فالذي وضع له الحرف هو النسبة الكلامية ، أعني النسبة بين المفهومين في الذهن والربط الحاصل بينهما ، وبذلك يختلف المعنى الحرفي جوهرا وحقيقة عن المعنى الاسمي ، فان المعنى الاسمي عبارة عن مفهوم له تقرر في وعائه الخاصّ يتعلق به اللحاظ ويعرض عليه التصور ، بخلاف المعنى الحر في فانه من سنخ اللحاظ والتصور لا مفهوم يتعلق به اللحاظ.
وبعبارة أخرى : الفرق بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي كالفرق بين الربط الخارجي والموجودات الخارجية. فكما انه لا ماهية للربط الخارجي يعرض عليها الوجود ، بل هو من سنخ الوجود ، كذلك لا مفهوم للنسبة الذهنية والربط الذهني يتعلق به التصور ، بل هو من سنخ التصور.
وبهذا يعلم ان المعنى الحرفي له أركان ثلاثة يختلف بها عن المعنى الاسمي :
الركن الأول : ان المعاني الحرفية إيجادية بخلاف المعاني الاسمية فانها إخطارية.
والوجه فيه : ان المعنى الحرفي كما عرفت هو الربط الذهني بين المفهومين ، وقد عرفت ان الربط الذهني ليس شيئا غير الوجود الذهني ومن أنواعه. وعليه ، فهو غير قابل للانتقال والخطور في الذهن ، بل هو يتحقق في الذهن ويوجد ، بخلاف المعنى الاسمي فان له مفهوما يتعلق به اللحاظ والتصور وله تقرر في وعائه المناسب له. وعليه فهو قابل للخطور في الذهن وتعلق التصور به.
وبهذا البيان يتضح ان سنخ دلالة الحروف على المعاني ليس سنخ دلالة سائر الألفاظ على معانيها ، وبعبارة أخرى : ليس سنخ الدلالة الوضعيّة وهي الدلالة التصورية ، لعدم قابلية المعنى الحرفي للتصور والانتقال ، بل نفس المعنى الحرفي يتحقق بذكر الحرف ويوجد في ذهن السامع ، فإذا قيل : « زيد في الدار »