متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني

متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

المؤلف:

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات بيدار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٣
الجزء ١ الجزء ٢

هذا باطل لأن اللام في المصحف مفصولة من ياسين وقالوا يا سين معناه يا رجل يدلك وضوحا إنك لمن المرسلين ثم اختلفوا فمنهم من قال أهل دين الرجل وتمسك بقوله (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) قَالَ الصَّادِقُ ع وَاللهِ مَا عَنَى بِهَذَا إِلَّا بِنْتَهُ وقال أبو محمد النوبختي يجوز أن يكون آل فرعون من أهل بيته ممن كان على كفر فرعون ولو كان آل محمد من اتبعه من لم يكن من ذوي نسبه لكان من اتبع جبريل من آل جبريل فيكون محمد من آل جبريل ولكان المسلمون من آل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى لأن المسلمين متبعون للأنبياء ويكون من اتبع أبا حنيفة في فقه من آله وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَالْأَعْمَشُ وَالْكَلْبِيُّ وَنَافِعٌ وَيَعْقُوبُ وَأَبُو حَازِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْقُشَيْرِيُ يَاسِينُ مُحَمَّدٌ وَآلُهُ أَهْلُهُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَنِ الْبَاقِرِ وَالصَّادِقِ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ ع يدل على ذلك من الكتاب قوله في قصة زكريا (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) إنما عنى الأولاد وفي قصة لوط (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) ثم قال (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) وما نجا من قومه إلا ابنتيه ريثا وزعرقا فسمى بنتيه آله وقوله (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) كان ابن عمه خربيل وهو الذي قال لموسى (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) نسبه إلى القرابة لا إلى الدين وقوله (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ) الآية ثم قال (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) والذرية النسل وَمِنَ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ وَرَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ص أُتِيَ بِكَبْشَيْنِ فَأَضْجَعَ أَحَدَهُمَا وَقَالَ بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَضْجَعَ الْآخَرَ وَقَالَ بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ الْخَبَرَ. وَفِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ ع بِسْمِ اللهِ عَنِّي وَعَنْ آلِي وَهُمْ أَهْلُ بَيْتِي وَقَالَ فِي الثَّانِي بِسْمِ اللهِ عَنْ أَزْوَاجِي وَأُمَّتِي. ومن الفقه قال الشافعي ومالك والمزني ومسلم والطبري والغزالي الصدقة لا تحل لآل محمد ولا خلاف أنها لا تحرم على الأمة وإن ذكر الصلاة على النبي وعلى آله جعل مقترنا بذكر الصلاة على آل إبراهيم فلا يجوز أن يدخل فيهم العصاة والرجل إذا قال مالي لآلي دفع إلى قرابته وإذا قال مالي لآل أبي بكر ولآل عمر يدفع إلى قرابتهما وإذا قال مالي لآل رسول الله أخذه أصحاب الأنفال. ومن اللغة أن كل شيء يئول إلى أصله بقرابة منه يسمى آلا من ذلك آل البعير ألواحه وآل الخيمة عمدها وآل الجبل أطرافه وآل الرجل أهله. النابغة :

٦١

قعود على آل الوجوه ولاحق

يقيمون حولياتها بالمقارع

الكميت:

على الجود من آل الوجيه ولاحق

تذكرنا أوتارنا حين تصهل.

الجعدي من نجل فياض ومن آل سبل فهذا يدل على أن الآل الولد والنسل والدليل على أن الآل أهل هو أنه قد أجمع النحاة إلى تصغير الآل أهيل على الأصل وقال الكسائي وأويل أيضا عن اللغة.

قوله سبحانه :

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) أجمع المفسرون والمحدثون أنها نزلت في أهل البيت ع وقال عكرمة والكلبي نزلت في النساء أما عكرمة فهو خارجي وأما الكلبي فهو كذاب وقد تعلق من نصرهما بقوله (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) والأهل في موضوع اللغة ساكنو الدار من الأزواج والأولاد وأولاد أبيه وجده دنية ولا يقال للجد الأبعد لأنه لو جاز ذلك لكان سائر العرب أهل الرسول بالنسب قوله (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) قال الجبائي في قوله (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ) يدل على أن زوجة الرجل من أهله أيضا وقال جماعة من المفسرين إنما جعلت سارة من أهل بيت إبراهيم لما كانت بنت عمه وأهل البلد قطانه وأهل السموات والأرض قطانها وقوله (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يعني لوطا وبنتيه والصحيح أن اسم أهل البيت لا يقع إلا على الذين لا ينفصلون عنه بشيء لأن الأهل مأخوذ من إهالة البيت وهم الذين يعمرونه فقيل لكل من عمر النسب أهل كما قيل لكل من عمر البيت ولذلك قيل لقريش آل الله لأنهم عمار بيته وأهل القرآن أهل الله فقوله (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) هم المعصومون ولو كانت في النساء لقال ص ليذهب عنكن ويطهركن فلما جاء فيهم جاء على لفظ التذكير لأنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر على المؤنث يوضح ذلك أنه لو سئل عائشة من أهل بيت من هي لقيل من أهل بيت أبي بكر ومن أسرة أبي بكر ولو لم يكن من أهل بيته لم يكن من عترته ولا من أسرته ولو كانت عائشة وحفصة من أهل بيت النبي ص لكانت صفية من أهل بيته وهي بنت يهودي ولو أن هاشميا تزوج تركية أو رومية لم نقل لتلك المرأة إنها من أهل بيت ذلك الرجل الهاشمي كما لا يقال إنها من بني هاشم وقوله (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) لا يريد به أزواج النبي ص وقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ

٦٢

آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) أي جميع القرابات والأخبار الواردة عن النبي ص من أحب أهل بيتي لا يريد بها أزواجه ورويتم فِي حَدِيثِ الْمُبَاهَلَةِ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ لِعَائِشَةَ أَوْ لِأُمِّ سَلَمَةَ لَمَّا قَالَتَا أَلَسْتُ مِنْ أَهْلِكَ قَالَ لَا إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ. وَلَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) كَانَ النَّبِيُّ ص يَجِيءُ إِلَى بَابِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ عِنْدَ حُضُورِ كُلِّ صَلَاةٍ فَيَقُولُ الصَّلَاةَ رَحِمَكُمُ اللهُ.

فصل

قوله تعالى : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) وقوله (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) وقال يا بني آدم أضافنا بالبنوة إلى الأجداد حتى أضافنا إلى الجد الأعلى وهذا دليل على أن الجد يسمى أبا فالنبي ص يكون أبا لأولاد فاطمة وأما قولهم إن القرابة لا يفيد إلا لحما ودما والشأن في العلم والأخلاق المرضية لقوله (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) وقوله (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) فقد قال الله تعالى (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ) الآية وقال (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ولا شك أن العلوم والأخلاق المرضية نافعة وفي العترة الطاهرة أكثر كالصلاة في المسجدين دون غيرهما وقالوا فضيلة القرابة لا تنفع لقوله (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) أما الثواب الدائم فلا ينتفع به إلا بالإيمان وما سواه ينتفع بها كإمامة الشيخ والشاب الصبيح وذلك غير مكتسبة والصلاة في المسجد الحرام والعمل القليل مع العلم أفضل ولا يمتنع أن يكون إيمانهم أفضل والثواب عليه أجزل وقالوا قال تعالى (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) وفيهم عصاة عصيان بني آدم لا يقطع أنسابهم قوله تعالى : في قابيل (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِ) وقوله تعالى : في أولاد إسماعيل وإسحاق (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ) وكتاب الله تعالى لا يخلو من المحكم والمتشابه ولا يعتقد مسلم أن المتشابهات ليس من القرآن وقالوا قال تعالى (إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) الآية فجوابه أن النسبة الأولى تجمع الكل إلا أنهم أخص وقالوا الحدود لا ترفع عنهم في الدنيا فكيف ينفعهم النسب في الآخرة الجواب لأنهم مكلفون والحد تكليف ليس بعقوبة لأنه إن تاب قبل إقامة الحد عليه سقطت عنه العقوبة وقالوا الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ كُلُّ حَسَبٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا حَسَبِي وَنَسَبِي. الجواب الأنساب لا يتغير بموت ولا حياة ولا

٦٣

باختلاف دار التكليف والجزاء أنما أراد به لا ينفع كما قال (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) وقوله (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) وقوله (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) إلا أن النبي ص يشفع لمن شاء من أمته خاصة لأهل بيته

فصل

قوله تعالى : (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) ٢١٨ ٢٦ الثعلبي والواحدي وابن بطة في كتبهم عن عطا وعكرمة عن ابن عباس يعني نديرك من أصلاب الموحدين من نبي إلى نبي حتى أخرجك في هذه الأمة وما زال يتقلب في أصلاب الأنبياء والصالحين حتى ولدته أمه وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ فَمَا زَالَ يَنْقُلُهُ مِنَ الْآبَاءِ الْأَخَايِرِ وَالْأُمَّهَاتِ الطَّوَاهِرِ وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِالْآبَاءِ الطَّاهِرَةِ السَّاجِدَةِ. ولو عنى شيئا من الأصنام لما من عليه لأن المنة بالكفر قبيح.

قوله سبحانه :

(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) يدل على أن آمنة بنت وهب كانت مؤمنة لِأَنَّهُ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ص أَتَى إِلَى رَسْمِ قَبْرٍ وَجَلَسَ وَجَلَسَ النَّاسُ مَعَهُ حَوْلَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ كَالْمُخَاطَبِ ثُمَّ بَكَى فَقِيلَ مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ هَذَا قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ وَقَدِ اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّي فَأَذِنَ فَزُورُوا الْقُبُورَ تُذَكِّرْكُمُ الْمَوْتَ.

قوله سبحانه :

(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) يدل على أن عبد الله وأبا طالب كانا مؤمنين لأنه لو كانا مشركين لكان النبي والوصي ابني نجسين وهما الطيبان الطاهران.

قوله سبحانه :

(وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) قسم بلام التوكيد لناصره ولم يكن له ناصر سوى أبي طالب والله تعالى إنما ينصر المؤمنين قوله (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) وَفِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَتَارِيخِ بَغْدَادَ وَتَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ عِنْدَ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ وَصَلَتْكَ رَحِمٌ وَجُزِيتَ خَيْراً كَفَّلْتَنِي صَغِيراً وَحَصَّنْتَنِي كَبِيراً وَجُزِيتَ عَنِّي خَيْراً ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ

٦٤

فَقَالَ أَمَ وَاللهِ لَأَشْفَعَنَّ لِعَمِّي شَفَاعَةً يَعْجَبُ لَهَا الثَّقَلَانِ فَدَعَا لَهُ. وليس للنبي ص أن يدعو بعد الموت لكافر قوله (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) ولقد كان إبراهيم قال (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) ثم قبل الشفاعة له والشفاعة لا تكون إلا لمؤمن قوله (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) ثم إنه أمر عليا من بين أولاده الحاضرين بتغسيله وتكفينه ومواراته دون عقيل وطالب ولم يكن من أولاده من آمن في تلك الحال إلا علي وجعفر وكان جعفر في بلاد الحبشة ولو كان كافرا لما أمر ابنه المؤمن بتوليته ولكان الكافر أحق به ومما يدل على إيمان أبي طالب إخلاصه في الوداد لرسول الله والنصرة له بقلبه ولسانه ويده وأمره ولديه عليا وجعفرا ولأخيه حمزة باتباعه وكل ما يدل على أن غيره من أمة النبي ص مؤمن أو مقر فإنه موجود فيه ما إن لم يزد على إقرار جميع المسلمين لم ينقص عنه ومن أشعاره الدالة على إيمانه ما يزيد على ثلاثة آلاف بيت يكاشف فيها من يكاشف النبي ص ويصحح نبوته منها قوله لبني هاشم شعر :

أوصي بنصر النبي الخير مشهده

عليا ابني وعم الخير عباسا.

وقوله لحمزة:

صبرا أبا يعلى على دين أحمد

وكن مظهرا للدين وفقت صابرا

فقد سرني إذ قلت إنك مؤمن

فكن لرسول الله في الله ناصرا.

وقوله لابنه طالب:

أترى أراه واللوا أمامه

وعلي ابني للواء معانق.

وكتب إلى النجاشي :

تعلم أبيت اللعن أن محمدا

نبي كموسى والمسيح ابن مريم

أتى بالهدى مثل الذي أتيا به

فكل بحمد الله يهدي ويعصم

وقوله لما تحصن في الشعب :

ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا

نبيا كموسى خط في أول الكتب

وقوله:

ألا إن أحمد قد جاءهم

بحق ولم يأتيهم بالكذب

وقوله:

ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعني بقول الأباطل

وقوله:

وبالغيب آمنا وقد كان قومنا

يصلون للأوثان قبل محمد

وقوله:

وعرضت دينا لا محالة إنه

من خير أديان البرية دينا

وقوله:

أقيم على نصر النبي محمد

أقاتل عنه بالقنا والقنابل

وقوله:

أذب وأحمي رسول المليك

حمام حمام عليه شفيق

وقوله:

أنت الأمين أمين الله لا كذب

والصادق القيل لا لهو ولا لعب

٦٥

أنت الرسول رسول الله نعلمه

عليك تنزل من ذي العزة الكتب

وقوله:

حليما رشيدا حازما غير طائش

توالى إله الخلق ليس بماحل

فائدة رب العباد بنصره

وأظهر دينا حقه غير باطل

وقوله:

يا شاهد الله علي فاشهد

آمنت بالواحد رب أحمد

من ضل في الدين فإني مهتدي

وقوله:

مليك الناس ليس له شريك

هو الجبار والمبدئ المعيد

فمن فوق السماء له نجوم

ومن تحت السماء له عبيد.

قوله سبحانه :

(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) الآية إذا كان الإيمان من فعل الله تعالى وإنه لا يحب إعطاءه لأبي طالب فلا يجوز أن يحب النبي ص إيمانه لأنه يكون مخالفا لرضا الله والنبي ص كان يحب إيمان جميع الخلق فأي اختصاص لأبي طالب في ذلك وكيف يعاتب في إرادة الإيمان وقد بعث للدعاء إليه ويلزم أنه لا يلزم الأصول لأن من عرف الأصول لا يخالف الله في مشيته ثم إنه قال (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) فربما كان أهداه وأنتم لا تعرفونه لأن الإيمان من أفعال القلوب ثم قال (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) فما معنى قولكم إنه مات كافرا ثم إن أبا طالب لا يكون ملوما لأنه ما خلق فيه الإيمان قوله (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) وإنه تعالى قال (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) لعله يدخل أبا طالب في الجنة لأن الكافر عندكم له رجاء ومن خلق الدنيا والآخرة له ولرضاه فلا يزعمه هكذا بل يعطي الإيمان لعمه وناصره ومن يهواه ويحبه.

قوله سبحانه :

(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) الآية قال الحسين بن الفضل إنه آخر ما نزل من القرآن ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام

فصل

قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) إلى قوله (عَظِيماً) وقوله (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ) الآية يدلان على بطلان

٦٦

قول من افتخر بكونهما في العريش مع النبي ص يوم بدر لأنه ص لا ينهى عن الجهاد بل يأمر به هذا إنما حبسهما معه لكي لا يئول الأمر إلى مثل يوم خيبر وأحد وحنين وأما من زعم أنه أشفق عليهما فإنه ص كان أولى أن يشفق في ذلك اليوم على حمزة وعلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وكيف لم يشفق عليهما في يوم خيبر حتى انهزما ومن زعم أنه احتاج إلى رأيهما أخطأ لأنه ص كان مؤيدا بالملائكة كاملا غير ناقص والفاضل لا يحتاج إلى المفضول والمعصوم لا يجوز عليه الخطأ وإنهما قد خرجا عن هذه الصفات.

قوله سبحانه :

(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) مقتضاها العموم ويليق بأمير المؤمنين لأن الله قد فسره في مواضع فقال في الصابرين (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) يعني الحرب وقال في الصادقين (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) من القتال وغيره وقال في القانتين (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ) وقال في المنفقين (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) ولا خلاف أن هذه الآيات نزلت في أمير المؤمنين ع.

قوله سبحانه :

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) فقوله (وَالَّذِينَ مَعَهُ) إما من كان في زمانه أو من كان على دينه والأول يقتضي عموم أوصاف الآية لكل من صحبه من مؤمن أو منافق ولا يجوز أن يعني به المنافق فلم يبق إلا أنه أراد تعالى من كان على دينه ولا نسلم أن من كان بهذه الصفة فهو مزكى ومستحق لجميع صفات الآية ثم إن في آخر الآية (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) يعني الجهاد وبذل النفس وهذا من صفات أمير المؤمنين وقال (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) والأول قد ظهرت منه الغلظة على فاطمة ع في كبس بيتها ومنع حقها حتى خرجت من الدنيا وهي غضبى عليه وقال لخالد بن الوليد لا تفعل خالد ما أمرتك وقتل مالك بن نويرة وأما الثاني فعادته معروفة حتى قال المسلمون وليت

٦٧

علينا هذا الفظ الغليظ وقال هو يوم السقيفة اقتلوا سعدا وهو الهاجم على بيت فاطمة وضرب أبا هريرة وسعد بن أبي وقاص وغيرهما بالدرة وأما الثالث فأمره أشهر من أن يذكر ثم قال (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) وصفهم الله بالركوع والسجود ولا يريد ذلك سجود الأوثان وأمير المؤمنين لم يسجد لها قط والمشايخ قد مضى أعمارهم شطرها على عبادة الأصنام ثم قال (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) فصرح بحرف التبعيض أن الموعودين بالمغفرة والأجر العظيم هم بعض من معه من المذكورين في قوله (وَالَّذِينَ مَعَهُ) فليدلوا على أنهم ذلك البعض وبعد فإن قوله (وَالَّذِينَ مَعَهُ) في محل الرفع بالابتداء ولا بد للمبتدإ من خبر والخبر لا بد أن يكون له مبتدأ كقولك زيد قائم والقائم زيد فالأول كيف يكون مبتدأ والثلاثة خبره ولا بد أن يكون الخبر عين المبتدأ وذلك بأهل البيت ع أليق.

قوله سبحانه :

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) نزل بالإجماع عام الحديبية فوقوع الرضا لمن اختص بالأوصاف التي فيها ولا يجوز أن يرضى الله عن الكل لأنهم كانوا ألفا وسبعمائة رجل وفيهم مثل جد بن قيس وابن أبي سلول وكان فيهم مثل طلحة والزبير وقد خرجا على الإمام ولم يمنع وقوع الرضا في تلك الحال من مواقعة المعصية فيما بعد ثم قال (إِذْ يُبايِعُونَكَ) وبالإجماع أن البيعة كانت تحت الشجرة على أن لا يفروا ويثبتوا في الحرب حتى يقتلوا أو يغلبوا فانهزم الأول والثاني في خيبر بالاتفاق فَغَضِبَ النَّبِيُّ ص وَقَالَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالتَّارِيخَيْنِ. ثم انهزموا في يوم حنين قوله (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) ولا خلاف في أن عليا ع لم ينهزم قط فالآية به أليق وبمن تبعه ثم إن الآية دالة على مدح علي ومن تبعه وذلك أن الله تعالى أخبر بأنه رضي عن المؤمنين ثم بين أن المرضي عنهم في هذا الخطاب من جملة المؤمنين السابقين ثم بين أن المبايعين هم من بايع تحت الشجرة وهم من علم ما في قلوبهم ثم جعل العلامة عليهم نزول السكينة عليهم وهي النصر والفتح القريب على أيديهم فصار حصول النصر والفتح هو المبين من المرضي عنهم من المبايعين فالرجلان قد عريا عن السكينة والفتح وعلي اختص بهما.

٦٨

قوله سبحانه :

(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) قال الجبائي دالة على إمامة الخلفاء الأربعة للتمكين المذكور في أيامهم الاستخلاف هاهنا غير الإمامة بل المعنى إبقاؤهم في أثر من مضى من القرون وجعلهم عوضا منهم وخلفا يوضح ذلك قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) وقوله (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) وقوله (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ) ثم إن هذا الاستخلاف والتمكين في الدين كانا في أيام النبي حين أعلى الله كلمته وأكمل دينه وليس كل التمكين كثرة الفتوح لأن ذلك يوجب أن دين الله لن يتمكن إلى اليوم لعلمنا ببقاء ممالك الكفر ولا يجوز أن يكونوا معنيين بها لأنه لا يقال في الحقيقة إنه استخلف إلا إذا نص على المستخلف إما بقرآن أو بخبر صحيح فأما القوم المتقدمون على أمير المؤمنين ع فالمستخلف لهم غيره سبحانه وغير رسوله لأن الذي استخلف الأول هو الثاني وأبو عبيدة وبشير بن سعد والذي استخلف الثاني هو الأول والذي استخلف الثالث هو عبد الرحمن وإنه تعالى شبه استخلافه لهم باستخلافه للذين من قبلهم وهو أنه كان يظهر على أيديهم المعجزات أو يأمر من ينص عليهم بالاستخلاف وما جرى في الأمم باستخلاف يضاف إلى الله سبحانه بأن يتولاه الأمم بأنفسها ولو صح ما قالوا لما احتيج إلى اختيار ولكان منصوصا عليهما وذلك خلاف الإجماع وإذا سلم أن المراد به الإمامة فقال ابن عباس ومجاهد هم أمة محمد ص وقال علماء أهل البيت ع إنما يكون ذلك عند قيام المهدي ع لقوله (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) وما كان ذلك إلى أيامنا هذه.

قوله سبحانه :

(لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) يقتضي العموم وإنهم تابوا فتاب الله عليهم فليدلوا بعد ذلك على وقوع التوبة من الجماعة حتى يدخلوا تحت الظاهر.

قوله سبحانه :

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) التنازع في اقتضاء

٦٩

الظاهر للعموم وإذا سلمنا ذلك جاز أن يحمل العفو على العقاب المعجل في الدنيا دون المستحق في الآخرة.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) وهذا شرط يحتاج إلى دليل في إثباته للجماعة ومع هذا فهو سؤال يقتضي الإجابة.

قوله سبحانه :

(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) إنما أراد الرسول ص ستدعون فيما بعد إلى قتال قوم أولي بأس شديد وقد دعاهم النبي ص بعد ذلك إلى غزوات كخيبر وموتة وتبوك وغيرها قوله (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ) إلى قوله (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) أراد به المخلفين عن الحديبية بإجماع المفسرين ثم قال (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ) إلى قوله (لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) وقد غلطوا في التأريخ قال الضحاك هم ثقيف وقال ابن جبير وقتادة وعكرمة هم هوازن وقال قتادة هم هوازن وثقيف وقال ابن عباس هم أهل فارس وقال ابن أبي ليلى والحسن هم الروم وقال الزهري هم بنو حنيفة مع مسيلمة الكذاب ولا يمنعنا أن يقول المعني به أمير المؤمنين ع في قتال الخوارج

فصل

قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) وقوله (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) قيل في معنى الآية الأولى قولان أحدهما أنه يختار الذي كان لهم فيه الخيرة فذلك يدل على شرف اختياره لهم والثاني أن يكون ما نفيا أي لم يكن لهم الخيرة على الله بل لله الخيرة عليهم لأنه مالك حكيم في تدبيرهم كما قال (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وقال (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) إلى قوله (صادِقِينَ) ولو جاز أن تختار الأمة رجلا فيكون إماما

٧٠

طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله لجاز أن تختار أيضا رجلا فيكون نبيا ولا يخلو الاختيار من أن يكون إلى كل الأمة أو إلى بعضها فإن كان الأول لم يجز أن يقام الإمام إلا بعد اجتماع الخلق عليهم ويمضي الدهور على ذلك قبل أن يقوم الإمام وإن كان إلى بعضها فيجب إلى أبعاض الأمة كلها إذا اتصل بها موت الإمام أن ينتدبوا إلى نصب الأئمة فيقيم كل بعض إماما ولو كان الاختيار إلى بعض الأمة وهم العلماء على زعمهم كان يجب أن يختاروا باطنه وظاهره فوجب أن لا يختار كل واحد من العلماء إلا نفسه لأنه عالم بظاهرها وباطنها وإذا وجب أن يختار كل واحد نفسه فسد الاختيار لأنه يجب أن يكون أئمة كثيرة في وقت واحد ولا يكون إماما بتة.

قوله سبحانه :

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) المهاجرون الأولون هم الذين كانوا مع النبي ص في شعب عبد المطلب بمكة وقد اجتمعت الأمة أنهم كانوا بني هاشم فقط وأما الأنصار فهم السبعون العقبيون بإجماع المحدثين والسبق هاهنا إن كان إظهار الإسلام فلا بد أن يكون مشروطا بالإخلاص في الباطن لأن الله تعالى لا يعد بالرضا من أظهر الإسلام ولم يبطنه فيجب أن يكون الباطن معتبرا ومدلولا عليه فمن يدعي دخوله تحت الآية حتى يتناوله الوعد بالرضا والوجه الثاني يؤدي أن يكون جميع المسلمين سابقين إلا الواحد الذي لم يكن بعده إسلام أحد فلم يبق إلا الوجه الأول ولهذا أكده بقوله (الْأَوَّلُونَ) لأن من كان قبله غيره لا يكون أولا بالإطلاق ومن هذه صفته بلا خلاف فهو علي وحمزة وجعفر وخباب وزيد وعمار وسعد بن معاذ وأبو الهيثم وخزيمة فأما الأول ففي تقدم إسلامه خلاف كثير ثم إن من روى ذلك أبو هريرة وكان من الخاذلين وقد ضربه عمر بالدرة لكثرة روايته وقال إنه كذوب وإبراهيم النخعي وهو ناصبي جدا تخلف عن الحسين وخرج مع ابن الأشعث في جيش ابن زياد وكان يقول لا خير إلا في النبيذ الصلب وحسان بن ثابت وهو شاعر وعناده لعلي ظاهر.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) إلى قوله (تَشْعُرُونَ) تدل على فساد قول من قال إن النبي ص صلى خلف أحد

٧١

لأن حاله في ذلك لا يخلو إما أنه كان إماما أو مأموما أو مشاركا فإن كان إماما فقد عزل المتقدم عليه على التأبيد لأنه آخر أفعاله ص وإن كان مأموما فقد عصى الله من تقدم عليه ورفع صوته بين يديه وفيه نسخ النبوة وإن كان مشاركا فيكون سنة يعمل عليها بعده وقد صنف أبو عيسى الوراق فيه كتابا نحو مائتي ورقة في بطلان هذه المقالة.

قوله سبحانه :

(فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) ٥ ٩٢ إنها عامة في كل من أعطى وصدق فحملها على التخصيص بلا دليل اقتراح لأن قائله لا يجد فرقا بينه وبين من خصصها بغير من ذكروه على أنهم رووا عن ابن عباس وأنس بن مالك أنها نزلت في أبي الدحداح وسمرة بن جندب وأن أبا الدحداح هو الذي (صَدَّقَ بِالْحُسْنى) وسمرة هو الذي (بَخِلَ وَاسْتَغْنى) وإذا تكافأت الروايتان بقيت الآية على عمومها ثم إن التفسير في هذا كله خلاف ما يدعونه لأنه أنذر جماعة المسلمين في قوله (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) إلى قوله (وَتَوَلَّى) ورغبهم في الخيرات قوله (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى).

قوله سبحانه :

(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) ليس في الآية دلالة على فضله لأنه يحتاج أن يثبت له الإنفاق قبل الفتح وذلك غير ثابت ويثبت القتال بعده ولم يثبت ذلك أيضا ثم إن الآية تقتضي الجمع بينهما وعلي هو الذي جمع بينهما وليس يجتمع للواحد منهما الوصفان لأن الأول لو صح له إنفاق لما صح له جهاد ولو صح للثاني جهاد لما صح له إنفاق ثم إنه لو صح للأول الإنفاق لما صح على الإخلاص مثل ما قال في علي (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) وقوله (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً).

قوله سبحانه :

(وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) يجب حملها على العموم لأن الحمل على الخصوص بلا دليل لا يجوز على أن المعني بها ينبغي أن يكون من أولي الفضل والثاني من أولي السعة وهما منتفيان عن الأول ثم إنه روي أنها نزلت لسبب الماء ولو صح ذلك لكان أقرب إلى المنقصة لأن النهي لا يكون إلا عن معصية وقد ثبت أنه

٧٢

حلف على ما ادعوه ونزل القرآن بنهيه عما فعل ولم يثبت أنه زال عنه فيجب القول باستحقاقه الذم إلى أن ثبت زواله عنه.

قوله سبحانه :

(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) كيف يكون في الأول وإنه عندكم كان موسرا والألف واللام يقتضيان الاستغراق لقوله (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) فوصف بالصدق من تكاملت له الشرائط ففيها ما هو مشاهد كالهجرة والإخراج من الدار والأموال وفيها ما هو باطن لا يعلمه إلا الله تعالى وهو ابتغاء الفضل والرضوان من الله ونصرة الله ورسوله لأن المعتبر في ذلك بالنيات فيجب أن تثبتوا إجماع هذه الصفات في كل من هاجر وأخرج من دياره وأمواله.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) إنما نزلت في شأن أمير المؤمنين ع لأن في عقبها (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية وإن هذه الأوصاف كان مستكملا له بالإجماع وقد صح محبة الله تعالى ورسوله في خبر الطير وحديث خيبر وقصة الوفاة ولم يصح ذلك لغيره ثم قال (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) ومعلوم حاله مع المؤمنين والكافرين ولم يسبقه أحد من العالمين ثم قال (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) وهو منفي عنهما بالإجماع ولاحق به بالاتفاق وأما دعواهم أنهم أهل الردة فمحال لأنهم كانوا يظهرون الشهادتين والتأذين والصلاة كما شهر في الصحاح والسنن وهذا ليس من حكم الارتداد ولنا أن نقول أيضا إنه قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ ع تُقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ. وهؤلاء عندنا مرتدون بذلك وضوحا إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ يَوْمَ الْبَصْرَةِ وَاللهِ مَا قُوتِلَ أَهْلُ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى الْيَوْمَ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ. وقد روي عن عمار وحذيفة وابن عباس وابن مسعود أنها نزلت في أهل البصرة ومن قاتل عليا ومن المعلوم أن صاحبكم ليس له قتيل في الإسلام وقد انهزم عن النبي ص مرارا بلا خلاف.

٧٣

فصل

قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) لفظة السابقين في الآية مطلق غير مضاف ويحتمل أن لا يكون مضافا إلى ظاهر الإسلام بل يكون المراد به السبق إلى الخيرات ويكون قوله (الْأَوَّلُونَ) تأكيدا لمعنى السبق كما يقولون فلان سابق في الفضل أول سابق كقوله (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) ثم إن طلحة والزبير كانا من السابقين فهذا الرضا لم يمنعهما من الفسق الموجب للخلود في النار عند المعتزلة وعندنا من الكفر فكيف يمنع الرجلان لم تكن العصبية وإذا ورد في القرآن مدح الجماعة وورد ذم لأخرى ولم يكن في أحد الأمرين تسمية ولا تصريح فالواجب التوقف فمن الظواهر الواردة بالذم قوله (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) الآية وقوله (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) وقوله (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) وقوله (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) وقوله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) وقوله (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) وقوله (يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) وقوله (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) وقوله (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً) وقوله (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) وقوله (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ) ثم إن الآية خاصة غير عامة وقد بين خصوصها بقوله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ) الآية وقد اجتمع العلماء على أن الإسلام لم يخرج من بيت خديجة حتى أسلم كل من فيه ثم إنه ص دعا غيرهم وهو الصحيح في المعقول لأن المرء يبدأ بأهل بيته قبل البعداء إذ من لم يقو على أهل بيته كان عن غيرهم أضعف فكان لعلي ع ثلاث دعوات دعوة أهل بيته ثم دعوة العشيرة قوله (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ثم دعوة العامة وصاحبكم إنما كان في الدعوة العامة.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) قد ثبت أنه إنما أسلم بعد علي وخديجة وجعفر وزيد وأبي ذر وعمر بن عنبسة وخالد بن سعد إلى تمام خمسين رجلا ذكره الطبري بإسناده عن سعد بن أبي وقاص فهذه الآية تليق بهم ثم الصواب أن يكون لكل مصدق تقديم لقوله (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) ثم إن المفسرين اختلفوا فقالوا المراد به النبي ص وقالوا هو علي بن أبي طالب.

قوله سبحانه :

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) أجمع المفسرون ونقله الأخبار أنه لما نزل براءة

٧٤

دفعها النبي ص إلى الأول ليبلغها ثم أخذها ودفعها إلى علي فبلغها فمن لم يؤد عنه في حياته عشر آيات كيف يؤدي عنه بعد موته الشريعة كلها وقد عزله رسول الله عن أدائها وعن الراية يوم خيبر وعن سكنى المسجد وعن الجيش الذي نزل فيه سورة والعاديات وعن الصلاة يوم تقدم بأمر بلال عن عائشة فصار منسوخا فقد ثبت لعلي ع في هذا المقام ست خصال وثبت عليه ست خصال فعلي هو الناسخ وهو المنسوخ وعلي العازل وهو المعزول وعلي المثبت للحق وهو النافي له وعلي المؤدي عن النبي حكما وخبرا وهو الذي لا يصح أن يؤدى عنه وعلي المنزه عن موقف الجهل بالموسم والوقوف بالمزدلفة ومن حج في ذي الحجة وختم به حج الجاهلية وهو غير ذلك وعلي من النبي وهو ليس منه فمن نفاه الله عن محمد ص في وحيه أنه لا يؤدي إلا أنت أو رجل منك لا يصلح للإمامة.

قوله سبحانه :

(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ) الآية فهو إخبار عن العدد وما في ذلك من فضل لأننا نعلم ضرورة أن نبيا وذميا أو مؤمنا ومؤمنا أو مؤمنا وكافرا اثنان على أن القائل إذا قال فلان ثاني فلان مطلقا يفيد تقارب المنزلة وفي الآية أنه ثانية في المكان فلا يفيد إلا العدد وأما قوله (إِذْ هُما فِي الْغارِ) فاجتماعهما في المكان كالأول لأن المكان يجمع المؤمن والكافر ومكة والمدينة أشرف البقاع وقد جمعا المؤمنين والمنافقين والكافرين وأما قوله (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ) فاسم الصحبة يجمع المؤمن والكافر دليله (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) وقال للكفار (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) أضاف النبي إليهم بالصحبة والمضاف إليه أقوى حالا من المضاف وقال حاكيا عن يوسف (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) ومعلوم أنهما كانا كافرين ثم إن اسم الصحبة يكون على الحيوان والجماد ويقع بين الإنسان والوحش وقوله (لا تَحْزَنْ) فهو نهي والنهي لا يكون في الحقيقة إلا للزجر عن القبيح ولا سبيل إلى صرفه بغير دليل ثم إن حزنه إما أن يكون طاعة أو معصية فإن كان طاعة فإن النبي ص لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بها وإن كان معصية فقد نهاه النبي ص عنها وقد شهدت الآية بذلك وقوله (إِنَّ اللهَ مَعَنا) فإن النبي ص أخبر أن الله معه وعبر عن نفسه بلفظ الجمع كقوله (إِنَّا نَحْنُ

٧٥

نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وقيل (إِنَّ اللهَ مَعَنا) أي يرانا لأن الله مع البر والفاجر والمؤمن والكافر قوله (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) الآية قوله (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) إنما نزلت السكينة على النبي ص لأن الضمائر من قبل ومن بعد تعود إلى النبي بلا خلاف قوله (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وكذلك فيما بعده قوله (سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ) فكيف يتخللهما ضمير عائد إلى غيره وكيف ينزل جنود الملائكة على الأول وفي هذا إخراج النبي ص من النبوة ثم إن الله تعالى قال في يوم حنين (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) يعني تسعة نفر من بني هاشم وقال في ليلة الغار ثم أنزل الله سكينته عليه لأنه لم يره موضعا لتزيلها معه

فصل

قوله تعالى : لإبراهيم ع (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) والشرك أكبر الظلم قوله (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) فقال إبراهيم (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) وتبرأ ممن لا يقتدى به فقال (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فقد ختم الله تعالى أن من عبد الأصنام لا يصلح للإمامة ولا شك أن العرب كانوا عباد الأصنام إلا المعصومين.

قوله سبحانه :

(وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) قد ثبت بمقتضى العقل عصمة الإمام وأنه يجب أن لا يختار فعلا قبيحا وقد حصل الإجماع على أن الجماعة لم يكونوا مقطوعين على عصمتهم فكيف يكونون أئمة مع عدم الصفة الواجبة في الإمام ثم إن كل من أوجب من الأمة عصمة الإمام قطع على أنه لا حظ لهم في الإمامة وقد ثبت أن النبي ص قد نص بالإمامة على علي ومع ثبوت ذلك لا إمامة لغيره وقامت الدلالة أيضا على أن الإمام يجب أن يكون محيطا بعلوم الدين دقيقة وجليلة ومعلوم أنهم كانوا يقفون في أشياء كثيرة من الدين ويرجعون فيها إلى غيرهم.

قوله سبحانه :

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الآية أخطأ من قال إنها نزلت في الثاني

٧٦

لما أسلم لأن كمال الدين في كمال الشريعة وذلك إنما يكون بعد نزول القرآن وتقرير العبادات وكان إسلامه في مبتدأ الأمر ولم يؤمر بالصلاة أربع ركعات ولا الأذان إلا المدينة والجمعة كانت في قبا والجهاد بعد سبعة أشهر من الهجرة والصوم بعد سنتين منها والقرآن قد نزل في عشرين سنة فصح مقالنا إنها نزلت في أمير المؤمنين ع في حجة الوداع.

قوله سبحانه :

(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) دال على أن الله تعالى جامع للقرآن وقال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وأول محافظته أن يكون مجموعا منه تعالى وقال (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ) ولفظ الكتاب والقرآن يدلان على كونه مجموعا منه تعالى يقال كتبت الكتيبة وكتبت البغلة وكتبت الكتاب وقريت الماء في الحوض وقرى النمل وأم القرى والقرية وقد ثبت أن النبي ص قرأ القرآن وحصره وأمر بكتابته على هذا الوجه وكان يقرأ كل سنة على جبرئيل مرة إلا السنة التي قبض فيها فإنه قرأ عليه مرتين وإن جماعة من الصحابة ختموا عليه القرآن منهم أبي بن كعب وقد ختم عليه ابن مسعود عشر ختمات وإنه ص فضل كل سورة وذكر فضل قاريها ولو لم يكن مجموعا لما صح هذا كله ثُمَّ إِنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْ أَنَسٍ لَمْ يَحْفَظِ الْقُرْآنَ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ أَبِي وَمُعَاذٌ وَزَيْدٌ وَأَبُو زَيْدٍ. ولم يذكر الثالث فكيف يجمع من لم يحفظ وَقِيلَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع إِنَّ فُلَاناً زَادَ فِي الْقُرْآنِ وَنَقَصَ مِنْهُ فَقَالَ ع أُومِنُ بِمَا نَقَصَ وَأَكْفُرُ بِمَا زَادَ. والصحيح أن كل ما يروى في المصحف من الزيادة إنما هو تأويل والتنزيل بحاله ما نقص منه وما زاد.

قوله سبحانه :

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) قال الكلبي نزل في عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان فإن عبد الرحمن جاء إلى النبي بأربعة آلاف صدقة وجاء عثمان بأربعمائة من الإبل بأقنائها وأحلاسها أما الكلبي فهو كذاب عند أهل العلم والآية عامة والتخصيص يحتاج إلى دليل وجيش العسرة كانوا نيفا وثلاثين ألف رجل فكيف يجهز بأربعمائة بعير ولو كان هذا صحيحا لكان النبي ص قد جهز البكاءين بها ولم ينصرفوا خائبين من الجهاد قوله (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) ثم إن

٧٧

الآية مشروطة بزوال المن والأذى وقد نزل (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) على أنه قد روي أنه أنفق العباس وطلحة والزبير في جيش العسرة فالآية تكون نزلت في جماعة كثيرة.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) وقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) وقوله (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) الآيات الباغي من خرج على الإمام فافترض قتال أهل البغي كما افترض قتال المشركين أما اسم الإيمان عليهم كما قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) وَقِيلَ لِزَيْنِ الْعَابِدِينَ ع إِنَّ جَدَّكَ كَانَ يَقُولُ إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَالَ ع أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللهِ (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) فَهُمْ مِثْلُهُ أَنْجَاهُ اللهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ وَأَهْلَكَ عَاداً بِالرِّيحِ الْعَقِيمِ. وَقَالَ رَجُلٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تُقَاتِلُهُمْ بِمَ نُسَمِّيهِمْ قَالَ سَمِّهِمْ بِمَا سَمَّاهُمُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) إِلَى قَوْلِهِ (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) فَلَمَّا وَقَعَ الْخِلَافُ كُنَّا نَحْنُ أَوْلَى بِاللهِ وَبِالنَّبِيِّ وَبِالْكِتَابِ وَبِالْحَقِّ. وَفِي صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَمُسْنَدَيْ أَحْمَدَ وَالْمَوْصِلِيِّ وَتَفْسِيرَيِ الثَّعْلَبِيِّ وَالثُّمَالِيِّ وَإِحْيَاءِ الْغَزَالِيِّ وَفِرْدَوْسِ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْخُدْرِيِّ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ ص يُؤْخَذُ بِنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي أَصْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا الْقَهْقَرَى فَأَقُولُ سُحْقاً وَبُعْداً.

فصل

قوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) وقوله (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ) نهي مطلق عن اتباع من لا حق معه وفي هذا بطلان مدعي الإمامة بالدعوة لأن الإمامة بالدعوة موقوفة على مجرد الدعوى والقائل بذلك لا يسنده إلى دليل عقلي ولا سمعي ولا شبهة في فساد ما لا دليل عليه ثم إنه يمكن دعوى جماعة من أولاد فاطمة تتكامل لهم الصفات المذكورة من العلم والشجاعة والسخاوة والخروج في وقت واحد فيجب القول بإمامة الكل أو إطراح دعوى الكل أو القول بإمامة مدعي مع

٧٨

عدم الدلالة المميزة له من غيره وكل ذلك باطل ويقتضي اعتقاد كل إقليم صحة إمامة من يليهم دون من عداه وهو باطل.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) والإجماع أن العباس لم يكن مهاجرا وإنما أسروه يوم بدر ونزل فيه (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) فخرج العباس من الإمامة بهذه الآية ثم إن الإمامة بالميراث حادث بعد انقراض من الصحابة والتابعين وأزمان بعدهما خالية منه وما هذه حاله ظهر بطلانه ثم إن الميراث عرى من حجة على كونه طريقا إلى الإمامة عقلية ولا سمعية والميراث يقتضي اشتراك العلماء والجهال والعقلاء والأطفال والنساء والرجال والعدول والفساق كاشتراكهم في الإرث ثم إن العباس ما ادعى ذلك في حياته ولا ادعى له بل كان يدعو إلى علي ع ويقول امدد يدك أبايعك وإنما أبدع ذلك الجاحظ تقربا إلى المنصور.

قوله سبحانه :

(وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) اتفق أهل العدل على أنه يجوز لله تعالى أن يعذب وإن لم يبعث رسولا بأن لا يقتضي المصلحة بعثته ويقتصر لهم في التكليف العقلي فإنهم متى عصوا كان له أن يعذبهم وليس في الآية أنه لو لم يبعث رسولا لم يجز منه أن يعاقب إذا ارتكب القبائح العقلية إلا أن نفرض في أن بعثه الرسول لطفا فإنه لا يحسن من الله مع ذلك أن يعاقب أحدا إلا بعد أن نعرف ما هو لطف له ومصلحة لتنزاح العلة وقيل معناه ما كنا معذبين من عذاب الاستيصال والإهلاك في الدنيا حتى نبعث رسولا وتكون الفائدة في تأخيره إلى بعد الإرسال المبالغة والاحتجاج عليهم والتقدم بالإعذار والإنذار نهاية في الإحسان إليهم يدل على ذلك قوله تعالى : عقيب هذه الآية بلا فصل (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً) الآية وقد تعلقت السبعية بهذه الآية على أن معرفة الله تعالى بالتعليم وأجمع المفسرون على أنها تختص بالشرعيات دون العقليات على أن معرفة الأنبياء مبنية على المعجز والمعجز لا يكون إلا من فعل الله تعالى دون النبي المصدق ولأن المدعي لا يصدقه نفسه وإنما يصدقه غيره والمعجز هو القائم مقام قول الله تعالى لمدعي نبوة صدقت في دعواك علي فإذا لا تعرف نبوة نبي إلا بعد معرفة الله تعالى ثم ادعت أن الإمام بعد جعفر الصادق ع ابنه إسماعيل وهذه

٧٩

دعوى بلا برهان لأن الأمة قد اختلفت بعد النبي ص في الإمامة بين النص والاختيار فصح لأهل النص من طرق المخالف والمؤالف أنهم اثنا عشر كما رتبناه من قبل.

قوله سبحانه :

(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) من استدل بهذه الآية على أن التكليف لا يصح إلا بعد إنفاذ الرسل وقال لا تقوم الحجة بالعقل وإنما تقوم بإنفاذ الرسل فقد أبعد لأن صدق الرسول لا يمكن العلم به إلا بعد تقدم العلم بالتوحيد والعدل وإن كانت الحجة لم تقم عليه بالعدل فكيف الطريق إلى معرفة النبي وصدقه والثاني أنه لو كانت الحجة لا تقوم إلا بالرسل لاحتاج الرسول إلى رسول آخر حتى تقوم عليه الحجة والكلام في رسوله كالكلام في هذا الرسول ويؤدي ذلك إلى ما لا يتناهى ثم ادعت هذه الفرقة أنه لم يكن للصادق ع ولد سوى إسماعيل وعبد الله وقد صح عند النسابين مثل ابن طباطبا والعمري وابن بكار والبخاري وغيرهم أنه كان للصادق ع سبع بنين إسماعيل الأمير وعبد الله الأفطح من فاطمة بنت الحسين الأصغر وموسى الإمام ومحمد الديباج وإسحاق لأم ولد ثلاثتهم وعلي العريضي والعباس لأم ولد والمرجع في مثل هذا إليهم ومن خالفهم لا يعتد بخلافه ثم ادعت أن الصادق ع غيب إسماعيل حذرا عليه وهذا كذب لأنه قد صح عند علماء الدين وعلماء النسب موته وغسله وتجهيزه ودفنه وموضع قبره وإن الصادق ع أشهد على موته ثلاثين رجلا وشيع جنازته بلا حذاء ولا رداء وأمر أن يحج عنه بعد وفاته.

قوله سبحانه :

(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) أي إنما يستجيب من يسمع كلامك واستدل عليه بما يسمع أو يعرف من الآيات والأدلة على صحته وجعل من لم يكفر ولم ينفع بالآيات بمنزلة من لم يسمع كما قال الشاعر : أصم عما ساءه سميع وربما يصح التعليم ولا تصح المعرفة وتصح المعرفة بلا تعليم فثبت أن المعرفة بالنظر إلى الدليل لا بالتعليم ومنهم من قال إن إسماعيل توفي قبل أبيه وإن الأمر بعده لابنه محمد وإن جعفرا ع خرج من الإمامة لأن الأئمة عندهم سبعة آخرهم محمد بن إسماعيل وأمير المؤمنين ع ليس بإمام إلا أن له رتبة الوصية ووجدناه قد سعى بعمه موسى

٨٠