متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني

متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

المؤلف:

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات بيدار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٣
الجزء ١ الجزء ٢

بُيُوتِهِنَ) وأما قولهم إن النبي ص قسم الحجر بين نسائه وبناته فمن أين أن هذه القسمة تقتضي التمليك دون الإسكان والإنزال ولو كان ملكهن لكان ظاهرا فلما توفي ص صارت لفاطمة بالفرض وبآية أولي الأرحام سوى الثمن.

قوله سبحانه :

(قُلْ أَعُوذُ) و (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وما أشبههما من الأوامر المتوجهة إلى النبي ص جاز من النبي أن يقول قل وسبح للأمة كما قيل له لأن الأمر وإن كان متوجها إليه فالمراد به أمته معه فكأنه خاطب الجميع بأن يقولوا ذلك ثم إن الله تعالى أمره بالفعل الذي أمرهم به فلما كان قوله قل وسبح من كلام الله تعالى وجب عليه أن يتلوه على وجهه ولو كان مأمورا بالفعل دون التلاوة لما وجب أن يأتي بلفظة النبي ص ما قبل له.

قوله سبحانه :

(الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) فيه دلالة على أن آباءه ع كانوا مسلمين إلى آدم ولم يكن فيهم من يعبد غير الله تعالى ولو أراد ساجدي الأصنام لما من عليه بذلك لأن المن عليه بالكفر قبيح وَقَالَ ص لَمْ يَزَلْ يَنْقُلُنِي اللهُ مِنَ الْآبَاءِ الْأَخْيَارِ وَالْأُمَّهَاتِ الطَّوَاهِرِ. والكافر لا يوصف بالطهارة لقوله (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ).

قوله سبحانه :

(وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) النصر العزيز هو الذي يمنع من كل جبار عنيد وعات أثيم وقد فعل الله ذلك بنبيه ص فصار دينه أعز الأديان وسلطانه أعظم السلطان.

قوله سبحانه :

(وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) قالوا إن لبيد بن عاصم سحر النبي ص في إحدى عشرة عقدة فمرض النبي ص القصة قد بينا أنه ليس للسحر حقيقة وإنما هو تمويه ومخرقة ومحال أن يعقد عقدا فيحدث لأجلها أمراض في غيره مع بعد المسافة والصحة والمرض من فعل الله تعالى والفعل في غير محل القدرة يكون مخترعا ولا يقدر عليه غير الله تعالى واليهودي كيف يسلطه الله على خير البشر حتى يمرضه وحاشا النبي ص من كل صفة نقص إذ تنفر عن قبول قوله لأنه لا حجة لله على خلقه ثم إن الله تعالى قال

٢١

(وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) وقد أكذب الله تعالى من قال ذلك في قوله (وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) وإن صح الخبر فتأويله أن اليهودي اجتهد في ذلك فلم يقدر عليه فاطلع الله تعالى نبيه على ما فعله حتى استخرج ما فعله وكان دلالة على صدق معجزة له

فصل

قوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) قال المفسرون إنه لم يكن النبي ص يحسن الكتابة والقراءة والآية لا تدل على ذلك بل فيها أنه لم يكن يكتب الكتاب وقد لا يكتب من يحسنه كما لا يكتب من لا يحسنه ولو أفاد أنه لم يكن يحسن الكتابة قبل الإيحاء إليه لوجب أنه كان يحسنها بعد الإيحاء إليه ليكون فرقا بين الحالين لأن التطابق في الكلام من الفصاحة ثم إن ظاهر الآية يقتضي نفي القراءة والكتابة بما قبل النبوة لأنهم إنما يرتابون في كتابته لو كان يحسنها قبل النبوة فأما بعدها فلا تعلق له بالريبة ويجوز أن يتعلمها من جبريل بعد النبوة ويجوز أن لا يتعلم وقد شهر يوم الحديبية أنه كان لا يعرفها لأن سهيل بن عمرو قال امح هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ص فقال لعلي امحها يا علي ثم قال فضع يدي عليها وقد شهر أيضا في الصحاح والسنن والتواريخ ايتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ومنع عمر.

قوله سبحانه :

(النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ) فالأميون العرب قوله (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ) وقيل الأمي كل ما يرجع إليه يقال ينسب إلى أمة لا يحسنون الكتابة ووجه الحكمة في جعل النبوة في أمي موافقته البشارة المتقدمة في كتب الأنبياء السالفة وأنه إذا أتى أمي بحكمة يكون أبهر.

قوله سبحانه :

(وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) قال أبو محمد الكراجكي العلم بحال النبي في كونه عالما بكل معلوم وبكل لغة وكتابة إما يدرك بالعقل أو السمع فالعقلي إما أن يكون مستحيلا أو واجبا أو جائزا وليس هو من باب المستحيل ولو كانت واجبة كانت كشرائط النبوة الواجبة التي في عدمها بطلان النبوة كالصدق والعصمة والمعجز وليس كذلك وإنما

٢٢

هو بمنزلة الطب والنجوم والفلسفة وسر كل صناعة فمعرفته به جائزة غير واجبة وقال الله تعالى (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ ص رَأَى النَّاسَ يُؤَبِّرُونَ النَّخْلَ فَقَالَ مَا أَظُنُّ هَذَا نَافِعَكُمْ فَتَرَكُوا تَأْبِيرَهُ فَلَمْ تُثْمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَقَالَ اسْتَعِينُوا عَلَى كُلِّ صَنْعَةٍ بِأَهْلِهَا. ولو كان عالما بكل معلوم لما قال (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) مع قولهإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً. وإذا لم يكن واجبا ولا مستحيلا فهو من باب الجائز ولا يعلم إلا بالسمع فيجوز أن الله تعالى عرفه ذلك ويجوز أن يلهمه وقت الحاجة فهم ما يسمعه منها ولا نعلم هل فعل معه ذلك أم لا.

قوله سبحانه :

(وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) وقوله (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) لا يجوز أن النبي كان شاعرا إلا أنه كان عالما بمعاني الشعر ومقاصد الشعراء وَأُنْشِدَ عِنْدَهُ قَفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلٍ فَقَالَ ص وَقَفَ وَاسْتَوْقَفَ وَبَكَى وَأَبْكَى وَذَكَرَ الْحَبِيبَ وَالْمَنْزِلَ فِي نِصْفِ بَيْتٍ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ فَدَيْنَاكَ أَنْتَ فِي هَذَا النَّقْدِ أَشْعَرُ مِنْهُ وَكَانَ ص يَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ طَرَفَةَ :

سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً

وَيَأْتِيكَ مَنْ لَمْ تُزَوِّدْ بِالْأَخْبَارِ

وَيَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ سُحَيْمٍ كَفَى الْإِسْلَامُ وَالشَّيْبُ لِلْمَرْءِ نَاهِياً فَجَعَلَ يُقَدِّمُ وَيُؤَخِّرُ. والشعر إنما يكون على وجوه مخصوصة وأما ما رُوِيَ وَاللهِ لَوْ لَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا. وما رُوِيَ لَا هَمَّ لِلْعَيْشِ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ. وما رُوِيَ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ. ونحوها فإن كلها رجز والرجز لا يعد شعرا ولأن كل ما يوردونه من هذا الجنس لا يكون بيتا إلا بزيادة ونقصان أو تغيير فخرج حينئذ من صيغة الشعر مع أن كلها أخبار آحاد وأما الآيات الواردة في القرآن مثل قوله (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) وقوله (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) وقوله (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) وقوله (وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) وغير ذلك من الآيات الموزونات إنما تصير أبياتا بزيادة أو حذف أو تسكين لا يبيحه الشرع.

قوله سبحانه :

(وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) وقوله (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) وقوله (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) ونحوها آيات موزونات إذا غيرت عن حالاتها وذلك لا يجوز أصلا.

٢٣

قوله سبحانه :

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) وقوله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) و (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) وقوله حكاية عن الكفار (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ. فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وزعموا أنه سئل عن هذه المسائل في القرآن فلم يجب بجواب مفيد وإن الامتناع منها والتعليل للجمل بها أما الأول فإنهم كانوا سألوه فقال ما هذا الذي تدعى أنه من الله وما المعنى فيه فأجاب أنه أمر الله لعباده وتكليفه إياهم بأوامره ونواهيه يدل على ذلك تكريره في مواضع فقال (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ) وقال قبل الآية (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَ) وعقيبها (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ) وقال الحسن القرآن من أمر ربي وما أنزله على نبيه إلا ليجعله دلالة وعلما على صدقه وليس من فعل المخلوقين ولا يدخل في إمكانهم قال الجبائي قالت اليهود لكفار قريش سلوا محمدا عن الروح فإن أجابكم فليس بنبي وإن لم يجبكم فهو نبي فإنا نجده في كتبنا ذلك فأمره بالعدول عن ذلك لتكون دلالة على صدقه تكذيبا لليهود الرادين عليه وإنهم سألوه عن الروح هل هي محدثة أو قديمة فأجابهم بأنها أمر ربي وهذا جوابهم لأنه لا فرق بين أن يقول إنها محدثة أو يقول إنها من أمر ربي وقال المرتضى إنما عدل عن جوابهم لعلمه بأن ذلك أدعى لهم إلى الصلاح في الدين وأن الجواب لو صدر منه إليهم لازدادوا فسادا وعنادا إذ كانوا بسؤالهم متعنتين لا مستفيدين وأما الثاني فجوابه في قوله (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) خصوصية به تعالى لأنه علم الغيب وأما الثالث فجوابه (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ) دينية ودنياوية مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج والأعياد والتواريخ وأزمان الأنبياء والملوك والإجارات والديون والزراعات وإبان النتاج وأوان الصرام والقطاف والحصاد والعمارات وأما الرابع فجوابه أن من تجاهل في الحجاج الذي يجري مجرى الشغب الذي لا يعتقد بمثله مذهب أو هي الشبهة فيه فإنه ينبغي أن يعدل عن مقابلته إلى الوعظ له بما هو أعود عليه فلهذا عدل تعالى عنهم إلى هذا الوعيد الشديد وقال أهؤلاء الكفار (خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ) لما جحدوا الآيات وكفروا بنعم الله فما الذي يؤمن هؤلاء من مثل ذلك.

قوله سبحانه :

(لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) قال مجاهد وابن زيد أي لا خصومة بيننا وبينكم

٢٤

لظهور أمركم في البغي علينا والعداوة لنا.

قوله سبحانه :

(وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) قال الحسن وقتادة من المعلوم أنه كان بخلاف هذا الوصف وأنما الحكمة أخذت منه وما عرف له شعر وقد كذبهم الله في قوله (بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ).

قوله سبحانه :

(وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) مثلنا ويمشي في الأسواق في طلب المعاش كما نمشي فقال تعالى (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) يا محمد (مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) طلبا للمعاش كما تطلبه أنت.

قوله سبحانه :

(طه ما أَنْزَلْنا) أي يا طاهرا من كل عيب نسبوك إليه من الكاهن والساحر والمجنون والشاعر والضال والأبتر والكذاب والأشر فأجابهم الله تعالى عن جميع ذلك في القرآن وكذبتهم صفاته وكانوا يسمونه بابن أبي كبشة نسبة إلى أبي كبشة الحارث بن عبد العزى زوج حليمة ظئر النبي أو تشبيها بأبي كبشة الخزاعي وكان يخالف قريشا في عبادة الأوثان ويعبد الشعرى العبور أو نسبه إلى وهب بن عبد مناف جد النبي ص لأمه وهو أبي كبشة جد جد النبي ص

(باب ما يتعلق بالإمامة)

فصل

قوله تعالى : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) وقوله (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) أخبر تعالى أنه يأتي من كل أمة بشهيد ويأتي به شهيدا على أمته فيجب أن يكون الشهداء حكمهم حكمه في كونهم حججا لله تعالى وذلك يقتضي أن في كل زمان شهيدا إما نبي أو إمام.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) وهذا عام في سائر الأمم وعمومه يقتضي

٢٥

أن في كل زمان حصلت فيه أمة مكلفة نذيرا ففي أزمنة الأنبياء هم النذر للأمم وفي غيرها الأئمة ع.

قوله سبحانه :

(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) ظاهره وعمومه يقتضي وجود إمام في كل زمان.

قوله سبحانه :

(فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ. أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) دليل على أنه لا يخلو كل زمان من حافظ للدين إما نبي أو إمام.

قوله سبحانه :

(قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) استدلت الإمامية بها على أن الإمام ينبغي أن يكون معصوما ولا يكون في باطنه كافرا ولا فاسقا لأنه لا يجوز أن يعطي الله الملك من النبوة والإمامة للفاسق لأنه تمليك الأمر العظيم من السياسة والتدبير لقوله (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وهذه من أعظم العهود.

قوله سبحانه :

(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) قال مجاهد ابتلاه الله بالآيات التي بعدها وهي (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) وقال البلخي يدل ذلك على أن الكلام متصل ولم يفصل بين قوله (إِنِّي جاعِلُكَ) وبين ما تقدمه بواو وأتمهن بأن أوجب بها على الأمة طاعته ومنع أن ينال العهد للظالمين من ذريته وقال ابن جرير في المسترشد (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) ومن للتبعيض ليعلم أن فيهم من يستحقها فقال تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) والشرك أكبر الظلم قال (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وقال (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) وقال أبو الحسن البصري هذه الآية لا يخلو إما أن يكون الله تعالى نفى أن ينال الإمامة الكافر في حال كفره أو من كان كافرا ثم أسلم فالأول لا يجوز بالإجماع وإبراهيم لا يسأل ذلك فلم يبق إلا الثاني وقد ثبت أن أبا بكر والعباس قد أسلما بعد الكفر فقد خرجا عن الإمامة فلا بد أن يكون الإمام علي وقد استدل أصحابنا بهذه الآية أن الإمام لا يكون إلا معصوما من القبائح لأن الله تعالى نفى أن عهده الذي هو الإمامة

٢٦

ظالم ومن ليس بمعصوم فهو ظالم إما لنفسه أو لغيره فإذا ثبت وجوب عصمة الإمام واختلف الناس بعد النبي ص في إمامة علي أو العباس أو أبي بكر وأجمعوا على أن العباس وأبا بكر غير معصومين وأن عليا معصوم ثبت إمامته بعد النبي ص بلا فصل وإلا خرج الحق عن الأمة بأسرها.

قوله سبحانه :

(لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) لا يدل على انتفاء العصمة عن أمير المؤمنين بل حكمه في التأويل مثل حكم النبي ص في قوله (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) على أن التكفير إنما هو توكيد التطهير له من الذنوب وهو وإن كان ظاهر الخبر على الإطلاق فإنه مشترط بوقوع الفعل أن لو وقع وإن كان المعلوم أنه غير واقع أبدا للعصمة بدلائل العقول التي لا يقع فيها اشتراط ثم إن التكفير فيها إنما تعلق بالمحسنين الذي أخبر الله تعالى بجزائهم في التنزيل وجعله جزاء بالمدحة التصديق دون أن يكون متوجها إلى المصدق المذكور

فصل

قوله تعالى : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) وقوله (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) يدلان على أن الإمام ينبغي أن يكون أفضل من رعيته لكونه رئيسا لهم في جميع الأشياء وحصول العلم الأول بقبح تقديم المفضول على الفاضل فيما هو أفضل منه فيه ووجوب تعظيمه على كافة الرعية لكونه مفترض الطاعة عليهم كاشف عن استحقاق الثواب فإذا علمنا استحقاقه منه أعلى المراتب علمنا كونه أكثرهم ثوابا وهذا معنى قولنا أفضل.

قوله سبحانه :

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وقوله (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) يدلان على أن الإمام لا بد من كونه أعلم من رعيته بأحكام الشريعة وبوجوه السياسة والتدبير لكونه إماما فيها وقد علمنا قبح تقليد الجاهل ما لا يعلمه وجعله إماما في شيء يفتقر فيه إلى رعيته.

٢٧

قوله سبحانه :

(إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) وقوله (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) الآيات يدلان على أن الإمام ينبغي أن يكون شجاعا لا يجوز عليه الجبن لتفزع إليه الفئة في الحرب كثبوت النبي ص يوم أحد وحنين بعد انهزام أصحابه في نفر يسير وهذه حال أمير المؤمنين والحسين ع.

قوله سبحانه :

(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) يدل على أن الإمام من شرطه أن يكون أزهدهم وأعبدهم لكونه قدرة في الأمرين ولا يستحق قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ).

قوله سبحانه :

(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) فيه دلالة على أن الإمامة لا تصلح إلا في الرجال دون النساء وكذلك حكم النبوة قوله (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) لأن الشكل إلى شكله آنس والأنفة منه أبعد.

قوله سبحانه :

(وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) وقوله (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) وقوله (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) وقوله (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) تدل على أن الإمام ينبغي أن يكون واحدا في الزمان بلا ثان وأنه لا فوق يده لأنه مفترض الطاعة ولا يشاركه أحد في ذلك.

قوله سبحانه :

(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) فأتى به كذلك رد على المعتزلة ومن وافقهم أن المعجز لا يكون إلا لنبي وكذلك قوله (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) الآية ففعلت ما أمرت به فالوحي إليها معجز وجعل ولدها في التابوت وطرحه في اليم لا يكون إلا بعد اليقين بأن الآمر لها بذلك هو القديم

٢٨

سبحانه ولا سبيل إلى ذلك إلا بظهور معجز أن الخطاب المتضمن لذلك وحي منه سبحانه وكذلك قوله في مريم (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) الآية فنزول الرزق من السماء معجز ومعاينة الملك المبشر لها بالمسيح في صورة بشري معجز وقوله (فَناداها مِنْ تَحْتِها) الآيات النداء لها معجز وكلام الطفل معجز وتساقط الرطب من النخلة اليابسة معجز وكلام عيسى بعد ما أشارت إليه (قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ) الآيات معجز وكذلك قوله في سارة وقد عاينت الملائكة (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) معجز ولا انفصال من ذلك بقولهم إن معجز آصف لسليمان ومعجز أم موسى لموسى ومعجز مريم لعيسى لأن المعلوم تخصص المعجز ممن ذكرناه تصديقا لهم أو تشريفا يدل على علو منازلهم

فصل

قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) أجمعت الأمة أنها نزلت في حق أمير المؤمنين ع لما تصدق بخاتمه وهو راكع ولا خلاف بين المفسرين في ذلك وأكده إجماع أهل البيت ع فثبتت ولايته على وجه التخصيص ونفى معناها عن غيره وإنما عنى بوليكم القائم بأموركم ومن يلزمكم طاعته وفرض الطاعة بعد النبي ص لا يكون إلا للإمام وثبت أيضا عصمته لأنه تعالى إذا أوجب له من فرض الطاعة مثل ما أوجبه لنفسه تعالى ولنبيه ص اقتضى ذلك طاعته في كل شيء وهذا برهان عصمته لأنه لو لم يكن كذلك لجاز منه الأمر بالقبيح وفي علمنا بأن ذلك لا يجوز عليه سبحانه دليل على وجوب العصمة.

قوله سبحانه :

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) أبو سعيد الخدري وجابر الأنصاري وجماعة من المفسرين وسائر العترة أن هذه الآية من قوله (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) نزلت يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر والنبي ص واقف بعرفات وروي أنه كان على ناقته العضباء وروي أنه لم ينزل بعدها شيء وعاش النبي ص بعده

٢٩

أحد وثمانين يوما فلا بد أن يكون ذلك أمرا عظيما من على المسلمين به وتمم دينهم ببيانه ومعلوم أنه تعالى قد شرع جميع الشرائع قبل ذلك فلم يبق إلا أنه أمره أن ينص على علي ع بالإمامة كما قالت الشيعة وبطل قول المشركين إنه أبتر لا يقوم مقامه بعده أحد إذ لا ولد له فبين لنا أنهم يئسوا من ذلك حيث نص عليه وتم به الدين.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالنَّقَّاشُ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَالْوَاحِدِيُّ وَابْنُ جُرَيْحٍ وَالثَّوْرِيُّ وَعَطَا وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْكَلْبِيُّ وَأَبُو صَالِحٍ وَالْمَرْزُبَانِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ الثَّقَفِيُّ وَابْنُ عُقْدَةَ وَغَيْرُهُمْ فِي رِوَايَاتٍ مُتَّفِقَاتِ الْمَعَانِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ رَوَاهُ أَكْثَرُ النَّاقِلِينَ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ وَابْنُ بَطَّةَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخَرْكُوشِيُّ وَأَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَانِيُّ مِمَّا يَطُولُ بِذِكْرِهِ الْكِتَابُ وَيُؤَيِّدُهُ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْبَيْتِ ع فَقَوْلُهُ ص عِنْدَ ذَلِكَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ وَقَدْ جَمَعَ الْأُمَّةَ لِإِسْمَاعِ الْخِطَابِ أَلَسْتُ أَوْلَى مِنْكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ فَقَالُوا اللهُمَّ بَلَى فَقَالَ لَهُمْ عَلَى النَّسَقِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ. وَأَنْشَدَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :

يُنَادِيهِمُ يَوْمَ الْغَدِيرِ نَبِيُّهُمْ

بِخُمٍّ وَأَسْمِعْ بِالنَّبِيِّ مُنَادِيَا

يَقُولُ فَمَنْ مَوْلَيكُمُ وَوَلِيُّكُمْ

فَقَالُوا وَلَمْ يَبْدُوا هُنَاكَ التَّعَادِيَا

إِلَهُكَ مَوْلَانَا وَأَنْتَ وَلِيُّنَا

وَلَنْ تَجِدَنْ مِنَّا لَكَ الْيَوْمَ عَاصِيَا

فَقَالَ لَهُ قُمْ يَا عَلِيُّ فَإِنَّنِي

رَضِيتُكَ مِنْ بَعْدِي إِمَاماً وَهَادِيَا

هُنَاكَ دَعَا اللهُمَّ وَالِ وَلِيَّهُ

وَكُنْ لِلَّذِي عَادَى عَلِيّاً مُعَادِيَا.

فأوجب له من فرض الطاعة والولاية ما كان عليهم مما قدرهم به من ذلك فلم يناكروه.

قوله سبحانه :

(أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ ص عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ جَمَعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً فِيهَا لِلْإِنْذَارِ وَقَالَ مَنْ يُوَازِرُنِي عَلَى هَذَا الْأَمْرِ

٣٠

يَكُونُ أَخِي وَوَصِيِّي وَوَزِيرِي وَوَارِثِي وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَيْنِ جَمَاعَتِهِمْ وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ يَوْمَئِذٍ سِنّاً فَقَالَ أَنَا أُوَازِرُكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ص اجْلِسْ فَأَنْتَ أَخِي وَوَصِيِّي وَوَزِيرِي وَوَارِثِي وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي. وهذا صريح القول في الاستخلاف في الآية دلالة على أنه تعالى أمره بدعاء أهل بيته وعترته وقصر ذلك عليهم قبل الناس فكان لعلي ثلاث دعوات دعوة أهل البيت الذين كانوا في بيت خديجة واجتمع العلماء على أن الإسلام لم يخرج من بيت خديجة حتى أسلم كل من فيه ودعوة بني هاشم ودعوة العامة.

قوله سبحانه :

(وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي. كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً. قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) وقوله (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) فثبت له خلافته بمحكم التنزيل ثم إنه قَدِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ ص لِعَلِيٍ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي. فأوجب له الوزارة والخلافة والأخوة والشركة في الأمر وشد الأزر بالنصرة والفضل والمحبة وكل ما تقتضيه الآية ثم الخلافة في الحياة بالصريح بعد النبوة بتخصيص الاستثناء لما خرج منها بذكر العبد على أنه لا يخلو الكلام فيه من ثلاثة معان إما أن يكون نبيا مثل هارون أو أخوه لأبيه وأمه أو خليفته في أمته إذ لم يجد له من موسى إلا هذه المنازل فلما بطلت منزلة النبوة والأخوة لأب وأم ثبتت له المنزلة الثالثة وهي أنه خليفته كما قال (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) وكل كلام جاء على وجه واثنين وثلاثة فسد منها خلة وخلتان ثبتت الثالثة.

قوله سبحانه :

(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) فيدل على صحة الإجماع والأمة مجمعة على أن النبي ص استخلف عليا بالمدينة عند خروجه إلى تبوك ولم يثبت بعد ذلك عزله واجتمعت الأمة على أنه ما كان للنبي خليفتان أحدهما في المدينة والآخر في بقية الأمة فيجب أن يكون هو الإمام بعده لثبوت ولايته على المدينة إلى بعد وفاته وحصول الإجماع على أنه ليس له إلا خليفة واحدة

فصل

قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) تفسير ابن

٣١

عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي وعطا الخراساني ويوسف القطان ووكيع والقاضي والثعلبي والواقدي وتاريخ الطبري والنسائي والخطيب ومسند أحمد وأبي يعلى وفضائل العكبري والسمعاني والأصفهاني وجامع الترمذي وإبانة العكبري وحلية الأصفهاني ومعاني الزجاج وضياء الأقليسي ومعرفة أصول الحديث عن ابن البيع وكتاب الشيرازي وأسباب الواحدي محمد بن سعد ومعارف القتيبي وأربع الخوارزمي وفردوس الديلمي وخصائص النظيري وكتاب محمد بن إسحاق وشرف النبي أن عليا ع السابق إلى الإسلام رووا ذلك عن ابن عباس وأبي ذر وسلمان والمقداد وعمار وزيد بن صوحان وحذيفة بن اليمان وأبي الهيثم بن التيهان وأبي الطفيل الكناني وأبو أيوب الأنصاري وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وزيد بن أرقم وأبي رافع وجبير بن مطعم وعمرو بن الحمق وحبة العرني وسعيد بن قيس وعمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وأنس بن مالك وقد رواه الواقدي وأبو صالح والكلبي ومحمد بن المنكدر وعبد الرزاق ومعمر والشعبي وشعبة بن الحجاج وأبو حازم المدني وعمرو بن مرة والحسن البصري وأبو البختري والكتب بذلك مشحونة يؤكده إجماع أهل البيت ع وفي تاريخ الطبري قال محمد بن سعد قلت لأبي أكان أبو بكر أولكم إسلاما فقال لا ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلا أما إسلام علي في صغره فهو من فضائله لأن الله تعالى رفع التكليف عن الصبي ولا يجري عليه حكم والنبي ص لا يفرغ منه لدعاء غيره لتردد الصبي بين الإسلام والارتداد ثم إن إسلامه لا يخلو إما أنه بايعه على ما علم في نفس رسول الله أو دعاه النبي ص حتى يفضل ابن عمه محابيا له وكلاهما باطلان أو دعاه بأمر الله تعالى لأنه لا ينطق عن الهوى وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله وأنه لما دعاه إما رد عليه إسلامه أو قبل على أن إيمانه إيمان فصح أن الله تعالى قد فضله على الخلق لأن النبي ص لم يدع صبيا ولا قبل إلا من علي ووالديه فكانوا مثل آدم آمن وهو ابن ساعة وعيسى وهو ابن يوم وليلة ويحيى وهو طفل.

قوله سبحانه :

(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) استدل الفضل بن شاذان بهذه الآية أن الله تعالى إذا أوجب للأقرب ب رسول الله الولاية وحكم بأنه أولى من غيره فإن عليا كان أولى بمقام النبي ص من كل أحد لأن الإمامة فرع الرسالة وأما

٣٢

العباس فخارج عنه لأن الآية متعلقة بوصفين الإيمان والهجرة ولم يكن العباس مهاجرا بالإجماع وأنه لم يدع الإمامة ولم تدع له وإن عليا كان ابن عمه لأبيه وأمه والعباس عمه خاصة ومن تقرب بسببين كان أولى ممن يتقرب بسبب واحد.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) وقوله (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) قال الجاحظ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْعِلْمَ مِنْ أَرْبَعَةٍ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ كَانُوا أَقْرَأَ لِ كِتَابِ اللهِ مِنْ عُمَرَ وَقَالَ ع يَؤُمُّ النَّاسَ أَقْرَؤُهُمْ فَسَقَطَ عُمَرُ ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ فَسَقَطَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ إِذَا كَانَا عَالِمَيْنِ فَقِيهَيْنِ قُرَشِيَّيْنِ فَأَكْبَرُهُمَا سِنّاً وَأَقْدَمُهُمَا هِجْرَةً فَسَقَطَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَبَقِيَ عَلِيٌّ ع أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَرْجِعُونَ إِلَى قَوْلِهِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ وَهُوَ لَمْ يَسْأَلْ أَحَداً وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ص بِالْإِجْمَاعِ أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا وَمَنْ أَرَادَ الْعِلْمَ فَلْيَأْتِ الْبَابَ.أبان ص ولاية علي وإمامته وأنه لا يصح أخذ العلم والحكمة في حياته وبعد وفاته إلا من قبله وروايته عنه كما قال (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) وفيه دليل على عصمته لأن من ليس بمعصوم يصح منه وقوع القبيح فإذا قدرنا أنه وقع كان الاقتداء به قبيحا فيؤدي إلى أن يكون ص قد أمر بالقبيح وذلك لا يجوز.

قوله سبحانه :

(فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) الآية إجماع على أنها نزلت في النبي وفي علي والحسن والحسين وفاطمة ع فاستدل أصحابنا بها على أن أمير المؤمنين أفضل الصحابة من وجهين أحدهما أن موضوع المباهلة ليتميز المحق من المبطل وذلك لا يصح أن يفعل إلا بمن هو مأمون الباطن مقطوع على صحة عقيدته أفضل الناس عند الله تعالى ولو أن رسول الله ص وجد من يقوم مقامهم لباهل بهم وهذا دال

٣٣

على فضلهم ونقص غيرهم والثاني أنه ص جعله مثل نفسه في قوله (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) لأنه أراد بقوله (أَبْناءَنا) الحسن والحسين (وَنِساءَنا) فاطمة بلا خلاف وقول من قال إنه أراد به نفسه باطل لأن من المحال أن يدعو الإنسان نفسه فالمراد به من يجري مجرى أنفسنا ولو لم يرد عليا وقد حمله مع نفسه لكان للكفار أن يقولوا حملت من لم تشترط وخالفت شرطك فصح أن أهل العباء نفس واحدة وأن عليا أكد الجماعة لقوله (وَأَنْفُسَنا) وإذا جعله مع نفسه وجب أن لا يدانيه أحد في الفضل ولا يقاربه ومما يدل على أنه أفضل الناس وخيرهم وأكثر ثوابا بعد النبي ص إجماع الإمامية وثبوت كونه معصوما ونصا في جعل النبي ص في خبر تبوك جميع منازل هارون من موسى وهارون كان أفضل أمته قوله (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي) وقوله (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) وثبوت المحبة في خبر الطائر وهي إذا أضيفت إلى الله تعالى يفيد الدين وكثرة الثواب فالأحب إليه هو الأفضل ومن أتقن صحة هذا الحديث ثم زعم أن أحدا أفضل من علي لا يخلو من أن يقول دعاء النبي مردود أو يقول إن الله تعالى لم يعرف الفاضل من المفضول أو يقول إن الله تعالى عرف الفاضل من خلقه فكان المفضول أحب إليه منه

فصل

قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) إلى آيتين ذكر المؤمنين ثم المهاجرين ثم المجاهدين فعلي ع سبقهم بالإيمان ثم بالهجرة إلى الشعب ثم بالجهاد ثم سبقهم بعد هذه الثلاث بكونه من ذوي الأرحام وللصحابة الهجرة أولها إلى شعب أبي طالب وكانوا بني هاشم بالإجماع وقال الله تعالى فيهم (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) وثانيها هجرة الحبشة خرج جعفر الطيار وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وعبد الله بن مسعود وعثمان بن مظعون إلى اثنين وثمانين رجلا قال الواحدي نزل فيهم (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) وثالثها للأنصار إلى العقبة وعلى ذلك إجماع أهل الأثر وهم أربعون رجلا وأول من بايع فيه أبو الهيثم ورابعها للمهاجرين إلى المدينة والسابق فيه مصعب بن عمير وعمار بن ياسر وابن مسعود وبلال وفي هذه الهجرة لعلي مزايا على غيره من بذل نفسه فداء لرسول الله حتى تخلص من أيدي الكفار ورده

٣٤

ودائع النبي ص حمل نساء النبي وأولاده بعده إليه ويدل على شجاعته وعلى استخلافه بعده.

قوله سبحانه :

(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) معنى البيعة أن يبيع نفسه ويشتري بها الجنة لا يفر حتى يقتل أو يقتل وقد صح هذا لعلي ع لأنه لم يفر في موضع قط ولم يصح ذلك لغيره وقد ذمهم الله في يوم أحد في قوله (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) وفي يوم حنين (وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) وفي يوم أحد (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) وقد صح عند أهل الحديث فرارهما في يوم خيبر وقال الله تعالى (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) وقال (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ)

فصل

قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) أجمعوا على أن خيرة الله من خلقه المتقون ثم أجمعوا على أن خيرة المتقين الخاشعون لقوله (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) إلى قوله (مُنِيبٍ) ثم أجمعوا على أن أعظم الناس خشية العلماء لقوله (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) وأجمعوا على أن الناس أهداهم إلى الحق وأحقهم أن يكون متبعا لا تابعا لقوله (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) وأجمعوا على أن أعلم الناس بالحق وبالعدل أدلهم عليه وأحقهم أن يكون متبعا ولا يكون تابعا لقوله (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) فدل كتاب الله وسنة نبيه وإجماع الأمة على أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها علي ع ومن زهده أنه لم يحفل بالدنيا ولا الرئاسة فيها يوم توفي رسول الله ص دون أن عكف على تغسيله وتجهيزه وقول الصحابة منا أمير ومنكم أمير إلى أن تقمصها أبو بكر وقال الله تعالى (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) الآية اجتمعت الأمة على أن عليا كان من فقراء المهاجرين وأجمعوا على أن أبا بكر كان غنيا وقد صنف في زهده ع كتاب.

٣٥

قوله سبحانه :

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) لقد عاتب الله أصحاب النبي ص في إيذائه في غير آي من القرآن وما ذكر عليا إلا بخير وذلك نحو قوله (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) وقوله (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) الآية وقوله (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) وقوله (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) البخاري قال عمر بن الخطاب توفي رسول الله وهو عنه راض يعني عن علي ولم يثبت ذلك لغيره.

قوله سبحانه :

(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً) الآية (٢٤٨/٢) فيها دلالة على أن من شرط الإمام أن يكون أعلم رعيته وأفضلهم في خصال الفضل لأن الله تعالى علل تقديمه عليهم بكونه أعلم وأقوى وأشجع فلو لا أنه شرط وإلا لم يكن له معنى واجتمعت الأمة أن عليا أشد من أبي بكر وأشجع واجتمعت أيضا على علمه واختلفوا في علم أبي بكر وليس المجمع عليه كالمختلف فيه.

قوله سبحانه :

(فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) الآية اجتمعت الأمة على أن علي بن أبي طالب ع رأس المجاهدين وكاشف الكروب عن النبي ص ولم يرووا لأحد ما روي له من مقاماته المشهورة وجهاده في غزواته المأثورة فثبت أنه أفضل الخلق ثم اجتمعت الأمة ووافق الكتاب والسنة أن لله خيرة من خلقه وأن خيرته من خلقه المتقون قوله (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) وإن خيرته من المتقين المجاهدون قوله (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ) وإن خيرة المجاهدين السابقون إليه قوله (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) وإن خيرته من المجاهدين أكثرهم عملا في الجهاد واجتمعت الأمة على أن السابقين إلى الجهاد هم البدريون وإن خيرة البدريين علي فلم يزل القرآن يصدق بعضه بعضا بإجماعهم حتى دلوا على أن عليا خير هذه الأمة بعد نبيها.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) فوجدنا

٣٦

عليا بهذه الصفة لقوله (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) يعني الحرب (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) فوقع الإجماع بأن عليا أولى بالإمامة من غيره لأنه لم يفر من زحف كما فر غيره في غير موضع.

قوله سبحانه :

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) ابن عباس والسدي ومجاهد والكلبي وأبو صالح والواحدي والطوسي والثعلبي والماوردي والثمالي والنقاش وعبد الله بن الحسين وعلي بن جرير الطائي في تفاسيرهم أنه كان عند علي بن أبي طالب أربعة دراهم من الفضة فتصدق بواحد ليلا وبواحد نهارا وبواحد سرا وبواحد جهرا فنزلت الآية رواه الغزالي في الأحياء والواحدي في أسباب النزول والأقليشي في ضياء الأولياء سمي كل درهم مالا وبشره بالقبول والأجر وزوال الخوف والحزن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وأبو صالح والثعلبي والواحدي والترمذي وأبو يعلى الموصلي وسفين وشريك والليث في كتبهم في تفسير قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) أنه كانت الأغنياء يكثرون مناجاة الرسول فلما نزلت الآية انتهوا فاستقرض علي دينارا وتصدق به فناجى النبي ص عشر نجوات ثم نسخته الآية التي بعدها وبه خفف الله ذلك عن هذه الأمة وكان سببا للتوبة عليهم وكلهم عصوا في ذلك سواه يدل عليه (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) ولقد استحقوا العقاب لقوله (أَشْفَقْتُمْ) وفي هل أتى على الإنسان بين فضائلهم وذكر إنفاقهم وأوضح تقربهم وعرف سريرتهم وأوجب محبتهم وشرح عصمتهم ثم سألنا الأمة عن أول من سبق إلى الإسلام فقالوا علي وأبو بكر وزيد وسألناهم عن أعلمهم فقالوا علي وابن مسعود وسألناهم عن الجهاد فقالوا علي والزبير وأبو دجانة وسألناهم عن القرابة فقالوا علي والعباس وعقيل وسألناهم عن الزهد فقالوا علي وعمر وسلمان فرأينا عليا في هذه الخصال ثالث ثلاثة وقد اجتمعت فيه هذه الخصال كلها ولم يجتمع خصلتان في رجل منهم فثبت أنه خير الخلق بعد رسول الله وأحقهم بالإمامة فهذه خصال اجتمعت الأمة على أن التفضيل فيها وقد سبق على الكل في ذلك والدليل السمعي الذي يوجب كثرة الثواب ففي حديث تبوك وحديث الطير وغيرهما

فصل

قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) دال على

٣٧

أن النبي لم ينطق عن هوى ولا فعل في الدين إلا بوحي فلو لا أن عليا ع كان الأفضل عند الله تعالى لما قدمه في أفعاله على الكافة ولا عظمه بما قاله على الجماعة لأنه لو لم يكن كذلك لكان خائنا له أو باخسا لغيره حقه أو غير عالم بحقيقة وضع الأمر في مستحقه وذلك كله محال فثبت أن تفضيل النبي ص عليا ع بأمر الله تعالى فمن الأفعال المجمع عليها تقديمه للمبارزة في بدر وخيبر والأحزاب وذات السلاسل وبني زهرة وإنفاذه إلى اليمن قاضيا وأمره على وجوه من أصحابه عند فتح مكة وفتح الطائف ولم يول عليها أحدا قط وما أخرجه إلى موضع ولا تركه في قوم إلا ولاه عليهم وكان الشيخان تحت راية عمرو بن العاص وأسامة بن زيد وعزل به جماعة منهم سعد بن عبادة عند فتح مكة وأعطاه الراية وأبا بكر عند نبذ العهد في مكة وأعطاه براءة واستخلفه في مبيته وعلى أهله وعلى رد الودائع ونقل الحرم إلى المدينة عند الهجرة واختصه لإيداع أسراره مثل حديث مارية وغيره وكتب عهوده ووحيه ولا يوجد الآن عهد النبي ص إلا بخطه وهذا الاحترام والتقريب لا يخلو إما أن يكون من الله تعالى أو من قبل نفسه وعلى الحالين جميعا أظهر للناس درجته عند الله تعالى ومنزلته عند رسوله ص وذلك يوجب أن يكون ولي عهده واختاره لمجالسته في الليالي ذكر في تاريخ البلاذري ومسند أحمد وأبي يعلى وسنن ابن ماجة وكتاب أبي بكر عياش ومسند أبي رافع أنه كانت لعلي كل ليلة دخلة وفي رواية دخلتان لم يكن لأحد من الناس ولم يكن لأحد أن يدخل على أزواج رسول الله بعد آية الحجاب إلا له وهذه مرتبة القربى كما قال (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَ) واصطفاه من القرابة كلهم والقربى نوعان نسبي وحكمي وقد اجتمعا في علي أما النسبي فإنه لم يكن في أولاد عبد المطلب من هو أخو عبد الله لأبيه وأمه إلا أبو طالب كما قال أخي لأمي من بينهم وأبي وقال يوسف لبنيامين (أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ) وأما الحكمي مثل التربية والمؤاخاة والمصاهرة والأولاد والجوار والقربى بالحكم آكد من القربى بالنسب لأن النسب لا يدل على الاختصاص بنفسه والقربى بالحكم يدل على غاية الاختصاص والميزة أو القرابة لحم ودم والقربة روح ونفس وقد اجتمعا فيه وليس في العقل والشرع تفريق بين اللحم والدم والروح والنفس ولا يجوز تبعيد القريب وتقريب البعيد إلا للكفر أو الفسق وصاهره بعد ما رد أبا بكر وعمر وهو في الصحيحين فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ لَمْ يَخْلُقِ اللهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمَا كَانَ لِفَاطِمَةَ كُفْوٌ. ولا يقاس هذا بتزويج النبي في الشيخين أو الزواج من عثمان ببنتين لأن التزويج المطلق لا يدل على الفضل وإنما هو مبني على إظهار الشهادتين ثم إنه ع تزوج في جماعة وأما عثمان ففي زواجه خلاف كثير وإنه كان زوجهما من كافرين قبله

٣٨

وأما فاطمة فإنها وليدة الإسلام ومن أهل العباء والمباهلة والمهاجرة في أصعب وقت وورد فيها آية التطهير وافتخر جبريل بكونه منهم وأم الحسن والحسين ومنها عقب النبي ص وجعله صاحب سره رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ وَأَبُو يَعْلَى فِي الْمُسْنَدِ وَالْأُقْلِيشِيُّ فِي الضِّيَاءِ وَأَبُو بَكْرٍ مَهْرَوَيْهِ فِي الْأَمَالِي وَالْخَطِيبُ فِي الْأَرْبَعِينِ وَالسَّمْعَانِيُّ فِي الرِّسَالَةِ مُسْنَداً إِلَى جَابِرٍ قَالَ نَاجَى النَّبِيُّ يَوْمَ الطَّائِفِ عَلِيّاً فَأَطَالَ نَجْوَاهُ فَقَالُوا لَقَدْ طَالَ نَجْوَاهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ص فَقَالَ مَا انْتَجَيْتُهُ وَلَكِنَّ اللهَ انْتَجَاهُ أي أمرني أن أنتجي معه وكان صاحب لوائه ورايته في تاريخي الطبري والبلاذري وصحيحي مسلم والبخاري أنه لما أراد النبي ص أن يخرج إلى بدر اختار كل قوم راية فاختار حمزة حمراء وبنو أمية خضراء وعلي بن أبي طالب صفراء وكانت راية النبي ص بيضاء فأعطاها عليا يوم خيبر لما قال لأعطين الراية غدا رجلا وقال أصحاب السير كانت راية قريش ولواؤها جميعا بيدي قصي بن كلاب ثم لم تزل الراية في يدي عبد المطلب فلما بعث النبي ص ودفعها في أول غزاة حملت فيها وهي ودان إلى علي وكان اللواء يومئذ في بني عبد الدار فأعطاها النبي ص مصعب بن عمير فاستشهد يوم أحد فأخذها النبي ودفعها إلى علي فجمع له يومئذ الراية واللواء وهما أبيضان ذكره الطبري في تاريخه والقشيري في تفسيره وَفِي تَنْبِيهِ الْمَذْكُورِينَ أَنَّهُ سَقَطَ اللِّوَاءُ مِنْ يَدِ عَلِيٍّ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ جَرَاحَةٍ فَتَحَامَاهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ النَّبِيُّ ص خُذُوهُ فَضَعُوهُ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ص بَارَكَ اللهُ فِيكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَوْصَى إِلَيْهِ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ فِي مَرَضِهِ وَأَمَرَهُ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ وَغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ وَشَارَكَهُ فِي ذَبْحِ بَاقِي إِبِلِهِ وَكَانَتْ مِائَةً رواه البخاري والسجستاني والعكبري والموصلي وأحمد بن حنبل ورخص له في الجمع بين اسمه وكنيته رواه الثعلبي في تفسيره وابن البيع في معرفة أصول الحديث والسمعاني في رسالته والخطيب والبلاذري في تاريخهما فسمى ابنه أبا القاسم محمد بن الحنفية واختاره عند كسر الأصنام في مكة رواه أحمد بن حنبل وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما وأبو بكر الخطيب في تاريخه وأبو الصباح الزعفراني في الفضائل والخطيب الخوارزمي في الأربعين وأبو عبد الله النطنزي في الخصائص وأبو بكر الشيرازي في نزول القرآن وأبو بكر البيهقي في كتابه وخص له فتح بابه في المسجد وسد أبواب الأقارب والأجانب رواه الترمذي والبلاذري وابن حنبل والموصلي وأبو نعيم والبيهقي وأبو بكر الخطيب وشيرويه الديلمي وأبو المظفر السمعاني والخركوشي والعكبري وابن المؤذن والأقليشي وغيرهم عن ثلاثين رجلا من الصحابة منهم ابن عباس والخدري وأبو الطفيل وابن أرقم وابن عمرو سعد أبي

٣٩

وقاص وحذيفة بن أسيد وأم سلمة فخصوصيتهما بفتح بابيهما دليل على زيادة درجاتهما ورضا الله عنهما والمقام في المسجد وهما جنبان دليل على طهارتهما وعصمتهما وآخاه بعد ما آخى بين الأشكال والأمثال وجعله شكلا لنفسه يقول العرب هذا أخو الشيء إذا أشبهه أو قاربه ولم يكونا أخوين تحقيقا وإنما أبانه منزلته ودرجته على الخلق أجمعين لئلا يتقدم عليه أحد والأخوة في النسب لا يوجب ذلك لأنه قد يكون المؤمن أخا للكافر والمنافق وهذا يوجب الإمامة وخرج حديث الإخاء الأقليشي في ضياء الأولياء وابن صخر في الفوائد ولم يزل ع يصلح به ما كان يفسده غيره مثل حديث خالد وَقَالَ أَنَسٌ بَعَثَ النَّبِيُّ ص عَلِيّاً إِلَى قَوْمٍ عَصَوْهُ فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ فَتَلَقَّاهُ النَّبِيُّ ص لَمَّا جَاءَ وَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ بِأَبِي وَأُمِّي مَنْ شَدَّ اللهُ بِهِ عَضُدِي. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِدَادٍ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ لِوَفْدِ الْيَمَنِ لَتُقِيمُنَّ الصَّلَاةَ وَتُؤْتُونَ الزَّكَاةَ أَوْ لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلاً كَنَفْسِي. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ لِوَفْدِ هَوَازِنَ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُقِيمُنَّ الصَّلَاةَ وَتُؤْتُونَ الزَّكَاةَ الْخَبَرَ سَوَاءً رَوَاهُ الْأُقْلِيشِيُّ.أبان رسول الله ص بذلك ولايته وأنه ولي الأمر بعده وحَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي وَفَاةِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ تَقْبَلُ وَصِيَّتِي وَتُنْجِزُ عِدَتِي وَتَقْضِي دَيْنِي فَأَبَى فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ فَقَالَ يَا أَخِي تَقْبَلُ وَصِيَّتِي وَتُنْجِزُ عِدَتِي وَتَقْضِي دَيْنِي فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ ادْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ فَأَعْطَاهُ خَاتَمَهُ وَعِمَامَتَهُ وَسَيْفَهُ وَدِرْعَهُ وَبَغْلَتَهُ وَسَرْجَهَا فَقَالَ لَهُ اقْبِضْ هَذَا فِي حَيَاتِي ثُمَّ قَالَ امْضِ عَلَى اسْمِ اللهِ إِلَى مَنْزِلِكَ. يؤكد ذلك ما روته الأمة بأجمعها عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَلِيّاً نَازَعَ الْعَبَّاسَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِي تَرْكِهِ النَّبِيَّ ص فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَيْنَ كُنْتَ يَا عَبَّاسُ حِينَ جَمَعَ رَسُولُ اللهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَنْتَ أَحَدُهُمْ فَقَالَ أَيُّهُمْ يُوَازِرُنِي فَيَكُونَ وَصِيِّي وَخَلِيفَتِي فِي أَهْلِي وَيُنْجِزُ مَوْعِدِي وَيَقْضِي دَيْنِي فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ فَمَا أَقْعَدَكَ هَاهُنَا. الخبر وهذا نص جلي يوجب الإمامة

فصل

قوله تعالى : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) مِنْهَا قَوْلُهُ ص وَقَدْ نَزَلَ (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) أَنَا الْمُنْذِرُ وَالْهَادِي عَلِيٌ رَوَاهُ حُذَيْفَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو بَرْزَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَذَكَرَهُ الضَّحَّاكُ وَالزَّجَّاجُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَبْدُ خَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَالثَّعْلَبِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْفَلَكِيُّ وَالْحَسْكَانِيُّ وَشِيرَوَيْهِوصنف أحمد بن محمد بن معد كتابا فيه تقوية إجماع الإمامية وَقَوْلُهُ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي الْقُرْآنِ آيَةً فِيهَا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إِلَّا وَعَلِيٌ

٤٠