فرائد الأصول - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: سماء قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8536-67-6
الصفحات: ٤٥٧

١
٢

٣
٤

الشبهة الغير المحصورة

٥
٦

المقام الثاني : في الشبهة الغير المحصورة والمعروف فيها (١٥٦٠) عدم وجوب الاجتناب. ويدلّ عليه وجوه : الأوّل : الإجماع الظاهر المصرّح به في الروض (١) وعن جامع المقاصد (٢) ، وادّعاه صريحا (١٥٦١) المحقّق البهبهاني في فوائده وزاد عليه نفي الريب فيه ، وأنّ مدار المسلمين في الأعصار والأمصار عليه ، وتبعه في دعوى الإجماع غير واحد ممّن تأخّر عنه ، وزاد بعضهم دعوى الضرورة عليه في الجملة ،

______________________________________________________

١٥٦٠. الكلام هنا كالمحصورة تارة يقع في وجوب الموافقة القطعيّة ، واخرى في جواز المخالفة القطعيّة. وأشار إلى الأوّل هنا ، وإلى الثاني في التنبيهات.

١٥٦١. ادّعاه في الفائدة الرابعة والعشرين من فوائده العتيقة ، قال : «مع أنّ عدم وجوب الاجتناب من غير المحصور مجمع عليه بين الكلّ ، ولا ريب فيه ، ومدار المسلمين في الأعصار والأمصار كان على ذلك ، وقد حقّقناه في موضع آخر» انتهى. وعن حاشيته على المدارك دعوى الضرورة عليه ، قال : «مضافا إلى الإجماع ، بل وضروري الدين في غير المحصور ، وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار» انتهى. وهو كذلك في الجملة كما نقله المصنّف رحمه‌الله عن بعضهم ، إذ لا ريب في عدم وجوب الاجتناب فيما علم فيه نجاسة شيء من أثوابه أو ثوب من أثواب رجال العالم ، وكذا فيما علم فيه نجاسة إنائه أو حرمة شيء من أمواله أو نجاسة أحد أواني العالم أو حرمة شيء من أموالهم ، وهكذا.

٧

وبالجملة فنقل الإجماع مستفيض ، وهو كاف في المسألة (١٥٦٢).

الثاني : ما استدلّ به جماعة من لزوم المشقّة في الاجتناب ولعلّ المراد به لزومه في أغلب أفراد هذه الشبهة لأغلب أفراد المكلّفين ، فيشمله عموم قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٣) وقوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٤) ، بناء على أنّ المراد أنّ ما كان الغالب فيه الحرج على الغالب فهو مرتفع عن جميع المكلّفين حتّى من لا حرج بالنسبة إليه. وهذا المعنى وإن كان خلاف الظاهر (١٥٦٣) ، إلّا أنّه يتعيّن الحمل عليه بمعونة ما ورد من إناطة الأحكام الشرعيّة الكلّية وجودا وعدما بالعسر واليسر الغالبين.

______________________________________________________

١٥٦٢. لما سيشير إليه من كون المسألة فرعيّة ، ولا إشكال فيه ، لأنّا إن سلّمنا كون أصالة البراءة في الشبهات الحكميّة اصوليّة ، فلا ريب في كونها في الشبهات الموضوعيّة فرعيّة. وقد أشار إلى نظير ذلك في مسألة الاستصحاب ، وقد حقّقنا الكلام في ذلك في محلّ آخر.

١٥٦٣. لأنّ ظاهر نفي العسر وتوجيه الخطاب في الآيات إلى كلّ واحد من المكلّفين كون المنفي هو العسر الشخصي دون النوعي ، فيدور الحكم مدار تحقّق العسر فعلا في حقّ كلّ مكلّف. وأمّا ما دلّ من إناطة الأحكام بالعسر واليسر الغالبين فمنها قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) إذ لا ريب أنّ استلزام الصوم في السفر للعسر غالبي بالنسبة إلى الحالات والأشخاص.

ومنها صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «في الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الماء في الإناء. فقال : لا بأس ما جعل عليكم في الدين من حرج». ومنها صحيحة أبي بصير ، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الجنب يجعل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه. قال : إن كان يده قذرة فليهرقه ، و

٨

وفي هذا الاستدلال نظر (١٥٦٤) ، لأنّ أدلّة نفي العسر والحرج من الآيات

______________________________________________________

إن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه ، هذا ممّا قال الله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). ومنها موثّقة أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنّا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر إلى جانب القرية ، فيكون فيه العذرة ، ويبول فيه الصبيّ ، وتبول فيه الدابّة وتروث. فقال : إن عرض في قلبك شيء فافعل هكذا ، يعني : افرج الماء بيدك ثمّ توضّأ ، فإنّ الدين ليس بمضيّق ، فإنّ الله عزوجل يقول : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). إلى غير ذلك من الأخبار.

ويؤيّدها ـ مضافا إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «بعثت بالحنيفيّة السهلة السمحة» ـ إنّ الحكمة في رفع العسر والحرج عن هذه الأمّة هو تسهيل الأمر عليهم في أمر معاشهم ومعادهم ، ولا ريب أنّ تحديد ما يرتفع به العسر ويندفع به الحرج وموارد لزومهما ، والاقتصار في ما يتعلّق بالمعاش والمعاد على ذلك يوجب العسر والمشقّة على العباد ، فاللطف الواجب عليه تعالى الباعث لرفع المشاقّ عنهم كما قرّر في محلّ آخر ، أو الأدلّة السمعيّة من الآيات والأخبار الدالّة على ارتفاعها ، مقتضية لكون المدار في رفعها على الغالب وإلّا لزم نقض الغرض ، فتأمّل. وإطالة الكلام بالنقض والإبرام في تحرير هذه القاعدة وإثباتها ، وبيان مقدار مقتضاها وكيفيّة اقتضائها ، وحال معارضتها مع سائر الأدلّة ، خارجة من محلّ الكلام ، والاهتمام بالأهمّ هو الأهمّ.

١٥٦٤. توضيح النظر أنّ ظاهر أدلّة نفي العسر والحرج من الآيات وأكثر الروايات هو اعتبار العسر الشخصي الملحوظ بالنسبة إلى آحاد المكلّفين ، فتكون النسبة بينها وبين المدّعى عموما من وجه ، إذ ربّ مورد من موارد العسر لا دخل له في الشبهة غير المحصورة ، وربّ مورد من موارد الشبهة غير المحصورة لا يلزم من الاحتياط فيه عسر على بعض المكلّفين ولو بالنسبة إلى بعض حالاته.

وأمّا إذا لوحظت هذه الأدلّة مع ما دلّ على دوران الأحكام مدار السهولة

٩

.................................................................................................

______________________________________________________

على الأغلب ، فالمنساق منها بيان كيفيّة جعل الأحكام الكلّية الواقعيّة الأوّلية أو الثانويّة ، بمعنى أنّ الشارع حين جعل الأحكام الواقعيّة لموضوعاتها الواقعيّة قد لاحظ عدم لزوم عسر على أغلب المكلّفين في امتثالها. وشمول هذه الأخبار للشبهة غير المحصورة إنّما يتمّ إذا فرض كون عنوان الشبهة غير المحصورة موضوعا بحسب الواقع لوجوب الاجتناب ، فحينئذ يلاحظ في ثبوت هذا الحكم لهذا الموضوع عدم لزوم عسر على الأغلب في أغلب مواردها. وليس كذلك ، بل هي عنوان في كلمات العلماء لموضوعات متعدّدة قد اشتبه كلّ واحد منها بين امور غير محصورة. فجعل الشبهة غير المحصورة عنوانا في كلماتهم لهذه الموضوعات ، إنّما هو لأجل كونه جامعا لشتات جزئيّات هذه الموضوعات ليتوصّل به إلى البحث عن هذه الموضوعات المشتبهة على الجملة ، لا لأجل كون هذه العنوان موضوعا بحسب الواقع لوجوب الاجتناب ، بل الموضوع لهذا الحكم هي الموضوعات المشتبهة المذكورة. ولا شكّ أنّه لا يلزم في امتثال هذه الأحكام المتعلّقة بالموضوعات المذكورة في الواقع عسر وحرج على الأغلب ، وإلّا لزم ذلك فيما لو فرض فيه العلم التفصيلي أيضا بهذه الموضوعات ، ولا يلتزم به أحد. وكذلك فيما لوحظ كلّ واحد من هذه الموضوعات بنفسه باعتبار اشتباهه بين امور غير محصورة ، كالخمر المشتبه كذلك والنجس المشتبه كذلك ونحوهما ، بمعنى لزومه في كلّ واقعة واقعة منها ، وليس كذلك.

وبالجملة ، إنّه لا مقتضي لعدم وجوب الاحتياط فيما لا يلزم منه فيه عسر أصلا. وإليه يشير قوله : «وإن الاجتناب في صورة اشتباهه ..». نعم ، لو فرض لزوم العسر على الأغلب في بعض هذه الوقائع يلتزم بارتفاع التكليف فيه عن الجميع في خصوص الواقعة اللازم فيها ذلك بمقتضى الأخبار المذكورة ، لكن لا يلزم منه الالتزام بارتفاع التكليف في غيرها أيضا. وإليه يشير قوله : «نعم ، لو لزم الحرج من جريان ...» وأمّا لزوم العسر من انضمام الوقائع المذكورة على الأغلب ، بمعنى

١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

لزوم العسر من اجتناب جميع موارد الشبهة غير المحصورة ، فقد عرفت أنّ شمول الأخبار المذكورة لذلك إنّما هو فرع كون عنوان الشبهة غير المحصورة موضوعا في الواقع لوجوب الاجتناب ، وقد عرفت أنّه ليس كذلك.

هذا غاية توضيح ما ذكره المصنّف رحمه‌الله. وربّما يمنع شمول الأخبار المذكورة لصورة لزوم العسر في بعض الوقائع أيضا إذا لوحظت كلّ واحدة منها في نفسها على ما عرفت ، لأنّ ظاهر هذه الأخبار نفي العسر عن الأحكام الواقعيّة الأوليّة ، لا نفي العسر اللازم من اشتباه موضوع الحكم الواقعي بين امور غير محصورة أيضا ، كما في المقام.

وفيه : أنّه إن تمّ ما ذكر لزم أن لا تجري هذه القاعدة في الأحكام الظاهريّة الثانويّة وإن كان العسر اللازم فيها شخصيّا أيضا ، لكون جميع الآيات والأخبار الواردة في الباب على نسق واحد ، ولا يلتزم به ذو مسكة.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ المقصود من إجراء أصالة البراءة في مواردها هو مجرّد رفع المنع من الترك في الشبهات الوجوبيّة ومن الفعل في الشبهات التحريميّة. وبعبارة اخرى : أنّ مقتضاها مجرّد عدم العقاب على الترك أو الفعل كما هو مختار المصنّف رحمه‌الله ، لا نفي الأحكام الواقعيّة في موارد احتمالها مجرّدا أو مع شوبه بالعلم الإجمالي ، كما هو مقتضى قاعدة نفي العسر في موارد لزومه ، وحينئذ يختلف الدليل والمدّعى ، ولذا جعلت أصالة البراءة من الأدلّة الفقاهتيّة وقاعدة العسر من الأدلّة الاجتهاديّة.

وفيه : أنّ هذه القاعدة لم تذكر في المقام دليلا على جريان أصالة البراءة ، بل دليلا على عدم وجوب الاحتياط فيه مع قطع النظر عن كون مقتضاها عدم الوجوب في الواقع أو الظاهر.

وقد أورد المحقّق القمي رحمه‌الله على الدليل المذكور بما لخصّه في الفصول ، قائلا : «وأمّا ما أورده بعض المعاصرين بأنّ العسر والحرج قد لا يتحقّقان في غير المحصور ،

١١

والروايات لا تدلّ إلّا على أنّ ما كان فيه ضيق على مكلّف فهو مرتفع عنه ، وأمّا ارتفاع ما كان ضيقا على الأكثر عمّن هو عليه في غاية السهولة ، فليس فيه امتنان على أحد ، بل فيه تفويت مصلحة التكليف من غير تداركها بالتسهيل.

وأمّا ما ورد من دوران الأحكام مدار السهولة على الأغلب ، فلا ينفع فيما نحن فيه ؛ لأنّ الشبهة الغير المحصورة ليست واقعة واحدة حكم فيها بحكم حتّى يدّعى أنّ الحكم بالاحتياط في أغلب مواردها عسر على أغلب الناس ، فيرتفع حكم الاحتياط فيها مطلقا ، بل هي عنوان لموضوعات متعدّدة لأحكام متعدّدة ، والمقتضي

______________________________________________________

كما إذا لم يكن هنا ما يوجب استعمال البعض ، وقد يتحقّقان في المحصور أيضا ، كما إذا اضطرّ إلى استعمال البعض منه ، مع أنّهما يقتضيان رفع الإثم دون غيره كالنجاسة ، ولهذا لو اضطرّ إلى أكل الميتة لم يرتفع عنه حكم النجاسة» انتهى.

وأقول : إنّ ما أورده أوّلا من عدم اطّراد القاعدة في جميع موارد الشبهة غير المحصورة يظهر الكلام فيه ممّا ذكره المصنّف رحمه‌الله ، وما علّقناه على توضيح كلامه. وما أورده ثانيا من كون مقتضى العسر والحرج مجرّد رفع الإثم دون غيره من الأحكام ، يرد عليه ـ مضافا إلى أنّ المقصود في المقام منع وجوب الاحتياط ، ويكفي فيه مجرّد عدم الإثم في الارتكاب لإثبات الطهارة والحلّية ـ ما عرفته من منع ذلك ، كيف لا وتقدّم قاعدة العسر على سائر العمومات المثبتة للتكاليف أقوى من تقدّم الأدلّة الخاصّة عليها ، لكون تقدّمها عليها من باب الحكومة ، وتقدّم الخاصّ عليها من باب المعارضة وقوّة الدلالة.

وعلى كلّ تقدير فلا إشكال فيما ذكرناه ، ولذا احتجّ بها بعض الأصحاب على طهارة الحديد في مقابل الأخبار الدالّة على نجاسته. واعتذار المحقّق المذكور عنه بأنّه تأسيس للحكم ودفع لا رفع لحكم ثابت ، وبينهما فرق واضح ، غير واضح كما اعترف به في الفصول. نعم ، هنا كلام آخر في جواز التمسّك بمثل هذه القواعد التي كثر ورود التخصيص عليها من دون جابر ، ولا دخل له فيما ذكره ، والله العالم.

١٢

للاحتياط في كلّ موضوع هو نفس الدليل الخاصّ التحريمي الموجود في ذلك الموضوع ، والمفروض أنّ ثبوت التحريم لذلك الموضوع مسلّم ، ولا يرد منه حرج على الأغلب ، وأنّ الاجتناب في صورة اشتباهه أيضا في غاية اليسر ؛ فأيّ مدخل للأخبار الواردة في أنّ الحكم الشرعيّ يتبع الأغلب في اليسر والعسر. وكأنّ المستدلّ بذلك جعل الشبهة الغير المحصورة واقعة واحدة مقتضى الدليل فيها وجوب الاحتياط لو لا العسر ، لكن لما تعسّر الاحتياط في أغلب الموارد على أغلب الناس حكم بعدم وجوب الاحتياط كلّية.

وفيه : أنّ دليل الاحتياط في كلّ فرد من الشبهة ليس إلّا دليل حرمة ذلك الموضوع. نعم ، لو لزم الحرج من جريان حكم العنوان المحرّم الواقعي في خصوص مشتبهاته الغير المحصورة على أغلب المكلّفين في أغلب الأوقات ـ كأن يدّعى أنّ الحكم بوجوب الاجتناب عن النجس الواقعي مع اشتباهه في أمور غير محصورة ، يوجب الحرج الغالبي ـ أمكن التزام ارتفاع وجوب الاحتياط في خصوص النجاسة المشتبهة. لكن لا يتوهّم من ذلك : اطّراد الحكم بارتفاع التحريم في الخمر المشتبه بين مايعات غير محصورة والمرأة المحرّمة المشتبهة في ناحية مخصوصة إلى غير ذلك من المحرّمات. ولعلّ كثيرا ممّن تمسّك في هذا المقام بلزوم المشقّة أراد المورد الخاصّ ، كما ذكروا ذلك في الطهارة والنجاسة.

هذا كلّه ، مع أنّ لزوم الحرج (١٥٦٥) في الاجتناب عن الشبهة الغير المحصورة التي يقتضي الدليل المتقدّم وجوب الاحتياط فيها ، ممنوع. ووجهه أنّ كثيرا من الشبهات الغير المحصورة لا يكون جميع المحتملات فيها مورد ابتلاء المكلّف ، ولا يجب الاحتياط في مثل هذه الشبهة وإن كانت محصورة كما أوضحناه سابقا ، وبعد إخراج هذا عن محلّ الكلام فالإنصاف منع غلبة التعسّر في الاجتناب.

______________________________________________________

١٥٦٥. إن أراد خروج هذه الموارد من الشبهة غير المحصورة من محلّ النزاع ـ كما هو ظاهر كلامه ـ فهو ينافي استدلاله الآتي على عدم وجوب الاجتناب بعدم تحقّق الابتلاء بجميع أطراف الشبهة في كثير من مواردها. وإن أراد دخولها

١٣

الثالث : الأخبار الدالّة على حلّية كلّ ما لم يعلم حرمته ؛ فإنّها بظاهرها وإن عمّت الشبهة المحصورة إلّا أنّ مقتضى الجمع بينها وبين ما دلّ على وجوب الاجتناب بقول مطلق هو حمل أخبار الرخصة على غير المحصور وحمل أخبار المنع على المحصور.

وفيه أوّلا : أنّ المستند في وجوب (١٥٦٦) الاجتناب في المحصور هو اقتضاء دليل نفس الحرام المشتبه لذلك بضميمة حكم العقل ، وقد تقدّم بما لا مزيد عليه أنّ أخبار حلّ الشبهة لا تشمل صورة العلم الإجمالي بالحرام. وثانيا : لو سلّمنا شمولها لصورة العلم الإجمالي حتّى تشمل الشبهة الغير المحصورة ، لكنّها تشمل المحصورة أيضا ، وأخبار وجوب الاجتناب مختصّة بغير الشبهة الابتدائيّة إجماعا (١٥٦٧) ، فهي على عمومها للشبهة الغير المحصورة ايضا أخصّ مطلقا من أخبار الرخصة.

______________________________________________________

فيها ، وكون عدم الوجوب فيها مستندا إلى عدم الابتلاء ، فهو تحكّم بحت ، إذ لا منافاة في استناد عدم وجوب الاجتناب في غير المحصور إلى أمرين : أحدهما : عدم تحقّق الابتلاء في كثير من موارده ، والآخر : لزوم العسر الغالبي في موارده ، فإنّه إذا فرض هنا امور غير محصورة يلزم من الاحتياط فيها العسر على الأغلب ، وكان بعضها خارجا من محلّ الابتلاء ، ثمّ حصل العلم الإجمالي بحرمة بعضها ، فعدم تأثير العلم حينئذ في تنجّز التكليف بالواقع كما يمكن أن يستند إلى خروج بعض أطراف العلم الإجمالي من محلّ الابتلاء ، كذلك يمكن أن يستند إلى لزوم العسر الغالبي.

١٥٦٦. يعني : أنّ العمدة في ذلك ، وإلّا فقد تمسّك المصنّف رحمه‌الله بالأخبار أيضا. ويحتمل أن يكون الوجه في تخصيص المستند بالعقل رجوع مؤدّاها إليه ، وهو وجوب الاحتياط من باب المقدّمة وعلى تقدير كون المستند فيه الأخبار يتمّ الجواب أيضا ، كما هو واضح. وعلى كلّ تقدير ، فمحصّل الجواب أنّ المستند في وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة هو العقل ، وهو مشترك بينها وبين غير المحصورة ، وأخبار الحلّ لا تشتمل شيئا منهما.

١٥٦٧. لا تضرّ هنا مخالفة الأخباريّين في مسألة البراءة إن قلنا بقدح مخالفتهم

١٤

والحاصل : أنّ أخبار الحلّ (١٥٦٨) نصّ في الشبهة الابتدائيّة وأخبار الاجتناب نصّ في الشبهة المحصورة ، وكلا الطرفين ظاهران في الشبهة الغير المحصورة ، فإخراجها عن أحدهما وإدخالها في الآخر ليس جمعا بل ترجيحا بلا مرجّح ، إلّا أن

______________________________________________________

في الإجماع ، لاختصاص خلافهم بالشبهات الحكميّة التحريميّة ، لإجماعهم على أصالة البراءة في الشبهات الحكميّة الوجوبيّة ممّن عدا الأمين الأسترآبادي ، وفي الشبهات الموضوعيّة مطلقا.

فإن قلت : إنّ أخبار وجوب الاجتناب ـ مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اتركوا ما لا بأس به حذرا عمّا به البأس» ونحوه ـ عامّة لجميع الشبهات ، وقد عارضها دليلان ، أحدهما : الإجماع ، والآخر : أخبار الحلّ ، فلا وجه لتخصيصها أوّلا بالإجماع ، ثمّ ملاحظة النسبة بينها وبين أخبار الحلّ.

قلت : نعم ، لكنّه إنّما يتمّ فيما تعارضت الأدلّة بأزيد من دليلين ، ولم يكن أحدها أخصّ من الباقي ، وإلّا فلا بدّ من التخصيص أوّلا بالخاصّ ، ثمّ ملاحظة النسبة بين الباقي وإن انقلبت إلى نسبة اخرى بعده ، كما سيجيء في خاتمة الكتاب.

١٥٦٨. ربّما يتوهّم أنّ الأولى أن يقال : مضافا بدل قوله : الحاصل ، نظرا إلى أنّ ما ذكره ليس حاصلا لما قبله ، لأنّ مقتضى كون النسبة بين الأخبار هو العموم والخصوص مطلقا تخصيص العامّ بالخاصّ ، لا فرض قدر متيقّن لكلّ من الطرفين ، واعتبار تعارضهما في مادّة ، ثمّ نفي أولويّة إدخالها تحت أحدهما بالخصوص ، لكون ذلك وظيفة تعارض العامّ والخاصّ من وجه لا مطلقا.

ويمكن دفع هذا التوهّم بأنّ العامّ والخاصّ مطلقا إذا كان لكلّ منهما فرد متيقّن الدخول تحته ، وتعارضا في فرد آخر على وجه كان ظهور كلّ منهما فيه بمرتبة واحدة ، يجري عليه حكم تعارض العامّ والخاصّ من وجه ، وما نحن فيه من هذا القبيل.

فإن قلت : إنّما نمنع كون النسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا ، لأنّه إذا

١٥

يقال (١٥٦٩) إنّ أكثر أفراد الشبهة الابتدائيّة ترجع بالأخرة إلى الشبهة الغير المحصورة ؛ لأنّا نعلم إجمالا غالبا بوجود النجس والحرام في الوقائع المجهولة الغير المحصورة ، فلو اخرجت هذه الشبهة عن أخبار الحلّ لم يبق تحتها من الأفراد إلّا النادر ، وهو لا يناسب مساق هذه الأخبار ، فتدبّر.

______________________________________________________

فرض وجود فرد متيقّن لكلّ منهما ، وتعارضا في فرد ثالث ، كانت النسبة بينهما عموما وخصوصا من وجه لا مطلقا.

قلت : إنّ هذا إنّما يتمّ فيما لم يشتمل شيء منهما على ما هو المتيقّن من الآخر ، وما نحن فيه ليس كذلك ، لأنّ أخبار المنع وإن لم تشتمل على الشبهات البدويّة ، للإجماع الذي ادّعاه ، إلّا أنّ أخبار الحلّ تشتمل بإطلاقها على الشبهات المحصورة وإن لم تكن نصّا فيها ، فتكون النسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا ، لاشتمال أخبار الحلّ على جميع موارد أخبار المنع.

وهذا غاية توضيح المقام. وهو بعد لا يخلو من نظر بل منع ، لأنّ أخبار الحلّ شاملة للشبهات البدويّة بالنصوصيّة بقرينة الإجماع المذكور ، وللمحصورة وغير المحصورة بالعموم ، وأخبار المنع شاملة للمحصورة بالنصوصيّة ، لكونها متيقّنة منها ، ولغير المحصورة بالعموم ، فتعارضهما في غير المحصورة إنّما هو بالعموم. ومجرّد اشتمال كلّ منهما على قدر متيقّن لا يوجب وهنا في دلالة الخاصّ حتّى يتساوى ظهورهما في الشمول لمادّة التعارض. نعم ، يتمّ ذلك لو لم يشمل شيء منهما ما هو المتيقّن من الآخر ، لكنّ النسبة حينئذ تكون عموما من وجه لا مطلقا ، وهو خلاف الفرض ، كما عرفت توضيحه.

١٥٦٩. حاصله : دعوى أظهريّة أخبار الحلّ في الشمول للشبهة غير المحصورة من أخبار وجوب الاجتناب ، بقرينة الاستهجان العرفيّ الحاصل من قلّة الأفراد الباقية تحت الاولى على تقدير إخراج أفراد الشبهة غير المحصورة من تحتها وإدخالها تحت الثانية.

١٦

الرابع : بعض الأخبار الدالّة على أنّ مجرّد العلم بوجود الحرام بين المشتبهات لا يوجب الاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه حراما ، مثل ما في محاسن البرقي عن أبي الجارود ، قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجبن ، فقلت : أخبرني من رأى أنّه يجعل فيه الميتة ، فقال : أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم جميع ما في الأرض؟! فما علمت فيه ميتة فلا تأكله ، وما لم تعلم فاشتر وبع وكل ، والله إنّي لأعترض السوق فأشتري اللحم والسّمن والجبن ، والله ما أظنّ كلّهم يسمّون ، هذه البربر وهذه السودان ...» (٥).

فإنّ قوله : «أمن أجل مكان واحد ...» ظاهر في أنّ مجرّد العلم بوجود الحرام لا يوجب الاجتناب عن محتملاته ، وكذا قوله عليه‌السلام : «والله ما أظنّ كلّهم يسمّون» ، فإنّ الظاهر منه (١٥٧٠) إرادة العلم بعدم تسمية جماعة حين الذبح ، كالبربر والسودان ،

______________________________________________________

وأنت خبير بأنّ هذه الدعوى لا تخلو من مصادمة للعيان ومخالفة لصريح الوجدان ، لكثرة وجود الشبهات المجرّدة عن العلم الإجمالي في الخارج ، بحيث لا يبقى مجال لدعوى الاستهجان المذكور بعد ملاحظة كثرتها. وإن شئت فلاحظ بدنك وثوبك ودارك وسائر ما يتعلّق بك وغيرها ، لأنّك كثيرا ما تشكّ في نجاستها وحليّتها من دون أن يحصل لك علم إجمالي بنجاسة بعضها أو كونه مغصوبا. ومجرّد علم إجمالي بوجود نجس أو مغصوب في العالم وضمّ ذلك إليه غير مجد في دخول ذلك في أطرافه كما هو واضح. ومع التسليم فلا ريب في خروج بعض أطراف الشبهة غير المحصورة المفروضة من محلّ الابتلاء ، كما اعترف به المصنّف رحمه‌الله في ما مضى ويأتي ، واعترف أيضا بعدم وجوب الاحتياط في مثلها. ومع التسليم فلا ريب في اندراج الشبهات البدويّة الحكميّة تحت الاولى ، وهي بمجرّدها كافية في منع الاستهجان المذكور. اللهمّ إلّا أن يريد بأخبار الحلّ ما هو ظاهر الاختصاص بالشبهات الموضوعيّة ، وهو كما ترى.

١٥٧٠. بقرينة السياق.

١٧

إلّا أن يدّعى (١٥٧١) أنّ المراد أنّ جعل الميتة في الجبن في مكان واحد لا يوجب الاجتناب عن جبن غيره من الأماكن ، ولا كلام في ذلك ، لا أنّه لا يوجب الاجتناب عن كلّ جبن يحتمل أن يكون من ذلك المكان ، فلا دخل له بالمدّعى.

وأمّا قوله : «ما أظنّ كلّهم يسمّون» ، فالمراد منه عدم وجوب الظنّ أو القطع بالحلّية ، بل يكفي أخذها من سوق المسلمين ؛ بناء على أنّ السوق أمارة شرعيّة لحلّ الجبن المأخوذ (١٥٧٢) منه ولو من يد مجهول الإسلام ، إلّا أن يقال إنّ سوق المسلمين غير معتبر مع العلم الإجمالي بوجود الحرام ، فلا مسوّغ للارتكاب إلّا كون الشبهة غير محصورة ، فتأمّل (١٥٧٣).

الخامس : أصالة البراءة (١٥٧٤) بناء على أنّ المانع من إجرائها ليس إلّا العلم

______________________________________________________

١٥٧١. لعلّ هذا المعنى أظهر ، كما يشهد به لفظ الجميع المضاف إلى ما في الأرض ، وقوله : «فما علمت فيه ميتة» الظاهر في اعتبار العلم تفصيلا أو إجمالا في وجوب الاجتناب ، حيث لم يقل : فما علمت أنّه ميتة ، كما هو واضح.

١٥٧٢. أي : وإن حصل العلم الإجمالي بوجود الحرام في السوق.

١٥٧٣. لعلّ الأمر بالتأمّل إشارة إلى منع عدم اعتبار السوق مع العلم الإجمالي بخلافه ، لأنّ غلبة وجود العلم الإجمالي بوجود الحرام والنجس في سوق المسلمين شاهد لشمول الإجماع والأخبار لصورة العلم الإجمالي بالخلاف.

١٥٧٤. حاصل هذا الوجه : أنّ المانع من جريان أصالة البراءة في أطراف الشبهة المحصورة أو غير المحصورة هو العلم الإجمالي بوجود الحرام فيها ، بحكم العقل بوجوب الاجتناب عن الجميع من باب المقدّمة العلميّة. ولا ريب أنّ اعتبار العلم مطلقا إنّما هو لأجل حكم العقل وبناء العقلاء عليه ، فإذا فرض عدم اعتناء العقلاء به عند اتّساع دائرة الشبهة بحيث تعدّ غير محصورة كان وجوده كالعدم ، ويرتفع المانع من جريانها. ولعلّ هذا هو المراد من المحكيّ عن الدرر النجفيّة بعد بيان الفرق بين المحصور وغيره وبيان حكم المحصور ، قال : «أمّا غير المحصور فإنّه لا يعلم وجود الحرام ثمّة ، ولا يقطع بحصوله ، فلا يتعلّق التكليف الشرعيّ باجتنابه ، و

١٨

الإجمالي بوجود الحرام ، لكنّه إنّما يوجب الاجتناب عن محتملاته من باب المقدّمة العلميّة ، التي لا تجب إلّا لأجل وجوب دفع الضرر وهو العقاب المحتمل في فعل كلّ واحد من المحتملات ، وهذا لا يجري في المحتملات الغير المحصورة ؛ ضرورة أنّ كثرة الاحتمال توجب عدم الاعتناء بالضرر المعلوم وجوده بين المحتملات ، ألا ترى الفرق الواضح بين العلم بوجود السمّ في أحد إناءين أو واحد من ألفي إناء؟ وكذلك بين قذف أحد الشخصين لا بعينه وبين قذف واحد من أهل بلد ، فإنّ الشخصين كليهما يتأثّران بالأوّل ولا يتأثّر أحد من أهل البلد بالثاني. وكذا الحال : لو أخبر شخص بموت الشخص المردّد بين ولده وشخص آخر وبموت المردّد بين ولده وبين كلّ واحد من أهل بلده ؛ فإنّه لا يضطرب خاطره في الثاني أصلا. وإن شئت قلت : إنّ ارتكاب المحتمل في الشبهة الغير المحصورة لا يكون عند العقلاء إلّا كارتكاب الشبهة الغير المقرونة بالعلم الإجمالي.

وكأنّ ما ذكره الإمام عليه‌السلام في الرواية المتقدّمة من قوله : «أمن أجل مكان واحد ...» ـ بناء على الاستدلال به ـ إشارة إلى هذا المعنى ؛ حيث إنّه جعل كون حرمة الجبن في مكان واحد منشأ لحرمة جميع محتملاته الغير المحصورة من المنكرات المعلومة عند العقلاء التي لا ينبغي للمخاطب أن يقبلها ، كما يشهد بذلك كلمة الاستفهام الإنكاري ، لكن عرفت أنّ فيه احتمالا آخر يتمّ معه الاستفهام الانكاري أيضا.

وحاصل هذا الوجه أنّ العقل إذا لم يستقلّ بوجوب دفع العقاب المحتمل عند كثرة المحتملات ، فليس هنا ما يوجب على المكلّف الاجتناب عن كلّ محتمل ، فيكون عقابه حينئذ عقابا من دون برهان ؛ فعلم من ذلك أنّ الآمر اكتفى في المحرّم المعلوم

______________________________________________________

وجوده في الواقع ونفس الأمر لا يصير مناطا للأحكام الشرعيّة ، وإنّما جعلت منوطة بنظر المكلّف وعلمه ، كما لا يخفى على من أحاط خبرا بالقواعد الشرعيّة والضوابط المرعيّة» انتهى ، وإلّا فتوجّه المنع إليه واضح ، لأنّ ظاهر العلماء اعتبار العلم الإجمالي في غير المحصور أيضا ، كما ستقف عليه عند بيان الفرق بينه وبين

١٩

إجمالا بين المحتملات بعدم العلم التفصيلي بإتيانه ، ولم يعتبر العلم بعدم إتيانه ، فتأمّل (١٥٧٥).

السادس : أنّ الغالب عدم (١٥٧٦) ابتلاء المكلّف إلّا ببعض معيّن من محتملات الشبهة الغير المحصورة ويكون الباقي خارجا عن محلّ ابتلائه ، وقد تقدّم عدم وجوب الاجتناب في مثله مع حصر الشبهة فضلا عن غير المحصورة. هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ به على حكم الشبهة الغير المحصورة ، وقد عرفت أنّ أكثرها لا يخلو من منع أو قصور ، لكنّ المجموع منها لعلّه يفيد القطع أو الظنّ بعدم وجوب الاحتياط في الجملة. والمسألة فرعيّة (١٥٧٧) يكتفى فيها بالظنّ.

______________________________________________________

المحصور ، فلا تغفل.

١٥٧٥. لعلّه أشار بالأمر بالتأمّل إلى أنّ مقتضى هذا الوجه جواز المخالفة القطعيّة بارتكاب الجميع ، كما صرّح به في التنبيه الأوّل ، وهو مناف للعلم إجمالا بكون أحد أطراف الشبهة حراما أو نجسا في الواقع ، ولذا اختار هناك عدم جواز ارتكاب الجميع مع العزم عليه أو مطلقا. ويحتمل أن يكون إشارة إلى الفرق بين الضرر الدنيويّ والاخروي. وفيه تأمّل.

ويحتمل أن يكون إشارة إلى منع الفرق في الأمثلة بين المحصور وغيره بما ذكره ، لأنّه لو أخبر شخص بموت أحد مردّد بين ولده وشخص آخر وبموت المردد بين ولده وبين كلّ واحد من أهل بلده ، نمنع عدم اضطراب باله في الثاني إذا احتمل كون المخبر عنه ولده احتمالا عقلائيّا ، غاية الأمر أن يختلفا في شدّة الاضطراب وقلّته ، وذلك بمجرّده لا يوجب فرقا مجديا في المقام. اللهمّ إلّا أن تبلغ قلّة الاضطراب في الثاني حدّا لا يعتنى به عند العقلاء.

١٥٧٦. هذا الدليل كما ترى أخصّ من المدّعى ، اللهمّ إلّا أن يتمسّك بعدم القول بالفصل.

١٥٧٧. ظاهره عدم اعتبار الظنّ إن فرضت المسألة اصوليّة ، وهو خلاف

٢٠