وحيث إنّ عنوان البلوغ قد ثبت مقيّدا بطلوع الشمس ، فيثبت لنا هذا المقدار ، وأمّا الاستحباب بعد الطلوع فهذا لا دليل عليه ؛ لأنّه لم يتحقّق فيه البلوغ المجوّز للحكم بالاستحباب الواقعي ، إذ لم يرد في هذا الخبر ثواب على الجلوس بعد طلوع الشمس ، والاستحباب إنّما ثبت قبل الطلوع بعنوان ثانوي وهو محدّد بمقداره ـ أي قبل الطلوع ـ ولا يمكن جريان استصحابه لأنّه يقطع بارتفاع الاستحباب الثابت قبل طلوع الشمس عند طلوعها ، وأمّا بعد طلوعها فيشك في أصل ثبوته لا في بقائه ؛ لأنّه لو كان الاستحباب ثابتا بعد الطلوع فهو استحباب آخر غير الاستحباب الثابت قبل الطلوع ، فالشك فيه شكّ في أصل ثبوته لا في بقائه. ولذلك لا يجري الاستصحاب لاختلال أحد أركانه ، إذ لا شكّ في البقاء للموضوع ، وإذا ارتفع الموضوع ارتفع الحكم الثابت له ، فإذا شكّ في الحكم مجدّدا فيشك فيه من جهة أنّه هل تحقّق موضوع آخر لهذا الحكم أم لا؟ وهنا لا نحرز بل نقطع بعدم البلوغ بعد الطلوع إذ لا دليل عليه بهذا الخبر.
ومهما يكن فلا شكّ في أنّ الاحتمال الأوّل مخالف لظاهر الدليل ، كما تقدّم في الحلقة السابقة ، فلا يمكن الالتزام بتوسعة دائرة حجيّة الخبر في باب المستحبات.
بعد أن عرفنا هذه الاحتمالات والفوارق النظرية والعمليّة بينها نعود الآن لنرى أنّ هذه القاعدة أي التسامح في أدلة السنن المبنية على هذه الروايات هل هي تامّة أم لا؟
لا إشكال في أنّ الاحتمالين الرابع والثالث لا يمكن الاستناد إليهما كمستند لهذه القاعدة ، لأنّهما لا يتضمنان أىّ نوع من أنواع الحكم لا الظاهري ولا الواقعي ، وإنّما مجرّد إخبار عن حسن الاحتياط عقلا ، وأنّ هناك ثوابا على العمل الذي بلغ عليه الثواب ، مضافا إلى أنّه لا يمكن المصير إليهما لمخالفتهما لظاهر هذه الروايات فإنها بصدد التشريع وإعمال المولوية لا مجرّد الإخبار.
ولذلك يدور الأمر بين الاحتمالين الأوّل والثاني ، فإن قيل بالاحتمال الأوّل تمت القاعدة المذكورة لأنّ مفاده حجيّة الخبر الضعيف في باب المستحبات ، وهذا يتناسب مع القاعدة لأنّ مفادها أنّه في أدلة السنن يتسامح فيها والتسامح فيها يكون بلحاظ السند أي أنّه لا يشترط في أدلة السنن صحّة الخبر بنحو يكون واجدا لشرائط الحجيّة ،