باطنه وسكون قلبه إلى ربّه عند الاشتغال بكلّ سبب ، وسهولة إقدامه على ما أمر الله به من بذل المال والنفس ، فيجود بالإعطاء ويطمئنّ بالخلف ، ويخوض الغمرات ولا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه.
ثّم إنّ الظاهر أنّ مورد التوكّل والتفويض عند الإقدام إلى الأمور التي على العبد وينبغي صدوره منه : كتحصيل العلم والحرث والزرع والزواج للولد وعلاج المرض ونحوها ، ومورد الرضا والتسليم الآتيين حال حدوث الأمور الراجعة إلى فعل الله تعالى : كالحوادث الكونيّة والأمراض وغيرها. فإذا أقدم المؤمن على أمرٍ هامٍّ فعليه أن يتوكّل ويفوّض ، وإذا قضى النظام الأتمّ على خلاف مناه فعليه أن يرضى ويسلّم هذا ، ولكنّه قد يستعمل كلّ من العناوين في موضع الآخر.
وقد ورد في الكتاب الكريم : أنّ ( عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (١) ( وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) (٢) وأنّه ( إِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) (٣). وأنّه ( وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا ) (٤) و ( وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ) (٥) وأنّ المؤمن يقول : ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) (٦). وأنّ الله قال لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ) (٧). وأنّ النّبيّ موسى عليهالسلام قال : ( يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا ... فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ) (٨).
____________________________
١) آل عمران : ١٢٢.
٢) يوسف : ٦٧.
٣) آل عمران : ١٥٩.
٤) النساء : ٤٥.
٥) النساء : ٨١.
٦) الاعراف : ١٩٦.
٧) الأنفال : ٦٢.
٨) يونس : ٨٤ و ٨٥.