وأما القول الثاني : فهو الّذي اختاره المحقق الأصفهاني ، وادعى انه مراد صاحب الكفاية بتقرير إليك نصه : « ان المراد من ثبوت المعنى باللفظ ، اما ان يراد ثبوته بعين ثبوت اللفظ بحيث ينسب الثبوت إلى اللفظ بالذات وإلى المعنى بالعرض ، واما ان يراد ثبوته منفصلا عن اللفظ بآلية اللفظ بحيث ينسب الثبوت إلى كل منهما بالذات ، لا مجال للثاني إذ الوجود المنسوب للماهيات بالذات منحصر في العيني والذهني وسائر أنحاء الوجود من اللفظي والكتبي وجود بالذات للفظ والكتابة. وبالجعل والمواضعة وبالعرض للمعنى. ومن الواضح أن آلية وجود اللفظ وعليته لوجود المعنى بالذات لا بد من أن يكون في أحد الموطنين من الذهن والعين ، ووجود المعنى بالذات في الخارج يتوقف على حصول مطابقه في الخارج أو مطابق ما ينتزع عنه. والواقع خلافه إذ لا يوجد باللفظ موجود آخر يكون مطابقا للمعنى أو مطابقا لمنشإ انتزاعه ، ونسبة الوجود بالذات إلى نفس المعنى مع عدم وجود مطابقه أو مطابق منشئه غير معقول. ووجوده في الذهن بتصوره لا بعلية اللفظ لوجوده الذهني والانتقال من سماع الألفاظ إلى المعاني لمكان الملازمة الجعلية بين اللفظ والمعنى مع ان ذلك ثابت في كل لفظ ومعنى ولا يختص بالإنشاء ، فالمعقول من وجود المعنى باللفظ هو الوجه الأول ، وهو ان ينسب وجود واحد إلى اللفظ والمعنى بالذات في الأول وبالعرض في الثاني ، وهو المراد من قولهم : ان الإنشاء قول قصد به ثبوت المعنى في نفس الأمر وانما قيدوه بنفس الأمر مع ان وجود اللفظ في الخارج وجود للمعنى فيه أيضا بالعرض ، تنبيها على ان اللفظ بواسطة العلقة الوضعيّة وجود المعنى تنزيلا في جميع النشئات ، فكأن المعنى ثابت في مرتبة ذات اللفظ بحيث لا ينفك عنه في مرحلة من مراحل الوجود. والمراد بنفس الأمر حد ذات الشيء من باب وضع الظاهر موضع المضمر.
فان قلت : هذا المطلب جار في جميع الألفاظ بالنسبة إلى معانيها من دون