نستكشف الحكم الشرعي كما هو الشأن في قاعدة الملازمة.
ومن ذلك يظهر لك أن ما أفاده في صدر المبحث من قوله : إن كان بمعنى قصد الامتثال والاتيان بالواجب بداعي أمره ، كان مما يعتبر في الطاعة عقلا (١) يتوجه عليه أن هذا الحكم العقلي إن كان عبارة عن حسن ذلك ، لكون المصلحة قائمة به ، وعن ذلك الحكم العقلي نستكشف الحكم الشرعي لقاعدة الملازمة فنعم الوفاق ، وإن كان عبارة عن كون العقل حاكما وملزما بوجوب الاتيان بالداعي المذكور على نحو الحكم الشرعي ، فذلك ممنوع أشد المنع كما أوضحه شيخنا قدسسره (٢).
على أنا لو سلّمنا أن للعقل هذه الحكومة فهو قدسسره إنما يقول بها فيما لو كانت في الشيء مصلحة أدركها العقل ولم يمكن للشارع أن يأمر به لجهة من الجهات المانعة من تصدي الشارع للالزام بذلك كما فيما نحن فيه إذا فرضنا عدم إمكان أخذه شرعا في متعلق الأمر الأوّل وعدم إمكان الأمر به مستقلا ، أما مع فرض إمكان الامر به ثانيا أمرا مستقلا شرعيا فالظاهر أنه لا وجه في ذلك للقول بأن العقل حاكم به فلا حاجة إلى الأمر الثاني الشرعي ، وهل ذلك إلاّ عبارة أخرى عن القول بانعزال الشارع والاكتفاء بما يحكم به العقل وسدّ باب الملازمة بل سدّ باب التشريع إلاّ فيما لا يدرك العقل حسنه.
وبالجملة : فالذي تلخص هو أن ما أفاده في الكفاية لا يتوجه على ما أفاده الشيخ قدسسره من تعدد الأمر ، ولكن هل يكون هذا التعدد ممكنا أو لا؟
قد يقال : إنه غير ممكن. أما الأمر الأوّل ، فلأن متعلقه هو ذات
__________________
(١) كفاية الاصول : ٧٢.
(٢) أجود التقريرات ١ : ١٧٣.