متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني

متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

المؤلف:

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات بيدار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٣
الجزء ١ الجزء ٢

أو خلع لا يجب عليها الإحداد لأن استعمال الزينة والطيب الأصل فيه الإباحة.

قوله سبحانه :

(لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) دال على أنها استحقت السكنى بالطلاق في منزل الزوج بدلالة أنه تعالى نهى عن إخراجها منه إلا مع إتيانها بفاحشة مبينة والذي يكون ملكا لا يجوز أن يخرج منه على كل حال.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) فيه دلالة على أن الرجل إذا اشترى مملوكه جاز له التلذذ بمباشرتها ووطئها فيما دون الفرج وإن لم تكن مستبرأة لأنها ملك يمينه

فصل

قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) يدل على أن الرضاع أنما يكون للصغير ويكون إلى الحولين ورد على أبي ثور في قوله إنه يجبر الرجل زوجته على الرضاع لأن الآية محمولة على الاستحباب والأصل براءة الذمة والإجبار يحتاج إلى دليل.

قوله سبحانه :

(وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) يدل على أن المولود إذا حقن باللبن لا ينشر الحرمة ويدل أيضا على أنه إذا شيب اللبن بغيره ثم سقى المولود لم ينشر الحرمة.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) دال على أن البائن إذا كان لها ولد يرضع ووجد الزوج من يرضعه تطوعا وقالت الأم أريد أجرة المثل كان له نقله عنها لأن هذه طلبت الأجرة وغيرها يتطوع فقد تعاسرا ولا يخالفه قوله (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) لأنه يفيد لزوم الأجرة إن أرضعت ويدل على أنه إذا صح العقد استحقت الأجرة عاجلا إلا أن يشرط التأجيل.

٢٠١

قوله سبحانه :

(وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقوله (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) وأكثره في غالب العادة تسعة أشهر بلا خلاف وينضاف إلى ذلك أشهر الريب وهي ثلاثة أشهر وهي أكثر أيام الطهر بين الحيضتين فيصير أكثر مدة الحمل سنة وهو مجمع عليه وليس على قول من ذهب إلى أنه سنتان أو أربع أو سبع دليل.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) وقوله (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) يدلان على أن الإعسار لا يوجب الفسخ لأنه لم يفصل في الآية الأولى وندب الفقراء إلى النكاح في الآية الثانية فلو كان سببا يملك فيه فسخ النكاح لما ندب إلى النكاح.

قوله سبحانه :

(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَ) يدل على أنه لا نفقة للبائن لأنه لما ذكر النفقة شرط الحمل وأن من ليس بحامل لا نفقة لها ويدل أيضا على أن البائن إذا كانت حاملا فلها النفقة على أمه وأمهاتها وإن علون

فصل

قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) دال على أن في الإيمان ما هو مكروه وما ليس بمكروه لأن معنى الآية لا تبروا للناس ولا تتقوا الله وقيل أو لا تكثروا الأيمان بالله.

قوله سبحانه :

(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) دليل على أن اليمين لا تنعقد إلا بالنية وإذا نوى انعقد يمينه بلا خلاف وليس على انعقادها بغير نية دليل لغو اليمين هو أن يسبق اليمين إلى لسانه ولم يعقدها بقلبه وفيه

٢٠٢

دليل على أنه لا يكون انعقاد اليمين لزوم الكفارة بالمخالفة لأن ذلك تابع لانعقاد اليمين وموجب عنه فكيف يفسر الانعقاد به والآية دالة على أن اليمين لا تنعقد على ماض سواء كانت على نفي أو إثبات ولا يجب بها الكفارة صادقا كان أو كاذبا عالما كان أو ناسيا لأن اللغو لا يعتد به والمؤاخذة بما عقدت ويدل على ذلك أيضا قوله (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) لأنه لا يمكن حفظها على الحنث.

قوله سبحانه :

(وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يدلان على أن اليمين المنعقدة هي التي يجب حفظها والوفاء بها ولا خلاف أن اليمين على المعصية بخلاف ذلك فيجب أن يكون غير منعقدة وما لم تنعقد فلا كفارة فيها فصح مقالنا إن من حلف بالله تعالى أن يفعل قبيحا أو يترك واجبا لم ينعقد يمينه ولم يلزمه كفارة.

قوله سبحانه :

(وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَ) الآية لا يدل على أن القائل إذا قال إن فعلت كذا فامرأتي طالق أو هي علي كظهر أمي أو عبدي حر أو مالي صدقة لأن كل واحد منها يحتاج في صحتها إلى شروط ولا يلزم حنث بإجماع الطائفة والحالف بغير الله تعالى عاص وإذا كان انعقاد اليمين حكم شرعي لم يقع المعصية والمخالفة للمشروع والأصل براءة الذمة من الحقوق ومن أثبت ذلك كان عليه الدليل.

قوله سبحانه :

(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) وَقَوْلُ النَّبِيِّ ص رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. الكفارة وضعت في الشرع لإزالة الإثم وقد سقط الإثم عن الناسي بلا خلاف فلا كفارة عليه وأيضا فإن النسيان والإكراه يرفعان التكليف العقلي فكيف لا يرفعان التكليف السمعي فهذه دلالة على أن من حلف بالله أن لا يدخل دارا أو لا يفعل شيئا ففعله ناسيا أو مكرها فلا كفارة عليه.

قوله سبحانه :

(لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) وقوله (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي

٢٠٣

أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) فيهما دلالة على أن أحدا إذا حلف والله لا أكلت طيبا ولا لبست ناعما كان يمينه مكروهة وحلها طاعة.

قوله سبحانه :

(وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) وقوله (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) يدلان على أن من حلف أنه لا يأكل لحما وأكل لحم السمك حنث لأنه أطلق عليه اسم اللحم.

قوله سبحانه :

(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) يدل على أن من حلف أنني لا سكنت هذه الدار وانتقل بنفسه بر في يمينه وإن لم ينقل العيال والمال لأنه أضاف السكنى إلى نفسه والمال والعيال خارجان عنه.

قوله سبحانه :

(مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها) وقوله (تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) يدلان على أن من حلف أنه لا يدخل بيتا ودخل في بيت شعر أو وبر أو حجر يحنث لأنه سماها بيوتا.

قوله سبحانه :

(فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) دال على أن من حلف أنه يدخل في هذه الدار فانهدمت حتى صارت براحا يحنث.

قوله سبحانه :

(إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) ثم قال (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) فيه دلالة على أن من حلف أنني لا كلمت فلانا فكتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا أو أومأ برأسه أو أشار بيده لم يحنث لأن الإشارة ليست بكلام.

قوله سبحانه :

(تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) دال على أن الأيمان تغلظ بالزمان ويدل على أنه يراعى في المكان إجماع الفرقة المحقة على أنه لا يحلف عند قبر النبي ص أقل مما يجب فيه القطع فدل ذلك على أنه إذا كان كذلك أو زاد

٢٠٤

عليه يغلظ.

قوله سبحانه :

(أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) يدل على صحة رد اليمين لأن المراد به وجوب أيمانهم والإجماع أن اليمين لا يرد إلا بعد حصول يمين أخرى

فصل

قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقوله (أَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) وقوله (أَوْفُوا بِعَهْدِي) وقوله (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) تدل على أن من قال لله علي كذا من الخير إن كان كذا من المباح كان نذرا.

قوله سبحانه :

(وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) بين أن كفارته عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ).

قوله سبحانه :

(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) يدل على أن من حلف أنه يضرب عبده مائة عصا أو مائة سوط فضربه بمائة شمراخ أو سوط دفعة واحدة وعلم أن جميعها وقعت على جسده بر في يمينه.

قوله سبحانه :

(وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) أمره بالطاعة مما لا يحصى ظاهر الأمر يقتضي الإيجاب فيدخل فيه من وطء امرأته وهي حائض أو من تأخر عن صلاة العشاء الآخرة حتى يمضي النصف الأول من الليل أو من تزوج امرأة لها زوج وهو لا يعلم أو من شق ثوبه في موت ولد له أو زوجة أو المرأة جزت شعرها كان عليه الكفارة بما روي عن الأئمة الطاهرين.

قوله سبحانه :

(يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) وقوله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) يدلان على أن من صام من الشهر الثاني يوما أو أكثر من صيام الشهرين المتتابعين وأفطر من غير عذر كان مسيئا وجاز له أن يبني على ما تقدم من غير استئناف ويدل أيضا على أن من وجد رقبة أو ثمنها وهو محتاج إليها يجوز له الصوم وعليه إجماع الفرقة والأول

٢٠٥

براءة الذمة.

قوله سبحانه :

(أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) التحرير من الحرية والرقبة المجزية من الكفارة السليمة من العاهة صغيرة كانت أو كبيرة مؤمنة أو كافرة والمؤمنة أفضل لأن الآية مطلقة مبهمة والآية تدل على أنه يجوز في كفارة جماع أو يمين أو نذر أو ظهار رقبة مطلقة لأن الله تعالى أطلق الرقبة وإنما قيدها بالإيمان في قتل الخطأ ويدل أيضا أنه يجزي في الموضع الذي يعتبر فيه الإيمان من كان محكوما بإيمانه وإن كان صغيرا ويجوز أيضا على جواز عتق المدبر وولد الزناء في الكفارة واستدل بعض أصحابنا بقوله (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) على أن ولد الزناء لا يعتق في شيء من الكفارات لأنه يطلق عليه هذا الاسم وهو الأقوى.

قوله سبحانه :

(فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) يدل على أنه لا يلزمه أن ينوي التتابع في الصوم بل يكفيه نية الصوم لأنه لم يذكر إيجاب النية للتعيين والآية دالة أيضا على أن المكفر في الصوم إذا وطئ زوجته التي ظاهر منها في حال الصوم عامدا عليه كفارتان لأنه وطئ قبل الشهرين.

قوله سبحانه :

(فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) يدل على أنه لا يجوز أن يدفع ستين مسكينا إلى مسكين واحد لا في يوم واحد ولا في يومين ويدل على أنه إذا أعطى كفارته لمن ظاهره الفقر ثم بان أنه غني يكون مجزيا.

قوله سبحانه في كفارة اليمين (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) فاعتبر العدد فلا يجوز الإخلال به كما لا يجوز الإخلال بالإطعام فمن كسا مسكينا واحدا أو أطعمه عشر مرات لا يجزيه والآية دالة على أن المرأة يجوز لها أن تعطي الكفارة لزوجها إن كان فقيرا لأنه مسكين ولم يفصل.

قوله سبحانه :

(أَوْ كِسْوَتُهُمْ) دال على أن أقل ما يجزي من الكسوة ثوبان وإن أعطى مثل قلنسوة أو خف لم يجزه.

٢٠٦

قوله سبحانه :

(مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) فإنه تعالى أوجب من أوسط ما نطعم أهلنا دون ما يطعمه أهل البلد كما قال الشافعي.

قوله سبحانه :

(أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) دال على أن من أعطى مسكينا من كفارته أو إطعاما له أو فطرته ليس بمحظور أن يشتريه منه إلا أنه مكروه لأنه لم يفصل.

قوله سبحانه :

(فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) لا يخلو المراد بالخير أن يكون المال والصناعة وحسن المكسب أو الدين والإيمان ولا يجوز أن يراد بذلك المال ولا الكسب لأنه لا يسمي الكافر والمرتد الموسرين خيرين ولا أن فيهما خيرا وسمى ذا الدين والإيمان خيرا وإن لم يكن موسرا ولا مكتسبا ودال على أنه لا يصح مكاتبة الصبي حتى يبلغ لأن الخير المراد به الإيمان.

فصل

قوله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) وقد أمر بالتسمية فثبت أنه واجب ويدل أيضا على أن الصيد لا يصح إلا بالكلاب المعلمة دون الجوارح كلها لأنه نص صريح على أنه لا يقوم مقام الكلاب في هذا الحكم غيرها ولفظة مكلبين يخص الكلاب وقال صاحب الجمهرة المكلب هو صاحب الكلاب والجوارح غير الكلب إذا صار صيدا فقتله وفيه دلالة على أن الكلب إذا تتابع أكل الصيد لا يكون ممسكا له على صاحبه بل ممسكا له على نفسه فلا يحل أكله وفيه أيضا دلالة على من أرسل كلبه المعلم بالتسمية على صيد بعينه فصاد غيره حل أكله لأنه لم يفصل وفيه أيضا دلالة على أن الجارح غير الكلب والبازي والفهد ونحوها إذا صاد صيدا فقتله فقد حله الموت وكل حيوان حله الموت فهو ميتة.

قوله سبحانه :

(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ

٢٠٧

حُرُماً) ظاهر الآية يقتضي أن جميع صيد البحر حلال وكذلك صيد البر إلا على المحرم خاصة ويدخل فيه أكل الثعلب والأرنب والضب والجري والمارماهي والزمار وكل ما لا فلس له من السمك الجواب أن الصيد مصدر صدت وهو يجري مجرى الاصطياد وإنما يسمى الوحش وهو ما جرى مجراه صيدا مجازا وإلا هو على وجه الحذف لأنه محل الاصطياد فسمي باسمه وإذا كان كلامنا في تحريم لحم الصيد فلا دلالة في إباحة الصيد لأن الصيد غير مصيد ولفظة الطعام في قوله (وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ) إن سلمنا أنه يرجع إلى لحوم ما يخرج من حيوان البحر لكان لنا أن نقول الطعام إنما يطلق على الحلال ولا يطلق على الحرام.

قوله سبحانه :

(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) فقوله (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) خطاب للمؤمنين وهذا التحليل عام لجميع الخلق وإن خص به المؤمنين لأن ما حلل الله للمؤمنين فهو حلال لجميع المكلفين وما حرم عليهم حرام على الجميع والآية فيها دلالة على وجوب التسمية على الذبيحة لأن الظاهر يقتضي أن ما لا يسمى عليه لا يجوز أكله بدلالة قوله (إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) وسمي ما لم يذكر اسم الله شركا وفسقا وهذا نص جلي أن ذبائحهم حرام واليهود والنصارى لا يذكرون اسم الله لأنهم غير عارفين وإن ذكروا فلا يعتقدون وجوبه وكيف وثقتم باليهود وهم لا يأكلون ذبائحكم وقال تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا).

قوله سبحانه :

(وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) يجب تخصيص هذا الظاهر على نجاستهم فتحمل الآية على غير الذبائح والمائعات على أن في طعام أهل الكتاب ما فيه خمر ولحم خنزير فلا بد من إخراجه من هذا الظاهر وقوله (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) يدل على أن كل طعام عالجه الكفار فهو حرام ولفظ الطعام إذا أطلق انصرف إلى الحنطة وذكر المحاملي في كتابه الأوسط في الخلاف أن أبا حنيفة والشافعي اختلفا فيمن وكل وكيلا على أن يبتاع له طعاما فقال الشافعي لا يجوز أن يبتاع إلا الحنطة وقال أبو حنيفة ودقيقها أيضا ذكره الأقطع في شرح القدوري ثم قال والأصل في ذلك أن الطعام المطلق اسم للحنطة ودقيقها.

٢٠٨

قوله سبحانه :

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) دال على أن من استقبل القبلة عند الذبح مع الإمكان يكون مذكيا بالاتفاق ومن خالف ذلك فلا يكون مذكيا ودال على أن الطافي ميتة وليس بصيد وَفِي سُنَنِ السِّجِسْتَانِيِّ وَالْقَزْوِينِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ ص قَالَ مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ.

قوله سبحانه :

(كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) دال على أن القرد نجس لأنه من المسوخ وكذلك كل مسخ.

قوله سبحانه :

(وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) لا يمنع أن يكون لغير ذلك من الأكل وغيره يؤكده قوله (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) الآية.

قوله سبحانه :

(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) الآيات فيها دلالة على أنه يجوز ركوبها والانتفاع بلبنها لقوله (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ).

قوله سبحانه :

(وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ) فيه دليل على أن الأكل من الأضحية المسنونة والهدايا المسنونة مستحب غير واجب لأنه أخبر أنها لنا وما كان لنا كنا مخيرين.

قوله سبحانه :

(فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) دال على أنه يستحب أن يقسم الأضحية ثلاثة أقسام

فصل

قوله تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) قد استدل قوم بهذه الآية على تحليل النبيذ بأن قالوا امتن الله علينا وعدده من جملة نعمه علينا إذ خلق لنا الثمار التي تتخذ منها السكر والرزق الحسن وهو تعالى لا يمتن بما هو محرم وهذا دلالة فيه لأمور أحدها أنه خلاف ما عليه المفسرون لأنهم قالوا ما

٢٠٩

حرم ليس بالشراب وقال الشعبي منهم أنه أراد ما حل طعمه من شراب وغيره والثاني لو أراد بذلك تحليل السكر لما كان لقوله (وَرِزْقاً حَسَناً) معنى لأن ما أباحه وأحله فهو أيضا رزق حسن فلم فرق بينه وبين الرزق الحسن والكل شيء واحد وإنما الوجه فيه أنه خلق هذه الثمار لينتفعوا بها فاتخذتم أنتم منها ما هو محرم عليكم وتركتم ما هو رزق حسن وأما وجه المنة فبالأمرين ثابت معا لأن ما أباحه وأحله فالمنة به ظاهرة التعجيل الانتفاع به وما حرمه فوجه المنة أيضا ظاهر لأنه إذا حرم علينا وأوجب الامتناع ضمن في مقابلته الثواب الذي هو أعظم النعم فهو نعمة على كل حال والثالث أن السكر إذا كان مشتركا بين المسكر وبين الطعم وجب أن يتوقف فيه ولا يحمل على أحدهما إلا بدليل وهذا مجمع عليه وما ذكروه ليس عليه دليل.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) إنما نهوا عن التعرض للسكر مع أن عليهم صلاة يجب أن يؤدوها في حال الصحو وقيل إنه قد يكون سكران من غير أن يخرج من نقص العقل إلى ما لا يحتمل الأمر والنهي وقال الجبائي النهي أنما دل عليهم أن يعيدوها إن صلاها في حال السكر.

قوله سبحانه :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) هذه الآية تدل على تحريم الخمر والقمار لأنه ذكر فيهما إثما وقد حرم الله الإثم بقوله (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ) على أنه وصفهما بأن فيهما إثما كبيرا والإثم الكبير يحرم بلا خلاف وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ سِيرِينَ الْمَيْسِرُ هُوَ الْقِمَارُ كُلُّهُ. وَرَوَى الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ عَلِيّاً ع قَالَ فِي النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ هِيَ الْمَيْسِرُ. وهو الظاهر في رواياتنا وَرَوَى أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَرَأَ (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) فَشَبَّهَهُ ع بِالْأَصْنَامِ الْمَعْبُودَةِ. وَرَوَى عَنْهُ ع أَنَّهُ قَالَ اللَّاعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ أَكْذَبُ خَلْقِ اللهِ يَقُولُ مَاتَ وَمَا مَاتَ يَعْنِي قَوْلَهُمْ شَاهٌ مَاتَ. وفي الآية دلالة على تحريم هذه الأشياء الأربعة من أربعة أوجه أحدها أنه وصفها بأنها رجس وهي النجس والنجس محرم ونسبتها إلى عمل الشيطان لكونه محرما وأمرنا باجتنابه

٢١٠

والأمر يقتضي الإيجاب وجعل الفور والصلاح باجتنابه والهاء في قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) راجعة إلى عمل الشيطان وتقديره اجتنبوا عمل الشيطان.

قوله سبحانه :

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) دال على أن عقد المسابقة جائز لأنه من العقود وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلِهِ ع لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ.

قوله سبحانه :

(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي الْمُسْنَدِ وَالسَّاجِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ص أَنَّ قَوْماً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لَنَا شَرَاباً نَتَّخِذُهُ مِنَ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فَقَالَ ع الْغُبَيْرَاءُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ لَا تَطْعَمُوهَا وَسَأَلُوهُ ثَانِياً وَثَالِثاً فَقَالَ ع لَا تَطْعَمُوهَا قَالُوا فَإِنَّهُمْ لَا يَدَعُونَهَا فَقَالَ ع مَنْ لَمْ يَتْرُكْهَا فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ. وفي رواية الأسكركة والإسفنط قال زيد بن أسلم الأسكركة هو الفقاع وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ ضَمْرَةَ أَنَّهُ قَالَ الْغُبَيْرَاءُ الَّتِي نَهَى النَّبِيُّ ص عَنْهَا الْفُقَّاعُ. قال ابن الرومي:

اسقني الأسكركة الإسفنط في جعضلفونه

واطرح الفنجن فيه يا خليلي بعضونه

يؤكد ذلك إجماع الإمامية ووافقنا في ذلك من كبارهم مثل مالك بن أنس ويزيد بن هارون وقال مالك إنه يلحقه ما به يحرم العصير بعد تحليله ولأجله سمي خمرا وهو الغليان ألا ترى أن العصير في الحال حلال ويحرم إذا غلى وسمي خمرا سواء أسكر أو لم يسكر وخلط بغيره أو شرب مفردا والثاني ضراوة الإناء لمستعمل فيه والثالث من قبل الأفاويه التي يلقى فيه كالداذي يلقى في عصير التمر ليزيد في غليانه والرابع أنه من خليطين من الأقوات فإنه إذا عمل من الشعير تجافى بالتمر وقال غيره لا بد من ذلك أو خلطه بدقيق السميد ليشتد ويزيد قفره عند خروجه من كيزانه وإن بيعه مجهول وبيع المجهول حرام.

قوله سبحانه :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) وقوله (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً) يدلان على تحريم اللهو واللعب لأن الله تعالى قد ذم من أتى بهما ووعد عليهما العقاب

٢١١

والذم والعقاب لا يكونان إلا على ترك الواجب أو فعل القبيح والسماع اللهو واللعب والدليل على أن اللهو هو السماع ما أجمع المفسرون على أنه نزل قوله (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) عند وصول الميرة من الشام فضربوا الطبول وقوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) وقوله (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) يفسرونهما على الغناء ويستدلون بهما على تحريم السماع يؤكد ذلك إجماع أهل البيت.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) استدل يزيد بن هارون على تحريم أكل الطين بهذه الآية وقال إنما قال (مِمَّا فِي الْأَرْضِ) ولم يقل كلوا من الأرض وفيه خلل

فصل

قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وقوله (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) يدلان على جواز بيع الأعيان الغائبة إذا علمت وجواز بيع الأعمى وشرائه ويدخل فيه أيضا المبيع إذا استثني منه شيء معين كالشاة إلا جلدها أو الشجر إلا شجرة الفلانية ويدلان على أنه إذا فرق بين الصغير وبين أمه لم يبطل البيع والأصل جوازه وبطلانه يحتاج إلى دليل.

قوله سبحانه :

(وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) عام في جميع الأحكام وَقَوْلُهُ ع الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ. فإذا لا يجوز شراء الكافر عبدا مسلما ويدل على أنه لا يجوز توكيل الكافر على المؤمن.

قوله سبحانه :

(لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) معلوم أنه تعالى إنما أراد لا يستوي في الأحكام والظاهر يقتضي العموم إلا ما أخرجه دليل قاطع وقوله (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) تخصيص أحد الجملتين وذلك يقتضي تخصيص الأخرى وإن

٢١٢

كانت متعقبة.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) وقوله (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) وجه تحريم الربا هو المصلحة التي علمه الله تعالى وقيل فيه وجوه على وجه التقريب منها للفصل بينه وبين البيع ومنها أنه مثل العدل يدعو إليه ويخص عليه ومنها أنه يدعو إلى مكارم الأخلاق بالإقراض وإنظار المعسر وهذا الوجه روي عن الصادق ع واستدل البلخي بما بعد هذه الآية وهي قوله (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) إن آكلي الربا فساق والإجماع حاصل على أن الربا كبيرة فلا يحتاج إلى هذا التعسف وظاهر الآية يدخل الوالد وولده والزوج وزوجته إلا أن إجماع الإمامية ينافيه ثم إن الربا حكم شرعي جاز أن يثبت في موضوع دون آخر كما يثبت في جنس دون جنس وعلى وجه دون وجه وإذا دلت الدلالة على تخصيص هؤلاء وجب القول بموجب الدليل ومما يمكن أن يعارض من ظاهر الكتاب قوله (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) ومعنى الإحسان ثابت فيمن أخذ من غيره درهما بدرهمين لأن من أعطى الكثير بالقليل وقصد به إلى نفعه فهو محسن إليه وإنما أخرجنا الوالد وولده والزوج وزوجته بدليل قاهر تركنا له الظاهر.

قوله سبحانه :

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يدل على أنه لا ينفسخ الإجارة بالبيع لأنه عقد فوجب الوفاء به ويدل أيضا على من آجر غيره أرضا ليزرع فيها طعاما صح العقد ولم يجز له أن يزرع غيره.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) يدل على أن المتعاقدين على النصرة أو المدافعة أو الوراثة أو العقل صحت لأنهما قد عاقدا فيجب أن يؤتيا نصيبه.

قوله سبحانه :

(فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) شرط القبض ولم يشترط الاستدامة وهذه الآية تدل على جواز رهن المشاع لقوله (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) ولم يفصل.

٢١٣

قوله سبحانه :

(وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) دال على أن الإعسار إذا ثبت لم يجز للحاكم حبسه ووجب عليه المنع من مطالبته.

قوله سبحانه :

(فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) وقوله (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) اشتراط الرشد ومن كان فاسقا في دينه كان موصوفا بالغي ومن وصف بذلك لم يوصف بالرشد لتنافي الصفتين.

قوله سبحانه :

(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) يدل على أن المبذر يحجر عليه.

قوله سبحانه :

(وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) دال على أن الصلح جائز بين المسلمين ما لم يؤد إلى تحليل حرام أو تحريم حلال.

قوله سبحانه :

(وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) فيها دلالة على أنه يصح ضمان مال الجعالة بشرط أن يفعل ما يستحق به.

قوله سبحانه :

(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) نص صريح بأن الوصية للوارث جائزة في المرض المتصل بالموت ولا تنسخ بآية الميراث لأنه لا تنافي بينهما ويمكن العمل بمقتضاهما وقولهم تخص الآية بالوالدين والأقربين إذا كانوا كفارا يفتقر إلى دليل لهم وَقَوْلُهُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. خبر واحد لا ينسخ القرآن ولو صح نحمله على أنه لا وصية لوارث فيما زاد على الثلث ومن قال إن الوصية ليست فرضا لا يمنع من كونها ندبا ثم إن هذا إحسان إلى أقاربه وقد ندب الله إلى كل إحسان عقلا وسمعا ولم يخص بعيدا من قريب

٢١٤

ولا فرق بين أن يعطيهم في حياته من ماله وفي مرضه وبين أن يوصي بذلك بأنه إحسان إليهم وفعل مندوب إليه وأيضا قوله (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) وهذا عام في الأقارب والأجانب.

قوله سبحانه :

(كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) والشهادة على النفس هي الإقرار ولم يفصل وعلى من ادعى التخصيص فعليه الدليل.

قوله سبحانه :

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) يدل على أن من قال على مال كثير كان إقراره بثمانين لأن المواطن الكثيرة كانت ثمانين موطنا.

قوله سبحانه :

(لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ) دليل على أن من أوصى بجزء من ماله أنه السبع.

قوله سبحانه :

(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) يدل على أن من وصى بسهم من ماله أنه الثمن.

قوله سبحانه :

(وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) فيه دلالة على أن من قال أعتقوا عني كل عبد قديم في ملكي أن يعتقوا ما في ملكه من ستة أشهر.

قوله سبحانه :

(تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) يدل على أن من نذر أنه يصوم جنبا فعليه أن يصوم ستة أشهر.

فصل

قوله تعالى : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) استدل المخالف بها على أن البنت لا تحوز المال دون بني العم والعصبة لأن زكريا طلب وليا يمنع مواليه ولم يطلب

٢١٥

وليه وهذا ليس بشيء لأن زكريا إنما طلب وليا لأن من طباع البشر الرغبة في الذكور دون الإناث من الأولاد فلذلك طلب الذكر على أنه قيل إن لفظة ولي تقع على الذكر والأنثى فلا نسلم أنه طلب الذكر بل الذي اقتضى الظاهر أنه طلب ولدا سواء كان ذكرا أو أنثى.

قوله سبحانه :

(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) عام في ذوي أرحام الميت من الرجال والنساء من قبل أبيه ومن قبل أمه جميعا فلا يرث مع الوالدين ولا أحدهما سوى الولد والزوج وإن الميت إذا خلف والديه وبنته أن للبنت النصف وللأبوين السدسان وما يبقى يرد عليهم على حساب سهامهم.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) أوجب للبنت النصف كملا مع الأبوين فضلا من العم وأوجب لها النصف مع العم كقوله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) وذلك أنه إذا كان الأقرب أولى من الأبعد كانت البنت مستحقة للنصف مع العم كما يستحقه مع الأبوين بنص التلاوة فنظرنا في النصف الآخر ومن أولى به أهي أم العم فإذا هي أقرب لأن العم يتقرب بجده والجد يتقرب إلى الميت بابنه والبنت تتقرب بنفسها فوجب رد النصف الباقي عليها بمفهوم آية ذوي الأرحام وورث النبي ص ابنة حمزة جميع تركة أبيها دون العباس وبني أخيه عقيل وجعفر وعلي ولم يرث هو أيضا فدل على أن البنت أحق بالميراث كله من العم والأخ وابن الأخ.

قوله سبحانه :

(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) وهذا نص على أن الأبوين إذا كان معهما زوج أو زوجة فللأم الثلث من أصل التركة والباقي بعد سهم الزوج أو الزوجة للأب لأنه لا يفهم من إيجاب الثلث لها إلا من الأصل كما لا يفهم من إيجاب النصف للبنت أو الزوج مع عدم الولد إلا ذلك.

قوله سبحانه :

(إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) يدل على

٢١٦

أنه لا يجوز إعطاء الأخت النصف مع البنت.

قوله سبحانه :

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) إلى قوله (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) وقوله (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) إلى قوله (أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَ) دال على أنه يقع اسم الولد على ولد الولد لغة وشرعا وقد أجمع المسلمون على أن عيسى من ولد آدم وهو ولد ابنته وقال تعالى (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) إلى قوله (وَعِيسى وَإِلْياسَ) جعل عيسى من ذريته وهو ينسب إليه من الأم وَقَالَ النَّبِيُّ ص الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ابْنَايَ هَذَانِ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا. وهما المعنيان بالإجماع في قوله (نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ).

قوله سبحانه :

(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) والنصيب المفروض ما لا يزاد فيه ولا ينقص منه إلا باعتداء وقد فرض الله للنساء في كل قليل وكثير كما فرض للرجال ولم يقل ما بقي فللرجال دون النساء وإن جاز لقائل أن يقول ليس للنساء نصيب جاز لآخر أن يقول ليس للرجال نصيب وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْمَالُ لِلْأَقْرَبِ وَالْعَصَبَةُ فِي فِيهِ التُّرَابُ.

قوله سبحانه :

(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً) ومن قضاء الجاهلية أن يورث الرجال دون النساء لأنهم ورثوا العم ومنعوا العمة كما ورثوا الأعمام وتركوا الأخوال فاضطروا إلى العول قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ الَّذِي عَلِمَ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ لَمْ يَعْلَمْ أَنْ لَا يَكُونُ فِي مَالٍ نِصْفٌ وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ. قال الفضل بن شاذان أوجبوا أن الله تعالى فرض المحال المتناقض مثل ما زعموا في أبوين وابنتين وزوج فقالوا للأبوين السدسان وللابنتين الثلثان وللزوج الربع فأوجبوا في مال ثلثين وسدسين وربعا وهذا محال وقالوا في الأختين من الأم الثلثان اثنان من يمينه وإنما هو ربع ونحو ذلك كثير ذكره الفضل في الفرائض الكبير

فصل

قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) الآية فيه دليل على أن المهادن إذا زنى أقيم عليه الحد لأنه لم يفصل وإن شرب الخمر حد لِقَوْلِهِ ع مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ. ولم يفرق

٢١٧

ودليل على أن الحاكم إذا تكلم عنده شهود الزناء ثم ماتوا وغابوا يقيم الحد على المشهود عليه.

قوله سبحانه :

(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) وقوله (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) وقوله (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) وقوله (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ) وقوله (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) دالة على أنه إذا اجتمع على نفس حدان وقطعان وقتل فإنه يستوفى منه الحدود كلها ثم يقتل لأنه تعالى لم يفصل ومن ادعى تداخلها فعليه الدليل ودالة على أن من يفعل ما يجب عليه الحد في أرض العدو من المسلمين وجب عليه الحد إلا أنه لا يقام عليه إلى أن يرجع إلى دار الإسلام ودالة على أن من علمه الإمام أو الحاكم من قتله زانيا أو سارقا قبل القضاء وبعده وجب عليه أن يقضي فيه بما أوجبته الآية من إقامة الحدود إجازة في الأموال ولم يجزه أحد في الحدود دون الأموال.

قوله سبحانه :

(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) وقوله (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ) إلى قوله (سَبِيلاً) يدلان على أن من عقد على ذات محرم أو رضاع ونحو ذلك يقتل.

قوله سبحانه :

(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) دال على أن المريض المأيوس منه إذا زنى وهو يكر يضرب كما ضرب أيوب ع.

قوله سبحانه :

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) الظاهر يقتضي أن القطع أنما وجب بالسرقة المخصوصة وإذا اشترك اثنان في سرقة شيء قطعوا كلهم ويقتضي قطع كل سارق لأنه على عمومه إلا ما أخرجه الدليل وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ ص لَا قَطْعَ إِلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ. ويدل على أن النباش سارق لأن السارق هو أخذ الشيء مستخفيا قوله (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) ثم إن اسم السارق اسم عام منه النقاب والفشاش والطرار والنباش من ذلك ويدل على أنه يجب عليه العزم والقطع معا لأنه لم يفصل ومن ادعى سقوط

٢١٨

العزم فعليه الدلالة.

قوله سبحانه :

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) فيه دليل على أنه إذا دخل مسلم دار الحرب بأمان فسرق منهم شيئا أو استقرض وعاد إلى الإسلام كان عليه رده لأنه دخل بأمان واستحلال مال الغير يحتاج إلى دليل.

قوله سبحانه :

(فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى) فيها دلالة على أن من غصب شيئا مثل الحبوب والأدهان وجب عليه رده بعينه فإن أتلف فعليه رد مثله.

قوله سبحانه :

(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية هم قطاع الطريق لأن في سياق الآية (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) أخبر أن العقوبة تسقط بالتوبة قبل القدرة عليها فلو كان المراد بها أهل الذمة أو أهل الردة كانت التوبة منهم قبل القدرة وبعد القدرة ودال على أن المحارب إذا وجب عليه حد من حدود الله ثم تاب قبل أن يقام عليه الحد سقطت وإن تاب بعد القدرة لا يسقط بلا خلاف وما يجب عليه من حدود الآدميين فلا يسقط ودال على أنه يعم الرجال والنساء.

قوله سبحانه :

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) يدل على أن السارق يقطع يده من أصول الأصابع فيبقى له الراحة والإبهام وفي الرجل يقطع من صدر القدم ويبقى له العقب واسم اليد يقع على هذا العضو من أوله إلى آخره يقال لمن عالج شيئا بأصابعه إنه فعل بيده وآية الطهارة تتضمن إلى المرافق ولما أمر الله بقطع يد السارق ولم ينضم إلى ذلك بيان مقطوع عليه في موضع القطع وجب الاقتصار على أقل ما يتناوله اسم اليد لأن القطع والإتلاف محظور عقلا فإذا أمر الله تعالى به ولا بيان وجب الاقتصار على أقل ما يتناوله الاسم مما وقع الخلاف فيه وهو ما حكم به علي ع.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ

٢١٩

جَلْدَةً) لم يفصل بين العبد وغيره ودال على أنه إذا تكامل شهود الزناء ثبت الحكم سواء شهدوا في مجلس واحد أو في مجالس ودال على أنه إذا لم يشهدوا أربعة على المشهود عليه بالزناء لم يثبت ودال على أنه إذا شهد اثنان أنه زنى بالبصرة واثنان أنه زنى بالكوفة فلا حد على المشهود لاختلاف شهادتهم ودال على أنه إذا تكامل شهود الزناء يحكم به سواء كان تقادم أو لم يتقادم لأنه لم يفرق بين الفور والتراخي

فصل

قوله تعالى : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) المراد هاهنا الجنس لا العدد فكأنه قال تعالى إن جنس النفس تؤخذ بجنس النفوس وكذلك جنس الأحرار والواحد والجماعة يدخلون في ذلك ثم إن القتل نقض البنية وإبطال الحياة سواء كان هذا من واحد أو اثنين أو جماعة ولا خلاف أن الواحد إذا قتل جماعة لم يكاف دمه دماءهم حتى يكتفى بقتله عن جماعتهم فيجب في الجماعة إذا قتلت واحدا منهم مثل هذا الاعتبار حتى يكونوا متى قتلوا عادوا أولياء الباقين الدية المأخوذة من قاتل الجماعة بالواحد لأن دم الواحد لا يكافي دم الجماعة والآية دالة على أن من قتل مسلما في دار الحرب متعمدا لقتله مع العلم بكونه مؤمنا وجب عليه القود ويدل عليه أيضا قوله (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً).

قوله سبحانه :

(وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) إلزام دية قتل الخطإ ليس هو مؤاخذة البريء بالسقيم لأن ذلك ليس بعقوبة بل هو حكم شرعي تابع للمصلحة ولو خلينا والعقل ما أوجبناه وقيل إن ذلك على وجه المواساة والمعاونة وقيل لكي ينصح الأقرباء بعضهم بعضا وقيل لاستحقاق المواريث والآية دالة على أن الكفارة لا تجب بالأسباب مثل من حفر بئرا أو نصب سكينا أو وضع حجرا سواء كانت في ملكه أو في غير ملكه لأن القاتل هو من باشر القتل والأصل براءة الذمة ومن أوجب الكفارة فعليه الدلالة ودالة على أن من قتل أسيرا في أيدي الكفار وهو مؤمن وجبت فيه الدية والكفارة سواء قصده أو لم يقصده ودالة على أن من قتل عبدا عمدا كان أو خطأ يجب عليه الكفارة لأنه لم يفصل في قوله (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ).

٢٢٠