الباردة.
ومن تتبع كتاب البخاري علم أن عادته في الروايات المشتملة على ما ينافي آراءهم الفاسدة إسقاطه من الرواية أو التعبير بلفظ الكناية تلبيسا على الجاهلين ، بل يترك الروايات المنافية لعقائدهم رأسا ، وقد قال ابن خلكان (١) في ترجمة البخاري أنه قال : صنفت كتابي الصحيح من ستمائة ألف حديث ، ونحوه قال في جامع الأصول (٢) ، وروى (٣) عن مسلم أنه أخرج صحيحه من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة ، وعن أبي داود (٤) أنه انتخب ما أورده في كتابه من خمسمائة ألف حديث.
ومن سنة القوم تسمية ما يخالف عقائدهم بغير الصحيح ، ولما كان اهتمام البخاري في هذا المعنى أكثر من سائر من زعموا أن أخبارهم من صحاح الأخبار ، فلذلك رفض المخالفون أكثر كتبهم في الأخبار ، وعظموا كتاب البخاري ـ مع رداءته في ترتيب الأبواب وركاكته في عنوانها ـ غاية التعظيم ، وقدموه على باقي الكتب ، ومع ذلك بحمد الله لا يشتبه على من أمعن النظر فيه وفي غيره من كتبهم أنها مملوة من الفضائح ، ومشحونة بالاعتراف بالقبائح.
وأما ما ذكره في تفسير الفلتة بآخر الأشهر الحرم وتوجيهه في ذلك ، فقد عرفت ما فيه ، وما ذكره من تفسيره (٥) بالخلسة فهو تفسير صحيح ، إلا أن الحق أنها خلسة وسرقة عن ذي الحق لا عن النفوس التي مالت إلى تولي الإمامة ، فإنهم كانوا ـ أيضا ـ من السارقين ، والأخذ من السارق لا يسمى اختلاسا ، وهو واضح.
__________________
(١) وفيات الأعيان ٤ ـ ١٩٠.
(٢) في مقدمة جامع الأصول ١ ـ ١٨٦.
(٣) ابن الأثير في جامع الأصول ١ ـ ١٨٨ ، وفي مقدمة صحيح مسلم ١ ـ ٢.
(٤) وروى عنه في جامع الأصول ١ ـ ١٩٠ ، وجاء في سنن أبي داود.
(٥) في ( ك ) : تفسيرها.