فقه القرآن - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٠
الجزء ١ الجزء ٢

فيما لا يكون منه الولد. وهذا ليس بدليل ، لأنه لا خلاف أنه يجوز الوطئ بين الفخذين وان لم يكن هناك ولد.

وثانيها ـ قالوا : قال الله « فأتوهن من حيث أمركم الله » وهو الفرج.

وهذا أيضا لا دلالة فيه ، لان قوله « من حيث أمركم الله » معناه من حيث أباح الله لكم ، أو من الجهة التي شرعها الله لكم على ما حكيناه عن الزجاج ، ويدخل في ذلك الموضعان. على أنهم قد أجمعوا على أن الآية الثانية ليست بناسخة للأولى.

وثالثها ـ قالوا : ان معناه من أين شئتم ، أي ائتوا الفرج من أين شئتم ، وليس في ذلك إباحة لغير الفرج. وهذا أيضا ضعيف ، لان من ذهب إلى كراهيته دون حظره لا يسلم أن معناه ائتوا الفرج ، بل معناه عنده ائتوا النساء وائتوا الحرث من أين شئتم ، ويدخل فيه جميع ذلك.

ورابعها ـ قالوا : قوله تعالى في المحيض « قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض » فإذا حرم للأذى بالدم فالأذى بالنجو أعظم منه. وهذا ليس بشئ ، لان هذا حمل الشئ على غيره من غير علة. على أنه لا يمتنع أن يكون المراد بقوله « قل هو أذى » غير النجاسة ، بل المراد أن في ذلك مفسدة. ولا يجب أن يحمل على ذلك الا بدليل موجب للعلم. على أن الأذى بمعنى النجاسة حاصل في البول ودم الاستحاضة ، ومع هذا فليس بمنهي عن الوطئ في الفرج.

(فصل)

ويقال ان هذه الآية نزلت ردا على اليهود ، فإنهم يقولون إذا أتى الرجل المرأة من خلف في قبلها خرج الولد أحول ، فأكذبهم الله تعالى في ذلك ـ ذكره ابن عباس وجابر ورواه أصحابنا أيضا. وقال الحسن : أنكرت اليهود

١٤١

اتيان المرأة قائمة وباركة ، فأنزل الله أباحته بعد أن يكون في الفرج.

ومع هذا السبب الذي روي لا يمتنع أن يكون ذلك أيضا مباحا ، لان غاية ما في السبب أن يطابقه الآية ، فأما أن لا يفيد غيره فلا يجب عند أكثر المحصلين.

وقوله تعالى « وقدموا لأنفسكم » أي سموا الله في أنفسكم عند الجماع وسلوه أن يرزقكم ولدا ذكرا سويا ليس في خلقه زيادة ولا نقصان. وقيل ائتوا النساء في موضع الولادة لا في أحشاشهن. وقيل هذا على العموم ، أي قدموا الأعمال الصالحة التي أمر الله بها عباده ورغبهم فيها لتكون ذخرا عند الله.

فإذا وجه اتصال قوله « وقدموا لأنفسكم » بما قبله أنه لما قدم الامر بعدة أشياء قال قدموا لأنفسكم بالطاعة فيما أمرتم به واتقوا مجاوزة الحد فيما بين لكم ، وفي ذلك الحث على العمل بالواجب الذي عرفوه والتحذير من مخالفة ما ألزموه (١).

(فصل)

وقد خاطب الله نبيه عليه‌السلام بقوله تعالى « ترجي من تساء منهن وتؤوي إليك من تشاء » (٢) قال ابن عباس : خيره الله بين طلاقهن وامساكهن ، وقال مجاهد معناه : تعزل من شئت من نسائك فلا تأتيها تأتي من شئت من نسائك.

وليس هذا مسقطا للقسم بينهن ، لأنه إذا كان عند الرجل أربع نسوة يجب عليه أن يبيت عند كل واحدة ليلة ويسوي بينهن في القسمة ولا يلزمه إذا بات عند كل واحدة أن يجامعها ، بل هو مخير في ذلك ، وعلى هذا قوله تعالى « ولن

__________________

١) هذا الفصل وما قبله مأخوذ من تفسير التبيان ٢ / ٢٢٢ ـ ٢٢٥ مع تغيير يسير في بعض التعابير.

٢) سورة الأحزاب : ٥١.

١٤٢

تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء » (١) فان هذا في المودة والمحبة ، وقوله تعالى  « فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة » (٢) في القسمة.

وقوله تعالى « ومن ابتغيت ممن عزلت » قال قتادة : كان نبي الله صلى الله عليه وآله يقسم بين أزواجه فأحل الله له ترك ذلك. وقيل ومن طلبت اصابته ممن كنت عزلت عن ذلك من نسائك.

وقوله تعالى « والذين هم لفروجهم حافظون * الا على أزواجهم » (٣) لا يخرج من الآية وطؤ المتمتع بها لأنه زوجة عندنا وان خالف حكمها حكم المزوجة على الدوام في أحكام كثيرة ، كما أن حكم الزوجات على الدوام أيضا مختلف.

وذكره تعالى هذه الأوصاف من قوله تعالى « قد أفلح المؤمنون » ومدحه عليها يكفي ويغني عن الامر بها فيها من الترغيب ، كما قال الله تعالى « الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين » (٤) مع تحريم وطأها على وجوه لتحريم وطئ الزوجة والأمة في حال الحيض ، ووطؤ زيد جاريته إذا كان قد زوجها من عمرو أو كانت في عدة من زوج ، وتحريم وطئ المظاهرة غير المشروطة بالوطئ قبل الكفارة. لان المراد بذلك على ما يصح مما بينه الله ورسوله في غير هذا الموضع ، وحذف لأنه معلوم ، وهي من الأمور العارضة في هذه الوجوه.

وأيضا فان من وطئ الزوجة أو الأمة في حال الحيض والنفاس ، فلا

__________________

١) سورة النساء : ١٢٩.

٢) سورة النساء : ٣.

٣) سورة المعارج : ٢٩ ـ ٣٠.

٤) سورة المؤمنون : ٦.

١٤٣

يلزمه اللوم من حيث كانت زوجة أو ملك يمين ، وانما يستحق اللوم على وجه آخر.

و « وراء » بمعنى غير ، أي من طلب سوى الزوجة والأمة فهو عاد. والعادون الذين يتعدون الحلال إلى الحرام.

والاستمناء باليد محرم اجماعا ، لقوله تعالى « الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون » وهذا وراء ذلك. وعنه عليه‌السلام : ملعون سبعة ـ وذكر فيها الناكح كفه.

(باب الزيادات)

سئل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يواقع أهله أينام على ذلك؟ قال : قال « الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها » (١) فلا يدري ما يطرقه من البلية ، إذا فرغ فليغتسل (٢).

وقال : من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غمض بصره لم يرتد إليه بصره حتى يزوجه الله من الحور العين (٣).

وقيل له عليه‌السلام : هل يمتع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : نعم وقرأ هذه الآية « وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حدثنا » إلى قوله « ثيبات وأبكارا » (٤).

وكان علي عليه‌السلام يكره أن يسلم على الشابة من النساء وقال : أتخوف

__________________

١) سورة الزمر : ٤٢.

٢) وسائل الشيعة ١ / ٥٠١ مع اختلاف يسير.

٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٤٣٧.

٤) سورة التحريم : ٣. وانظر من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٦٦.

١٤٤

أن يعجبني صوتها فيدخل علي من الاثم أكثر مما أطلب من الاجر (١).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سعادة الرجل ان لا تحيض ابنته في بيته (٢). وفي رواية : أن تحيض ابنته في بيت زوجها.

وروى صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه‌السلام في قوله تعالى حكاية عن ابنة شعيب « يا أبت استأجره ان خير من استأجرت القوي الأمين » (٣). قال : قال لها شعيب : هذا قوي قد عرفتيه برفع الصخرة الأمين من أين عرفتيه؟ قالت : يا أبت اني مشيت قدامه فقال : أمشي من خلفي فان ضللت فأرشديني إلى الطريق فانا قوم لا ننظر في أدبار النساء (٤).

واعلم أن بنت الربيب وهو ابن الزوجة لا يصح لزوج أمه أن ينكح ابنته ، وليس هذا حملا على الربيبة ، بل الدلالة عليه من الكتاب ، هو أن الله تعالى ذكر في جملة المحرمات « وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم » (٥) ، وأجمعت الأمة على أن قوله « وربائبكم » انما أراد به بنات نسائكم ، وهذا يقتضي تحريم كل من يتناوله هذا الاسم من بناتهن وان سفلن وبعدن ، وقد علمنا أن بنت ابن الزوجة ولدها ، فان بنات الصلب وبنات البنين والبنات أولاد فتقتضي هذه الجملة تحريم من يقع عليه اسم بنت لزوجة الرجل.

__________________

١) الكافي ٥ / ٥٣٥.

٢) وسائل الشيعة ١٤ / ٤١.

٣) سورة القصص : ٢٦.

٤) وسائل الشيعة ١٤ / ١٤٥.

٥) سورة النساء : ٢٣.

١٤٥

كتاب الطلاق

كل آية من القرآن فيها ذكر الطلاق ـ وهي كثيرة ـ يعلم منها جواز الطلاق.

ومعنى « الطلاق » حل عقدة النكاح ، لأن المرأة تكون في حظر من النكاح فإذا طلقت تطلقت (١).

وللطلاق أقسام وشرائط لابد من معرفتها ليتم الغرض ، ونحن نذكر جميع ذلك على سبيل الجملة أولا ثم نتبع الأدلة من الكتاب والسنة على التفصيل انشاء الله تعالى ، ثم نذكر ما يلحق بالطلاق وما يؤثر في بعض أنواع الطلاق وما يكون كالسبب للطلاق ، ونبين جميع ذلك في أبواب بعون الله تعالى.

__________________

١) قال ابن فارس : الطاء واللام والقاف أصل صحيح مطرد واحد ، وهو يدل على التخلية والارسال ، يقال انطلق الرجل ينطلق انطلاقا ـ معجم مقاييس اللغة ٣ / ٤٢٠.

١٤٦

(باب)

(أقسام الطلاق وشرائطه)

وجوه الطلاق عشرة ، وهي على ضربين :

ثلاثة منها لا تحتاج إلى العدة وهي : طلاق التي لم يدخل بها ، والتي دخل بها ولم تبلغ المحيض ولا في سنها من تحيض ، والآيسة من المحيض ولا يكون في سنها من تحيض.

والسبعة الباقية لابد من اعتبار العدة بعدها وهي : الطلاق التي لم تبلغ المحيض وفي سنها من تحيض ، وطلاق الآيسة من المحيض وفي سنها من تحيض ، والمستقيمة الحيض ، والحاملة المستبين حملها ، والمستحاضة ، وطلاق الغائب عن زوجته ، وطلاق الغلام والعبد.

وأما شرائطه فعلى ضربين : عام في سائر أنواعه ، وخاص في بعضه. فالعام خمسة : أن يكون الرجل غير زائل العقل ، ويكون مريدا للطلاق غير مكره عليه ولا مجبر ، ويكون طلاقه بمحضر من شاهدين مسلمين ، ويتلفظ بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه عند العجز.

والخاص يراعى في المدخول بها غير غائب عنها مدة مخصوصة ، وهو اثنان : أن لا تكون المرأة حائضا ، أو في طهر لم يقربها فيه إذا لم يكن بها حبل.

ونحن نتكلم على هذه الأصول فصلا فصلا انشاء الله تعالى.

(فصل)

(في طلاق التي لم يدخل بها)

قال الله تعالى « يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من

١٤٧

قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن » (١).

خاطب الله تعالى بهذه الآية المؤمنين بأنه إذا نكح واحد منهم مؤمنة نكاحا صحيحا ثم طلقها قبل أن يمسها ـ يعني قبل أن يدخل بها ـ فإنه لا عدة عليها منه ، ويجوز لها أن تتزوج بغيره في الحال. وأمرهم أن يمتعوها ويسرحوها سراحا جميلا إلى بيت أهلها وأن يخليها تخلية حسنة ان كانت في بيت أهلها.

وهذه المتعة واجبة إن كان لم يسم لها مهرا ، وإن كان سمى مهرا لزمه نصف المهر ، وان لم يبين لها صداقا متعها على قدر عسره ويسره ، وهو السراح الجميل ، وهذا مثل قولنا سواء.

وروى أصحابنا أنه يمتعها إن كان موسرا فبدابة أو مملوك ، وإن كان متوسطا فبثوب وما أشبهه ، وإن كان فقيرا فبخاتم وما أشبهه (٢).

وقال سعيد بن المسيب : ان هذه الآية نسخت بايجاب نصف المهر المذكور في البقرة. والصحيح الأول أنه لا ناسخ ولا منسوخ في ذلك ، ولكل آية من هذه الآيات حكم ثابت ، لأنا اتفقنا على أن بضع حرة لا تحل بغير مهر أو عوض والنكاح من دون ذكر المهر يتعقد ويصح ، فان طلقها قبل أن يجامعها فإنه لا يخلو من أن يكون سمى لها مهرا أو لم يسم ، فإن لم يسم لها مهرا وجب عليه أن يمتعها على ما ذكرناه بالآية التي قدمناها وبقوله تعالى « وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين » (٣).

ويمكن أن يقال : ان الإشارة بهذه الآية إلى المتعة الواجبة التي قدمناها أو بما قبل هذه الآية من قوله « حقا على المحسنين » إلى المتعة المستحبة على ما ذكرنا.

__________________

١) سورة الأحزاب : ٤٩.

٢) في ذلك أحاديث عن الأئمة عليهم‌السلام ، انظر وسائل الشيعة ١٥ / ٥٥ ـ ٥٩.

٣) سورة البقرة : ٢٤١.

١٤٨

والمراد بالقراءتين « تماسوهن » أو « تمسوهن » الجماع بلا خلاف ، وانما قال « تعتدونها » فخاطب الرجال لأن العدة حق للزوج ربما استبرأ من أن يلحق به من ليس من صلبه أو يلحق بغيره من هو من صلبه. قال الجرجاني : أصله أنهم كانوا يقولون فيما توفر عدد أعددته فاعتد ، أي وفرته عليه فاسترفأه ، كما يقال كلته فاكتال وزنته فأتزن.

ومما يوضع ما ذكرناه قوله تعالى « لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين » (١) ، المفروض من صداقها داخل في دلالة الآية وان لم يذكر ، لان التقدير ما لم تمسوهن ممن قد فرضتم لهن أو لم تفرضوا لهن فريضة لان أو تنبئ عنه ، إذ لو كان على الجمع لكان بالواو.

والفريضة المذكورة في الآية الصداق بلا خاف ، لأنه يجب بالعقد للمرأة فهو فرض بوجوبه بالعقد ومتعة التي لم يدخل بها ، وقد روي أيضا انها لكل مطلقة ، ذلك على وجه الاستحباب.

و « متاعا » حال من قوله « قدره » والعامل فيه الظرف ، ويجوز أن يكون مصدرا والعامل « ومتعوهن ».

ويحتمل نصب « حقا » أيضا على وجهين : أحدهما أن يكون حالا من قوله  « بالمعروف » والعامل فيه معنى عرف حقا. والثاني على التأكيد لجملة الخبر ، كأنه قيل أخبركم به حقا.

وانما خص التي لم يدخل بها بالذكر في رفع الجناح دون المدخول بها في الذكر وإن كان حكمها واحدا لامرين : أحدهما لإزالة الشك في الحرج على هذا المطلق. والثاني لان له أن يطلق أي وقت شاء ، وليس كذلك حكم المدخول

__________________

١) سورة البقرة : ٢٣٦.

١٤٩

بها ، لأنه يجب أن يطلقها للعدة على ما نذكره.

وفي الآية دلالة على أن هذا العقد بغير مهر صحيح (١) ، لأنه لو لم يصح لما جاز فيه الطلاق ولا وجبت فيه المتعة.

ثم قال « وان طلقتموهم من قبل أن تماسوهن » الآية. وقد قدمنا أن الآية الأولى متضمنة حكم من لم يدخل بها ولم يسم لها مهرا إذا طلقها ، وهذه تضمنت حكم التي فرض لها صداق إذا طلقت قبل الدخول ، وأحد الحكمين غير الاخر.

وقال جميع أهل التأويل انه إذا طلق الرجل من سمى لها مهرا معلوما قبل أن يدخل بها فإنه يستقر لها نصف المهر ، فان كانت ما قبضت شيئا وجب على الزوج تسليم نصف المهر ، فان كانت تسلمت جميع المهر وجب عليها رد نصفه ويستقر لها النصف الآخر.

« الا أن يعفون » معناه من يصح عفوها من الحرائر البالغات غير المولى عليها لفساد عقلها ، فيترك ما يجب لها من نصف الصداق.

وقوله تعالى « أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح » قال مجاهد وحسن وعلقمة انه الولي ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام (٢) ، غير أنه لا ولاية لاحد عندنا الا للأب أو الجد مع وجود الأب على البكر وغير البالغة ، وأما من عداهما فلا ولاية الا بتولية من المرأة. وروي عن علي عليه‌السلام أنه الزوج (٣) ، والأول هو المذهب وهو أظهر ، فمن جعل العقد للزوج قال تقديره الذي بيده عقدة نكاحه ، ومن جعله للولي قال تقديره الذي بيده عقدة نكاحها ، ومن جعل العفو للزوج قال له أن يعفو عن جميع نصفه ، ومن جعله للولي قال

__________________

١) احترز بهذا عن النكاح المنقطع فإنه لا يصح بدون ذكر المهر « ه ».

٢) تفسير البرهان ١ / ٢٢٩.

٣) الدر المنثور ١ / ٢٩٣.

١٥٠

أصحابنا له أن يعفو عن بعضه وليس له أن يعفو عن جميعه ، فان امتنعت المرأة لم يكن لها ذلك إذا اقتضت المصلحة ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام. واختار الجبائي أن يكون المراد به الزوج ، قال لأنه ليس للولي أن يهب مال المرأة.

وقوله تعالى « وان تعفو أقرب للتقوى » خطاب للزوج والمرأة جميعا في قول ابن عباس ، وقيل للزوج وحده وانما جمع لأنه لكل زوج. وقول ابن عباس أقوى لأنه العموم.

وانما كان العفو أقرب للتقوى من وجهين : أحدهما لاتقاء ظلم كل واحد صاحبه ما يجب من حقه. الثاني انه أدعى إلى اتقاء معاصي الله للرغبة فيما رغب فيه بالعفو عما له. وتقدير « فنصف ما فرضتم » أي فعليكم نصف ما فرضتم.

(فصل)

(في طلاق التي دخل بها ولم تبلغ المحيض)

(ولا تكون في سنها من تحيض)

قال الله تعالى « واللائي لم يحضن » بعد قوله « واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن » (١) للصغار ، وتقديره واللائي لم يحضن لا عدة عليهن ، وحذف لدلالة الكلام عليه. وهذا التقدير أولى من أن يقال : تقديره واللائي لم يحضن فعدتهم ثلاثة أشهر ، لان قوله  « ان ارتبتم » في الأولى يخرج من الفائدة (٢).

فعلى هذا إذا أراد الرجل أن يطلق امرأة قد دخل بها ولم تكن قد بلغت

__________________

١) سورة الطلاق : ٤.

٢) لأنه يصير التقدير اللائي لم يئسن من المحيض فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر ، فلا يبقى فرق بين المسترابة وغيرها « ه ».

١٥١

مبلغ النساء ولا مثلها في السن قد بلغ ذلك ـ وحد ذلك دون تسع سنين ـ فليطلقها أي وقت شاء ، فإذا طلقها فقد بانت منه في الحال ولا عدة عليها. وحكم الآيسة من المحيض ومثلها لا تحيض حكم التي لم تبلغ مبلغ النساء في أنه متى طلقها لا عدة عليها وقد بانت منه في الحال ويطلقها أي وقت شاء. وحد ذلك للهاشمية ستون سنة وللأجنبية خمسون سنة فصاعدا.

وقال المرتضى : على الآيسة من المحيض والذي لم يبلغه العدة على كل حال من غير مراعاة الشرط الذي حكيناه عن أصحابنا. قال : والذي يدل على صحة هذا القول قوله « واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن » ، وهذا صريح في الآيسات من المحيض واللائي لم يبلغن عدتهن الأشهر على كل حال ، لان قوله « واللائي لم يحضن » معناه واللائي لم يحضن كذلك. قال : وإذا كانت هذه عدة المرتاب بها فغير المرتاب بها أولى بذلك.

ثم قال : فان قيل : كيف يدعون أن الظاهر يقتضي ايجاب العدة على من ذكرتم على كل حال ، وفي الآية شرط وهو قوله « ان ارتبتم ». الجواب : أول ما نقوله ان الشرط المذكور في الآية لا ينفع من خالف من أصابنا لأنه غير مطابق لما يشرطونه ، وانما يكون نافعا لهم الشرط لو قال تعالى ان مثلهن لا تحيض في الآيسات وفي اللائي لم يبلغن المحيض إذا كان مثلهن تحيض ، وإذا لم يقل تعالى ذلك وقال « ان ارتبتم » وهو غير الشرط الذي يشرطه أصحابنا ـ فلا منفعة لهم فيه.

وليس يخلو قوله تعالى « ان ارتبتم » من أن يريد به ما قاله جمهور المفسرين وأهل العلم بالتأويل من أنه تعالى أراد به ان كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء وغير عالمين بمبلغها ، فقد رووا ما يقوي ذلك من أن سبب نزول هذه الآية هو

١٥٢

ما ذكرناه من فقد العلم ، فروى مطرف عن عمرو بن سالم قال : قال أبي بن كعب : يا رسول الله ان عددا من عدد النساء لم يذكر في الكتاب الصغار والكبار وأولات الأحمال ، فأنزل الله تعالى « واللائي يئسن من المحيض » إلى قوله تعالى « وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن » (١).

وكان سبب نزول هذه الآية الارتياب الذي ذكرناه ، ولا يجوز أن يكون الارتياب بأنها آيسة أو غير آيسة. لأنه تعالى قد قطع في الآية على الناس من المحيض بقوله تعالى « واللائي يئسن » والمشكوك في حالها والمرتاب في أنها تحيض أو لا تحيض لا تكون آيسة ، والمرجع في وقوع الحيض منها أو ارتفاعه إليها وهي المصدقة على ما تخبر به ، فإذا أخبرت بأن حيضها قد ارتفع قطع عليه ولا معنى للارتياب مع ذلك.

وإذا كان المرجع في الحيض إلى النساء ومعرفة الرجال به مبنية على اخبار النساء وكانت الريبة المذكورة في الآية منصرفة إلى اليأس من المحيض ، فكان يجب أن يقول تعالى ان ارتبتم أو ارتبن ، لأنه حكم يرجع إلى النساء ويتعلق بهن فهن المخاطبات به ، فلما قال تعالى « ان ارتبتم » فخاطب الرجال دون النساء علم أن المراد هو الارتياب في العدة ومبلغها (٢).

ثم قال : فان قيل : ما أنكرتم أن يكون الارتياب ههنا ، انما هو بمن تحيض أولا تحيض ممن هو في سنها على ما يشرطه بعض أصحابكم. قلنا : هذا يبطل بأنه لا ريب في سن ومن تحيض مثلها من النساء أولا تحيض ، لان المرجع فيه إلى العادة.

ثم إذا كان الكلام مشروطا فالأولى أن يعلق الشرط بما لا خلاف فيه دون ما فيه

__________________

١) أسباب النزول ص ٢٩٠ بهذا المعنى.

٢) أي ارتبتم في كيفية عدتهن وانها بالشهور أو الحيض أو الأطهار « ه ».

١٥٣

الخلاف ، وقد علمنا أن من شرط وجوب الاعلام بالشئ والاطلاع عليه فقد العلم ووقوع الريب : فمن يعلم بذلك ويطلع عليه فلابد إذا من أن يكون ما علقنا نحن الشرط به وجعلنا الريبة واقعة فيه مرادا.

وإذا ثبت ذلك لم يجز أن يعلق الشرط بشئ آخر مما ذكروه أو بغيره ، لان الكلام مستقل بتعلق الشرط بما ذكرناه أنه لا خلاف فيه ولا حاجة به بعد الاستقلال إلى أمر آخر. ألا ترى أنه لو استقل بنسفه لما جاز اشتراطه ، وكذلك إذا استقل مشروطا بشئ لا خلاف فيه ، ولا يجب تجاوزه ولا تخطيه إلى غيره.

وقد سلم الشيخ أبو جعفر الطوسي « رض » أن الآية لا تدل على صحة هذا الباب بظاهرها (١) ، وانما تبين الأخبار الواردة عن آل محمد عليه وعليهم‌السلام ذلك ، منها ما روي عن عبد الرحمن بن الحجاج قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ثلاث يتزوجن على كل حال : التي لم تحض ومثلها لا تحيض ـ قال : قلت وما حدها؟ قال : إذا أتى لها أقل من تسع سنين ـ والتي لم يدخل بها ، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض. قال : قلت وما حدها؟ قال إذا كان لها خمسون سنة (٢).

وقد تقدم أن قوله « واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر » محمول على الآيسة من المحيض وفي سنها من تحيض وفي التي لم تحض وفي سنها من تحيض ، لان الله تعالى شرط فيه ذلك وقيده بالريبة.

ولما كان الخطاب بقوله « من نسائكم » مع الرجال قال أيضا « ان ارتبتم » ، لأن النساء يرجعن في تعرف أحوالهن إلى العلماء. وقد ذكرنا تقدير قوله  « واللائي لم يحضن » من قبل.

__________________

١) انظر التبيان ١٠ / ٣٤.

٢) تهذيب الأحكام ٨ / ٦٧.

١٥٤

وإذا كانت الآية مجملة فتفصيل ذلك يعلم من أهل التنزيل والتأويل ، وهم الأئمة المعصومون بعد رسول الله عليه وعليهم‌السلام ، وقال تعالى « خلق الانسان * علمه البيان » (١).

(فصل)

(في طلاق الآيسة من المحيض وفي سنها من تحيض)

بين الله كيفية العدد باختلاف أحوال النساء فقال « واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر ». يعني ان الآيسة من المحيض إذا كانت ترتاب بنفسها ولا تدري انقطع حيضها لكبر أو عارض ولا تدرون أنتم أيضا مقدار سنها فعدتها ثلاثة أشهر ، وهي التي قلنا إن مثلها تحيض ، لأنها لو كانت في سن من لا تحيض لم يكن معنى للارتياب في سنها. فإذا أراد زوجها طلاقها فليصبر عليها ثلاثة أشهر ثم يطلقها بعد ذلك أن شاء.

وحكم التي لم تبلغ المحيض وفي سنها من تحيض ـ وهي التي كان لها تسع وسنين فصاعدا ولم تكن حاضت ـ حكم الآيسة وفي سنها من تحيض في جميع ما ذكرناه.

وقال قتادة : « اللائي يئسن » الكبار « واللائي لم يحضن » الصغار.

وقد ذكرنا أن قوله « واللائي لم يحضن » تقديره واللائي لم يحضن ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر ، وحذف لدلالة الكلام الأول عليه.

وقال بعض المفسرين : ان الله سبحانه لما بين هذه المسائل الأربع على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورواها أهل بيته المعصومون عليهم‌السلام وكان قد أشار بهذه الآية إلى مسألة من هذا الفصل وهي الأولى والى مسألة من الفصل

__________________

١) سورة الرحمن : ٣ ـ ٤.

١٥٥

الأول وهي الثانية ، كان من أعجب الحكم الإلهية ومن لطيف الفصاحة وغريب البراعة. فعلى هذا لا يكون قوله « واللائي لم يحضن » مشروطا مقيدا بجميع ما قيدت الجملة الأولى به ، بل يقدر خبر المبتدأ فيه على ما وردت به الأحاديث الصحيحة.

(فصل)

(في طلاق المستقيمة الحيض)

قال الله تعالى « والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء » (١). أمر سبحانه بذلك انه إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته التي دخل بها وهو غير غائب عنها وهي ممن تحيض حيضا مستقيما فليطلقها وهي طاهر طهرا لم يقربها فيه بجماع وشهد على ذلك شاهدين تطليقة واحدة ، ولتعتد هي ثلاثة أقراء وهي الأطهار ، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد ملكت نفسها ولم يكن له عليها سبيل.

فالقرء الطهر عندنا ، وبه قال أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء والمفسرين.

وأصل القرء في اللغة يحتمل وجهين (٢) :

أحدهما : الاجتماع ، ومنه « قرأت القرآن » لاجتماع حروفه. فعلى هذا يقال أقرأت المرأة إذا حاضت في قول الأصمعي والكسائي. فتأويل ذلك اجتماع

__________________

١) سورة البقرة : ٢٢٨.

٢) قال الراغب الأصبهاني : القرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر ، ولما كان اسما جامعا للامرين الطهر والحيض المتعقب له اطلق على كل واحد منهما ، لان كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منهما إذا انفردت كالمائدة للخوان وللطعام ، ثم قد يسمى كل واحد منهما بانفراده به ، وليس القرء اسما للطهر مجردا ولا للحيض مجردا ، بدلالة أن الطاهر التي لم تر أثر الدم لا يقال لها ذات قرء ، وكذا الحائض التي استمر بها الدم والنفساء لا يقال لها ذلك ـ المفردات ص ٤١٣.

١٥٦

الدم في الرحم. ويجئ على هذا الأصل أن يكون القرء الطهر لاجتماع الدم في جملة البدن ـ هذا قول الزجاج.

والوجه الثاني : أن يكون أصل القرء وقت الفعل الذي يجري على عادة في قول أبى عمرو بن العلاء ، وقال هو يصلح للحيض والطهر ، يقال هذا قارئ الرياح أي وقت هبوبها. فعلى هذا يكون القرء الحيض لأنه وقت اجتماع الدم في الرحم على العادة المعروفة فيه ، ويكون الطهر لأنه وقت ارتفاعه على عادة جارية فيه.

واستشهد أهل العراق بأشياء على أن المراد الحيض ، منها قوله عليه‌السلام في مستحاضة سألته : دعي الصلاة أيام أقرائك. واستشهد أهل المدينة بقوله تعالى « فطلقوهن لعدتهن » أي طهر لم تجامع فيه ، كما يقال جئت لغرة الشهر.

وتأوله غيرهم لاستقبال عدتهن وهو الحيض ، وتدل الآية على ذلك ، لان معناه في طهر لم يجامعهن فيه ، وهو اختيار ابن جرير.

وقال أبو مسلم : لما أوجب الله على من أراد تطليق امرأته أن يطلقها طاهرة غير مجامعة وأوجب عليها التربص إلى أن ترى ثلاثة قروء : نظرنا فكان المراد ثلاثة أطهار ، لأنه لا خلاف أن السنة في الطلاق أن يكون عند الطهر.

فان قيل : الظرف اما مكان أو زمان ، والقرء ليس واحدا منهما.

قلنا : الظرف هنا زمان ، والتقدير مدة انقضاء ثلاثة قروء ، والقروء جمع القرء.

فان قيل : كيف أضاف الثلاثة إلى قروء وهي جمع الكثرة ، ولم يضفها إلى اقراء وهي جمع القلة.

فالجواب عنه : ان المعني في قوله تعالى « والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء » أي ليتربصن كل واحدة من المطلقات ثلاثة اقراء ، فلما أسند ثلاثة إلى جماعتهن والواجب على كل واحدة منهن ثلاثة اتى بلفظة « قروء » ليدل على الكثرة المرادة.

١٥٧

فان قيل : لو كان المراد بالأقراء في الآية الأطهار لوجب استيفاء ثلاثة الأطهار بكمالها ، كما أن من كانت عدتها بالأشهر وجب عليها ثلاثة أشهر على الكمال ، وقد أجمعنا على أنه لو طلقها في آخر الطهر الذي ما قربها فيه أنه لا يلزمها أكثر من طهرين آخرين ، وذلك دليل على فساد ما قلتموه.

قلنا : يسمى القرآن الكاملان وبعض الثالث ثلاثة أقراء ، كما يسمى الشهران وبعض الثالث ثلاثة أشهر في قوله تعالى « الحج أشهر معلومات » (١) ، وانما هو شوال وذو القعدة وبعض ذي الحجة.

وقال بعض الفقهاء : ان لفظ الخبر في قوله « يتربصن بأنفسهن » في تقدير الامر ، لان المعنى فرض عليهن أن يتربصن. والأولى أن يحمل على معنى الخبر لأنه مما لابد منه ، وما حل هذا المحل فالخبر به أولى من الامر ، لان المأمور قد يفعل وقد لا يفعل ، والمخبر عنه لابد من كونه ، وهذا التربص لابد منه.

وهذا لا يحتاج فيه إلى نية وعزم ، فالمطلقة ربما انقضت عدتها ولم تعتد ، وذلك أن تطلق ولا يبلغها الطلاق الا وقد مضت أيام الأقراء ، لان ابتداء عدتها وقت طلاقها من غير صنع منها. ولهذا قال قوم ابتداء عدتها وقت سماعها ، وهذا ليس بصحيح في الطلاق وانما هو العدة بعد الوفاة إذا سمعت بها ، لأنها وان لم تسمع فهي مطلقة وأوجب الله عليها العدة بسبب الطلاق.

وكل مطلقة يلزمها هذا التربص الا من لم يدخل بهاء ، ما عدا الآيسة من المحيض ولا يكون في سنها من تحيض ، وما عدا التي لم تبلغ المحيض ولا يكون في سنها من تحيض.

__________________

١) سورة البقرة : ١٩٧.

١٥٨

(فصل)

(في طلاق الحامل المستبين حملها)

قال الله تعالى « وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن » (١).

اعلم أن الرجل إذا أراد أن يطلق امرأته وهي حبلى مستبين حملها فليطلقها أي وقت شاء ، وعدتها أن تضع حملها وإن كان بعد الطلاق بلا فصل وحلت للأزواج ، سواء كان ما وضعته سقطا أو غير سقط تاما أو غير تام ، فقد بين الله تعالى بقوله « أن يضعن حملهن » ان عدة الحامل من الطلاق وضع الحمل الذي معها ، فان وضعت عقيب الطلاق فقد ملكت نفسها ويجوز لها أن تعقد لغيره على نفسها ، غير أنه لا يجوز له وطؤها ، لان نفاسها كالحيض سواء ، فإذا طهرت من نفاسها حل له ذلك.

وان كانت حاملا باثنين ووضعت واحدا لم تحل للأزواج حتى تضع جميع الحمل ، لقوله تعالى « أن يضعن حملهن ».

فأما انقطاع الرجعة فقد روى أصحابنا انها إذا وضعت واحدا انقطع عصمتها من الأول ولا يجوز لها العقد لغيره حتى تضع الاخر.

فأما المطلق فإنه إن كان طلقها أول مرة ووضعت واحدا وهي حامل بآخر فليس له أن يراجعها ، وانما كانت الرجعة له من غير رضاها قبل الوضع ، فأما ان أراد أن يعقدا بمهر جديد قبل وضع الثاني فإنه يجوز ذلك. وكذلك بعد التطليقتين إذا كانت المرأة حرة.

وقال ابن عباس هذه الآية في المطلقة خاصة لما قلناه.

__________________

١) سورة الطلاق : ٤.

١٥٩

(فصل)

(في طلاق المستحاضة وطلاق الغائب عن زوجته)

(وطلاق الغلام والعبد)

قال الله تعالى « يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة » (١) هذه الآية بعمومها يتناولها كما يتناول غيرها مما نذكره.

وأما المستحاضة إذا كانت مطلقة وتعرف أيام حيضها فلتعتد بالأقراء ، فإن لم تعرف أيام حيضها اعتبرت صفة الدم واعتدت أيضا بالأقراء ، فان اشتبه عليها دم الحيض بدم الاستحاضة ولم يكن لها سبيل إلى الفرق بينهما اعتبرت عادة نسائها في الحيض ، فتعتد على عادتهن في الأقراء ، فإن لم يكن لها نساء أو كن مختلفات العادة اعتدت بثلاثة أهش وقد بانت منه.

وأما طلاق الغائب عن زوجته فان خرج إلى السفر وهي في طهر لم يقربها فيه بجماع طلقها أي وقت شاء ، ومتى كانت طاهرا طهرا قد قربها فيه فلا يطلقها حتى يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ثم يطلقها ويكون عدتها ثلاثة أشهر.

والغلام إذا طلق وكان ممن يحسن الطلاق وقد أتى عليه عشر سنين فصاعدا جاز طلاقه ، فإن لم يحسن الطلاق فإنه لا يجوز طلاقه. ولا يجوز لوليه أن يطلق عنه ، الا أن يكون قد بلغ وكان فاسد العقل ، فإنه والحال على ما ذكرناه جاز طلاق الولي عنه.

والعبد إذا تزوج فلا يخلوا ما أن يكون مولاه زوجه جاريته فالفراق بينهما بيده وليس للزوج طلاق على حال. ومتى عقد الرجل لعبده على أمة غيره بأذنه

__________________

١) سورة الطلاق : ١.

١٦٠