متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني

متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

المؤلف:

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات بيدار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٣
الجزء ١ الجزء ٢

على الأمرين لأنه لا مانع من ذلك وإنما يحمل على الحكم تشبيها أو مجازا والحقيقة أولى من المجاز.

قوله سبحانه :

(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) إلى قوله (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) ثم إلى قوله (سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) وقوله (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) وقوله (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) دلالات على أن أهل الكتاب مشركون

فصل

قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) يدل على أن مخالطة النجاسة للماء الجاري أو الكثير الراكد إذا لم يتغير أحد أوصافه لا يخرجه عن استحقاق إطلاق هذا الاسم والوصف معا عليه.

قوله سبحانه :

(وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) وقوله (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) يقتضي تحريم استعمال الماء المخالط للنجاسة مطلقا وهذه تعم المياه الراكدة القليلة ومياه الآبار وإن كانت كثيرة تغير بالنجاسة أحد أوصافها أو لم يتغير.

قوله سبحانه :

(فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) وقوله (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) يدلان على أن الماء المتغير ببعض الطاهرات كالورس والزعفران يجوز الوضوء به ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء ويدل أيضا على أن الماء المستعمل في الوضوء والأغسال المندوبة طاهر مطهر لأن الاستعمال لا يخرجه عن تناول اسم الماء له ألا ترى أن من شربه وقد حلف لا يشرب ماء يحنث بلا خلاف ويدل أيضا على أنه لا يجوز الوضوء بالمائعات لأنه أوجب عند فقد الماء المطلق ومن توضأ بالمائع لم يكن مطهرا بالماء فوجب أن لا يجزيه.

قوله سبحانه :

(أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) وقوله (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ)

١٦١

الإخلاص الديانة وهو التقرب إلى الله تعالى والتقرب إليه لا يصح إلا بالنية ولذلك قلنا إن الكافر لا يصح منه عبادة تفتقر إلى نية لأنه ليس من أهلها وعمل العبد لا يكون طاعة يستحق به الثواب إلا بالنية وقوله (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الآية تقديره اغسلوا وجوهكم وأيديكم للصلاة ولا يتصور غسلها للصلاة إلا بالنية وَلِذَلِكَ قَالَ ص إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَلَا قَوْلَ إِلَّا بِعَمَلٍ وَلَا قَوْلَ وَلَا عَمَلَ إِلَّا بِالنِّيَّةِ.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المعنى إما أن يكون افعلوا ذلك على وجه رجائكم الفلاح به وإما أن يكون افعلوه لكي تفلحوا وقوله (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) أخبر سبحانه عن باطنهم وما نووه بالطاعة إليه ومدحهم على ذلك ووعدهم الثواب عليه وقوله (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)

فصل

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) يقتضي مرة واحدة لأنه أمر مطلق والزيادة عليه موقوف فيه يدل على ذلك أنه يحسن فيه الاستفهام وقول الأمر افعل كذا أبدا وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ مَرَّةً مَرَّةً. وَفِي تَارِيخِ بَغْدَادَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَلَا أُرِيكُمْ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ يَتَوَضَّأُ فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً. وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي خَبَرٍ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَتَوَضَّأُ مَرَّةً يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ ص ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ ص سَنَّ مَرَّةً أُخْرَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ ص تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ. يقويه إجماع الإمامية وإثبات الزيادة يحتاج إلى دليل.

قوله سبحانه :

(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) ليس فيه أنه بيد واحدة أو بيدين ومن غسله باليد اليمنى على مذهب الشيعة خرج عن حكم الأمر ويسمى غاسلا والتكرار يحتاج إلى دليل يؤكده إجماع الإمامية وتدل الآية على أنه لا يجوز للمتمكن من الطهارة أن يتولاها غيره لأنه أمر بأن يكون غاسلا ماسحا والظاهر يقتضي تولي الفعل حتى يستحق التسمية و

١٦٢

من طهره غيره لا يسمى غاسلا ولا ماسحا يوافقه قوله (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) لأنه يدل على وجوب تولي المتطهر وضوءه بنفسه مع التمكن وأيضا فالحدث بيقين فإذا تولى بنفسه زال الحدث وليس كذلك إذا تولاه غيره.

قوله سبحانه :

(وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) أي مع المرافق لأن لفظة إلى مشتركة بين الغاية وبين مع قوله (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) وقوله (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) وقوله (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) المراد بهذا كله مع ويقال سرت من الكوفة إلى البصرة للغاية فإذا صح اشتراكهما فلا يجوز أن يحمل على الغاية لأنه يوجب الابتداء من الأصابع والانتهاء إلى المرافق ولم يجز خلافه لأن أمره على الوجوب وليس ذلك واجب بالإجماع.

قوله سبحانه :

(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) يدل على مسح مقدم الرأس مرة واحدة لأن الباقي قوله (بِرُؤُسِكُمْ) لا بد لها من فائدة وإذا لم تكن فائدتها هاهنا تعدية الفعل لأنه متعد بنفسه والكلام مستقل بإسقاطها لم تبق إلا أن تكون فائدتها التبعيض وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ص تَوَضَّأَ وَرَفَعَ مُقَدَّمَ عِمَامَتِهِ وَأَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَهَا فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ. ومن ادعى التكرار يحتاج إلى دليل لأن الأمر لا يقتضي التكرار وفي الآية دلالة أيضا على مسح بعض الأرجل لأنه عطفها على الرءوس المعطوف عليه في حكمه وعليه إجماع أهل البيت ع.

قوله سبحانه :

(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) قال ابن عباس وقتادة الوضوء غسلتان ومسحتان وإنما قالا ذلك لأن الآية قد تضمنت جملتين صرح فيهما بحكمين بدأ في الجملة الأولى بغسل الوجه ثم عطف الأيدي عليها فوجب لها من الحكم بحقيقة العطف مثل حكمها ثم بدأ في الجملة الثانية بمسح الرأس ثم عطف الأرجل عليها فوجب أن يكون حكم الجملة الثانية مثل حكم الجملة الأولة ولو جازت المخالفة في الثانية جازت في الأولة فلما لم يجز ذلك علم وجوب حمل كل عضو معطوف في جملته على ما قبله وقرئ وأرجلكم وأرجلكم فالجر أنما يوجب المسح وأما الفتح فيقتضي أيضا المسح لأن موضع الرءوس موضع نصب بوقوع الفعل على الذي هو المسح وإنما انجرت بعارض وهو الباء والعطف على

١٦٣

الموضع جائز تقول مررت بزيد وعمرا ولست بقاعد ولا قائما قال الشاعر :

معاو إننا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

وهي في القراءتين جميعا معطوفة على الرءوس والعطف من حقه أن يكون على أقرب مذكور دون أبعده لأنه تعسف والمصحف منزه منه وحمل الأرجل في النصب على أن تكون معطوفة على الرءوس أولى من حملها على أن تكون معطوفة على الأيدي لأن الجر في الآية موجب المسح لأنه عطف على الرءوس ومن جعل النصب لعطف الأرجل على موضع الرءوس أوجب المسح الذي أوجبه الجر فكان مستعملا للقراءتين جميعا ومن استعملهما فهو أسعد ممن استعمل إحداهما ثم إن الحمل على المجاورة خطأ لأن الإعراب بالمجاورة شاذ وأنما ورد في مواضع لا يتعدى إلى غيرها والمجاورة لا يكون معها حرف عطف لأنه حائل بين الكلامين مانع بينهما ووجود واو العطف في قوله (وَأَرْجُلَكُمْ) دلالة على بطلان دخول المجاورة فيه وصحة العطف والإعراب بالجوار أنما يستحسن الشبهة في المعنى فلا يجوز والحال هذه حمل كتاب الله عليه وفي غريب الحديث عن أبي عبيد والزمخشري أن النبي ص أتى كظامة قوم فتوضأ ومسح على قدميه.

قوله سبحانه :

(إِلَى الْكَعْبَيْنِ) الكعبان هما العظمان النابتان في وسط القدم باتفاق أهل اللغة كقولهم كعب كل شيء ما علا منه وكان في وسطه يقال فلان كعب قومه ومنه سميت الكعبة وكعب الأحبار والكعبتين والكعوبة وعليه إجماع الفرقة المحقة قَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ مَيْسَرَةَ عَنِ الْبَاقِرِ ع ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْقَدَمِ وَقَالَ هَذَا هُوَ الْكَعْبُ قَالَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى أَسْفَلِ الْعُرْقُوبِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الطُّنْبُوبَ هَذَا هُوَ. ووافقنا فيه محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وقوله (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) يدل أن في كل رجل كعبا واحدا ولو كان كما تقول العامة لقال إلى الكعاب ويدل عليه أيضا قوله (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) أدخل فيه الباء والفعل متعد لا يحتاج إليها فلا بد لها من فائدة يخرج به من العبث وليس ذلك إلا إيجاب التبعيض فإذا وجب تبعيض طهارة الرءوس وجب أيضا في الأرجل بحكم العطف وكل من أوجب التبعيض ذهب إلى مقالنا.

قوله سبحانه :

(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) فأوجب غسل الوجه

١٦٤

ولم يقل وأعينكم ولا آذانكم فلا يجوز الإتيان بهما لأن الأصل براءة الذمة والوجوب والندب يحتاجان إلى دليل.

قوله سبحانه :

(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) يدل على أنه لا يجوز غسل الرأس بدلا عن مسحه ثم إنه أن الباء فيه للتبعيض وفي الآية دلالة على أن المسح ببلة يده لأنه لم يذكر استئناف الماء ثم إنه يقتضي الوجوب والفور فإذا جدد تناول الماء فقد ترك زمانا كان يمكن أن يطهر العضو فيه والفور يوجب خلاف ذلك وكذلك وجوب مسح الرجلين ببلة اليدين لأنهما معطوفان عليه فوجب أن يكون حكمهما حكمه بحكم العطف ثم إن كل من أوجب المسح في تطهير الرجلين أوجبه بالبلة والقول بأن المسح واجب وليست البله شرطا قول خارج عن الإجماع.

قوله سبحانه :

(لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) لم يشرط فيه الوضوء السِّجِسْتَانِيُّ فِي السُّنَنِ قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ رَسُولُ اللهِ ص يَغْتَسِلُ وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ وَصَلَاةَ الْغَدَاةِ وَلَا أَرَاهُ يُحْدِثُ وُضُوءاً بَعْدَ الْغُسْلِ. وفي مسند أحمد كان رسول الله ص لا يتوضأ بعد الغسل وَفِي حِلْيَةِ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ يَزِيدُ الضَّبِّيُّ قَالَ النَّبِيُّ ص مَنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ الْغُسْلِ فَلَيْسَ مِنَّا.

قوله سبحانه :

(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) إلى قوله (فَاطَّهَّرُوا) قال أبو عبيد والفراء إنها توجب الترتيب في الطهارتين وهو مذهبنا وقال الشافعي يوجب في الصغرى وقال أبو حنيفة لا يوجبان دليلنا أنه قد ثبت الصغرى بقوله (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فوجب البداية بالوجه لمكان الفاء التي توجب الترتيب بلا خلاف وإذا وجبت البداية بالوجه وجب في باقي الأعضاء والقول بخلافه خروج عن الإجماع ثم إن الحدث إذا وقع بيقين لم يزل حكمه إلا بيقين ومن رتبهما زال عنه حكم الحدث وليس كذلك إذا لم يرتب.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) إلى قوله (طَيِّباً) يقتضي أن الطهارة مقصورة عليهما

١٦٥

ومن ادعى أنه جائز بالمائعات فقد جعل بينهما واسطة وزاد في الظاهر ما لا يقتضيه ويدل أيضا على أنه لا يجوز التيمم إلا بالتراب ما لم يخالطه شيء وقال أبو عبيدة وابن دريد الصعيد التراب الذي لا يخالطه غيره والطيب هو الطاهر ويدل أيضا على أن التيمم إنما يجب في آخر وقت الصلاة لأن التيمم طهارة ضرورة ولا ضرورة تدعو إليه إلا في آخر الوقت وأما قبل هذه الحال لم يتحقق له ضرورة ولا يتعلق المخالف بظاهره فإنه لم يفرق بين أول الوقت وآخره لأن الآية لو كان لها ظاهر مخالف قولنا جاز أن نخصه بما ذكرناه من الأدلة فكيف ولا ظاهر لها ينافي ما نذهب إليه لأنه قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة ثم تبع ذلك حكم العادمين للماء الذين يجب عليهم التيمم ويدل أيضا على أنه المقيم الصحيح إذا فقد الماء يتيمم مثل المسافر ولا إعادة عليه لأن كل واحد من هذه الشرائط يبيح التيمم لأنه عطف بعضه على بعض ويدل أيضا على أن المجدور والمجروح ونحوهما ومن خاف الزيادة في المرض من استعمال الماء أو صحيح خاف من استعماله لشدة البرد ولا يقدر على تسخينه تيمم ويصلي ولا إعادة عليه يؤيده قوله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

قوله سبحانه :

(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) دخول الباء إذا لم يكن لتعديه الفعل إلى مفعول لا بد له من فائدة وإلا كان عبثا ولا فائدة بعد ارتفاع التعدية إلا التبعيض وأيضا فإن التيمم موضوع للتخفيف دون استيعاب الأعضاء به فدل ذلك على أن مسح الوجه أنما هو إلى طرف الأنف من غير استيعاب له ويدل أيضا على أنه ضربة واحدة ومن مسح بضربة واحدة فقد امتثل المأمور به وَقَدْ رَوَى الْمُخَالِفُونَ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ. ويدل أيضا على أن مقدار الممسوح من الوجه واليدين ما حده الإمامية لأن فائدة الباء هاهنا التبعيض.

قوله سبحانه :

(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) يدل على أنه لا يجوز المسح على الخفين لأنه تعالى أوجبه على الرجل بالحقيقة والخف لا تسمى رجلا كما لا تسمى العمامة رأسا وقَالَ عُمَرُ مَا تَقُولُونَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ

١٦٦

ص يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ عَلِيٌّ ع قَبْلَ الْمَائِدَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقَالَ عَلِيٌّ ع نَسَخَ الْكِتَابُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِنَّمَا أُنْزِلَ الْمَائِدَةُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَقَالَ ع مَا أُبَالِي أَمَسَحْتُ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَمْ عَلَى ظَهْرِ غير [عَيْرٍ] بِالْفَلَاةِ.

قوله سبحانه :

(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) حكم عليهم بالنجاسة في حال الحياة والموت ففي حال الحياة لا يجوز أن يدخلوا في مسجد لا بالإذن ولا بغير الإذن لأنه ثبت نجاستهم فلا يجوز إدخال النجاسات في المساجد وفي حال الموت لا يجوز للمسلم أن يغسل المشرك لأنه لا يطهر به فلا فائدة فيه.

قوله سبحانه :

(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) فالكعبة قبله من شاهدها والمسجد لمن لم يشاهدها ومن بعد عنه توجه نحوه بلا خلاف بمقتضى الآية

فصل

قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) الظاهر يقتضي أن وقت الظهر والعصر يمتد من دلوك الشمس إلى غسق الليل ودلوك الشمس هو ميلها بالزوال إلى أن تغيب بلا خلاف بين أهل اللغة والآية رد على من قال إن المغرب له وقت واحد لأنه قد حصل وقت المغرب إلى غسق الليل والغسق اجتماع الظلمة وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ ع لِلصَّلَاةِ أَوَّلٌ وَآخِرٌ وَإِنَّ أَوَّلَ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ وَآخِرُهُ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ.

قوله سبحانه :

(أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) المراد بذلك الفجر والعصر بالإجماع وهذا يدل على أن صلاة الفجر من صلاة النهار ويدل أيضا على أن وقت العصر ممتد له إلى أن يقرب الغروب لأن طرف الشيء ما يقرب من نهايته وعلى قول المخالف آخر وقت الظهر والعصر مصير ظل كل شيء مثله أو مثليه وذلك يقرب من وسط النهار لا من نهايته وفِي مُوطَإِ مَالِكٍ وَمُسْنَدَيْ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى أَنَّهُ جَرَى ذِكْرُ صَلَاةِ الْعَصْرِ عِنْدَ أَنَسٍ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ص يَقُولُ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إِذَا

١٦٧

اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ وَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ يَنْقُرُ أَرْبَعاً لَا يَذْكُرُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً وَرَوَى أَبُو يَعْلَى أَيْضاً مِثْلَهُ عَنْ عَائِشَةَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَعَلَّكُمْ سَتُدْرِكُونَ قَوْماً يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى فَصَلُّوا لِلْوَقْتِ الَّذِي تَعْرِفُونَ ثُمَّ صَلُّوا مَعَهُمْ.

قوله سبحانه :

(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) والفجر هو أول ما يبدو من المشرق في الظلمة وهي المستطيلة فعنده يجب صلاة الفجر فإذا علا في الأفق وانبسط الضياء وزالت الظلمة صار صبحا لا فجرا وعند ذلك آخر وقت الصلاة ابْنُ مَاجَةَ الْقَزْوِينِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِيُّ ص (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) قَالَ تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وعنه في السنن روى الأوزاعي عن مغيث عن سمي قال صليت مع عبد الله بن عمر الصبح بغلس فلما سلم أقبلت على ابن عمر فقلت ما هذه الصلاة فقال هذه صلاتنا كانت مع رسول الله ص وأبي بكر وعمر فلما طعن عمر أسفر بها عثمان.

قوله سبحانه :

(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) دال على أن الفجر الثاني هو أول النهار وآخر الليل ويكون صلاة الصبح من صلاة النهار.

قوله سبحانه :

(وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) هي صلاة الظهر لإجماع الطائفة ومن استدل بقوله (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) لا يلزمنا لأن القنوت عندنا في كل صلاة.

قوله سبحانه :

(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) ومن محافظتها أن يصلوها في أول الأوقات لا في أواخرها وأيضا الاحتياط يوجب تقدمه فإنه لا يؤمن الحوادث وقد ثبت أيضا أنه مأمور من هذا الوقت والأمر عندنا يقتضي الفور.

١٦٨

قوله سبحانه :

(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) وقوله (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) يدلان على وجوب القراءة في الجملة لأن الظاهر يقتضي عموم الأحوال التي من جملتها أحوال الصلاة ويدلان أيضا على أن من لم يحسن القرآن ظاهرا جاز له أن يقرأه من المصحف وهو قول الشافعي.

قوله سبحانه :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية وهو مذهب الشافعي وسفيان الثوري دليلنا إجماع الفرقة وذكر أبو بكر بن المنذر في كتابه عن أم سلمة أن النبي ص قرأها في الصلاة فعدها آية (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) آيتين (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ثلاث آيات (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أربع آيات وقال هكذا (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وجمع خمس أصابعه.

قوله سبحانه :

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) وقوله (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) يدلان على أن من عبر القرآن بغير العربية ليس بقارئ على الحقيقة كما أن من عبر شعر إمرئ القيس مثلا بغير العربية لم يكن منشدا لشعره ولا خلاف أن القرآن معجز والقول بأن العبارة عن معنى القرآن بغير العربية قرآن لا يدل على كونه معجزا وذلك خلاف الإجماع.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) إن الله تعالى قد ندبنا في كل الأحوال إلى تكبيره وتسبيحه وأذكاره الجميلة فوقت افتتاح الصلاة داخل في عموم الأحوال التي أمرنا فيها بالأذكار.

قوله سبحانه :

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قالوا لفظة آمين بعد الحمد لهذه الآية لأنها دعاء فقلنا الدعاء إنما يكون دعاء بالقصد وقصد القارئ التلاوة دون الدعاء وقد يجوز أن يعتري قصد الدعاء ويلزمه أن يقول عقيب كل آية تتضمن الدعاء مثل قوله (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا

١٦٩

وَقِنا عَذابَ النَّارِ) ولا خلاف أن هذه اللفظة ليست من جملة القرآن ولا مستقلة بنفسها في كونها دعاء وتسبيحا فجرى التلفظ بها مجرى كل كلام خارج عن القرآن والتسبيح وَقَوْلُ النَّبِيِّ ص إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ. وبالاتفاق أنه ليس من كلام رب العالمين ولو ادعوا أنه من أسماء الله تعالى لوجدنا في أسمائه ولقلنا يا آمين.

قوله سبحانه :

(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) لا يدل على الكتف لأن النحر نحر الإبل في وضع اللغة ومن ادعى أنه الكتف أيضا أخطأ لأن أحدا لا يكتف على النحر وهو عمل كثير خارج عن الأعمال المشروعة في الصلاة ويخالفه مالك والليث وإجماع الطائفة المحقة وطريق الاحتياط واليقين ببراءة الذمة من الصلاة وإثبات أفعال الصلاة يحتاج إلى الشرع وليس فيه ما يدل على كون ذلك مشروعا وهو موافقة لليهود والنصارى والمجوس.

قوله سبحانه :

(وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) المفهوم من لفظ القنوت في الشرع هو الدعاء فوجب حمل الآية عليه وإذا قيل هو القيام الطويل قلنا المعروف في الشرع أن هذا الاسم يختص الدعاء ولا يعرف من إطلاقه سواه وبعد فإنا نحمله على الأمرين جميعا.

قوله سبحانه :

(وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) وَقَالَ ص صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي. وقد علم أنه لم يقدم اسمه على اسم الله تعالى وهذا دليل على أن الترتيب واجب في الشهادتين.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أمر شرعي يقتضي الوجوب إلا ما أخرجه دليل قاطع ولا موضع أولى من هذا الموضع والآية رد على من زعم أن الصلاة على النبي ص في الصلاة تفسدها قائما كان أو قاعدا أو راكعا أو ساجدا وتسليمه على نفسه وعلى عباد الله الصالحين لا يفسدها وقد بين ع حين سئل عن ذلك فَقَالَ قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.

قوله سبحانه :

(سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) أي آل محمد بإجماع المفسرين والآل كل

١٧٠

شيء يئول إلى أصله بقرابة بإجماع أهل اللغة وتصغير الآل أهيل بإجماع النحاة فلما سلم الله عليهم لفضلهم يجب علينا أن نصلي عليهم ولا موضع أولى من الصلاة وهو مذهب الإمامية وجمهور أصحاب الشافعي وَرَوَى أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ص قَالَ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّ فِيهَا عَلَيَّ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ.

قوله سبحانه :

(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) دال على أن الفاسق لا يؤتم به في الصلاة لأن تقديم الإمام في الصلاة ركون إليه ولأن إمامة الإمام معتبر فيها الفضل والتقدم فيما يعود إلى الدين ولهذا رتب فيها من هو أقرأ وأفقه وأعلم والفاسق لا يجوز تقديمه.

قوله سبحانه :

(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) إلى قوله (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) يستدل بها على أن تارك الصلاة متعمدا يقتل لأن الله أوجب الامتناع من قتل المشركين بشرطين التوبة من الشرك وإقامة الصلاة فإذا لم يقيموها وجب قتلهم.

قوله سبحانه :

(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) إنما ذم السهو في الصلاة مع أنه ليس فعل العبد بل هو من فعل الله لأن الذم وجه في الحقيقة على التعرض بدخوله فيها على وجه الرياء وقلبه مشغول بها لا يرى لهم منزلة تقتضي صرف الهم إليها.

قوله سبحانه :

(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) تدل على أن سفر الطاعة أو المباح يجوز فيهما التقصير في الإيماء وغيره لأنه تعالى علق القصر بالخوف ولا خلاف في أنه ليس في شرط القصر في عدد ركعات صلاة الخوف وإنما الخوف شرط في الوجه الآخر وهو الأفعال في الصلاة لأن صلاة الخوف قد أبيح فيها ما ليس مباحا مع الأمن ويدل أيضا على أن الإمام إذا حاضر بلدا وعزم على أن يقيم شهرا

١٧١

عليه وجب عليه وعلى من علق عزمه التمام لأنه ليس بضارب في الأرض.

قوله سبحانه :

(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) الآية ظاهرها يقتضي أن الطائفة الثانية تصلي مع الإمام جميع صلاتها ومن قال يصلي معه النصف فقد خالف الظاهر لأن في عقيب الآية (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) وظاهر هذا يقتضي أن يكون سجود الطائفة الأولى في الركعة الثانية لأنه أضاف السجود إليهم والصلاة المشتركة تضاف إلى الإمام والمأموم ولا يضاف إلى المأموم وحده يوضح ذلك أنه تسوية بين الفرقتين وفيه دلالة على أن صلاة الخوف جائزة في الحضر كما هي جائزة في السفر لأنه لم يخص وتخصيصها بحال السفر يحتاج إلى دليل.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) هذا عام في كل مؤمن في بلد كان أو سواد أو قرية.

قوله سبحانه :

(وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) يدل على جواز رد السلام للمصلي لأن لفظة (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) من ألفاظ القرآن ويجوز للمصلي أن يتلفظ بها تاليا للقرآن أو ناويا لرد السلام إذ لا تنافي بين الأمرين وقد يجوز الدعاء في الصلاة وليس بمحظور فكذلك السلام.

قوله سبحانه :

(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وقوله (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) يستدل بذلك على أن المصلي إذا قرأ آية رحمة يستحب أن يسأل الله تعالى أو آية عذاب يستعيذ لأنه لم يستثن حالا دون حال ووافقنا الشافعي.

قوله سبحانه :

(وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) وقوله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقوله (يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) تدل على أن من لم يقدر أن يركع في الصلاة لعلة

١٧٢

بظهره وقدر على القيام وجب أن يصلي قائما لأنه عام وأمره على الوجوب وأن العاجز عن القيام في الصلاة إذا خاف زيادة مرضه جاز له أن يصلي مستلقيا وأن العاجز عن السجود إذا رفع إليه شيء يسجد عليه جاز وأن العاجز عن القيام صلى قاعدا وإذا عجز عن الجلوس صلى مضطجعا على جانبه الأيمن وهو مذهب أبي حنيفة.

قوله سبحانه :

(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) وقوله (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) وقوله (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ. وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) يدل على استحباب صلاة الليل وأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّبِيَّ ص كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَلَمْ يُوتِرْ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ. وَفِي الْمُوطَإِ أَنَّهُ ص كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ. وَهُوَ فِي مُسْنَدَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَسُنَنِ السِّجِسْتَانِيِّ وَالْقَزْوِينِيِّ وَقُوتِ الْقُلُوبِ عَنِ الْحَارِثِيِّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ.

قوله سبحانه :

(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) وَقَوْلُهُ ص إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ. لا ينافي مقالنا إن الميت يجب على وليه قضاء صلاته وصومه وحجه لأن الله تعالى تعبد الولي بذلك مثل الغسل والتكفين والدفن والثواب له دون الميت وسمي قضاء عنه مثل حيث حصل عند تفريطه ولا نقول إن الميت يثاب بفعل الولي ولا أن عمله لا ينقطع وَرَوَتْ عَائِشَةُ عَنْهُ ص قَالَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ. ورووا مثل ذلك في الحج في خبر الخثعمية.

قوله سبحانه :

(ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) فهذا عام في جميع المواضع ويدخل فيه سجدة الشكر بعد الصلاة وقد سجد النبي ص لما أتي برأس أبي جهل وسجد علي لما وجدوا ذا الثدية وسجد أبو بكر لما بلغه فتح اليمامة وقتل مسيلمة

فصل

قوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) إلى قوله (وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) يدل على أن النية شرط في الزكاة حال الإعطاء لأن الإخلاص

١٧٣

لا يكون إلا بنية.

قوله سبحانه :

(وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) المعنى أنه لا يوجب حقوقا في أموالكم ولا يخرج من هذا الظاهر إلا ما أخرجه دليل قاطع فوجوب الزكاة أنما يرجع إلى الأدلة الشرعية والأصل براءة الذمة.

قوله سبحانه :

(وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) لا يدل على وجوب الزكاة في كل زرع ولا نسلم أنه يتناول العشر أو نصف العشر المأخوذ على سبيل الزكاة لورود الروايات بذلك عندنا وقوله (لا تُسْرِفُوا) نهي والزكاة الواجبة مقدرة والسرف لا ينهى عنه في المقدر وإعطاء الزكاة في وقت الحصاد لا تصح وإنما يصح بعد الدياس والتصفية من حيث كانت مقدارا مخصوصا من الكيل وإنه قد نهى عن الحصاد والجذاذ بالليل لما فيه من حرمان الفقراء ولفظ اسم الحق لا يدل على الوجوب لأنه مشترك بين الواجب والمندوب إليه قَالَ جَابِرٌ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ عَلَيَّ حَقٌّ فِي إِبِلِي سِوَى الزَّكَاةِ فَقَالَ ص نَعَمْ تَحْمِلُ عَلَيْهَا وَتَسْقِي مِنْ لَبَنِهَا.

قوله سبحانه :

(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) وإن ذلك يدخل فيه عروض التجارة وغيرها هذا ترك الظاهر لأنهم يضمرون أن تبلغ قيمة العروض مقدار النصاب وإذا عدلوا على الظاهر لم يكونوا بذلك من مخالفتهم إذا عدل عنه وخص الآية بالأصناف التي أجمع على وجوب الزكاة فيها وفيها أيضا دليل على أنه لا يجوز أن تدفع الصدقة إلى كافر.

قوله سبحانه :

(وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) لا يدل على وجوب الزكاة في العروض لأن الآية قد خرجت مخرج المدح لهم بما فعلوه على سبيل إيجاب الحق في أموالهم يدل على ذلك أول الآية (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ).

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) لا يقع

١٧٤

اسم النفقة على الزكاة إلا مجازا ولو سلمنا ظاهر العموم لجاز تخصيصه ببعض الأدلة.

قوله سبحانه :

(وَآتُوا الزَّكاةَ) اسم الزكاة لفظ شرعي ولا يدل على أن في عروض التجارة زكاة يتناولها الاسم فالدلالة على من ادعى ذلك.

قوله سبحانه :

(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) إلى قوله (وَفِي الرِّقابِ) تحمل الآية على المكاتب وعلى من يباع فيعتق لأنه لا تنافي بين الأمرين وظاهر القول يقتضي الكل.

قوله سبحانه :

(وَفِي سَبِيلِ اللهِ) أي الطريق إلى ثوابه والوصلة والتقرب إليه فيدخل فيه تكفين الموتى وقضاء الدين عن الميت.

قوله سبحانه :

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) يدل على أن المعادن كلها يجب فيها الخمس سواء ينطبع أو لا ينطبع لأنه مما يغنم وفيه أيضا دليل على أنه ليس يمتنع تخصيص هذه الظواهر لأن ذي القربى عام لقربى النبي ص دون غيره ولفظة اليتامى والمساكين وابن السبيل عام في المشرك والذمي والغني والفقير وقد خصه الجماعة ببعض من له هذه الصفة على أن من أصحابنا من ذهب إلى أن ذوي القربى هو القائم مقام الرسول وسمي بذلك لقربه منه نسبا وتخصيصا وهو الصحيح لأن قوله ذي القربى لفظة واحدة ولو أراد الجمع لقال لذوي القربى.

قوله سبحانه :

(أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) وقوله (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) دليل على أنه يجوز أن يتولى الإنسان إخراج زكاته بنفسه عن أمواله الباطنة والظاهرة والأفضل في الظاهر أن يعطيها الإمام لأن الآية عامة ومن خصصها احتاج إلى دليل.

قوله سبحانه :

(أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) فيه دليل على أنه يجوز للإنسان

١٧٥

أن يشتري ما أخرجه من الصدقة وإن كره ذلك لأن هذا بيع ومن خالفه فعليه الدليل

فصل

قوله تعالى : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى. إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) وَقَوْلُ النَّبِيِّ ص الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. يدلان على أن الصوم يعتبر فيه النية فرضا كان أو نفلا.

قوله سبحانه :

(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) دليل على أنه يجوز نية القربة في الصوم لأنه لم يذكر المقارنة وإنه أمرنا بالإمساك وهذا قد أمسك وتعيين النية أنما يحتاج في المواضع الذي ينقسم الصوم وفيه دليل على أن المراد من كان مقيما في بلده وقال أبو علي من أدرك الشهر وشاهده وهو متكامل الشروط فليصمه ذهب في معنى شهد إلى الإدراك والمشاهدة.

قوله سبحانه :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ) يدل على أن الصوم يثبت بالهلال دون العدد لأن العدد لو كان مراعى لما أحيل في مواقيت الناس في الحج على ذلك بل أحال على العدد فثبت أن الأهلة هي الدلالة على أوائل الشهور وقوله (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) مستفاد من زيادة القمر ونقصانه.

قوله سبحانه :

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) لا يدل على العدد دون الرؤية ولا أن شهر رمضان لا يكون إلا ثلاثين يوما لأنه يفيد أن أيام الصوم معدودة وهذا لا خلاف فيه وإنما الخلاف فيما به يعلم أول هذا المعدود وآخره وليس في الآية ما يدل على أن المراد بقوله (مَعْدُوداتٍ) قليلات كما قال (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ) قليل (بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) وقوله (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً).

قوله سبحانه :

(وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) لا يدل على أن شهر رمضان لا ينقص أبدا لأن قوله (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) معناه ولتكملوا عدد الشهر سواء كان الشهر تاما أو ناقصا ثم إنه راجع إلى القضاء لأنه قال عقيب ذكر السفر والمرض (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) مثل قوله (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) أطلق عليها اسم

١٧٦

الكمال مع جواز أن يريد أحدهما على الآخر يوما واحدا عند المخالف لأنه يقول إن ذا الحجة يكون ثلاثين يوما إذا كانت السنة كبيسة.

قوله سبحانه :

(ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) وعلامة الليل غيبوبة الشمس وذلك غروبها وقد أخبرنا الله تعالى وقته في قوله (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) فصار غروب الشمس من كتاب الله زوالها عن الفلك ودخولها في العين الحمئة وَفِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَالْفَائِقِ عَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ قَالَ أَنَسٌ أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ فَإِذَا الشَّمْسُ قَدْ طَلَعَتْ فَقَالَ عُمَرُ تَقْضِي وَلَا تُبَالِي. وفي مسند الشافعي أنه قال الخطب يسير.

قوله سبحانه :

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) يدل على أنه إذا لم يكن في وسع الشيخ الصوم رفع عنه.

قوله سبحانه :

(وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) لفظ عام يدخل فيه صوم الشك على أنه من شعبان ولا يخرج من ذلك إلا بدليل قاطع وَقَوْلُهُ ص الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ. وَلَمْ يُفَرِّقُ وَقَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع لَأَنْ أَصُومَ يَوْماً مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْماً مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. ويدل أيضا قوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) لأن من أصبح يوم الشك مفطرا ثم أصبح أنه من شهر رمضان وجب عليه الإمساك لأنه قد شهد وَقَوْلُهُ ص صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. وهذا قد صحت عنده الرؤية.

قوله سبحانه :

(وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) يدل على أن التكبير واجب في الفطر.

قوله سبحانه :

(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) وقوله (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) يدل على تقدم الفطرة على صلاة الفطر وتأخير النحر عن صلاة الأضحى.

قوله سبحانه :

(وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) لا تعلق لهم أن

١٧٧

المساجد جار في كل مسجد لأن هذه اللفظة مجمل ولفظ المساجد هاهنا ينبئ على الجنس لا على الاستغراق ولا منافاة بينه وبين مذهبنا ويجوز أن يكون وجه تخصيص هذه المساجد الأربعة لتأكيد حرمتها وفضلها على غيره لتجمع المعصومين فيها والآية دالة على أن من باشر امرأته في حال اعتكافه فيها دون الفرج أو لمس ظاهرها بطل اعتكافه لأنه عام في كل مباشرة أنزل أو لم ينزل.

قوله سبحانه :

(ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) وقوله (/ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) يدل على أنه يجب القضاء على المفطر مع الشك في دخول الليل ولم يكن داخلا أو طلوع الفجر وكان طالعا لأنه لم يصم إلى الليل وأفطر ولم يتبين له الفجر وتدل أيضا على أن من تناول شيئا غير معتاد مثل التبين وماء الشجر وهو مختار يفطر لأن الصيام هو الإمساك عن كل شيء.

قوله سبحانه :

(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) علق القضاء بنفس المرض والسفر ومن أضمر في الآية فأفطر يحتاج إلى دليل ولا دليل له عليه.

قوله سبحانه :

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) يدلان على أن من عجز عن الكفارة بكل حال سقط عنه فرضها واستغفر الله ولا شيء عليه.

قوله سبحانه :

(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) يدل على أن الحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا وتصدقتا عن كل يوم وعليهما القضاء.

قوله سبحانه :

(ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) يدل على استئناف الصوم في موضع أجيز فيه البناء.

١٧٨

قوله سبحانه :

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقوله (أَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) يدلان على أن من نذر أو عاهد عليه معينا بزمان مخصوص مثل أن يقول أو ينوي أن لله على كذا من الخير إن كان كذا من الخير في أول يوم من الشهر الفلاني لزمه ذلك بعينه وإن كان غير معين بزمان مخصوص كيوم ما أو كشهر ما كان مخيرا في الأيام والشهور.

قوله سبحانه :

(وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ) وقوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) يدلان على أن من تعمد الخلاف على الله تعالى فنوى صيام شهر رمضان عن نذر عليه لم يجزه عن صيام شهر رمضان

فصل

قوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) إلى قوله (كامِلَةٌ) وقوله (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ) إلى قوله (حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) يدلان على وجوب حج التمتع لاجتماع الحج والعمرة وذلك خصوصية وقال تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) ولم يقل حج الجبل واجْتَمَعَتِ النَّقَلَةُ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ أَلَا إِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ هَكَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْمَوْصِلِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالثَّعْلَبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ الْأَنْصَارِيِّ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي وَاقِدٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالُوا أُنْزِلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللهِ وَعَمِلْنَا بِهَا فَفَعَلْنَاهَا مَعَ النَّبِيِّ ص وَلَمْ يُنْزَلِ الْقُرْآنُ يُحَرِّمُهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. وَفِي مُسْنَدَيِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمُوطَإِ مَالِكٍ وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ إِنَّ عُمَرَ قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ يَعْنِي التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَقَالَ سَعْدٌ رَسُولُ اللهِ ص صَنَعَهَا وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ. وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَمُسْنَدِ الْمَوْصِلِيِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يُفْتِي بِهِ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ أَبَاكَ قَدْ نَهَى عَنْهَا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَبِي نَهَى عَنْهَا وَصَنَعَهَا رَسُولُ اللهِ نَتْرُكُ السُّنَّةَ وَنَتَّبِعُ قَوْلَ أَبِي. وَفِي الْمُوطَإِ وَتَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ وَمُسْنَدِ الْمَوْصِلِيِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَلِيٍّ أَتَفْعَلُهَا وَأَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا فَقَالَ ع

١٧٩

لَمْ أَكُنْ لِأَدَعَ سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ لِقَوْلِكَ. وَفِي الْحِلْيَةِ وَمُسْنَدَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَوْصِلِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَبَّى بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعاً.

قوله سبحانه :

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) يدل على أن من عقد الإحرام بالحج في غير أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة لم ينعقد إحرامه لأن معنى الآية وقت الحج أشهر معلومات والحج نفسه لا يكون أشهرا والتوقيت في الشريعة يدل على اختصاص الموقت بذلك الوقت وأنه لا يجوز في غيره وقد ثبت أن من أحرم في أشهر الحج انعقد إحرامه بالحج بلا خلاف وليس كذلك من أحرم قبل ذلك فالواجب إيقاع الإحرام في زمانه.

قوله سبحانه :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ) والحج تخصيصها بقوله (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) وتحمل لفظة (الْأَهِلَّةِ) على أشهر الحج خاصة وقوله (أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) وأشهر الحج شهران وبعض الثالث هذا مثل قوله (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ويحصل للمعتدة إدبار ثلاثة أطهار فتستوفي على ذلك أقراء ثلاثة.

قوله سبحانه :

(وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) يدل على أن الإحرام لا ينعقد قبل الميقات لأن معنى الميقات هو الذي تعين عن النبي ص ولا يجوز التقدم عليه مثل مواقيت الصلاة ولو كان يصح قبله أو كان فيه فضل لما تركه (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) والأمر على الوجوب ولا يجوز أن يوجب ذكر الله تعالى فيه إلا وقد أوجب الكون فيه ولأن كل من أوجب الكون فيه أوجب الوقوف.

قوله سبحانه :

(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) استدل أبو حنيفة بها أن المحرم إذا اشترط فقال عند دخوله في الإحرام فإن عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني جاز له أن يتحلل عند العوائق بغير دم وقلنا تحمل

١٨٠