قولهم في غزوة تبوك : أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات ، فأطلع الله تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما قالوه.

(اسْتَهْزِؤُا) تهديد.

(الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧))

(بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) في الدين.

(بِالْمُنْكَرِ) كل ما أنكره العقل من الشر. والمعروف : كل ما عرفه العقل من الخير ، أو المعروف في كتاب الله كله الإيمان ، والمنكر في كتاب الله كله الشرك قاله أبو العالية.

(وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) عن الفقة في سبيل الله ، أو عن كل خير ، أو عن الجهاد مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو عن رفعها إلى الله تعالى في الدعاء.

(فَنَسِيَهُمْ) تركوا أمره فترك رحمتهم ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كان المنافقون ثلاثمائة رجل ومائة وسبعين امرأة.

(كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩))

(بِخَلاقِهِمْ) بنصيبهم من خيرات الدنيا. (وَخُضْتُمْ) في شهوات الدنيا ، أو في قول الكفر. (كَالَّذِي خاضُوا) فارس والروم ، أو بنو إسرائيل.

(وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢))

(وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) قصور مبنية باللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر ، أو يطيب العيش بسكناها وهو محتمل.

(عَدْنٍ) خلود وإقامة ، والمعدن لإقامة الجوهر فيه ، أو كروم وأعناب بالسريانية ، أو عدن اسم لبطنان الجنة ووسطها ، أو اسم قصر في الجنة ، أو جنة في السماء العليا لا يدخلها إلا نبي ، أو صدّيق ، أو شهيد ، أو إمام عدل ، أو محكّم في نفسه. وجنة المأوى في السماء الدنيا تأوي إليها أرواح المؤمنين.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣))

٢٥٨

(جاهِدِ الْكُفَّارَ) بالسيف. (وَالْمُنافِقِينَ) بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، فإن لم يستطع فليكفهر في وجوههم ، أو يجاهدهم باللسان ، أو بإقامة الحدود وكانوا أكثر من يصيب الحدود.

(يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٧٤))

(يَحْلِفُونَ) نزلت في ابن أبي لما قال : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ) [المنافقون : ٨] ، أو قال الجلاس بن سويد إن كان ما جاء به محمد حقا فنحن شر من الحمير ثم حلف بالله ما قال ، أو قال ذلك جماعة من اليهود.

(كَلِمَةَ الْكُفْرِ) هو ما حلفوا أنهم ما قالوه فأكذبهم الله ، أو قولهم محمد ليس بنبي.

(وَهَمُّوا) بقتل الرسول في غزوة تبوك ، أو بأخراج الرسول بقولهم (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ) [المنافقون : ٨] أو همّوا بقتل الذي أنكر عليهم.

(وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥))

(وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ) نزلت والتي بعدها في حاطب بن أبي بلتعة كان له مال بالشام فنذر أن يتصدق منه فلما قدم عليه بخل ، قاله الكلبي ، أو قتل مولى لعمر حميما لثعلبة فوعد إن أوصل الله إليه الدية أن يخرج حق الله تعالى منها فلما وصلت بخل بحق الله تعالى فنزلت ، فلما بلغته أتى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصدقته فلم يقبلها منه ، وقال إن الله تعالى منعني أن أقبل صدقتك فجعل يحثو التراب على رأسه ، فمات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتى أبا بكر رضي الله تعالى عنه ثم عمر رضي الله تعالى عنه بعده ، ثم عثمان رضي الله تعالى عنه فلم يقبلوها.

(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩))

(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) لما حث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على النفقة في غزوة تبوك ، جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم ، وقال هذه شطر مالي ، وجاء عاصم بن عادي بمائة وسق من تمر ، وجاء أبو عقيل بصاع من تمر وقال أجرت نفسي بصاعين فذهبت بأحدهما إلى عيالي وجئت بالآخر ، فقال الحاضرون من المنافقين أما عبد الرحمن وعاصم فما أعطيا إلا رياء ، وأما صاع أبي عقيل فإن الله تعالى غني عنه. فنزلت. الجهد والجهد واحد ، أو بالضم الطاقة

٢٥٩

وبالفتح المشقة.

(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠))

(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) آيسه من الغفران لهم.

(سَبْعِينَ مَرَّةً) ليس بحد لوجود المغفرة بما بعدها ، والعرب تبالغ بالسبع والسبعين ، لأن التعديل في نصف العقد وهو خمسة فإذا زيد عليه واحد كان لأدنى المبالغة وإن زيد اثنان كان لأقصى المبالغة ، وقيل للأسد سبع لأن قوته تضاعفت سبع مرات ، قاله علي بن عيسى. وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم سوف أستغفر لهم أكثر من سبعين فنزلت (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) .. الآية [المنافقون : ٦] فكف.

(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١))

(الْمُخَلَّفُونَ) المتركون كانوا أربعة وثمانين نفسا.

(خِلافَ) بعد ، أو مخالفة عند الأكثر.

(لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) قاله بعضهم لبعض ، أو قالوه للمؤمنين ليقعدوا معهم.

(فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢))

(فَلْيَضْحَكُوا) تهديد. (قَلِيلاً) ، لأن ضحك الدنيا فان ، أو لأنه قليل بالنسبة إلى ما فيها من الأحزان والغموم.

(كَثِيراً) في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، أو في النار أبدا يبكون من ألم العذاب.

(فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣))

(أَوَّلَ مَرَّةٍ) دعيتم ، أو قبل استئذانكم.

(الْخالِفِينَ) النساء والصبيان ، أو الرجال المعذورين بأمراض أو غيرها.

(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤))

(وَلا تُصَلِّ) نزلت في ابن أبي لما صلى عليه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو أراد الصلاة عليه فأخذ جبريل عليه‌السلام بثوبه ، وقال : ولا تصل على أحد ولا تقم على قبره قيام زائر ، أو مستغفر.

(وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ

٢٦٠