موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ١

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٦

حصار الشعب ، وقد مرّ أن مختار مؤرّخينا الطبرسي والراوندي وابن شهرآشوب أن مدة الحصار كانت أربع سنين (١) فمن الطريف أن لازم ذلك أن ستين سورة الى سورة الزمر نزلت في مدة خمس سنين ، ولكن في مدة أربع سنين اخرى كان فيها الرسول في حصار الشعب معه بعض المسلمين من بني هاشم وبني عبد المطّلب. والمستضعفون من المسلمين الثمانين في هجرة الحبشة ، وآخرون منهم في مكّة في جوار أو حلف أو استضعاف معزولون عن الرسول الّا في أيام المواسم ، لم ينزل من القرآن سوى عشر سور تقريبا. وتبقى من السور المكّية ست عشرة سورة تتناسب أن تكون قد نزلت في مدة سنة وستة أشهر مكث فيها النبيّ في مكّة بعد وفاة أبي طالب وهجرة الطائف في قول ابن شهرآشوب (٢) حسب كيفية النزول قبل حصار الشعب.

وفاة أبي طالب وخديجة :

روى العياشي في تفسيره عن سعيد بن المسيّب عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : كانت خديجة قد ماتت قبل الهجرة بسنة ، ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة. فلمّا فقدهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئم المقام بمكّة ودخله حزن شديد ، وأشفق على نفسه من كفّار قريش ، فشكى الى جبرئيل ذلك ، فأوحى الله إليه : يا محمّد اخرج من القرية الظالم أهلها ، وهاجر الى المدينة فليس لك اليوم بمكّة ناصر (٣).

__________________

(١) إعلام الورى : ٥٠ وقصص الأنبياء : ٣٣٩ والخرائج والجرائح ١ : ١٤٢ الحديث ٢٣٠. ومناقب آل أبي طالب ١ : ٦٥. وفي مروج الذهب ٢ : ٢٩٤.

(٢) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٧٣ ط قم.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٥٧.

٥٨١

وروى الشيخ الصدوق بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ أبا طالب اظهر الكفر وأسرّ الايمان ، فلمّا حضرته الوفاة أوحى الله عزوجل الى رسول الله : اخرج منها فليس لك بها ناصر ، فهاجر الى المدينة (١).

ولكن روى الطوسي في أماليه بسنده عن هند بن أبي هالة الاسيدي ربيب رسول الله من خديجة قال : كان الله عزوجل يمنع عن نبيّه بعمه أبي طالب عليه‌السلام ، فما كان يخلص إليه من قومه أمر يسوؤه مدة حياته. فلمّا مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله بغيتها وأصابته بعظيم من الأذى حتّى تركته لقى فقال : لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم ، وصلتك رحم ، وجزيت خيرا يا عم. ثمّ ماتت خديجة بعد أبي طالب بشهر ، واجتمع بذلك على رسول الله حزنان حتّى عرف ذلك فيه (٢).

وقال الشيخ الطبرسي في «إعلام الورى» : خرج النبيّ ورهطه من الشعب وخالطوا الناس ، ومات أبو طالب بعد ذلك بشهرين ، وماتت خديجة بعد ذلك ، وورد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمران عظيمان وجزع جزعا شديدا ، ودخل على أبي طالب وهو يجود بنفسه وقال : يا عم ربّيت صغيرا ونصرت كبيرا وكفلت يتيما ، فجزاك الله عني خير الجزاء (٣) ونقله تلميذه القطب الراوندي في «قصص الأنبياء» بلا اسناد عنه (٤).

وقال الراوندي في وفاة أبي طالب : توفي أبو طالب عمّ النبيّ وله صلى‌الله‌عليه‌وآله ست وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعون يوما. ثمّ قال : والصحيح أن أبا طالب توفي في آخر السنة العاشرة من مبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثمّ توفيت خديجة بعد

__________________

(١) اكمال الدين : ١٧٢.

(٢) أمالي الطوسي : ٤٦٣ الحديث ٣٧ وعنه في بحارالانوار ١٩ : ٥٧.

(٣) إعلام الورى : ٥٢.

(٤) قصص الأنبياء : ٣٣٠.

٥٨٢

أبي طالب بثلاثة أيام ، فسمّى رسول الله ذلك العام : عام الحزن (١).

وتبعهما ابن شهرآشوب في أن أبا طالب توفي بعد خروجه من الشعب بشهرين ، وأضاف تعيين السنة فقال : بعد النبوة بتسع سنين وثمانية أشهر. ثمّ قال : فلمّا توفي أبو طالب خرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الى الطائف وأقام فيه شهرا ، ثمّ انصرف الى مكّة ومكث بها سنة وستة أشهر في جوار المطعم بن عدي (٢) فالمجموع احدى عشرة سنة وبضعة أشهر ، وهو خلاف المشهور في مدة مكث الرسول بمكّة قبل الهجرة.

أمّا ابن اسحاق فبعد أن ذكر الهجرة الى الحبشة وصحيفة المقاطعة وحصار الشعب وفكّه ، قال : ثمّ ان خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا في عام واحد ، فتتابعت على رسول الله المصائب بهلاك خديجة ـ وكانت له وزير صدق على الاسلام يشكو إليها ـ وبهلاك عمه أبي طالب ، وكان له عضدا وحرزا في أمره ومنعة وناصرا على قومه. وذلك قبل مهاجره الى المدينة بثلاث سنين.

فلمّا هلك ابو طالب نالت قريش من رسول الله من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب ـ حتّى ـ حدّثني هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن جده قال : اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا ، فدخل رسول الله بيته والتراب على رأسه ، فقامت إليه احدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ، ورسول الله يقول لها : لا تبكي يا بنية ، فان الله مانع أباك. وقال : ما نالت مني قريش شيئا حتّى مات أبو طالب (٣).

__________________

(١) قصص الأنبياء : ٣١٧.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ١ : ١٧٣ ط قم.

(٣) ابن اسحاق في السيرة٢ : ٥٧ ، ٥٨ ثمّ روى هنا خبرا عن العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس ، في اجتماع وجوه من قريش الى أبي طالب عند ثقل حاله

٥٨٣

والطبرسي في «اعلام الورى» نقل صدر مقال ابن اسحاق ، ثمّ نقل عن كتاب «المعرفة» لابن مندة قول الواقدي كذلك : أنهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين ، وفي هذه السنة توفيت خديجة وأبو طالب وبينهما خمس وثلاثون ليلة (١).

وابن شهرآشوب نقل قول الواقدي كذلك : أنهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين ، وفي هذه السنة توفي أبو طالب. الا أنّه قال : وتوفيت خديجة بعده بستة أشهر (٢).

ولم يستند الواقدي فيما ذهب إليه الى نصّ خبر ، ولكن الظاهر أنّه يستند في وفاة خديجة الى نصّ خبر رواه عنه تلميذه وكاتبه ابن سعد بسنده عن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد قال : توفيت خديجة في شهر رمضان سنة عشر من النبوة ، فخرجنا بها من منزلها حتّى دفنّاها بالحجون ، فنزل رسول الله في حفرتها. قيل : ومتى ذلك يا ابا خالد؟ قال : بعد خروج بني هاشم من الشعب بيسير ، وقبل الهجرة بثلاث سنوات أو نحوها (٣). ونقل سبط ابن الجوزي عن ابن سعد عن الواقدي عن علي عليه‌السلام قال : «لما توفي ابو طالب اخبرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فبكى بكاء شديدا ثمّ قال : اذهب فغسّله وكفنه وواره ، غفر الله له ورحمه. فقال له العباس : يا رسول الله ،

__________________

في مرضه الّذي توفي فيه ، وفي آخره نزول سورة (ص). بينما هي السورة السابعة والثلاثون على رواية ابن عباس نفسه ، ولذلك فنحن نقلنا الخبر في شأن نزول السورة عند ذكرها. وفي سند الخبر هنا إرسال «عن بعض أهله» فلا عبرة به. ثمّ من غير المعقول أن تكون قريش قد طمعت في أبي طالب مرة اخرى بعد ذلك الحصار الّذي طال أربع سنين!

(١) إعلام الورى : ٥٣.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ١ : ١٧٣ ط قم.

(٣) كشف الغمة ٢ : ١٣٩ عن معالم العترة النبوية للجنابذي عن الطبقات لابن سعد.

٥٨٤

انك لترجو له؟ فقال : اي والله انى لأرجو له. وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يستغفر له أياما لا يخرج من بيته» (١).

وكذلك قال اليعقوبي : وتوفيت خديجة بنت خويلد في شهر رمضان قبل الهجرة بثلاث سنين ، ولها خمس وستون سنة. ودخل عليها رسول الله وهي تجود بنفسها فقال : بالكره مني ما أرى ، ولعلّ الله أن يجعل في الكره خيرا كثيرا ، اذا لقيت ضراتك في الجنة ـ يا خديجة ـ فأقرئيهنّ السلام. قالت : ومن هنّ يا رسول الله؟ قال : ان الله زوّجنيك في الجنة ، وزوّجني مريم بنت عمران ، وآسيا بنت مزاحم ، وكلثوم اخت موسى.

ولما توفيت خديجة جعلت فاطمة تتعلق برسول الله وهي تبكي وتقول : أين امّي؟ أين امّي؟ فنزل جبرئيل فقال : قل لفاطمة : ان الله تعالى بنى لامك بيتا في الجنة من قصب ، لا نصب فيه ولا صخب.

وتوفي أبو طالب بعد خديجة بثلاثة أيام ، وله ست وثمانون سنة ، وقيل : تسعون سنة. ولما قيل لرسول الله : ان أبا طالب قد مات! عظم ذلك في قلبه واشتدّ له جزعه ، ثمّ دخل عليه فمسح جبينه الأيمن أربع مرات ، وجبينه الأيسر ثلاث مرات ، ثمّ قال : يا عم ربّيت صغيرا وكفلت يتيما ونصرت كبيرا ، فجزاك الله عنّي خيرا.

ومشى بين يدي سريره وجعل بعرض له ويقول : وصلتك رحم وجزيت خيرا.

وقال : اجتمعت على هذه الامة في هذه الأيام مصيبتان لا أدري بأيهما أنا أشدّ جزعا. يعني مصيبة خديجة وأبي طالب.

__________________

(١) تذكرة الامة بخصائص الأئمة : ٨.

٥٨٥

وروي عنه أنّه قال : ان الله عزوجل وعدني في أربعة : في أبي وأمي وعمي وأخ كان لي في الجاهلية.

واجترأت قريش على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد موت أبي طالب وطمعت فيه وهمّوا به مرة بعد اخرى. وكان رسول الله يعرض نفسه على قبائل العرب لا يسألهم الا أن يؤووه ويمنعوه ويقول : إنما اريد أن تمنعوني ممّا يراد بي من القتل حتّى ابلّغ رسالات ربّي. فكانوا يقولون : قوم الرجل أعلم به. ولم يقبله احد منهم (١).

وقال البلاذري : قالوا : مات أبو طالب في السنة العاشرة من المبعث وهو ابن بضع وثمانين سنة ، ودفن بمكّة في الحجون (٢).

ثمّ روى بسنده عن أبي صالح مولى ابن عباس قال : لما مرض أبو طالب قيل له : لو أرسلت الى ابن أخيك فأتاك بعنقود من جنته لعلّه يشفيك؟! فأتاه الرسول بذلك وأبو بكر عنده ، فقال له أبو بكر : (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ)(٣) [فلمّا رجع الرسول الى ابي طالب بجواب أبي بكر] قال : ليس هذا جواب ابن أخي (٤).

وطابق الطبري في تأريخه ابن اسحاق راويا عنه لم يزد عليه شيئا (٥).

__________________

(١) اليعقوبي ٢ : ٢٨ ، ٢٩.

(٢) أنساب الأشراف ٢ : ٢٩.

(٣) الأعراف : ٥٠.

(٤) أنساب الأشراف ٢ : ٣٤. وقريب منه ما رواه ابن حنبل في كتاب الفضائل من مسنده بسنده عن أنس بن مالك قال : لما مرض أبو طالب مرضه الّذي مات فيه أرسل الى النبي ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ : ادع ربك أن يشفيني فان ربك يطيعك وابعث إليّ بقطاف من قطاف الجنة. فارسل إليه النبيّ : وأنت يا عم ان أطعت الله عزوجل أطاعك. الحديث : ٢٧٤ ولا منافاة بين الخبرين.

(٥) الطبري ٢ : ٣٤٣ ، ٣٤٤.

٥٨٦

وافتقد التوفيق المسعودي بين كتابيه ، فقال في :

«مروج الذهب» : وفي سنة ست وأربعين (من مولده) كان حصار قريش للنبيّ وبني هاشم وبني المطلب في الشعب. وفي سنة خمسين كان خروجه ومن تبعه من الشعب ، وفي هذه السنة كانت وفاة خديجة زوجه (١) وقال في :

«التنبيه والإشراف» : وتوفي عمه أبو طالب وله بضع وثمانون سنة ، وزوجته خديجة بنت خويلد ولها خمس وستون سنة في العاشرة من مبعثه ، بينهما ثلاثة أيام ، وقيل أكثر من ذلك. وذلك بعد إبطال الصحيفة وخروج بني هاشم وبني عبد المطلب من الحصار في الشعب بسنة وستة أشهر. وكان مدة مقامهم في الحصار ثلاث سنين وقيل : سنتين ونصفا ، وقيل : سنتين على ما في ذلك من التنازع. ثمّ يقول : وفي هذه السنة سنة خمسين من مولده ... (٢) نعم ، انما الخلاف بين الكتابين في مدة الحصار ، فاختار في «مروج الذهب» أنها أربع سنين آخرها الخمسون من عمر الرسول وفيها وفاة خديجة وأبي طالب ، وبينما اختار في «الإشراف» أنها ثلاث سنين وبعدها بسنة ونصف كانت وفاتهما.

ونقل الشيخ الطوسي في «المصباح» عن ابن عياش أن وفاة أبي طالب ـ رحمة الله عليه ـ كان في السادس والعشرين من شهر رجب (٣).

__________________

(١) مروج الذهب ٢ : ٢٩٤.

(٢) التنبيه والاشراف : ٢٠٠.

(٣) المصباح : ٥٦٦.

٥٨٧
٥٨٨

الفصل السّابع

الهجرة الى الطائف

٥٨٩
٥٩٠

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يعرض نفسه على القبائل :

وله صلى‌الله‌عليه‌وآله هجرات الى بعض القبائل قبل الطائف ، فقد نقل المعتزلي أنّه عقيب وفاة أبي طالب ، اوحي إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن اخرج منها فقد مات ناصرك.

فخرج الى بني عامر بن صعصعة ومعه علي عليه‌السلام وحده ، فعرض نفسه عليهم وسألهم النصر وتلا عليهم القرآن ، فلم يجيبوه. فعادا الى مكّة. وكانت مدة غيبته في هذه الهجرة عشرة أيام ، وهي أوّل هجرة هاجرها بنفسه (١).

وروى ابن اسحاق عن الزهري : أنّه أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه ، فقال له رجل منهم يقال له : بحيرة بن فراس : أرأيت إن نحن بايعناك أو تابعناك على أمرك ثمّ أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال صلّى الله عليه وآله : الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء!

__________________

(١) شرح النهج ٤ : ١٢٨. والظاهر روايته للخبر عن المدائني.

٥٩١

فقال له الرجل : أفتهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الامر لغيرنا؟! لا حاجة لنا بأمرك (١).

ورووا عن أبان البجلي عن ابن عباس عن علي عليه السلام : أن رسول الله لما خرج عن مكّة يعرض نفسه على قبائل العرب ، خرج الى ربيعة ، ومعه علي عليه‌السلام وأبو بكر ، فدفعوا الى مجلس من مجالس العرب. وكان أبو بكر نسّابة فتقدم فسلّم ، فردّوا عليه‌السلام فقال : ممن القوم؟ قالوا : من ربيعة ، قال : أمن هامتها أم من لهازمها (٢) قالوا : من هامتها العظمى ، فقال : من أيّ هامتها العظمى أنتم؟ قالوا : من ذهل الاكبر ، قال : أفمنكم عوف الّذي يقال : لا حرّ بوادي عوف؟ قالوا : لا ، قال : أفمنكم بسطام ذو اللواء ومنتهى الأحياء؟ قالوا : لا ، قال : أفمنكم جسّاس حامي الذّمار ومانع الجار؟ قالوا : لا ، قال : أفمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها؟ فقالوا : لا ، قال : أفمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة؟ قالوا : لا ، قال : أفأنتم أخوال الملوك من كندة؟ قالوا : لا ، قال : فلستم اذن ذهلا الاكبر ، أنتم ذهل الأصغر.

فقام إليه غلام قد بقل وجهه (٣) اسمه دغفل فقال : يا هذا انك قد سألتنا فأجبناك ولم نكتمك شيئا ، فممّن الرجل؟ قال : من قريش ، قال : بخ بخ أهل الشرف والرئاسة ، فمن أي قريش أنت؟ قال : من تيم بن مرة قال : أمكنت والله الرامي من صفاء الثغرة ، أفمنكم قصيّ بن كلاب الّذي جمع القبائل من فهر فكان يدعى مجمّعا؟ قال : لا ، قال : أفمنكم هاشم الّذي هشم لقومه الثريد «ورجال مكّة مسنتون عجاف»؟ قال : لا ، قال : أفمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء الّذي كان في وجهه «قمر يضيء ظلام ليل داج» قال : لا ، قال : أفمن المفيضين بالناس أنت؟

__________________

(١) ابن اسحاق فی السیرة ٢ : ٦٦.

(٢) اللهازم : اصول الحنكين كنّى بها عن الوسط في مقابل الهامة اي الرأس.

(٣) بقل : أنبت.

٥٩٢

قال : لا ، قال : أفمن أهل النّدوة أنت؟ قال : لا ، قال : أفمن أهل الرّفادة أنت؟ قال : لا ، قال : أفمن أهل الحجابة أنت؟ قال : لا ، قال : أفمن أهل السّقاية؟ قال أبو بكر : لا ثمّ اجتذب زمام ناقته هاربا من الغلام راجعا الى رسول الله ، فقال دغفل : «صادف درء السيل درء يصدعه» أمّا والله لو ثبتّ لأخبرتك أنّك من زمعات قريش. فذهب قوله مثلا. وقال علي عليه‌السلام لأبي بكر : يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة. قال : أجل ، انّ لكل طامّة طامّة ، والبلاء موكل بالمنطق. فذهب قوله كذلك مثلا (١).

وهاجر صلى‌الله‌عليه‌وآله الى بني شيبان ، فما اختلف أحد من أهل السيرة أنّ عليا عليه‌السلام وأبا بكر كانا معه ، وأنهم غابوا عن مكّة ثلاثة عشر يوما ، ولما لم يجدوا عند بني شيبان ما أرادوا من النصرة عادوا الى مكّة (٢).

ولقد هاجر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن مكّة مرارا يطوف على أحياء العرب وينتقل من أرض قوم الى غيرها ، وكان علي عليه‌السلام معه دون غيره (٣).

هجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله الى الطائف :

وأما هجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله الى الطائف فكان معه علي عليه‌السلام وزيد بن حارثة ، في رواية أبي الحسن المدائني ، نعم لم يروه محمّد بن اسحاق (٤). وغاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن مكّة في هذه الهجرة أربعين يوما (٥).

__________________

(١) دلائل النبوة للاصفهاني : ٢٨٢ ـ ٢٨٨ ، والبيهقي ٢ : ٤٢٢ ـ ٤٢٧ وشرح النهج للمعتزلي ٤ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ، عن الميلاني في مجمع الامثال : ١٧ ، ١٨.

(٢) م. ن : ١٢٦.

(٣) م. ن.

(٤) م. ن : ١٢٧.

(٥) کان خروجه إلى الطائف لثلاث بقين من شوال ، وقدم مكة لثلاث وعشرين ليلة خلت من ذي القعدة. أنساب الاشراف ١ : ٣٣٧.

٥٩٣

وقال ابن اسحاق : خرج رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] ـ وسلّم إلى الطائف يلتمس النّصر من ثقيف والمنعة بهم من قومه ، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عزوجل.

وروى عن محمد بن كعب القرظي (١) قال : لما انتهى رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] ـ وسلّم إلى الطائف عمد الى نفر من ثقيف هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم ، وهم اخوة ثلاثة : عبد ياليل بن عمرو ، ومسعود بن عمرو ، وحبيب بن عمرو.

فجلس إليهم رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] ـ وسلّم فدعاهم الى الله وكلّمهم بما جاءهم له من نصرته على الاسلام والقيام معه على من خالفه من قومه.

فقال له أحدهم : أنا أمرط (٢) ثياب الكعبة ان كان الله أرسلك!

وقال الآخر : أما وجد الله أحدا يرسله غيرك؟!

وقال الثالث : والله لا اكلّمك أبدا ، لئن كنت رسولا من الله ـ كما تقول ـ لأنت أعظم خطرا من أن أردّ عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن اكلّمك (٣). فقام رسول الله من عندهم وقد يئس من خير ثقيف.

وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم ، فأخذوا يصيحون به ويسبّونه ، حتّى ألجؤوه الى حائط (بستان) لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، وهما فيه ، ورجع عنه من كان يتبعه من سفهاء ثقيف.

__________________

(١) القرظي منسوب الى بني قريظة بالمدينة ، ولد سنة أربعين وتوفي سنة ١٢٠ يروي عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما.

(٢) أمرط : أنزع وأرمي به.

(٣) وذكر اليعقوبي خبر هؤلاء الاخوة الثلاثة ٢ : ٣٦. وقال : قعدوا له صفّن فلما مرّ رسول الله رجموه بالحجارة حتى أدموا رجله ، فكان رسول الله يقول : ما كنت ارفع قدماً ولا أضعها إلّا على حجر!

٥٩٤

لجوء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الى حائط بني مخزوم :

فعمد الى ظلّ حبلة من عنب فجلس إليه ، فلما اطمأن قال : «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت ربّ المستضعفين ، وأنت ربّي. الى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهّمني (١) أم الى عدوّ ملّكته أمري؟. ان لم يكن بك عليّ غضب فلا ابالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ ـ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ـ من أن تنزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك ، لك العتبى حتّى ترضى ، ولا حول ولا قوة الّا بك».

فلمّا رآه ابنا ربيعة : عتبة وشيبة ، ورأيا ما لقي ، تحركت له رحمهما (٢) ، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له «عدّاس» فقالا له : خذ قطفا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثمّ اذهب به الى ذلك الرجل فقل له : يأكل منه. ففعل عدّاس ثمّ أقبل به حتّى وضعه بين يدي رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ ثم قال له : كل : فلما وضع رسول الله فيه يده قال : باسم الله ثم أكل ، فنظر عدّاس في وجهه ثم قال : والله إنّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد. فقال له رسول الله : ومن أهل أيّ البلاد أنت يا عدّاس وما دينك : قال : نصراني من أهل نينوى. فقال رسول الله : من قرية الرجل الصالح يونس بن متّى؟ فقال له عدّاس : وما يدريك ما يونس بن متّى؟ فقال رسول الله : ذاك أخي ، كان نبيّا وأنا نبيّ. فاكبّ عدّاس على رسول الله يقبّل رأسه ويديه وقدميه (٣).

__________________

(١) تجهّمه : استقبله بوجه كريه.

(٢) إذ كانت اُم أبيه عبدالله من بني مخزوم.

(٣) وأشار اليعقوبي الى اسلام عدّاس ٢ : ٣٦ ، ونقل الواقدي ١ : ٣٣ أنه بقي معهما حتّى خرج معهما الى بدر فقتل معهما : ولكنه تردّد فيه ورجّح القول بأنه لم يخرج ولم يقتل معهم ١ : ٣٥.

٥٩٥

فلمّا رجع عدّاس قال له ابنا ربيعة : ويلك يا عدّاس مالك تقبل رأس هذا الرجل وقدميه؟!

قال يا سيديّ ما في الأرض أحد خير من هذا ، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلّا نبيّ!

قالا له : ويحك يا عدّاس لا يصرفنّك عن دينك فان دينك خير من دينه!.

ولما يئس رسول الله من خير ثقيف انصرف راجعا من الطائف الى مكة (١).

ثم روى ابن اسحاق اخبارا عن عرضه نفسه على القبائل في موسم العمرة أو الحج ، وكأن هذه الأخبار عن فعله ذلك بعد رجوعه من الطائف ، مما أدّى الى بيعة الحجّاج من الأنصار له في العقبة :

فحدّث عن ابن شهاب الزهري قال : ان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أتى كندة في منازلهم وفيهم سيّد لهم يقال له مليح : فدعاهم الى الله وعرض عليهم نفسه فأبوا عليه.

وأتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم الى الله وعرض عليهم نفسه ، فقال له رجل منهم : أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟

فقال له رسول الله : الأمر الى الله يضعه حيث يشاء.

فقال له الرجل : أفتهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك.

وروى أنه أتى بطنا من كلب يقال لهم بنو عبد الله ، فدعاهم الى الله وعرض عليهم نفسه ... فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم.

__________________

(١) ونقل الطبرسي خبر هجرة الطائف والاخوة الثلاثة وعدّاس ، عن دلائل النبوة للبيهقي عن الزهري : ٥٣ ، ٥٤.

٥٩٦

وروى أنه أتى بني حنيفة في منازلهم فدعاهم الى الله وعرض عليهم نفسه ، فلم يكن أحد من العرب أقبح ردّا عليه منهم (١)

وقال اليعقوبي : وكان رسول الله يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم ويكلم شريف كل قوم ، ويقول : لا اكره أحدا منكم ، إنما اريد أن تمنعوني مما يراد بي من القتل حتّى ابلّغ رسالات ربّي! فلم يقبله أحد منهم.

وكانوا يقولون : قوم الرجل أعلم به (٢).

مقدّمات الهجرة إلى المدينة :

مرّ في أخبار أواخر أيام الحصار في شعب أبي طالب ، خبر الطبرسي عن القمي في إسلام أسعد بن زرارة وإرسال الرسول لمصعب بن عمير معه إلى المدينة ليعلمهم القرآن ويدعوا إلى الاسلام ، فخرج معه فأنزله أسعد في داره.

فكان يخرج في كلّ يوم يطوف به على مجالس الخزرج يدعوهم الى الاسلام فيجيبه الأحداث ، من كل بطن الرجل والرجلان. وفتر امر عبد الله بن ابيّ بن سلول فكره ما جاء به أسعد وذكوان.

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة٢ : ٦٠ ـ ٦٦ باختصار.

(٢) اليعقوبي ٢ : ٣٦. ونقله الطبرسي عن دلائل النبوة للبيهقي عن الزهري : ٥٣. ثم روى عن القمي خبر رجوع النبيّ الى مكّة معتمرا بجوار جبير بن مطعم العدوي يوما واحدا : ٥٥. ولو كانت هجرة الطائف في شوال شهرا تامّا بل اربعين يوما ، فمرجعه كان في أشهر الحج الحرم ، فلا حاجة للجوار. ولم يذكره ابن اسحاق ولا اليعقوبي ، ولم يسنده الطبري وانما قال : وذكر بعضهم ٢ : ٣٤٧ ، وان أشار إليه ابن هشام ٢ : ٢٠ والواقدي ١ : ١١٠ وعن تلميذه ابن سعد في الطبقات ١ : ٢١٠ ، وعنهما ابن الأثير في البداية والنهاية ٣ : ١٣٧.

٥٩٧

وقال أسعد لمصعب : إنّ خالي سعد بن معاذ من رؤساء الأوس ، وهو رجل عاقل شريف مطاع في بني عمرو بن عوف ، فان دخل في هذا الأمر تمّ لنا أمرنا ، فهلمّ فأتهم.

فجاء مصعب مع أسعد الى محلة سعد بن معاذ فقعد على بئر من آبارهم ، واجتمع إليه قوم من أحداثهم ، فأخذ يقرأ عليهم القرآن.

فبلغ ذلك سعد بن معاذ ، فقال لاسيد بن حضير : بلغني أن أبا امامة أسعد بن زرارة قد جاء الى محلتنا مع هذا القرشي (مصعب بن عمير) يفسد شبابنا! فأته وانهه.

فجاء اسيد بن حضير ، فنظر إليه أسعد فقال لمصعب بن عمير : انّ هذا الرجل شريف فان دخل في هذا الأمر رجوت أن يتم أمرنا ، فاصدق الله فيه.

فلمّا قرب اسيد منهم قال : يا أبا أمامة! يقول لك خالك : لا تأتنا في نادينا ولا تفسد شبابنا ، واحذر الأوس على نفسك!.

فقال مصعب : أو تجلس فنعرض عليك أمرا فان أحببته دخلت فيه ، وإن كرهته نحّينا عنك ما تكرهه. فجلس ، فقرأ عليه سورة من القرآن. فقال اسيد : كيف تصنعون اذا دخلتم في هذا الأمر؟ قال : نغتسل ونلبس ثوبين طاهرين ، ونشهد الشهادتين ، ونصلي ركعتين.

فرمى اسيد بنفسه مع ثيابه في البئر ، ثمّ خرج وعصر ثوبه ثمّ قال : أعرض عليّ. فعرض عليه شهادة أن لا إله الّا الله وأنّ محمّدا رسول الله. فقالها ، ثمّ صلّى ركعتين ثمّ قال لأسعد : يا أبا أمامة ، أنا أبعث إليك الآن خالك ، وأحتال عليه في أن يجيئك.

فرجع اسيد الى سعد بن معاذ ، فلمّا نظر إليه سعد قال : اقسم أنّ اسيدا قد رجع إلينا بغير الوجه الّذي ذهب به من عندنا.

٥٩٨

وأتاهم سعد بن معاذ ، فقرأ عليه مصعب : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ...)(١) فلمّا سمعها بعث الى منزله فاتي بثوبين طاهرين ، واغتسل وشهد الشهادتين وصلّى ركعتين. ثمّ قام وأخذ بيد مصعب وحوّله إليه.

ثمّ جاء فوقف في بني عمرو بن عوف ، فصاح : يا بني عمرو بن عوف لا يبقين رجل ولا امرأة بكر ولا ذات بعل ، ولا شيخ ولا صبيّ الّا أن يخرج ، فليس هذا يوم ستر ولا حجاب.

فلمّا اجتمعوا أخذ بيد مصعب وقال له : اظهر أمرك وادع الناس علانية ولا تهابنّ أحدا.

ثمّ قال لهم أسعد : كيف حالي عندكم؟ قالوا : أنت سيدنا والمطاع فينا ولا نرد لك أمرا فمرنا بما شئت. فقال : كلام رجالكم ونسائكم وصبيانكم عليّ حرام حتّى تشهدوا أن لا إله الّا الله وأنّ محمّدا رسول الله ، والحمد لله الّذي أكرمنا بذلك ، وهو الّذي كانت اليهود تخبرنا به.

فما بقي دار من دور عمرو بن عوف في ذلك اليوم الّا وفيها مسلم أو مسلمة. وشاع الاسلام بالمدينة وكثر ، ودخل فيه أشراف البطنين (الأوس والخزرج) وذلك لما عندهم من أخبار اليهود.

وكتب مصعب بذلك الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فكان رسول الله يأمر من يعذّبه قومه بالخروج الى المدينة ، فأخذوا يتسلّلون رجل فرجل فيصيرون الى المدينة فينزلهم الأوس والخزرج عليهم ويواسونهم (٢).

__________________

(١) فصلت : ١ ـ ٢.

(٢) إعلام الورى : ٥٥ ـ ٥٩ ، ونقله تلميذه القطب الراوندي في قصص الأنبياء : ٣٣١ ـ ٣٣٣ بلا اسناد عنه ، ولا يوجد الخبر في تفسير القمي.

٥٩٩

السورة الثالثة والسبعون ـ «الأنبياء» :

وفيها قوله سبحانه : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ)(١).

قال الطبرسي في «مجمع البيان» قالوا : لما نزلت هذه الآية أتى عبد الله بن الزّبعرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا محمّد ، ألست تزعم أن عزيرا رجل صالح؟ وأنّ عيسى رجل صالح ، وأنّ مريم امرأة صالحة؟ قال : بلى ، قال : فان هؤلاء يعبدون من دون الله ، فهم في النار؟! فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ)(٢).

بينما في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : لمّا نزلت هذه الآية وجد منها أهل مكّة وجدا شديدا ، فدخل عليهم عبد الله بن الزّبعرى وكفار قريش يخوضون في هذه الآية ، فقال ابن الزبعري : أمحمّد تكلم بهذه الآية؟ قالوا : نعم ، قال ابن الزّبعرى : ان اعترف بها لأخصمنّه! فجمع بينهما (كذا) فقال : يا محمّد ، أرأيت الآية الّتي قرأت آنفا أفينا وفي آلهتنا أم في الامم الماضية وآلهتهم؟ قال : بل فيكم وفي آلهتكم وفي الامم الماضية الّا من استثنى الله. فقال ابن الزّبعرى : خاصمتك والله ، ألست تثني على عيسى خيرا؟ وقد عرفت أن النصارى يعبدون عيسى وامّه ، وإن طائفة من الناس يعبدون الملائكة أفليس هؤلاء مع الآلهة في النار؟ فقال رسول الله : لا ، فضحكت قريش وضحك ، وقالت قريش : خصمك ابن الزبعرى! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قلتم الباطل ، أما قلت : الّا من استثنى الله؟ وهو قوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ)(٣).

__________________

(١) الأنبياء : ٩٨.

(٢) مجمع البيان ٧ : ١٠٣.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٧٦.

٦٠٠