فقد ورد في النصوص : أنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلام سئل عن الكلام والسكوت أيّهما أفضل ؟ فقال : لكلّ واحد منهما آفات ، فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت ، قيل : كيف ذلك ؟ قال : لأنّ الله ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت ، إنّما بعثهم بالكلام ، ولا استحقّت الجنة بالسكوت ، ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت ولا توقّيت النار بالسكوت ، إنّما ذلك كلّه بالكلام ما كنت لأعدل القمر بالشمس ، إنّك تصف فضل السكوت بالكلام ، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت (١).
وأنّه ليس على الجوارح عبادة أخفّ مؤونة وأفضل منزلة وأعظم قدراً عند الله من الكلام في رضا الله ، ألا ترى أنّ الله لم يجعل فيما بينه وبين رسله معنى يكشف ما أسرّ إليهم من مكنونات علمه غير الكلام ؟ وكذلك بين الرسل والأمم فهو أفضل الوسائل والعبادة. وكذلك لا معصية أسرع عقوبة وأشدّ ملامة منه (٢).
والسكوت خير من إملاء الشرّ ، وإملاء الخير خير من السكوت (٣).
ولكن قد ورد : أنّ الكلام لو كان من فضّة كان ينبغي للصّمت أن يكون من ذهب ، (٤) وظاهره أنّ الصمت في موضع رجحانه أفضل من الكلام في مورد رجحانه ، فهذا : إمّا بنحو الموجبة الجزئيّة ، أو أنّ الجملة مسوقة لبيان حال أكثر الناس ، حيث إنّهم جاهلون بسطاء ، وكلامهم لو كان خيراً فهو خير قليل ، فسكوتهم أفضل منه.
وأنّه : جمع الخير كلّه في ثلاث خصال : النّظر والسّكوت والكلام ، فكلّ نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو ، وكلّ سكوت ليس فيه فكر فهو غفلة ، وكلّ كلام ليس
____________________________
١) الحقائق : ص ٧١ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٢٧٤.
٢) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٢٨٥.
٣) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٢٩٤.
٤) المحجة البيضاء : ج ٥ ، ص ١٩٥ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٢٧٨.