لا يقال : ما ذكرته من المفسدة الغالبة محتمل في غير ما ورد النّهي عنه بالخصوص من الظّنون فلا يستقلّ العقل بحجيّته ، فيعود الإشكال من كون خروج بعض الظّنون موجبا لتوقّف العقل عن الحكم بوجوب الأخذ بجميعها فيكون في هذا كرّ على ما فرّ.
لأنّا نقول : مجرّد احتمال وجود المزاحمات لا يوجب وقوف العقل عن حكمه الإنشائي وإنّما الموجب له علمه بها لا مجرّد احتمالها ؛ لأنّ الأمر مع هذا الاحتمال أيضا دائر بين الإطاعة الظّنيّة والشّكيّة والوهميّة بحسب اختلاف مراتب الاحتمال قوّة وضعفا.
نعم ، لو فرض كون وجود المفسدة الغالبة مظنونا دخل في مسألة الظّن المانع والممنوع ، وستقف على حكمها فيما سيأتي ، وهذا أمر واضح لا إشكال فيه أصلا ، قد نبّهنا عليه غير مرّة.
وممّا ذكرنا تعرف استقامة ما أفاده قدسسره في الجواب عن السّؤال بتطرّق احتمال المفسدة في كلّ ظنّ ، فلا يستقلّ العقل في الحكم بحجيّته فيعود المحذور بقوله : « نعم ، ولكن احتمال المفسدة لا يقدح في حكم العقل ... إلى آخره » (١).
(٤٢) قوله قدسسره : ( إلاّ أن يقال : إنّ النّواهي اللّفظيّة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٢٩ )
أقول : لا يخفى عليك : أنّ الاستدراك المذكور مبنيّ على الإغماض عن الوجه السّابع ، وانحصار المصحح للنّهي في زمان الانسداد في ملاحظة المفسدة والمصلحة وإن كانت الطّريقيّة ملحوظة أيضا ؛ ضرورة عدم استقامته مع صحّة
__________________
(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٥٢٨.