متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني

متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

المؤلف:

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات بيدار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٣
الجزء ١ الجزء ٢

قوله سبحانه :

(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) يدل على أن من قتل عامدا على أي وجه كان يقتص لأنه لم يفصل بين أن يكون القتل بمحدد أو غيره ويدل على أنه إذا كان ولي المقتول جماعة فعفا أحدهم لم يسقط حق الباقين من القصاص لأنه ولي ويدل على أن من ضرب بما يقصد بمثله القتل غالبا ففيه القود ويدل على أنه إذا كان أولياء المقتول جماعة جاز لواحد منهم أن يستوفي القصاص وإن لم يحضر شركاؤه بشرط أن يضمن لمن يحضر نصيبه من الدية لكي لا يبطل حق الغير ويدل على أنه إذا وجب القصاص لاثنين فعفا أحدهما عن القصاص سقط حقه ولم يسقط حق الآخر ويدل على أنه يقتل الجماعة بالواحد بشرط أن يؤدي ولي الدم إلى ورثتهم الفاضل عن دية صاحبه ويدل على أن المرتد إذا أتلف نفسا أو مالا يطالب بهما سواء كان في منعه أو لا يكون ويدل على أن من قتل رجلا زعم أنه مرتد أو ذمي أو عبد فعليه القود لأنه لم يفصل فيها ويدل على أنه إذا قتل مرتدا نصرانيا له ذمة يؤدي جزيته فإن رجع إلى الإسلام فإنه يقاد به ويدل على أنه إذا قطع يد مسلم فارتد المقطوع ثم عاد إلى الإسلام ثم مات كان عليه القود لأنه لم يفصل.

قوله سبحانه :

(وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) فيه دليل على أنه لا يقتل المسلم بالكافر وَقَوْلُهُ ع لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ.

قوله سبحانه :

(الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) يدل على أنه يقتل الحر بالحر إذا رد أولياؤها فاضل الدية ويدل أيضا على أن الذكر لا يقتل بالأنثى ويدل أيضا على أن الحر لا يقتل بالعبد.

قوله سبحانه :

(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) استدل بها على أن الاثنين وما زاد عليهما من العدد إذا قتلوا واحدا قتلوا به أجمعين بشرط التكافي في الدماء وأن يكون جناية

٢٢١

كل واحد منهم أو انفردوا وأن يرد إلى أوليائها فضل الدية لأن معنى الآية أن القاتل إذا علم أنه إذا قتل قتل كف القتل وكان داعيا إلى حياته وحياة من هم بقتله فلو ترك القود في حال الاشتراك سقط هذا المعنى المقصود ويستدل أيضا في قتل الجماعة بواحد بقوله (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) والواحد والجماعة فيه سواء لأن الكل متعد وأيضا لفظة من يعم الواحد والجميع ويدل أيضا عليه قوله (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) ومن قتله ألف أو واحد فقد قتل مظلوما فيكون لوليه سلطانا.

قوله سبحانه :

(فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ) ... (دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) دال على أنه لا تجب الكفارة بقتل الذمي والمعاهد لأن الضمير في كان راجع إلى المؤمن الذي تقدم ذكره فكأنه قال وإن كان المؤمن من قوم بينكم وبينه ميثاق (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) بأن يكون نازلا بينهم أو أسيرا في أيديهم أو أسلم عندهم والآية دالة على أن من قتل مؤمنا في دار الحرب وظن أنه كافر فلا دية عليه.

قوله سبحانه :

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ) وقوله (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) يدلان على أن القاتل إذا بدل الدية ورضي بها ولي الدية جاز ذلك وسقط حقه من القصاص.

قوله سبحانه :

(وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) وقوله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) يدلان على أن القاتل في غير الحرم إذا لجأ إليه لم يقتل بل يضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج فيقام عليه الحد لأنها عامة.

قوله سبحانه :

(وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) يدل على جواز الاقتصاص وعلى أن الأطراف كالأنفس فكل نفسين جرى القصاص بينهما في الأنفس جرى بينهما في أطراف لأنه لم يفصل وعلى أنه يقطع ذكر الفحل بذكر الخصي وعلى أنه إذا اشترك جماعة في جرح يوجب

٢٢٢

القود على الواحد كقلع العين أو قطع اليد فعليهم القود لأنه لم يفصل في الآية ويدل على جميع ذلك أيضا قوله (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ).

قوله سبحانه :

(فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) دال على أنه إذا قطع إحدى اليدين إلى الكوع وجب بها نصف الدية.

قوله سبحانه :

(النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وقوله (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) يدلان على أنه إذا قطع المحارب يد رجل وقتله في المحاربة قطع ثم قتل لأن قوله (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) لم يفصل بين أن يكون أخذ المال أو لم يكن أخذ وهذا جرح ثم إن القصاص حق الآدمي والقتل في المحاربة حق الله تعالى ودخول أحد الحقين في الآخر يحتاج إلى دليل ويدلان أيضا على أن من قطع يد رجل ثم قتل آخر حكمه كذا.

قوله سبحانه :

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) الآية دال على أن كل مرتكب للكبيرة إذا فعل به ما يستحقه قتل في الرابعة لأنه على عمومه وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ أَصْحَابُ الْكَبَائِرِ يُقْتَلُونَ فِي الرَّابِعَةِ.

فصل

قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) وقوله (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) شرط الله العدالة في قبولها ولم يشرط سواها فيدخل في عموم هذا القول ذوو القرابات كلهم إلا ما أخرجه الدليل فتقبل شهادة الأعمى فيما لا يحتاج إلى المشاهدة ولا يناقض ذلك قوله (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) لأن الآية مجملة يتضمن ذكر ما يستوون فيه وادعاء العموم فيما لا يذكر غير صحيح وشهادة غريبين عدلين ويبحث إذا لم يعرف وهذا مما يرضى بهما.

قوله سبحانه :

(إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) فيه دلالة على أن شهادة المختبي

٢٢٣

مقبولة لأنه علمه.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا) يدل على أنه يقبل شهادة اليهود على اليهود وشهادة النصارى على النصارى وإذا اختلف ملتهم لم يقبل لأن الله تعالى أمر بالتبيين والتثبيت في نبإ الفاسق والكافر فاسق وَقَوْلُهُ ص لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ دِينٍ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِمْ إِلَّا الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ عُدُولٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) الآية (٤/ ٢٤) فيه دلالة على أن القاذف إذا تاب وصلح قبلت توبته وزال فسقه لأن في سياق الآية (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لما اشتمل الخطاب على جمل معطوفة بعضها على بعض بالواو ثم يعقبها استثناء رجع الاستثناء إلى جميعها إذا كانت كل واحدة منها مما لو انفردت رجع الاستثناء إليها كقولك امرأتي طالق وعبدي حر إن شاء الله رجع الاستثناء إلى كل المذكور ولما قبل الله توبته كيف لا تقبل شهادته.

قوله سبحانه :

(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) يدل على أنه إذا كذب نفسه وتاب لا تقبل شهادته حتى يظهر منه العمل الصالح لأنهما مقرونتان.

قوله سبحانه :

(وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) لا يدل على أن الشهادة شرط في العقود لأنه أمر بالإشهاد بعد وقوع البيع فصح أنه محمول على الاستحباب دون الوجوب ثم إنه قال (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) بالبيع الذي أمرنا بالإشهاد عليه هو البيع الذي أمرنا بأخذ الرهن به عند عدم الشهادة فلو كانت واجبة ما تركها بالرهن ثم قال (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) ولو كانت واجبا لما جاز تركه بالأمانة.

قوله سبحانه :

(وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) يدل على أن من دعي إلى تحمل الشهادة وهو من أهلها فعليه الإجابة.

٢٢٤

قوله سبحانه :

(وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) فيها دلالة على أن من يتحمل الشهادة لزمه أداؤها متى طلبت منه.

قوله سبحانه :

(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) دال على أن الشاهد لا يعول على وجود خطه إلا بعد ذكره لها

فصل

قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) يدل على أن الحاكم ينبغي أن يكون على الصفات التي اعتبرناها لأنه مخبر عن الله تعالى ونائب عن رسوله ص ولا شبهة في قبح حكم الجاهل وكذلك من حكم بالتقليد لم يقطع على الحكم بما أنزل الله.

قوله سبحانه :

(فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) وقوله (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) يدلان على أن الحاكم يحكم بعلمه في جميع الأحكام سواء كان من حقوق الله أو حقوق الخلق لأن من حكم بعلمه فقد حكم بالعدل والحق وحكمه بشهادة الشاهدين بغلبة ظنه وحكمه بعلمه باليقين واليقين أولى من غلبة الظن.

قوله سبحانه :

(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) يدل على أنه إذا قال الحاكم لحاكم آخر قد حكمت بكذا أو أمضيت كذا لا يحكم بقوله لأن إيجاب قوله يحتاج إلى دليل وليس عليه دليل ودال أيضا على أنه لا يجوز الحكم بكتاب قاض إلى قاض لأن الحكم بذلك اقتفاء بغير علم.

قوله سبحانه :

(اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) يستدل بها على أنه لا يجوز للحاكم أن

٢٢٥

يأخذ الأجرة على الحكم وصحة العموم الأخبار الواردة في تحريم الرشا وطريقه الاحتياط وإجماع الطائفة

(باب الناسخ والمنسوخ)

فصل

قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) قال ابن عباس نسخ بقوله قاتلوهم حتى يقولوا لا إله إلا الله أو يقبلوا الجزية وقال قتادة نسختها آية السيف والصحيح أنها ليست منسوخة وإنما أمر الله عزوجل بالقول الحسن في الدعاء إليه والاحتجاج عليه كما قال لنبيه ص (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقال (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) وليس الأمر بالقتال ناسخا لذلك لأن كل واحد منهما ثابت في موضعه.

قوله سبحانه :

(فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) قال ابن عباس إنها منسوخة بقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وقال قتادة والسدي والربيع نسخت بقوله (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ).

قوله سبحانه :

(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) قال ابن زيد وقتادة كان للمسلمين التوجه بوجوههم في الصلاة حيث شاءوا ثم نسخ ذلك بقوله (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).

قوله سبحانه :

(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) قال السدي إنها منسوخة بفرض الزكاة وقال الحسن ليست منسوخة وهو الأقوى لأنه لا دليل على نسخها.

قوله سبحانه :

(قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا) قال الحسن و

٢٢٦

ابن زيد والربيع والجبائي هي منسوخة بقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وقوله (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) وقال ابن عباس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز إنها غير منسوخة وهو الأقوى لأنه لا دليل على كونها منسوخة.

قوله سبحانه :

(كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) رُوِيَ عَنْ أَئِمَّتِنَا ع أَنَّ قَوْلَهُ (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ).

قوله سبحانه :

(وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) قال قتادة والجبائي إنها منسوخة بقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).

قوله سبحانه :

(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) قال الحسن وقتادة وابن زيد نسختها قوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) والصحيح أنها ليست بمنسوخة لأن قوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) نزلت في سنة تسع عند مصالحة أهل نجران.

قوله سبحانه :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) قال بعضهم نسخت بقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).

قوله سبحانه :

(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) الآية قال أبو عبيد القاسم بن سلام نسخ قوله (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) وكذلك قوله (فَاعْفُ عَنْهُمْ) نسخ قوله (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ).

قوله سبحانه :

(وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ) قال السدي واجب على الكاتب في حال فراغه وقال مجاهد وعطاء غير واجب وقال الضحاك نسخها قوله (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) وقوله (أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ).

٢٢٧

قوله سبحانه :

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) إلى قوله (حَكِيمٌ) قيل إن في الآية نسخا لأن التي لم يدخل بها لا عدة عليها لقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ) إلى قوله (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) لأن الحامل عدتها وضع ما في بطنها لقوله (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) وهي عندنا أبعد الأجلين.

قوله سبحانه :

(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) الآية زعم بكر بن عبد الله أنها منسوخة بقوله (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ) الآية وعند جميع المفسرين أنها غير منسوخة.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) ناسخة لقوله (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ) وإن كانت مقدمة في التلاوة وقال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد إنها منسوخة بآية الميراث وذلك باطل لأن آية الميراث لا تنافي الوصية فلا يجوز أن تكون ناسخة لها.

قوله سبحانه :

(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) نسخ قوله (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ).

قوله سبحانه :

(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) نسخ بقوله (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) حرم المغفرة على الكافر ولم يؤيس المؤمن منها ما لم يغرغر.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) نسختها (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) الآية.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ) نسخ بقوله (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى)

٢٢٨

إلى قوله (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) وخفف بركعات في آخر الليل.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) نسخها بقوله (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الآية.

قوله سبحانه :

(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) قال أبو عبيد القاسم بن سلام نسخت ما قبلها (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ).

قوله سبحانه :

(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) نسخت بقوله (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ).

قوله سبحانه :

(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَ) الآية وقوله في المطلقات (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) نسخهما بقوله (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) الآية.

قوله سبحانه :

(وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) قال إبراهيم والسدي منسوخة بفرض العشر ونصف العشر لأن الزكاة لا يخرج يوم الحصاد ولأن الآية مكية وفرض الزكاة نزل بالمدينة ولما روي أن الزكاة نسخ كل صدقة وقال الرماني هذا غلط لأن يوم حصاده ظرف لحقه وليس بظرف للإيتاء المأمور به.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) وقوله (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) وقوله (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ) قال ابن عباس وإبراهيم وأبو علي هي منسوخة الحكم وقال الحسن وأكثر أهل العلم إنها غير منسوخة ولأنها لم ينسخ من سورة المائدة شيء لأنها آخر ما نزل وهو الذي يقتضيه مذهبنا.

٢٢٩

فصل

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ) الآية يقال إنها منسوخة بقوله (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وليس كما قالوا لأن الله تعالى إنما أخبرنا أنه أثبتها على اليهود قبلنا لا علينا وشريعتهم منسوخة بشريعتنا ثم إن هذه الآية ما تضمنه معمول عليه ولا تنافي بينه وبين قوله (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) لأن تلك عامة وهذه خاصة.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) قال ابن عباس وطاوس وأبو علي إنها غير منسوخة وقال قتادة والربيع والسدي وابن زيد هي منسوخة بقوله (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ع لأنهم ذهبوا إلى أنه يدخل فيه القيام بالقسط في حال الأمن والخوف.

قوله سبحانه :

(الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) قال سعيد بن المسيب لما نزل قوله (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ) نسخ الأولى وبه قال أكثر الفقهاء والرماني وعن أبي جعفر ع أن الآية نزلت في أصحاب الرايات فأما غيرهن فإنه يجوز أن يتزوجها وإن كان الأفضل غيرها ويمنعها من الفجور.

قوله سبحانه :

(أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ... أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ) إلى قوله (أَشْتاتاً) قال الجبائي منسوخة بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ ص لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا مِنْ طِيبِ نَفْسِهِ. وَالَّذِي رُوِيَ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ع لِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ مِنْهَا وَلَا مِنْ بُيُوتِ مَنْ ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ قَدْرَ حَاجَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ.

قوله سبحانه :

(قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ) لما نزلت هذه

٢٣٠

الآية اشتد على الصحابة فنزل (آمَنَ الرَّسُولُ) السورة.

قوله سبحانه :

(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) قال الفراء والسدي معناه النهي عن قتالهم ثم نسخ بقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ).

قوله سبحانه :

(فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) قال ابن عباس والضحاك والفراء منسوخ بقوله (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) وقال ابن عمر والحسن وعطاء وعمر بن عبد العزيز ليست بمنسوخة.

قوله سبحانه :

(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) قال ابن عباس والحسن وابن جبير وقتادة وعامر والضحاك نسخ ذلك بقوله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ).

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) قال الحسن نسخ ذلك بقوله (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا) ... (أَشْتاتاً).

قوله سبحانه :

(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) أجمع أهل التأويل على أنها نزلت في عصاة أهل الصلاة إلا ما حكى عن الربيع أنه قال إنها في المنافقين وهذا غلط لأن المنافقين كفار قوله (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) وقال الربيع أيضا إن الآية منسوخة بقوله (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) وهذا أيضا خطأ لأن النسخ لا يدل في الخبر الذي يجري هذا المجرى.

قوله سبحانه :

(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) كان الرجل إذا زنى في الجاهلية رسمه

٢٣١

الإيذاء والمرأة إذا زنت حبست حتى ماتت قال الفراء نسخت هذه الآية الأولى يعني قوله (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ).

قوله سبحانه :

(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) ثم رخص للمؤمنين بقوله (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ) بأن يجالسوهم إذا كانوا مظهرين للنكر عليهم غير خائفين منهم (وَلكِنْ ذِكْرى) أي ينهونهم إن ذلك يسوؤهم (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ثم نسخ ذلك بقوله (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها) إلى قوله (إِذاً مِثْلُهُمْ) وهذا قول السدي وابن جبير والبلخي وجعفر بن مبشر.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ) يقول فإذا غنمتم فأعطوا زوجها صداقها الذي كان ساق إليها من الغنيمة ثم نسخ هذا الحكم في براءة فنبذ إلى كل ذي عهد عهده.

قوله سبحانه :

(ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) قال قتادة حكم الآية يختص بالنبي ص دون الخلفاء وقال الأوزاعي وابن المبارك وجماعة إنها عامة للمجاهدين وقال ابن زيد هذا حين كان المسلمون قليلين فلما كثروا نسخ بقوله (ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) وهذا هو الأقوى لأن الجهاد من فروض الكفايات.

قوله سبحانه :

(فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) قال قتادة ومجاهد والضحاك إنه منسوخ بوجوب الجهاد وقال الجبائي أمر بأن يصفح عنهم فيما كانوا يسفهون عليه من شتمه وسفاهتهم عليه.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) الآية قال ابن زيد

٢٣٢

هذه الآية منسوخة بآية الجهاد.

قوله سبحانه :

(مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) قال ابن عباس إنها منسوخة بقوله (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) وهذا بعيد لأن النسخ لا يدخل في الخبر الذي يتضمن الوعد وإنما يجوز دخوله فيما طريقه الأحكام الشرعية التي يجوز تغيرها من حسن إلى قبيح.

قوله سبحانه :

(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) قالوا إنها منسوخة بآية المواريث وهذا خطأ وقد بينته فيما تقدم.

قوله سبحانه :

(وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْهَاشِمِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ). الآية.

قوله سبحانه :

(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) قال أبو يوسف والمزني إنها منسوخة وقد اجتمع الفقهاء كلهم على أن صلاة الخوف جائزة غير منسوخة ومن ادعى نسخ القرآن والإجماع والسنة فعليه الدلالة قال الطوسي النسخ في القرآن على ثلاثة أوجه ما نسخ حكمه دون لفظه كآية العدة بالحول في المتوفى عنها زوجها قوله (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) وآية النجوى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) فنسخه بقوله (أَأَشْفَقْتُمْ) وقوله (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ) الآية وآية تشديد القتال (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) ثم نسخ بقوله (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) وما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم فإن وجوب الرجم على المحصن لا خلاف فيه والآية على قول بعض أصحابنا هي في سورة النور قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كُنَّا نَقْرَأُ فِي سُورَةِ النُّورِ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ فَإِنَّهُمَا قَضَيَا الشَّهْوَةَ جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ

٢٣٣

عَزِيزٌ حَكِيمٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نَقْرَأُ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ لَكُمْ. وما نسخ لفظه وحكمه نَحْوُ مَا رَوَاهُ الْمُخَالِفُونَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ فِيمَا أَنْزَلَهُ اللهُ أَنَّ عَشْرَ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخَ ذَلِكَ بِخَمْسٍ. وَرَوَى أَبُو مُوسَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ إِلَى آخِرِهِ. وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّ السَّبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ نَزَلَ قُرْآناً فِيهِمْ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا.

(باب مما جاء من طريق النحو)

فصل

قوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) وقوله (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) التأنيث والتذكير راجعان إلى النخل وهو يذكر ويؤنث أو إلى الشجر وهو يذكر ويؤنث وقوله (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) وفي موضع (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ. فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) وقوله (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) ثم قال (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) ثم وصفها فقال (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ).

قوله سبحانه :

(بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) وفي موضع (بَلْدَةً مَيْتاً) العرب تارة تخرج النعت على ظاهر الكلام وتارة على باطن معناه يعني المكان نظيره (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) وفي موضع (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ) أي السقف.

قوله سبحانه :

(فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) وقوله (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) التأنيث راجع إلى المرأة والتذكير إلى لفظ الفرج وقيل التذكير راجع إلى جيب القميص.

قوله سبحانه :

(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) وفي موضع (مِمَّا فِي بُطُونِها) التذكير راجع إلى لفظ نظيره لتستووا على ظهوره وقوله (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) فالتأنيث راجع إلى الرحمة

٢٣٤

والتذكير إلى لفظ ما وقيل التذكير راجع إلى ظاهر لفظ الأنعام لأن النعم والأنعام بمعنى والتأنيث إلى معناه وهي جماعة كما قال (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى) ثم قال (ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) التذكير راجع إلى لفظ ما وهو اسم مبهم لا يتبين فيه التذكير والتأنيث والواحد والجمع ولذلك سمي مبهما.

قوله سبحانه :

(ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) وفي موضع (كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) التذكير راجع إلى لفظ العذاب والتأنيث راجع إلى النار وقالوا التذكير راجع إلى فعل النار وهو الإحراق والتأنيث راجع إلى عين النار نظيره (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي) ويقال التذكير راجع إلى حقيقة النار ومعناها.

قوله سبحانه :

(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) وقوله (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) وقوله (عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) وقوله (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) وقال (لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) وقوله (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) الريح يذكر ويؤنث مثل السكين والسبيل قوله (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) وفي موضع (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) وقالوا ريح العذاب مذكر لأن المراد منه العذاب وريح الرحمة مؤنثة لأن المحصول منها الرحمة وهي مؤنثه ويقال التذكير راجع إلى لفظ الريح وهو مذكر قوله (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) بمنزلة حائض وحامل.

قوله سبحانه :

(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) قال الفراء (خالِصَةٌ) راجعة إلى ما في بطون الأنعام من الأولاد ومحرم بلفظ التذكير راجع إلى ما يذكر كقوله (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) فالتأنيث يرجع إلى الحجارة والتذكير إلى ما وقيل التأنيث راجع إلى جماعة الأنعام والتذكير إلى جمع الأنعام وكل ما ليس في ظاهر لفظه علم التأنيث يجوز تذكيره من جهة لفظه وتأنيثه من جهة معناه كقوله (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) فالتأنيث راجع إلى معنى

٢٣٥

الشمس وهي مؤنثه والتذكير إلى لفظ الشمس وليس فيه علم التأنيث لكنها مصدر وهاء المصادر تتنوع في أبوابها تكون بمعنى الفاعل قال الشاعر:

وردت سلاما كارها ثم أعرضت

كما انجازت الأفعى مخافة ضارب.

فلو لم يكن مصدرا لقال كارهة ويكون بمعنى المفعول يقال خذ ميسوره ودع معسوره أي يسره وعسره ويكون بمعنى الفاعل قوله (فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) يعني بالطغيان (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) يعني البقاء (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) لم يقل ليست.

قوله سبحانه :

(وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) نعت الدين فأضيف الدين إلى نعته نحو قول الحق (زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) و (مَكْرَ السَّيِّئِ) و (الدَّارُ الْآخِرَةُ) والهاء لأجل رأس الآية كما يقول هذه داهية ومنكرة وفروقة وقيل بل هي نعت للملة كأنه قال دين الملة القيمة وسأل أبو بكر الأنباري المبرد ألف مسألة من نحو ذلك فقال ما كان هذا الباب فتذكيره على اللفظ محمول وتأنيثه على المعنى

فصل

قوله تعالى : في البقرة (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) وفي آل عمران (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) وكلاهما في قصة اليهود أما قوله (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) يعني ما دون العشرة شاهد ذلك قوله (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) وهي أيام النحر وقوله (أَيَّاماً مَعْدُودَةً) هي ما فوق العشرة وقد كانت اليهود اختلفوا في تعذيب الله إياهم فصاروا فرقتين قال قوم (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) وهي أربعين يوما الأيام التي عبدوا العجل فيها قوله (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) وقال قوم (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) وهي سبعة أيام من الأيام الآخرة قوله (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ).

قوله سبحانه :

(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) ولم يقل سنة والعدد إذا جاء بعد العشرة يوحد كما قال (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) وقال (اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) وأما قوله (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ) نزل أولا هذا القدر فسئل عنى بهذه الساعات أم الأيام أم الشهور أم السنين فميز الله تعالى ذلك وأنزل قوله (سِنِينَ) فخرج مخرج التمييز لا مخرج العدد و

٢٣٦

قيل ولم يقل سنة لأنها في المعنى مقدمة وإن كانت في اللفظ مؤخرة معناه ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائة فجمعه على وجه التقديم والعدد إذا كان مقدما يجوز جمعه كما يقال أعطيت دراهم ثلاثمائة أو ستمائة وهي منصوبة لوقوع الفعل نظيره (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً).

قوله سبحانه :

(فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) الكناية راجعة إلى معنى السورة وهو القرآن قوله (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) ولم يقل مثلها وهذا كقوله (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) والآية هاهنا الكتاب اسم عام يدخل على القرآن والقرآن يدخل على السورة والسورة تدخل على الكلمة والكلمة تدخل على الحرف

فصل

قوله تعالى : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) إنما قال من الغابرين لأن بقاءها كان مع الذكور وإذا اجتمع الذكور مع الإناث فالغلبة للذكور نظيره (إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) وقوله (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) وقوله (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وقوله (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) وقيل إنه من وصف القوم الذين كانت المرأة منسوبة إليهم وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين وكذلك قوله (قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) أي من القوم الغابرين.

قوله سبحانه :

(قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) لم يقل ادخلن لأنه لما ذكر الله أفعالا مثل أفعال العاقلين وهو النداء والقول ونحوهما جعل صفتها كصفة العاقلين كقوله (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) وقوله (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) وقوله (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) وقوله (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) وقوله (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) وقوله (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ).

قوله سبحانه :

(فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) حمله على المعنى وقال في موضع آخر (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) حمله على المعنى.

٢٣٧

قوله سبحانه :

(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) أضاف المثل إلى الجمع ثم شبهه بالواحد الجواب الذي بمعنى الذين في الآية كقوله (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) وقال الشاعر:

وإن الذي جاثت بفلج دمائهم

هم القوم كل القوم يا أم خالد.

ووجه ثان وهو أن في الآية حذف كما قال (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ووجه ثالث وهو أن الموضع الذي مثل الله به جماعة المنافقين بالواحد الذي جعله مثلا لأفعالهم فجائز وله نظائر كقوله (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) والمعنى كدور أعين الذين وكقوله (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) لأن التمثيل وقع للفعل بالفعل.

قوله سبحانه :

(وَأَطْرافَ النَّهارِ) جمع لأنه أراد أطراف كل نهار فالنهار في معنى جمع وإنه بمنزلة قوله (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) وإنه أراد طرف أول النصف الأول وأول النصف الآخر وآخر النصف الآخر فلذلك جمع.

قوله سبحانه :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) والمراد المسجد الحرام أو بيت المقدس الجواب أن كل موضع من الأرض مسجد فيكون إنما يصلح أن يقع على جملته وعلى كل موضع سجد فيه وقال الجبائي إنه يدخل فيه المساجد التي بناها المسلمون للصلاة بالمدينة.

قوله سبحانه :

(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ) إنما ذكره بلفظ التذكير لأنه اسم جنس يدل على الكثير.

قوله سبحانه :

(لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) جمعت السموات ووحدت الأرض في جميع القرآن لقوله (سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) جمع لئلا توهم التوحيد الواحدة

٢٣٨

من هذه السبع وقد دل منع ذلك قوله (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) على معنى السبع ولكنه لم يجز على جهة الإفصاح بالتفصيل في اللفظ

فصل

قوله تعالى : (هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) بلفظ التذكير على المعنى أراد هذا فضل قالت الخنساء:

فذلك يا هند الرزية فاعلمي

ونيران حرب حين شب وقودها.

وقال آخر:

هنيئا لسعد ما اقتضى بعد وقعتي

بناقة والعشية بارد

ذهب إلى العشي.

قوله سبحانه :

(إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) قال الفراء فيه إضمار معناه أن رحمة الله مكانها قريب وقال ابن السكيت الفعيل بمعنى المفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث وقيل القريب على وجهين قريب بمعنى القرابة لا يفرق فيهما بين المذكر والمؤنث تقول هذه قريبتي من القرابة وقريب من الدنو نظيره هذه امرأة بعيدة القرابة وبعيد الدار ومثله (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) وقيل الهاء في الرحمة هاء المصدر وهاء المصدر لا يكون للتأنيث نظيره (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) ويقال إنه عنى بالهاء فيهما المؤنث وترك طريق المصدر وقيل أراد بالرحمة هاهنا المطر والقريب نعت المطر نظيره (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى) أراد بالقسمة الميراث والهاء المكنية راجعة إلى المعنى دون اللفظ نظيره (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) عنى بالفردوس الجنة والكناية راجعة إلى المعنى ويقال (قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي إن رحمة الله شيء قريب وكل لفظ يقتضي التأنيث في ظاهره والتذكير في معناه فلك أن تحمل على الوجهين وقال الخليل كل ما لا روح فيه فأنت في تأنيثه وتذكيره بالخيار.

قوله سبحانه :

(مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) مصدر جاء على لفظ الفعيل كالنعيق

٢٣٩

والصهيل وقال بعضهم الرميم نعت على ميزان الفعيل بمعنى مفعول فيستوي فيه المذكر والمؤنث نحو (قالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) قفا نبك من ذكرى حبيب.

قوله سبحانه :

(ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) البغاء في النساء أكثر قوله (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) والعرب تسمى الإماء بغايا وكل اسم خص بالنساء لا يكون فيه علامة التأنيث نحو حائض وطالق ومرضع وقال أبو إسحاق الفعيل إذا كان نعتا للمؤنث بمعنى مفعول يكون بغير هاء التأنيث تقول ملحفة غسيل وامرأة لديغ ودابة كسير وعظام رميم وقال بعضهم البغي على وزن الفعول والنعت إذا كان على مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث تقول امرأة صبور وشكور.

قوله سبحانه :

(وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) إنما وحد الرفيق وهو نعت للجماعة لأنه يذكر الواحد في كلام العرب ويراد به الجمع كما قال (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) وقال (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) وقال (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) أي سنة.

قوله سبحانه :

(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) لفظ الواحد في معنى الجمع لأن الجماعة لا يستثنى من واحد.

قوله سبحانه :

(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) قال الفراء السماء واحد يدل على الجمع فلذلك ذكرها بلفظ الواحد ثم كنى عنها بلفظ الجمع في قوله (فَسَوَّاهُنَ) وقال الأخفش السماء اسم جنس يدل على القليل والكثير كقولهم أهلك الناس الدينار والدرهم وقال بعضهم السماء جمع واحدة سماوة مثل بقرة وبقر وتمرة وتمر فلذلك أنث قوله (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) وذكرت أخرى وقيل (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ).

قوله سبحانه :

(مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) فقيل هن أم الكتاب لأنه قدر

٢٤٠