يكفي في تعريف علم الأصول ان يقول : « هو القواعد التي يرتفع بها التحير الحاصل للمكلف من احتمال الحكم الشرعي » ، إلاّ أن الأمر في ذلك سهل ، فانه لا يعدو كونه إشكالا لفظيا. ولعل نظره قدسسره إلى الإشارة إلى قصور تعريف المشهور وانه يحتاج إلى إضافة قيد ، لا إلى بطلانه كما قد يشعر به تبديله وتغييره.
والّذي يمكن استفادته مما تقدم إمكان بيان تعريف المسائل الأصولية وضابطها بنحو يكون جامعا للمسائل المدونة ومانعا عن دخول القواعد الفقهية العامة. تقريب ذلك : انه قد عرفت ان المكلف إذا احتمل ثبوت الحكم الشرعي واقعيا كان أو غيره يحصل في نفسه التردد والحيرة بالنسبة إلى وظيفته العملية تجاه هذا الحكم المحتمل.
فهاهنا مقامات ثلاث : أحدها : مقام الحيرة والتردد. والآخر : مقام الاحتمال الموجب للتردد. والثالث : مقام واقع الحكم المحتمل من ثبوت ونحوه.
وعليه ، فالقواعد الأصولية ما كانت رافعة بلا ان تكون بمفادها ناظرة إلى نفس الحكم المحتمل بتعيين أحد طرفيه. بل اما ان تكون بمفادها ناظرة إلى مقام التردد والتحير ، بجعل ما يرفعه بلا ارتباط بكيفية الواقع كمسائل الأصول العملية والأمارات ، بناء على جعل المنجزية والمعذرية أو الحكم المماثل ونحوها من المسائل كما تقدم تقريبه. أو تكون نتيجتها رفع أساس التردد وهو الاحتمال ، اما تكوينا كالملازمات العقلية ، لأنها تستوجب العلم بالحكم فيرتفع التردد بارتفاع منشئه ولا نظر لها إلى نفس المحتمل ، إذ لا تعين أحد طرفي الاحتمال ثبوتا ، بل تكون واسطة في الإثبات باستلزامها العلم لا واسطة في الثبوت الحقيقي للحكم. واما تعبدا كالأمارات ، بناء على جعل الطريقية وتتميم الكشف ، فانه بها يتحقق العلم تعبدا بالحكم بلا ان يكون النّظر إلى نفس الحكم وثبوته حقيقة في واقعه.