متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني

متشابه القرآن ومختلفه - ج ٢

المؤلف:

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات بيدار
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٣
الجزء ١ الجزء ٢

نيف وعشرين وجها منها الإباحة والتحدي والتهديد والزجر والدعاء والتسخير والتمني وقد شرحتها في خلاصة الحدود نظم :

الأمر لفظ وهذا اللفظ مشترك

فلا يخصص إلا بعد رجحان

ما عين الوضع لفظ الأمر في لغة

فالأمر في لغة الندب والتهديد سيان

إذا أراد امرؤ أمرا ليفعله

تصور الأمر منه كل إنسان.

آخر:

إذا كان أمر الآمر العدل لازما

لقدرته بالفعل لا لإرادته

لكان إذا مأموره لانحصاره

كمقدوره في حكم حصر إفادته

ومقدورنا فينا يخالف أمره

بنقصانه في شرطه وزيادته.

قوله سبحانه :

(يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) وقوله (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) وقوله (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) ونحوها هذه الآيات خطاب من الله تعالى لأهل كل زمان من المكلفين على ما يصح ويجوز من وصول ذلك إليهم كما يوصي الإنسان ولده وولد ولده ويجوز خطاب المعدوم بمعنى أن يراد بالخطاب إذا كان المعدوم أنه سيوجد ويتكامل فيه شروط التكليف ولا يجوز أن يراد من لا يوجد لأن ذلك عبث لا فائدة فيه

فصل

قوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) قد تعلق من قال إن الأمر على الفور دون التراخي بهذه الآية وهي مجاز من حيث ذكر المغفرة وأراد ما يقتضيها ومجمل من حيث كان مبنيا على كيفية وجوب الواجبات من فور أو تراخ فمن أين أن جميع المأمورات كذلك وبقوله (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) ومقتضى الأمر في الوضع يدل على ذلك وإنما يرجع فيه إلى أمر منفصل وبقوله (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) والطاعة امتثال الأمر وهي تعم الندب والإيجاب جميعا وكيف يستدل به والخلاف فيه وبقوله (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) ومخالفة الأمر ضد الموافقة وفعل ما ندب إليه على وجه الوجوب مخالفة له كما أن فعل ما أوجبه مقصودا به إلى الندب مخالفة أيضا وبقوله (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) والمراد بالقضاء هاهنا الإلزام يقال قضى القاضي أي حكم وألزم ولهذا لا يسمى الفتوى بأنه قضى وبقوله (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَ

١٤١

رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) والمعصية تدخل في الواجب والندب وحمل الآية على مخالفة الأمر الواجب أولى لأجل الوعيد ومطلق الأمر بلا عمدة ولا قرينة ولا دلالة يعلم أنه مأمور به ولا يتعين الفور والتراخي وأما قوله سبحانه : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) وحلق الرأس هاهنا نسك وليس بمباح يدل على أن حكم الأمر الواقع بعد حظر هو حكم الأمر المبتدأ من وجوب أو ندب أو وقف بينهما.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) يستدل بها على أن الكفار مخاطبون بالعبادات لدخولهم تحت الاسم وقوله (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) خطاب لمن هو بشرائط التكليف من المؤمن والكافر لفقد الدلالة على التخصيص واقتضاء العموم وكذلك قوله (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).

قوله سبحانه :

(خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) لا يدل على أن لها عمدا غير مرئية وقوله (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) لا يدل على أن هذه الأشياء في غير الحج مباحة وقوله (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) لا يدل على أن أكل مال اليتيم بغير التي هي أحسن يجوز لقيام الدليل على ذلك كله وهذه كلها تدل على بطلان دليل الخطاب.

قوله سبحانه :

حكاية عن أهل النار (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) يقتضي أن الكفار مخاطبون بالعبادات الشرعية وأنهم معاقبون بتركها ثم إنهم يحدون على الزناء نظم :

أمر الشرائع أمر ليس يرفعه

كفر وشرك وهذا الحكم مشتهر.

ولا يخالف في الأحكام ما اتفقت أسبابها وهي التكليف والقدر فالأمر والنهي في معناهما اجتمعا والمدح والذم والآيات والنذر إذا زنى كافر كانت عقوبته في حده وله في فعله ضرر :

قضى ما فات منه ليس يوجبه

وما جناه من العصيان يغتفر

يجب ما قبله الإسلام وهو له

كالسيل بالليل لا يبقى ولا يذر

فصل

قوله تعالى : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ

١٤٢

أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) الآية الكفارات في حنث اليمين واجبات كلهن لكن على جهة التخيير لأن كل واحدة منها يقوم مقام الأخرى في براءة المكلف وإسقاط الحنث عنه ثم إن الواجب منها لو كان واحد إلا بعينه لوجب أن يجعل الله للمكلف طريقا إلى تمييزه قبل أن يفعله لأن تكليفه أن يفعل واحدا لا بعينه يجري مجرى تكليفه ما لا يطاق.

قوله سبحانه :

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) رد على من قال إن الأمر المطلق يقتضي التكرار.

قوله سبحانه :

(أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) وقوله (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) يدل على قول من قال إن الأمر المطلق يقتضي بظاهره المرة الواحدة من غير زيادة عليها ومعتقدنا أن الأمر قد تناول المرة الواحدة بلا خلاف ونقف فيما زاد على المرة لا في نفسها.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) وقوله (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) لا يدلان على أن كل أمر ورد في القرآن مقيدا بشرط أو صفة يتكرر بتكررهما لأن الشرط ليس بموجب في المعلول ولا مؤثر بخلاف العلة فإنها مؤثرة في المعلول وموجبة له فلا بد من تكراره بتكرارهما إلا أن يكون الشرط مع كونه شرطا علة فيتكرر من حيث كان علة.

قوله سبحانه :

(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَغْلِبُ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ. حمل العسر المعروف على أن الثاني هو الأول واليسر المنكر على التغاير والصحيح أن الأمر إذا تكرر يقتضي تناول الثاني لغير ما تناوله الأول لأن هذين الأمرين لو افترقا لدلا على مأمورين متغايرين وإذا اجتمعا لا يغير مقتضاهما.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) لا يدل على أن الأمر يدخل تحت أمره

١٤٣

سواء كان مفردا أو مجتمعا مع غيره وإنما دخل ص تحت هذا الأمر لأنه ص ليس بأمر وإنما هو حاك عن الله تعالى.

قوله سبحانه :

(أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الأمر الواحد لا يكون من آمرين كما لا يكون فعل واحد من فاعلين والوجه في ذلك أن طاعة رسول الله طاعة الله لأن طاعة النبي بأمره وبإرادته وإن كانت أيضا طاعة للنبي ص من حيث وافقت إرادته المستدعية للفعل كما قال (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ).

قوله سبحانه :

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) الآية وقوله (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) لا يدلان على أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه في وضع اللغة لأن مطلقة لا يدل على الفساد وإنما علم فساد هذه الأنكحة بدليل وكذلك فساد أحكام الربا.

قوله سبحانه :

(وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) يعني داود وسليمان ع لا يدل على أن أقل الجمع اثنان لأنه تعالى كنى عن المتحاكمين مضافا إلى كنايته عن الحاكم عليهما والمصدر يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول وقالوا إنه أضاف الحكم إلى سائر الأنبياء المتقدمين لهما وقالوا هذا نون التعظيم وكلا الجوابين فاسد واستدلوا أيضا بقوله (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) وفي موضع (وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً) وهذا ليس بشيء لأن ذلك علمناه بدليل الإجماع ولذلك خالف فيه ابن عباس فلم يحجب بأقل من الثلاثة واستدلوا أيضا بقوله (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ) وبقوله (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) على ما يجيء بيانهما إن شاء الله تعالى.

فصل

قوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ) إنما جاز استثناؤه من الملائكة وإن لم يكن منهم من حيث كان مأمورا بالسجود كما أمروا به

١٤٤

فكأنه قال تعالى فسجد المأمورون كلهم إلا إبليس وهذا الآية لا تدل على أن استثناء الشيء من غير جنسه يكون حقيقة لأن من حق الاستثناء أن يخرج من الكلام ما يتناوله اللفظ دون المعنى وإذا كان من المعنى صار مجازا كاستثناء الدرهم من الدنانير وقول الشاعر : وما بالربع من أحد إلا أواري.

قوله سبحانه :

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) إلا هاهنا بمعنى لكن فكأنه تعالى قال لكن من قتله خطأ فحكمه كذا وكذا وقال أبو هاشم المراد أن مع كونه مؤمنا يقع منه الخطأ ولا يقع منه العمد وقال المرتضى أي ليس له أن يقتل من يعلمه مؤمنا أو يظنه كذلك إلا خطأ وما لا يحصل له أمارة ظن ولا طريقة علم وقد جوز الفقهاء ذلك فيمن يختلط بالكفار من المؤمنين إذا لم يتميز.

قوله سبحانه :

(فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) إلى قوله (هُمُ الْفاسِقُونَ) فلو قال تعالى فاجلدوهم ثمانين جلدة إلا الذين تابوا ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا إلا الذين تابوا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا لكان تطويلا وقد ذكر التوبة عقيب الجمل كلها لأن العرب متى أوردت استثناء عقيب جمل كثيرة من الكلام حذفوا ما استطاعوا فكأنهم ذكروه عقيب كل واحد وقال المرتضى الاستثناء إذا تعقب جملا وصح رجوعه إلى واحدة منها لو انفردت فالواجب تجويز رجوعه إلى جميع الجمل وهو قول الشافعي وتجويز رجوعه إلى ما يليه وهو مذهب أبي حنيفة ثم قال ولا يقطع على ذلك إلا بدليل أو عادة أو أمارة ولا يجب الحكم بالاختصار تبخيتا وتخمينا.

قوله سبحانه :

(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) مشية الله تعالى عقيب الجمل ليس باستثناء ولا بشرط لأنه لو كان استثناء لكان فيه بعض حروف الاستثناء ولو كان شرطا على الحقيقة أو كان فيه لفظ الشرط لما صح دخوله على الماضي تقول أكلت البارحة كذا ثم تقول إن شاء الله وإنما دخلت المشية ليقف الكلام على التفرد والمضي لا لغير ذلك

١٤٥

فصل

قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) وقوله (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) لواحق الكلام وتوابعه المؤثرة فيه شرط واستثناء ومشية والقطع على وجوب تعلقها بجميعه وإن كان منفصلا عن محل المؤثر فغير مسلم وللآية تخصيص العموم بالشرط ولا فرق بين تقدم الشرط صدر الكلام وبين تأخره أو أن يشترط الشيء بشروط كثيرة وكلما زيد في الشرط زاد في التخصيص ومن حق الشرط أن يكون مستقبلا والمشروط والغاية تجري مجرى الشرط وقوله (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) أي إلا أن يطهرن فإن طهرن فاقربوهن وكذلك قوله (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ).

قوله سبحانه :

(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وقوله (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) مقيد وإذا ولي هذا التقييد جملة واحدة تغير حكمها المقيد إذا خالف الحكم المطلق ولم يكن من جنسه فإنه لا يتعدى إلى المطلق.

قوله سبحانه :

(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) يدل على تخصيص الكتاب بالسنة لِقَوْلِهِ ص لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ وَلَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ.

قوله سبحانه :

(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) إلى قوله (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) والعفو إنما يصح من البالغات لا يدل على أن الشرط إذا تعقب عموما وكان الشرط يتعلق ببعض ذلك العموم يحمل على ظاهره وعمومه لأنه متى حملنا الشرط على بعض المطلقات صار تقدير الكلام إلا أن يعفو بعضهن فظاهر الكلام يقتضي أن العفو يقع من جميع المطلقات فبان أن القول محتمل للأمرين.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) فإنها عام في جميع

١٤٦

المطلقات ثم قال (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) وهو يليق بالرجعة والكلام فيه مثل الكلام في الآية الأولى سواء.

قوله سبحانه :

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) إلى قوله (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) الجملة الأولى في سائر المطلقات والثانية تختص بالرجعة فجوابه أيضا مثل ما قلناه ثم إن قوله (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) يحتمل العموم والخصوص ليطابق الجملة الثانية ولا يجوز العدول عن الظاهر إلا بدليل.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) إنما نزلت في خولة بنت خويلد وآية اللعان نزلت في هلال بن أمية العجلان وتدلان على أن العموم لو انفرد عن السبب لحمل على عمومه لأن هذين الحكمين جاريان على الملاعن وعلى المظاهر.

قوله سبحانه :

(أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) وقوله (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) لا يدلان على أن العمومين إذا تعارضا على الحقيقة يصيران بحيث لا يمكن العمل بهما لأن ذلك ليس بتعارض حقيقي وإنما هو تعارض في أمر مخصوص لأن العمل بهما ممكن إلا في ذلك الأمر المخصوص فإذا لا يكون مطلقا بل يكون مقيدا.

قوله سبحانه :

(وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) من عموم علمنا بأمر متقدم لأنه لا يراد به إلا البعض ولا دليل على تعيينه.

قوله سبحانه :

(أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) أمر متأخر وذلك كل ظاهر يعلم أنه مشروط بشرط مجمل أو استثناء مجمل.

قوله سبحانه :

(هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) وقوله (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) إنما خص المتقين بذلك

١٤٧

وإن كان هدى لغيرهم من حيث إنهم هم الذين اهتدوا به ولا يجوز أن يقال القرآن هدى وموعظة للفاجر إلا بتعيين وبيان والآية الثانية وإن كان أنذر من لم يتبع وهذا كما يقول القائل في هذا الأمر لك موعظة وإن كان فيه موعظة لغيره يدل على ما قلناه قوله تعالى : (هُدىً لِلنَّاسِ) وقوله (وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا).

قوله سبحانه :

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) وقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) لا يدلان على أن تخصيص العموم لا يمنع من التعلق بظاهره لأنا لو خلينا وظاهره لقطعنا من أراد منا قطعه ومن لم يرد ولقتلنا من أراد قتله ومن لم يرد واحتجنا إلى تمييز من لا يقطع ولا يقتل دون من يقطع ويقتل.

قوله سبحانه :

(أَقِيمُوا الصَّلاةَ) وقوله (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ولو أنا خلينا والظاهر لما أمكننا أن نعلم شيئا مما أريد منا واحتجنا إلى بيان ما أريد منا لأنا غير مستفيدين له من الظاهر.

قوله سبحانه :

(أَقِيمُوا الصَّلاةَ) وقوله (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) يدلان على أن ثبوت البيان بالفعل كثبوته بالقول ولهذا رجعوا إلى مناسكه ع.

قوله سبحانه :

(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) وقوله (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) لا يلحقان بالمجمل لأنه لا تنافي بين وجه الذم والمدح وبين ما يقتضيه العموم من الحكم الشامل وإذا كان الرجوع في دلالة العموم إلى ظاهر اللفظ فبكونه مدحا أو ذما لا يتغير الظاهر.

قوله سبحانه :

(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) غير مجمل لأن الباء قالوا للإلصاق أو للتبعيض وعلى

١٤٨

الوجهين جميعا لا تفيد ذلك.

قوله سبحانه :

(فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) مجملة لأن قولنا يد تقع على كماله وعلى أبعاضه تقول كتبت بيدي وإنما كتبه بأنامله وغوصت يدي في الماء إلى الأشاجع وإلى الزند وإلى المرفق وإلى المنكب.

قوله سبحانه :

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) تقديره حرم عليكم الفعل في هذه الأعيان وجرى ذلك في أنه مجاز فإذا لا يكون مجملا ومن ذلك قوله (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) وقوله (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ).

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) التبليغ من النبي موقوف على المصلحة تقديمه وتأخيره وليس فيها أنه يجوز تأخير التبليغ أو لا يجوز.

قوله سبحانه :

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) دال على جواز تأخير البيان المجمل من الخطاب إلى وقت الحاجة لأنه تعالى جعل كنايتها (بَقَرَةٌ لا فارِضٌ) و (إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ) و (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) وقد أجمع المفسرون على أنها كناية عن البقرة المتقدم ذكرها وليس كما ظنه أنه تكليف بعد تكليف.

قوله سبحانه :

(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) يدل على قبح تأخير بيان العموم لأنه أراد به قدرا مخصوصا بحقيقة وضع اللغة له من غير دلالة.

قوله سبحانه في وصف القرآن (هُدىً لِلنَّاسِ) ثم قال (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) فالأول وصف عام والثاني تخصيص لبعض من دخل في تلك الجملة وليس في (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) أنه لا هدى

١٤٩

فيه لغيرهم وقيل (هُدىً لِلنَّاسِ) إخبار عن كونه هدى للجميع و (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) إبانة عن الوجه الذي به بالقرآن كقول المؤلفين هذا كتاب نافع للمتعلمين فإنه نافع للكل وقول الطبيب هذا دواء نافع لمن شربه.

قوله سبحانه :

(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) وروي عن النبي أنه قال عند نزول هذه الآية لأزيدن على السبعين لا يدل على صحة دليل الخطاب لأنه من أخبار الآحاد وإنه يتضمن أنه ص يستغفر للكفار وذلك لا يجوز ولنا أن نقول إن الاستغفار لهم كان في الأصل مباحا فلما ورد النص بحظر السبعين بقي ما زاد عليه على الأصل وقد روي أنه قال لو علمت أني زدت على السبعين يغفر الله لهم لفعلت وهذا كلام فصيح لا شبهة عليه.

قوله سبحانه :

(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) إنما يمنع من قبول الشاهد الواحد حتى ينضم إليه آخر فانضمام الثاني إلى الأول شرط في القبول ثم يعلم أن من ضم امرأتين إلى الشاهد الأول يقوم مقام الثاني ثم يعلم أن ضم اليمين إلى الواحد يقوم مقام الثاني فثبت أن الحكم إذا علق بغاية أو عدد فإنه لا يدل على أن ما عداه بخلافه بل عرف بدليل آخر.

قوله سبحانه :

(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) وقوله (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) وقوله (حَتَّى يَطْهُرْنَ) فهذه تعليق الحكم بغاية ويدل على ثبوته إلى تلك الغاية وما بعدها إنما يعلم إثباته وانتفاؤه بدليل آخر.

قوله سبحانه :

(وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) من استدل بهما قال إن غير الماء لا يطهر وهو يتعلق بالاسم لا بالصفة الجواب أن مطلق الماء يخالف مضافه والدلالة على أن الصفة كالاسم في الحكم أن الغرض في وضع الأسماء في أصل اللغة هو للتمييز والتعريف

١٥٠

للحاضر والغائب فلما اتفقوا في الأسماء بطل الغرض الذي هو التمييز فاحتاجوا إلى وضع الصفات ليكون الاسم مع الصفة بمنزلة الاسم لو لم يقع فيه اشتراك

فصل

قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) وقوله (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) فإن فيهما حكم الأصل وحكم البدل إنه تعالى أوجب الطهارة عند وجود الماء والرقبة في الأصل وأوجب التيمم عند عدم الماء والصيام عند عدم الرقبة فلا مدخل لدليل الخطاب فيه وعلى نحو ذلك يئول قوله (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) وقوله (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) قوله (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ).

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) التلاوة والحكم يتبعان المصلحة فيجوز دخول النسخ فيهما بحسب ما تقتضيه المصلحة وهو على ثلاثة أوجه نسخ تلاوة دون حكم ونسخ حكم دون تلاوة ونسخهما جميعا على ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله.

قوله سبحانه :

(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) فيها دلالة على جواز النسخ لأنه تعالى نقلهم عن عبادة كانوا عليها إلى إيقاعها على وجه آخر وهذا هو النسخ.

قوله سبحانه :

حكاية عن إبراهيم ع (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) إلى قوله (صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) إن الله تعالى لم يأمر إبراهيم بالذبح الذي هو فري الأوداج بل بمقدماته كالإضجاع وتناول المدية ونحو ذلك والعرب تسمي الشيء باسم مقدماته يدل عليه قوله (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) وأما الفداء فلا يمتنع أن يكون عن مقدمات الذبح زائدة على ما فعله ولم يكن قد أمر بها فإن الفدية لا تجب أن تكون من جنس المفدي لأن حلق الرأس

١٥١

قد يفدى بدم ما يذبح وهذا المعنى قد تقدم من قبل.

قوله سبحانه :

(يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) ظاهر الآية يقتضي محوا وإثباتا على الحقيقة وذلك لا يليق بالنسخ وإن عدلنا عن الظاهر وحملناه على النسخ فليس فيه أن يمحو نفس ما أثبته وهذا المعنى قد تقدم.

قوله سبحانه :

(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ليس بنسخ للصلاة لأن النسخ وجوب التوجه إلى القبلة بأن خير في جميع الجهات لم يكن ذلك نسخا لأنه لو فعلها على الحد الذي كان يفعلها من قبل لصحت وإنما نسخ التضيق بالتخيير وأما ادعاؤهم أن شهر رمضان نسخ صوم يوم عاشوراء فباطل لأنه لا يمكن اجتماعهما في حال.

قوله سبحانه :

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) لا يجوز على أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة لأنه ليس في الظاهر أنه يبدل الآية إلا بالآية والخلاف في نسخ حكم الآية والظاهر يتناول نفس الآية.

قوله سبحانه :

(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) قال الجبائي في الآية دلالة على نسخ الكتاب بالسنة لأنها نسخت بالرجم أو الجلد والرجم ثبت بالسنة ومن خالفه قال الآية نسخت بالجلد في الزناء وأضيف إليه الرجم زيادة لا نسخا.

قوله سبحانه :

(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) الظاهر لا يدل على أن الذي يأتي به يكون ناسخا وهو إلى أن يكون غير ناسخ أقرب ومعنى (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) أي أسهل عليكم في الأمر والنهي فذلك خير لكم وهذا كقوله وأمر قومك يأخذوا بأحسنها

١٥٢

أي إن فيها عملا محمودا ومذموما فليأخذوا بما حسنته وأمرت به ولا يأخذوا بما قبحته ونهيت عنه ويقال نأت منها بخير.

قوله سبحانه :

(قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) لا يتناول موضع الخلاف لأنه إنما نفى أن يكون ذلك من جهته بل بوحي من الله سواء كان ذلك كتابا أو سنة لأن السنة أيضا لا تكون إلا بوحي.

قوله سبحانه :

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) النسخ يدخل في جملة البيان لأنه بيان مدة العبادة وصفة ما هو بدل منها والبيان هاهنا التبليغ والأداء حتى يكون القول عاما في جميع المنزل.

قوله سبحانه :

(فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) نسخ ذلك صلاة الخوف في أول الأوقات وإنما كان ذلك نسخا من حيث كان جواز التأخير مع استيفاء الأركان كالمضاد للأداء في الوقت مع الإحلال.

قوله سبحانه :

(فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) نسخ مصالحته ص قريشا على رد النساء

فصل

قوله تعالى : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) يدل على فساد العمل بخبر الواحد لأن العامل به في الشرع يكون عاملا على الظن من غير علم بصدق الراوي فوجب أن يكون داخلا تحت النهي.

قوله سبحانه :

(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) يدل على أنه لا يجوز العمل بالقياس

١٥٣

وبالخبر الواحد أيضا لأنهما لا يوجبان العلم وقد نهى الله تعالى أن يتبع الإنسان ما لا يعلمه.

قوله سبحانه :

(فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) لا يدل على أنه يجوز التعبد بخبر الواحد لأنا إذا سلمنا أن اسم الطائفة يقع على الواحد والاثنين فلا دلالة في الآية على أنه تعالى سماهم منذرين والمنذر هو المخوف المحذر الذي ينبه على النظر والتأمل ولا يجب تقليده ولا القبول منه بغير حجة ولهذا قال (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) هذه الطريقة مبنية على دليل الخطاب وهو باطل وقيل إنها نزلت في الوليد بن عقبة لما ولاه النبي ص على صدقات بعض العرب فعاد إليه وذكر أنهم منعوا الصدقة فهم ص بإنفاذ الجيوش إليهم فنزلت الآية بيانا وليعلم الرسول أن الوليد بهذه الصفة لأنه ص إنما ولاه على ظاهر أمره.

قوله سبحانه :

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) الكتمان أنما يستعمل فيما يجب إظهاره أو يقوى الدواعي إلى ذلك فيه فمن أين يصح أن خبر الواحد له هذه الصفة حتى يطلق فيه الكتمان وغاية ما في ذلك وجوب الإظهار وليس إذا وجب الإظهار وجب القبول والآية تدل على الاختصاص بنقل القرآن لقوله (ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) وما أنزله الله هو القرآن.

قوله سبحانه :

(بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ليس يجوز أن يؤمر بأن يبلغ إلا بما هو حجة في نفسه ويجب العمل به وهذا لا يدل على أن خبر الواحد بهذه الصفة حتى يصح الإبلاغ به.

قوله سبحانه :

(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) دالة على بطلان قول

١٥٤

من قال إنه ينبغي أن يروى الحديث على ما جاء وإن كان محتملا في المعنى لأن الله تعالى أمر بالتدبر والتفقه وذلك مناف للتعامي والتجاهل

فصل

قوله سبحانه : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وقوله (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) يدلان على وجوب الاقتداء بالنبي ص في جميع أفعاله إلا ما خص به والإجماع الظاهر الرجوع إلى أفعاله ص في أحكام الحوادث كالرجوع إلى أقواله ص فيجب أن تكونا حجة.

قوله سبحانه :

(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) التحذير من المخالفة يقتضي إيجاب الموافقة في الفعل وإنها تقتضي أن يفعله على الوجه الذي فعله وهذا يبطل الحكم بأن جميع أفعاله على الوجوب.

قوله سبحانه :

(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) هذه الآية دليل لنا لأنها توجب التأسي والتأسي لا بد فيه من اعتبار وجه الفعل وما يفعله ص ندبا لا نكون متبعين له فيه بأن نفعله واجبا بل نكون مخالفين له.

قوله سبحانه :

(فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) لا يدل على أن النبي ص كان متعبدا بشريعة من قبله من الأنبياء لأن قوله (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) معناه فبأدلتهم اقتده والدلالة ما أوجبت العلم ويجب الاقتداء بها لكونها موجبة للعلم لا غير ولذلك قال تعالى (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) فنسب الهدى إلى نفسه.

قوله سبحانه :

(فَاتَّبِعُوهُ) الآية تدل على مذهبنا والكلام عليها واحد واعتبار شرط الاقتداء يبطل مقالهم

١٥٥

فصل

قوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) ظاهر الآية يقتضي اتباع المعصومين لأنهم مؤمنون على الحقيقة ظاهرا وباطنا ولا تحمل ذلك على كل من أظهر الإسلام لأنه لا يوصف بذلك إلا مجازا والحقيقي من فعل الإيمان فيصح أن الإجماع لا بد أن يكون قول الإمام المعصوم داخلا فيه.

قوله سبحانه :

(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) حكم هذه الآية مثل الأولة على أنها نزلت في أهل البيت ع على ما شرحته في مناقب آل أبي طالب ثم إن ظاهر الآية يقتضي وصف الأمة بالعدالة والشهادة أيضا وذلك يقتضي أن يكون كل واحد عدلا وشاهدا فينبغي أن يكون كل واحد بهذه الصفة وهذا مستبعد على أننا لو سلمنا ما قالوه من كونهم عدولا فمن أين صح أنهم تجنبوا من الكبائر والصغائر.

قوله سبحانه :

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وصفهم بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يليق بجميع الأمة فلا بد من حملة على بعضهم فإذا فعلوا ذلك فالمعصومون أولى بها وقد جاء في الأخبار أنها نزلت فيهم ثم إن الآية لا تقتضي أن إجماع كل عصر حجة

فصل

قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) لا يدل على إثبات القياس وإنه يجوز أن يفوض الله تعالى إلى العالم أن يحكم في الشرعيات بما شاء إذا علم أنه لا يختار إلا الصواب لأنه يجوز أن يضاف التحريم عليه وإن كان وحيا من حيث كان مؤديا إلينا ويضاف التحريم أيضا إلى الكتاب فيقال إن الكتاب حرم كذا وإن كان الله حرمه ويمكن أن يكون حرمه بالنذر أو باليمين.

١٥٦

قوله سبحانه :

(فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) لا يدل على صحة القياس في الشرع لأنه تعالى قال (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) إلى قوله (يا أُولِي الْأَبْصارِ) فذكر تعالى ما حل بهم ونبه على علته وسببه ثم أمر بالاعتبار وذلك تحذير من مشاركتهم في السبب فلو لم تكن المشاركة في السبب تقتضي المشاركة في الحكم ما كان للقول معنى ثم إن الاعتبار ليس من القياس في شيء وإنما معناه الاتعاظ والانزجار يليق بالآية.

قوله سبحانه :

(فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وقوله (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ) وقوله (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) فالاستدلال بها في إثبات القياس ضعيف جدا ولنا مثلها بل أقوى منها آيات يمكن الاستدلال بها قال ابن عباس إن الله تعالى قال لنبيه ص (احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) ولم يقل بما رأيت وقوله (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ونحوها دَخَلَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السِّجِسْتَانِيُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُ كُتُبٌ حَايِلَةٌ بَيْنَهُمَا فَقَالَ هَذِهِ الْكُتُبُ كُلُّهَا فِي الطَّلَاقِ فَقَالَ جَرِيرٌ تَجْمَعُ هَذَا كُلُّهُ فِي حَرْفِ قَوْلِهِ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْتَ لَا تَعْلَمُ شَيْئاً إِلَّا بِالرِّوَايَةِ قَالَ أَجَلْ قَالَ مَا تَقُولُ فِي مُكَاتَبٍ كَانَتْ مُكَاتَبَتُهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَدَّى تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعاً وَتِسْعِينَ دِرْهَماً ثُمَّ أَخَذَتْ يَعْنِي الزِّنَاءَ كَيْفَ تَجِدُهُ فَقَالَ جَرِيرٌ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ مَرْفُوعاً أَنَّ عَلِيّاً ع كَانَ يَضْرِبُ

١٥٧

بِمِقْدَارِ أَدَائِهِ فَقَالَ مَا تَقُولُ فِي جَمَلٍ أُخْرِجَ مِنَ الْبَحْرِ فَقَالَ إِنْ شَاءَ فَلْيَكُنْ جَمَلاً وَإِنْ شَاءَ فَلْيَكُنْ فِيلاً إِنْ كَانَ عَلَيْهِ فُلُوسٌ أَكَلْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا.

(باب فيما يحكم عليه الفقهاء)

فصل

قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) يدلان على نجاسة المني لأنه تعالى أطلق عليه اسم التطهير والتطهير إما بالغسل أو الوضوء أو إزالة النجاسة وقوله (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) يدل على تقديم النجاسة في الشرع بالإطلاق وقد فسر (رِجْزَ الشَّيْطانِ) بأنه أثر الإسلام والرجز والرجس والنجس بمعنى واحد بدلالة قوله (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) أي عبادة الأوثان وَقَدْ رَوَى الْمُخَالِفُونَ عَنِ النَّبِيِّ ص إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنَ الدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ. ومن قال إنه طاهر لأن الأنبياء خلقوا منه فإنهم أيضا خلقوا من العلقة التي هي الدم الجامد وهو نجس بالاتفاق.

قوله سبحانه :

(وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) معناه من النجاسة لأن هذا حقيقة وإذا حمل على غيره كان مجازا ويحتاج إلى دليل.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) أجمع أهل التفسير على أن المراد به إذا قمتم من النوم وإن الآية خرجت على سبب يقتضي ما ذكرناه فكأنه قال إذا قمتم من النوم وظاهر هذا يوجب الوضوء من كل نوم على أي حال كان.

قوله سبحانه :

(أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) كناية عن الجماع لا غير بدليل إجماع الفرقة ثم إن الطهارة قد ثبتت ونقضها بما يدعونه محتاج إلى دليل.

قوله سبحانه :

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) تحريم مطلق يتناول أجزاء الميتة في كل حال و

١٥٨

جلد الميتة يتناوله اسم الموت لأن الحياة تحله واسم الميتة يتناول الجلد قبل الدباغ وبعده يدل على أنه لا يطهر بالدباغ وَقَدْ رَوَى الْمُخَالِفُونَ أَنَّهُ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حَكِيمٍ أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللهِ ص قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ لَا يَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَضْبٍ. والآية تدل أيضا على أنه لا يجوز بيع الميتة.

قوله سبحانه :

(وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) قد من الله علينا بما جعله لنا من النفع في ذلك ولم يفصل بين الذكية والميتة ولا يجوز الامتنان بما لا يجوز الانتفاع به لنجاسته ولا يعارض ذلك بقوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) لأن اسم الميتة يتناول ما تحله الحياة وهذه الثلاثة لا تحلها الحياة ولا الموت.

قوله سبحانه :

(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) وقوله (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) وقوله (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) دلائل على قراءة القرآن للجنب والحائض والحدث لأنها عام تقتضي حال الحدث وغيرها والأصل الإباحة والمنع يحتاج إلى دليل فإن ألزمونا قراءة السجدات قلنا أخرجناها بدليل والفرق بين عزائم السجود وغيرها أن فيها سجودا واجبا والسجود لا يكون إلا على طهر.

قوله سبحانه :

(لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) يدل على أن نفس الكتابة لا يجوز مسها للمحدثين لأنه أراد به القرآن دون الأوراق ويكره لهم مس الأوراق وحمله.

قوله سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) يدل على أن عزائم القرآن أربعة لأن العزائم أراد بها الفرائض وعليه إجماع الأمة وما سوى ذلك يحتاج إلى دليل ثم إن الآية ينبغي أن تكون محمولة على عمومه وعلى الوجوب إلا ما أخرجه الدليل.

قوله سبحانه :

(وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) موضع السجود لأن الأمر يقتضي الفور وذلك يوجب السجود عقيب الآية لا عند قوله (يَسْأَمُونَ).

١٥٩

قوله سبحانه :

(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) يدل على أن الجنابة علة في وجوب الغسل لأن الله تعالى أوجب التطهير على من صار جنبا من غير أن علقه بشرط آخر ولا خلاف أن المكلف إذا كان عليه صلاة واجبة أو طواف واجب وهو بمكة فإنه يغتسل من الجنابة فرضا على كل حال سواء كان في وقت صلاة أو لم يكن فيه وهو الذي ذهب إليه المرتضى.

قوله سبحانه :

(لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) إلى قوله (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) نهى الجنب عن قربان الصلاة وحقيقة الصلاة أفعالها ويعبر بها عن موضعها مجازا قوله (وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ) يعني مواضعها لأن أفعالها لا تهدم فإذا ثبت ذلك ثبت أن المراد بالآية موضعها لقوله (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) والعبور في أفعال الصلاة محال فهذا دليل على أنه لا يجوز للجنب اللبث في المسجد ويجوز الجواز فيه لغرض.

قوله سبحانه :

(وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) فيها دلالة على أن انقطاع دم الحيض غاية لزمان حظر الوطي فيجب جوازه بعدها على كل حال إلا ما أخرجه الدليل من حظره قبل غسل الفرج ولا يعارض بقوله (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) لأنه محمول على غسل الفرج وإنه كلام مستأنف وليس بشرط ولا غاية لزمان الحظر وتفعل كثيرا ما يجيء بمعنى فعل.

قوله سبحانه :

(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) ودم السمك ليس بمسفوح وذلك يقتضي طهارته وكذلك قوله (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ) يقتضي إباحة أكل السمك بجميع أجزائه.

قوله سبحانه :

(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) يعم سائر الكفار وإنه يقتضي نجاسة العين لأن لفظة النجاسة إذا أطلق في الشرع أفاد نجاسة العين فإن قالوا نجس حكما لا عينا قلنا نحمله

١٦٠