تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

صفة العذاب لا في الخلود ، أو جعل مدّة عذابهم إلى مشيئته ولا ينبغي لأحد أن يحكم على الله تعالى في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩))

(نُوَلِّي) نكل بعضهم إلى بعض فلا نعينهم فيهلكوا ، أو يتولى بعضهم بعضا على الكفر ، أو يتولى بعضهم عذاب بعض في النار ، أو يتبع بعضهم بعضا في النار من الموالاة بمعنى المتابعة ، أو تسلط بعضهم على بعض بالظلم والتعدي.

(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠))

(رُسُلٌ) الجن من الجن ، قاله الضحاك ، أو يبعث رسول من الجن وإنما جاءهم رسل الإنس فقوله (مِنْكُمْ) كقوله : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا) [الرحمن : ٢٢] يريد من أحدهما ، أو رسل الجن هم الذين لما سمعوا القرآن ولوا إلى قومهم منذرين.

(ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١))

(بِظُلْمٍ) في إهلاكهم ، أو لا يهلكهم بظلمهم إلا أن يخرجهم عن الغفلة بالإنذار.

(وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢))

(وَلِكُلٍّ) لكل عامل بطاعة أو معصية منازل سميت.

(دَرَجاتٌ) لتفاضلها كتفاضل الدرج في الارتفاع يريد به الأعمال المتفاضلة ، أو الجزاء المتفاضل.

(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥))

(مَكانَتِكُمْ) طريقتكم ، أو حالتكم ، أو ناحيتكم ، أو تمكنكم ، أو منازلكم.

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (١٣٦))

(ذَرَأَ) خلق ، من الظهور ، ملح ذرآني لبياضه ، وظهور الشيب ذرأة. (الْحَرْثِ) الزرع.

(وَالْأَنْعامِ) الإبل والبقر والغنم من نعمة الوطء. كان كفار قريش ومتابعوهم يجعلون الله تعالى في زرعهم ومواشيهم نصيبا ، ولأوثانهم نصيبا ، يصرفون نصيبها من الزرع إلى

٢٠١

خدامها وفي الإنفاق عليها ، وكذلك نصيبهم من الأنعام ، أو يتقربون بذبح الأنعام للأوثان ، أو البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي.

(فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ) سماهم شركاءهم ، لأنهم أشركوهم في أموالهم ، كان إذا اختلط بأموالهم شيء مما للأوثان ردّوه ، وإن اختلط بها ما جعلوه لله لم يردّوه ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أو إذا هلك ما لأوثانهم غرموه وإذا هلك ما لله تعالى لم يغرموه ، أو صرفوا بعض ما لله تعالى على أوثانهم ولا عكس ، أو ما جعلوه لله تعالى من ذبائحهم لا يأكلونه حتى يذكروا عليه اسم الأوثان ولا عكس.

(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧))

(شُرَكاؤُهُمْ) الشياطين ، أو خدّام الأوثان ، أو شركاؤهم في الشرك ، أو غواة الناس.

(قَتْلَ أَوْلادِهِمْ) وأد البنات ، أو كان أحدهم يحلف إن ولد له كذا وكذا غلاما أن ينحر أحدهم كما حلف عبد المطلب في نحر ابنه عبد الله.

(لِيُرْدُوهُمْ) لامها لام كي ، لأنهم قصدوا إرداءهم وهو الهلاك أو لام العاقبة لأنهم لم يقصدوه.

(وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣٨))

(هذِهِ أَنْعامٌ) ذبائح الأوثان ، أو البحيرة ، والحام خاصة. (وَحَرْثٌ) ما جعلوه لأوثانهم. (حِجْرٌ) حرام ، قال :

فبت مرتفقا والعين ساهرة

كأن نومي على الليل محجور

(حُرِّمَتْ ظُهُورُها) السائبة ، أو التي لا يحجون عليها. (لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) قربان أوثانهم.

(افْتِراءً عَلَيْهِ) بإضافة تحريمها إليه ، أو بذكر أسمائها عند الذبح بدلا من اسمه.

(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩))

(ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ) الأجنة ، أو الألبان ، أو الأجنة والألبان. خصوا به الذكور ، لأنهم خدم الأوثان ، أو لفضلهم على الإناث ، والذّكر مأخوذ من الشرف ، لأنه أشرف من الأنثى ، أو من الذّكر ، لأنه أذكر وأبين في الناس.

٢٠٢

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١))

(مَعْرُوشاتٍ) تعريش الكروم وغيرها برفع أغصانها أو برفع حظارها وحيطانها ، أو المرتفعة لعلو شجرها فلا يقع ثمرها على الأرض مأخوذ من الارتفاع ، السرير : عرش لارتفاعه (عَلى عُرُوشِها) [البقرة : ٢٥٩] على أعاليها.

(كُلُوا) قدم الأكل تغليبا لحقهم وافتتاحا لنفعهم بأموالهم ، أو تسهيلا لإيتاء حقه.

(حَقَّهُ) الزكاة المفروضة عند الجمهور ، أو صدقة غير الزكاة ، إطعام من حضر ، وترك ما تساقط من الزرع والثمر ، أو كان هذا فرضا ثم نسخ بالزكاة ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(وَلا تُسْرِفُوا) بإخراج زيادة على المفروض تجحف بكم ، أو لا تدفعوا دون الواجب ، أو أن يأخذ السلطان فوق الواجب ، أو يراد به ما أشركوا آلهتهم فيه من الحرث والأنعام.

(وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢))

(حَمُولَةً وَفَرْشاً) الحمولة : ما حمل عليه من الإبل ، والفرش : ما لم يحمل عليه من الإبل لصغره لافتراش الأرض بها على استواء كالفرش ، أو الفرش : الغنم ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(خُطُواتِ الشَّيْطانِ) طريقه في الكفر ، أو في تحليل الحرام وتحريم الحلال.

(مُبِينٌ) يريد ما بان من عداوته لآدم عليه الصلاة والسّلام ، أو لأوليائه من الشياطين.

(ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٤٣))

(مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) ذكر وأثنى.

(آلذَّكَرَيْنِ) إبطال لما حرموه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وما اشتملت عليه أرحام الأنثيين قولهم : (ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) [الأنعام : ١٣٩] لما جاء عوف بن مالك فقال للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحللت ما حرّمه آباؤنا يعني البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي فنزلت ، فسكت عوف لظهور الحجة عليه.

(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً

٢٠٣

مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥))

(مَيْتَةً) زهقت نفسها بغير ذكاة فتدخل فيها الموقوذة والمتردية وغيرها.

(مَسْفُوحاً) مهراقا مصبوبا ، وأما غير المسفوح فإن كان ذا عروق يجمد عليها كالكبد والطحال فهو حلال ، وإن لم يكن له عروق يجمد عليها وإنما هو مع اللحم فلا يحرم لتخصيص التحريم بالمسفوح. قالته عائشة وقتادة ، قال عكرمة لو لا هذه الآية لتتبع المسلمون عروق اللحم كما تتبعها اليهود ، وقيل يحرم لأنه بعض من المسفوح وإنما ذكر المسفوح لاستثناء الكبد والطحال منه.

(رِجْسٌ) نجس.

(أَوْ فِسْقاً) ما ذبح للأوثان سماه فسقا لخروجه عن أمر الله تعالى.

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦))

(كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) ما ليس بمنفرج الأصابع كالنعام والأوز والبط قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو كل ما يصطاد بظفره من الطير.

(شُحُومَهُما) الثروب خاصة ، أو كل شحم لم يختلط بعظم ولا على عظم أو الثروب وشحم الكلى.

(ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) شحم الجنب وما علق بالظهر.

(الْحَوايا) المباعر أو بنات اللبن ، أو الأمعاء التي عليها الشحم من داخلها ، أو كل ما تحوّى في البطن فاجتمع واستدار.

(مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) شحم الجنب ، أو شحم الجنب والإلية ، لأنها على العصعص.

(قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١))

(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أداء الحقوق وترك العقوق.

(إِمْلاقٍ) الفقر ، أو الفلس من الملق ، لأن المفلس يتملق للغني طمعا في نائله.

(الْفَواحِشَ) عموما ، أو خاص بالزنا فما ظهر ذوات الحوانيت وما بطن ذوات

٢٠٤

الاستسرار ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أو ما ظهر نكاح المحرمات وما بطن الزنا ، أو ما ظهر الخمر وما بطن الزنا.

(الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) المسلم ، أو المعاهد.

(بِالْحَقِّ) كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس.

(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢))

(بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) حفظه ماله إلى أن يكبر فيسلم إليه ، أو التجارة به ، أو لا يأخذ من ربح التجارة به شيئا ، أو الأكل إذا كان فقيرا والترك إن كان غنيا ولا يتعدى من الأكل إلى لباس ولا غيره ، وخصّ مال اليتيم بالذكر وإن كان غيره محرما لوقوع الطمع فيه إذ لا حافظ له ولا مراعي.

(أَشُدَّهُ) الأشد : استحكام قوّة الشباب عند نشوئه وحدّه بالاحتلام ، أو بثلاثين سنة.

ثم نزل بعده (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) [النساء : ٦] ، أو لثماني عشرة سنة.

(لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) عفا عما لا يدخل تحت الوسع من إيفاء الكيل والوزن.

(وَبِعَهْدِ اللهِ) كل ما ألزمه الإنسان نفسه لله من نذر أو غيره ، أو الحلف بالله تعالى يجب الوفاء به إلا في المعاصي.

(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣))

(صِراطِي) شرعي سماه صراطا ، لأنه طريق يؤدي إلى الجنة.

(السُّبُلَ) البدع والشبهات.

(عَنْ سَبِيلِهِ) عن طريق دينه.

(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤))

(تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) تماما على إحسان موسى عليه الصلاة والسّلام بطاعته ، أو تماما على المحسنين ، أو تماما على إحسان الله تعالى إلى أنبيائه عليهم الصلاة والسّلام ، أو تماما لكرامته في الجنة على إحسانه في الدنيا.

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها

٢٠٥

خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨))

(تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) لقبض أرواحهم ، أو تأتيهم رسلا لأنهم لم يؤمنوا مع ظهور الدلائل.

(يَأْتِيَ رَبُّكَ) أمره بالعذاب ، أو قضاؤه في القيامة.

(بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) طلوع الشمس من مغربها ، أو طلوعها والدجال والدابة.

(أَوْ كَسَبَتْ) يعتد بالإيمان قبل هذه الآيات ، وأما بعدها فإن لم تكسب فيه خيرا فلا يعتدّ به وإن كسبت فيه خيرا ففي الاعتداد به قولان ، وظاهر الآية أنه يعتد به ، ومن قال : لا يعتدّ به كان المعنى لم تكن آمنت وكسبت قاله السدي.

(خَيْراً) أداء الفروض على أكمل الأحوال ، أو التنفل بعد الفروض.

(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩))

(الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) اليهود ، أو النصارى واليهود أو جميع المشركين ، أو أهل الضلالة من هذه الأمة.

(دِينَهُمْ) الذي أمروا به فرقوه بالاختلاف ، أو الكفر الذي اعتقدوه دينا.

(شِيَعاً) فرقا يتمالؤون على أمر واحد مع اختلافهم في غيره من الظهور ، شاع الخبر : ظهر ، أو من الاتباع ، شايعه على الأمر : تابعه عليه.

(لَسْتَ مِنْهُمْ) من قتالهم ثم نسخ بآية السيف ، أو لست من مخالطتهم ، أمره بالتباعد منهم.

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠))

(بِالْحَسَنَةِ) بالإيمان ، والسيئة : الكفر ، أو عامة في الحسنات والسيئات.

(فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) عام في جميع الناس ، أو خاص بالأعراب لهم عشر ولغيرهم من المهاجرين سبعمائة ، قاله ابن عمر ، وأبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما ، ولما فرض عشر أموالهم ، وكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر كان العشر كأخذ جميع المال ، والثلاثة كصوم الشهر ، والسبعمائة من سنبلة أنبتت سبع سنابل.

(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢))

(صَلاتِي) ذات الركوع لله تعالى دون غيره من وثن أو بشر.

(وَنُسُكِي) ذبح الحج والعمرة ، أو ديني ، أو عبادتي ، والناسك العابد.

٢٠٦

(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤))

(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ) لا يحمل أحد ذنب غيره ، أخذ الوزر من الثقل ، وزير الملك يتحمل الثقل عنه ، أو من الملجأ (كَلَّا لا وَزَرَ) [القيامة : ١١] ، وزير الملك لإلجاء أموره إليه.

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥))

(خَلائِفَ الْأَرْضِ) أهل كل عصر يخلفون من تقدمهم.

(وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ) بالغنى والشرف في النسب وقوّة الأجساد.

(سَرِيعُ الْعِقابِ) كل آت قريب ، أو لمن استحقّ تعجيل العقاب في الدنيا.

سورة الأعراف (١)

(المص (١))

(المص) أنا الله أفصل ، أو هجاء المصور ، أو اسم القرآن ، أو للسورة ، أو اختصار كلام يفهمه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أو حروف الاسم الأعظم ، أو حرف هجاء مقطعة ، أو من حساب الجمّل ، أو حروف تحوي معاني كثيرة دلّ الله تعالى خلقه بها على مراده من كل ذلك.

(كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢))

(حَرَجٌ) ضيق ، أو شك ، أو لا يضيق صدرك بتكذيبهم.

(وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤))

__________________

(١) سميت هذه السورة بسورة الأعراف لورود ذكر اسم الأعراف فيها وهو سور مضروب بين الجنة والنار يحول بين أهلهما روى ابن جرير عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقعدت بهم سيئاتهم عن دخول الجنة وتخلفت بهم حسناتهم عن دخول النار فوقفوا هنالك على السور حتى يقضي الله بينهم.

وهى سورة مكية ما عدا الآيات من (١٦٣ : ١٧٠) فمدنية ، وهي من سوره الطول عدد آياتها (٢٠٦) آية ، وقد نزلت بعد سورة ص ، بدأت السورة بحروف مقطعة.

وسورة الأعراف من أطول السور المكية وهي أول سورة عرضت للتفصيل في قصص الأنبياء ومهمتها كمهمة السورة المكية تقرير أصول الدعوة الإسلامية من توحيد الله جل وعلا وتقرير البعث والجزاء وتقرير الوحي والرسالة.

٢٠٧

(أَهْلَكْناها) حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا ، أو أهلكناها بإرسال ملائكة العذاب إليها فجاءها بأسنا بوقوع العذاب بهم ، أو أهلكناها بالخذلان عن الطاعة فجاءتهم العقوبة ، أو وقوع الهلاك والبأس معا فتكون الفاء بمعنى الواو كقوله : أعطيت فأحسنت. وكان الإحسان مع العطاء لا بعده. البأس : شدة العذاب ، والبؤس : شدة الفقر.

(بَياتاً) في نوم الليل.

(قائِلُونَ) نوم النهار ووقت القائلة لأن وقوع العذاب في وقت الراحة أفظع.

(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨))

(وَالْوَزْنُ) القضاء بالعدل ، أو موازنة الحسنات والسيئات بميزان له كفّتان توضع الحسنات في إحداهما والسيئات في الأخرى أو توزن صحائف الأعمال إذ لا يمكن وزن الأعمال وهي أعراض قاله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، أو يوزن الإنسان فيؤتى بالرجل العظيم الجثة فلا يزن جناح بعوضة ، قاله عبيد بن عمير رضي الله تعالى عنهما.

(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) قضي له بالطاعة ، أو زادت حسناته على سيئاته ، أو ثقلت كفة حسناته.

(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١))

(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ) في أصلاب الرجال.

(ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) في أرحام النساء ، أو خلقناكم من آدم ثم صورناكم في ظهره ، أو خلقناكم نطفا في أصلاب الرجال وترائب النساء ثم صورناكم في الأرحام ، أو خلقناكم في الأرحام ثم صورناكم فيها بعد الخلق بشق السمع والبصر.

(ثُمَّ قُلْنا) صورناكم في صلبه ثم قلنا ، أو صورناكم ثم أخبرناكم بأنا قلنا ، أو فيه تقديم وتأخير تقديره ثم قلنا للملائكة اسجدوا ثم صورناكم ، أو يكون ثم بمعنى الواو قاله الأخفش ، وأنكره بعض النحويين.

(قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣))

(فَاهْبِطْ مِنْها) من السماء ، أو من الجنة ، قاله ربه له على لسان بعض الملائكة ، أو أراه آية دلته على ذلك.

(قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤))

(أَنْظِرْنِي) طلب الإنظار بالعقوبة إلى يوم القيامة فأنظر بها إلى يوم القيامة ، أو طلب

٢٠٨

الإنظار بالحياة إلى القيامة فأنظره إلى النفخة الأولى ليذوق الموت بين النفختين ، وهو أربعون سنة ، ولا يصح أجابة العصاة لأنها تكرمة ولا يستحقونها فقوله : (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [الاعراف : ١٥] ابتداء عطاء جعل عقيب سؤاله ، أو يصح إجابتهم ابتلاء وتأكيدا للحجة.

(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦))

(فَبِما أَغْوَيْتَنِي) الباء للقسم ، أو للمجازاة ، أو التسبب.

(أَغْوَيْتَنِي) أضللتني ، أو خيبتني من جنتك ، أو أهلكتني باللعن ، غوى الفصيل : أشفى على الهلاك.

(لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) على صراطك : طريق الحق ، ليصدهم عنه ، أو طريق مكة ليمنع من الحج والعمرة.

(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧))

(مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) من بين أيديهم : أشككهم في الآخرة. (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أرغبهم في الدنيا. (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) حسناتهم.

(وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) سيئاتهم. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أو من بين أيديهم الدنيا. وخلفهم الآخرة ، وأيمانهم الحق يشككهم فيه ، وشمائلهم الباطل يرغبهم فيه ، أو بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون ، ومن خلفهم وعن شمائلهم من حيث لا يبصرون ، أو أراد من كل جهة يمكن الاحتيال عليهم منها.

(شاكِرِينَ) ظنّ أنهم لا يشكرون فصدق ظنه ، أو يمكن أن علمه من بعض الملائكة بإخبار الله تعالى.

(قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨))

(مَذْؤُماً) مذموما ، أو أسوأ حالا من المذموم ، أو لئيما ، أو مقيتا ، أو منفيا.

(مَدْحُوراً) مدفوعا ، أو مطرودا.

(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠))

(فَوَسْوَسَ) الوسوسة : إخفاء الصوت بالدعاء ، وسوس له : أوهمه النصح ، ووسوس إليه : ألقى إليه المعنى ، كان في الأرض وهما في الجنة في السماء فوصلت وسوسته إليهما بقوة أعطيها قاله الحسن ، أو كان في السماء ، وكانا يخرجان إليه فيلقاهما هناك ، أو خاطبهما من

٢٠٩

باب الجنة وهما فيها.

(ما نَهاكُما) هذه وسوسته : رغّبهما في الخلود وشرف المنزلة ، وأوهمهما أنهما يتحولان في صور الملائكة ، أو أنهما يصيران بمنزلة الملك في علو منزلته مع علمهما أن صورهما لا تتحول.

(فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢))

(فَدَلَّاهُما) حطهما من منزلة الطاعة إلى منزلة المعصية.

(وَطَفِقا) جعلا.

(يَخْصِفانِ) يقطعان من ورق التين.

(قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤))

(اهْبِطُوا) آدم وحواء وإبليس ، أخبر أنه أمرهم وإن وقع أمره في زمانين لأن إبليس أخرج قلبهما.

(مُسْتَقَرٌّ) استقرار ، أو موضع استقرار. (وَمَتاعٌ) ما انتفع به من عروض الدنيا.

(حِينٍ) انقضاء الدنيا.

(يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦))

(قَدْ أَنْزَلْنا) لما كانوا يطوفون بالبيت عراة ويرونه أبلغ في التعظيم بنزع ثياب عصوا فيها ، أو للتفاؤل بالتعرّي من الذنوب نزلت وجعل اللباس منزلا ، لنباته بالمطر المنزل ، أو لأنه من بركات الله تعالى والبركة تنسب إلى النزول من السماء (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) [الحديد : ٢٥].

(سَوْآتِكُمْ) عوراتكم ، لأنه يسوء صاحبها انكشافها.

(وَرِيشاً) المعاش ، أو اللباس والعيش والنعيم ، أو الجمال ، أو المال.

فريشي منكم وهواي معكم

وإن كانت زيارتكم لماما

(وَلِباسُ التَّقْوى) الإيمان ، أو الحياء ، أو العمل الصالح ، أو السمت الحسن ، أو خشية الله تعالى أو ستر العورة.

(ذلِكَ خَيْرٌ) لباس التقوى خير من الرياش واللباس ، أو يريد أن ما ذكره من اللباس

٢١٠

والرياش ولباس التقوى ذلك خير كله فلا يكون خير للتفضيل.

(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧))

(لِباسَهُما) من التقوى والطاعة ، أو كان لباسهما نورا ، أو أظفارا تستر البدن فنزعت عنهما وتركت زينة وتذكرة ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩))

(وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ) توجّهوا حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة ، أو اجعلوا سجودكم خالصا لله تعالى دون الأصنام.

(كَما بَدَأَكُمْ) شقيا وسعيدا كذلك تبعثون يوم القيامة ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أو كما تبعثون ، قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يحشر الناس حفاة عراة غرلا» ثم قرأ (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء : ١٠٤](١).

(يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١))

(خُذُوا زِينَتَكُمْ) ستر العورة في الطواف ، أو في الصلاة أو التزين بأجمل اللباس في الجمع والأعياد ، أو أراد المشط لتسريح اللحية وهو شاذ.

(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) ما أحل لكم.

(وَلا تُسْرِفُوا) في التحريم ، أو لا تأكلوا حراما ، أو لا تأكلوا ما زاد على الشبع.

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢))

(زِينَةَ اللهِ) ستر العورة في الطواف.

(وَالطَّيِّباتِ) الحلال ، أو المستلذ كانوا يحرّمون السمن والألبان في الإحرام ، أو البحيرة والسائبة.

__________________

(١) أخرجه البخاري (٤ / ١٦٩١ ، رقم ٤٣٤٩) ، مسلم (٤ / ٢١٩٤ ، رقم ٢٨٦٠) ، والترمذي (٥ / ٣٢١ ، رقم ٣١٦٧) وقال : حسن صحيح. والنسائي (٤ / ١١٧ ، رقم ٢٠٨٧) ، والطيالسي (ص ٣٤٣ ، رقم ٢٦٣٨) ، وأحمد (١ / ٢٥٣ ، رقم ٢٢٨١).

٢١١

(خالِصَةً) لهم دون الكفر ، أو خالصة من مأثم أو مضرّة.

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (٣٧))

(نَصِيبُهُمْ) العذاب ، أو الشقاء والسعادة ، أو ما كتب عليهم مما عملوه في الدنيا ، أو ما وعدوا في الكتاب من خير أو شر ، أو ما كتب لهم من الأجل والرزق والعمل.

(يَتَوَفَّوْنَهُمْ) بالموت ، أو بالحشر إلى النار.

(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠))

(لا تُفَتَّحُ) لأرواحهم ، وتفتح لأرواح المؤمنين ، أو لدعائهم وأعمالهم أو لا تفتح لهم لدخول الجنة لأنها في السماء.

(الْجَمَلُ) البعير ، وسم الخياط : ثقب الإبرة ، أو السم القاتل الداخل في مسام الجسد الخفية.

(لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١))

(مِهادٌ) المهاد : الوطاء ، ومنه مهد الصبي.

(غَواشٍ) لحف ، أو لباس ، أو ظلل.

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣))

(وَنَزَعْنا) الحقد من صدورهم لطفا بهم ، أو انتزاعه من لوازم الإيمان الذي هدوا إليه ، وهو أحقاد الجاهلية ، أو لا تحاقد ولا عداوة بعد الإيمان.

(وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦))

(الْأَعْرافِ) جمع عرف ، وهو سور بين الجنة والنار ، مأخوذ من الارتفاع ، منه عرف الديك ، وأصحابه فضلاء المؤمنين ، قاله الحسن ومجاهد ، أو ملائكة في صور الرجال ، أو قوم بطأت بهم صغائرهم إلى آخر الناس ، أو قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فجعلوا هنالك حتى يقضي الله تعالى فيهم ما شاء ثم يدخلون الجنة ، قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أو قوم قتلوا في سبيل الله تعالى عصاة لآبائهم ، سئل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أصحاب الأعراف فقال : «قوم

٢١٢

قتلوا في سبيل الله تعالى بمعصية آبائهم فمنعهم القتل في سبيل الله تعالى عن النار ، ومنعتهم معصية آبائهم أن يدخلوا الجنة» (١).

(بِسِيماهُمْ) علامات في وجوههم وأعينهم ، سواد الوجه وزرقة العين لأهل النار ، وبياضه وحسن العين لأهل الجنة.

(وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨))

(وَنادى) وينادي ، أو تقديره : إذا كان يوم القيامة نادى.

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣))

(تَأْوِيلَهُ) تأويل القرآن : عاقبته من الجزاء ، أو البعث والحساب.

(نَسُوهُ) أعرضوا عنه فصار كالمنسي ، أو تركوا العمل به.

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤))

(سِتَّةِ أَيَّامٍ) من الأحد إلى الجمعة.

(اسْتَوى) أمره على العرش ، قاله الحسن ، أو استولى.

(الْعَرْشِ) عبّر به عن الملك لعادة الملوك الجلوس على الأسرّة ، أو السموات كلها ، لأنها سقف وكل سقف عرش (خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) [البقرة : ٢٥٩ ، الكهف : ٤٢] سقوفها أو موضع هو أعلى ما في السماء وأشرفه محجوب عن الملائكة.

(يُغْشِي) ظلمة الليل ضوء النهار.

(يَطْلُبُهُ) عبّر عن سرعة التعاقب بالطلب.

(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥))

(تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) رعبة ورهبة ، أو التضرع : التذلل ، والخفية : الإسرار.

(لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) في الدعاء برفع الصوت ، أو بطلب ما لا يستحقه من منازل

__________________

(١) أخرجه الطبراني في الأوسط (٣ / ٢٤٩ ، رقم ٣٠٥٣) ، وفي الصغير (١ / ٣٩٨ ، رقم ٦٦٦) قال الهيثمى (٧ / ٢٣) : فيه محمد بن مخلد الرعينى ، وهو ضعيف.

٢١٣

الأنبياء ، أو باللعنة والهلاك على من لا يستحقهما.

(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦))

(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) لا تفسدوها بالكفر بعد إصلاحها بالإيمان ، أو بالمعصية بعد إصلاحها بالطاعة ، أو بتكذيب الرسل بعد إصلاحها بالوحي ، أو بقتل المؤمن بعد إصلاحها ببقائه.

(رَحْمَتَ اللهِ) أتت على المعنى لأنها إنعام ، أو مكان رحمة الله.

(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨))

(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ) القلب النقي. (يَخْرُجُ نَباتُهُ) من الإيمان والطاعات. (بِإِذْنِ رَبِّهِ) بما أمر به ذلك. (وَالَّذِي خَبُثَ) من القلوب.

(لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) بالكفر والمعاصي ، قاله بعض أرباب القلوب ، والجمهور على أنه من بلاد الأرض الطيّب التربة والرخيص السعر ، أو الكثير العلماء ، أو العادل سلطانه.

ضرب الله تعالى الأرض الطيبة مثلا للمؤمن ، والخبيثة السبخة مثلا للكافر.

(يَخْرُجُ نَباتُهُ) زرعه وثماره.

(بِإِذْنِ رَبِّهِ) بلا كد على قول التربة ، أو صلاح أهله على قول الطيب بالعلماء.

(بِإِذْنِ رَبِّهِ) بدين ربه ، أو كثرة أمواله وحسن أحواله على قول عدل السلطان.

(بِإِذْنِ رَبِّهِ) بأمر ربه.

(وَالَّذِي خَبُثَ) في تربته ، أو بغلاء أسعاره ، أو بجور سلطانه ، أو قلّة علمائه.

(نَكِداً) بالكد والتعب ، أو قليلا لا ينتفع به ، أو عسرا لشدّته مانعا من خيره.

(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩))

«بسطة» قوة ، أو بسط اليدين وطول الجسد ، كان أقصرهم طوله اثنا عشر ذراعا.

(آلاءَ اللهِ) نعمه ، أو عهوده.

أبيض لا يرهب الهزال

ولا يقطع رحما ولا يخون إلّا

(قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١))

٢١٤

(رِجْسٌ) عذاب ، أو سخط ، أو هو الرجز أبدلت زايه سينا.

(سَمَّيْتُمُوها) آلهة ، أو سموا بعضا بأن يسقيهم المطر والآخر أن يأتيهم بالرزق والآخر أن يشفي المرضى والآخر أن يصحبهم في السفر ، قيل ما أمرهم هود إلا بالتوحيد والكف عن ظلم الناس فأبوا (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت : ١٥].

(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣))

(آيَةً) فريضة ، (وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) [النور : ١] فروضا ، فرض عليهم أن لا يعقروها ولا يمسوها بسوء ، أو علامة على قدرته ، لأنها تمخّضت بها صخرة ملساء كما تتمخّض المرأة فانفلقت عنها على الصفة التي طلبوها ، وكانت تشرب في يومها ماء الوادي كله وتسقيهم اللبن بدله ، ولهم يوم يخصهم لا تقرب فيه ماءهم.

(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤))

(وَبَوَّأَكُمْ) أنزلكم ، أو مكّنكم فيها من منازل تأوون إليها. (الْأَرْضِ) أرض الحجر بين الشام والمدينة.

(قُصُوراً) تصيّفون فيه ، وتشتّون في بيوت الجبال لأنها أحصن ، وأبقى وأدفأ ، وكانوا طوال الأعمار والآمال ، والقصر : ما شيّد وعلا من المنازل.

(آلاءَ اللهِ) تعالى نعمه ، أو عهوده.

(تَعْثَوْا) العيث : السعي في الباطل ، أو الفعل المؤذي لغير فاعله.

(مُفْسِدِينَ) بالمعاصي ، أو بالدعاء أو عبادة غير الله تعالى.

(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨))

(الرَّجْفَةُ) زلزلة الأرض ، أو الصيحة ، قال السدي : «كل ما في القرآن من دارهم فالمراد به مدينتهم ، وكل ما فيه من ديارهم فالمراد به عساكرهم».

(جاثِمِينَ) أصبحوا كالرماد الجاثم ، لاحتراقهم بالصاعقة أو الجاثم : البارك على ركبتيه ، قيل : كان ذلك بعد العصر.

(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩))

٢١٥

(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) خرج عن أرضهم بمن آمن معه وهم مائة وعشرة ، قيل خرج إلى فلسطين ، وقيل : لم تهلك أمة ونبيهم بين أظهرهم.

(وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧))

(يَتَطَهَّرُونَ) من إتيان الأدبار ، أو بإتيان النساء في الأطهار.

(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩))

(نَعُودَ فِيها) حكاية عن أتباع شعيب الذين كانوا قبل اتباعه على الكفر ، أو قاله تنزّلا لو كان عليها لم يعد إليها ، أو يطلق لفظ العود على منشىء الفعل وإن لم يسبق منه فعل مثله (فِيها) في القرية ، أو ملّة الكفر عند الجمهور.

(إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) علّق العود على المشيئة تبعيدا كقوله : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ) [الأعراف : ٤٠] ، أو لو شاء الله تعالى عبادة الوثن كانت طاعة لأنه شاءها كتعظيم الحجر الأسود.

(افْتَحْ) اكشف ؛ أو احكم ، وأهل عمان يسمون الحاكم الفاتح والفتاح ، ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «كنت لا أدري ما معنى قوله : ربّنا افتح حتى سمعت بنت ذي يزن تقول : تعال أفاتحك تعني أقاضيك وسمي بذلك ، لأنه يفتح باب العلم المنغلق على غيره ، وحكم الله تعالى لا يكون إلا بالحق ، فقوله بالحق أخرجه مخرج الصفة لا أنه طلبه ، أو طلب أن يكشف الله تعالى لمخالفة أنه على الحق ، أو طلب الحكم في الدنيا بنصر المحق.

(الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢))

(يَغْنَوْا) يقيموا ، أو يعيشوا ، أو ينعموا ، أو يعمّروا. (هُمُ الْخاسِرِينَ) بالكفر ، أو بالهلاك.

٢١٦

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤))

(بِالْبَأْساءِ) بالقحط. (وَالضَّرَّاءِ) الأمراض والشدائد ، أو البأساء : الجوع ، والضراء : الفقر ، أو البأساء : البلاء ، والضراء : الزمانة ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو البأساء : الشدائد في أنفسهم ، والضراء : الشدائد في أموالهم.

(ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥))

(السَّيِّئَةِ) الشدة و (الْحَسَنَةَ) الرخاء ، أو السيئة : الشرّ ، والحسنة : الخير.

(عَفَوْا) كثروا ، أو أعرضوا ، أو سمنوا ، أو سرّوا.

(مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) يريدون ليس عقوبة على التكذيب بل ذلك عادة الله تعالى في خلقه.

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦))

(لَفَتَحْنا) لرزقنا أو لوسعنا.

(بَرَكاتٍ) السماء القطر ، وبركات الأرض النبات والثمار.

(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠))

(لا يَسْمَعُونَ) لا يقبلون ، ومنه سمع الله لمن حمده.

(تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١))

(فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) وقت أخذ الميثاق يوم الذر أو لم يؤمنوا عند مجيء الرسل بما سبق عليهم أنهم يكذبون به يوم الذر ، أو لو أحييناهم بعد هلاكهم لم يؤمنوا بما كذبوا قبل هلاكهم كقوله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا) [الأنعام : ٢٨].

(وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (١٠٢))

(مِنْ عَهْدٍ) من طاعة للأنبياء ، أو من وفاء بعهد عهده إليهم مع الرسل أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، أو عهد يوم الذر ، أو ما ركز في عقولهم من معرفته ووجوب شكره.

(لَفاسِقِينَ) الفسق : الخروج عن الطاعة ، أو خيانة العهد.

(حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ

٢١٧

بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥))

(حَقِيقٌ) حريص ، أو واجب ، أخذ من وجوب الحق.

(إِلَّا الْحَقَّ) الصدق ، أو ما فرضه عليّ من الرسالة.

(قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١))

(أَرْجِهْ) أخره ، أو احبسه.

(حاشِرِينَ) أصحاب الشّرط ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧))

(عَصاكَ) هي أول آيات موسى عليه الصلاة والسّلام من آس الجنة ، طولها عشرة أذرع بطول موسى عليه الصلاة والسّلام ، فضرب بها باب فرعون ففزع فشاب فخضب بالسواد حياء من قومه ، وكان أول من خضب بالسواد ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(تَلْقَفُ) التلقف : التناول بسرعة ، يريد ابتلاعها بسرعة.

(يَأْفِكُونَ) يقلبون ، المؤتفكات : المنقلبات ، أو يكذبون من الإفك. ألقوا تقديره إن كنتم محقين ، أو ألقوا على ما يصح ويجوز دون ما لا يصح.

(فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨))

(فَوَقَعَ الْحَقُّ) ظهرت العصا على حبال السحرة ، أو ظهرت نبوة موسى عليه الصلاة والسّلام على ربوبية فرعون.

(وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (١٢٠))

(ساجِدِينَ) لله إيمانا بربوبيته ، أو لموسى عليه الصلاة والسّلام تسليما له وإيمانا بنبوّته ، ألهموا السجود لله تعالى أو رأوا موسى عليه الصلاة والسّلام وهارون سجدا شكرا عند الغلبة فاقتدوا بهما.

(وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧))

(الْمَلَأُ) الأشراف ، أو الرءساء ، أو الرهط ، والنفر : الرجال الذين لا نساء معهم ، والرهط أقوى من النفر وأكبر ، والملأ : المليئون بما يراد منهم ، أو تملأ النفوس هيبتهم ، أو يملؤون صدور المجالس ، وإنما أنكروا على فرعون ، لأنهم رأوا منه خلاف عادة الملوك في السطوة بمن أظهر مخالفتهم ، وكان ذلك لطفا من الله تعالى بموسى عليه الصلاة والسّلام.

(لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بعبادة غيرك ، أو بالغلبة عليها وأخذ قومه منها.

٢١٨

(وَآلِهَتَكَ) كان يعبد الأصنام وقومه يعبدونه ، أو كان يعبد ما يستحسن من البقر ولذلك أخرج السامري العجل وكان معبودا في قومه ، أو أصنام كان يعبدها قومه تقربا إليه ، قاله الزجاج ، قرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «وآلهتَك» أي وعبادتك وقال : كان فرعون يعبد ولا يعبد.

(سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ) عدل عن قتل موسى إلى قتلهم ، لأنه علم أنه لا يقدر على قتل موسى عليه الصلاة والسّلام إما لقوته ، أو لأنه مصروف عن قتله فأراد استئصال بني إسرائيل ليضعف عنه موسى.

(وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) نفتش حياءهن عن الولد ، والحياء : الفرج ، والأظهر أنه نبقهن أحياء لضعفهن عن المنازعة والمحاربة.

(قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨))

(يُورِثُها مَنْ يَشاءُ) أعلمهم أن الله تعالى يورثهم أرض فرعون ، أو سلاهم بأن الأرض لا تبقى على أحد حتى تبقى لفرعون.

(قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩))

(أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا) بالاستبعاد وقتل الأبناء.

(وَمِنْ بَعْدِ) بالوعيد بإعادة ذلك عليهم ، أو بالجزية من قبل مجيئه وبعده ، أو كانوا يضربون اللبن ويعطون التبن فلما جاء صاروا يضربون اللبن وعليهم التبن أو كانوا يسخرون في الأعمال نصف النهار ويكسبون لأنفسهم في النصف الآخر فلما جاء سخّرهم جميع النهار بغير طعام ولا شراب من قبل أن تأتينا بالرسالة.

(وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) بها ، أو من قبل أن تأتينا بعهد الله تعالى أنه يخلصنا ، ومن بعد ما جئتنا به شكوا ذلك استغاثة منهم بموسى عليه الصلاة والسّلام أو استبطاء لوعده.

(عَسى) في اللغة طمع وإشفاق ، وهي من الله تعالى إيجاب ويقين ويحتمل أن يكون رجاهم ذلك.

(وَيَسْتَخْلِفَكُمْ) يجعلكم خلفا من فرعون ، أو يجعلكم خلفا لنفسه لأنكم أولياؤه.

(الْأَرْضِ) أرض مصر ، أو الشام.

(فَيَنْظُرَ) فيرى ، أو فيعلم أولياؤه. وعدهم بالنصر ، أو حذّرهم من الفساد ، لأن الله تعالى ينظر كيف تعملون في طاعته أو خلافته.

٢١٩

(وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠))

(بِالسِّنِينَ) الجوع ، أو الجدوب ، أخذتهم السنة : قحطوا ، قال الفراء : بالسنين : القحط عاما بعد عام ، قيل قحطوا سبع سنين.

(فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١))

(الْحَسَنَةُ) الخصب ، والسيئة : الجدب ، أو الحسنة : السلامة والأمن ، والسيئة : الأمراض والخوف.

(لَنا هذِهِ) أي كانت هذه حالنا في أوطاننا قبل اتباعنا لك. (يَطَّيَّرُوا) يتشاءموا ، يقولون : هذه بطاعتنا لك.

(طائِرُهُمْ) حظهم من العقاب ، أو طائر البركة ، والشؤم من الخير والشر والنفع والضر من عند الله تعالى لا صنع فيه لمخلوق.

(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣))

(الطُّوفانَ) الغرق بالماء الزائد ، أو الطاعون ، أو الموت ، وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (الطُّوفانَ) : الموت» (١) أو أمر من الله تعالى طاف بهم ، أو المطر والريح ، أو عذاب ، «قيل : دام بهم ثمانية أيام من السبت إلى السبت ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : فما زال الطوفان حتى خرج زرعهم حسنا ، فقالوا : هذه نعمة فأرسل الله تعالى عليهم الجراد بعد شهر فأكل جميع نبات الأرض وبقي من السبت إلى السبت ، ثم طلع بعد الشهر من الزرع ما قالوا هذا يكفينا فأرسل الله تعالى عليهم القمّل فسحقها» ، وهو الدبا صغار الجراد لا أجنحة له ، أو سوس الحنطة ، أو البراغيث ، أو القردان ، أو ذوات سود صغار.

(وَالدَّمَ) الرعاف ، أو صار ماء شربهم دما عبيطا.

(مُفَصَّلاتٍ) مبينات لنبوة موسى عليه الصلاة والسّلام أو انفصل بعضها عن بعض فكان بين كل آيتين شهر.

(فَاسْتَكْبَرُوا) عن الإيمان بموسى عليه الصلاة والسّلام ، أو عن الاتعاض بالآيات.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير الطبرى في التفسير (٩ / ٣١) ، وابن عساكر (٦١ / ٦٧) ، والديلمى (٢ / ٤٦٥ ، رقم ٣٩٨٦).

٢٢٠