غايته أن بعض تلك المقدمات لا يعتبر فيها الاتيان بها بداعي ذلك الأمر وبعضها يعتبر فيها العبادية ، فلا بدّ من الاتيان بها بداعي ذلك الأمر المتعلق بذيها وإن لم يكن هو متعلقا بها ، فان الأمر يحرّك المكلف إلى كل ما يتوقف عليه متعلقه. أو يؤتى بها بداعي الجهة الاستحبابية ، فتأمل.
وقد يقال : إن هذا التوجيه لعبادية الطهارات لا يلتئم مع ما عليه عمل الناس ، فانهم لا يشعرون بذلك الأمر الشرعي الشرطي كي يأتوا بها بداعي امتثاله ، وإنما يتحركون عن الأمر الغيري.
وفيه : ما لا يخفى ، فان حاصل ذلك التوجيه هو أن المصحح لعبادية الوضوء مثلا هو الاتيان به بداعي الأمر المتعلق بما هو مشروط به ، وهو عين ما يقع من عامة الناس ، فانهم لا يقصدون بالوضوء إلاّ التوصل به إلى ما هو مشروط به ، وهو عين الاتيان به بداعي ذلك الأمر الشرطي ، لا أنهم يأتون به بداعي الأمر الغيري المتولد من الأمر النفسي ، لأنهم غافلون عن ذلك الأمر الغيري ، ولا يلتفتون إلاّ إلى الأمر النفسي المتعلق بما هو مشروط بالوضوء وإلى الأمر النفسي الشرطي المتعلق بذلك الشرط ، فتأمل.
نعم ، إن هذا التوجيه إنما يتم فيما يكون من الطهارات مقدمة لعبادة مثل الوضوء للصلاة ، دون ما يكون لمجرد الكون على الطهارة أو الجهات الأخر مثل مس المصحف ومثل وضوء الحائض والوضوء للنوم والوضوء الرافع لكراهة الجنابة على الجنابة ، وهكذا الحال في الأغسال المستحبة ، فلا بدّ في جميع ذلك من الالتزام بأن المصحح للعبادية هو الأمر الاستحبابي النفسي ، سواء كان رافعا للحدث كما في مثل الوضوء لمسّ المصحف ، أو لم يكن رافعا له كما في وضوء الحائض ووضوء الجنب ، بل الوضوء