قبلك ، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم ، وانما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده ، فليكن احب الذخائر اليك ذخيرة العمل الصالح ، فاملك هواك ، وشحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك ، فان الشح بالنفس الانصاف منها فيما احببت وكرهت ، واشعر قلبك الرحمة بالرعية ، والمحبّة لهم ، واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم اكلهم ، فانهم صنفان : اما اخ لك في الدين ، واما نظير لك في الخلق ، يفرط منهم الزلل ، ويعرض لهم العلل ، ويؤتى على ايديهم في العمد والخطأ ، فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه وصفحه ، فانك فوقهم ، ووالي الامر عليك فوقك ، والله فوق من ولاك ، وقد استكفاك امرهم وابتلاك بهم ، ولا تنصبن نفسك لحرب الله ، فانه لا يد لك (٨٥) بنقمته ، ولا غنى بك عن عفوه ، ولا تندمنّ على عفو ، ولا تبجحن بعقوبة ، ولا تسرعن الى بادرة وجدت عنها مندوحة ، ولا تقولن اني مؤمَّر آمر فاطاع ، فان ذلك ادخال (٨٦) في القلب ، ومنهكة في الدين ، وتقرب من الغِيَر ، واذا احدث لك ما أنت فيه من سلطان ابهة أو مخيلة (٨٧) ، فانظر الى عظم ملك الله فوقك ، وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك ، فان ذلك يطامن اليك من طماحك (٨٨) ، ويكف عنك من غربك (٨٩) ، ويفي إليك بما عزب عنك من عقلك ، اياك ومساماة الله في عظمته ، والتشبه به في جبروته ، فان الله يذل كل جبار ، ويهين كل مختال ، انصف الله وانصف الناس ، من نفسك ومن خاصة اهلك ، ومن لك فيه هوى من رعيتك ، فانك ان لا تفعل تظلم ، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ، ومن خاصمه الله ادحض حجته ، فكان (٩٠) لله حرباً حتى ينزع ويتوب ، وليس شيء ادعى الى تغيير نعمة
_________________________
(٨٥) في نسخة والمصدر : ولا يدى لك .
(٨٦) في المصدر : ادغال .
(٨٧) المخيلة : التكبر ( لسان العرب ج ١١ ص ٢٢٨ ) .
(٨٨) الطماح : التكبر والفخر ( لسان العرب ج ٢ ص ٥٣٤ ) .
(٨٩) الغرب : الحدة والنشاط ( لسان العرب ج ١ ص ٦٤١ ) .
(٩٠) في نسخة : وكان .