وأمّا إطلاقه على الماهيات الممكنة فإنما هو من جهة كونها منتسبة إلى الموجود الحقيقي الذي هو الوجود لا من أجل أنها نفس مبدأ الاشتقاق ولا من جهة قيام الوجود بها حيث إن للمشتق إطلاقات فقد يحمل على الذات من جهة قيام المبدأ به كما في زيد عالم أو ضارب لأنّه بمعنى مَن قام به العلم أو الضرب ، وأُخرى يحمل عليه لأنّه نفس مبدأ الاشتقاق كما عرفته في الوجود والموجود ، وثالثة من جهة إضافته إلى المبدأ نحو إضافة وهذا كما في اللاّبن والتامر لضرورة عدم قيام اللبن والتمر ببائعهما إلاّ أنّ البائع لما كان مسنداً ومضافاً إليهما نحو إضافة وهو كونه بائعاً لهما ، صح إطلاق اللاّبن والتامر على بائع التمر واللّبن ، وإطلاق الموجود على الماهيات الممكنة من هذا القبيل ، لأنه بمعنى أنها منتسبة ومضافة إلى الله سبحانه بإضافة يعبّر عنها بالإضافة الإشراقية فالموجود بالوجود الانتسابي متعدِّد والموجود الاستقلالي الذي هو الوجود واحد.
وهذا القول منسوب إلى أذواق المتألهين ، فكأن القائل به بلغ أعلى مراتب التأله حيث حصر الوجود بالواجب سبحانه ، ويسمّى هذا توحيداً خاصياً. ولقد اختار ذلك بعض الأكابر ممن عاصرناهم وأصرّ عليه غاية الإصرار مستشهداً بجملة وافرة من الآيات والأخبار حيث إنّه تعالى قد أُطلق عليه الموجود في بعض الأدعية (١) وهذا المدعى وإن كان أمراً باطلاً في نفسه لابتنائه على أصالة الماهيّة على ما تحقّق في محلّه وهي فاسدة لأنّ الأصيل هو الوجود إلاّ انه غير مستتبع لشيء من الكفر والنجاسة والفسق.
بقي هناك احتمال آخر وهو ما إذا أراد القائل بوحدة الوجود وحدة الوجود والموجود في عين كثرتهما فيلتزم بوحدة الوجود والموجود وأنه الواجب سبحانه إلاّ أن الكثرات ظهورات نوره وشؤونات ذاته ، وكل منها نعت من نعوته ولمعة من لمعات صفاته ويسمّى ذلك عند الاصطلاح بتوحيد أخصّ الخواص ، وهذا هو الذي حقّقه صدر المتألهين ونسبه إلى الأولياء والعرفاء من عظماء أهل الكشف واليقين قائلاً : بأن
__________________
(١) وقفنا عليه في دعائي المجير والحزين المنقولين في مفاتيح المحدث القمي ص ٨١ وهامش ١٤٨.