** (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الأربعين .. المعنى : وسبحه بعض الليل وسبحه أدبار ـ جمع دبر ـ السجود بمعنى : عشاء أو أعقاب الصلاة. يقال : سجد ـ يسجد ـ سجودا .. بمعنى : خضع .. من باب «دخل» ومنه سجود الصلاة : وهو وضع الجبهة على الأرض .. قال تعالى في سورة «الفتح» : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) عن بعض المتقدمين : كنا نصلي فلا يرى بين أعيننا شيء ونرى أحدنا الآن يصلي فيرى بين عينيه ركبة البعير .. فما ندري أثقلت الأرؤس أم خشنت الأرض؟ وإنما أراد بذلك من تعمد ذلك للنفاق والرياء كقوله تعالى في سورة «النساء» : (يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) وقوله تعالى : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) أي علامتهم يعني بهم المؤمنين حقا لا بعض المرائين الذين ذمهم الله تعالى ورسوله الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقد جاء عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «لا تعلبوا صوركم» بمعنى : لا تخروا وجوهكم وتوسموها وتؤثروا فيها وتخدشوها وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : «أنه رأى رجلا قد أثر في وجهه السجود فقال له : إن صورة وجهك أنفك فلا تعلب وجهك ولا تشن صورتك». المقصود بذلك : من اعتمد بجبهته على الأرض لتحدث فيه تلك السمة فذلك رياء ونفاق يستعاذ بالله منه. إنما الذين عناهم الله تعالى بقوله هم أصحاب الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الذين كانوا يسجدون مبتغين فضل الله وأحدهم لا يسجد إلا خالصا لوجه الله سبحانه وتعالى .. ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة. فمن حق الفرائض الإعلان عنها أو بها وتشهيرها لقوله عليه الصلاة والسلام ـ : «ولا غمة في فرائض الله» لأنها أعلام الإسلام وشعائر الدين ولأن تاركها يستحق الذم والمقت فوجب إحاطة التهمة بالإظهار وإن كان تطوعا فحقه أن يخفى لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان جميلا. وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين فيثنى عليه بالصلاح. وعن بعضهم أنه رأى رجلا في المسجد قد سجد سجدة الشكر وأطالها فقال له : ما أحسن هذا لو كان في بيتك. وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة. على أن اجتناب الرياء صعب إلا على المرتاضين بالإخلاص ومن ثم قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود» أي البساط الأسود.

** (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية والأربعين .. والمنادي هو إسرافيل ينادي الناس أو الموتى بالقيام للبعث في النفخة الثانية أو هو جبريل ينادي أهل المحشر : هلموا للحساب .. وهذا يدل على أن النفخ في الصور ـ أي البوق ـ كناية عن الإماتة والإحياء فيسمعون نداءه على السواء وحذف مفعول «ينادي» اختصارا لأنه معلوم وهو «الناس .. أو الموتى».

(الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) (٢٦)

(الَّذِي جَعَلَ) : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مضمن معنى الشرط ولذلك أجيب بالفاء في «فألقياه» وتكون الجملة الفعلية «فألقياه ..» في محل رفع خبر «الذي» والفاء واقعة في جواب «الذي» ويجوز أن يكون الاسم الموصول في محل نصب بدلا من «كل كفار»