أن يكون إرشادا إلى دفع احتمال الخوف مثل الصلاة في مواطن الخوف ومواقع السيل مضافا إلى ما فيها من تشويش البال عند الالتفات إلى ذلك الاحتمال ، وإمّا إلى ما يكون أفضل منه وأكثر ثوابا مثل تغسيل الميت بماء أسخن بالنار ، وإمّا أن يكون إرشادا إلى مستحبّ آخر اتّفق مزاحمته له وكان ذلك أفضل وأكثر ثوابا ، مثل إرضاء الضيف لصاحب المنزل في ترك صومه بدون رضاه ، فالصوم وإن كان راجحا في حدّ نفسه وكان عبادة مأمورا بها استحبابا ويترتّب الثواب عليها ، لكن لما اتّفق مزاحمتها بما هو أرجح منها وهو إرضاء صاحب المنزل تعلّق النهي الارشادي بها ارشادا إلى ما هو الأكثر ثوابا وأولى بالرعاية.
وهذا المعنى جار حتّى في الواجبات كما لو زوحمت الصلاة الواجبة بانقاذ الغريق ، بل لو زوحم إنقاذ غريق بما هو أهمّ منه مثل غريق آخر أو إطفاء حريق يكون مؤدّيا إلى تلف كثير من النفوس.
ووجه اجتماع تشريع هذين الأمرين هو عدم التدافع الدائمي بين متعلّقيهما ، فيكون التزاحم بينهما مأموريا لا آمريا ، وهذا بخلاف النافلة المبتدأة في الأوقات المكروهة فإنّه وإن زوحم بما هو أهمّ إلاّ أنّ ذلك التزاحم دائمي فيكون آمريا ، ولأجل ذلك وقع الإشكال فيه دون ما نحن فيه ممّا يتّفق له المزاحمة بارضاء صاحب المنزل أو الزوج أو الوالد ممّا قد عدّ الصوم في مورده مكروها ، فإنّه يحمل النهي فيه على الارشاد إلى ما هو الأقوى ملاكا عند اتّفاق المزاحمة ، كما يدلّ عليه قوله عليهالسلام في رواية علي بن حديد : « افطر فإنّه أفضل » (١) وقوله صلىاللهعليهوآله في خبر داود : « لافطارك في منزل أخيك أفضل من الصيام سبعين
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٠ : ١٥٤ / أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٧.