من المشركين لقوله تعالى حكاية عن اليهود والنصارى ( وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ) ( ... سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ) (١) فتدل الآية المباركة على نجاسة أهل الكتاب كالمشركين.
وقد أُجيب عن ذلك بأُمور ونوقش فيها بوجوه لا يهمنا التعرض لها ولا لما أورد عليها من المناقشات ، بل الصحيح في الجواب عن ذلك أن يقال : إن النجس عند المتشرعة وإن كان بالمعنى المصطلح عليه إلاّ أنه لم يثبت كونه بهذا المعنى في الآية المباركة ، لجواز أن لا تثبت النجاسة بهذا المعنى الاصطلاحي على شيء من الأعيان النجسة في زمان نزول الآية أصلاً ، وذلك للتدرّج في بيان الأحكام ، بل الظاهر أنه في الآية المباركة بالمعنى اللغوي وهو القذارة وأي قذارة أعظم وأشد من قذارة الشرك. وهذا المعنى هو المناسب للمنع عن قربهم من المسجد الحرام ، حيث إن النجس بالمعنى المصطلح عليه لا مانع من دخوله المسجد الحرام فيما إذا لم يستلزم هتكه فلا حرمة في دخول الكفار والمشركين المسجد من جهة نجاستهم بهذا المعنى ، وهذا بخلاف النجس بمعنى القذر لأن القذارة الكفرية مبغوضة عند الله سبحانه والكافر عدو الله وهو يعبد غيره فكيف يرضى صاحب البيت بدخول عدوّه بيته ، بل وكيف يناسب دخول الكافر بيتاً يعبد فيه صاحبه وهو يعبد غيره ، هذا كلّه أوّلاً.
وثانياً : أن الشرك له مراتب متعددة لا يخلو منها غير المعصومين وقليل من المؤمنين ومعه كيف يمكن الحكم بنجاسة المشرك بما له من المراتب المتعددة؟ فإن لازمه الحكم بنجاسة المسلم المرائي في عمله ، حيث إنّ الرياء في العمل من الشرك وهذا كما ترى لا يمكن الالتزام به فلا مناص من أن يراد بالمشرك مرتبة خاصة منه وهي ما يقابل أهل الكتاب.
وثالثاً : أنّ ظاهر الآيات الواردة في بيان أحكام الكفر والشرك ومنها هذه الآية أنّ لكل من المشرك وأهل الكتاب أحكاماً تخصّه ، مثلاً لا يجوز للمشرك السكنى في بلاد المسلمين ويجب عليه الخروج منها ، وأما أهل الكتاب فلا بأس أن يسكنوا في
__________________
(١) التوبة ٩ : ٣٠ ٣١.