الأزماني يثبت أنّ وجوب الوفاء به في كلّ آن ، وأنّه لم يخرج هذا العقد عن هذا العموم الأزماني إلاّفي الآن الأوّل ، فلا يكون المتطرّق إليه التخصيص بدليل الغبن إلاّ ذلك العموم الأزماني ، ولا يكون تخصيصه به إلاّبالمقدار المتيقّن من دليل الغبن ، وهو الآن الأوّل دون باقي الآنات ، فإنّها تكون باقية تحت أصالة ذلك العموم الأزماني.
وقد يقال : لا حاجة إلى تجشّم الرجوع أوّلاً إلى الدليل الأوّل ، ثمّ بعد الرجوع إليه وثبوت أصل الوجوب به يرجع إلى الدليل الثاني المتكفّل لكون الوجوب موجوداً في جميع الآنات ، بل يكفي الرجوع من أوّل الأمر إلى الدليل الثاني ، وهو وحده كافٍ في إزالة الشكّ بحذافيره.
وبيان ذلك هو أن يقال : إنّه وإن كان من المسلَّم أنّ القضية لا تتكفّل بإحراز وجود موضوع نفسها ، إلاّ أنّ ذلك إنّما هو فيما كان المحمول في القضية أمراً زائداً على أصل وجود موضوعها ، كما في قولك : العالم عادل ، فإنّ هذه القضية لا تحرز وجود موضوع نفسها الذي هو العالم ، بل لابدّ في إحراز وجود موضوعها من دليل آخر غير نفس هذه القضية ، وإلاّ فإنّ نفس هذه القضية لا تدلّ على وجود العالم الذي هو موضوعها.
أمّا إذا كان المحمول في القضية هو نفس الوجود ، بأن يكون صورة القضية هو قولك : العالم موجود ، فلا ريب في أنّ نفس هذه القضية محرزة لوجود الموضوع الذي هو العالم ، بل إنّ مدلولها المطابقي هو عين وجود موضوعها ، وحينئذ نقول : إنّ الدليل الثاني وهو قوله : وجوب إكرام العالم دائمي أو إنّه موجود في جميع الآنات ، لا يكون المحمول فيه إلاّعبارة عن وجود الموضوع فيه ـ الذي هو الوجوب ـ في جميع الأزمنة ، فتكون محرزة لموضوع نفسها في زمان الشكّ ،