نعم ، هناك أمر آخر وهو أنّ الوجوب من سنخ الأحكام الوضعية وهكذا الحال في الحرمة ، فهل هو المجعول ابتداء وأنّ البعث والزجر يكون تابعا له نظير الجزئية بناء على أنّها هي المجعولة ابتداء ، ويتبعها الأمر بالجزء في ضمن الأمر بالمركب ، أو أنّ الأمر بالعكس بأن يكون المجعول أوّلا هو البعث المستفاد من صيغة افعل والزجر المستفاد من صيغة لا تفعل ، ويتبعهما الحكم الوضعي الذي هو الوجوب والحرمة ، كما أنّ المجعول ابتداء هو الأمر بالجزء في ضمن الأمر بالمركب وعنه تنتزع الجزئية.
وإن شئت فقل : إنّ دعوى تحقق الارادة من الآمر فيما لو أمر عبده بالفعل ، إن كان المراد بها هو الارادة التكوينية ، فقد عرفت أنه لا معنى لتعلق ارادة الشخص تكوينا بفعل غيره اختياريا إلاّ على نحو الاجبار وسلب الاختيار ، وإن كان المراد هو الارادة الشرعية ، فإن كان المراد بها الطلب والوجوب فقد عرفت أنها تنجعل بالجعل وأنّها ليست من صفات النفس ولا من أفعالها ، ففي الحقيقة لا يكون في البين إلاّ العلم بالمصلحة وجعل الوجوب أو الطلب أو الارادة التشريعية على طبقها ، وما لم يكن في البين جعل لا يكون هناك وجوب ولا طلب ولا إرادة تشريعية بالمعنى المذكور ، وذلك نظير ما إذا لم يوقع ولم ينشئ البيع أو الهبة مثلا ، لا يكون في البين بيع ولا هبة ولو أرادهما المالك بألف إرادة واشتاق إليهما بأقصى مراتب الاشتياق ، ولو اريد بالارادة الشرعية معنى غير الارادة التكوينية وغير الوجوب والطلب ، فذلك لا واقعية له ولا بد من تصوره أوّلا ثم الكلام على وجوده وعدمه.
نعم ، هنا مطلب آخر وهو : أنّ المجعول أوّلا هل هو الوجوب ، ويتبعه الأمر بالصيغة الذي هو عبارة عن البعث ـ إمّا من باب أن الشيء إذا