هذا البحث لبيان لزوم إخلاص العبد قصده لله في جميع ما يعمله له ، وعدم شوب أيّ غرضٍ فيه ، وأن لا يعبد غيره تعالى من الوثن والشيطان والنفس ، ولا يشرك غيره فيما هو عبادة له.
فالإخلاص يكون ـ تارةً ـ واجباً عقلاً وشرعاً ، ويكون تركه شركاً وكفراً كعبادة غير الله تعالى فقط أو إشراكه في عبادته ، و ـ أخرىٰ ـ واجباً وتركه فسقاً مبطلاً للعمل كالرئاء ونحوه. و ـ ثالثةً ـ مندوباً مطلوباً وتركه مسقطاً للعمل عن درجة الكمال ، كشوب الضمائم المباحة التّبعيّة لنيّة العبادة ، ويقرب منه العبادة لله طمعاً في جنّته أو خوفاً من ناره كما مرّ.
والنصوص الدالّة على لزوم إخلاص الأعمال وتزكيتها وتمحيصها والسعي في كونها خالصةً لله تعالىٰ بحيث لا يشوبها أيّ غرضٍ غيره كثيرة جدّاً بألسنة مختلفة ، بعضها وارد في تفسير الآيات الشريفة ، وبعضها مستقلّ.
فقد ورد أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « أيها النّاس ، إنّما هو الله والشيطان ، والحّق والباطل ، والهدىٰ والضلال ، والرشد والغيّ ، والعاجلة والعاقبة ، والحسنات والسّيئات ، فما كان من حسناتٍ فللّه ، وما كان من سيّئاتٍ فللشيطان » (١). والضمير في « هو الله » راجع إلى مقصد كلّ عامل ونيّته ، والمعنى : أنّ الغرض الباعث إلى العمل في الناس لا يخلوا من أحد أمرين : إمّا هو الله تعالى فهو إذاً حقّ وهداية ورشد وعاقبة وحسنة ، أو هو الشيطان فهو باطل وضلالة وغيّ وعاجلة وسيّئة. وقوله : « فما كان من حسناتٍ » تفريع لما قبله ، والمعنى : أنّ كلّ حسنةٍ نراها فهي من الأوّل ، وكلّ سيّئةٍ فهي من الثاني.
وورد أنّه : طوبىٰ لمن أخلص لله العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما ترىٰ
____________________________
١) المحاسن : ص ٣٩١ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ١٦ ـ الوافي : ج ٤ ، ص ٣٧٣ ـ وسائل الشيعة : ج ١ ، ص ٤٩ ـ بحار الأنوار : ج ٧٠ ، ص ٢٢٨.