متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني

متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

المؤلف:

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات بيدار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٣
الجزء ١ الجزء ٢

الآية على من لم يشترط.

قوله سبحانه :

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) قد شرط الله تعالى في الأمر بالحج بالاستطاعة فاقتضى ذكره زيادة على القدرة من التمكن بالصحة والتخلية وأمن الطريق ووجود الزاد والراحلة والكفاية له ولمن يعول والعود إلى كفاية من صناعة أو غيرها.

قوله سبحانه :

(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) قول مالك رجالا أو رجاله لا حجة له فيه لأنا نحمله على أهل مكة وحاضريها وليس في الآية أكثر من الإخبار عن حال من يأتي الحج المتطوع ماشيا.

قوله سبحانه :

(وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) قال ابن عمر الأيام المعلومات أيام التشريق لأن الذبح الذي قال تعالى (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) فيها وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْمَعْدُودَاتُ الْعَشْرُ لِأَنَّ الذِّكْرَ الَّذِي هُوَ التَّكْبِيرُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وإنما قيل لهذه معدودات لقلتها ولتلك معلومات للحرص على عملها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها.

قوله سبحانه :

(وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) يستدل بها أن من وطئ ناسيا لا يفسد حجه ولا كفارة عليه لأن حمل كلامه تعالى على فائدة أولى مما لم يستفد وَقَوْلُهُ ص رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. ومعلوم أنه لم يرد رفع هذه الأفعال وإنما أراد رفع أحكامها.

قوله سبحانه :

(فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) نحملها على الترتيب لا على التخيير

١٨١

مثل قوله (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) ويكون معنى أو كذا إذا لم يجد الأول.

قوله سبحانه :

(وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) فيه قولان أحدهما الدلالة على ما عطف عليه قلوب العرب في الجاهلية من أمر من جنى جناية ثم لاذ بالحرم ومن تبعه يلحقه مكروه وأما في الإسلام إن من كانت عليه جناية فلاذ بالحرم والتجأ إليه فلا يبايع ولا يشار ولا يعامل حتى يخرج منه وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع (مَنْ دَخَلَهُ) عَارِفاً بِجَمِيعِ مَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ (كانَ آمِناً) فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعِقَابِ الدَّائِمِ.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) من قتل صيدا في الحل وهو محرم وعجز عن الفداء بالمثل أو الإطعام وجب عليه الصوم وهو يختلف على اختلاف الصيد وظاهر الآية يدل على التخيير إلا أنا عدلنا كلنا عن ظاهر الواو مثل ما عدلنا في قوله (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ).

قوله سبحانه :

(فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ) الآية الأيام الثلاثة في الحج يوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجة والسبعة الباقية في أهله.

قوله سبحانه :

(وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) الاعتكاف لفظ شرعي يفتقر إلى بيان وذلك أن النبي ص لم يعتكف إلا بصوم وَقَوْلُهُ ع لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ. وأن يكون في مسجد صلى فيه النبي ص أو إمام عادل بعده الجمعة بدليل الإجماع وطريقة الاحتياط ولا خلاف في انعقاده في هذه المواضع وليس على انعقاده في غيرها دليل وغير ذلك من الشرائط.

قوله سبحانه :

(وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) (فَانْكِحُوا ما طابَ

١٨٢

لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) المراد بذلك العقد وإذا كان لفظ النكاح مشتركا وجب حمله على الأمرين وهذا رد على من قال لفظة النكاح حقيقة في الوطي خاصة فإن عقد المحرم لنفسه أو لغيره فالعقد فاسد.

قوله سبحانه :

(فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) وقد ورد عن كافة المفسرين أنه تعالى أراد الطواف بينهما ومن انتهى في طوافه إليهما فقد طاف بينهما وعليه إجماع الطائفة وإن كان الأفضل الصعود عليهما.

قوله سبحانه :

(ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) دليل على أن من نحر ما يجب عليه في الحل لا يجزيه تفريق لحمه في الحرم وعليه إجماع الطائفة.

قوله سبحانه :

(وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) دلالة على أنه يحرم عليه أن يصطاد أو يذبح صيدا أو يدل عليه أو يكسر بيضه أو يأكل لحمه لأنه يتناول كل فعل لنا في الصيد من غير تخصيص.

قوله سبحانه :

(وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) يعني قول لا والله وبلى والله ومن قال ليس في لغة العرب أن الجدال هو اليمين أخطأ لأنه غير ممتنع أن يقتضي العرف الشرعي ما ليس في وضع اللغوي كما نقوله في لفظ غائط ثم إن الجدال إذا كان في اللغة المخاصمة وكان ذلك يستعمل للمنع والدفع وكانت اليمين تفعل لذلك كان فيها معنى المنازعة.

قوله سبحانه :

(فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) الآية أوجب مثلا من النعم وذلك يفسد قول من قال الواجب قيمة الصيد والآية أيضا تدل على أن من ضرب صيدا فأثر فيه أو في الجنين يجب عليه بالجراح الأرش وبالقتل الجزاء على حسب الحال.

١٨٣

قوله سبحانه :

(وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) يدل على أن حكم المشارك في قتل الصيد حكم المنفرد وذلك مثل قوله (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ).

قوله سبحانه :

(فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) يدل على أن يدعو بأقل ما يسمى به المرء داعيا.

قوله سبحانه :

(فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) علق الرخصة باليوم الثاني من النفر وهذا أقل فإن فاته اليوم الثاني فلا يجوز أن ينفر بل يبيت فيه.

قوله سبحانه :

(فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) لا خلاف أنه يتناول الإبل والبقر والغنم دون غيرها والآية أيضا تدل على من ضرب صيدا حاملا فأثر فيه أو في الجنين يجب عليه بالجراح الأرش وبالقتل الجزاء على حسب الحال.

قوله سبحانه :

(فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) والهدي الذي يترتب عليه قضاء التفث هو هدي التمتع والقران.

قوله سبحانه :

(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) وقد جاء في التفسير أنه الحلق وباقي المناسك من الرمي وغيره وإذا أمر الله به فهو نسك.

قوله سبحانه :

(فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وذلك عام في المرض والعدو معا أعني المحصور والمصدود فإنهما يحللان من كل شيء إلا النساء حتى يطوف طوافهن من قابل أو يطاف عنه.

١٨٤

قوله سبحانه :

(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) والإتمام لا تحصل إلا بالدخول فوجبت العمرة

فصل

قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) إلى قوله (الْحُسْنى) ٤ دليل على أن الجهاد فرض على الكفاية لأنه فاصل بين المجاهدين والقاعدين فدل على أن الجميع جائز وإن كان الجهاد أفضل.

قوله سبحانه :

(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) إلى قوله (صاغِرُونَ) وقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) يدلان على أن الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم والرهبان وأصحاب الصوامع إذا وقعوا في الأسر حل قتلهم لأن الآيتين لم تفصلا.

قوله سبحانه :

(وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ) دال على أن الحربي إذا أسلم أحرز ماله ودمه وصغار أولاده سواء كان ماله في دار الحرب أو في دار الإسلام لأن حقيقة الإضافة تقتضي الملك.

قوله سبحانه :

(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) يدل على أن مكة فتحت بالسيف.

قوله سبحانه :

(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) يدل على أنه إذا سبي الزوجان الحربيان واسترقا أو أحدهما انفسخ النكاح بينهما لأنه حرم المزوجات واستثنى من ذلك ملك اليمين.

قوله سبحانه :

(فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وقوله (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ

١٨٥

كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) دال على أنه لا يؤخذ الجزية من الحربي والصابي.

قوله سبحانه :

(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) إلى قوله (وَهُمْ صاغِرُونَ) دليل على أنه يؤخذ من أهل الكتاب الجزية لأنه خص وقيل دليل على أنه يؤخذ الجزية من أهل الكتب من العرب والعجم وغيرهم وفيه دلالة على أن الصغار شرط لرفع السيف والمخالف لذلك خالف الظاهر وفيه دلالة على أنه ليس للجزية حد محدود بل ذلك إلى الإمام لأنه إنما أوجبت الجزية التي تكون بإعطائها صاغرا وذلك يختلف الحال فيه وفيه دلالة على أن الجزية تسقط بالإسلام لأنه شرط في إعطائها الصغار وهذا ينافي الإسلام

وَقَوْلُهُ ص لَا جِزْيَةَ عَلَى مُسْلِمٍ.

قوله سبحانه :

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) يدلان على أن من لا كسب له ولا مال لا يجب عليه الجزية لأنه ليس له قدرة.

قوله سبحانه :

(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) دال على أنه لا يجوز أن يمكن الذمي أن يدخل الحرم على حال لأنه إنما أراد به الحرم كله بلا خلاف.

قوله سبحانه :

(وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) دال على أنه إذا جاءت امرأة مسلمة مهاجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام لم يجز ردها إلا أنه إذا جاء زوجها وطالب بمهرها كان على الإمام أن يرده عليه من سهم المصالح لأنه قد أنفق.

قوله سبحانه :

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) دال على أن الذمي إذا انتقل من دينه إلى دين ذمي آخر يقر أهله عليه لأن الكفر ملة واحدة بدلالة التوارث.

قوله سبحانه :

(وَاحْصُرُوهُمْ) دال على أنه إذا أنزل الإمام بالجيش في الغزو على بلد

١٨٦

له حصره لمن يريد الخروج منه من الكفار أو الدخول فيه كما فعل رسول الله بأهل الطائف.

قوله سبحانه :

(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) يدل على أن القيام على القبر للدعاء عبادة مشروعة ولو لا ذلك لم يخص بالنهي عنه الكافر

فصل

قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وقوله (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) يدلان على أنهما من فروض الأعيان لأن الله تعالى جعل ذلك من صفات جميع المؤمنين ولم يخص قوما دون قوم وإنكار المنكر يجب بلا خلاف سمعا وعليه الإجماع وكذلك الأمر بالمعروف الواجب فأما العقل فلا يدل على وجوبهما أصلا لأنه لو أوجب ذلك لوجب أن يمنع الله من المنكر لكن يجب على المكلف كراهة المنكر الذي يقوم مقام النهي عنه.

قوله سبحانه :

(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) فيها دلالة على وجوب إنكار المنكر مع القدرة على ذلك وإن من ترك ذلك مع القدرة كان آثما وكذلك فيما نفي عنه عن مجالسة الفساق والمبتدعين.

قوله سبحانه :

(ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) دال على أن من لم يستطع شيئا سقط تكليفه.

قوله سبحانه :

(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) دال على أنه إذا أكره المسلم على كلمة الكفر فقالها لم يحكم بكفره ولا تبين امرأته وأيضا فالأصل بقاء العقد وإبانته يحتاج إلى دليل.

١٨٧

قوله سبحانه :

(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فيه دلالة على أنه يجب على المرء الدفع عن نفسه وعن أهله وعن ماله لأن دفع المضار عنها واجب.

قوله سبحانه :

(ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) يستدل به على أن من قتل آدميا قد صال عليه ولم يتمكن دفعه إلا بقتله فلا ضمان عليه وكذلك إذا قتل بهيمة إنسان صال عليه.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) التقية الإظهار باللسان خلاف ما ينطوي عليه القلب للخوف على النفس إذا كان ما يبطنه هو الحق فإن كان ما يبطنه باطلا كان نفاقا وفرض ذلك إذا علم الضرر به أو قوي في الظن ولا تقية إلا مع الخوف أو ظهور أمارات ذلك وإظهار الحق أولى في كثير من الأحوال من التقية

فصل

قوله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) تعلق داود بهذا وزعم أن ابنة المدخول بها إذا كانت في حجره حرمت وإلا فلا وهذا خلاف الإجماع وليس ذلك شرطا وإنما وصف لهن لأن الغالب أن تكون في حجره.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) يدل على فساد قول من قال إن المهر شيء مقدر لا يجوز التجاوز عنه وفيه حديث عمر.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) يدل على أن المهر ما تراضيا عليه مما يصح أن يكون ثمنا أو أجرا قليلا كان أو كثيرا لأنه جعل لها بالطلاق قبل الدخول نصف المسمى ولم يفصل القليل من الكثير يقويه قوله (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) قوله (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) والأجر والنحلة يتناولان القليل والكثير.

١٨٨

قوله سبحانه :

(وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) المعنى فمن نكحتموه منهن نكاح المتعة فآتوهن أجورهن فريضة (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) لأن الزيادة في الأجر والأجل لا تليق إلا بعقد المتعة وقوله (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) وهذا مما ابتغاه وقوله (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) دلالة على النكاح المؤجل دون الغبطة لأنه تعالى سمى العوض عليه أجرا ولم يسم العوض عن نكاح المتعة بهذا الاسم في القرآن بل سماه نحلا وصداقا وفرضا ولفظ الاستمتاع لا يفيد إلا نكاح المتعة وقوله (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) وهذا مما طاب لنا وأيضا الأصل الإباحة والمنع يحتاج إلى دليل وقد حصل الإجماع على ثبوتها فمن ادعى نسخها فعليه الدلالة وبعد فإن كل ما يوردونه أخبار آحاد وفيها اضطراب وفي صحيح مسلم روى عبد الله وإسماعيل بن خالد كنا نغزو مع رسول الله ص ليس لنا نساء فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن تنكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) وفي مسلم والبخاري في خبر عن جابر الأنصاري قال تمتعنا على عهد رسول الله ص فلما كان عمر خطب فقال إن الله تعالى يحل لنبيه ما يشاء وإن القرآن قد نزل منازله فافصلوا حجكم من عمرتكم وائتوا من نكاح هذه النساء فلا أوتي برجل تزوج امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة وَرَوَى الْخَلْقُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ حَلَالاً أَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا. وَفِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ أَنَّ عَلِيّاً ع قَالَ لَوْ لَا أَنَّ عُمَرَ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ مَا زَنَى إِلَّا شَقِيٌّ.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) الآية قالوا المنكوحة بالمتعة ليست بزوجة من وجوه لأنها لا تورث ولا ترث ولا تجب عليها العدة عند وفاة الزوج أربعة أشهر وعشرا ولا يلحقها الإيلاء والظهار والولد وغير ذلك فالجواب عن الأول أن فقد الميراث ليس علامة لفقد الزوجية لأن الزوجة الذمية والأمة والقاتلة لا يرثن ولا يورثن وهن زوجات وأما جواب الثاني فإن الأمة عندهم زوجة وعدتها شهران وخمسة أيام وإذا جاز تخصيص ذلك بالدليل خصصنا المتمتع بها

١٨٩

مثله وأما جواب الثالث فإن في الزوجات من تبين بغير طلاق كالملاعنة والمرتدة والأمة المبيعة.

قوله سبحانه :

(وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) وقوله (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) يدلان على أن كل امرأة عقد عليها النبي ص وفارقها في حياته أو مات عنها لا تحل لأحد أن يزوجها لأنهما عام.

قوله سبحانه :

(فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) رد على داود في قوله إن النكاح واجب لأنه علق النكاح باستطابتنا وميز بين النكاح وبين ملك اليمين ثم اقتصر على ملك اليمين وما هذه صورته فلا يكون واجبا.

قوله سبحانه :

(وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) دال على أنه يجوز النظر إلى امرأة أجنبية يريد أن يتزوجها إذا نظر إلى وجهها وكفيها.

قوله سبحانه :

(فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) دال على أن من وصى إلى غيره بأن يزوج بنته الصغيرة صحت الوصية.

قوله سبحانه :

(وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) دال على أنه يصح أن يكون الفاسق وليا للمرأة في الزواج وفي سائر الأحوال لأنه لم يفصل ودال أيضا على أن النكاح لا يفتقر في صحته إلى الشهود لأن الله تعالى لم يذكر الشهود وكذلك في قوله (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ).

قوله سبحانه :

(فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) وقوله (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) قد استدلوا بهما أنه يجوز لمن زنى بامرأة ولها بعل فإن فارقها زوجها يجوز له العقد عليها لأنه

١٩٠

لم يفصل قال المرتضى ظواهر القرآن يجوز أن يرجع عنها بالأدلة مثل تحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها واستباحة التمتع بالمرأة لا يجوز إلا بيقين ولا يقين في استباحة من هذه صفته فيجب العدول عنها وطريق الاحتياط يمنع من ذلك وَقَوْلُهُ ع دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ.

قوله سبحانه :

(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) لفظ النكاح يقع على الوطء وعلى العقد معا فكأنه تعالى قال ولا تعقدوا على من عقد عليه آباؤكم ولا تطئوا من وطئوهن وكل من حرم بالوطء في الزناء المرأة على الابن بنتها حرم بنتها وأمها عليهما جميعا وهذا دليل أن من زنى بعمته أو خالته حرمت عليه بنتاهما على التأبيد.

قوله سبحانه :

(إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) قال قطرب كأنه قال لكن ما سلف فدعوه ما سلف ولم يجعله مستثنى من قوله.

قوله سبحانه :

(وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) يدل على أن أخت المعقود عليها والموطوءة بالملك تحرم لأنه لم يفصل ويدل على أن من وطئ أمه ثم تزوج أختها صح نكاحها وحرم عليه وطء الأولى لأنه على العموم.

قوله سبحانه :

(وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) وقوله (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) دال على تحريم العقد على الكافرة.

قوله سبحانه :

(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) تختص بنكاح المتعة أو نحمله على ما إذا كن مسلمات.

قوله سبحانه :

(وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) وقوله (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ)

١٩١

يدلان على أن أنكحة المشركين صحيحة لأنه أضاف إليهما.

قوله سبحانه :

(لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) نفى التساوي في سائر الأحكام والنكاح من الأحكام الكبار فدل ذلك على أن الكفاءة في النكاح الإيمان.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) الآية رد على من قال العجم ليسوا بأكفاء للعرب والعرب ليسوا بأكفاء لقريش وقريش ليسوا بأكفاء لبني هاشم في الأحكام يؤيده قوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ).

قوله سبحانه :

(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وقوله (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) وقوله (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) أضاف العقد إليهن ونهى للأولياء عن معارضتهن ورفع الجناح عنهن في فعلها بنفسها وفعل الولي لا يكون فعلا منها في نفسها وأما مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ. فهو خبر واحد لا ينسخ ثلاثة آيات من كتاب الله تعالى وقد خالف ذلك مالك وقال يجوز أن يتزوج غير الشريفة بغير الولي مع أَنَّ جَابِرَ الْأَنْصَارِيَّ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ إِلَّا الْمُتْعَةَ. لقول الله تعالى (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) الآية وَيَرْوُونَ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ الْأَيِّمُ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) ولم يستثن الخلوة فوجب حملها على عمومها ويدل عليه أيضا قوله في آية العدة (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) ولم يفرق.

قوله سبحانه :

(وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ) تدل على أن الزوجة تملك الصداق المسمى لها كله بنفس العقد فإن دخل بها أو مات عنها استقر كله بلا خلاف والغرض في المسألة أنه إن تلف الصداق قبل القبض كان ضامنا.

قوله سبحانه :

(عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)

١٩٢

دالة على أن من لم يسم لها مهرا إذا طلقت قبل الدخول فلا مهر لها وإنما يجب لها المتعة على الموسر خادم أو دابة وعلى المتوسط ثوب أو نحوه وعلى الفقير خاتم ونحوه لأنه فصل بين الموسر والمعسر وإن حرف على من حروف الجر.

قوله سبحانه :

(أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ. وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) قالوا إنه نهاهم عن إتيان الذكران وعاتبهم على ترك مثله من أزواجهم فثبت أنه مباح وكذلك قوله (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) والصحيح أنهما لا تدلان على إتيان النساء في أدبارهن لأنه غير ممتنع أن يذمهم بإتيان الذكران من حيث لهم غرض بوطء النساء وإن كان في الفروج المعهودة لاشتراك الأمرين في الاستمتاع وقد يعبر الشيء عن غيره وإن لم يشاركه في جميع صفاته إذا اشتركا في الأمر المقصود ويكون معناه ما خلق لكم ربكم من أزواجكم من الوطء في القبل وإن في بناته المعنى المطلوب من الذكران.

قوله سبحانه :

(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ولم يفصل بين القبل والدبر قال ابن عباس أي مزدرع أولادكم وقال الزجاج نساؤكم ذو حرث فأتوا موضع حرثكم وقيل الحرث كناية عن النكاح على وجه التشبيه وقال قتادة والربيع معنى أنى شئتم من أين جئتم وقال مجاهد معناه كيف شئتم وقال الضحاك متى شئتم وقد حظره بذلك واستدلوا بقوله (أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) وقال بعضهم معناه من أي وجه كما قال الكميت :

أنى ومن أين يأتك الطرب

من حيث لا ضرة ولا ريب.

وقال مالك يفيد جواز الإتيان في الدبر ووافقه جماعة من المخالف والمؤالف وحرمه بعضهم وكرهه بعضهم وقد حكى الطحاوي عن الشافعي أنه قال ما صح عن النبي ص في تحريم ذلك ولا تحليله شيء والقياس أنه مباح وقوله (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) يدل عليه أن ما عداه مباح ثم إن الأصل الإباحة والمنع يحتاج إلى دليل.

قوله سبحانه :

(وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ

١٩٣

أَبْوابِها) قال قوم أراد بالبيوت النساء لأن المرأة تسمى بيتا وكأنه نهى عن إتيان النساء في أدبارهن وأباح الوطء في قبلهن.

قوله سبحانه :

(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ) قال المرتضى سأل عن أبي لهيعة عمرو بن عبيد عن هذه الآية وعن قوله (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) فقال عمرو محبة القلوب لا يستطيعها العبد ولم يكلفه فأما العدل بينهن في القسمة من النفس والكسوة والنفقة فهو مطيق لذلك وقد كلفه الله تعالى بقوله (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) فيما تطيقونه (فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) بمنزلة من ليست أيما ولا ذات زوج وهذا المعنى مما أجاب الصادق ع لمؤمن الطاق على ما ذكرته في مناقب آل أبي طالب.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) يدل على أن المولى لا يطأ أم الولد بالعقد فلم يبق إلا الملك وإذا جاز وطؤها بالملك جاز بيعها وإن لم يجز بيعها لم يجز أيضا وطؤها لأنهما إنما استحلا بعقد واحد ولا يجوز أن يفسد بيعها ويثبت وطؤها وقال تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وهذا عام في أمهات الأولاد وغيرهن ولا يخرج من هذا الظاهر إلا ما أخرجه دليل قاطع وروى أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الخدري قال كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله ص وقد حكى الساجي صاحب الخلاف بجواز ذلك عن علي وابن عباس وجابر والخدري وابن مسعود وابن الزبير والوليد بن عقبة وسويد بن عقلة وعمر بن عبد العزيز وابن سيرين وغيرهم.

قوله سبحانه :

(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) يدل على أن بيع الأمة المزوجة طلاقها لأن المحصنات زوجات الغير فحرمهن علينا إلا بملك اليمين والظاهر أنه متى ملك زوجة الغير بملك اليمين حلت له بملك اليمين وإذا حلت له حرمت على زوجها.

قوله سبحانه :

(وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) يدل على أن العقيقة نسك وقربة وإيصال منفعة إلى المساكين وظاهر الأمر في الشريعة يقتضي الوجوب

١٩٤

فصل

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) علق الطلاق بما يتناوله اسم النساء والأبعاض من اليد والرجل لا يتناولها ذلك فيجب أن لا يقع.

قوله سبحانه :

(فَطَلِّقُوهُنَ) وقوله (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) وقوله (فَإِنْ طَلَّقَها) دالة على أن صحة الطلاق الشرعي بهذا اللفظ دون كناياته نحو أنت حرام أو خلية أو برية لأنه لا يقال لمن فعل ما فيه معنى الضرب ضارب والآيات أيضا دالة على أن تعليق الطلاق بالشروط غير مشروع لأنها عارية عن الشرط وكل من أثبته احتاج إلى دليل.

قوله سبحانه :

(وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) إلى قوله (بِإِحْسانٍ) رد على من قال إن الطلاق مثل اليمين ومن ادعى ذلك احتاج إلى بينة وقد أجمعنا أن النبي ص لم يفرق بين رجل وامرأة باليمين إلى قوله (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) وإن كان لليمين بالله كفارة واليمين بالطلاق لا كفارة له فذلك شنيع.

قوله سبحانه :

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ) يدل على أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد لا يقع لأنه قال (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ثم ذكر الثالثة على الخلاف في أنها قوله (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) أو قوله (فَإِنْ طَلَّقَها) ومن طلق بلفظ واحد فلا يكون أتى بالمرتين ولا بالثالثة كما بلفظ واحد لما وقع موقعه وأنه لما أوجب اللعان أربع شهادات فلو أتى أو رمى حصاة عن سبع حصيات لم يجزه والمسبح في الركوع أو السجود إذا سبح مرة وقال ثلاثا لا يكون مسبحا ثلاثا فكذلك الطلاق فإن قال عقيبه ثلاثا لم يخل إشارته إلى ماض أو استقبال أو الحال فلا يجوز الماضي لأنه إخبار عن أمر كان ولا يجوز المستقبل لأنه يجب أن لا يقع بها طلاق حتى يأتي الوقت ثم يطلقها ثلاثا على مفهوم اللفظ فلم يبق إلا الحالة وذلك لغو لأن المرة لا تكون مرتين والواحدة لا تكون ثلاثا وَالْمَشْهُورُ عَنِ النَّبِيِّ ص إِيَّاكُمْ وَالْمُطَلَّقَاتِ ثَلَاثاً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُنَّ ذَوَاتُ أَزْوَاجٍ. وَاشْتَهَرَ أَيْضاً عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثاً فَأَوْجَعَ رَأْسَهُ وَرَدَّهَا عَلَيْهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ قَدْ طَلَّقَ كَالْأَوَّلِ فَأَبَانَهَا مِنْهُ فَقِيلَ لَهُ فِي اخْتِلَافِ الْحُكْمَيْنِ فَقَالَ أَرَدْتُ أَنْ أَحْمِلَهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ

١٩٥

لَكِنَّنِي خَشِيتُ أَنْ يَتَتَابَعَ فِيهِ الْغَيْرَانُ وَالسَّكْرَانُ.

قوله سبحانه :

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ) إلى قوله (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) لا يدل على أن الكنايات في الطلاق جائزة لأنه متى حملناه على أن التسريح تطليقة ثالثة كان قوله طلقها بعد ذلك تكرارا لا فائدة فيه ثم إن قوله (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) معناه إذا طلقها فالتسريح بالإحسان الترك ينقضي عدتها وقوله (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) يعني الرجعة بلا خلاف.

قوله سبحانه :

(فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) فسر على الطهر الذي لا جماع فيه وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى فِي مَسَانِيدِهِمْ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَةَ فِي سُنَنِهِمَا وَالثَّعْلَبِيُّ فِي الْكَشْفِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثاً وَهِيَ حَائِضٌ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ص أَنْ يُرَاجِعَهَا وَأَمَرَهُ إِنْ أَرَادَ طَلَاقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا لِلسُّنَّةِ. قال الفضل بن شاذان يحل للمرأة الحرة المسلمة أن يمكن من وطئها في اليوم الواحد خلقا كثيرا على سبيل النكاح عندهم ووجه إلزامه لهم أنه قال رجل تزوج بامرأة فوطئها ثم خلعها على مذهبكم في تلك الحال ثم بدا له العود فعقد عليها عقدة النكاح وسقط عنها عدة الخلع ثم إنه إن فارقها عقيب العقد الثاني من غير أن يدخل بها ثانية فبانت منه ولا عدة عليها بقوله (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ) فحلت من وقتها للأزواج فما تقولون إن صنع بها الثاني كصنع الأول أليس قد نكحها اثنان في بعض يوم من غير حظر على أصولكم في الأحكام فكذلك لو نكحها ثالث ورابع ومائة وزيادة إلى آخر النهار.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) إلى قوله (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) يدل على أنه يعتبر فيه شهادة عدلين لأنه تعالى أمر بالإشهاد وظاهر الأمر في عرف الشرع يقتضي الوجوب ولا يخلو قوله (وَأَشْهِدُوا) أن يكون راجعا إلى الفرقة أو إلى الرجعة أو إلى الطلاق ولا يجوز أن يرجع إلى الفرقة أو إلى الرجعة لأن أحدا لا يوجب فيهما الإشهاد فيثبت أنه راجع إلى الطلاق ولا يؤثر بعد ما بينهما كما قال (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) والتسبيح متأخر في اللفظ لا يليق إلا بالله تعالى دون رسوله ص.

١٩٦

قوله سبحانه :

(لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (لا جُناحَ) عِنْدَهُ يَعْنِي لَا سَبِيلَ عَلَى الرِّجَالِ (إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) فِي الْمَهْرِ قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ تَهَبُ نَفْسَهَا. المعنى لا جناح عنده يعني لا سبيل على الرجال إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تجامعوهن أو تفرضوا لهن فريضة في المهر قال هذه المرأة تهب نفسها للرجل فإذا طلقها فلا مهر لها.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) ينافي تعليقه بغير الظهر وبغير المدخول بها حكم لتميزه من جملة المجمعين اسمه ونسبه لأن الظهار من لفظ الظهر وغير المدخول بها توصف بأنها من نساء الزوج والآية دالة على أن ظهار العبد المسلم صحيح لأنه لم يفرق ودالة على أن الظهار يقع بالأمة والمدبرة وأم الولد لأنه لم يفصل ودالة على بطلان قول من قال إن المرأة إذا قالت لزوجها أنت علي كظهر أمي لا تصح لأن الحكم معلق على من ظاهر من نسائه وهذا صفة الرجال ثم أوجب الكفارة بالعود والعود العزم على الوطء وإمساكها زوجة مع القدرة على الطلاق وهذا بعيد عن المرأة ودالة على أن المراد بالعود الرجوع عن المقول فيه بخلاف قول إن العود الإمساك لأن قوله (ثُمَّ يَعُودُونَ) لما قالوا يقتضي التراخي والقول بأن التراخي البقاء على النكاح قول يحصل عقب الظهار من غير فصل ودالة على أنه لا يصح الظهار قبل التزويج لأن هذه ليست من نسائه ودالة على أنه يجوز له الوطي وما دونه من التلذذ لأن المسيس يقع على الوطي وما دونه ودالة على أنه يجب الكفارة بالتلفظ والثاني بأن يعود.

قوله سبحانه :

(ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) الآية دليل على أنه إذا علق الظهار بإحدى ذوي أرحامه يكون مظاهرا لأن في عقيبها (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً).

قوله سبحانه :

(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) إلى قوله (عَلِيمٌ) أراد اليمين بالله تعالى بدليل إطلاق اليمين بالله وقد أطلقه في الآية ثم أخبر أنه لا شيء عليه بالفئة وإنما لا يكون

١٩٧

عليه إذا كانت اليمين بالله فقط وَقَوْلُ النَّبِيِّ ص مَنْ كَانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ. والآية تدل على أن له التربص أربعة أشهر ثم توجهت عليه المطالبة بالفئة وبالطلاق لأنه أضاف المدة إلى المولى بلام الملك ثم جعل له التربص والفاء في قوله (فَإِنْ فاؤُ) للتعقيب فتدل على أن الفئة بعد التربص وقوله (فَإِنْ فاؤُ) يعني جامعوا أضاف ذلك إلى المولى كما أضاف الطلاق إليه في قوله (وَإِنْ عَزَمُوا) وتدل على أنه إذا امتنع بعد الأربعة أشهر من الفئة والطلاق ودافع لا يطلق عليه لقوله (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) فإنه مقصور عليه ويدل على أنه يصح الإيلاء من الذمي كما يصح من المسلم لأنه عام وتدل على أن من قال للمرضعة لا أقربك في الرضاع لا يكون موليا وكذلك في حال الغضب الذي لا يضبط الإنسان نفسه ولا مع الإكراه لأن في الآية عموم يخص ذلك بالدليل ثم إنه يقتضي وجوب التربص فيمن آلى وتدل على أن الأصل في الطلقة للمولى كانت رجعية لأنه لم يفصل قوله (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) وتدل على أن من آلى منها ثم وطئها كان عليه الكفارة سواء كان الوطي في المدة أو بعده لأنه لم يفصل وتدل على أن المراد به العود إلى الجماع بالاتفاق ولا يقال عاد إلى الجماع إذا لم تكن مدخولا بها ووصف تعالى نفسه بالغفران في الآية إذا هو فاء وإن لم يكن مأثوما بالفئة فهو في صورة من يفتقر إلى غفران.

قوله سبحانه :

(وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَ) الآية قال أهل التفسير معنى (تَخافُونَ) يعلمون ومن حمل الخوف على ظاهره لا بد أن يضمر وعلمتم ذلك منهن لأن بمجرد الخوف من النشوز وقبل حصوله لا يفعل شيء مما تضمن الآية وكذلك قوله (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) الآية المعنى في ذلك أن الزوج إذا نشز على المرأة وكره المقام معها وهي راغبة فيه فلا بأس أن تبذل له على استدامة المقام معه شيئا من مالها وتسقط عنه النفقة والقسمة.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) الشقاق بين الزوجين يكون بأن يكره كل واحد منهما الآخر ويقع بينهما الخصام ولا يستقر بينهما صلح ولا طلاق فأيهما رفع الخبر إلى الحاكم فعليه أن يبعث حكمين ثقتين من أهلهما فأصلحا بينهما أو أخبر الحاكم أن الفرقة أصلح.

١٩٨

قوله سبحانه :

(وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) دالة على أن المخالع أخذ العوض على الطلاق.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) الآية ذكر الله تعالى لفظ الشهادة والعدد والترتيب ومن خالف ذلك لا يثبت الفرقة لأن ما قلناه مجمع على صحته موافق الكتاب وليس على صحة من خالفه دليل والآية تدل على أن من نقص شيئا من ألفاظ اللعان لا يصح لأن شرائطها في ألفاظها محصورة وتدل على أنه يغلظ اللعان باللفظ والموضع والجمع قوله (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ولا يعارض ذلك بقوله (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) لأنه دال على أن الرجل إذا قذفها بزناء أضافه إلى قبل الزوجية يوجب عليه الحد دون اللعان لأن قوله (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) واردة فيمن قذف زوجته وهذا يرجع إلى أجنبية.

قوله سبحانه :

(وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) في ذلك دال على أن الإشهاد على الرجعة مستحب غير واجب لأنه لم يشرط الشهود كما شرط على الطلاق قوله (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) بدلالة أنه عقيب قوله (أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) يعني به الطلاق وهو أقرب من قوله (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)

فصل

قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) لفظ القرء مشترك بين الحيض والطهر وهو من الأضداد وهو مستعمل في الأمرين وظاهر الاستعمال للفظة بين شيئين يدل على أنها حقيقة في الأمرين إلى أن يقوم دليل يقهر على أنها مجاز في أحدهما وإذا ثبت أنها حقيقة في الأمرين فلو خلينا والظاهر لكان يجب انقضاء عدة المطلقة بأن يمضي عليها ثلاثة أقراء من الحيض والطهر معا لوقوع الاسم على الأمرين غير أن الأمة قد اجتمعت على أنها لا تنقضي إلا بمرور ثلاثة أقراء من أحد الجنسين والآية دالة على المرأة إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها ودالة على أنه إذا طلقها طلقة رجعية

١٩٩

ثم راجعها ثم طلقها بعد الدخول فعليها استئناف العدة بلا خلاف وكذلك إن طلقها بائنا قبل الدخول لأنه لم يفصل.

قوله سبحانه :

(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) فيه دلالة على أن من لا تحيض لصغر أو كبر وليس في سنها من تحيض يجب أن تعتد بالشهور لأن قوله (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) معناه اللائي لم يحضن كذلك.

قوله سبحانه :

(ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ) يستدل به على أنه إذا تزوج امرأة ثم خالعها ثم تزوجها فطلقها قبل الدخول بها لا عدة عليها لأنه طلقها قبل المسيس.

قوله سبحانه :

(وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) يدل على أن عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا أبعد الأجلين من وضع الحمل أو الأربعة أشهر وعشرة أيام لأنها مخصوصة بالمطلقات وقد وردت عقيب ذكرهن وهذا الاعتبار مجمع على انقضاء العدة وليس على ما ذكروه دليل وهو طريق الاحتياط لأن العدة عبادة يستحق عليها الثواب والثواب فيما قلناه أوفر لأن المشقة فيه أكثر ويدل على أنه إذا طلقها وهي حامل فولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر فإن عدتها عند وضع الثاني لأنها ما وضعت.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) دال على أن المتوفى عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرا حاضت فيها أو لم تحض لأنه لم يفصل ودال على أن أم الولد إذا زوجها سيدها من غيره ثم مات زوجها وجب عليها أن تعتد لذلك لأنه لم يفرق.

قوله سبحانه :

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) دال على أن المطلقة البائنة إما بطلاق ثلاث

٢٠٠