متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني

متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

المؤلف:

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات بيدار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٣
الجزء ١ الجزء ٢

وهذا كقوله (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) وهذا السؤال ضعيف لأنه يجوز أن يكون المراد أن الجنة والنار معدان في الحكم كائنان لا محالة والأول يكون الاعتماد عليه.

قوله سبحانه :

(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) اختلفوا في هذه الجنة فقال حسن وواصل وأبو علي والرماني وابن الإخشيد إنها جنة الخلد لأن الجنة إذا أطلقت معرفة باللام لا يعقل منها في العرف إلا جنة الخلد كما أن السماوات إذا أطلق لم يعقل منها إلا السماوات المخصوصة دون سقف البيت.

قوله سبحانه :

(هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) قال أبو مسلم الأصفهاني وأبو القاسم البلخي لو كانت جنة الخلد لكان عالما بها فلم يحتج إلى دلالة والجنة التي كان فيها آدم كانت في الأرض حيث شاء الله تعالى واختاره الطوسي.

قوله سبحانه :

(أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ) والميراث للحي من الميت الجواب لما أعدت الجنة للمتقين جاز أن يسموا وارثين.

قوله سبحانه :

(الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) وقوله (الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) قال أكثر المفسرين ما من كافر إلا وله منزلة في الجنة وأزواج فإن أسلم وسعد صار إلى منزله وأزواجه وإن كفر صار منزله وأزواجه إلى من أسلم وقال الجبائي يرثون الفردوس على التشبيه بالميراث المعروف من جهة الملك الذي ينتهي إليه أمره وقيل يعني يئول أمره إلى النعم في الجنة ويملك ما يعطيه الله كما يئول أمر الوارث.

قوله سبحانه :

(وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) استدل الجبائي

١٢١

بذلك على أن الثواب مستحق بأعمال الطاعات فلا يستحق من جهة الأصلح لأن الله تعالى بين أنهم أورثوها بما عملوا من طاعاته عزوجل.

قوله سبحانه :

(وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) وقوله (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) الوجه في تكرار ذكر الفاكهة البيان عن اختلاف صفاتها فذكرت أولا بأنها متخيرة كثيرة ثم وصفت (لا مَقْطُوعَةٍ) أي لا تنقطع كما ينقطع ثمار الدنيا في الشتاء ولا يمتنع ببعد متناول أو شوك يؤذي اليد وقيل (لا مَقْطُوعَةٍ) بالأزمان (وَلا مَمْنُوعَةٍ) بالأثمان.

قوله سبحانه :

(وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أي من ثمار الأشجار التي من شأنها أن تؤكل دون الثمر المر.

قوله سبحانه :

(وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) قال مجاهد معناه إن قام ارتفعت وإن قعد تدلت عليه وإن اضطجع تدلت عليه حتى ينالها وقيل لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك.

قوله سبحانه :

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) قال أبو علي بلطف الله لهم في التوبة حتى يذهب حقد العداوة وقال غيره (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) الظل الظليل هو ستر الشمس اللازم والمراد في الآية الجنة قال ابن دريد يقال فلان في ظل فلان أي في عزه ومنعه وقال المبرد أهل الجنة في ظل لا في فيء لأنه لا شمس فيها كما قال (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ).

قوله سبحانه :

(لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) أي في الدنيا بما أنعم على خلقه من فنون الإحسان وفي الآخرة ما يفعل بهم من الثواب والعوض وضروب التفضل والآخرة وإن لم تكن دار تكليف فلا يسقط فيها الحمد والاعتراف بنعم الله تعالى قال أبو الهذيل يكونون مضطرين لفعل ذلك لمعرفتهم الضرورية بنعم الله تعالى عليهم والصحيح أنهم مخيرون في أفعالهم كما قال (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) فيجوز أن يشكروا باللسان

١٢٢

إن وجدوا فيه لذة ولا يجوز بالقلب لأنه يرجع إلى اعتقادات ومن حمد أهلها (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) الآية وقولهم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) الآية وقولهم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ).

قوله سبحانه :

(خالِدِينَ فِيها) الخلود اللزوم أبدا والبقاء والوجود وقتين فصاعدا ولذلك لم يصح في صفات الله تعالى خالد وجاز باق وموجود.

قوله سبحانه :

(وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) اتفقت الأمة أن في الجنة مباشرة وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ جِمَاعُ مَا شِئْتَ. ثم اختلفوا في كيفيتها أنها يكون بالإنزال أو بغيره من اللذات الكثيرة والصحيح أن الجنة لا تقبل الخبث ولم تحمل آدم وحواء لما ذاقا الشجرة و (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما)

فصل

قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) ثم قال (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أما قوله (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) أي أسمع دعوته ولهذا يقال للرجل دعوت من لا يجيب أي دعوت من لا يسمع وقد يكون يسمع بمعنى يجيب كما أن يجيب بمعنى يسمع يقال سمع الله لمن حمده يراد به أجاب الله من حمده أنشد ابن الأعرابي :

دعوت الله حتى خفت ألا

يكون الله يسمع ما أقول.

لم يرد بقوله قريب قرب المسافة بل المراد أني قريب بإجابتي بنعمتي ولعلمي بما يأتي العبد ويذر ويسر ويجهر تشبيها بقرب المسافة لأن من قرب من غيره عرف أحواله ولم يخف عليه ويكون قوله (أُجِيبُ) على هذا تأكيد للقرب (دَعانِ) أي عبدني يكون الإجابة هي الثواب والجزاء على ذلك فكأنه قال إني أثيب على دعائهم لي.

قوله سبحانه :

(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) العبد إذا سأل الله تعالى شيئا في إعطائه صلاح

١٢٣

فعله به وأجابه إليه وإن لم يكن في إعطائه في الدنيا صلاح وخيرة لم يعطه ذلك في الدنيا وأعطاه إياه في الآخرة فهو مجيب لدعائه على كل حال وإن من دعا بشرائط الحكمة بأن يقول اللهم افعل بي كذا إن لم يكن فيه مفسدة لي أو لغيري في الدين أو ينوي هذا في دعائه ويكون حسنا واقتضت المصلحة إجابته أجيب لا محالة وإذا دعاء العبد لم يخل من أحد أمرين إما أن يجاب دعاؤه وإما أن يجاز له يصرفه عما سأل ودعا فحسن اختيار الله تعالى يقوم مقام الإجابة فكأنه مجاب على كل حال وهذا ضعيف ويقال إن الله تعالى أوجب بإجابة الدعاء عند المسألة للمؤمنين دون الكفار والفاسقين وهذا أيضا ضعيف والجواب الصحيح (أَسْتَجِبْ لَكُمْ) إذا اقتضت المصلحة إجابتكم ومن يدع الله ويسأله فلا بد أن يشترط المصلحة إما لفظا أو إضمارا وإلا كان قبيحا لأنه أراد أن دعا بما يكون فيه مفسدة ولا يشترط انتفاؤها كان قبيحا.

قوله سبحانه :

(وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ) وقوله (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) وقوله (لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) قال الجبائي إن ذلك على وجه الانقطاع إليه والتضرع له وله أجوبة كثيرة لا يحتمل هذا الموضع.

قوله سبحانه :

(وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) يعني أنه لا حاصل له وليس له أنهم لا يجابون إلى ما يسألون بل يريد أنه لا يكون حاصل من الثواب فهي باطلة وقال

١٢٤

ابن الإخشيد يجوز ذلك لأن الإجابة كالنعمة في احتمالها أن يكون ثوابا وتعظيما وأن يكون استصلاحا ولطفا ولأنه قد يحسن منا أن يجيب الكافر إلى ما سأل استصلاحا لغيره وقال الجبائي لا يجوز ذلك لأن في الإجابة ذلك تعظيما له.

قوله سبحانه :

حاكيا عن إبليس (أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي القيامة فقال الله تعالى (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) وهو آخر أيام التكليف وقال البلخي الوقت المعلوم الذي قدر الله أجله فيه وهو معلوم لأنه لا يجوز أن يقول تعالى أنا أبقيك إلى وقت معين إن في ذلك إغراء له بالقبيح فما أجابه إلى يوم البعث.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) قال (اتَّقُوا اللهَ) وهو غاية التحذير ثم قال (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) رغب في الدعاء الجواب أنما قال ذلك لئلا يكون المكلف على غرور من أمره بكثرة نعم الله تعالى عليه فيظن أنها موجبة للرضا عنه فحقيقة الدعاء إليه بإبقائه من جهة اجتناب معاصيه والعمل بطاعته.

قوله سبحانه :

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) تدل على بطلان قول من قال لا يجوز الدعاء بأن يفعل الله ما يعلم أنه يفعله لأنه عبث لأن النبي ص كان عالما بأن الله تعالى يهديه الصراط المستقيم وإنه قد فعل ذلك ومع ذلك كان يدعو به ولا يجوز عند أكثر المحصلين أن يدعو نبي على قومه من غير إذن سمعي لأنه لا يأمن أن يكون فيهم من يتوب مع اللطف في التبقية فلا يجاب فيكون ذلك فتنة.

قوله سبحانه :

(رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) وقوله (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وإنه لا يحكم إلا بالحق وقد هداهم الصراط المستقيم فما معنى المسألة الجواب يجوز أن يكون ذلك عباده وانقطاعا إليه ويكون لنا في ذلك مصلحة كسائر العبادات وكما تعبدنا بأن نكرر تسبيحه وتمجيده والإقرار بالشهادتين وغير ذلك وإن كنا معتقدين لجميع ذلك ويجوز

١٢٥

أن يكون المراد بذلك الزيادة في الألطاف كما قال تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) وقال (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) ويجوز أن يكون الله تعالى يعلم أن أشياء كثيرة يكون أصلح لنا وأنفع لنا إذا سألناه وإذا لم نسأله لا يكون ذلك مصلحة فكان ذلك وجها في حسن المصلحة ويجوز أن يكون المراد استمرار التكليف والتعريض للثواب لأن إدامته ليس بواجب بل هو تفضل محض جاز أن يرغب إليه فيه.

قوله سبحانه :

(قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) قيل معناه أنه حل محل من يدعى إليه بالقتل في ماله بقبح الفعل فيخرجه مخرج الدعاء عليه ولا يقال إن الله تعالى دعا عليه لقبح اللفظ بذلك ما يوهم من تمني المدعو به.

قوله سبحانه :

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) إن سئل كيف يلعن الكافر كافرا مثله وهو الظاهر في قوله (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) الجواب قال أبو العالية يلعنه الناس أجمعون يوم القيامة قوله (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) وقال السدي إنه لا يمتنع أحد من لعن الظالمين فقد دخل في ذلك لعن الكافر لأنه ظالم وقال قتادة ويراد به لعن المؤمنين خصوصا ولم يعتد بغيرهم.

فصل

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ) إلى قوله (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) إنما قال (هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) وإن كان أيضا كافرا حقا على وجه التأكيد لئلا يظن أنهم ليسوا كفارا لقولهم (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) وقيل إنه قال ذلك استعظاما لكفرهم كما قال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) إلى قوله (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) وقد يكون مؤمنا حقا من لم يلحق هذه الخصال بلا خلاف.

قوله سبحانه :

(وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) قال ابن عباس

١٢٦

أي بحالة الناطقة عند الدلالة عليه عند أخذ الميثاق عليه وقال أبو العالية ومجاهد أي أقر بالعبودية وإن كان فيهم من أشرك في العبادة كقوله (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) وقال الحسن أكره أقواما على الإسلام وجاء أقوام طائعين وقال قتادة أسلم المؤمن طوعا والكافر كرها عند موته كما قال (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) وقال الشعبي والزجاج والجبائي استسلم له بالانقياد والذلة كما قال (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) وقال الفراء والزهري لأن فيهم من أسلم ابتداء رغبة في الإسلام ومنهم من أسلم بعد أن قوتل وحورب.

قوله سبحانه :

(قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) هذه الآية لا توجب السفسطة والتشكيك في المشاهدات لأنه يجوز أن يكون التقليل في أعين المؤمنين بأن يظنونهم قليلي العدد لا أنهم أدركوا بعضهم دون بعض لأن العلم بما يدركه مفصلا ولهذا إذا رأينا جيشا كثيرا أو جمعا عظيما يدرك جميعهم ويتبين أطرافهم ومع هذا يشك في أعدادهم حتى يقع الخلف بين الناس في حرز عددهم وقال ابن عباس والفراء رأى المسلمون المشركين مثليهم في الحرز ستمائة وكان المشركون تسع مائة وخمسين.

قوله سبحانه :

(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) لا ينافي الآية المتقدمة لأن الأول حجة عليهم والثانية للمسلمين قال الفراء هذا كما يقول إني لأريكم قليلا أي يهونون على أن لا أرى الثلاثة اثنين وقيل تقليل الكفار في أعين المؤمنين بأن يكون أقوى في قلوب المؤمنين وتقليل المؤمنين في أعين الكفار أنهم إذا رأوهم قليلين استهانوا بهم واستحقروهم فلم يستعدوا كل الاستعداد فيظفر بهم المؤمنون.

قوله سبحانه :

(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) وقال (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) قد ذم الفرح في مواضع من القرآن ومدح في مواضع قال (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)

١٢٧

الجواب أكثر ما جاء مقترنا بالذم من ذلك ما كان مطلقا فإذا قيد لم يكن ذما كقوله (يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ) وفي الآية قيد وأما قوله (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) فإنه مقيد ومع كون ذلك فهو مذموم لكنه مقيد بما يقتضي الذم كما أنه إذا جاء مقيدا بما يقتضي الذم أفاد الذم وإن قيد بما يقتضي المدح أفاد المدح وأما قوله (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) وقوله (يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) والفرح للمؤمنين بنصر الله محمود.

قوله سبحانه :

(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) والقول للملائكة كان قبل خلقنا وتصويرنا قال الحسن وأبو علي المراد به خلقنا آباءكم ثم صورنا آباءكم ثم قلنا للملائكة وهذا كما يذكر المخاطب ويريد به أسلافه نحو قولهم هزمناكم يوم ذي قار وقتلناكم يوم الفجار وفضحناكم يوم الجفار وبددنا جمعكم يوم النسار وقال الله تعالى (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي أي خلقنا آدم ثم صورناكم في ظهره ثم قلنا للملائكة وقيل خلقناكم ثم إنا نخبركم أنا قلنا للملائكة كما تقول إني معجل ثم إني معجل وقال الأخفش ثم هاهنا بمعنى الواو كما قال (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) قال الشاعر :

سألت ربيعة من خيرها أبا

ثم أما فقالت إنه.

قوله سبحانه :

(وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) إني فضلت أسلافكم فنسب النعمة إلى آبائكم لأنها نعمة عليهم فيه لأن مآثر الآباء مآثر الأبناء لكون الأبناء من الآباء.

قوله سبحانه :

(فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً) معنى إمطار الحجارة مع انقلاب مدينتهم أنه أمطرت الحجارة أولا ثم انقلبت بهم المدينة وقال الحسن إن الحجارة أخذت قوما خرجوا من المدينة لحوائجهم قبل الفجر.

قوله سبحانه :

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) والمؤمنون لا يكرهون الطاعة

١٢٨

أي إنهم يكرهونه كراهية طباع وقيل كره لكم قبل أن يكتب عليكم وعلى الوجه الأول تكون لفظة الكراهة مجازا وعلى الثاني حقيقة.

قوله سبحانه :

(ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) وقال فإنها محرمة عليهم قال ابن إسحاق إنها كانت هبة من الله لهم ثم حرمهم إياها وقال غيره إن ظاهر ذلك يقتضي العموم بأن الله كتب لهم فلما قال (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً) استثنى ذلك من جملته وقيل المراد به يدخلها قوم منهم وقيل القوم الذين دخلوها غير الذين حرم عليهم.

قوله سبحانه :

(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) قال الحسن وقتادة إنه يثقل العمل به بالمشقة ويقال معناه قولا عظيم الشأن يقال هذا كلام رصين وهذا قول له وزن إذا كان واقعا موقعه وقال ابن زيد معناه العمل به ثقيل في الميزان ويقال ثقيل في القلوب وَمِنْهُ قَوْلُهُ ص إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ.

قوله سبحانه :

(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) كيف باعت اليهود أنفسها بالكفر وهل يشتري بالكفر شيء الجواب معنى الشراء والبيع هو إزالة ملك المالك إلى غيره بعوض اعتاضه منه ثم يستعمل ذلك في كل معتاض من عمله عوضا خيرا كان أو شرا فيقال نعم ما باع به نفسه بمعنى نعم الكسب كسبها وكذلك قوله (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) لما أوبقوا أنفسهم بكفرهم

فصل

قوله تعالى : (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) ثم قال (فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) لا تناقض فيه لأن الانبجاس أقل من الانفجار يعني أنه انبجست أولا ثم انفجرت فأخبر عن الحالين بالوصفين المختلفين.

قوله سبحانه :

(كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) وقوله (كِتاباً مُتَشابِهاً) وقوله (آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) أما قوله (أُحْكِمَتْ) أي أجملت لقوله (فُصِّلَتْ)

١٢٩

والتفصيل يكون بعد الإجمال وأما قوله (مُتَشابِهاً) يعني أن جميعها متشابه في حسن النظم وجودة اللفظ وفي الإفادة وفي كونه معجزا وحكمة وغير ذلك وأما قوله (مُتَشابِهاتٌ) أي يتشابه على الخلق فلا يعرفون تأويله والغرض فيه كما قال (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا).

قوله سبحانه :

(وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) وفي موضع (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) وفي موضع (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) قال أكثر المفسرين اختلف الأوصاف والقصة واحدة والجمع بينها أن الجان الخفيفة والحية المهيبة والثعبان العظيم الخلقة وقال المحققون حال وصفها بصفة الجان كان في ابتداء النبوة وحال وصفها بصفة الثعبان كانت عند لقائه فرعون فاجتمع لها جسم الثعبان في عظم خلقتها ونشاط الجان بسرعة حركتها وهيئة الحية لهيبتها وهذا أبهر في الإعجاز كما قال (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) أي اجتمع لها صفاء القوارير وشفوفها ورقتها مع أنها من فضة وقالوا لم يرد بذكر الجان في الآية الجنة وإنما أراد أحد الجن في المنظر وأفزاعها ممن يشاهدها ولهذا قال (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) وقال المرتضى العصا لما انقلبت حية صارت أولا بصفة الجان ثم بصفة الثعبان على تدريج ويكون فائدة قوله (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) إخبار عن قرب الحال كقوله (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) مع تباعد ما بين حالتيه وقال الطوسي وفي قلب العصا حية دلالتان دلالة على الله تعالى لأنه مما لا يقدر عليه إلا هو وليس مما يلتبس بإيجاب الطبائع لأنه اختراع للانقلاب في الحال والثاني دلالة النبوة لموافقته المدعوة مع رجوعها إلى حالها الأولى لما قبض عليها.

قوله سبحانه :

(فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) إخبار عن القوم بأنهم كانوا عاصين بأيديهم والمحنق يفرك أنامله ويضرب بإحدى يديه على الأخرى الهاء في الأيدي للكفار المكذبين والهاء التي في الأفواه للرسل ع فكأنهم إذا سمعوا وعظ الرسل أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل مانعين لهم عن الكلام كما يفعل المسكت منا لصاحبه الراد على قوله وقيل الهاءان معا للرسل والمعنى أنهم كانوا يأخذون أيدي الرسل فيضعونها على أفواههم ليسكتوهم وقيل الهاءان جميعا يرجع إلى الكفار لا إلى الرسل فيكون المعنى أنهم إذا

١٣٠

سمعوا إنذار الرسل وضعوا أيديهم على أفواههم مبشرين لهم بذلك إلى الإمساك عنه ومن أراد تسكيت غيره وضع إصبعه على في نفسه المراد فردوا القول بأيديهم أنفسهم إلى أفواه الرسل أي إنهم كذبوهم ولم يصغوا إلى أقوالهم فالهاء الأولى للقوم والثانية للرسل والأيدي إنما ذكرت مثلا وتأكيدا كما يقول القائل أهلك فلان نفسه بيده أي وقع الهلاك به من جهة غيره وقيل المراد بالأيدي النعم وفي محمولة على الباء والهاء الثانية للقوم المكذبين والتي قبلها للرسل والتقدير فردوا بأفواههم نعم الرسل أي ردوا وعظهم على مصالحهم الذي لو قبلوه كان نعما عليهم والهاء التي في الأيدي للكفار لأنها نعم من الله عليهم فيجوز إضافتها إليهم وحمل لفظ في على الباء جائز تقول رضيت عنك ورضيت عليك وقال أبو مسلم المضمرون في أولادهم والمراد باليد هاهنا ما نطق به الرسل من الحجج والبينات التي ذكرهم الله أنهم جاءوا بها قومهم وهو الحجة والسلطان ويمكن أن يجعل الضميران للرسل ع على معنى أنهم لما لم يقبلوا وعظهم وإنذارهم رد الرسل أيديهم إلى أفواه أنفسهم إشارة إلى أنا سكتنا فافعلوا ما شئتم تهديدا وتهويلا.

قوله سبحانه :

(ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) القول عند العرب باللسان وبالقلب ويعنون بذلك الظن والاعتقاد فيقولون أتقول عبد الله خارجا وتقول محمدا منطلقا يريدون معنى تظن شاعر:

أما الرحيل فدون بعد غد

فمتى تقول الدار تجمعنا.

أراد فمتى تظن الفائدة في قوله بأفواههم أن القول لا برهان عليه وأنه باطل كذب لا يرجع فيه إلى مجرد القول باللسان لأن الإنسان يقول بلسانه الحق والباطل وإنما يكون قوله حقا إذا كان راجعا إلى برهان فيكون إضافة القول إلى اللسان كما يقول القائل لمن يشك في قوله يكذبه هكذا يقول والفائدة في ذلك التأكيد على جهة المجاز كقوله (يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) أي يتلونه على غير جهة الأمر به ولا فرق بذكر الأفواه بين قول اللسان وقول الكتاب.

قوله سبحانه :

(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) والقول لا يكون بغير الفم

١٣١

المعنى في ذلك أن الأبصار وإن كانت عميا فلا يكون في الحقيقة كذلك إذ كان عارفا بالحق وإنما يكون العمى عمى القلب الذي يجحد معه معرفة الله ووحدانيته.

قوله سبحانه :

(وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) تعلقت الجبرية بها وأضافوا إليها قول الشاعر :

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما

جعل اللسان على الفؤاد دليلا

وهذا مخالف الأصول واللغة لأن الكلام ما هو مركب من الحروف المعقولة المتميزة إذا وقع ممن يصح منه أو من قبيله الإفادة وعند النجاة هو جملة مفيدة ومعنى قوله (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) أي بين خواصهم كقوله (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) يعني به عليا ع وأما قولهم قلت في نفسي أو تكلمت في نفسي مجاز وإنما يعنون بذلك تفكرت في ذلك وهجس في خاطري وأضمرت في نفسي يؤيد ذلك قوله (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) ولو كان الكلام في النفس لما منع السكوت والخرس منه.

قوله سبحانه :

(وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) تأكيد كما تقولون رأيت بعيني وسمعت بأذني وربما قالوا رأت عيني وسمعت أذني وقال الفراء أراد يطير بجناحين لأنهم يقولون قد مر الفرس ويطير طيرا ويقال إنما قال بجناحيه لأن السمك عند الطبائعية طائر في الماء فأخرجها من الطائر لأنها من دواب البحر وقيل ليفرق بين طيران الطيور بأجنحتها وبين الطيران بالإسراع يقال طرت في جناحته.

قوله سبحانه :

(ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) وفي موضع (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ) أي يؤديهم إلى النار وقيل يأكلون في جهنم النار جزاء تلك الأعمال ومعنى قوله (فِي بُطُونِهِمْ) والأكل لا يكون إلا في البطن لأن العرب تقول جعت في غير بطني وشبعت في غير بطني إذا جاع من يجري جوعة مجرى جوع نفسه فذكر ذلك لإزالة اللبس ثم إنه إنما استعمل المجاز بالأجزاء على الرشوة اسم النار حقق بذكر البطن ليدل على أن النار تدخل أجوافهم.

قوله سبحانه :

(فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) والسقف لا يخر إلا من فوق على

١٣٢

بمعنى عن أي خر عن كفرهم بالله يقال اشتكى فلان من دواء شربه وعلى دواء شربه ورمى عن قوسه وعلى قوسه وعلى بمعنى اللام والمراد فخر لهم السقف يقال ما أغضبك على ما أعملك على يريدون لي وتداعت على فلان داره واستهدم عليه حائطه ويستعملون في الأمر المكروه واللام وغيرها في خلاف ذلك يقال عمرت له ضيعته وولدت له جاريته ولا يقال عمرت عليه ضيعته ولا ولدت عليه جاريته ومن شأنهم إذا قالوا في الشر والكذب يقولون قال علي وروى علي وفي الخير والحق يقولون قال عني قال الله تعالى (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) وقوله (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) من فوقهم أي عليهم وقع وهلكوا تحته من فوقهم تأكيد للكلام وزيادة في البيان قوله (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ).

قوله سبحانه :

(وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) بمعنى ضيق صدورهم بالهم الذي حصل وإذا ضاق صدر الإنسان قصر عن معاني يحتمله الواسع الصدر.

قوله سبحانه :

(فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) قال الفراء وابن الأنباري المعنى (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِ) البعض الذي غشيهم لأنه لم يغشهم جميع ماء اليم بل غشيهم بعضه فقال تعالى (ما غَشِيَهُمْ) ليدل على أن الذي غرقهم بعض الماء وأنهم لم يغرقوا بجميعه فغشي فرعون وقومه من ماء البحر ما غشي موسى وقومه إلا أن فرعون وقومه غرقهم وموسى وقومه جعل لهم في الطريق يبس فتكون الهاء الأولة كناية عن فرعون والثانية كناية عن موسى وقومه غشيهم من عذاب أليم وإهلاكه لهم ما غشي الأمم السالفة من العذاب والهلاك عند تكذيبهم أنبياءهم فغشيهم من قبل اليم ما غشيهم من العطب والهلاك من البحر وقال المرتضى الفائدة في قوله (ما غَشِيَهُمْ) تعظيم الأمر يقال فعل فلان ما فعل وأقدم على ما أقدم ومن هذا الباب هذا هذا وأنت أنت وهم هم قال أبو النجم : أنا أبو النجم وشعري شعري.

قوله سبحانه :

(وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) الآية ١٨٥ ٢ الرجل من العرب

١٣٣

إذا قصد حاجة فلم يقض له ينجح فيها رجع فدخل من مؤخر البيت ولم يدخل من بابه تطيرا وكان أهل الوبر إذا أحرموا في غير الأشهر الحرم لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها ودخلوها من ظهورها وأهل المدر نقبوا في بيوتهم ما يدخلون ويخرجون منه وقال أبو عبيدة ليس البر بأن تطلبوا الخير من غير أهله واطلبوه من وجهه الجبائي أمر بإتيان الأمور من وجوهها وإن العادل في الأمر عن وجهه كالعادل في البيت عن بابه البيوت كناية عن النساء والمعنى وائتوا النساء (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) قال الشاعر :

لا أدخل البيت أحبو من مؤخره

ولا أكسر في ابن العم أظفاري

فصل

قوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) معناه المبالغة في وصف الإنسان بكثرة العجلة وشدة الاستعجال كقولهم للنئوم ما خلقت إلا من نوم وللشرير ما خلق فلان إلا من شر وللأكول ما أنت إلا لأكل وشرب أبو عبيدة إن للكلام قلبا والمعنى خلق العجل من الإنسان كما قال (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) وقالوا عرضت الناقة على الحوض واستوى العود على الحرباء قال الشاعر : وهن من الأخلاف والولعان قال الحسن (مِنْ عَجَلٍ) أي ضعف وهي النطفة الضعيفة المهينة وقال الأخفش المراد أن الإنسان خلق من تعجيل الأمر لقوله (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وقال الخليل العجل الطين قال الشاعر :والنخل ينبت بين الماء والعجل قال المراد بالإنسان آدم ومن عجل أي في سرعة من خلقه لأنه لم يخلقه من نطفة ثم من علقة كما خلق غيره وقال مجاهد خلق الله آدم بعد كل شيء آخر نهار يوم الجمعة على سرعة معاجلا به غروب الشمس وروي أن آدم لما نفخت فيه الروح وبلغت أعالي جسده دون أسافله قال يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس ابن عباس والسدي لما خلق آدم وجعلت الروح في أكثر جسده وثب عجلا مبادرا إلى ثمار الجنة وقال قوم بل هم بالوثوب.

قوله سبحانه :

(فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) استدل بعضهم بهذه الآية أن الإنسان غير هذه الجملة لأنه بين أنه يركب الخلق في أي صورة شاء وهذا فاسد لأن عنده أن ذلك الحي

١٣٤

لا يصلح عليه التركيب والله تعالى بين أنه ركبه في أي صورة شاء وكيف شاء.

قوله سبحانه :

(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) وفيهم المشوه الخلق الجواب هذا عارض لا يعتد به في هذا الوصف والله تعالى خلق الإنسان على أحسن صورة من الحيوان كله والصورة عبارة عن بنية مخصوصة كصورة الإنسان والفرس والطير.

قوله سبحانه :

(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ. فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) أمر بذبح البقرة لينكشف أمر القاتل فأخر ذكر السبب عن المسبب هذه الآية وإن تأخرت فهي مقدمة في المعنى على الآية التي ذكرت فيها البقرة وتأويلها وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها فسألتم موسى فقال لكم إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فأخر المقدم وقدم المؤخر نحو قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً) شاعر : طاف الخيال وأين منك لماما. أراد طاف الخيال وأين هو منك وإنه متأخر في الحقيقة وواقع بعد ذبح بقرة (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) لأن الأمر بضرب المقتول ببعض البقرة أنما هو بعد الذبح فكأنه قال (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) ولأنكم قتلتم نفسا فادارأتم فيها أمرناكم أن تضربوه ببعضها ليكشف أمره.

قوله سبحانه :

(إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وقال (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) ثم قال (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ) وقال (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وقال (وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) أضافها مرة إلى نفسه لأنه عالم بها وإلى الملائكة مرة لأنه المؤمر وقال الحسن (نَسْتَنْسِخُ) ما هو مدون عندها من أحوالنا للجزاء به ومعنى (نَسْتَنْسِخُ) نستكتب الحفظة ما يستحقونه من ثواب أو عقاب ويلغى ما عداه وقال الجبائي معنى سنكتب ما قالوا أنه يكتب في صحائف أعمالهم لأنه أظهر في الحجة عليهم وأخرى أن يستحيوا من قراءة ما أثبت من فضائحهم وقال البلخي سيحفظ ما قالوا حتى يجازوا به أي هو بمنزلة ما قد كتب في أنه

١٣٥

لا يضيع منه شيء والأول أظهر.

قوله سبحانه :

(إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) فيها دلالة على فساد قول المجبرة إنه ليس لله على الكافر نعمة لأن لفظة الناس عامة ويفسد أيضا قولهم في الإرادة وإن جميع ما أعطى الله الكفار إنما هو ليكفروا لا يؤمنوا

فصل

قوله تعالى : (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي بغير تقدير من المرزوق ولا حساب منه فالحساب يرجع إلى المرزوق لا إلى الله تعالى كما يقال ما كان كذا وكذا في حسابي أي لم أؤمله قال ابن عباس عني بها أموال بني قريظة وبني النظير أنها تصير إليكم بغير حساب ولا قتال يرزق من يشاء رزقا غير مضيق بل يزيد في السعة على كل عطاء للمخلوقين فيكون نفي الحساب نفيا للتضييق ومبالغة في وصفه بالبيعة وقال قيس بن الحطيم :

ما تمنعي يا نفس قد تؤتينه

في النوم غير مصرد محسوب.

يرزق من يشاء من طلب المكافأة أو منفعة عائدة إليه بخلاف محاسبة الخلق ففي انتهاء هذه الأمور جاز له أن يرزق بغير حساب وقال قطرب يعني العدد الكثير مما لا يضبطه الحساب أو يأتي عليه العدد لأن مقدوره تعالى لا يتناهى وما في خزائنه لا ينحصر ولا يصح عليه النفاد وليس كالمعطي العشرة من المائة أو المائة من الألف لأن مقدار ما يتسع له ويتمكن منه محدودة متناه ولا انقطاع لما يقدر عليه سبحانه ويعطي عباده في الجنة من النعيم أكثر مما استحقوا وأزيد مما وجب لهم بمحاسبته إياهم على إطاعته كما قال (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ) والمعطي منا غيره شيئا قد يكون له ذلك فيكون فعله قبيحا يؤاخذ به ويحاسب عليه فنفى الله تعالى عن نفسه أن يفعل القبيح وما ليس له أن يفعله بنفي الحساب عنه وإنباء أنه لا يعطي إلا على أفضل الوجوه وأبعدها من الذم وإن الله تعالى إذا أعطى من فضله كان الحساب عن العبد ساقطا من جهة الناس فليس لأحد أن يقول له لم رزقت أو يقول لربه لم رزقته ولا يسأله ربه عن الرزق وإنما يسأله عن إنفاقه في الوجوه التي ينفقه فيها فسقط الحساب من هذه الوجوه عما يرزقه الله المراد بمن يشاء أي يرزقه أهل الجنة لأنه يرزقهم رزقا لا يتناول جميعه الحساب ولا العدد والإحصاء من حيث لا نهاية له ولا انقطاع للمستحق

١٣٦

منه كما قال (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ).

قوله سبحانه :

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) قوله (وَمِنْهُ شَجَرٌ) فيه وجهان أحدهما أن يكون المراد سقى شجر وشرب شجر فحذف المضاف وأضاف المضاف إليه مقامه ومثله (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) أي حبه والوجه الآخر أن يكون المراد من جهة الماء شجر ومن سقيه وإنباته شجر فحذف الأول وخلفه الثاني كما قال زهير :

أمن أم أوفى دمنة لم تكلم

بحوماته الدراج فالمتلثم

فصل

قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) وقوله (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) وقوله (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) قال الزجاج وجه الجمع بينها في المعنى أن جزاء الله على الحسنات على التضعيف للمثل الواحد الذي هو النهاية في التقدير في النفوس ويضاعف الله من ذلك إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ففائدة ذلك أنه لا ينقص من الحسنة عن عشرة أمثالها وفيما زاد على ذلك يزيد من يشاء من فضله قال قوم المعنى (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) المستحق عليها مقداره لا يعلمه إلا الله وليس يريد بذلك عشر أمثالها في العدد كما يقول القائل للعامل الذي يعمل معه لك من الأجر مثل ما عملت أي ما تستحقه بعملك وقال آخرون المعنى في ذلك أن الحسنة لها مقدار من الثواب معلوم لله تعالى فأخبر الله تعالى أنه لا يقتصر بعباده على ذلك بل يضاعف لهم الثواب حتى يبلغ في ذلك ما أراد وعلم أنه أصلح لهم ولم يرد العشرة بعينها لكن أراد الأضعاف كما يقول القائل لئن أسديت إلي معروفا أكافيك بعشر أمثاله وعشر أضعافه.

قوله سبحانه :

(فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) إن ذلك متصور وإن لم ير نحو قوله (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) أيضا فقد رأى ذلك في الجاورس والسمسم ونحوهما وقيل إن

١٣٧

السنبلة تنبت مائة حبة فقيل فيها على ذلك المعنى كما يقال في هذه الحبة حب كثير.

قوله سبحانه :

(يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) وقد يربى للرجل ويكثر ماله قَالَ الصَّادِقُ يَمْحَقُ اللهُ دِينَهُ وَإِنْ كَثُرَ مَالُهُ. وقال البلخي يمحقه في الدنيا بسقوط عدالته والحكم بفسقه.

قوله سبحانه :

(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) وهم ينكرون اليوم ذلك أنما أخبر الله تعالى بذلك عنهم لأن منهم من كان يذهب إليه يدل على ذلك أن اليهود لم ينكرها وقت ما أنزل الله تعالى ذلك وهو كقولك الخوارج تقول بتعذيب الأطفال وإنما يقول ذلك الأزارقة منهم خاصة وقال ابن عباس القائل بذلك جماعة جاءوا إلى النبي ص فقالوا ذلك وهم سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وشاش بن قيس ومالك بن الصيف فأنزل الله تعالى فيهم الآية وسمعت أنهم قوم يسمونهم الأشمعية وقالت المريمية من النصارى المسيح ابن الله كانوا يعتقدون أنها آلهة.

قوله سبحانه :

(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) وقوله (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) وغير ذلك من الآيات ثم قال (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) إن الله تعالى فضل بني إسرائيل بما أعطاهم على عالمي زمانهم وقال الحسن فضلهم على أهل زمانهم وقال قوم فضلهم في كثرة الأنبياء منهم على سائر الأمم أما أمة محمد ص أفضل في علو منزلة نبيها عند الله تعالى على سائر الأنبياء وكثرة العلماء لقوله (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ).

قوله سبحانه :

(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) قال ابن عباس قد أخبر الله أنهم يكتبوه بأيديهم ثم سماهم أميين لجحودهم لكتب الله ورسله لدلالة قوله بعده (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) وقال أكثر المفسرين

١٣٨

الأمي الذي لا يكتب ولا يحسب والأمة الخلقة وإنه مأخوذ من الأم والكتابة تختص بالرجال ولأن المرأة تلد ابنها ولا يكتب وقال أبو عبيدة الأميون هم الذين لم ينزل عليهم كتاب.

قوله سبحانه :

(الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) وصفهم بالخشوع في الطاعة ومدحهم بذلك بأنهم يظنون أنهم ملاقو ربهم لأن الظن المذكور في الآية المراد به العلم واليقين وقوله (وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ) وقوله (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) ويحتمل قوله (يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) لشدة إشفاقهم من الإقامة على معصية الله تعالى.

قوله سبحانه :

(وَالنَّجْمِ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَالذَّارِياتِ) ونحوها قسم بدلالة جرها وَرَوَيْنَا عَنِ الْبَاقِرِ وَالصَّادِقِ ع أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ وَلَيْسَ لِخَلْقِهِ أَنْ يُقْسِمُوا إِلَّا بِهِ. وإنما كان كذلك لأنه من باب المصالح التي يجوز أن يختلف به العبادات وإنما جاز أن يقسم هو تعالى بما شاء من خلقه للتنبيه على موضع العبرة فيه إذ القسم يدل على عظم شأن المقسم به.

قوله سبحانه :

(الم) و (المص) و (المر) و (كهيعص) وسائر ما في القرآن من هذه الألفاظ قد اختلف المفسرون من أنه قسم أو اسم سورة أو سر فيه أو غير ذلك إلا أن الزنادقة لا يقبلون إلا بما يدل عليه كلام العرب مثل قول الراجز :

ما للظليم عال كيف لايا

ينفد عنه جلده أذايا

أهبى التراب فوقه إهبايا.

وقال الآخر: بالخير خيرات وإن شرافا أي فشر : ولا أريد الشر إلا أن تا يريد إلا أن تشاء وقال الآخر :

قلنا لها قفي لنا قالت قاف

لا تحسبي أنا نسينا الإيخاف

كأنه قالت وقفت

١٣٩

(باب ما يتعلق بأصول الفقه)

فصل

قوله تعالى : (قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) وقوله (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ) رد على من قال إن الأوامر مختصة بالقول دون الفعل.

قوله سبحانه :

(وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) استدل قوم بها على أن لفظة الأمر مشتركة بين القول والفعل لأنه تعالى أراد وما فعل فرعون برشيد وهذا ليس بصحيح لأنه يجوز أن يكون أراد بذلك الأمر الذي هو القول أو يكون مجازا.

قوله سبحانه :

(ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) لا يدل على إسقاط الرتبة في الأمر لأنه استعار للإجابة لفظ الطاعة ولا يقول أحد إن الله تعالى أطاعني في كذا إذا أجابه إليه ويقتضي ظاهر القول أنه ما للظالمين من شفيع يطاع وليس يعقل ذلك من نفي شفيع يجاب.

قوله سبحانه :

(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) رد على من قال الدعاء يعتبر فيه الرتبة لأن الله تعالى دعا إلى عبادته وطاعته ويقال دعا السيد عبده إلى سقيه الماء ودعوت الضيف.

قوله سبحانه حكاية عن فرعون (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) لم يسألهم من باب الأمر والنهي ولكن من باب المشورة أي أشيروا علي.

قوله سبحانه :

(أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) اعلم أن لفظة افعل تجيء على

١٤٠