ذلك ننقل الكلام إلى نفس أهل لغته ونقول : إنّهم بعد أن اطلعوا على تلك الحقائق اضطروا إلى بيانها بالألفاظ ، فهم إمّا أن يخترعوا لها ألفاظا خاصة بها ، أو ينقلوا لها لفظا ممّا في لغتهم كما في الصلاة من الدعاء ، أو أنّهم لا يخترعون ولا ينقلون بل يتابعون ، أعني أنّهم يجرون في تسميتها على ما كانت تسمى به ، فيدخلونه في لغتهم ، فإن كان من قبلهم عربا مثلهم فهو وإلاّ كان ذلك اللفظ الذي يجرون عليه كسائر الألفاظ التي جروا عليها وأدخلوها في لغتهم من اللغات الاجنبية كما يدعى في القسطاس ونحوه ، ثم بعد أن جاء صاحب شريعتنا ( صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين ) جرى في تلك الماهيات على ما وجده من ألفاظها في لغته ، وهذا وإن لم يكن من الحقيقة الشرعيّة اصطلاحا ، بمعنى أنّ جاعل الوضع هو صاحب شريعتنا ، الاّ أنّها لا تخرج عن كونها حقيقة شرعية ولو بالنسبة إلى الشريعة السابقة ، ولو فرضنا أنّها لغوية كما لو كان الذين سمّوها هم أهل اللغة العربية فيما قبل زمانه ، إلاّ أنّه مع ذلك يترتب عليها الثمرة المترتبة على الحقيقة الشرعية الخاصة ، وهو لزوم حملها على هذه الماهيات عند ورودها في لسانه صلىاللهعليهوآله مجردة عن القرينة.
ولا يخفى أنّ ذلك كلّه لا يخرج عن الاحتمال ، إلاّ أنّه نافع في قبال الاستدلال على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية بمجرد وجود هذه الماهيات قبل زمان الشارع.
والانصاف أنّه ليس لنا دليل على الثبوت ، وإن كان الاعتبار يساعد عليه ، إلاّ أنّ مجرد مساعدة الاعتبار لا تكون دليلا على الثبوت. مع أنّ هذا الاعتبار فيما لو كان الشارع هو المخترع لهذه الماهيات ، حيث إنّ اختراعه لها يناسب اختراع اسم لها ، أمّا إذا كان المخترع لها من سبقه فلا يتأتى فيه