الدليل الثاني ناظر إلى الوجوب المذكور في الدليل الأوّل ، فيقول إنّ هذا الوجوب المفروض أصل وجوده في الجملة هو ثابت في جميع الأزمنة.
والحاصل : أنّ لنا جهتين طوليتين ، الأُولى : إثبات أصل وجود الشيء في الجملة. والثانية : أنّ وجوده متحقّق وثابت في جميع الآنات. والجهة الثانية وحدها لا تكون مزيلة لما نحن فيه من الشكّ لتوقّفها على الجهة الأُولى ، لكن لمّا كان قولنا : القيام موجود في جميع الآنات ، متكفّلاً لكلتا الجهتين ، كان بنفسه نافعاً في إزالة الشكّ المذكور ، بخلاف الدليل الثاني فيما نحن فيه فإنّه لم يتعرّض إلاّ للجهة الثانية ، وقد أخذت فيه الجهة الأُولى مفروضة الوجود ، لكونه ناظراً إلى الحكم الذي تضمّنه الدليل الأوّل وهو أصل وجود الوجوب ، فيقول إنّ ذلك الوجوب المفروض الوجود في الجملة هو متحقّق وثابت في جميع الآنات ، فلأجل ذلك لم يمكن الاعتماد عليه وحده في إزالة ما نحن فيه من الشكّ ، بل لابدّ من الاعتماد أوّلاً على الدليل في إثبات الجهة الأُولى ، ثمّ بعد ذلك نركن إلى الدليل الثاني في إثبات الجهة الثانية.
ولا يخفى أنّه لو كان لنا دليل واحد يتكفّل الجهتين معاً ، بحيث كان لنا دليل يدلّ على العموم الأفرادي وعلى العموم الأزماني الذي مصبّه الحكم بناءً على ما حرّرناه سابقاً من كون ذلك ممكناً ، فإنّه يجري فيه عين ما ذكرناه في الدليلين فيؤخذ العموم الأفرادي مكان الدليل الأوّل والعموم الأزماني مكان الدليل الثاني ، ثمّ تجري عين العملية التي أجريناها في الدليلين.
وتوضيح ذلك : أنّه لو قال : يجب في كلّ آن إكرام العلماء بحيث فهمنا منه أنّ قوله : في كلّ آن ، متعلّق بقوله : يجب ، كان حاله حال قوله : القيام موجود في كلّ آن ، في أنّه متعرّض لإثبات أصل وجوب الإكرام وكونه دائمياً ، فبالجهة الأُولى