متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني

متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

المؤلف:

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات بيدار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٣
الجزء ١ الجزء ٢

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

فصل

قوله تعالى : في قصة نبينا ع (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) وقوله (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) وقوله (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) وقوله (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) قَالَ صَفْوَانُ الْجَمَّالُ جَاءَ زِنْدِيقٌ إِلَى هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ مَنْ أَشْعَرُ النَّاسِ قَالَ إِمْرُؤُ الْقَيْسِ قَالَ أَجَلْ فَبِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ بِقَوْلِهِ قَفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلٍ قَالُوا لَوْ كَرَّرَ هَذَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ مَا يَكُونُ عِنْدَكَ قَالَ مَجْنُونٌ قَالَ فَكَيْفَ لَا تُجَنِّنْ نَبِيَّكَ إِذْ جَاءَ بِ (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) السُّورَةَ فَقَالَ وَرَاءَكَ الْبَابُ فَإِنَّ لِي شُغُلاً وَرَحَلَ مِنْ سَاعَتِهِ إِلَى الصَّادِقِ ع وَحَكَى لَهُ جَمِيعَ ذَلِكَ فَقَالَ ع لَيْسَ عَلَى مَا ظَنَّهُ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ اجْتَمَعُوا إِلَى النَّبِيِّ ع فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ اعْبُدْ إِلَهَنَا يَوْماً نَعْبُدُ إِلَهَكَ عَشْراً وَاعْبُدْ إِلَهَنَا شَهْراً نَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) يَوْماً (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) عَشْراً (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) شَهْراً (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) سَنَةً (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) فَذَكَرَ هِشَامُ لِلزِّنْدِيقِ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا مِنْ خَزَانَتِكَ هَذَا مِنْ خِزَانَةِ غَيْرِكَ. وقال ثعلب إنما حسن التكرار لأن تحت كل لفظة معنى ليس هو تحت الأخرى وتلخيص الكلام (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) الساعة وفي هذه الحالة (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) في هذه الحال أيضا واختص الفعلان منه ومنهم بالحال وقال من بعد (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) في المستقبل (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) فيما تستقبلون فاختلف المعاني وحسن التكرار لاختلافها وقال الفراء التكرار للتأكيد كقول المجيب مؤكدا بلى بلى والممتنع لا لا قال الشاعر : كم نعمة كانت لكم كم كم وكم. وقال ابن قتيبة جاء المشركون إلى النبي فقالوا له استلم بعض أصنامنا حتى نؤمن بك ونصدق بنبوتك فأمره الله بأن يقول لهم (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) ثم عبروا برهة من الزمان وجاءوه فقالوا له اعبد بعض آلهتنا واستلم بعض أصنامنا يوما أو شهرا أو حولا لنفعل مثل ذلك بإلهك فأمره

٢

الله بأن يقول (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي إن كنتم لا تعبدون إلهي إلا بهذا الشرط فإنكم لا تعبدون أبدا والجواب القريب أنني لا أعبد الأصنام التي تعبدونها (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي أنتم غير عابدين الله الذي أنا عابده إذ أشركتم به واتخذتم الأصنام وغيرها معبودة من دونه وإنما يكون عابدا من أخلص العبادة له دون غيره وأفرده بها وقوله (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) أي لست أعبد عبادتكم وما في قوله (ما عَبَدْتُّمْ) في موضع المصدر كما قال (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) يريد بفرحكم ومرحكم ومعنى قوله (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي لستم عابدين عبادتي ولم يتكرر الكلام إلا لاختلاف المعاني.

قوله سبحانه :

(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) ٦ ١٠٩ ليس بإباحة وإطلاق وإنما هو تهديد وزجر كقوله واستفزز من استطعت منهم ومعناه لكم جزاؤكم ولي جزائي لأن الدين هو الجزاء

قوله سبحانه :

(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) فكأنه قيل لهم يجب عليكم الركوع لله تعالى فاركعوا فأخبر عنهم أنهم لا يركعون تكذيبا لهذا الخبر فلهذا عقيب ذلك جاء (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) وكذلك الآيات الأخر.

قوله سبحانه :

(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) لا يجوز عند أحد أن يمنع من سماع الأدلة مع التكليف ولا بد أن يبين للجميع ما كلفهم فوجب أن يسمعهم القرآن لثبوت التكليف وكان النبي ص يتحد الكفار بقراءته وقد ذم الله تعالى من منع من استماعه قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) ووبخهم لترك تلاوته قوله (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) وإنه قال (حِجاباً مَسْتُوراً) والحجاب يكون ساترا لا مستورا فيحمل أن يريد به مستورا أنت به ومستورا حالا وأنه أخبر أنه يصرف الآيات وقوله (وَصَرَّفْنا فِيهِ فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ويدل أنهم كانوا غير ممنوعين لأن في عقيبها (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ).

قوله سبحانه :

(إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) والكافرون كانوا

٣

يقرفونه بأنه ساحر المراد إن تتبعون إلا رجلا متغير العقل لأن المشركين كان من مذهبهم عيب النبي ص فكانوا ينسبونه إلى أنه ساحر ومجنون ومسحور ومتغير العقل وربما قرفوه بأنه شاعر وقد جرت عادة الناس بأن يصفوا من يضيفونه إلى البله والغفلة وقلة التحصيل بأنه مسحور والمسحور المخدوع المعلل لأن ذلك أحد ما يستعمل فيه قال أمية بن الصلت :

فإن تسألينا فيم نحن فإننا

عصافير من هذا الأنام المسحر

والسحر في لغة العرب الرئة وقالوا الكبد فكان المعنى على هذا إن تتبعون إلا رجلا ذا سحر خلقه الله بشرا كخلقكم والمسحور جاء بمعنى الساحر قال الله تعالى (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) أي ساترا ومنه قولهم فلان مشوم على فلان وميمون وهم يريدون شائم له ويأمن لأنه من شامهم ويمنهم وهذا ضعيف لأن من لحقه الشؤم يسمى مشوما

فصل

قوله تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) أي عن النبوة أو عن الشريعة فهداك إليها خرج مخرج الامتنان ولا بد من تقدير محذوف يتعلق به الضلال لأن الضلال هو الذهاب والانصراف ولا بد من أن يكون منصرفا عنه ومن قال إنه أراد الذهاب عن الدين يقدر هذه اللفظة ثم يحذفها ليتعلق بها لفظة الضلال وليس هو بذلك أولى منا بما قدرناه وحذفناه ثم إنه أراد الضلال عن المعيشة وطريق التكسب أو ضالا بين مكة والمدينة عند الهجرة أو مضلولا عنك في قوم لا يعرفون حقك فهداهم إلى معرفتك وأرشدهم إلى قصدك يقال فلان ضال في قومه وبين أهله إذا كان مضلولا عنه وقيل وجدك لا تعرف الشرع فهداك إليه وقيل وجدك في قوم يخالفونك فكأنك واحد.

قوله سبحانه :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) ليس فيها ما يدل على الخرافة التي ذكروها وتقتضي التلاوة كما قال حسان:

تمنى كتاب الله أول ليلة

وآخره لا في الحمام المقادر

فإن أراد التلاوة فالمراد أن من أرسل قبلك من الرسل كان إذا تلا ما يؤديه إلى قومه حرفوه عليه بزيادة أو نقصان وأضاف ذلك إلى الشيطان لأنه يقع بوسوسته وغروره وإن كان المراد تمني القلب فالشيطان متى تمنى بقلبه بعض ما يتمناه من الأمور يوسوس إليه الباطل ويحدثه بالمعاصي ويغريه

٤

بها ويدعوه إليها فإن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله بما يرشده من مخالفة الشيطان وعصيانه وترك غروره ثم بين أن الله يزيل ذلك ويدحضه بظهور حجته وإنما خرجت الآية على الوجوه مخرج التسلية له.

قوله سبحانه :

(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالعتق والتبني والمحبة والتزويج يعني زيد بن حارثة (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) وذلك أن الله تعالى أوحى إلى نبيه أن زيدا سيأتيه مطلقا زوجته وأمره أن يتزوجها بعد فراغ زيد بها ليكون ذلك ناسخا لسنة الجاهلية فلما حضر زيد مخاصم زوجته عازما على طلاقها أشفق النبي عن أن يمسك عن وعظه وتذكيره لا سيما وقد كان يتصرف على أمره وتدبيره فيرجف المنافقون به إذا تزوج المرأة ويقرفونه بما قد نزهه الله عنه فقال أمسك عليك زوجك تبريا مما ذكرناه وأخفى في نفسه عزمه على نكاحها بعد طلاقه لها لينتهي إلى أمر الله تعالى فيها يدل على هذا التأويل قوله (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً).

قوله سبحانه :

(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) أي لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك.

قوله سبحانه :

(وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) إنه فعل ما غيره أولى منه وليس يكون بترك الأولى عاصيا

فصل

قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) إلى قوله (عَظِيمٌ) لفظة نبي نكرة وليس في ظاهرها أنه عوتب في شأن الأسرى بل يقتضي غير ذلك لأن قوله (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) وقوله (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) الآية لا شك أنه لغيره فيجب أن يكون المعاتب غيره ثم إن الله تعالى أمره بقوله (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا

٥

مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) فبلغ النبي ذلك إلى أصحابه فخالفوه وأسروا يوم بدر جماعة من المشركين طمعا في الفداء فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وبين أن الذي أمره سواه وقوله (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) فلا شك أن الصحابة أسروهم ليكونوا في يده ومضافون إليه وإن كان لا يأمرهم بأسرهم بل بخلافه.

قوله سبحانه :

(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) هذا ليس يقتضي وقوع معصية ولا غفران عقاب بل القصد به التعظيم والملاطفة في الخطاب كما تقول أرأيت رحمك الله وقد بدأ بالعفو قبل العقاب لأنا نقول لغيرنا لم فعلت كذا في حال استفهام أو تقرير وكيف يكون ذلك معصية وقال تعالى في موضع آخر (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) ولو كان للعقاب مفردا لما دل إلا أنه ترك الأولى وترك الأولى ليس بذنب.

قوله سبحانه :

(وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) الاستغفار قد يكون عند ذكر المصيبة بما ينافي الإضرار وقد يكون على وجه التسبيح والانقطاع إلى الله تعالى فكأنه قال قد حدث أمر يقتضي الاستغفار مما جدده الله لك فاستغفره بالتوبة يقبل ذلك منك ومخرجه مخرج الخطاب للنبي وهو تعليم لجميع أمته.

قوله سبحانه :

(سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) أي يتساوى الاستغفار لهم وعدم الاستغفار فإن الله لا يغفر لهم لأنهم يبطنون الكفر وإن أظهروا الإيمان وقال الحسن أخبر الله تعالى أنهم يموتون على النفاق فلم تستغفر لهم بعد.

قوله سبحانه :

(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) ونحوهما فهو خطاب متوجه إلى النبي ص وهو نهي لجميع المكلفين.

قوله سبحانه :

(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) وقوله (فَلا تَأْسَ

٦

عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) ليس ينهى عن الحزن لأنه لا يقدر عليه لكنه تسلية للنبي ص ونهي عن التعرض للحزن

فصل

قوله تعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) كان النبي ص مؤيدا بالوحي كاملا في الرأي مستغنيا عن الاستفادة وكان ممن يوثق بقوله ويرجع إلى رأيه فالوجه في ذلك ما قال قتادة والربيع وابن إسحاق إن ذلك على وجه التطيب لنفوسهم وقال سفين بن عتبة وجه ذلك ليقتدي به أمته في المشاورة ولا ترونها منزلة نقيصة كما مدحوا بأن أمرهم شورى بينهم وقال الحسن والضحاك لإجلال الصحابة واقتداء الأمة به وقال الجبائي أن يستعين برأيهم في بعض أمور الدنيا وقال الشيخ المفيد وجه ذلك أن يمتحنهم فيتبين الناصح في مشورته من الغاش له بدلالة قوله (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) علق الفعل بعزمه دون رأيهم ألا ترى أنهم لما أشاروا ببدر عليه في الأسرى جاء التوبيخ (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى).

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) جاهد النبي ص الكفار في حال حياته وأمر وصيه بجهاد المنافقين بعد وفاته قوله تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين وقوله ع في حديث خاصف النعل وحديث كلاب الحوأب وحديث تقتلك الفئة الباغية وحديث ذي الثدية وغير ذلك وقيام الوصي بعده بالجهاد يدل على جهاده ويقال (جاهِدِ الْكُفَّارَ) بالقتال (وَالْمُنافِقِينَ) بالمقال وإنما صح ذلك لما كان في أصحابه منافقون.

قوله سبحانه :

(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) يعني بالآيات ما تقدم ذكره من إماتته ألوفا دفعة ثم أحياهم في مقدار ساعة ومن تمليك طالوت مع حمولة ومن نصرة أصحاب طالوت في قتلهم ولا يقدر عليه غير الله تعالى ثم قال (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) فائدة الجمع بينهما أشياء منها الإخبار بما تقدم من الدلالة على النبي ص والتصديق بتلك الأمور لنبوته وأنه أوحي إليه واستدعي القيام بما أرسل به بعد قيام الحجة عليهم وأنه كما نصب تلك الآيات جعلك من المرسلين فصارت هذه الآيات دلالة على النبوة من جهة أنها إخبار عن غيوب

٧

قوله سبحانه :

(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) جاءت أو بعد ما لا يجوز أن يعطف عليه قوله (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) معطوف على قوله (لِيَقْطَعَ طَرَفاً) والمعنى أنه تعالى عجل لكم هذا النصر ومنحكم به ليقطع من الذين كفروا أي قطعه منهم وطائفة من جميعهم (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) أي يغلبهم فيخيب سعيهم أو يعطفهم ما يريدون من تظاهر آيات الله الموجبة لتصديق نبيه ص فيتوبوا ويؤمنوا فيقبل الله ذلك منهم ويتوب عليهم أو يكفروا بعد قيام الحجج فيموتوا أو يقتلوا كافرين فيعذبهم الله تعالى فيكون قوله (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) معطوفا على قوله (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) أي ليس لك ولا لغيرك من هذا النصر شيء وإنما هو من الله ويقال ليس لك من الأمر شيء أو من أن يتوب عليهم فأضمر من اكتفاء بالأولى وأضمر أن بعدها لدلالة الكلام عليها وهي مع الفعل الذي بعدها بمنزلة المصدر وتقدير الكلام ليس لك من الأمر شيء ومن توبتهم وعذابهم ويقال ليس لك من الأمر شيء حتى يتوب عليهم كما قال إمرؤ القيس :

فقلت له لا تبك عينك إنما

نحاول ملكا أو تموت فنعذرا

أراد إلا أن نموت فيكون تقدير الكلام ليس ما تريده من توبتهم أو عذابهم بك وإنما يكون ذلك بالله تعالى.

قوله سبحانه :

(ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) يعني ما كنت قبل المبعث تدري ما الكتاب ولا ما الإيمان أو قلت قبل البلوغ.

قوله سبحانه :

(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) المعنى أما علمت وإنه خرج مخرج التقدير كقوله أنت قلت للناس قال الجبائي إنما قال الله تعالى ذلك لأمرين أحدهما التقدير والتنبيه الذي يئول إلى معنى الإيجاب كما قال الشاعر :

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح

وأنكر الطبري أن يدخل حرف الاستفهام على حرف الجحد بمعنى الإثبات والثاني أنه خطاب

٨

للنبي والمراد به أمته كما قال (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ)

فصل

قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) اقترحوا أن يأتيهم بها من جنس ما شاءوا لما قالوا (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) يعنون فلق البحر وإحياء الموتى وإنما قالوا ذلك حين عجزوا عن معارضة القرآن فقال تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) وقال هاهنا (قُلْ) يا محمد (إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ما في إنزالها من وجوب الاستيصال لهم إذ لم يؤمنوا عند نزولها وبين أنه لو أنزل عليهم ما أنزل لم يؤمنوا قوله (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) إلى قوله (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) معناه إلا أن يشاء الله أن يكرههم وقال (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) يعني الآيات التي اقترحوها للإيمان فلم يؤمنوا لما رأوها فوجب استيصالهم وقال (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) الآية.

قوله سبحانه :

(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) فيه دلالة على أنهم كانوا على شبهة لأن العارف بالله تعالى لا يقول هذا لأنه لا يجوز عليه تعالى المقابلة ولا لهم استعمال هذا على معنى دلائل آيات الله إذ لا دليل يدل على ذلك فلا يشرط الظاهر ما ليس فيه لأنه لم يثبت معرفتهم وحكمتهم فينصرف ذلك على الظاهر فلذلك أجابهم الله تعالى بقوله (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) وإنما أجابهم بذلك لأن المعنى الذي يقترحون من الآيات ليس أمرها إلي وإنما هي إلى الذي أرسلني والذي هو أعلم بالتدبير مني وما ينصبه من الدليل فلا وجه لطلبكم هذا مني ولا يلزم إظهار المعجزات بحسب اقتراح المقترحين لأنه لو لزم ذلك للزم في كل حال لكل مكلف.

قوله سبحانه :

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) رد على المجبرة من أنه ليس لله على

٩

الكافر نعمة لأنه تعالى بين أن إرسال الله رسوله نعمة على العالمين وعلى كل من أرسل إليه ووجه النعمة على الكافر عرضة الإيمان ولطف له في ترك معاصيه وقال ابن عباس هي نعمة على الكافر بأن عوفي مما أصاب الأمم قبلهم من الخسف والقذف.

قوله سبحانه :

(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) ليس فيه ما بهتوه والشرح غير الشق ولا يحيا الحي بعد ما شق صدره والمعصوم قلبه خال من الرين وليس في الظاهر ما يدل على مقالهم والوزر هو الثقل وسميت الذنوب أوزارا تشبيها بالثقل والمراد هاهنا عمة من قومه يوضحه قوله (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ).

قوله سبحانه :

(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) الذنب مصدر وقد يضاف إلى فاعل ومفعول قولهم أعجبني ضرب زيد عمرا إذا أضافوه إلى الفاعل وأعجبني ضرب زيد عمرو إذا أضافوه إلى المفعول فيكون هذا مضافا إلى المفعول والمراد ما تقدم من ذنبهم إليك في منعهم إياك من مكة والمغفرة الإزالة والنسخ لأحكام المشركين عليه أي يزيل الله ذلك عنك ويستر عليك تلك الوصمة بما يفتح لك من مكة فستدخلها فيما بعد وعلى هذا الوجه تكون المغفرة غرضا في الفتح وجزاء على الجهاد ولو أراد مغفرة ذنوبه لم يكن لقوله (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) معنى معقول وقالوا (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) أي ما تقدم زمانه من فعلهم القبيح بك وبقومك وما تأخر وقالوا ما تقدم من ذنب أمتك وما تأخر بشفاعتك ومعنى التقدم والتأخر ما تقدم زمانه وتأخر كما تقول صفحت عن السالف والأنف من ذنوبك وغفرت لك ما قدمت وأخرت كما يقال لرجل من قبيله أنتم فعلتم كذا أو قتلتم فلانا وإن كان المخاطب غير شاهد وحسنت إضافة ذنوب أمته إليه للاتصال وَرُوِيَ أَنَّ الصَّادِقَ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ وَاللهِ مَا كَانَ لَهُ ذَنْبٌ وَلَكِنْ ضَمِنَ لَهُ أَنْ يَغْفِرَ ذُنُوبَ شِيعَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِمْ وَمَا تَأَخَّرَ.

قوله سبحانه :

(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) حديث المعراج على أربعة أوجه منها ما يقطع على صحته الكتاب والسنة أنه أسرى به على الجملة و

١٠

ثانيها ما ورد في ذلك مما تجوزه العقول ولا يأباه الأصول فنحن نجوزه ثم نقطع على أن ذلك كان في يقظته نحو ما روي أنه طاف في السماوات ورأى الأنبياء والعرش وسدرة المنتهى والجنة والنار وثالثها ما يكون ظاهره مخالفا لبعض الأصول إلا أنه يمكن تأويله على وجه يوافق المعقول فالأولى أن ناوله على ما يطابق الحق نحو أنه رأى قوما في النار يعذبون وقوما في الجنة فرحين فيحمل على أنه رأى صفتهم وأسماءهم ورابعها ما لا يصح ظاهره ولا يمكن تأويله إلا على التعسف البعيد فالأولى أن لا نقبله نحو أنه كلم الله جهرة ورآه وقعد على سريره وأنه شق بطنه وغسل ثم إن الناس مختلفون في المعراج فالخوارج ينكرونه وقالت الجهمية عرج بروحه دون جسمه على طريق الرؤيا وقالت المعتزلة بل عرج بروحه وجسمه إلى بيت المقدس وقال أصحابنا وجميع أصحاب الحديث والتأويل والجبائي والطوسي بل عرج بروحه وبجسمه إلى السماوات حتى بلغ سدرة المنتهى في السماء السابعة والذي يشهد به القرآن أن الإسراء من المسجد الحرام إلى بيت المقدس والباقي يعلم بالخبر.

قوله سبحانه :

(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) وهل الجحد بآياته إلا تكذيب نبيه نفى تكذيبهم بقلوبهم تدينا واعتقادا وإن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب كما قال (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) قال أبو زيد المدني لقي أبو جهل النبي ص فصافحه أبو جهل فقيل له في ذلك فقال والله أعلم أنه نبي ولكن متى كنا تبعا لبني عبد مناف فأنزل الله الآية وقال الأخنس وقد سئل عن النبي بالسر والله إن محمدا لصادق وما كذب قط ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والندوة والنبوة ما ذا يكون لقريش فإنهم لا يكذبونك لا يفعلون ذلك بحجة ولا يتمكنون من إبطال ما جئت به يقال فلان لا يستطيع أن يكذبني ولا يدفع قولي لا يكذبونك لا يلقونك متقولا كما تقول قاتلته فما أحييته وحادثته فما أكذبته قال الكسائي أي لا ينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به لأنه كان عندهم أمينا قوله (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ) ولم يقل وكذب قومك المعنى في قوله (لا يُكَذِّبُونَكَ) إن تكذيبك راجع إلي وعائد علي ولست المختص به لأنه رسول الله فمن كذبه كذب الله لا يكذبونك في

١١

الأمر الذي توافق فيه كتبهم وإن كذبوك في غيره وقال المرتضى لا يكذبونك جميعهم وإن كذبوك بعضهم وهم الظالمون الذين ذكر في الآية أنهم يجحدون بآيات الله وهذا تسلية للنبي أنه إن كذبك بعضهم فإن فيهم من يصدقك.

قوله سبحانه :

(عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) الآيات ظاهرها لا يدل على أنها خطاب له بل هو خير محض لم يصرح بالمخبر عنه يدل عليه أنه وصفه بالعبوس وليس هذا من صفات النبي في القرآن ولا خبر مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين المسترشدين بل في القرآن (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ثم إنه نفى عنه العبوس ونحوه بقوله (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ثم إنه وصفه بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى بالفقراء وهذا مما لا يوصف به النبي لأنه كان متعطفا متحننا وقد أمره الله تعالى بقوله (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) وكيف يقول (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) وهو مبعوث للدعاء والتنبيه وكيف يجوز ذلك عليه وكان هذا القول إغراء بترك حرصه على إيمان قومه وإنما عبس صحابي ذكرنا شرحه في المثالب.

قوله سبحانه :

(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) الخطاب وإن توجه إلى النبي ص من حيث خاصم من وراءه على ظاهر الإيمان والعدالة وكان في الباطن بخلافه فلم يكن ذلك معصية لأنه ص منزه عن القبائح وإنما ذكر ذلك على وجه التأديب له في أن لا يبادر إلى دفع الخصم إلا بعد أن يبين الحق منه والمراد بذلك أمته على أنا لا نعلم أن ما روي في هذا الباب وقع من النبي ص لأن طريقه الآحاد وليس توجه النهي إليه بدال على أنه وقع منه ذلك المنهي عنه كما قال (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) ولا يدل ذلك على وقوع الشرك منه وخلاصة الحديث في ذلك أن قتادة البدري رمى بني أبيرق بالسرق فشكا قومه إلى رسول الله ص وزكوا الأبيرق فقال عمدت إلى أهل بيت حسب ونسب ورميتهم بالسرق وعاتبه فنزلت الآية

فصل

قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) أي من

١٢

الغضاب الآنفين من عبد فلان يعبد عبدا إذا غضب ويقال أول العابدين أي الجاحدين بما يقولون ويقال أنا أول من يعبد على الوحدانية ويقال أول العابدين لأني إذا كنت من العابدين فقد نفيت ذلك عن الرحمن لأن من زعم أن له ولدا فليس بعابد ويقال (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) أي ما كان قال المرقش:

متى ما يشأ ذو الوصل يصرم خليله

ويعبد عليه لا محالة ظالما

قوله سبحانه :

(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ليس من النبي ص شك ولكنه أبهم ذلك عليهم وهو يعلمه كقولنا قل إن شاء الله والحق عندك في خلاف ما قال إلا أنه كأنك أردت الكناية عن تكذيبه وذلك أنه ص أراد أن يستعطفهم ولا يغلظ عليهم وقيل تقديره وإنا لعلى هدى وأنتم في ضلال مبين وقيل إنما قال على وجه الإنصاف في الحجاج دون الشك كما يقول القائل لغيره أحدنا كاذب وإن كان هو عالما بالكاذب وقال أبو الأسود:

فإن يك حبهم رشدا أصبه

ولست بمخطئ إن كان غيا

وقال أبو عبيدة أو بمعنى الواو كما قال الأعشى:

أثعلبة الفوارس أو رياحا

عدلت بهم طمية والخشايا

قوله سبحانه :

(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً. قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) أي لا أقدر على دفع الضرر عنكم ولا إيصال الخير إليكم وإنما يقدر الله على ذلك وإنما أقدر على أن أدعوكم إلى الخير وأهديكم إلى الحق ثم قل لهم يا محمد (لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) أي لا يقدر أن يجير على الله أحد حتى يدفع ما يريده من العقاب (وَلَنْ أَجِدَ) أيضا من دون الله (مُلْتَحَداً) أي ملتجأ إليه ألجأ أطلب به السلامة مما يريد الله تعالى فعله من العذاب وأضافه إلى نفسه والمراد به أمته لأنه لا يفعل قبيحا فيخاف العقاب.

قوله سبحانه :

(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أمر الله نبيه أن يقول لهم على وجه الإنكار عليهم إني لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا من الثواب والعقاب بل ذلك

١٣

إلى الله ولا أملك إلا ما ملكني الله فكيف أملك لكم وقوله (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) إن يملكني إياه من نفع أو ضر فيمكنه مما جعل له أخذه أو أوجب عليه تركه.

قوله سبحانه :

(وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) أي من كثرة الثواب ومقدار ما لي وللمؤمنين وكثرة العقاب للكافرين والمنافقين وليس فيها ما يدل على ضعف يقين النبي ص بالله تعالى أو جهله بشيء لأن ذلك من علم الغيب لا يعلمه إلا الله أو من أنبأه وسبب نزوله أن النبي ص كان رأى في منامه أنه هاجر إلى أرض ذات نخل وشجر فقصها على أصحابه فاستبشروا بذلك وكانوا في أذى من المشركين فقالوا يا رسول الله متى نهاجر إلى الأرض التي رأيت فنزلت الآية ثم قال إنما هو شيء رأيته في منامي ما أتبع إلا ما يوحى إلي.

قوله سبحانه :

(وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) يقول لهيات لسنة الجدب ما يكفينا

فصل

قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) المراد به أمته قال ابن عباس نزل القرآن بإياك أعني فاسمعي يا جار مثل قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) قال السيد عبد العظيم والسيد المرتضى سبب نزول هذه الآية أن النبي ص لما نص على أمير المؤمنين ع بالإمامة في ابتداء الأمر جاء قوم من قريش فقالوا يا رسول الله إن الناس قريبو عهد بالإسلام ولا يرضون أن تكون النبوة فيك والإمامة في ابن عمك فلو عدلت بها إلى غيره لكان صوابا فقال لهم النبي ص ما فعلت ذلك برأيي فأتخير فيه ولكن الله أمرني به وفرضه علي فقالوا فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربك فأشرك معه في الخلافة رجلا من قريش ليسكن إليه الناس ليتم لك أمرك ولا يخالف الناس فنزلت الآية.

قوله سبحانه :

(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ) نهى

١٤

الله تعالى نبيه والمراد به أمته لأنهم لم يكونوا في شك من عبادة الكفار المقدم ذكرهم.

قوله سبحانه :

(فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) أي في شك يلزمك العلم به وقال الحسن والجبائي (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) في الحق الذي تقدم إخبار الله تعالى به من أمر القبلة وعناد من كتم النبوة وامتناعهم من الاجتماع على ما قامت به الحجة.

قوله سبحانه :

(فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) نهي محض عن الجهل ولا بدل ذلك على أن الجهل كان جائزا عليه بل يقيد كونه قادرا عليه كما قال (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وإن كان الشرك لا يجوز عليه لكن لما كان قادرا عليه جاز أن ينهاه عنه.

قوله سبحانه :

(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) الآية الشك وقوف الأمر على أحد المعتقدين والنبي مبرأ من ذلك هذا وإن كان خطابا للنبي فإن المراد به الذين كانوا شاكين في نبوته وقيل معناه فإن كنت أيها السامع في شك مما أنزلنا على نبينا إليك كما يقول القائل لعبده إن كنت مملوكي فانته إلى أمري وقول الرجل لابنه إن كنت ابني فبرني وقوله إن كنت والدي فتعطف علي وقال الزجاج معنى إن معنى ما والتقدير ما كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين أي لسنا نريد أن نأمرك لأنك في شاك لكن لتزداد بصيرة كما قال إبراهيم (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).

قوله سبحانه :

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) إنما قال (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) مع اعتقادهم بطلان دينه لأنه على وجه التقدير والثاني أنهم في حكم الشاكين للاضطراب الذي يجدون نفوسهم عليه عند ورود الآيات والثالث أن فيهم الشاك فغلب ذكرهم.

قوله سبحانه :

(أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) معنى ذلك أمرت أن أكون أول من

١٥

خضع وآمن وعرف الحق من قومي وأن أترك ما هم عليه من الشرك ومثله (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) ومثله (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) وكقول السحرة (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ).

قوله سبحانه :

(لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أي توجه عبادتك إليه الخطاب للنبي والمراد به أمته.

قوله سبحانه :

(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) نهي من الله تعالى لنبيه ص والمراد به أمته أن يعتقد مذهب من اعتقد مذهبه هوى.

قوله سبحانه :

(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) يعني اتبع ملة إبراهيم ولا تتبع أهواء الجهال وذلك نهي له عن اتباع أهوائهم في الحكم ولا يدل ذلك على أنه اتبع أهواءهم.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) تقديره واعص الكافرين لأنه قد تقدم عليه أمر فيكون لفظه لفظ الخبر.

قوله سبحانه :

(وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) وقوله (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وقوله (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) يعني لا تدعه إلها كما يدعو المشركون للوثن إلها ويقال لا تدعه للإله في العبادة بدعائه وقوله (ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) أي نفع الإله وضره هذا الخطاب وإن كان متوجها إلى النبي فالمراد به أمته لأنه ص كان مبرأ قبل النبوة فكيف بعدها.

قوله سبحانه :

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍ

١٦

وَلا نَصِيرٍ) هذه الآية تدل على أن من علم الله منه أنه لا يعصي لا يتناوله الوعيد والزجر لأن الله تعالى علم أن النبي ص لا يعصيه ولا يتبع أهواءهم

فصل

قوله تعالى : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) وهم وإن يكذبوه فقد كذب رسل من قبله قلنا إن المعنى لقد جروا على عادة من قبلهم في تكذيب أنبيائهم إلا أنه ورد على وجه الإيجاز كما يقولون إن أحسنت إلي فقد طال ما أحسنت.

قوله سبحانه :

(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) المعنى أنه لا يعذبهم والنبي بين أظهرهم كما كان في زمان سائر الأنبياء وما كان ليعذبهم إن استغفروا وهم لا يستغفرون فقد استوجبوا العذاب ثم قال (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) في الآخرة.

قوله سبحانه :

(وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) ولا يجوز أن يكون معناه الاستبطاء لنصر الله على حال لأن الرسول يعلم أن الله لا يؤخره عن الوجه الذي توجبه الحكمة فالمعنى الصحيح الدعاء لله بالنصر.

قوله سبحانه :

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) إنه وعيد لهم أي إن كنت افتريت فيما أخبرتكم به فعلي عذاب جرمي وإن كنت صدقت فعليكم عقاب تكذيبي وستعلمون صدق قولي وأينا الأحق ثم إنه قال ذلك على وجه الاحتجاج بصحة أمره وإنه لا يتقول مثل هذا مع ما فيه من العقاب في الآخرة والعار في الدنيا (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) أي ليس من إجرامكم ضرر وإنما ضرر ذلك عليكم.

قوله سبحانه :

(وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) قال ابن عباس وابن جبير والحسن وقتادة وإبراهيم وابن جريح وابن زيد والضحاك ومجاهد أراد رؤية العين

١٧

ليلة الإسراء فلما أخبر المشركين بما رأى كذبوا به وروي عن ابن عباس رواية أخرى أنه رؤيا نوم وأنه رأى أنه سيدخل مكة فلما صده المشركون في الحديبية شك قوم ودخل عليهم الشبهة فقالوا يا رسول الله أوليس قد أخبرتنا أنا ندخل المسجد فقال ع قلت لكم إنكم تدخلونه السنة فقالوا لا فقال ص لتدخلنه إن شاء الله فكان في ذلك فتنة وفيه حديث عمر وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللهِ ع وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَسَعِيدِ بْنِ بَشَّارٍ أَنَّ النَّبِيَّ ص رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّ قُرُوداً تَصْعَدُ مِنْبَرَهُ وَتَنْزِلُ فَسَاءَهُ ذَلِكَ. القصة.

قوله سبحانه :

(فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) معنى قوله وجهي يريد نفسه وإنما أضاف الإسلام إلى الوجه لأنه لما كان وجه الشيء أشرف ما فيه ذكر بدلا منه ليدل على شرف الذكر ومثله (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) أي إلا هو.

قوله سبحانه :

(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) ما خبر أو نهي فإن قلنا إنه خبر فالمعنى أنا نتولى حفظه عليك ونحرسك من النسيان بالألطاف ونعصمك بالتأييد والتوفيق وإن قلنا إنه نهي فالمعنى انتهى عن أن تنسخ منه شيئا إلا ما أمر الله برفعه يعاضده قوله (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) أي نزيل حكمها.

قوله سبحانه :

(وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) أي حظك منها مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) واسأل العير.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) إلى قوله (ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) المعنى أن المشركين كادوا النبي ص واحتالوا له ليفتنوه والنبي ص لا يعلم بذلك منهم ولا يهم به ولا يكاد يركن إليهم كما يقال كاد الأمير يقطع اللص اليوم قال ابن عباس (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) تمتعهم بآلهتهم سنة يعني ثقيفا

١٨

فصل

قوله تعالى : (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وابن زيد إنما أمره أن يسأل من آمن من أهل الكتاب كعبد الله سلام وقيل أي سلهم عن صفة النبي المبشر به في كتبهم ثم انظر من وافق في تلك الصفة وقال البلخي ذلك راجع إلى قوله (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) فأمره أن يسألهم هل الأمر على ذلك فإنهم لا يمتنعون من الإخبار به ولم يأمره بأن يسألهم هل هو محق فيه أم لا ولا أن ما أنزله عليه صدق أم لا ويقال إنما أمره بأن يسألهم إن كان شاكا وإن لم يكن شاكا فلا يجب عليه مسألتهم وهذا معنى مَا رُوِيَ عَنْهُ ع مَا شَكَكْتُ وَلَا أَسْأَلُ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ ع لَمْ يَشُكَّ النَّبِيُّ ص وَلَمْ يَسْأَلْ. ويقوي ذلك أن الخطاب متوجه إلى النبي والمراد به غيره قوله بعد هذا (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) ويقال إن قوله (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) مثل قوله (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ) وإنما قتلهم آباؤهم وأهل ملتهم قبلهم.

قوله سبحانه :

(وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) يعني سل أتباع من أرسلنا قبلك من رسلنا ويجري ذلك مجرى قولهم السخاء حاتم والشعر زهير وهم يريدون السخاء سخاء حاتم والشعر شعر زهير فأقاموا حاتم مقام السخاء وزهير ا مقام الشعر المضاف إليهما ومثله (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) والمأمور به في الظاهر النبي وهو في المعنى لأمته لأنه لا يحتاج إلى السؤال إن خوطب بخطاب أمته كما قال (المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ) الآية فأفرده بالمخاطبة ثم رجع إلى خطاب أمته فقال (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) وفي موضع (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) وفي موضع (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) ويمكن أن يكون النبي المأمور بالمسألة على الحقيقة وإن لم يكن شاكا في ذلك ولا مرتابا به ويكون الوجه فيه تقرير أهل الكتاب وإقامة الحجة عليهم باعترافهم ولأن بعض المشركين أنكروا حقا في الكتب المتقدمة السؤال إذا كان متوجها إليه فالمعنى إذا لقيت النبيين في السماء فاسألهم عن ذلك للرواية الواردة بأنه أتى النبيين في السماء فسلم عليهم وأمهم كما ذكرناه في المناقب ولا يكون أمره بالسؤال

١٩

لأنه كان شاكا لكن لبعض المصالح الراجعة إلى الدين إما لشيء يخصه أو يتعلق ببعض الملائكة الحاضرين معه.

قوله سبحانه :

(قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) الصحيح أن شريعة نبينا ناسخة لشريعة كل من تقدم من الأنبياء وأن نبينا لم يكن متعبدا بشريعة من تقدم وأنما وافقت شريعته شريعة إبراهيم فلذلك قال (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) وإلا فالله تعالى هو الذي أوحى بها إليه فإن قيل إذا كانت الشرائع بحسب المصالح فكيف رغب في شريعة الإسلام بأنها ملة إبراهيم قلنا لأن المصالح إذا وافقت ما تميل إليه النفس ويتقبله العقل بغير كلفة كانت أحق بالرغبة كأنها إذا وافقت الغنى بدلا من الفقر كانت أعظم في النعمة وكان المشركون يميلون إلى اتباع ملة إبراهيم فلذلك خوطبوا بذلك والحنيف المسلم والحنيفة الشريعة وأصل الحنف الاستقامة.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) ليس في ظاهرها ما يقتضي عتابا وكيف يعاتبه الله تعالى على ما ليس بذنب لأن تحريم الرجل بعض نسائه لسبب أو لغير سبب ليس بقبيح ولا داخل في جملة الذنوب فأكثر ما فيه أنه مباح لا يمتنع أن يكون قوله (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) خرج مخرج التوجه له من حيث تحمل المشقة في إرضاء زوجاته وإن كان ما فعل قبيحا ولو أن أحدنا أرضى بعض نسائه بتطليق أخرى أو تحريمها لحسن أن يقال له لم فعلت ذلك وإن كان ما فعل قبيحا.

قوله سبحانه :

(لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) وقوله (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) أما الآية الأولى فقد يشهد الله تعالى بكونها له وحصل الإجماع أن النبي ص لما أتى المدينة اشترى مكانا يسمى مربدا وجعله بيوتا ومسجدا وَرَوَى الطَّبَرِيُّ وَالْبَلاذِرِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ خَبَراً يَذْكُرُ فِيهِ وَدَاعَ النَّبِيِّ ص قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ ص إِذَا غَسَّلْتُمُونِي وَكَفَّنْتُمُونِي فَضَعُونِي عَلَى سَرِيرِي فِي بَيْتِي. هذا الخبر وأما قوله (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) يستعمل من جهة السكنى لا الملك يقال هذا بيت فلان ومسكنه وفي التنزيل (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ

٢٠