وقد اعترض على ذلك المحققون المتأخرون بأنّه ليس نقلا حسّيا لقول المعصوم ، بل هو نقل حدسي مبني على ما يراه الناقل من كشف اتفاق الفتاوى التي لاحظها عن قول المعصوم فلا يكون حجّة في إثبات قول المعصوم بل في إثبات تلك الفتاوى فقط.
الإجماع المنقول : وعلى هذا الأساس نعرف الحال في الإجماعات المنقولة ، فإنّ الإجماع المنقول هو الإجماع الذي ينقله أحد العلماء كالشيخ وغيره ، بأنّه يوجد إجماع على هذا الحكم ، فهل يكون هذا الإجماع المنقول بخبر الثقة حجّة أم لا؟
المتقدّمون من العلماء يرون حجيّة مثل هذا الإجماع المنقول ، كالإجماع المحصّل بالتتبع والاستقراء ، غاية الأمر أنّ الإجماع المحصّل يقوم به الشخص بنفسه فيحصل على اكتشاف الحكم الشرعي من خلال اتفاق العلماء المجمعين على أساس أنّ لازم اتفاقهم على الحكم وجود المعصوم وموافقته لهم بحكم قاعدة اللطف وغيرها ، كما تقدّم سابقا.
بينما الإجماع المنقول يقوم به الغير وينقله إلينا ، والمفروض كونه ثقة لا يكذب في ذلك ، فيثبت مفاده إلينا أيضا ؛ وذلك لأنّ مفادهما واحد وهو الإخبار عن قول المعصوم بالمعنى لا باللفظ ، فإذا كان الإجماع المحصّل حجّة لقيام الشخص به مباشرة مع أنّه لا يثبت أكثر من دخول قول المعصوم ضمن المجمعين استنادا للأدلة المذكورة في محلّه كان الإجماع المنقول حجّة لقيام الثقة به وإخباره بذلك.
إلا أنّ المتأخّرين اعترضوا على ذلك ـ كما هو الصحيح ـ فإنّ أدلة حجيّة خبر الثقة تختص في الإخبارات المستندة إلى الحسّ ، ولا تشمل الإخبارات المستندة إلى الحدس ، ولذلك لا يكون الإجماع المنقول حجّة في الكشف عن الحكم الشرعي ، وعن قول المعصوم ، بخلاف الإجماع المحصّل وذلك للفرق بينهما ، فإنّ الإجماع المحصّل ثابت للشخص بالحس بينما الإجماع المنقول ثابت للشخص المنقول إليه بالحدس ، ولذلك لا يكون مشمولا لأدلة الحجيّة ؛ لأنّه يعتمد على نظر واستنتاج الشخص المتتبع لآراء العلماء وقد يخطأ بنظرنا في استنتاج الإجماع.
نعم ، يمكن إثبات هذا الاتفاق المذكور فإنّ إخباره عن إجماع العلماء على الحكم ثابت لديه بالحسّ بخلاف إخباره عن قول المعصوم ، ولذلك يفصل بينهما