وتقريب الاستدلال بهذه الآية الشريفة على عدم عصمة الأنبياء عليهمالسلام فيما ذهب إليه الحشوية من العامة ومن وافقهم بأن الضمائر الثلاثة في قوله تعالى ( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) ترجع إلى الرسل ، بمعنى أن رسل الله عزّوجلّ كانوا ينذرون قومهم ويعدون المؤمنين بالنصر الإلهي ، والكفّار والمعاندين بالهلاك المحتّم ، وكان قومهم يخالفونهم أشدّ المخالفة ، فلما تأخّر نصر المؤمنين وهلاك الكافرين والمعاندين ظنّ الرسل أنّهم قد كُذِبوا بما وُعِدوا به !!!
وأيّدوا هذا المذهب الفاسد بما كذبوا به على ابن عباس رضياللهعنهم من أن الرسل لما ضعفوا وغلبوا ظنوا ذلك وأنّهم كانوا بشراً ثمّ تلا قوله تعالى : ( وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ) (١).
وقد حمل الزمخشري ( الظن ) في الآية على تقديره صحة ما روي عن ابن عباس على ما يخطر بالبال ويهجس في القلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه جملة البشر (٢).
وكل ما ذكروه باطل لا يناسب مقام الأنبياء عليهمالسلام بلحاظ كونهم الصفوة المختارة من لدن حكيم خبير ، ولو رجع أولئك المخطئة إلى ما ورد عن أهل بيت نبيهم صلّى الله عليه وعليهم لأدركوا ان الأمر ليس كذلك وأن ما بين المراد بالآية وما زعموا بعد المشرقين.
فقد قرأ أهل البيت عليهمالسلام الآية بتخفيف كلمة ( كذبوا ) ومعناه كما يقول العلّامة الطبرسي : « وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به من نصرة الله إياهم » (٣).
___________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢١٤.
(٢) الكشاف ٢ : ٤٨٠.
(٣) جوامع الجامع ٢ : ٢٤٥.